الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي (02)

 

بسم الله الرحمن الرحيم.

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين برحمتك يا أرحم الراحمين، ودمر اللهم أعداء الدين من اليهود والصليبيين يا قوي يا عزيز.

أما بعد:

قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه الجواب الكافي:

"فصل في سبب تخلف الشفاء ولكن هاهنا أمر..."

الفصل الفصل هذا الترجمة مزيدة من المحقِّق ولو لم تُقرَأ كان أفضل يقتصر على كلام المؤلف رحمه الله.

طالب: ............

كل المزيد يعني قد يأتي في كلام المؤلف فصل إذا لم تكن بين معقوفتين فهي من كلام المؤلف.

"ولكن هاهنا أمر ينبغي التفطن له، وهو أن الأذكار والآيات والأدعية التي يستشفى بها ويرقى بها، هي في نفسها نافعة شافية، ولكن تستدعي قبول المحل، وقوة همة الفاعل وتأثيره، فمتى تخلف الشفاء كان لضعف تأثير الفاعل، أو لعدم قبول المنفعل، أو لمانع قوي فيه يمنع أن ينجع فيه الدواء، كما يكون ذلك في الأدوية والأدواء الحسية، فإن عدم تأثيرها قد يكون لعدم قبول الطبيعة لذلك الدواء، وقد يكون لمانع قوي يمنع من اقتضائه أثره."

الرقية الرقية الشرعية كالدعاء وكالدواء هي أسباب أسباب جعلها الله سبحانه وتعالى لمسبَّبات فالمسبِّب هو الله سبحانه وتعالى وهو الذي يرتب المسبَّب والأثر على ذلك السبب وهو الذي يمنع هذا السبب الذي جعله سببا لهذا الأثر من اقتضائه أثره فالسبب لا شك أن له تأثير بجعل الله سبحانه وتعالى له ذلك التأثير فالسبب سواء كان رقية أو دعاء أو دواء وله أثر لأنه سبب والله المسبِّب وله أثر والله سبحانه وتعالى هو المؤثِّر الذي جعل ذلك الأثر له فلا نقول كما تقول المعتزلة أنه يؤثِّر بنفسه ولا نقول كما تقول الأشعرية أن وجوده كعدمه وأن المسبَّب لا يحصل به وإنما يحصل عنده إنما نقول السبب له أثر لكن قد يتخلف ذلك الأثر لوجود مانع أقوى منه فإذا كان المانع أقوى من ذلك السبب تخلَّف ذلك المسبَّب وهو الأثر فالإنسان مأمور بفعل الأسباب كما أنه مأمور ألا يلتفت إلى هذه الأسباب وإنما يعلِّق قلبه بالمسبِّب وهو الله عز وجل فيتوكل على الله حق التوكل مع الأسف الشديد أن كثيراً من الناس يفْرِط في هذا الباب وينظر إلى الأسباب فما أن تنزل به نازلة من مرض أو غيره إلا أن يلجأ إلى المخلوق ويلجأ إلى الأسباب المادية غير ملتفت إلى المسبِّب وهو الله سبحانه وتعالى فالسبب له أثر لكنه لا يستقل بذلك الأثر بجعل الله سبحانه وتعالى له هذا المسبب قد يتخلف الأثر لوجود مانع لوجود معارِض الدعاء سلاح {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [سورة غافر:60] ضمان قد يقول قائل ندعو دعونا دعونا دعونا فلم يستجب لنا نقول لوجود مانع «أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة» يوجد مانع الرجل «يطيل السفر أشعث أغبر يمديه يديه إلى السماء يقول يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وغُذِيَ بالحرام فأنى يستجاب لذلك» والله سبحانه وتعالى يقول {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [سورة غافر:60] دعاه ولم يستجب له لوجود إيش؟ لوجود المانع قد لا تجاب الدعوة مع توافر الأسباب وانتفاء الموانع لأمر آخر وهو أن الله سبحانه وتعالى ادخر له في القيامة أعظم مما طلب أو دفع عنه من الشر والبلاء أعظم مما طلب رفعه من ذلك المقصود أنه سبب ولا بد في الرقية أن يعتقد كل من الراقي والمرقي أن الشافي هو الله عز وجل وأن الرقية سبب والشفاء بيد الله عز وجل.

"فإن الطبيعة إذا أخذت الدواء بقبول تام كان انتفاع البدن به بحسب ذلك القبول، فكذلك القلب إذا أخذ الرقى والتعاويذ بقبول تام، وكان للراقي نفس فعالة وهمة مؤثرة أثرت في إزالة الداء."

نعم لا بد أن يكون المحل والمرقي قابلا وأن يكون الراقي أيضًا على قدْرٍ من الثقة بالله عز وجل وعلى قدْرٍ من توافر الأسباب المقتضية لإجابة دعوته فالنظر إلى المحل القابل مع الفاعل المؤثِّر إذا كان طيِّب المطعم مخلصًا لله عز وجل في أقواله وأفعاله فحينئذٍ يترتب الأثر في الغالب وقد لا يترتب لما ذكرنا.

"وكذلك الدعاء، فإنه من أقوى الأسباب في دفع المكروه، وحصول المطلوب، ولكن قد يتخلف عنه أثره، إما لضعفه في نفسه بأن يكون دعاء لا يحبه الله لما فيه من العدوان وإما لضعف القلب وعدم إقباله على الله وجمعيته عليه وقت الدعاء."

نعم، إما أن يكون الدعاء في ذاته غير محبوب عند الله عز وجل لما فيه من الدعاء بإثم أو قطيعة رحم أو اعتداء والله سبحانه وتعالى لا يحب المعتدين وإما لضعفه في نفسه بأن يكون لضعف في قلب الداعي وقلب الراقي لأن الله سبحانه وتعالى لا يستجيب لقلب غافل لا بد أن يكون حاضرا مقبلا على الله عز وجل مخبتا منكسرا بين يديه مظهرا للحاجة إليه حينئذ تجاب دعوته أما إذا كان القلب الغافل لا يدري بما يدعو والألفاظ تجري على لسانه من غير قصد إما لكونه اعتاد ذلك أو لكونه رقي فلانا محرجا منه رقى فلانا محرجا منه أو لما يرجو من دنيا أو ما أشبه ذلك فلا شك أن هذه من الموانع.

يقول هذا سؤال يبدو أنه من الإنترنت مستعجل عليه ما حكم من يقول بأن الله تخلى عن العباد ويستدل بحال المسلمين الذي يرثى له؟

لا شك أن المسلمين كثير منهم أعرض عن دين الله أعرض وانصرف بالكلية عن دين الله عز وجل وهذا موجود مع الأسف الشديد في مجتمعات المسلمين لا شك أنه يوجد ولله الحمد من أهل العلم والفضل والخير من العلماء العالمين والعبَّاد والزهاد والدعاة والقضاة الأمة فيها خير لكن الغالب الخبث ولذا الهلاك مرتَّب على كثرة الخبث نسأل الله سبحانه وتعالى أن يلطف بالمسلمين وأن يردهم إلى دينهم ردًّا جميلا أما كونه تخلى لا شك أن الله سبحانه وتعالى يعاقِب بما كسبت أيديهم ويعفو عن كثير يعاقبهم بما جنوا بإعراضهم عن دين الله والله المستعان.

يقول هل التداوي واجب أو مستحب وهل عليَّ من إثم إذا لم أتداوَ وصبرت على المرض محتسبا الأجر؟

شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يقول لا أعلم سالفًا أوجب العلاج يعني سالفا أحد من السلف لا أعلم سالفا أوجب العلاج ولا شك أن ترك العلاج بالنسبة لبعض الناس هو العزيمة لما عندهم من قوة التوكل واليقين بما عند الله سبحانه وتعالى والصبر والتحمل والاحتساب هذه عزيمة {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} [سورة الزمر:10] لكن إذا كان الإنسان ليس عنده من القدر المطلوب من التوكل والعزيمة وصدق النية مثل هذا يُنصَح بأن يعالِج لأن مثل هذا إذا ترك العلاج واستمر معه المرض لا شك أنه من أقبل عليه يشرح له وضعه ويتأفف.. ويشتكي عليه أنا فعلت أنا ابتليت أنا.. مثل هذا يعالِج بقدر الإمكان والله سبحانه وتعالى يقضي ما شاء والله المستعان فإذا صبر على المرض واحتسب الأجر منه عز وجل لا شك أن أجره عند الله عظيم.

"وإما لضعف القلب وعدم إقباله على الله وجمعيته عليه وقت الدعاء فيكون بمنزلة القوس الرخو جدا."

الراء الراء مثلثة لكن يرجحون الكسر الرِّخو.

"فيكون بمنزلة القوس الرِّخو جدًّا فإن السهم يخرج منه خروجا ضعيفا، وإما لحصول المانع من الإجابة من أكل الحرام والظلم ورين الذنوب على القلوب واستيلاء الغفلة والشهوة واللهو وغلبتها عليها."

نعم هذه كلها موانع هذه موانع تمنع من ترتب الأثر على السبب تمنع من قبول إجابة الدعاء وتمنع من وجود الشفاء في حال الرقية.

"كما في مستدرك الحاكم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة واعلموا أن الله لا يقبل دعاء من قلب غافل لاه» فهذا دواء نافع مزيل للداء، ولكن غفلة القلب عن الله تبطل قوته، وكذلك أكل الحرام يبطل قوته ويضعفها كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «يا أيها الناس، إن الله طيب، لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [سورة المؤمنون:51] وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [سورة البقرة:172] ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك؟!»."

نعم استبعاد استبعاد للإجابة لوجود المانع هو بذل السبب والسفر مظنة لقبول الدعاء وللمسافر دعوة مستجابة فالسبب موجود ومد يديه إلى السماء وألح في الدعاء يا رب يا رب ومع ذلك لم يترتب الأثر لوجود المانع فمطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام يتقلب بالحرام فأنى يستجاب استبعاد أنى يستجاب لذلك لوجود المانع ولا شك أنه إذا المانع مع السبب يتصارعان والحكم للأغلب إذا غلب المانع تخلف الأثر بالكلية إذا غلب السبب وجد الأثر وقد يتخلف الأثر مع عدم وجود المانع لما ذكرنا من أنه قد يدخر له ما هو أعظم منه في القيامة وقد يدفع عنه من الشر ما هو أعظم منه على ما تقدم.

"وذكر عبد الله بن أحمد في كتاب الزهد لأبيه: أصاب بني إسرائيل بلاء، فخرجوا مخرجا، فأوحى الله عز وجل إلى نبيهم أن أخبرهم إنكم تخرجون إلى الصعيد بأبدان نجسة، وترفعون إليَّ أكفًّا قد سفكتم بها الدماء، وملأتم بها بيوتكم من الحرام، آلآن حين اشتد غضبي عليكم؟! ولن تزدادوا مني إلا بعدا.

وقال أبو ذر رضي الله عنه: يكفي من الدعاء مع البر، ما يكفي الطعام من الملح."

نعم ما ذكره الإمام أحمد رحمه الله في كتاب الزهد عن بني إسرائيل هو من أخبار بني إسرائيل التي لا تصدق ولا تكذب لكن في شرعنا ما يشهد له مع وجود هذا المانع وهو سفك الدماء الذي هو من أعظم الجرائم والمعاصي وُجد هذا المانع وقد يقول قائل ما بالنا نخرج نستسقي وفينا الصالح وفينا العابد وفينا الزاهد وفينا العالم فلا يستجاب لنا نقول لوجود الموانع بل لوجود بعض المنكرات أثناء أداء هذه العبادة مع الأسف الشديد وننظر إلى بعض الأمور وكأنها استخفاف واستهتار نزاول بعض المعاصي ونحن نأتي نطلب ما عند الله عز وجل تجد الشخص يأتي إلى العبادة وقلبه في واد وجسده في واد ويقف بين يدي ربه عز وجل وقد جاهر بالمعاصي وارتكب من المعاصي الظاهرة فضلا عن الباطنة تأتي بعض النساء إلى صلاة التهجد مع سائق أجنبي يخلو بها بالسيارة نأتي إلى صلاة الاستسقاء ويحف بنا بعض المنكرات ونزاول بعض المنكرات في أثناء الصلاة وقد يكون المكان الذي تؤدى فيه الصلاة مشتمل على بعض المخالفات هذا شبيه بالاستخفاف لكن نسأل الله جل وعلا أن يردنا إلى حضيرة دينه وأن يجيب دعاءنا وأن ينصرنا على القوم المجرمين...والله المستعان.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.