شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (027)
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحبًا بكم إلى حلقة جديدة ضمن برنامجكم: شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح. مع مطلع هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الكريم بن عبد الله الخضير، عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، فأهلاً ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.
حياكم الله وبارك فيكم.
المقدم: توقفنا عند قول المؤلف -رحمه الله-: "باب «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده».
عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه»."
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد نبَّهتُ في أكثر من مناسبة أن الترجمة من عمل المحقِّق، وليست في أصل المختصَر، الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- لما ذكر حديث الشُّعَب، أتبع الحديث بأحاديث نص النبي -عليه الصلاة والسلام- فيها على بعض الشُّعَب، ومنها حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه» وراوي الحديث عبد الله بن عمرو بن العاص القرشي السهمي أبو محمد، ويقال: أبو عبد الرحمن، يقال: كان بينه وبين أبيه اثنتا عشرة سنة، وقيل: إحدى عشرة، كان رضي الله عنه غزير العلم، مجتهدًا في العبادة، قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: ما كان أحد أكثر حديثًا مني عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب، هذا قاله أبو هريرة -رضي الله عنه-: ما كان أحد أكثر حديثًا مني عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا عبد الله بن عمرو، وهذا بناء على غلبة ظنه، نظرًا لكثرة ما يرويه ابن عمرو من الأحاديث، أو تكون مقالة أبي هريرة هذه قبل الدعوة النبوية لأبي هريرة، وقبل أن يبسط رداءه بأمر النبي -عليه الصلاة والسلام-،
وعلى كل حال عبد الله بن عمرو أحد المكثرين من الرواية، روي له عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبعمائة حديث، اتفق على سبعة عشرة حديثًا، وانفرد البخاري بثمانية، ومسلم بعشرين، توفي بمكة، وقيل: بالطائف، وقيل: بمصر، سنة ثلاث أو خمس أو سبع وستين. الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- ترجم على الحديث بقوله: بابٌ المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده. يقول العيني: فإن قلت: لِمَ لَمْ يبوِّب البخاري على الجملة الأخيرة من الحديث: «المهاجر من هجر ما نهى الله عنه»؟ قلتُ: لأن في صدر الحديث لفظة المسلم، والكتاب الذي يحوي هذه الأبواب كلها من أمور الإيمان والإسلام، قال: فإن قلتَ: هجْر المنهيات أيضًا من أمور الإسلام، قلتُ: بلى، ولكنه في تبويبه بصدر الحديث اعتناء بذكر لفظٍ فيه مادة من الإسلام وهو المسلم، قوله: «المسلم» قيل: الألف واللام فيه للكمال، نحو زيدٌ الرجل، أي الكامل في الرجولية، قال ابن حجر: وتُعقِّب بأنه يستلزم أن من اتصف بهذا خاصة كان كاملاً، ويجاب بأن المراد بذلك مع مراعاة باقي الأركان، يقول الخطابي: المراد أفضل المسلمين من جمع إلى أداء حقوق الله تعالى أداء حقوق المسلمين. يقول ابن حجر: وإثبات اسم الشيء على معنى إثبات الكمال له مستفيض في كلامهم، ويحتمل أن يكون المراد بذلك أن يبيِّن علامة المسلم التي يُستدَل بها على إسلامه، وهي سلامة المسلمين من لسانه ويده، كما ذُكر مثله في علامة المنافق، ويحتمل أن يكون المراد بذلك الإشارة إلى الحث على حسن معاملة العبد مع ربه؛ لأنه إذا أحسن معاملة إخوانه فأولى أن يُحسِن معاملة ربه من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى.
يقول العيني: فيه نظر وخدش من وجهين، أحدهما: أن قوله يحتمل أن يكون المراد بذلك الإشارة إلى حسن معاملة العبد مع ربه ممنوع؛ لأن الإشارة ما ثبت بنظم الكلام وتركيبه مثل العبارة غير أن الثابت من الإشارة غير مقصود من الكلام، ولا سيق الكلام له، يقول: فانظر هل تجد فيه هذا المعنى؟ يعني هل أشير بالحديث الذي فيه الإشارة إلى حسن معاملة العبد مع أخيه المسلم، هل فيه إشارة ولو من بعد إلى حسن المعاملة مع الرب؟ يقول: يحتمل أن يكون المراد بذلك الإشارة إلى الحث على حسن معاملة العبد مع ربه؛ لأنه إذا أحسن معاملة إخوانه فأولى أن يحسن معاملة ربه من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى، الوجه الأول من وجهي الخدش عند العيني يقول: هذا ممنوع؛ لماذا؟ لأن الإشارة ما ثبت بنظم الكلام وتركيبه مثل العبارة، كأنه يقول أن التنصيص على المراد يكون باللفظ، يكون بالمنطوق، والإشارة إليه تكون بالمفهوم، ومعاملة الرب لم تَرِدْ لا في منطوق الحديث ولا في مفهومه، لكن لا يمنع أن ينبَّه بالأدنى على الأعلى، كما نبه الله -سبحانه وتعالى- بالنهي عن إيذاء الأبوين بمنع التأفيف {فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ} [سورة الإسراء 23] قد يقول قائل: ليس فيه إشارة إلى منع الضرب لا بالمفهوم ولا بالمنطوق، نقول: هذا من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى، فإذا مُنع التأفيف مُنع الضرب من باب أولى، وهنا إذا اعتُنِيَ بحسن معاملة العبد فالعناية بحسن المعاملة مع الرب من باب أولى، وبهذا يتبين ضعف الوجه الذي خدش به العيني كلام ابن حجر.
يقول: والثاني أن قوله: فأولى أن يحسن معاملة ربه ممنوع أيضًا، ومن أين الأولوية في ذلك؟! والأولوية موقوفة على تحقق المدَّعى، والدعوى غير صحيحة؛ لأننا نجد كثيرًا من الناس يسلم الناس من لسانهم وأيديهم ومع هذا لا يحسنون المعاملة مع الله تعالى.
الوجه الثاني من وجهي الخدش في كلام الحافظ ابن حجر من قِبَل العيني يقول: إن قوله: فأولى أن يحسن معاملة ربه ممنوع أيضًا، ومن أين الأولوية في ذلك؟ والأولوية موقوفة على تحقق المدعى، والدعوى غير صحيحة. عرفنا أن الدعوى صحيحة، والتنبيه بالأدنى على الأعلى معروف في النصوص وفي لغة العرب. يقول: لأننا نجد كثيرًا من الناس يسلم الناس من لسانهم وأيديهم ومع هذا لا يحسنون المعاملة مع الله تعالى. نقول: هذا خبر، لكنه أريد به الأمر، نعم، قد يأتي الخبر ويراد به الأمر، هنا المفهوم من توجيه المسلم إلى تحسين معاملته مع أخيه، وهذا هو الأدنى أولى بالمسلم وأحرى به أن يحسن معاملة ربه، يعني هذا هو المفترض في المسلم، كونه يوجَد من يخالف، المخالفون كُثر للأوامر الصريحة، كما أن المخالفين والواقعين في النواهي الصريحة كُثر.
يقول: «من سلم المسلمون» وكذا المسلمات، وأيضًا أهل الذمة، فذِكْر المسلمين هنا خرج مخرج الغالب؛ لأن محافظة المسلم على كف الأذى عن أخيه المسلم أشد تأكيدًا، والإتيان بجمع التذكير للتغليب فإن المسلمات يدخلن في ذلك.
المقدم: العيني -أحسن الله إليكم- ما له توجيه لمَّا خدش قول ابن حجر، ما له توجيه آخر؟
العيني فقط وقف عند النص وقال: لا بد أن نأخذ ما يدل عليه النص منطوقًا أو مفهومًا.
«من سلم المسلمون» هنا جاء بجمع التذكير، والمقصود به الغالب، ويدخل فيه الإناث؛ لأن خطاب الرجال تدخل فيه الإناث، وجاء ذلك صريحًا في قوله تعالى: {وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} [سورة التحريم 12] يدخل فيه أيضًا أهل الذمة لما ورد من الوعيد في حق من آذاهم، من آذى ذميًّا جاء الوعيد في حقه فيدخل فيه هذا، والذمِّي معروف أنه من يبذل الجزية وهو صاغر، ويلتزم بأحكام المسلمين تجاه أهل الذمة.
«من لسانه ويده» خُص اللسان بالذكر؛ لأنه المعبِّر عما في النفس، وهكذا اليد؛ لأن أكثر الأفعال بها، لا شك أن اللسان هو المعبِّر عما في الضمير، الناس لا يدرون ولا يعرفون ما في نفس الشخص إلا إذا نطق؛ ولهذا لا يؤاخَذ في أحكام الدنيا إلا إذا نطق بلسانه، وكذلك اليد أكثر الأفعال بها، بها الأخْذ، وبها الإعطاء، وبها الضرب... إلى غير ذلك... بها الأكل والشرب، المقصود أن اليد هي التي تستعمل في غالب التصرفات، وعبَّر باللسان دون القول ما قال: من قوله ويده، أو قوله وعمله، عبَّر باللسان دون القول ليدخل مَن أخرج لسانه استهزاءً بصاحبه يؤاخَذ؛ لأن المسلم لم يسلَم من لسانه، فلو قال: من سلم المسلمون من قوله لما دخل مثل هذا؛ لأنه لم يقل شيئًا، وإن كان القول بالمعنى الأعم يشمل الفعل أيضًا، "قال بيديه هكذا" يعني في التيمم "قال بيديه هكذا" والقول هنا المراد به الفعل، المقصود أن هكذا قال الشراح.
يقول ابن حجر: والحديث عام بالنسبة إلى اللسان دون اليد؛ لأن اللسان يمكنه القول في الماضِين والموجودِين، الحديث عام بالنسبة إلى اللسان دون اليد؛ لأن اللسان يمكنه القول في الماضِين والموجودِين والحادثِين بعْد، يعني من يأتي بعْد قد لا يسلم من لسان بعض الناس، كما أن الماضِين لم يسلموا من ألسنة كثير من الناس فضلاً عن الموجودِين. نعم يمكن أن تشارك اليدُ اللسانَ في ذلك بالكتابة، وإن أثرها في ذلك لعظيم، أقول: ما أعظم أثر كتابة اليد، وكم من شخص ضل بسببها؛ لأن الإنسان يكتب بيده ما لا يحسب له حساب، فيضِل بسببه من يقرؤه ممن يأتي بعده، وهذا ظاهر في كتب المبتدعة التي ضل بسببها قرون متطاولة، وأجيال من الناس، ومثل الكتابة حفظ الكلام بآلات التسجيل، فعلى المسلم أن يحسب لكل عمل يقدم عليه حسابه، وينظر هل يستفيد أحد من كلامه أو يتضرر؟ فيقدم بناء على ذلك أو يُحجم، والله المستعان.
المقدم: الله المستعان، كأني أيضًا بكم تشيرون إلى قضية سلامة الناس في أديانهم أيضًا، مما يحصل من بعض الكتبة مع الأسف في التسلط على أديان الناس والتعرض لمعتقداتهم، كأنكم تشيرون إلى أن هذا الأمر خطير أيضًا يا شيخ.
المحافظة على الدين أولى من المحافظة على النفس والمال وغيرها من الضرورات، فالضرر في الدين أبلغ؛ لأنه باقٍ، فالشخص الذي يتضرر دينه بسبب شخص ما لا شك أنه يهلكه، ويقضي عليه، أما الضرر الدنيوي فهو لا يلبث إما أن يزول أو يستمر حتى وفاة الشخص وعمره محدود، لكن أين هذا من الضرر في الدِّين؟! الذي يكون بناءً عليه قد يدخل بسببه النار -نسأل الله العافية-، قد يكفر بسبب كلمة يضل بها -نسأل الله العافية-.
والمراد بالسلامة هنا ما لم يكن ذلك بحق كحدٍّ أو تعزير أو تأديب على أن ذلك في التحقيق ليس إيذاءً، بل هو استصلاح، إذا كان عدم السلامة بحق، كإقامة حد على مرتكب معصية، أو تأديب مخالف، أو تعزير، هذا في الحقيقة ليس بإيذاء حقيقي، وإن كان في الظاهر إيذاء يتألم من أقيم عليه الحد، لا شك أنه يتألم من أقيم عليه الحد أو التعزير أو التأديب، لكن مصلحته أعظم، هو استصلاح وطلب للسلامة للشخص نفسه ولغيره، ولو في المآل، وهذا من جوامع كلمه -عليه الصلاة والسلام- التي لم يُسبَق إليها.
قوله: «والمهاجر» المفاعلة تقتضي وقوع الفعل من اثنين، لكنه هنا للواحد كالمسافر فهو بمعنى الهاجِر، ويحتمل أن يكون على بابه؛ لأن من لازم كونه هاجرًا وطنه مثلاً أنه مهجور من وطنه، قال ابن حجر: وهذه الهجرة ضربان: ظاهرة وباطنة؛ فالباطنة ترك ما تدعو إليه النفس الأمَّارة بالسوء والشيطان «المهاجر من هجر ما نهى الله عنه» ترك ما تدعو إليه النفس الأمَّارة بالسوء والشيطان؛ لأن ما تدعو إليه النفس الأمَّارة والشيطان مما نهى الله عنه، وعلى هذا يستحق الوصف بالمهاجر الكامل من ترك ما تدعو إليه نفسه الأمَّارة بالسوء، والشيطان أيضًا، المهاجرة الظاهرة ترك البلد، ترك العشيرة، وتتمثل بالفرار بالدين من الفتن، وكأن المهاجرين خوطبوا بذلك لئلا يتكلوا على مجرد التحول من دارهم حتى يمتثلوا أوامر الشرع ونواهيه، قد يقول مثلاً من المهاجرين وإن لم يقولوا ذلك، لكن هذا مجرد يعني توجيه للحديث؛ لئلا يقول أحد من المهاجرين: أنا هاجرت، ولئلا يقولها أيضًا من يهاجر بعدهم من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام، أنا هاجرت من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام، ويكفيني هذه الغربة، نقول: لا، هذه الغربة لا تكفي، بل لا بد أن تهجر ما تدعوك إليه نفسك الأمارة بالسوء «المهاجر من هاجر ما نهى الله عنه».
يحتمل أن يكون ذلك قبل انقطاع الهجرة لمَّا فتحت مكة تطييبًا لقلوب من لم يدرك ذلك، نعم كثير من الناس ولد في بلاد الإسلام، ولا يحتاج إلى هجرة وانتقال من هذا البلد إلى غيره، قد يقول: فاتني خير عظيم بفوات الهجرة، نقول: بقي هجرة «المهاجر من هجر ما نهى الله عنه» وهذا فيه تطييب لقلب مثل هؤلاء.
بل حقيقة الهجرة تحصل لمن هجر ما نهى الله عنه، زاد ابن حبان والحاكم: «والمؤمن من أمنه الناس» وقال النووي: المهاجر الكامل، قال العلماء: أعلمَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- المهاجرين أنه أوجب عليهم أن يهجروا ما نهى الله تعالى عنه، ولا يتَّكلوا على الهجرة، وقيل: شق فوات الهجرة على بعضهم ففعل المهاجر المطلوب الكامل من هجر ما نهى الله تعالى عنه، ومن ذلك الهجرة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. قال أهل اللغة: الهجر ضد الوصل، ومنه قيل للكلام القبيح: الهُجر بضم الهاء؛ لأنه ينبغي أن يُهجَر، والهاجرة وقت يُهجر فيه العمل، والمهاجِر هو الذي فارق عِتْرته ووطنه.
والحديث أخرجه الإمام البخاري هنا في كتاب الإيمان، قال: حدثنا آدم بن أبي إياس، قال: حدثنا شعبة عن عبد الله بن أبي السفر وإسماعيل عن الشعبي عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكره، ثم قال: قال أبو عبد الله وقال أبو معاوية: حدثنا داود عن عامر قال: سمعت عبد الله عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقال عبد الأعلى عن عامر عن عبد الله عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأراد بهذا التعليق بيان سماع الشعبي من عبد الله، ونبه بالتعليق الآخر على أن عبد الله الذي أهمل في رواية هو عبد الله بن عمرو الذي بين في رواية رفيقه.
أخرجه أيضًا الإمام البخاري في الرقاق: باب الانتهاء عن المعاصي، قال: حدثنا أبو نعيم حدثنا زكريا عن عامر قال: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: قال النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكره بلفظه، ومناسبة قوله في الحديث: «والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه» للترجمة (باب الانتهاء عن المعاصي) ظاهرة «المهاجر من هجر ما نهى الله عنه» من انتهى عن المعاصي فقد هجر ما نهى الله عنه، فالترجمة ظاهرة، وكذا صدر الحديث: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» لأن من لم يسلم المسلمون من لسانه ويده لم ينتهِ عن المعاصي، ومن سلموا منه قد انتهى من المعاصي المتعلقة بهم، بالمسلمين، يقول العيني: مطابقته للترجمة من حيث إن ترك أذى المسلم باليد واللسان من جملة الانتهاء عن المعاصي، وأيضًا قوله: «من هجر ما نهى الله عنه» من جملة الانتهاء عن المعاصي أيضًا، والحديث مما انفرد البخاري بجملته عن مسلم، وأخرج مسلم بعضه في صحيحه، وأخرجه أيضًا أبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم.
المقدم: أحسن الله إليك هذا مناسبة إيراده في الباب أو الترجمة الكتاب في كتاب الإيمان مع أنه قال: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» كأن للبخاري إشارة في إيراده في كتاب الإيمان؟
نعم، الإمام البخاري ذكرنا مرارًا أنه يرى الترادف بين الإسلام والإيمان، ذكرنا سابقًا أنه يرى أن الإيمان والإسلام مترادفان، وتأتي الإشارات الكثيرة في الأبواب اللاحقة كلها يذكر فيها الإسلام، وأدخلها في كتاب الإيمان؛ لأنه لا فرق بينهما عنده، ولا شك أن الإسلام الذي يمدح صاحبه مشتمل على الإيمان كما أن الإيمان مشتمل أيضًا على الإسلام، وهما كما قال أهل العلم إذا اجتمعا افترقا، صار لكل واحد منهما حقيقته، وحُمِل الإسلام على الأعمال الظاهرة، والإيمان على الأعمال الباطنة كما في حديث جبريل، وإذا افترقا اجتمعا، فإذا مُدِح المسلم فالمراد به المؤمن، كما أنه إذا مُدِح المؤمن دخل فيه المسلم الملتزم بإسلامه.
المقدم: لكن ألا يُعتقَد أيضًا ربما يقال أن قصد البخاري الرد على من قال: إن الإيمان مجرد التصديق أو أنه القول والتصديق؛ لأنه أشار إلى أن الإسلام هنا أن يسلم المسلمون من لسانه ويده، فأدخل الأفعال في نقيض الإسلام فبالتالي تكون في الفعل ذاته.
نعم، هذا جارٍ على ما قعَّده وأصَّله سابقًا، وأن الإسلام قول وعمل واعتقاد، وأنه يزيد وينقص، ثم بعد ذلكم ذكر حديث الشعب، ثم فرَّع ما وصل إليه على شرطه من هذه الشعب.
المقدم: أحسن الله إليك مرَّت بنا كلمة عِتْرَة قبل قليل وضبطتموها بهذه الصورة.
نعم، هو بكسر العين: الأقارب.
المقدم: عِتْرَة.
نعم، هم الأقارب.
المقدم: نعم، معنا مجموعة من الأسئلة يا شيخ إذا أذنتم.
تفضل.
السائل: أحسن الله إليك يا شيخ في سند الحديث الأول قال الإمام البخاري فيما أذكر السند: حدثنا آدم حدثنا الشعبي وساق الحديث، ثم قال: وإسماعيل عن شعبة أو كذا، أو نحو هذا السند، فإسماعيل هذا متابع لِمَن؟ وهل إسماعيل حدَّث البخاري يعني تابع آدم؟ وإذا كان فهمي هذا صحيحًا -أي أن إسماعيل حدَّث البخاري- أليس هذا موضع حاء التحويل التي يُكثِر منها الإمام مسلم في صحيحه حتى يوردها أحيانًا عدد من المرات في حديث واحد؟ لماذا لم يوردها البخاري؟ وجزاكم الله خيرًا.
الإمام البخاري كما ذكرنا يروي الحديث من طرق أوَّلها قال: حدثنا آدم بن أبي إياس، قال: حدثنا شعبة عن عبد الله بن أبي السفر، ثم قال: وإسماعيل، عن عبد الله بن أبي السفر وإسماعيل عن الشعبي، فإسماعيل معطوف على عبد الله بن أبي السفر، يقول: حدثنا آدم بن أبي إياس قال حدثنا شعبة عن عبد الله بن أبي السفر وإسماعيل كلاهما عن الشعبي عن عبد الله، شعبة عن عبد الله بن أبي السفر وإسماعيل، عبد الله وإسماعيل كلاهما يروي الحديث عن الشعبي، الحاء تُتَصوَّر هنا لو كان البخاري يروي الحديث عن إسماعيل، فيقول: حدثنا آدم بن أبي إياس قال: حدثنا شعبة عن عبد الله بن أبي السفر وإسماعيلُ، يعني وحدثنا إسماعيل، حاء وحدثنا إسماعيل، فالحاء هنا لا ترد، وهي ترد كثيرًا في صحيح مسلم، ويُقصَد بها التحوُّل من إسناد إلى إسناد، ويستفاد منها اختصار الأسانيد، والجمع على نقطة الالتقاء.
الطالب: إذًا إسماعيل حدَّث مَن؟ حدَّث البخاري؟
حدثنا آدم بن أبي إياس قال: حدثنا شعبة عن عبد الله بن أبي السفر وإسماعيل، فإسماعيل حدَّث شعبة مع عبد الله بن أبي السفر، عبد الله بن أبي السفر وإسماعيل كلاهما حدَّث شعبة عن الشعبي.
المقدم: أحسن الله إليكم، ونفع بعلمكم.
إذًا يا مستمعيَّ الكرام نصل وإياكم بهذا إلى ختام هذه الحلقة من برنامج شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح. نشكر في ختام هذه الحلقة لصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الكريم بن عبد الله الخضير، عضو هيئة التدريس بكلية أصول الدين، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، وأشكر للإخوة الحضور الذين شاركوا معنا في هذا الدرس، شكرًا لكم أنتم يا مستمعي الكرام. ألقاكم بإذن الله تعالى في حلقة الأسبوع القادم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.