كتاب الطهارة من المحرر في الحديث - 16

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين، سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

 قال المصنف -رحمه الله تعالى-:

باب آداب قضاء الحاجة.

 عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل الخلاء وضع خاتمه، رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي، وصححه، والنسائي وقال: هذا حديث غير محفوظ، والحاكم وقال: على شرطهما، وقال أبو داود: هذا الحديث منكر، والوهم فيه من همام، وقد روي من غير طريقه."

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 نعود إلى الحديث الذي أعربناه «حتى ما يكون» حتى هذا حرف عامل، و(ما) عاملة في الفعل أم غير عاملة؟ عامل أم غير عامل (ما)؟ هذا ليس بعامل (ما)، ليس بعامل، ليست عاملة، فلا تلغي أثر العامِل، فلا تلغي أثر العامل.

يقول "باب آداب قضاء الحاجة" الآداب جمع أدب، وهو ما يطلب، وهو ما يطلب لا على وجه اللزوم، كما هو الأصل، وفي الآداب ما جاءت الأدلة على وجوبه، ما جاءت الأدلة على وجوبه.

 قضاء الحاجة المراد به ما يُكَنَّى بهذا اللفظ عنه، وهو ما يُبطِل الوضوء من محسوس كالبول والغائط، أو مسموع، أو مشموم، لكنهم هنا لا يذكرون إلا المحسوس، وأما بالنسبة للمسموع كالريح مع الصوت، أو المشموم كالريح بلا صوت فهذا لا يذكرونه غالبًا في هذا الباب، وإن كان قضاءً للحاجة، لكن إنما يقتصرون في هذا الباب على البول والغائط المحسوس، بالنسبة للريح لا شك أن لها آدابًا بحيث لا يؤذي جليسه، ولا يُرسَل في مكان محترم إلا عند الحاجة، كما قرر أهل العلم أنهم قالوا: لا بأس بإرسال الريح في المسجد؛ للحاجة، للحاجة، يعني إذا اقتضت الحاجة ذلك، قالوا: لا بأس به؛ لأن الأصل في ذلك الكراهة، والكراهة تزول بأدنى حاجة.

 "عن أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه – قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل الخلاء وضع خاتمه، وضع خاتمه" إلى أن قال: "رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي وصححه والنسائي وقال: هذا حديث غير محفوظ، والحاكم وقال: على شرطهما، وقال أبو داود: هذا الحديث منكر، والوهم فيه من همام، وقد رُوي من غير طريقه".

 هذا الحديث لا شك أنه منكر، فهمام وهِم فيه وغلط، والأصل من حديث أنس كما في الصحيحين وغيرهما أن النبي -عليه الصلاة والسلام- اتخذ خاتمًا، اتخذ خاتمًا في أول الأمر من ذهب، ثم ألقاه وألقوا خواتيمهم، ثم اتخذ خاتمًا من ورِق، وأما بهذا اللفظ فوهم فيه همام ومثّل به الحافظ العراقي للمنكر، ابن الصلاح لما مثّل للمنكر بحديث أبي زُكَيْر «كلوا البلح بالتمر، فإنه إذا أكله ابن آدم غضب الشيطان وقال: عاش ابن آدم حتى أكل الجديد بالخَلِق»، قال: هذا منكر، وأبو زُكِير ممن لا يحتمل تفرده، فتفرد مثل هذا منكر، مثّل بهذا، ومثّل بإبدال الإمام مالك -رحمه الله تعالى- عَمْرو بن عثمان سماه عُمَر بن عثمان، والأئمة على خلافه، والإمام مالك لا شك أن تفرده محتمَل، لكن مع المخالفة، الحديث الذي سُقناه حديث أبي زكير مع كون راويه لا يحتمل تفرده، أيضًا لفظه منكر، «كلوا البلح بالتمر، فإنه إذا أكله ابن آدم غضب الشيطان»، هل الذي يغضب الشيطان طول عمر ابن آدم أم الذي يغضبه أن يطول عمره مطيعًا لله- جل وعلا-؟

نعم، إذا طال عمره على طاعة الله يغضب الشيطان، أما إذا طال عمره على غير طاعة فهذا لا يضير الشيطان شيئًا، بل قد يفرح بمثل هذا، هذا وجه النكارة في متنه، إضافة إلى أن راويه لا يُحتَمَل تفرده.

 يقول الحافظ العراقي:

نحو كلوا البلح التمر الخبر

 

ومالك سمى ابن عثمان عُمَر

قلت فماذا بل حديث نزعه

 

خاتَمَه عند الخلا ووضعه

هذا المثال الصحيح للمنكر، هذا المثال الصحيح للمنكر، ولذا قال أبو داود: هذا الحديث منكر يقول: "رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي وصححه"، ولا شك أن هذا من تساهل الإمام الترمذي، وهو موصوف بهذا عند جمع من أهل العلم، وهل يعني قولنا: إن الترمذي أو الحاكم أو ابن حبان أو ابن خزيمة إذا قلنا: إن هؤلاء موصوفون بالتساهل، هل هذا يعني أنه لا يعتد بأقوالهم؟

هم أئمة، هم أئمة، لكن يستصحب الإنسان هذا الحكم ويتحرى ويقارن أقوالهم بأقوال غيرهم من الأئمة، يعني مثلما سمع شخص أن ابن المنذر متساهل في نقل الإجماع، فصار يحذّر من هذا الكتاب، ولا يعوَّل عليه، ولا.. إذا تساهل معنى هذا أن كل ما ينقله خطأ؟ ليس بصحيح، وإذا تساهل الحاكم فمستدركه كله ليس بصحيح؟ هذا ليس بصحيح، والحافظ الذهبي- رحمه الله- نص على تساهل الترمذي، وغيره يرى أن الإمام الترمذي إمام معتدل يعتد بقوله كغيره من الأئمة، بل يذهب أحمد شاكر- رحمه الله- إلى أبعد من هذا ويقول: إن تصحيح الترمذي معتبر، وتوثيق لرجاله، يعني إذا صحح حديثًا قال: هذا حديث حسن صحيح فرجاله ثقات، لكن الشيخ أحمد شاكر هو الآخر أيضًا موصوف بالتساهل الشديد، واسع الخطو في التصحيح، رحم الله الجميع.

 "والنسائي وقال: هذا حديث غير محفوظ" كما أن النسائي أيضًا موصوف بوصف مخالف، بالتشدد، وعلى كل حال هم أئمة، ولهم علينا من الفضل ما يستحقون به الثناء والدعاء، ولا يعني أن هذا متعنت، أو هذا متساهل أن أقوالهم تُلغى، أو لا يُعتد بها، هم أئمة هذا الشأن، لكن إذا قُورنت أقوالهم بأقوال غيرهم ينظر إلى المسألة بإنصاف، وهذا للمتأهل هذا حديث غير محفوظ، يعني أنه إيش؟

طالب: شاذ.

شاذ؛ لأن الذي يقابل المحفوظ الشاذ، فإذا كان الخبر غير محفوظ فهو شاذ، والذي يقابل المنكر المعروف، ولا اختلاف بين قوله: هذا حديث غير محفوظ، يعني شاذ، وبين قول أبي داود: حديث منكر؛ لأن من أهل العلم من يجعل المنكر والشاذ شيئًا واحدًا، يقول الحافظ العراقي:

..................................

 

فهو بمعناه كذا الشيخ ذكر

يعني هو بمعنى المنكر، يعني الشاذ، فلا اختلاف بينهما في الحكم.

 "والحاكم: وقال على شرطهما، وقال: على شرطهما" وهذا تساهل شديد، ما معنى قوله: على شرطهما؟ يعني أن الحاكم خرَّج الحديث برواة أخرج لهم الشيخان، أخرج لهم الشيخان، وهذا هو المرجح في شرط الشيخين، لكن يبقى أن الشيخين قد يخرجان لراوٍ من الرواة على سبيل الانتقاء، وقد يكون هذا الراوي مضعفًا في شيخه هذا، وإن كان البخاري قد خرّج له عن غيره وخرج لشيخه من طريق غيره، فيأتي الحاكم ويخرّج لهذه الصورة المجتمعة، باعتبار أن البخاري خرّج لهذا، وخرّج لهذا في غير هذا السياق، في غير هذا الاتصال، في غير هذه الصورة، صورة مختلفة فيقول: على شرطهما، باعتبار أن البخاري خرَّج للتلميذ، وخرَّج للشيخ، لكن لا يعني أنه خرَّج لهما بهذه الصورة، فعندنا مسألة الانتقاء معروفة عند الشيخين، فقد يخرجان، ينزلان عن شرطهما في الرواة على سبيل الانتقاء، يخرجان لمن مُسَّ بضرب من التجريح الخفيف مما حفظه من حديثه وتُوبِع عليه.

 يقول- رحمه الله-: "وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل الخلاء وضع خاتمه" أولاً النبي -عليه الصلاة والسلام- اتخذ الخاتَم لما قيل له: إن الملوك لا يقرؤون إلا ما كان مختومًا، فاتخذ الخاتَم، وكان نقش خاتمه -عليه الصلاة والسلام- محمد رسول الله، تبدأ على سبيل الترقي محمد أسفل، ورسول في الوسط، ولفظ الجلالة فوق، فإذا كان في اليد خاتَم وعرفنا سبب اتخاذه من قِبَل النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه للحاجة، فعلى هذا قد يقال بعدم استحبابه إلا لمن احتاجه، ومن احتاجه من أهل التوثيقات من الأمراء والقضاة، ومن في حكمهم نقول: قامت الحاجة إلى توثيق ما يكتبونه بالأختام، ويكون حينئذ الاقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام- ظاهرًا، أما مع عدم الحاجة فإن كان للزينة فالزينة في مثل هذا إذا كانت من فضة فمباحة، على ألا يبالَغ بها؛ لأن المبالغة بالزينة من شأن النساء، فهو مباح، والصحابة اتخذوا خواتم، بدليل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لما ألقى خاتمه ألقوها، ولا يظهر في مثل هذا أثر التعبد ليقال: الاقتداء والائتساء إلا لمن كان في وصفه -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن من الأمور ما يفعله النبي -عليه الصلاة والسلام- بوصف معيَّن لا بوصفه العام، فيفعل أشياء باعتبار أنه إمام، أنه إمام فيقتدي به الأئمة في ذلك، ويفعل أشياء باعتباره حاكمًا يقتدي به الحكام باعتبار ذلك، ويفعل أشياء باعتباره قاضيًا فيفعل فيقتدي به القضاة في ذلك، وكل يأخذ منه ما يخصه، وإن كان الأصل الاقتداء والائتساء.

 لو تأخر شخص عن صلاة الجمعة ودخل مع الإمام في آن واحد، أو جلس ينتظر دخول الإمام في الشارع، ودخل معه وقال: أنا أقتدي بالنبي -عليه الصلاة والسلام- لا أتقدم إلى الجمعة؛ لأنه لا يأتي إلا للخطبة، نقول: هذا في حق الأئمة، وليس في حقك أنت، في حق الأئمة، لكن مثل تأخر النبي -عليه الصلاة والسلام- عن صلاة الصبح حتى يؤذَن بإقامتها، هل نقول: الأصل الاقتداء به، ويجلس الإنسان في بيته ويضطجع، ولا يخرج إلا للإقامة بعد أن يصلي الراتبة في بيته اقتداءً بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، أو نقول: حث النبي -عليه الصلاة والسلام- على المبادرة للصلاة، وانتظار الصلاة، ونقول: هذا للأئمة باعتباره إمامًا، ويكون نصيبنا منه ما حثنا عليه -عليه الصلاة والسلام- من المبادرة، وانتظار الصلاة؟

 الخاتَم الذي اتخذه النبي -عليه الصلاة والسلام- فيه لفظ الجلالة، ولفظ الجلالة لا يُدخَل به الخلاء، لا يُدخَل به الخلاء، والحديث مثل ما ذكرنا منكر، لكن ماذا يصنع من في أصبعه خاتَم فيه اسمه عبد الله بن عبد الرحمن مثلاً.

طالب: ............

كيف؟ يخرجه أم لا، أو يقبض عليه؟

طالب: ............

هو لو أمكن إدخاله في جيبه فلا بأس؛ لأن مفاد هذا الخبر وإن كان منكرًا إلا أن الأدلة العامة تقتضي احترام ما فيه ذكر الله- جل وعلا-، فمثل هذا ما يُدخَل به الخلاء إلا إذا نسيه الإنسان، أو خشي عليه، والمستور غير البارز، أمره سهل، يعني لو كان في جيبك ورقة فيها كلام، فيه ذكر الله -جل وعلا- ما يضر إذا كان مستورًا الاسم من أسماء الله -جل وعلا-، إذا كان المراد به غيره هل ينزَّه عن دخول هذه الأماكن أو كغيره من الكلمات؟

إذا كان المراد به غيره طريق الملك فلان مثلاً، معك ورقة فيها عنوان فيه طريق الملك فهد، والملك من أسماء الله -جل وعلا- مثل هذا كغيره من الكلام؛ لأنه لا يراد به الله -جل وعلا- وليس من الأسماء الحسنى حينئذ، فهو كغيره من الكلام.

 القرآن شأنه أعظم من مجرد الذكر، ولذا يجزم أهل العلم بتحريم إدخال القرآن أو ما فيه شيء من القرآن في هذه الأماكن؛ لأن القرآن أخص من مجرد الذكر، فإذا كان ما فيه الذكر يميل جمع من أهل العلم إلى أنه مكروه، فإن إدخال القرآن الكريم، أو بعض القرآن هذه الأماكن محرم، أحيانًا ما ينتبه الإنسان إلا إذا شرع في قضاء حاجته أن في جيبه مصحفًا كاملًا، في جيبه مصحف، ماذا يصنع؟ مثل هذا يلزمه أن يخرجه على أي حال كان أو نقول: إنه قد يتضرر، أو قد يتلوَّث؟ أما إذا كان قبل أن يشرع في قضاء حاجته يلزمه إخراجه، أما إذا شرع فإن أمكنه من غير ضرر فهو الأصل، وإن لم يمكن فيبقى مستورًا ويستغفر الله.

 إذا خشي عليه من أن يسرق، كثيرًا ما يكون في المدارس وفي الجامعات وغيرها في دورات المياه قبل أن يدخل الطالب في جيبه مصحف، يضعه في مكان، إذا خرج ما وجده، إذا خشي عليه أن يسرق رخص أهل العلم في مثل هذا على ألا يكون بارزًا.

 كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكان هذه تدل على الاستمرار. إذا دخل الخلاء، والمراد به المكان المعد لقضاء الحاجة. وضع خاتمه عرفنا ما في هذا، وما في أصل الحديث من كونه منكرًا، إذا دخل الخلاء الذي هو معد لقضاء الحاجة، الآن هذا المكان يشتمل على أمور غير قضاء الحاجة، فيه محل لقضاء الحاجة، وفيه محل مغسلة للوضوء، وفيه مكان للاغتسال والاستحمام، فهل نقول: إن كل هذه المواضع مواضع خلاء، أو نقول: إن موضع الخلاء ما يقضى فيه الحاجة، ومحل الاغتسال ليس بموضع للخلاء، ومكان الوضوء ليس بموضع للخلاء، أو يأخذ الحكم الواحد وإن تعددت منافعه باعتبار أنه يشمله مسمى واحد، ويحد بأسوار واحدة، ولا يمكن تمييز بعضها عن بعض، يأخذ الحكم باعتباره في سور واحد كما يقال: المسجد حكمه واحد ولو تعددت منافعه مادام داخل السور؟

"وعن المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه- قال: كنت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في سفر فقال: «يا مغيرة، خذ الإداوة»، فأخذتها، فانطلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى توارى عني فقضى حاجته، متفق عليه."

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن المغيرة بن شعبة -رضي الله تعالى عنه- قال: كنت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في سفر"، ولعلها في الغزوة التي فيها المسح على الخفين فأهويت لأنزع.. إلى آخره في غزوة تبوك، "كنت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في سفر فقال: «يا مغيرة، خذ الإداوة، يا مغيرة، خذ الإداوة»" فدل على أن الكبير له أن يأمر من دونه ولو كان ممن تبرع بخدمته، ولو كان حرًّا، «يا مغيرة خذ الإداوة» إناء صغير من جلد يتخذ للماء وعاء وصغير من جلد يتخذ للماء، «خذ الإداوة».

 "فأخذتها" امتثالاً لأمره -عليه الصلاة والسلام-، "فانطلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى توارى" أي اختفى واستتر، "عني فقضى حاجته" وكانوا يقضون حاجتهم بخارج البيوت، ولم تتخذ الكُنُف حينئذ، فكان الرجال يخرجون لقضاء حاجتهم، وهذا في سفر، فلا يلزم منه هذا.

 وعلى كل حال كانوا يخرجون حتى في بيوتهم في المدينة، يخرجون، والنساء يخرجن، قصة عمر- رضي الله تعالى عنه- مع سودة معروفة، قد عرفناك يا سودة، فكلهم يخرجون؛ لأن البيوت ليس فيها كنف، وهذا في سفر.

 "فأخذتها، وانطلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى توارى عني، فقضى حاجته" يعني أبعد عني واستتر، وهذا من أدب الإسلام أن يستتر الإنسان عند قضاء حاجته، أما لو كان بمكان بحيث تُرى عورته فهذا حرام، وإذا استتر عن الناس وقضى حاجته قريبًا منهم فإن كان مما له رائحة، ويصاحبه صوت فالبعد، وإلا فالنبي -عليه الصلاة والسلام- كما سيأتي في حديث حذيفة انتهى إلى سباطة قوم فبال قائمًا، كما سيأتي، فدل على أن البول لا يلزم منه الإبعاد إذا استتر وأمن الرشاش على ما سيأتي، وأما بالنسبة للغائط الذي يصاحبه الرائحة الكريهة والصوت فإن هذا يبعد، ولذا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توارى عني، يقول المغيرة، فقضى حاجته، فهذا من أدب الإسلام، لكن لو أنه توارى عنه، ولم يبعِد، صار بينه وبينه كثيب من رمل، يكفي، فالمقصود أن يبعد عن أنظار الناس، وهذا مطلوب ولو استتر، أصل الطلب مطلوب، ولو استتر؛ لأن رؤية الإنسان على هذه الهيئة وإن لم تُرَ عورته خلاف الأولى، خلاف الأولى.

"وعن عبد الله بن جعفر قال: أردفني النبي -صلى الله عليه وسلم- خلفه، فأسر إليَّ حديثًا لا أحدث به أحدًا من الناس، وكان أحب ما استتر به لحاجته هدف أو حائش نخل، رواه مسلم."

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن عبد الله بن جعفر قال: أردفني النبي -صلى الله عليه وسلم- خلفه" بمعنى أنه حملني على دابته وراءه، قد جاءت أحاديث تدل على جواز الإرداف على الدابة؛ شريطة أن تكون مطيقة لذلك، بحيث لا يكرثها هذا، ولا يثقلها، ولا يشق عليها، وقد جمع ابن منده كتابًا فيمن أردفهم النبي -صلى الله عليه وسلم-، فبلغوا عنده أكثر من ثلاثين أردفهم النبي -صلى الله عليه وسلم-، فجواز الإرداف على الدابة لا إشكال فيه؛ شريطة أن تكون مطيقة لذلك، أما إذا كان يشق عليها فلا، لا يجوز الإرداف عليها؛ لأنه يضر بها، وإذا كانت الآلة جمادًا لا تتأثر بالحمل، ولا تتألم كالدابة فالأمر كذلك، ما لم تتضرر ويترتب عليه تلفها.

 لو كانت سيارة مثلاً حمولتها طن واحد، فقال: السيارة سيارتي، ولا يستطيع أحد أن يتدخل في شأني، أحمل عليها ضعف ما كتبوا عليها من حمولة، أحمل عليها ضعف ما كتبوا عليها، فإذا كانت تتلف بهذا أو يعرّضها لأن تتضرر بحيث تفقد جزءًا من قيمتها فقد جاء النهي عن إضاعة المال، وهذا منه، وإذا كانت الزيادة في حمولتها يترتب عليه خطر عليها وعلى غيره أيضًا يمنع من هذه الحيثية، وإذا كانت الزيادة في حمولتها يترتب على ذلك ضرر على الطرق المسلوكة، يتأثر الطريق، يتأثر الإسفلت مثلاً فيمنع من هذه الحيثية.

 هناك موازين تزن السيارات بحمولتها على الطرقات؛ من أجل هذا، ولا شك أن هذه الطرق إنما أوجدت لإفادة المسلمين منها، وهي من بيت المال، فالضرر بها لا يجوز، ولا شك أنها تتضرر بزيادة الحمولة، بدليل أن الفرق بين المسار الأيسر والمسار الأيمن الذي عليه السيارات الكبيرة هذا يتلف بسرعة، المقصود أن مثل هذا يمنع من هذه الحيثية، فما فيه ضرر سواء كان على الدابة أو على السيارة نفسها بحيث ينعدم جزء من قيمتها، أو يكون ضررًا على صاحبها أو غيره بسببها أو على الطريق، كلها تُمنَع؛ للنهي عن  إضاعة المال.

 "أردفني النبي -صلى الله عليه وسلم- فأسر إليَّ حديثًا لا أحدث به أحدًا من الناس"، ما هذا الحديث؟

هو المذكور هنا: وكان أحب ما استتر به..؟ هل هو هذا ما ذكر في الحديث، أو لا ندري ما هو لأنه قال: "وأسر إليَّ حديثًا لا أحدث به أحدًا من الناس"؟ يخبر عن نفسه بأنه لا يحدِّث به أحدًا من الناس، واحتمال أن يكون بطلب من النبي -عليه الصلاة والسلام- ألا يخبر به أحدًا، واحتمال أن يكون حفظًا لسرِّه -عليه الصلاة والسلام-، والمجزوم به أن هذا الحديث الذي فيه سر لا يترتب عليه حكم، وإلا كان أخبر به، ولو عند موته كما فعل معاذ تأثُّمًا، فلهذا لم يفشِ سر النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن الخبر يترتب عليه حكم يتعلق بالأمة، وما أسر به إلى عبد الله بن جعفر الذي يظهر أنه لا يشتمل على خبر يعم الناس.

 "وكان أحب ما استتر به لحاجته هدف" الهدف ما ارتفع من الأرض، إما كثيب رمل أو طين أو تراب أو ما أشبه ذلك أو حائط أو جدار.

 قال: "أو حائش"، والحائش هو حائط النخل البستان، فيستتر بأصله، ويقضي حاجته.

 "رواه مسلم" فالنبي -عليه الصلاة والسلام- يستتر إذا أراد قضاء حاجته، وهذا من محاسن هذه الشريعة التي جاءت بالاستتار والستر والستارة، أما إبداء العورات والتهاون بها فليس هذا من عمل المسلمين، بل جاء الأمر بحفظ العورات؛ «احفظ عورتك إلا عن زوجتك أو ما ملكت يمينك»، ولذا لا تجدون إشكالًا فيما بين الكفار، نسأل الله العافية، في كشف سوءاتهم وعوراتهم، ومع الأسف أن هذا سرى إلى بعض المسلمين، إلى بعض المسلمين، وهذا مما تأباه المروءة فضلاً عن الدي،ن وكشف العورات والمطالبة به هذه من أوائل مطالب إبليس وما يسعى إليه جاهدًا {لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا} [سورة الأعراف:20]، مقرون بأول ذنب، مقرون بأول ذنب، ولذا في آخر سورة الأحزاب لما قال الله- جل وعلا-: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ} [سورة الأحزاب:59] قال بعدها مباشرة: {لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ} [سورة الأحزاب:60]، فدل على أن المطالبة بمثل هذه الأمور من عمل إبليس وأتباعه من المنافقين.

"وعن أنس -رضي الله عنه- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل الخلاء قال: «اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث»، متفق عليه، وقال البخاري: وقال سعيد بن زيد حدثنا عبد العزيز إذا أراد أن يدخله، ولسعيد بن منصور، ولسعيد بن منصور في سننه: كان يقول: «بسم الله»."

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن أنس -رضي الله عنه- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل الخلاء" إذا دخل، دخل فعل ماضٍ، والفعل الماضي يطلق ويراد به الفراغ منه، وهو الأصل، يعني إذا قيل: جاء زيد، أو ذهب زيد فالمراد به، المراد به أنه حصل الفعل وفُرِغ منه، ولذا قيل عنه: ماضٍ، يعني في زمن الماضي، ما دل على حدث في الزمن الماضي، ويطلق الفعل ويراد به الشروع فيه، الشروع فيه كما في قوله -عليه الصلاة والسلام-: «إذا ركع فاركعوا»، الفراغ منه كما في قوله -عليه الصلاة والسلام-: «إذا كبَّر فكبِّروا»، يعني إذا فرغ من التكبير كبروا، لكن «إذا ركع فاركعوا»، يعني إذا شرع في الركوع ما هو أثناء الهوي إلى الركوع، لا، يعني إذا بدأ بالركوع الذي هو الانحناء الكامل، ويطلق الفعل الماضي ويراد به إرادة الفعل {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ} [سورة المائدة:6]، يعني إذا أردتم القيام فهل معناه إذا قمتم إلى الصف؟

 لا، إذا أردتم القيام إلى الصلاة فاغسلوا {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [سورة النحل:98] هل معناه إذا فرغت؟

إذا أردت القراءة، وهنا إذا دخل الخلاء جاء المعلَّق إذا أراد أن يدخله، إذا أراد أن يدخله، إذا دخل الخلاء يعني إذا أراد أن يدخله قال: «اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث» اللهم أصلها يا الله أصلها يا الله حُذِفت ياء النداء، وعُوِّض عنها الميم تيمنًا بالبداءة بالاسم الشريف وعدم سبقه بحرف النداء، ولذا لا يجمع بينها وبين الياء، وأما ما جاء من قول الشاعر:

إني إذا ما حدث ألمَّ

 

أقول يا اللهم يا اللهم

هذا شاذ «اللهم إني أعوذ بك» ألتجئ وأعتصم بك، «من الخبث» بإسكان الباء وضمها أيضًا الخبْث والخبُث «والخبائث» والخبث بالإسكان يراد به الشر، والخبائث الشياطين، فكأنه على هذه الرواية استعاذ من الشر وأهله، وإذا قلنا عن الرواية الأخرى «الخبُث والخبائث» قلنا الخبُث ذكران الشياطين، والخبائث إناثهم، ذكران الشياطين، والخبائث إناثهم، فكأنه استعاذ من الشياطين من ذكرانهم وإناثهم، والضبط الأول كأنه أشمل وأعم من جهة باعتبار أن الخبائث إذا قلنا: إن الخبْث الشر، والخبائث الشياطين، يشمل الذكور والإناث، فإذا استعذنا من الشر وأهله صار أشمل من أن نستعيذ من أهل الشر، لكن هل يتصور شر من غير طريق أهله؟ هل يتصور شر من أهل الخير مثلاً؟ يمكن غير مقصود، يمكن غير مقصود، فالاستعاذة من الشر وأهله أشمل.

 "متفق عليه، وقال البخاري: وقال سعيد بن زيد" بن درهم أخو حماد بن زيد، صدوق عند أهل العلم، قال: حدثنا عبد العزيز إذا أراد أن يدخله، وهذا تفسير لقوله: إذا دخل الخلاء، "قال البخاري: وقال سعيد بن زيد" هذا المعلَّق الذي علقه البخاري جازمًا به، جازمًا به هو موصول عند غير البخاري، عند البيهقي وغيره بسند على شرط الإمام البخاري.

أما ما رواه سعيد بن منصور في سننه: كان يقول: «بسم الله»، كان يقول: «بسم الله»، هذه الزيادة موجودة عند سعيد بن منصور وعند ابن أبي شيبة، والبسملة مروية للبداءة بالوضوء، ولدخول الخلاء، لكن شيئًا من ذلك لم يثبت، فرواية سعيد بن منصور فيها أبو معشر السندي نجيح ضعيف عند أهل العلم، والبسملة للوضوء يقول الإمام أحمد وغيره: لا يثبت فيها شيء. «اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث» يعني مثل ما ذكرنا، إذا نسي شيئًا مما فيه ذكر الله ودخل الحمام نسي أن يقول مثل هذا الذكر، هل يخرج ليأتي به، أو نقول: سنة فات محلها وقل مثل هذا لو نسي الاستعاذة للقراءة، أو نسي الاستفتاح في الصلاة وشرع في القراءة، ففي الحديث الذي معنا نسي ودخل لما دخل وأراد أن يقضي حاجته ذكر أنه لم يذكر، هذا لم يأت بهذا الذكر، بهذا الدعاء، فهل يعود ليأتي به أو نقول: سنة فات محلها؟

إذا كان لا يشكل عليه أن يخرج ويدخل مرة ثانية من باب قوله -عليه الصلاة والسلام-: «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها»، وهنا يتأتى له أن يخرج ليأتي بهذا الذكر، هذا متى؟ إذا لم يباشر الفعل، أما إذا بدأ فلا يتجه مثل هذا، وهل يقولها في نفسه بحيث لا يطلق عليه كلام؛ لأنه إذا لم ينطق به لا يؤاخذ في نفسه، كما يقول بعضهم، يقولها في نفسه، أو لا يقولها، وليس بكلام يؤاخَذ عليه بأن يذكر الله- جل وعلا- في هذا المكان؟ لا، في نفسه لا يعد كلامًا، ويكون حينئذ أتى بالمقدور عليه، إذا كُلِّف الإنسان بأمر وعجِز عن أن يأتي به على الوجه الكامل، وقدر على بعضه يأتي بما قدر عليه إذا كان المقدور عليه مما يتعبد به، إذا كان المقدور عليه مما يتعبد به.

 شخص لا يقرأ، ومن مقتضى القراءة أن يحرك شفتيه، ولا يحسن قراءة الفاتحة نقول: حرك شفتيك؟

نقول: تحريك الشفتين ليس مما يتعبد به، وقل مثل هذا في إمرار الموسى على رأس الأصلع، لكن إذا كان المقدور عليه مما يتعبد به كالقيام في الصلاة لمن لا يحسن القراءة إذا قال: ركن القيام إنما شرع من أجل القراءة، هل نقول: خلاص مادام ما تعرف تقرأ اركع على طول؟ لا، ما يقال هذا؛ لأنه مما يتعبد به، {وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [سورة البقرة:238]، ففرق بين هذا وهذا، فهل إجراء الذكر وإمراره على القلب متعبَّد به، أو غير متعبَّد به؟

متعبَّد به؛ لأن هذا نوع من التفكر، نوع من التفكر، فلا مانع من إمراره على القلب، وحينئذ لا يدخل في المحظور؛ لأنه لم ينطق، وهو أحسن من الغفلة، السنة النطق، لكن النطق الباعث عليه ما وقر في القلب، هو قدر على الباعث، ولم يقدر على الأثر، هذا إذا كان في الخلاء، طيب افترضنا أنه في بر، في الخلاء في البر، خارجًا عن محل قضاء الحاجة فيقولون عند آخر خطوة يخطوها ويصل إلى المكان الذي يريد أن يقضي حاجته مع رفعه ثيابه يقول مثل هذا.

"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «اتقوا اللاعنين»، قالوا: وما اللاعنان يا رسول الله؟ قال: «الذي يتخلى في طريق الناس، أو في ظلهم» رواه مسلم."

في بعض النسخ بصيغة المبالغة: اللعَّانَين، قالوا: وما اللعَّانان؟ ما يوجد في بعض النسخ بصيغة المبالغة.

طالب: ............

على كل حال الذي في الصحيح باسم الفاعل.

 "عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:" «اتقوا» اتقوا أي اجعلوا بينكم وبين اللعن وقاية، اجعلوا بينكم وبين ما يقتضي اللعن وقاية، أو بينكم وبين اللعن، ولا يمكن أن توجد الوقاية بينك وبين اللعن إلا أن تجتنب أسبابه، أن تجتنب أسبابه، وأُطلق اللعن هنا على المسبَّب مع إرادة السبب، مع إرادة السبب.

 الآن الشخص الذي يتخلى في طريق الناس يكون سببًا في لعنهم إياه صح أم لا؟ يكون متسببًا، والمباشِر للعن من هو؟ اللاعن، اللاعن هو المباشر، والذي لُعِن متسبب لهذا اللعن، والمخاطَب هنا من هو: المباشِر أو المتسبب؟ المتسبب الذي تخلى في طريق الناس، أو في ظلهم بحيث يلعنونه؛ لسوء صنيعه، هو المتسبب، الأصل أن المؤاخَذ هو المباشِر أو المتسبب؟ المباشر، ولذا يقولون: المباشَرة تقضي على أثر التسبب، فكيف يلام الآن المتسبب مع وجود المباشِر؟ لا شك أن المباشِر للعن، اللعن حرام، وجاء في الحديث «لعن المؤمن كقتله»، فاللعن حرام، والمباشِر لهذا اللعن إن لم يكن الملعون مستحقًا للعن رجعت إليه، رجعت إليه، فهذا المباشِر للعن معذور أم غير معذور بهذا الحديث؟

معذور؛ لأنه سمي لاعنًا بلسان الشارع فاللوم على مَن؟ على المتسبِّب أم على المباشر؟ على المتسبِّب، وعلى هذا يمكن أن يقال: إن المؤاخذة على المباشِر، الأصل المؤاخذة على المباشِر ما لم يوجد مانع من مؤاخذة المباشِر مثل إيش؟ مثل كونه غير محل للتكليف، طيب لو أن شخصًا أوثَق شخصًا، فجاء أسد فأكل هذا الموثَق، فمن المؤاخَذ؟ المتسبِّب لا المباشر، لا المباشر، فالمؤاخَذ هنا المتسبِّب.

 لو أن شهودًا شهدوا على شخص بأنه قتل، فحكم القاضي بقتله، وباشر السياف قتله، ثم جاء الشهود وأكذبوا أنفسهم وقالوا: إنما أردنا قتله، من الذي يقتل السياف أم القاضي أو الشهود؟ الشهود، وإن كانوا متسببين؛ لأنه ليست القاعدة مطردة أن المباشرة تقضي على أثر التسبب، فقد يكون المباشِر غير مكلَّف، غير مكلَّف.

 لو أن شخصًا مكلَّفا أعطى طفلاً مسدسًا وقال: اقتل فلانًا فقتله، المؤاخذة على من؟ على المتسبِّب، وهنا الإثم على المتسبِّب، كثير من الأمور التي تتداول الآن في مجالِس الناس يكون فيها متسبِّب، وفيها مباشِر، شخص عرَّض نفسه لاغتياب الناس له، هو متسبِّب، والذي يغتابه مباشِر، فالإثم على المباشِر، ولا يُعفى المتسبِّب، وقل مثل هذا فيمن كثرت شواذّه في الفتوى مثلاً بحيث صار تلوكه ألسنة الناس في المجالس، لا شك أنه مايزال في دائرة الإسلام، وعرضه مصون محفوظ، والذي يقع في عرضه يرتكب محرَّمًا، لكن يبقى أيضًا أنه مؤاخَذ؛ لأنه تسبب، فلا يعفى المتسبب بإطلاق.

 لو أن شخصًا واقفًا على قارعة الطريق ينتظر سيارة تحمله، على قارعة الطريق، فمرت سيارة، فجاء واحد من خلفه فدفعه عليها، فدهسته السيارة، فمن المؤاخَذ الآن؟ من المباشِر؟

طالب: ............

المباشر صاحب السيارة، والثاني متسبِّب، فالمؤاخَذ المباشِر، ولا يعفى المتسبب، لكن من حفر بئرًا في طريق الناس، وجاء بعض الناس يشاهد هذه البئر ويطلُّ فيها، فجاء شخص من خلفه ودفعه إلى أن وقع فيها فمات، الذي دفعه هو المباشِر.

يقول: من وضع نغمة موسيقى في جواله، هل الإثم عليه أم على المتصل؟

يقول: أنا خزنت هذه الموسيقى، لكن أنا لا أستعملها، هي مخزنة، هل أحد يسمع شيئًا؟ المتصل هو الذي..! صحيح مثال مناسب لمثل هذا الموضوع من المباشِر ومن المتسبِّب؟

طالب: ............

صاحب الجوال هو المؤاخَذ؛ لأنه هو الذي باشر وضع هذه النغمة المحرَّمة، باشر وضعها، وتسبب لغيره، وغيره وإن كان هو المباشِر إلا أن مباشرته لا أثر؛ لعدم علمه، لكن لو علم أن هذا الجوال الذي يتصل عليه فيه موسيقى قلنا: يُمنع؛ لأنه باشر استثارة هذه الموسيقى.

طالب:.........

 لما جاء بصيغة المبالغة «اتقوا اللعَّانين» وما اللعَّانان؟ هل يمكن أن يقال: إن هذه صيغة مبالغة لا يمكن أن يتجه النهي إلا من اتصف بالمبالغة؟ بمعنى أن من فعله مرة أو مرتين أو ثلاثًا لا يُلام، إنما إذا تحققت المبالغة حصل اللوم، يمكن أن يقال مثل هذا؟ يعني ما مُنعت، ما مُنِع كثيره يعني هل يمكن أن يتركب شيء يترتب عليه لعن بكثرته، ولا يترتب على أفراده؟ لا يمكن، ولذا من قال في حديث: «لعن الله زوَّارات القبور» يقول: لا، إذا أكثرن الزيارة حرُم وإلا فلا، نقول: إذا ما مُنع كله مُنعت أجزاؤه.

حديث أبي ريحانة نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الخاتم إلا لذي سلطان.

هذا ضعيف، هذا الحديث ضعيف.

«اتقوا اللاعنين» اجعلوا بينكم وبين التسبب للعنكم وقاية، طيب جاء في المتبرجات قول النبي- عليه الصلاة والسلام-: «العنوهن، فإنهن ملعونات» العنوهن، هذا أمر من النبي -عليه الصلاة والسلام-، لا بد من امتثاله، لكن هل تُلعَن المتبرِّجة على وجه الخصوص والتعيين، أو يُلعَن من يُرَى يقضي حاجته في الطريق على وجه الخصوص، أو يُلعَن الجنس؟

 يعني يقال: لعن الله من فعل هذا؟ يعني هل يلام من لعن المعيَّن الذي جاء النص بلعنه، بل أُمر بلعنه؟ يعني لعن المعيَّن عند أهل العلم المرجَّح أنه لا يجوز، أنه لا يجوز، فيحنما يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: لعن الله السارق، فرأى شخصًا يسرق يقول: لعنك الله يا فلان، أنت تسرق، وقد لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- السارق، ولعن شارب الخمر، لا، لكن يؤتى بجنسه، يُلعَن جنس السُّرَّاق، وجنس الشُّرَّاب، وجنس المتبرجات.

 هناك ما ينتابه الأمران، إذا وُجد هذا العمل من أكثر من شخص، لكنهم في دائرة الحصر، وُجِد عشرة مثلاً يقضون حاجتهم على قارعة الطريق يقول: أنا ما عينت واحدًا منهم، قلت: لعنكم الله، ولا عينت واحدًا منهم، أو قيل: في قصر الأفراح الفلاني نساء متبرجات، هو يمكن حصرهن، لكنه ما قصد واحدة بعينها، فقال: لعنهن الله، في مثل هذا بعدم مواجهة واحد بعينه، الأمر فيه سهل، هذا في حكم الجنس، وإن كان يؤول إلى الحصر.

 «اتقوا اللاعنين» قالوا: وما اللاعنان يا رسول الله؟ قال: «الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم» الذي يتخلى يعني يقضي حاجته ببول أو غائط في طريق الناس، ولا يؤثِّر على هذا حديث حذيفة أن النبي -عليه الصلاة والسلام-: انتهى إلى سباطة قوم، زبالتهم، هذا ليس في طريقهم.

 «في طريق الناس أو في ظلهم» في طريق الناس يعني ما تطرقه أقدامهم ويحتاجون إليه لقضاء حوائجهم ذهابًا وإيابًا، لكن إذا كان الطريق أكثر من حاجة المارَّة، واسعًا، طريق أكثر من حاجة المارَّة، هل نقول: إن الجميع طريق، أو نقول: إن الطريق ما يطرقونه، ويحتاجون إليه، وما زاد على ذلك لا يسمى طريقًا؟

 الآن في الطرق الواسعة جزر في وسطها، هل نقول: إن الذي يقضي حاجته في هذه الجزيرة التي بين المسارين تخلى في طريق الناس، أو نقول: هذا ما هو في طريق الناس، الناس ما يسلكونه، ما فيه شك أن الضرر متعدٍّ، وعموم الحديث يشمله، يعني لا يخرجه عن كونه طريقًا، إنما أُعد ليكون طريقًا، طيب طريق كتب عليه ممنوع الدخول من الجهتين، يصير طريقًا أم ما يصير طريقًا؟ يعني يجوز أن تقضى فيه الحاجة أم لا؟ ممنوع الدخول ما يطرقه الناس.

طالب: ............

نعم، لكن مُنع كأنه..

طالب: ............

هو لا يحتاجه الناس، خلاص، حواجز قوية، لا يمكن أن يجتازها أحد، قيل: خلاص ممنوع الدخول، هو الأصل فيه طريق، لكن الآن حكمه حكم الطريق؟

ليس حكمه حكم الطريق، ويبقى أنه إن كان مما يُطرَق ولو على ندرة فهو طريق، وأما إن كان إغلاقه لا إلى رجعة، ولا يتضرر أحد به، فالأمر فيه أخف.

 في طريق الناس أو في ظلهم يحتاج إلى الظل، يحتاج الناس إلى الظل يستظلون به في أوقات الحر يحتاج الناس إلى الظل؛ ليتقوا حر الشمس، وهذا الذي يتخلى في هذا الظل لا شك أنه يسبب أذى لغيره، فيستحق اللعن، الفقهاء يقولون: إذا كان هذا الظل مما يجتمع به فساق شُرَّاب خمر مثلاً يجتمعون في هذا الظل، وإذا بال فيه إنسان أو تغوَّط فيه تركوه، أو ناس يغتابون الناس، أو شباب يلعبون في هذه الأرض الكرة وقت الصلاة، يقولون: نقضي الحاجة حتى ما يجيئون لهذا المكان، هذا المكان الذي يُحتاج إليه يدخل في هذا، والناس كانوا في السابق يحتاجون الطرق، ويحتاجون الظل، لكن الآن قد يكون مكانًا مما يحتاج إليه ليس بطريق ساحة للبيع والشراء أو مثلاً موقفًا يستفيد منه الناس لقضاء حوائجهم إما بجوار سوق أو بجوار مسجد، فيمكن أن يقول: هذا ليس بطريق، وليس بظل، مكشوف، وقل مثل هذا في الملعب، يعني يحتاج إلى أن يفرق هؤلاء الشباب بأذاهم، بما يضعه في هذا المكان؟ أقول: كل ما يحتاج إليه، ما يحتاج إليه الناس يدخل في الحديث، ولذا جاء قدر زائد البراز في الموارد، البراز في الموارد، وأيضًا..

في البلوغ ذكر أحاديث تشتمل على أشياء غير هذا.

ما فيه أحد يحفظ البلوغ؟

طالب: ............

المستحم سيجيء ذكره.

طالب:.........

 لا، غير هذا، ليس من الملاعن.

طالب: ............

الشجرة ذات الثمرة، الشجر ذات الثمار؛ لأنه أولاً هي يحتاج إليها لجني ثمارها، فيتأذى من أراد ذلك، والأمر الثاني أنها تتغذى بما تحتها، فيتلوث غذاؤها كالجلالة قد يقول قائل: هذا المكان، هذا الظل الذي يحتاجه الناس ويستغلونه في محرم في الغيبة مثلاً، أنا لا أتخلى فيه فأتقي اللعن، وأتقي اللاعن واللعَّان، آتي بمادة تمنعهم من الجلوس فيه، يأتي بمادة بزيت مثلاً، ويصبه في هذا المكان يجوز أم ما يجوز؟

طالب: يا شيخ إذا كان إذا كان هذا العمل يشوه صورة أهل الحق عند الفساق يمنعهم من الدعوة يجوز هذا.

من هذه الحيثية، لكن افترض أنه ما يُدرى من الذي وضع، جاء بنصف الليل وجاء ببرميل زيت وكَبّه في هذا المكان، وقال: حتى ما يجتمعون، أولاً هو تلويث بلا شك، الأمر الثاني أنهم يبحثون عن مكان آخر، تتعدد الأماكن التي بعضها ملوثة وبعضها مكان للخبث، لكن مثل هؤلاء ما الواجب تجاههم؟ نصحهم نعم، ودعوتهم إلى الحق، أما هذه الطريقة فليست من الوسائل التي يأتي بمثلها شرع.

طالب: يا شيخ اللاعنان، اللاعنان هذا أمر أم أخبار؟

كيف؟

طالب: يعني اتقوا اللاعنين، يعني في هذا إباحة للعن؟

فيه أمر بالتقوى بأن يتقي الإنسان أن يكون سببًا في أن يُلعَن، وكُلّ فعلٍ يكون بين طرفين لكل طرف منهما ما يخصه من التكليف نقول مثل من فعل هذا مستحق للعن، ولاعنه مرتكب حرامًا أم مباحًا؟ مادام مستحقًّا أولاً «ليس المؤمن باللعّان ولا بالطعان»، ولذا لما سأل عبد الله بن أحمد، ابن الإمام أحمد أباه عن يزيد وذمه ذمًّا شديدًا، وقال له: ألا تلعنه؟ ألا تلعنه؟ قال: هل علمت أباك لعّانًا؟ فليس المؤمن باللعان، لكن يبقى أنه شخص سمع هذا الحديث، وأراد أن يطبق، ورأى غائطًا في طريق الناس وقال: لعن الله من صنع هذا، أو من فعل هذا، يلام أو ما يلام؟

لأن هذا خالٍ عن الأمر، لكن في حديث «العنوهن» يختلف الأمر، يختلف الحال، وهنا لا يقال فيه أقل من الإباحة؛ لأنه متسبب ومستحق لهذا الأمر، ولاعنه لا على سبيل الخصوص ولا على التعيين لا يُلام؛ لأن الشرع أثبت أنه سبب للعن.

طالب: ............

حتى لعن الكافر المعين يختلف فيه أهل العلم، يختلف فيه أهل العلم، أما على سبيل العموم فجاء فيه ما فيه «لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد».

"وعن حميد بن عبد الرحمن الحميري قال: لقيت رجلاً صحب النبي -صلى الله عليه وسلم- كما صحبه أبو هريرة -رضي الله عنه- قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يمتشط أحدنا كل يوم، أو يبول في مغتسله، رواه أحمد وأبو داود والنسائي والحاكم، وهذا الرجل المبهَم هو الحكم بن عمرو الغِفَاري، قاله ابن السكن."

يقول المؤلف- رحمه الله تعالى-: "وعن حميد بن عبد الرحمن الحميري قال: لقيت رجلاً صحب النبي -صلى الله عليه وسلم- كما صحبه أبو هريرة قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يمتشط أحدنا كل يوم، أو يبول في مغتسله".

 وهذا الحديث جزء من حديث يشمل هذا، ويشمل ما تقدم، نهى أن يغتسل الرجل بفضل المرأة، والمرأة بفضل الرجل، وليغترفا جميعًا، وفيه هذا النهي.

 "عن حميد بن عبد الرحمن الحميري قال: لقيت رجلاً صحب النبي -صلى الله عليه وسلم"- اختُلف فيه هل هو الحكم بن عمرو الغفاري، كما قال ابن السكن، أو عبد الله بن مغفل أو عبد الله بن سرجس، المقصود أنه تقدم ذكره، وإبهام الصحابي على أي حال لا يضر كون الصحابي مبهمًا لا يضر؛ لأن الإبهام جهالة، وجهالة الصحابي لا تضر؛ لأنهم كلهم عدول، فسواء سمي أو أبهم، وسواء عُيِّن في بعض الطرق، أو اختلف فيه، كل هذا لا يضر، البيهقي يرى أن مثل هذا إرسال، يرى أن مثل هذا الأسلوب إرسال، فسماه مرسلاً، لكن رُدَّ عليه، إنما هو متصل، في سنده مبهم، وإبهام الصحابي لا يضر، حتى رد عليه ابن التركماني في حاشيته الجوهر النقي على سنن البيهقي.

 "لقيت رجلاً صحب النبي -صلى الله عليه وسلم- كما صحبه أبو هريرة" -رضي الله عنه- كم صحب أبو هريرة النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ أربع سنين، أربع سنين، أربع سنين؛ لأنه أسلم عام خيبر في السابعة، في أوائل السابعة إلى أوائل الحادية عشرة، فصحبه أربع سنين، وهذا مثله أربع سنين، يعني ما فيه أحد أسلم عام خيبر غير أبي هريرة لينظَّر به ويقاس عليه؟

كثرة حديثه، وأن هذه السنين كافية في الصحبة من جهة، وكافية أيضًا في الحفظ والإتقان من جهة، فيريد أن يقول: إن هذا الصحابي صحب النبي -عليه الصلاة والسلام- صحبة متيقَّنة، وأيضًا حفظ عنه حفظ متقن، كما حفظ أبو هريرة.

 "كما صحبه أبو هريرة- رضي الله عنه- قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" ومر بنا مرارًا أن التعبير عن النهي يأخذ حكمه، يعني كأنه قال -عليه الصلاة والسلام-: لا يمتشط أحدكم كل يوم، يأخذ حكمه، والأصل في النهي التحريم، هذا الأصل فيه ما لم يصرف عنه صارف، فقول الصحابي: نهى رسول الله في حكم لا تفعلوا، لا تفعلوا، وإن خالف في هذا بعض المتكلمين مع داود الظاهري وقال: لا يحتج به حتى ينقل اللفظ النبوي، احتمال أن يسمع الصحابي كلامًا يظنه أمرًا أو نهيًا، وهو ليس في الحقيقة لا أمرًا ولا نهيًا، لكن هذا الكلام مردود؛ لأن الصحابة أعرف بمدلولات الألفاظ الشرعية من غيرهم، يعني إذا شككنا في معرفتهم ومعوّلنا عليهم في فهم الدين ونقل الدين فماذا يبقى لنا؟

 "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يمتشط أحدنا كل يوم"، النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يترجل، ترجله عائشة وغيرها، ترجله عائشة، والترجيل ترجيل الشعر وتسريحه ومشطه؛ لئلا يشعث مطلوب اقتداءً به -عليه الصلاة والسلام-، لكن المبالغة فيه ممنوعة، بحيث يكون هدفًا للإنسان وديدنًا له، يسرح شعره ويتصرف فيه، يميله إلى اليمين يومًا، ويميله شمالاً تارة، وهذه قصة فلان، وهذا شعر فلان، هذا ليس من عمل الرجال.

 ومن الطرائف أن شيخًا من الشيوخ يذكر عن عبادات السلف ويقول: إن الإمام أحمد له في كل يوم وليلة ثلاثمائة ركعة، فقال واحد من الحاضرين، فقال شخص من الحاضرين: هذا ليس بمعقول، وكان هذا المستدرِك طويل الشعر حليق اللحية، فقال الشيخ: صحيح ليس بمعقول؛ لأن عنده صالون يمضي فيه يوميًّا ثلاث ساعات يسرح شعره، ويدهنه، ويتعاهد لحيته، صحيح الإمام أحمد مثل هذا النوع مثلك، يعني فصار همًّا للناس، والإشكال والداهية العظمى أنهم صاروا يقتدون بكفار، ويفتخرون فيما بينهما أن هذه تسريحة فلان، وهذه قصة فلان، ويقلدونهم، ويوجد أيضًا من الشباب المكلفين، ليت الأمر اقتصر على الأطفال مع ما فيه، لكن الشباب المكلفين وصل بهم الضياع إلى أن ينظروا إلى سفلة الناس وأرذالهم فيقلدونهم، «لتتبعن سنن من كان قبلكم»، جاء في الحديث التحذير الشديد من مثل هذا، «من تشبه بقوم فهو منهم»، فهل يرضى الإنسان أن يحشر مع أرذال القوم من الكفار من اليهود والنصارى من بعض المخنثين من الأجانب، هؤلاء ليسوا برجال ولا نساء، نسأل الله السلامة والعافية، وشباب من شباب المسلمين يقلدونهم؟! ويمضون الأوقات الطويلة في صنيعهم هذا ناسين أو متناسين الهدف الذي من أجله خلقوا، وهو تحقيق العبودية لله- جل وعلا-، فعلى الإنسان أن يتوسط في أموره كلها.

 من عرف حال النبي -عليه الصلاة والسلام- وعيش النبي -عليه الصلاة والسلام- عرف أنه ليست له هذه الأمور لا من قبيل ولا دبير، همه إرضاء الله- جل وعلا-.

طالب: ............

لا، هو كل يوم، كونه كل يوم يمتشط، ومن لازم ذلك أنه لو قال: أنا أمتشط يومًا ويومًا، لكن بدل ما أمضي ساعة كل يوم أمضي ثلاث ساعات، أربع ساعات في يومين، نقول: نفس الشيء، فالمبالغة فيه ممنوعة ،لماذا؟ لأنه على حساب ما هو أهم، فهذا الذي يمضي ساعة في صالونه على حد زعمه، ألا يعلم أنه يقرأ في هذه الساعة أجزاءً من القرآن، ويصلي عددًا من الركعات، وينشغل بذلك في أمور دينه ودنياه، والمبالغة في التزين هو من شأن النساء، {أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} [سورة الزخرف:18]، أما شأن الرجال فلا، على أن المبالغة في المباحات أيضًا ليس من شأن من همه الآخرة، في الحديث الصحيح: حج النبي -عليه الصلاة والسلام- على رحل، وحج أنس بن مالك على رحل، ولم يكن شحيحًا، فالرحل مركوب متواضع، والواحد منا إذا أراد أن يؤدي عبادة يبحث عن أغلى الأشياء وأفخم الأشياء إن لم يتيسر له في رمضان فندق خمس نجوم يقول: ليس بلازم هذه السنة، ما تيسر لنا أن نبادر بالحجز، السنة هذي فاتت، ويبالغون أيضًا في اختيار الحملات المريحة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- حج على رحل، وأنس بن مالك بعد أن وسّع الله عليه حج على رحل، ولم يكن شحيحًا، فالمبالغة في مثل هذه الأمور لا شك أنها على حساب تحقيق الهدف الذي من أجله خُلِق الإنسان، وهو العبودية لله -جل وعلا-.

 لكن لا يعني هذا أن الإنسان لا يباشر ما أحل الله له {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ} [سورة الأعراف:32]، وأيضًا يخرج نفسه ويظهر نفسه بمظهر بحيث يزدرى، لا هذا، ولا هذا، فالتوسط في الأمور هو المطلوب.

 "أن يمتشط أحدنا كل يوم، أو يبول في مغتسله" في مغتسله يعني المكان الذي يغتسل فيه؛ لأنه لا يأمن أن يصل إليه شيء من النجاسة إذا نزل عليه ماء الغسل، وجاءت العلة في هذا مبيَّنة في بعض الأحاديث، فإن عامة الوسواس منه، الوسواس إنما يكون بسبب خشية وصول النجاسة بحيث تكون في الأول في أول الأمر غلبة ظن، ثم تكون شكًّا، ثم تكون أوهامًا، المقصود أن مثل هذا يكون سببًا في الوسواس، فلا يبول في المحل الذي يغتسل فيه هذا إذا كان محل قضاء الحاجة هو محل الاغتسال، لكن إذا كان محل قضاء الحاجة في زاوية، ويُتبَع الماء، ويتنظف محل قضاء الحاجة ومحل الاغتسال في مكان بحيث يأمن من العلة التي مُنع من أجلها، والحكمة معقولة، فإذا ارتفعت ارتفع معها الحكم.

 "رواه أحمد وأبو داود والنسائي والحاكم، وهذا الرجل المبهم هو الحكم بن عمرو الغِفَاري، قاله ابن السَّكَن"، وسبق في أول الكتاب أظن الحديث رقم كم؟

 تسعة، يقول المؤلف: "والرجل المبهم هو الحكم بن عمرو" وقيل: عبد الله بن سرجس، وقيل: ابن مغفَّل، يعني كما أشرنا سابقًا.

ونقف على الحديث رقم ثمانية وتسعين، والله أعلم.

 وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"