شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (078)

 

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

إخوتنا وأخواتنا المستمعين الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أهلاً ومرحبًا بكم إلى شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

يتولى شرح هذا الكتاب صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الكريم بن عبد الله الخضير، عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، والذي نرحب به مع مطلع حلقتنا، فأهلاً ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.

حياكم الله وبارك فيكم.

المقدم: كنا توقفنا عند حديث "عمر بن الخطاب -­رضي الله عنه- "أن رجلاً من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرؤونها لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا..." إلى آخر لفظ هذا الحديث، تحدثتم في آخر الحلقة الماضية عن لفظ: عرفة وجمعة، والجمع بينهما هنا، وأيضًا تكلمتم -أحسن الله إليكم- في الناحية الإعرابية لهما، لعلنا ننطلق من هذا الموضوع إذا أذنتم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"يوم جمعة" عرفنا أن في رواية أبي ذر، وهي أتقن الروايات، وعليها اعتماد أكثر الشراح "يوم الجمعة" يقول القسطلاني: وإنما لم يمنع من الصرف على الأولى كما في عرفة لأن الجمعة صفة أو غير صفة وليس علمًا، ولو كانت علمًا لامتنع صرفها، وهي بفتح الميم وضمها وإسكانها، وأزيد الكسر لأنه قرئ: جمِعة، فبفتح الميم: جمَعة، وضمها: جمُعة، إسكانها: جمْعة.

يقول: فالمتحرك بمعنى الفاعل كضُحَكة، هو الآن ضُحَكة بمعنى ضاحك مبالغة يعني كثير الضحك، والمسكن جمْعة، بمعنى المفعول كضُحْكة أي مضحوك عليه. وهذه قاعدة كلية فالمعنى إما جامع للناس، أو مجموع له.

يرد في كتب التراجم وكتب الأعلام: فلان ابن فلان من الأئمة رُحْلة.

المقدم: يعني كثير الترحال.

رُحْلة، وعندنا جمْعة بمعنى المفعول ضُحْكة مضحوك عليه، رُحْلة يعني يُرحل إليه، بينما رُحَلة يعني كثير الرحلات، إنما رُحْلة، وهذه كثير من مبتدئي الطلاب يصحح، رُحْلة ما معنى رُحْلة؟! يقول رِحلة لِمَ لا؟ لأنه ما يستسيغ مثل هذا اللفظ، ولذا يقول: هذه قاعدة كلية، يعني إذا سُكن هذا الضبط ضُحْكة مضحوك عليه، رُحْلة يرحل إليه، وهكذا.

سائل: أحسن الله إليك، «ليس الشديد بالصُّرَعة»؟

الصُّرَعة، إذا كان اسم فاعل فأردت أنه يصرع الناس وهو الظاهر صُرَعة، مثل ضُحَكة كثير الضحك، يضحك على الناس، فالمعنى "جمعة" إما جامع للناس، أو مجموع له الناس.

قال ابن حجر: فإن قيل: كيف طابق الجواب السؤال؟ لأنه قال: "لاتخذناه عيدًا" الجواب المطابق أن يقول عمر -رضي الله عنه-: قد اتخذناه عيدًا أو لم نتخذه عيدًا، أجاب عمر -رضي الله عنه- بمعرفة الوقت والمكان ولم يقل: جعلناه عيدًا، كما أنه لم يقل: لم نجعله عيدًا، والجواب عن هذا أنها نزلت في أخريات نهار عرفة، ويوم العيد إنما يتحقق بأوله، وقد قال الفقهاء: إن رؤية الهلال بعد الزوال للقابِلَة هكذا قاله بعض من تقدَّم، وعندي أن هذه الرواية، يقول ابن حجر: وعندي أن هذه الرواية اكتفي فيها بالإشارة، وإلا فرواية إسحاق عن قبيصة قد نَصَّت على المراد، ولفظه: "نزلت يوم جمعة يوم عرفة، وكلاهما بحمد الله لنا عيد" ولفظ الطبري والطبراني: "وهما لنا عيدان" وكذا عند الترمذي من حديث ابن عباس أن يهوديًا سأله عن ذلك، فقال: "نزلت في يوم عيدين، يوم جمعة ويوم عرفة" فظهر أن الجواب تضمن أنهم اتخذوا ذلك عيدًا وهو يوم الجمعة، واتخذوا يوم عرفة عيدًا لأنه ليلة العيد، وهكذا كما جاء في الحديث الآتي في الصيام «شهرا عيد لا ينقصان، رمضان وذو الحجة» فسمى رمضان عيدًا لأنه يعقبه العيد.

وفي شرح الإمام الحافظ ابن رجب -رحمه الله تعالى- يقول: يؤخذ من هذا أن الأعياد لا تكون بالرأي والاختراع، كما يفعله أهل الكتابَيْن من قبلنا، هم أي مناسبة يفعلون عيد، فابن رجب -رحمة الله عليه- يقول: يؤخذ من هذا أن الأعياد لا تكون بالرأي والاختراع كما يفعله أهل الكتابين من قبلنا، إنما تكون بالشرع والاتباع، فهذه الآية لما تضمنت إكمال الدين، وإتمام النعمة أنزلها الله في يوم شرعه الله عيدًا لهذه الأمة من وجهين:

أحدهما: أنه يوم عيد الأسبوع، وهو يوم الجمعة.

والثاني: أنه يوم عيد أهل الموسم، وهو يوم مجمعهم الأكبر، وموقفهم الأعظم، وقد قيل: إنه يوم الحج الأكبر، وقد جاءت تسميته عيدًا في حديث مرفوع أخرجه أهل السنن من حديث عقبة بن عامر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب» وقد استشكل وجهه على كثير من العلماء؛ لأنه يدل على أن يوم عرفة يوم عيد لا يصام، كما روي ذلك عن بعض المتقدمين، وحمله بعضهم على أهل الموقف وهو الأصح؛ لأنه اليوم الذي فيه أعظم مجامعهم ومواقفهم بخلاف أهل الأمصار فإن يوم اجتماعهم يوم النحر، وأما أيام التشريق فيشارك أهل الأمصار أهل الموسم فيها أيام ضحاياهم، وأكلهم من نسكهم، هذا قول جمهور العلماء.

وقال عطاء: إنما هي أعياد لأهل الموسم فلا يُنهَى أهل الأمصار عن صيامها، وقول الجمهور أصح، يعني بما في ذلك أيام التشريق، إنما هي أعياد لأهل الموسم فلا ينهى أهل الأمصار عن صيامها، وقول الجمهور أصح، يوم عرفة جاء تخصيصه بالحديث الصحيح، يوم عرفة: «صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة الماضية والباقية» فتبقى أيام التشريق على النهي، فهي أيام أكل وشرب.

وقول الجمهور أصح، ولكن الأيام، يقول الحافظ ابن رجب -رحمه الله تعالى-: ولكن الأيام التي يَحدُث فيها حوادث من نعم الله على عباده لو صامها بعض الناس شكرًا من غير اتخاذها عيدًا كان حسنًا، استدلالاً بصيام النبي -صلى الله عليه وسلم- عاشوراء لما أخبره اليهود بصيام موسى له شكرًا، أليس هناك سجود شكر والسجود عبادة لتجدد نعمة؟ ابن رجب يقول: ولكن الأيام التي يحدث فيها حوادث من نعم الله على عباده لو صامها بعض الناس شكرًا من غير اتخذها عيدًا بمعنى أنها لا تتكرر في كل سنة، تتخذ عيد، هذه المناسبة تتخذ عيد فتصام.

من غير اتخاذها عيدًا كان حسنًا استدلالاً بصيام النبي -صلى الله عليه وسلم- عاشوراء لَمَّا أخبره اليهود بصيام موسى له شكرًا، وبقول النبي -عليه الصلاة والسلام- لما سئل عن يوم الاثنين، قال: «ذلك يوم ولدت فيه، وأنزل عَلَيَّ فيه».

فأما الأعياد التي يجتمع عليها الناس فلا يتجاوز بها ما شرعه الله لرسوله، وشرعه الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأمته، والأعياد هي مواسم الفرح والسرور، وإنما شرع الله لهذه الأمة الفرح والسرور لتمام نعمته وكمال رحمته؛ كما قال تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ} [سورة يونس 58] فشرع لهم عيدين في سنة، وعيدًا في كل أسبوع، فأما عيدَا السنة فأحدهما تمام صيامهم الذي افترضه عليهم كل عام، فإذا أتموا صيامهم أعتقهم من النار، فشرع لهم عيدًا بعد إكمال صيامهم، وجعله يوم الجوائز، يرجعون فيه من خروجهم إلى صلاتهم وصدقتهم بالمغفرة، وتكون صدقة الفطر وصلاة العيد شكرًا لذلك.

والعيد الثاني: وهو أكبر العيدين عند تمام حجهم بإدراك حجهم بالوقوف بعرفة، وهو يوم العتق من النار، ولا يحصل العتق من النار والمغفرة للذنوب والأوزار في يوم من أيام السنة أكثر منه، فجعل الله عقب ذلك عيدًا، بل هو العيد الأكبر، فيكمل أهل الموسم فيه مناسكهم، ويقضوا فيه تفثهم، ويوفوا نذورهم، ويطوفون بالبيت العتيق.

ويشاركهم أهل الأمصار في هذا العيد، فإنهم يشاركونهم في يوم عرفة بالعتق والمغفرة، وإن لم يشاركوهم في الوقوف بعرفة، أهل الأمصار يشاركون الحجاج في هذا العيد، يشاركونهم في يوم عرفة، فيوم عرفة يوم تنزل فيه الرحمات، ويشمل الله -سبحانه وتعالى- بعفوه وعتقه لعباده من كان في الموقف وغيرهم، وإن لم يشاركوهم في الوقوف بعرفة.

هنا مسألة يحسن التنبيه عليها، وهي ما يقول به بعض أهل العلم من التعريف بالأمصار، ما معنى التعريف بالأمصار؟ أُثِر عن بعض السلف القول به، وقال بعضهم: هو بدعة، ما المراد به؟ التعريف بالأمصار؟ إن كان المراد به أن أهل الأمصار من غير الحجاج يتشبهون بمن بعرفة من كل وجه، بمعنى أنهم يلبسون الإحرام، ويخرجون إلى صعيد، أو يجتمعون في مسجد، ينتظرون الرحمة على الهيئة التامة المشابهة لأهل الموقف هذا بدعة، لكن إن كان القصد به الحرص على صدق اللجأ إلى الله -سبحانه وتعالى-، وكثرة الدعاء في هذا اليوم العظيم مع الصيام، فهذا قال به جمع من أهل العلم، مشابهة أهل الموقف بالدعاء والتضرع والإلحاح على الله -سبحانه وتعالى- هذا قال به جمع من أهل العلم، حتى قال بعضهم: إنه يلزم المسجد في ذلك اليوم، من غير مشابهة لهم فيما لا تسوغ فيه المشابهة كلبس الإحرام مثلاً، إن لبس إحرامه، وجلس في مسجده، أو خرج إلى الصعدات متشبهًا بأهل عرفة قلنا: هذه بدعة، لكن إن صام ورجا الثواب من الله -عز وجل- ولزم المسجد؛ لأن المسجد بيت كل تقي، إذا لزم المسجد، وصدق في اللجأ إلى الله -سبحانه وتعالى-، وتضرع إليه، وشابه أهل الموقف من هذه الحيثية فقد قال به بعض من تقدم.

 سائل: أحسن الله إليكم، في يوم عرفة.. هل يمكث الإنسان في المسجد ويكثر من الدعاء؟

الصيام يحتاج إلى حفظ، من القيل والقال، والسلف عُثِر عنهم وأُثِر عنهم أنهم يحفظون صيامهم بالبقاء في المساجد، والمسجد بيت كل تقي، فلزوم المسجد من هذه الحيثية أمر مطلوب في هذا اليوم وغيره، وفي الصيام آكد لا شك لأنه يحفظ الصيام.

وأما عيد الأسبوع فهو يوم الجمعة، وهو متعلِّق بإكمال فريضة الصلاة، فإن الله فرض على عباده المسلمين الصلاة كل يوم وليلة خمس مرات، فإذا أُكمِلَت أيام الأسبوع التي تدور الدنيا عليها، وأكملوا صلاتهم فيها، شرع لهم يوم إكمالها عيدًا يجتمعون فيه على صلاة الجمعة، وشرع لهم الخطبة تذكيرًا بنعم الله عليهم، وحثًّا لهم على شكرها، وجعل شهود الجمعة بأدائها كفارة لذنوب الجمعة كلها، وزيادة ثلاثة أيام «الجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما» وفي بعض الأحاديث: «وزيادة ثلاثة أيام» إلى أن قال ابن رجب -رحمه الله تعالى-: وأما خواص المؤمنين فكل يوم لهم عيد؛ ولذا روي أن خواص أهل الجنة جاء على لسان كثير من السلف: كل يوم لم تعصِ الله فيه فهو عيد بالنسبة لك؛ يقول ولهذا روي: «أن خواص أهل الجنة يزورون ربهم، وينظرون إليه كل يوم مرتين بكرةً وعشيًّا» خرجه الترمذي من حديث ابن عمر مرفوعًا وموقوفًا؛ ولهذا المعنى والله أعلم لما ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- الرؤية رؤية الباري -جل وعلا- في حديث جرير بن عبد الله البجلي أمر عَقِب ذلك بالمحافظة على الصلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، فإن هذين الوقتين وقت لرؤية خواص أهل الجنة ربهم، فمن حافظ على هاتين الصلاتين على مواقيتهما وأدائهما وخشوعهما، وحضور القلب فيهما رُجي له أن يكون ممن ينظر إلى الله في الجنة في وقتهما.

فتبين بهذا أن الأعياد تتعلق بإكمال أركان الإسلام، فالأعياد الثلاثة المجتمع عليها تتعلق بإكمال الصلاة والصيام والحج، بإكمال الصلاة عيد الأسبوع الجمعة، بإكمال الصيام عيد الفطر، بإكمال الحج عيد الأضحى، فأما الزكاة لها عيد أو ما لها عيد؟ ليس لها عيد؛ لماذا؟ لأنها ليس لها زمان معيَّن تكمل فيه، وأما الشهادتان فإكمالهما هو الاجتهاد في الصدق فيهما، وتحقيقهما، والقيام بحقوقهما، وخواص المؤمنين يجتهدون على ذلك كل يوم ووقت؛ فلهذا كانت أيامهم كلها أعيادًا؛ ولهذا كانت أعيادهم في الجنة مستمرة، والله أعلم.

والحديث خرَّجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه في أربعة مواضع:

الأول: هنا في كتاب الإيمان، باب زيادة الإيمان ونقصانه، وقول الله تعالى: {وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [سورة الكهف 13] {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} [سورة المدثر 31] وقال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [سورة المائدة 3] فإذا ترك شيئًا من الكمال فهو ناقص الترجمة، وسبق الحديث فيها.

يقول الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: حدثنا الحسن بن الصبَّاح سمع جعفر بن عون، قال: حدثنا أبو العميس، أخبرنا قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن عمر بن الخطاب أن رجلاً من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين آية في كتاب الله... إلى آخره، وذكر الحديث، ومناسبة الحديث للترجمة ظاهرة للتنصيص على الآية موضوع الحديث في الترجمة.

الثاني: في كتاب المغازي، في باب حجة الوداع، يقول الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: حدثنا محمد بن يوسف، قال: حدثنا سفيان الثوري عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب أن أناسًا من اليهود -سبقت الإشارة إلى هذه الرواية- أن أناسًا من اليهود قالوا: لو نزلت هذه الآية فينا لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا... الحديث بنحوه، ومناسبة الحديث لحجة الوداع ظاهرة، وجه ارتباط الحديث في حجة الوداع، نزلت الآية على النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو قائم بعرفة، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- قام بعرفة قبل فرض الحج وبعده، هل يتصور أن النبي -عليه الصلاة والسلام- نزلت عليه هذه الآية قبل فرض الحج؟ لا يتصور، الذي في حديث جبير بن مطعم في الصحيح، حينما أضل بعيره رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- بعرفة، وتعجب من كونه من الحُمْس ويخرج إلى الحل، وهذا في الصحيح، لا شك أن هذه حجة قبل حجة الوداع، قبل فرض الحج، لكن إذا تعذر أن يُحمَل على تلك الحجة لأن الدين لم يكمل تعين أن يكون في حجة الوداع؛ ولذا قال: كتاب المغازي، باب حجة الوداع، يبقى شيء آخر وهو ما علاقة حجة الوداع بكتاب المغازي؟

المقدم: هو خرج كأنه خرج غازيًا -عليه الصلاة والسلام-؟

ما علاقة حجة الوداع بكتاب المغازي؟

المقدم: خرج في جيش.

جيش ليقاتل؟!

المقدم: لا، لكن خرج في مجموعة ألا يعتبر هذا...؟

لا، هذا ليس بغزو.

سائل: .....

يعني كل سفرة للنبي -عليه الصلاة والسلام- سُجِّلَت في كتاب المغازي؟

سائل: البخاري يلحظ أمورًا دقيقة...

أقول: مناسبة حجة الوداع لكتاب المغازي من وجهين:

أحدهما: الحج نوع من الجهاد؛ ولذا جاء في الحديث: «عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة».

الوجه الثاني: أن المراد بالمغازي أعم من الجهاد، بحيث يشمل السيرة النبوية بكاملها، يعني يتجوَّزون في المغازي فيذكرون جميع أحوال النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولو لم تكن في المغازي، فالمراد بالمغازي أعم من الجهاد بحيث يشمل السيرة النبوية، ومن تمام الحديث عن سيرته -عليه الصلاة والسلام- بيان حجته التي لم يحج غيرها بعد فرض الحج.

سائل: أحسن الله إليك يا شيخ ما يمكن أن يقال في ذكر الحديث في كتاب المغازي: أنها كانت آخر سفرة للنبي -عليه الصلاة والسلام- ولم يغزُ بعدها؟

لكنها على أي تقدير ليست بغزوة، والمغازي جمع غزوة، فكيف دخلت حجة الوداع في المغازي؟ فإما أن نقول: إن الحج نوع من الجهاد، والدليل عليه قوله -عليه الصلاة والسلام-: «عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة» أو نقول: إن المراد بالمغازي ما هو أعم من جمع الغزوات، وإنما يراد به السيرة النبوية بجميع أبوابها، ومن تمام الحديث عن سيرته -عليه الصلاة والسلام- بيان حجته التي لم يحج غيرها بعد فرض الحج.

الثالث: في كتاب التفسير، في باب {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [سورة المائدة 3] قال -رحمه الله تعالى-: حدثني محمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان عن قيس عن طارق بن شهاب قالت اليهود لعمر -رضي الله عنه-: إنكم تقرؤون آية لو نزلت فينا لاتخذناها عيدًا، فقال عمر: إني لأعلم حيث أنزلت؟ وأين أنزلت؟ وأين رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ أنزلت يوم عرفة، وأنا والله بعرفة، قال سفيان: وأشك كان يوم الجمعة أم لا؟ {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [سورة المائدة 3]. كون سفيان يشك لا يعني أن غيره من الرواة لم يضبط ويجزم، والمناسبة ظاهرة لذكر الآية المترجَم بها في الحديث، الآية المترجم بها باب تفسير: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [سورة المائدة 3] منصوص عليها في الحديث، والتفسير أعم من أن يكون تحليل لفظي للألفاظ، بل يشمل جميع ما يتعلَّق بالآية، من تحليل لفظي، ومن سبب نزول، ومما له أدنى مناسبة من مكان السبب مكان النزول وقت النزول، كله فرع من التفسير.

الموضع الرابع: في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، قال -رحمه الله-: حدثنا الحميدي، قال: حدثنا سفيان عن مِسْعَر وغيره عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال: قال رجل من اليهود لعمر -رضي الله عنه-: يا أمير المؤمنين... الحديث، قال البخاري: سمع سفيان مِسْعَرًا، ومِسْعَرُ قيسًا، وقيس طارقًا؛ لأنه في السياق سياق الإسناد بالعنعنة، وفي النهاية نَصَّ البخاري على أن كل واحد سمع الحديث ممن فوقه، وينتفي تهمة من رمي بالتدليس منهم، ومناسبة الحديث للاعتصام بالكتاب والسنة هل فيه مناسبة؟ مناسبة الحديث لكتاب الاعتصام بالكتاب والسنة؟

سائل: .... في الآية: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [سورة المائدة 3] يدل على الاعتصام بالكتاب والسنة، التمسك وعدم الإحداث في دين الله -عز وجل-.

صحيح، مناسبة الحديث للاعتصام بالكتاب والسنة أن إكمال الدين إنما هو بكتاب الله -عز وجل- وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، ومقتضى ذلك ألا يُلتفَت إلى غيرهما، ومقتضى ذلك ألا يلتفت إلى غيرهما.

والحديث أيضًا خرَّجه الإمام مسلم -رحمه الله تعالى-، والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقدم: جزاكم الله خيرًا وأحسن إليكم.

إذًا أيها الإخوة والأخوات بهذا نصل وإياكم إلى ختام حلقتنا من هذا البرنامج: شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

نلقاكم -بإذن الله تعالى- في حلقة قادمة وأنتم على خير.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.