التعليق على الموافقات (1436) - 15
نعم.
طالب: أحسن الله إليك.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: المسألة السادسة: قد تقدم أن لطالب العلم في طلبه أحوالاً ثلاثةً: أما الحال الأول، فلا يسوغ الاقتداء بأفعال صاحبه كما لا يقتدى بأقواله؛ لأنه لم يبلغ درجة الاجتهاد بعدُ، فإذا كان اجتهاده غير معتبر، فالاقتداء به كذلك؛ لأن أعماله إن كانت باجتهاد منه فهي ساقطة، وإن كانت بتقليد الواجب الرجوع في الاقتداء إلى مُقلِّده أو إلى مجتهد آخر".
"إلى مُقلَّده".
طالب: "إلى مُقلَّده"، أحسن الله إليك، نعم.
"فالواجب الرجوع في الاقتداء إلى مُقلَّده أو إلى مجتهد آخر، ولأنه عُرضة لدخول العوارض عليه من حيث لا يعلم بها فيصير عمله مخالفًا، فلا يوثق بأن عمله صحيح فلا يمكن الاعتماد عليه".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
لا شك أن طالب العلم يتدرج في تحصيله من مبتدئ يُعلم الحروف إلى أن يعرف يقرأ ويكتب إلى أن يعرف ويفهم ما يلقى إليه من علم، وهذا شيء ما يحتاج إلى بيان، هذا كله يعرفه، وأن الإنسان يتدرج في جميع أموره، سواء كان في أمور الدنيا أو في أمور الدين. هذا الطالب في بداية أمره لا شك أنه في حكم العامة؛ لأنه لم يدرك من العلم ما يؤهِّله للنظر في المسائل وأدلتها. ثم ينتقل إلى مرحلة أخرى يترقى فيها في العلم، إلى أن يكون عنده شيء من المخزون العلمي ومن إدراك المسائل، لكن ومع ذلك لا يتأهل لأن يستقل بالنظر، ولا يزال يترقى في مدارج العلوم حتى يتأهل للنظر في الأدلة والمسائل بنفسه، ويستقل بالوصول إلى الراجح من الأقوال، ويصل بذلك إلى مرتبة الاجتهاد، لو تمكن من النظر في الأدلة، وتوصل إليها بنفسه فإنه حينئذٍ يجتهد في الأحكام، وحينئذ يسوغ تقليده.
بخلاف حاله الأولى والثانية؛ لأنه في حاله الأولى في حكم العامة، وفي الثانية يدخل عليه الدخل والنقص، وقد يرجح غير راجح، أو يتصور مسألة على غير وجهها.
المقصود أنه إذا تأهل للاجتهاد ساغ تقليده. أما في الحالة الأولى يقول: "فلا يسوغ الاجتهاد بأفعاله" بأفعال صاحب كما لا يقتدى بأقواله؛ لأنه تقدم أن الاقتداء كما يكون بالأقوال يكون أيضًا بالأفعال، وأضاف إلى ذلك التقرير فيما تقدم. لكن عرفنا ما في هذا الكلام من خلل، وأنه قد يقر شيئًا لا يجوز إقراره لمصلحة راجحة في تقديره، ولو لم تكن راجحة في تقدير غيره. المقصود أن مثل هذه الأمور، الذي إقراره شرع هو الرسول -عليه الصلاة والسلام-.
يقول: "لأنه لم يبلغ درجة الاجتهاد بعدُ، فإذا كان اجتهاده غير معتبر، فالاقتداء به كذلك"؛ لأن الاقتداء فرع عن الاجتهاد، ولا يقتدى إلا بمجتهد. قد يقول قائل: إن الشيوخ في الجملة في كثير من الأقطار، المقتدى بهم من قبل عامة الناس هم من المقلدة، وليسوا من المجتهدين، ويندر أن يوجد في كثير من الأقطار إمام مجتهد يقلَّد نابع من رأيه، وإنما هو مقلِّد لإمام آخر، والمقلِّد نقل ابن عبد البر الاتفاق على أنه ليس من أهل العلم. هذا إشكال كبير، الشيوخ الذين وُجدوا في البلدان في سائر الأقطار، وتولوا مناصب إما قضاءً وإما فتوى، يقضون على حسب مذاهبهم، فهم مقلدة، فكيف يقلَّدون؟
يقول المؤلف: "فإذا كان اجتهاده غير معتبر، فالاقتداء به كذلك؛ لأن أعماله إن كانت باجتهاد منه فهي ساقطة"، يعني ليست لديه آلة الاجتهاد، "وإن كانت بتقليد فالواجب الرجوع في الاقتدار إلى مقلَّده أو إلى مجتهد آخر"، طيب أنت رأيت هذا العالم الذي عاش بينكم في حيكم وفي بلدكم وأنتم تنظرون إليه ولا تعرفون غيره، وهو مقلد لإمام آخر، كيف تستطيع أن تقلد الإمام الكبير كأحمد مثلاً والشافعي وغيرهما وهذا واسطة بينك وبينهم؟ ونقول: لا يقلّد مثل هذا. وأن المسألة يعني فيها نوع سهولة، وكما تنقل الفتوى بالقول تنقل بالفعل، ما حكمها؟ يعني نقل رأي الإمام أحمد أو رأي الإمام الشافعي بفعله، صلى بالناس صلاة الإمام صلاة يرى هي على مذهب الإمام الشافعي أو على مذهب أحمد أو على مذهب مالك على حسب اختلاف البلدان والعامة تقلده، فهو ينقل لنا مذهب إمامه.
ولذا يقول المؤلف: لا "فالواجب الرجوع في الاقتداء إلى مقلَّده"، فالعامة ما يصلون إلى الرجوع للمقلَّد إلا لو كان موجودًا فممكن، "أو إلى مجتهد آخر": نعم إذا وُجد مجتهد آخر فلا يقلَّد المقلد.
طالب: .......
لا، هو يقول: مقلِّد، يعني المقلد مطبق، تجزؤ الاجتهاد معروف عند أهل العلم. يعني ليس من أهل العلم فيما يقلده فيه.
طالب: .......
ماذا؟
طالب: .......
نعم.
طالب: .......
تقدم الكلام على أن في المذاهب أئمة يجتهدون في مذاهبهم، ويقررون مسائل في هذه المذاهب من خلال الأصول والقواعد العامة للمذهب، ولو لم ينص عليها أئمتهم. على كل حال كلامهم ما هو بدستور لا يحاد عنه، المسألة مسألة تسديد ومقاربة.
طالب: .......
ادعى الاجتهاد المطلق.
طالب: .......
ما له، عنده قواعد، هو عنده قواعده قواعد الإمام الشافعي وادعى الاجتهاد المطلق.
طالب: .......
ماذا؟
طالب: .......
الاستفاضة، إذا استفاض عند أهل العلم أنه وصل إلى هذه المرتبة خلاص.
طالب: "وأما الحال الثالث، فلا إشكال في صحة استفتائه، ويجري الاقتداء بأفعاله، على ما تقدم في المسألة قبلها.
وأما الحال الثاني، فهو موضع إشكال بالنسبة".
يعني المتردد بين الحال الأولى والحالة الثانية.
طالب: "فهو موضع إشكال بالنسبة إلى استفتائه، وبالنسبة إلى الاقتداء بأفعاله، فاستفتاؤه جار على النظر المتقدم في صحة اجتهاده أو عدم صحته".
وهذه هي العادة فيما يتردد بين أمرين واضحين جليين يكون محل إشكال، وضربنا لذلك مثلًا في الحديث الحسن المتردد بين الصحيح والضعيف.
طالب: "وأما الاقتداء بأفعاله، فإن قلنا بعدم صحة اجتهاده فلا يصح الاقتداء كصاحب الحال الأول، وإن قلنا بصحة اجتهاده جرى الاقتداء بأفعاله على ما تقدم من التفصيل والنظر.
هذا إذا لم يكن في أعماله صاحب حال، فإذا كان صاحب حال، وهو ممن يستفتى، فهل يصح الاقتداء به بناءً على التفصيل المذكور أم لا؟ وهل يصح استفتاؤه في كل شيء أم لا؟".
يعني صاحب الحال هذا يطلق على فريق من المتعبدة الذين ينتمون إلى بعض الطوائف المتصوفة ممن كان على الجادة، يعني مع الدليل، لكنهم مغرقون في الأحوال وفي العبادات، مثل هذا الاقتداء به صعب، يفضي إلى الانقطاع، إلا شخصًا وصل إلى ما وصل إليه من تحبيب العبادة إليه وإشغال الوقت كله لها.
طالب: "كل هذا مما يُنظر فيه، فأما الاقتداء بأفعاله حيث يصح الاقتداء بمن ليس بصاحب حال، فإنه لا يليق إلا بمن هو ذو حال مثله، وبيان ذلك أن أرباب الأحوال عاملون في أحوالهم على إسقاط الحظوظ".
ما ينظرون إلى حظوظ أنفسهم، ولا إلى دنياهم، بل هم منصرفون إلى التعبد، فالاقتضاء بمثل هؤلاء ممن لم يصل إلى مرتبتهم لا شك أنه يفضي إلى الانقطاع.
طالب: "بالغون غاية الجهد في أداء الحقوق، إما لسائق الخوف، أو لحادي الرجاء، أو لحامل المحبة، فحظوظهم العاجلة قد سقطت من أيديهم بأمر شاغل عن غير ما هم فيه، فليس لهم عن الأعمال فترة، ولا عن جد السير راحة، فمن كان بهذا الوصف، فكيف يقدر على الاقتداء به مَن هو طالب لحظوظه مشاح في استقصاء مباحاته؟! وأيضًا فإن الله تعالى سهل عليهم ما عسر على غيرهم، وأيدهم بقوة منه على ما تحملوه من القيام بخدمته، حتى صار الشاق على الناس غير شاق عليهم، والثقيل على غيرهم خفيفًا عليهم، فكيف يقدر على الاقتداء بهم ضعيفُ المُنَّة..؟".
يعني الهمة، ضعيف الهمة.
طالب: "ضعيف المُنَّة عن حمل تلك الأعباء، أو مريض العزم في
قطع مسافات النفس، أو خامد الطلب لتلك المراتب العلية، أو راضٍ بالأوائل عن الغايات؟! فكل هؤلاء لا طاقة لهم باتباع أرباب الأحوال، وإن تطوقوا ذلك زمانًا، فعمَّا قريب ينقطعون، والمطلوب الدوام، ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «خذوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لن يمل حتى تملوا»، وقال: «أحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه وإن قل»، وأمر بالقصد في العمل وأنه مبلغ، وقال: «إن الله يحب الرفق في الأمر كله»، وكره العنف والتعمق والتكلف والتشديد خوفًا من الانقطاع، وقال: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} [الحجرات: 7]، ورفع عنا الإصر الذي كان على الذين من قبلنا".
لأنهم يطالبونه -عليه الصلاة والسلام- أن يفعلوا فوق ما كلفوا به؛ لأنهم يستطيعون، وعندهم همة وعزيمة ورغبة في الخير، لكن لو أطاعهم لأصابهم العنت والمشقة الشديدة التي قد لا يستطيعون المداومة عليها.
طالب: "فإذا كان الاقتداء بأرباب الأحوال آيلاً إلى مثل هذا الحال، لم يَلِقْ أن ينتصبوا منصب الاقتداء وهم كذلك، ولا أن يتخذهم غيرهم أئمةً فيه، اللهم إلا أن يكون صاحب حال مثلهم وغير مخوف عليه الانقطاع، فإذ ذاك يسوغ الاقتداء بهم على ما ذُكر من التفصيل، وهذا المقام قد عرفه أهله، وظهر لهم برهانه على أتم وجوهه".
لكن هل يقال لصاحب الحال: عليك أن تخفي شيئًا عن العامة؛ لئلا يقتدوا بك؟ الإنسان طبيب نفسه، إذا عجز لن يحمل نفسه بأكثر مما يطيق، ويجرب إن مشى وإلا يقصر، وما زال أهل الفضل والعلم والدين والصلاح يزاولون عباداتهم أمام الناس في المسجد، ومع ذلك يعرف الناس أن القدر الزائد على ما افترضه الله عليهم تطوع، فإن نشطت له أنفسهم فعلوه وإلا تركوه.
طالب: "وأما الاقتداء بأقواله إذا استفتي في المسائل، فيحتمل تفصيلاً، وهو أنه لا يخلو إما أن يُستفتى في شيء هو فيه صاحب حال أو لا، فإذا كان الأول جرى حكمه مجرى الاقتداء بأفعاله، فإن نطقه في أحكام أحواله من جملة أعماله، والغالب فيه أنه يفتي بما يقتضيه حاله، لا بما يقتضيه حال السائل، وإن كان الثاني ساغٍ ذلك".
أين؟ "ساغَ ذلك".
طالب: أحسن الله إليك. "وإن كان الثاني ساغَ ذلك لأنه إذ ذاك كأنما يتكلم من أصل العلم لا من رأس الحال؛ إذ ليس مأخوذًا فيه".
طالب: .......
ماذا فيه؟
طالب: .......
بحسب حاله هو.
طالب: .......
لا؛ لأنه لا يعمل شيئًا يضن به على غيره، لكن يفصل، يقول: لأنه لو أفتاه بغير ما تقتضيه حاله لعُدّ متناقضًا، كيف يفتي بالتساهل والتراخي وهو يفعل كذا، والأصل أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه.
وعلى كل حال المسألة، يعني الفرق بين الفروض والواجبات والمستحبات معروفة لدى الخاص والعام.
طالب: "المسألة السابعة: يذكر فيها بعض الأوصاف التي تشهد للعامي بصحة اتباع من اتصف بها في فتواه. قال مالك بن أنس: ربما وردت عليَّ المسألة تمنعني من الطعام والشراب والنوم. فقيل له: يا أبا عبد الله! والله ما كلامك عند الناس إلا نقر في حجر، ما تقول شيئًا إلا تلقوه منك. قال: فمن أحق أن يكون هكذا إلا من كان هكذا؟ قال الراوي: فرأيت في النوم قائلاً يقول: مالك معصوم".
يعني إذا وصل إلى مرتبة مالك، هو أحق الناس بأن يقول ما يهضم به نفسه، هو أحق الناس؛ لأنه كلما زاد العلم زادت معرفة الإنسان بقدر نفسه وضعفه، وأنه ظلوم جهول، وأنه ما أوتي من العلم إلا قليلاً، وشواهد الأحوال واضحة، أولئك الذين لديهم الدعاوى العريضة بالعلم بواسطة الشهادات أو غيرها أو المناصب تجده لا يعرف قدر نفسه، كلما ازداد من العلم والعمل زادت معرفته لنفسه. وهذا مالك، وغير مالك من الأئمة.
طالب: "وقال: إني لأفكر في مسألة منذ بضع عشرة سنةً، فما اتفق لي فيها رأي إلى الآن".
هذه عند آحاد طلاب العلم ما تحصل أبدًا! جوابه على طرف اللسان.
طالب: .......
ماذا؟
طالب: .......
قبل ما يسمع السائل، نعم، بعضهم يتلقف ويبدأ بالجواب قبل ما ينتهي السائل.
طالب: معناه أنه يعرف السؤال.
من البدهيات، الذي يجمع له عمر أهل بدر، هذه من أسهل من أيسر الأمور على، والسبب في ذلك، وما السبب في ذلك؟
طالب: الجهل.
رخص الذمم، رخصت عليهم ذممهم، ونحن منهم، ما جئنا من كوكب ثانٍ، نحن منهم، وعشنا بينهم، وترعرعنا بينهم، نسأل الله العفو والمسامحة.
طالب: آمين يا رب العالمين.
نعم.
طالب: "وقال: ربما وردت عليَّ المسألة فأفكر فيها ليالي".
وبعد فمثل هذه المسائل مضايق، كيف يعتمد هذا الأسلوب وهو يتصدر للناس؟ ما يمكن، فيها وعورة وفيها صعوبة، إما أن تكون كل من جاءك أجبته، وإلا تنقبض انقباضًا كليًّا. أما أن تستحضر مثل هذه الأمور وأنت وُكل إليك هذا الأمر، ولا بد من حل مشاكل الناس والإجابة على أسئلتهم، وإلا فإنك تعتزل. لكن الأئمة عرفوا أن يسددوا ويقاربوا في هذه الأمور ويربوا من بعدهم.
طالب: "وكان إذا سئل عن المسألة قال للسائل: انصرف حتى أنظر فيها. فينصرف ويردد فيها، فقيل له في ذلك، فبكى وقال: إني أخاف أن يكون لي من المسائل يوم وأي يوم. وكان إذا جلس، نكَّس رأسه، وحرك شفتيه يذكر الله، ولم يلتفت يمينًا ولا شمالاً، فإذا سئل عن مسألة، تغيَّر لونه -وكان أحمر- فيصفر، وينكس رأسه ويحرك شفتيه، ثم يقول: ما شاء الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، فربما سئل عن خمسين مسألةً، فلا يجيب منها في واحدة، وكان يقول: من أحب أن يجيب عن مسألة فليعرض نفسه قبل أن يجيب على الجنة والنار، وكيف يكون خلاصه في الآخرة، ثم يجيب.
وقال بعضهم: لكأنما مالك واللهِ إذا سئل عن مسألة، واقف بين الجنة والنار. وقال: ما شيء أشد عليَّ من أن أَسأل عن مسألة".
"أُسأل".
طالب: أحسن الله إليك.
"ما شيء أشد علي من أن أُسأل عن مسألة من الحلال والحرام؛ لأن هذا هو القطع في حكم الله، ولقد أدركت أهل العلم والفقه ببلدنا وإن أحدهم إذا سئل عن مسألة كأن الموت أشرف عليه، ورأيت أهل زماننا هذا يشتهون الكلام فيه والفتيا، ولو وُقفوا على ما يصيرون إليه غدًا لقللوا من هذا، وإن عمر بن الخطاب وعليًّا وعامة خيار الصحابة كانت تَرد عليهم المسائل، وهم خير القرن الذي بُعث فيهم النبي -صلى الله عليه وسلم، وكانوا يجمعون أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ويَسألون، ثم حينئذ يفتون فيها، وأهل زماننا هذا قد صار فخرهم الفتيا، بقدر ذلك يُفتح لهم من العلم".
الله المستعان.
طالب: "قال: ولم يكن من أمر الناس ولا مَن مضى من سلفنا الذين يُقتدى بهم ومعوَّل الإسلام عليهم، أن يقولوا: هذا حلال وهذا حرام، ولكن يقول: أنا أكره كذا، وأرى كذا، وأما حلال وحرام فهذا الافتراء على الله، أما سمعت قول الله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ} [يونس: 59] الآية؛ لأن الحلال ما حلله الله ورسولُه، والحرام ما حرماه".
كان يكثر في الأسئلة: ما رأي الدين في كذا، ثم يجيب على أنه هو الدين. وبعضهم ألف مصنفًا: رأي الدين في بعض المسائل، وكتب بعضهم مصنفًا: أنت تسأل والإسلام يجيب. هذا موجود في الأسواق نعم، نسأل الله العافية.
طالب: "قال موسى بن داود: ما رأيت أحدًا من العلماء أكثر أن يقول: (لا أحسن) من مالك".
الشيخ ابن باز بالبرامج العامة يقول: الله أعلم، كثيرًا، وتبحث هذه المسألة، ويكلف من يبحث هذه المسألة، أو تراجع، كثيرًا. والكبار يقولون مثل هذا بكثرة؛ لأنهم انتهوا من مرحلة بناء الشخصية وغير ذلك، أو فلان أعلم من فلان أو يعلم أو لا يعلم، لا، الآن وقف على الحد، عرف وتكشفت له الأمور.
أما آحاد الطلاب فيخشى أنه إذا قال: لا أعلم، لا أعلم، ماذا فعلت أنت؟ والله المستعان. يقول واحد ... يسألون في البرامج العامة، يقول: سألت الشيخ ابن باز بالبرنامج، جاءه سؤال ما هو الذي سأله، لكن الذي ألقى عليه، يقول: معن بن زائدة صحابي أم تابعي؟ قال: لا أدري، ونبحث ونرى عنه. هو متأخر، ما هو من الصحابة ولا من التابعين، ولا من أتباع التابعين. لكن مع ذلك من ورعه -رحمه الله-. ما أحد يتطاول يقول: الشيخ ابن باز ما يعرف؛ لأنه ما عرف معن بن زائدة.
لما سئل شخص من أهل العلم الكبار، قال: لا أدري. قال: وأنت فلان تقول لا أدري؟! قال: العلم كثير أم قليل؟ قال: كثير، قال: أنا أحفظ نصفه أم أقل؟ قال: أقل، قال: خلي هذا من النصف والزائد على السؤال ذا، النصف الثاني لم أفهمه ولا أعرفه، الله المستعان.
طالب: "وربما سمعته يقول: ليس نبتلى بهذا الأمر، ليس هذا ببلدنا، وكان يقول للرجل يسأله: اذهب حتى أنظر في أمرك، قال الراوي: فقلت: إن الفقه من باله وما رفعه الله إلا بالتقوى. وسأل رجل مالكًا عن مسألة".
"من باله" يعني يستحضر الفقه الإمام مالك، لكنه يخاف على نفسه، الذمة غالية، والمسألة ليست بالسهلة: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ} [الزمر: 60]، من الكذب على الله الكذب بقول: هذا حلال، وهذا حرام، {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ} [النحل: 116] إذا كان بغير علم.
طالب: "وسأل رجل مالكًا عن مسألة -وذكر أنه أرسل فيها من مسيرة ستة أشهر من المغرب- فقال له: أخبر الذي أرسلك أنه لا علم لي بها. قال: ومن يعلمها؟ قال: مَن علمه الله. وسأله رجل عن مسألة استودعه إياها أهلُ المغرب، فقال: ما أدري، ما ابتلينا بهذه المسألة ببلدنا".
يعني ما حصلت لنا حتى نتعب عليها، ونتساءل، ونتدارس، ونصل فيها إلى حكم، ما ابتلينا بها.
طالب: "ولا سمعنا أحدًا من أشياخنا تكلم فيها، ولكن تعود، فلما كان من الغد جاء وقد حمل ثقله على بغله يقوده، فقال: مسألتي! فقال: ما أدري ما هي؟".
يعني حمل المتاع خلاص سيمشي، المتاع حمله على البغلة، سيمشي، لكن الجواب جاهز ويمشي.
طالب: "فقال: مسألتي! فقال: ما أدري ما هي، فقال الرجل: يا أبا عبد الله! تركت خلفي من يقول: ليس على وجه الأرض أعلم منك. فقال مالك غير مستوحش: إذا رجعت فأخبرهم أني لا أُحسن. وسأله آخر فلم يجبه، فقال له: يا أبا عبد الله أجبني. فقال: ويحك، تريد أن تجعلني حجةً بينك وبين الله؟ فأحتاج أنا أولاً أن أنظر كيف خلاصي ثم أُخلصك. وسئل عن ثمانٍ وأربعين مسألةً فقال في اثنتين وثلاثين منها: لا أدري. وسئل من العراق عن أربعين مسألةً، فما أجاب منها إلا في خمس.
وقد قال ابن عجلان: إذا أخطأ العالم لا أدري أصيبت مقاتله. ويروى هذا الكلام عن ابن عباس، وقال: سمعت ابن هرمز يقول: ينبغي أن يورث العالم جلساءه قول لا أدري، وكان يقول في أكثر ما يسأل عنه: لا أدري. قال عمر بن يزيد: فقلت لمالكٍ في ذلك، فقال: يرجع أهل الشام إلى شامهم، وأهل العراق إلى عراقهم، وأهل مصر إلى مصرهم، ثم لعلِّي أرجع عما أفتيهم به".
يعني فمن يبلغوهم عن رجوعي؟ حملوا الفتوى وانتهوا إلى بلدانهم ثم تغير اجتهادي، من يبلغهم؟ الله المستعان.
طالب: "قال: فأخبرت الليث بذلك، فبكى وقال: مالك والله أقوى من الليث، أو نحو هذا. وسئل مرةً عن نيف وعشرين مسألةً، فما أجاب منها إلا في واحدة، وربما سئل عن مائة مسألة فيجيب منها في خمس أو عشر، ويقول في الباقي: لا أدري. قال أبو مصعب: قال لنا المغيرة: تعالوا نجتمع ونستذكر كل ما بقي علينا ما نريد أن نسأل عنه مالكًا. فمكثنا نجمع ذلك، وكتبناه في قُنْداق ووجَّه به المغيرة إليه، وسأله الجواب، فأجابه في بعضه وكتب في الكثير منه: لا أدري، فقال المغيرة: يا قوم! لا والله ما رفع الله هذا الرجل إلا بالتقوى، من كان منكم يُسأل عن هذا فيرضى أن يقول: لا أدري؟".
الآن يبتدئون بلا أدري، وقد يكون عندهم من العلم في المسألة الشيء الكثير، والآن يُسأل من ينتسب إلى العلم، فيجيب بما يظهر له خطؤه، ثم يبحث عن توجيه لهذا الخطأ الذي أجاب به! نسأل الله العافية.
طالب: "والروايات عنه في لا أدري، ولا أحسن كثيرة، حتى قيل: لو شاء رجل أن يملأ صحيفته من قول مالك: لا أدري، لَفَعل قبل أن يجيب في مسألة. وقيل: إذا قلت أنت يا أبا عبد الله: لا أدري، فمن يدري؟ قال: ويحك أعرفتني، ومن أنا؟ وأيش منزلتي حتى أدري ما لا تدرون؟ ثم أخذ يحتج بحديث ابن عمر، وقال: هذا ابن عمر يقول: لا أدري، فمن أنا؟ وإنما أهلك الناس العجب وطلب الرياسة، وهذا يضمحل عن قليل".
"يضمحل عن قليل"؛ لأنه مهما بلغ من التستر والتعالم والتشبع ينكشف، لا بد أن ينكشف، نعم.
طالب: "وقال مرةً أخرى: قد ابتُلي عمر بن الخطاب بهذه الأشياء، فلم يُجب فيها، وقال ابن الزبير: لا أدري، وابن عمر: لا أدري. وسئل مالك عن مسألة فقال: لا أدري، فقال له السائل: إنها مسألة خفيفة سهلة، وإنما أردت أن أُعلم بها الأمير، وكان السائل ذا قدر، فغضب مالك وقال: مسألة خفيفة سهلة! ليس في العلم شيء خفيف، أما سمعت قول الله تعالى: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً} [المزمل: 5]، فالعلم كله ثقيل، وبخاصة ما يُسأل عنه يوم القيامة".
كثيرًا ما يقول السائلون: أنا عندي مسألة بسيطة. صارت بسيطة خلاص أفتِ نفسك، إذا صرت تدري أنها بسيطة، إذا صرت تعرف حجم هذه المسألة وأنها بسيطة، دبِّر روحك. يعني أنه إذا كان لا يعلمها ولا يعرف عنها شيئًا، فكيف بيَّن أنها بسيطة، وحكم عليها بأنها بسيطة سهلة؟
طالب: "قال بعضهم: ما سمعت قط أكثر قولاً من مالك: لا حول ولا قوة إلا بالله، ولو نشاء أن ننصرف بألواحنا مملوءةً بقوله: لا أدري {إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} [الجاثية: 32]، لفعلنا. وقال له ابن القاسم: ليس بعدُ أهل المدينة".
"ليس"؟
طالب: "ليس بعدَ أهل المدينة"، "ليس بعدُ".
"بعدُ".
طالب: "ليس بعدُ أهل المدينة".
هي اسم "ليس".
طالب: .......
نعم ظرف.
طالب: .......
ماذا أقول أنا؟
طالب: .......
لا.
طالب: .......
"ليس بعدَ أهل المدينة أعلمُ"، "أعلمُ".
طالب: ما يكون الوجهان فيها؟
الظرف يجيء اسم ليس؟
طالب: لا ما يجيء.
ما يجيء.
طالب: "وقال له ابن القاسم: ليس بعدَ أهل المدينة أعلمُ بالبيوع من أهل مصر. فقال مالك: ومن أين علموها؟ قال: منك. فقال مالك: ما أعلمها أنا، فكيف يعلمونها؟! وقال ابن وهب: قال مالك: سمعت من ابن شهاب أحاديث كثيرةً ما حدثت بها قط، ولا أُحدث بها، قال الفروي: فقلت له: لِم؟ قال: ليس عليها العمل. وقال رجل لمالك: إن الثوري حدثنا عنك في كذا. فقال: إني لأحدث في كذا وكذا حديثًا ما أظهرتها بالمدينة. وقيل له: عند ابن عيينة أحاديث ليست عندك؟ فقال: أنا أحدث الناس بكل ما سمعت؟! إني إذًا أحمق! وفي رواية: إني أريد أن أضلهم إذًا!".
«كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع».
طالب: "ولقد خرجت مني أحاديث لوددت أني ضُربت بكل حديث منها سوطًا ولم أُحدث بها، وإن كنت أجزع الناس من السياط!".
نعم.
طالب: "ولما مات، وُجد في تَرِكَتِه حديثٌ كثير جدًّا لم يُحدث بشيء منه في حياته. وكان إذا قيل له: ليس هذا الحديث عند غيرك، تركه، وإن قيل له: هذا مما يحتج به أهل البدع، تركه".
يعني من باب الاحتياط أن لا يكون وهم فيه؛ لأنه لم يتابَع عليه، أو يكون مستندًا وحجة لمبتدع.
طالب: "وقيل له: إن فلانًا يحدث بغرائب. فقال: من الغريب نفر. وكان إذا شك في الحديث طرحه كله، وقال: إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي، فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوا به، وكل ما لم يوافق ذلك فاتركوه. وقال: ليس كل ما قال الرجل وإن كان فاضلاً يُتبع، ويُجعل سنةً، ويُذهب به إلى الأمصار، قال الله تعالى: {فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ} [الزمر: 17، 18] الآية".
{فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر: 18]، نعم. يعني ما يتبعونه كله، إنما يتبعون أحسنه.
طالب: "وسئل عن مسألة أجاب فيها ثم قال مكانه: لا أدري، إنما هو الرأي، وأنا أخطئ وأرجع، وكل ما أقول يُكتب. وقال أشهب: ورآني أكتب جوابه في مسألة، فقال: لا تكتبها، فإني لا أدري أثبت عليها أم لا؟
قال ابن وهب: سمعته يعيب كثرة الجواب من العالم حين يُسأل، قال: وسمعته عندما يُكثر عليه من السؤال يكف، ويقول: حسبكم! من أكثر أخطأ، وكان يعيب كثرة ذلك، وقال: يتكلم كأنه جمل مُغتَلِم، يقول: هو كذا هو كذا يهدر في كل شيء. وسأله رجل عراقي عن رجل وطئ دجاجةً ميتةً، فخرجت منها بيضة، فأفقست البيضة عنده عن فرخ: أيأكله؟ فقال مالك: سل عما يكون".
يصير هذا؟! ما هذا؟
طالب: ما أدري.
ما تدري؟! "سأله رجل عراقي عن رجل وطئ دجاجةً ميتةً، فخرجت منها بيضة، فأفقست البيضة عنده عن فرخ: أيأكله؟".
طالب: .......
نعم، يعني التصور الفقهي يمكن، لكن التمحل إلى هذا الحد، وأنه إذا خرج الفرخ حيًّا من الذي يقول هذا؟ من الذي يحرمه؟
طالب: .......
ماذا؟
طالب: .......
نعم.
طالب: هو يمكن سأل لأن الدجاجة ما .......
لا، الدجاجة خرجت منها البيضة، والبيضة معروفة حكمها، إذا كان جلدها صلبًا فله حكم، وإذا كان رقيقًا فله حكم، هذه مسألة معروفة في الفقه، لكن التسلسل بهذه الطريقة قد لا يقع، وإذا وقع وخرج الفرخ حيًّا لا أحد يقول: حرام.
طالب: هو بما تحرز في كلمة "ميتة"، "دجاجة ميتة"؟
طيب "دجاجة ميتة" وعاء نجس.
طالب: "فقال مالك: سل عما يكون، ودع ما لا يكون. وسأله آخر عن نحو هذا فلم يجبه".
مع أن الفقهاء في المذاهب كلها ذكروا من الفروع ما هو أبعد من هذا، لكن هذا في بداية الأمر في عهد السلف.
طالب: "وسأله آخر عن نحو هذا فلم يجبه، فقال له: لِم لا تجيبني يا أبا عبد الله! فقال: لو سألت عما تنتفع به أجبتك. وقيل له: إن قريشًا تقول: إنك لا تذكر في مجلسك آباءها وفضائلها. فقال: إنما نتكلم فيما نرجو بركته. قال ابن القاسم: كان مالك لا يكاد يُجيب، وكان أصحابه يحتالون أن يجيء رجل بالمسألة التي يحبون أن يعلموها كأنها مسألة بلوى، فيجيب فيها".
كما كان الصحابة يتحينون الرجل العاقل من البادية يجيئه فيسأل النبي -عليه الصلاة والسلام- فيستفيدون من جوابه.
طالب: "وقال لابن وهب: اتق هذا الإكثار وهذا السماع الذي لا يستقيم أن يُحدَّث به. فقال: إنما أسمعه لأعرفه".
بماذا نستفيد من هذا كله؟
طالب: .......
ماذا؟
طالب: .......
لا، أن الدروس المتتابعة كل يوم تُختصر بيوم واحد حتى ما يكثر الخطأ ويكثر.
طالب: .......
لأن الإكثار معه الخطأ بلا شك، أليس صحيحًا؟
طالب: .......
ماذا؟
طالب: .......
ما علينا من مالك، هذا كلامه.
طالب: .......
نفس الشيء، هل الذي يعلق على الدروس أكثر والله أعلم، وليتنا نخرج كفافًا.
طالب: "فقال: إنما أسمعه لأعرفه لا لِأحدث به. فقال له: ما يسمع إنسان شيئًا إلا يُحدِّث به، وعلى ذلك لقد سمعت من ابن شهاب أشياء ما تحدثت بها، وأرجو أن لا أفعل ما عشت، وقد ندمت أن لا أكون طرحت من الحديث أكثر مما طرحت. قال أشهب: رأيت في النوم قائلاً يقول: لقد لزم مالك كلمةً عند فتواه لو وردت على الجبال لقلعتها، وذلك قوله: ما شاء الله، لا قوة إلا بالله. هذه جملة تدل الإنسان على من يكون من العلماء أولى بالفتيا والتقليد له، ويتبين بالتفاوت في هذه الأوصاف الراجح من المرجوح، ولم آتِ بها على ترجيح تقليد مالك، وإن كان أرجح بسبب شدة اتصافه بها".
يعني على غيره من الأئمة، هو راجح عنده، عند المالكية، ولا شك أنه إمام، وهو نجم السنن، إمام في الرواية، وإمام في الفقه، وإمام في العلم، وإمام في العمل، إمام في الزهد والورع، ومع ذلك الأئمة الآخرون كلٌّ له فضله ومزيته.
طالب: "وإن كان أرجح بسبب شدة اتصافه بها، ولكن لتُتخذ قانونًا في سائر العلماء، فإنها موجودة في سائر هداة الإسلام، غير أن بعضهم أشد اتصافًا بها من بعض".
نقل عن الإمام أحمد في هذا الباب شيء كثير جدًّا، كتب مناقبه تحمل من مثل هذه العبارات الشيء الكثير، والشافعي أيضًا كذلك.
طالب: "المسألة الثامنة: يسقط عن المستفتي التكليف بالعمل عند فَقْد المفتي".
إذا ما وجد من يستفتيه، إذا ما وجد، بحث عن شخص يستفتيه فما وجد. وهذا متصور الآن في بعض بلاد المسلمين التي فيها قلة وشح في أهل العلم بعد أن كبس عليها كابوس الاستعمار وما خلفه الاستعمار، هذا موجود. وأما في بلاد الغربة والأقليات فحدث ولا حرج هذا.
طالب: "يسقط عن المستفتي التكليف بالعمل عند فقد المفتي إذا لم يكن له به علم لا من جهة اجتهاد معتبر ولا من تقليد، والدليل على ذلك أمور؛ أحدها: أنه إذا كان المجتهد يسقط عنه التكليف عند تعارض الأدلة عليه على الصحيح -حسبما تبين في موضعه من الأصول-، فالمقلد عند فقد العلم بالعمل رأسًا أحق وأولى. والثاني: أن حقيقة هذه المسألة راجعة إلى العمل قبل تعلق الخطاب، والأصل في الأعمال قبل ورود الشرائع سقوط التكليف؛ إذ لا حكم عليه قبل العلم بالحكم، إذ شَرْطُ التكليف عند الأصوليين العلم بالمكلف به، وهذا غير عالِم به بالفرض، فلا ينتهض سببه على حال".
طالب: .......
أين؟ أيهم؟ العامي الذي ما وجد من يفتيه؟
طالب: .......
عند تعارض المسألة وتوقف في المسألة، توقف في المسألة، بدون مرجح كيف يرجح؟ كيف يعمل بمجرد الهوى؟ يتوقف حتى يجد المرجح..
طالب: "والثالث: أنه لو كان مكلفًا بالعمل، لكان من تكليف ما لا يطاق؛ إذ هو مكلف بما لا يعلم، ولا سبيل له إلى الوصول إليه، فلو كُلف به لكُلف بما لا يقدر على الامتثال فيه، وهو عين المحال، إما عقلاً وإما شرعًا، والمسألة بينة.
فصل: ويتصور في هذا العمل أمران؛ أحدهما: فقد العلم به أصلاً، فهو كمن لم يَرد عليه تكليف البتة. والثاني: فقد العلم لوصفه دون أصله، كالعالم بالطهارة أو الصلاة أو الزكاة على الجملة، لكنه لا يعلم كثيرًا من تفاصيلها وتقييداتها وأحكام العوارض فيها، كالسهو وشبهه".
لأن الجهل مراتب، كما أن العلم مراتب. قد يكون جاهلًا في التفاصيل، وإن كان عنده علم إجمالي مثل ما أشار المؤلف، وقد يكون جهله مطبقًا لا شيء عنده.
طالب: "كالسهو وشبهه، فيطرأ عليه فيها ما لا علم له بوجه العمل به، وكلا الوجهين يتعلق به أحكام بحسب الوقائع لا يمكن استيفاء الكلام فيها، وكتب الفروع أخص بها من هذا الموضع.
المسألة التاسعة: فتاوى المجتهدين بالنسبة إلى العوام كالأدلة الشرعية بالنسبة إلى المجتهدين".
لأن هذا فرضهم، فرضهم تقليد العلماء وسؤال أهل العلم، وإذا سأل من تبرأ الذمة بتقليده فإنه يلزمه العمل بقوله، فصار قوله كالدليل بالنسبة للمجتهد.
طالب: "والدليل عليه أن وجود الأدلة بالنسبة إلى المقلدين وعدمها سواء؛ إذ كانوا لا يستفيدون منها شيئًا، فليس النظر في الأدلة والاستنباط من شأنهم، ولا يجوز ذلك لهم ألبتة".
لكن هل للعامي وهو يقرأ في كلام الله دليل يدل على مسألة انقدحت في ذهنه، بحيث يكون فهمه من مستواه أو قريب منه، أو يقرأ ويسمع في الحديث في المسجد حديثًا يحمل حكمًا، هل نقول: لا لا تنظر بهذا، انظر إلى أقوال العلماء، أنت لست بكفء لتنظر في الأدلة؟ هناك ما يُدرك، ما يُدركه العامي وغير العامي، مثل ما قيل في التفسير أن منه ما يدرك من لغة العرب، وهكذا. فالذي يدركه العامي وأهل لأن يدركه يعمل به.
طالب: .......
ماذا؟
طالب: .......
لو سئل قال: قال الله -جل وعلا- كذا.
طالب: .......
ماذا؟
طالب: .......
هو الاحتمال موجود، لكن أمور ظاهرة، والدليل عليها ظاهر من القرآن، ما يقول: المسألة حكمها كذا في كتاب الله، من غير أن يفتي به أو من غير. المقصود أنه بخلاف ما ذكره بعض المتعصبة من المذاهب، الصاوي في حاشيته على الجلالين في تفسير سورة الكهف: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 23، 24]، يقول: ولا يجوز الخروج عن المذاهب الأربعة ولو خالفت الكتاب والسنة وقول الصحابي! يقول: لأن الأخذ بظواهر النصوص من أصول الكفر! كلام قبيح.
طالب: .......
ماذا؟
طالب: .......
نعم.
طالب: .......
على كل حال المسألة، يقولون: إن الخطر على المخالف، يعني مصادمة الكتاب والسنة وأقوال خيار الأمة من الصحابة، هذا ليس بالسهل.
طالب: "وقد قال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]. والمقلِّد غير عالم، فلا يصح له إلا سؤال أهل الذكر، وإليهم مرجعه في أحكام الدين على الإطلاق، فهم إذًا القائمون له مقام الشارع، وأقوالهم قائمة مقام أقوال الشارع. وأيضًا فإنه إذا كان فَقْد المفتي يسقط التكليف فذلك مساوٍ لعدم الدليل؛ إذ لا تكليف إلا بدليل، فإذا لم يوجد دليل على العمل سقط التكليف به، فكذلك إذا لم يوجد مفتٍ في العمل فهو غير مكلف به".
لأن فتوى المفتي بالنسبة للعامي المقلد بمنزلة الدليل كما سبق تقريره.
طالب: "فثبت أن قول المجتهد دليل العامي، والله أعلم. ويتعلق بكتاب الاجتهاد نظران؛ أحدهما: في تعارض الأدلة على المجتهد، وترجيح بعضها على بعض. والآخر: في أحكام السؤال والجواب".
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم صل وسلم على البشير النذير.
* * *
طالب: .......
ماذا؟
طالب: تقليدهم له أو سؤالهم له؟
إذا لم يكن من أهل العلم فلا يقلَّد. أما التقليد في العاديات مثل ما يقلد الولد أباه وإن كان عاميًّا، غير التقليد في أحكام الشرع.
"