كتاب الصلاة من المحرر في الحديث - 18

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سم.

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين يا رب العالمين.

قال الإمام ابن عبد الهادي في محرره:

وعن كامل أبي العلاء عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول بين السجدتين: ((اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني)) رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي والحاكم وصححه، وهذا لفظ أبي داود والحاكم.

وعند الترمذي وابن ماجه: ((واجبرني)) بدل ((وعافني)).

وعند ابن ماجه أيضاً: ((وارفعني)) بدل ((واهدني)).

وقال الترمذي: غريب، ورواه بعضهم عن كامل أبي العلاء مرسلاً، وقد وثق كاملاً ابن معين، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به، وروى هذا الحديث ولفظه: ((اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني وعافني وارزقني واهدني)).

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"وعن كامل أبي العلاء عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: ((اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني))".

وهذا الحديث مخرج عند أبي داود والترمذي والحاكم، وفيه زيادات، وفيه أيضاً نقص، وكامل أبو العلاء راويه وثقه ابن معين، وقدح فيه النسائي قال: "ليس بالقوي" وقال ابن عدي: "أرجو أنه لا بأس به" وعلى هذا فالحديث حسن، يعني القول الوسط في حكمه أنه حسن.

أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول بين السجدتين إذا نهض من سجدته الأولى وجلس بينهما، والجلسة بين السجدتين ركن من أركان الصلاة كما هو معلوم، وذكرها الدعاء ((اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني)) وعند الترمذي: ((واجبرني)) بدل ((عافني)) وعند ابن ماجه: ((وارفعني)) بدل ((واهدني)).

وينظر في إسناد الترمذي وإسناد ابن ماجه لثبوت اللفظين، فإن كان إسنادهما مما يثبت به الخبر فيزاد هذان اللفظان على ما جاء في الأصل: ((اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني)) ((واجبرني وارفعني)) تكون سبع، وهذا الدعاء عند الجمهور سنة، ويوجب الحنابلة مثل الدعاء بالمغفرة، سؤال المغفرة كما أن التسبيح في الركوع والسجود واجبان عند الحنابلة، التشهد الأول واجب عندهم، التكبيرات تكبيرات الانتقال واجبة، وكل هذه الأمور سنن عند الجمهور.

"كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول بين السجدتين" كان معروف أنها تدل على الاستمرار، هذا الأصل فيها، وإن جاء استعمالها في المرة الواحدة، وجاء استعمالها في الغالب، لكنها هنا تدل على الاستمرار.

"كان يقول بين السجدتين: ((اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني))" ((اللهم)) أصلها يا الله، يا الله حذف حرف النداء، وعوض عنه بالميم المشددة، يا الله اغفر لي، هذا دعاء بالمغفرة، وهي الستر، ستر الذنب ومحو أثره.

((وارحمني)) أيضاً دعاء بالرحمة، وإذا غفر للإنسان غفر له ما ارتكبه من آثام، وطلب الرحمة ليفوز بدخول الجنان؛ لأن الجنة لا تدرك بالعمل ((لن يدخل أحدكم عمله الجنة)) قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ((ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته)) فالمغفرة تمحو أثر الذنب المقتضي للعقاب، ودخول الجنة إنما هو برحمة أرحم الراحمين، والحصول على منازلها ودرجاتها إنما هو بالأعمال، يعني إذا دخلها برحمة الله استفاد من أعماله التفاوت في الدرجات.

((واهدني)) والهداية كما هو معلوم تنقسم إلى هداية الدلالة والإرشاد، وهداية التوفيق والقبول، والدلالة والإرشاد هي لأنبياء الله، ومن يقوم مقامهم من الدعاة إلى الحق، يهدون الناس ويدلونهم {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [(52) سورة الشورى] وأما هداية التوفيق والقبول فليست إلا لله -جل وعلا- {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [(56) سورة القصص].

((وعافني)) نعم سؤال العافية جاء فيه نصوص كثيرة، والمراد بالعافية معافاة الدين، ومعافاة البدن، فالعافية في الدين أن يحفظك الله -جل وعلا- من المخالفات الكبيرة والصغيرة، العقدية والعملية، ومعافاة البدن بأن يحفظ بدنك وقلبك من الانحراف عن التوسط؛ لأن الصحة المراد بها الاعتدال، وهي بين انحرافين ارتفاع وانخفاض، والأمراض الحسية معلومة، الأمراض الحسية انحرافها عن الاعتدال بالارتفاع والانخفاض، خذ مثلاً الضغط إن ارتفع مشكل، وإن انخفض مشكل، والعافية في الاعتدال، خذ السكري مثلاً إن انخفض مشكل، وإن ارتفع مشكل، والعافية في الاعتدال وهكذا.

وكذلك سلامة القلب من الشهوات والشبهات، إنما هي في الاعتدال لا في الإفراط ولا في التفريط، فتسأل الله -جل وعلا- أن يعافيك في دينك، في علمك، في بدنك، في جميع قواك، في مالك، وإن كان بعضها يمكن إدخالها مع بعض، لكن التنصيص على بعض الأمور إنما هو للاهتمام به.

((وارزقني)) وارزقني الرزق هو ما يسوقه الله -جل وعلا- للمخلوق، وقد كتب له بعد أن أمضى مائة وعشرين يوماً، كتب له رزقه، ولا يمكن أن يزيد ولا ينقص، فطلب الرزق المكتوب قد يقال: إنه من باب تحصيل الحاصل، لكنه ليس الأمر كذلك، فالدعاء سبب، والذين يقولون بأن الدعاء لا ينفع؛ لأن الأمور كتبت وانتهت أيضاً الأسباب الأخرى لو عطلوها لحكم عليهم بالجنون وهي مكتوبة، يعني بعض المتصوفة يقول: لا فائدة من الدعاء؛ لأنه إن كان مكتوباً لا بد من حصوله، وإن كان غير مكتوب فلن يحصل مهما دعيت.

أجاب ابن القيم في أوائل الجواب الكافي المعروف بالداء والدواء قال: "إذا قيل لأحدهم: لماذا تتزوج؟ قال: أريد الولد، قال: إن كان الولد مكتوب بيحصل، وإن كان ما هو مكتوب فلن يحصل، لماذا تتزوج؟" الرزق مكتوب بلا شك، لكنه مكتوب مع أسبابه، والإنسان مأمور بالدعاء، ولا يدري ما في الغيب ((أعملوا فكل ميسر لما خلق له)) أنت مكتوب بعد شقي وإلا سعيد، تقول: ما أعمل؟ ((أعملوا فكل ميسر لما خلق له)) وبذل السبب لا بد منه، ولذا جاء في الحديث: ((لو توكلتم على الله حق التوكل لرزقكم كما يرزق الطير)) تجلس في أوكارها أو تغدو وتروح؟ تغدو وتروح، تبذل الأسباب، يعني فبذل السبب لا ينافي التوكل، بذل السبب لا ينافي التوكل، فعلى الإنسان أن يبذل السبب، ولن يحصل إلا ما أراد الله -جل وعلا-، وما قدره وقضاه، وابذل السبب؛ لأنك مأمور به، وسئل الإمام أحمد عن قوم من أهل اليمن زعموا أنهم يتوكلون على الله -جل وعلا-، ويحجون بدون أسباب ولا أرزاق ولا مئونة، قال: هؤلاء توكلهم على المخلوقين، يتكففون الناس وإلا يموتون، وعمر يقول: إن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة، وإن كان بعضهم استدرك على هذا بأن السماء أمطرت على أيوب وإلا داود ذهب؟ أيوب نعم، أمطرت عليه ذهب، ومع ذلك يبقى أن الأصل أنها لا تمطر ذهباً ولا فضة، نعم خوارق العادات والكرامات هذه لا تنكر، يعني من استحق الكرامة قد يجد الذهب بين يديه من غير سبب، لكن يجلس حتى يجد الذهب! يجلس في بيته حتى يجد الذهب! هذا خلل في العقل، فترك الأسباب خلل في العقل، والاعتماد على الأسباب خلل في الديانة.

الرزق هو ما يكتبه الله -جل وعلا- لابن آدم، ويصل إليه مدة حياته، سواءً كان من حلال أو من حرام، كله رزق، خلافاً للمعتزلة الذين يقولون: إن كسب الحرام ليس برزق، وورد عليهم كما ذكر القرطبي وغيره أن صبياً لو سرقه لصوص من ولادته، سرقه لصوص فصاروا يطعمونه مما يسرقونه، ثم مات على رأي المعتزلة أنه ما استوفى من رزقه شيء ألبتة، ولا شك أن ما يصل الإنسان رزق على كل حال، ويبقى أنه إن كان من حله وصرف في حله يكون مما يؤجر عليه، أو يكون سبباً لشقائه وعذابه في دنياه وأخراه.

وعند الترمذي وابن ماجه: ((واجبرني)) بدل ((وعافني)) وأقول: لا مانع من أن تثبت الألفاظ السبعة شريطة أن ينظر في سند الترمذي وابن ماجه.

((واجبرني)) الجبر يكون للكسر، وكسر كل شيء بحسبه، وهو نقصه، فجبر كسر العظم معروف انفصال بعض أجزائه، وجبره بالجبائر المعروفة الحسية، كسر المال بنقصانه بالخسائر فيجبر، جبر الخاطر مثلاً بانكسار النفس إذا انكسرت النفس يجبر الخاطر، كسر الدين بنقصه بالمخالفة.

وكل كسر فإن الدين يجبره
 

 

وما لكسر قناة الدين جبران
ج

فالإنسان يطلب من الله -جل وعلا- أن يجبر كسره أياً كان، سواء كان في بدنه، أو في ماله، أو في ولده، أو في دينه، أو في غيره، و الجبر يكون للخلل في الإنسان عموماً في أعماله، في أقواله، في تركيبه، ودم الجبران معروف لخلل وقع في النسك، فالإنسان يطلب من الله -جل وعلا- أن يجبر هذا الخلل فيه، فإن كان فيه ضعف في بدنه يطلب من الله -جل وعلا- أن يجبر هذا الخلل، إن كان هناك ضعف في عقله يطلب من الله -جل وعلا- أن يجبره في هذا المجال، إذا كان هناك ضعف في فهمه يطلب من الله -جل وعلا- أن يجبر هذا الخلل وهذا الضعف، إن كان هناك ضعف في حافظته مثلاً وهو طالب علم، ويعاني أشد المعاناة من الحفظ يطلب من الله -جل وعلا- أن يجبر هذا الخلل.

((وارفعني)) يعني يطلب من الله -جل وعلا- أن يرفع منزلته في الدين وفي الدنيا، في الدنيا وفي الآخرة أيضاً، وتكون الرفعة في الدنيا والآخرة بالعلم {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [(11) سورة المجادلة] والرفع أيضاً يكون بالقرآن ((إن الله يرفع بهذا القرآن أقواماً ويضع به آخرين)) فيسلك الأسباب المقتضية لهذا الرفع.

يقول: "وقد وثق كاملاً ابن معين، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به" وروى هذا الحديث، يعني ابن عدي، نعم، أو روي هذا الحديث ولفظه، لو قال: روي هذا الحديث كان قال: بلفظ، لكن روى هذا الحديث ولفظه: ((اللهم اغفر لي)).

طالب:.......

ابن عدي هو آخر مذكور، آخر مذكور ابن عدي ((اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني)) كرواية الترمذي وابن ماجه ((وعافني)) يعني جمع بينهما، يعني بخلاف رواية الترمذي وابن ماجه ((وارزقني واهدني)) كم الجمل؟ ((اغفر لي وارحمني واجبرني)) ست نعم وترك ((أرفعني)).

سم.

قال -رحمه الله-:

وعن مالك بن الحويرث الليثي أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي فإذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعداً" رواه البخاري.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"وعن مالك بن الحويرث الليثي أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي فإذا كان في وتر من صلاته" يعني بعد الركعة الأولى وقبل الثانية، وبعد الثالثة وقبل الرابعة "لم ينهض حتى يستوي قاعداً" رواه البخاري".

مالك بن الحويرث وفد على النبي -عليه الصلاة والسلام- وصلى معه أوقات وراقبه في صلاته، ونقل ما رآه، فكان مما نقله هذه الجلسة التي أطلق عليها العلماء جلسة الاستراحة.

يقول: "عن مالك بن الحويرث الليثي -رضي الله عنه- أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي فإذا كان في وتر من صلاته" عرفنا أنه في وتر، يعني بعد الركعة الأولى وبعد الثالثة، والأولى والثالثة وتر، فإذا كان في وتر من صلاته لم ينهض إلى التي بعدها إلى الشفع إلى الثانية والرابعة حتى يستوي قاعداً، هذه مثل ما ذكرنا يسميها أهل العلم جلسة الاستراحة، وقالوا: إنها ليستريح بها المصلي، ورتبوا على ذلك أنها لا تفعل إلا إذا دعت الحاجة إليها، إذا احتاج الإنسان إلى الراحة، بدليل أنه لم يذكرها من ذكر من وصف صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام-، ما ذكرها إلا مالك بن الحويرث، مع أنها جاءت في بعض طرق حديث أبي حميد، عند أبي داود في صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأشار إليها ابن القيم، وكذلك جاء في بعض طرق حديث المسيء، وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمره بها كما في كتاب الاستئذان من صحيح البخاري.

أشار البخاري أو في كلام البخاري ما يشير إلى أنها فيها ما فيها، هذه الرواية، وعلى كل حال هذا رأي البخاري، وما دامت ثابتة عنده من فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، وجاءت في صفة صلاته -عليه الصلاة والسلام- من حديث أبي حميد، وثبتت في بعض طرق حديث المسيء، وماذا نريد أكثر من هذا؟ يعني كون الفعل لا ينقل من قبل بعض الرواة، وينقل من قبل بعضهم، يعني لا يتفق الرواة على نقله، هل نهدر السنة بمثل هذا؟ لو جمعنا جميع أفعال الصلاة وجدنا أن بعض الرواة أخل بشيء وذكره غيره، يعني هل يوجد من جمع من الصحابة الذين صلوا خلف النبي -عليه الصلاة والسلام- الألوف المؤلفة من الفرائض هل اتفقوا على نقلها على هيئة واحدة من أولها إلى آخرها؟ لا، نقل بعضهم ما لا ينقله الآخر، وترك بعضهم ما جزم بأن غيره أدى عنه وضيفة التبليغ؛ لأن المسألة مسألة تبليغ علم، تبليغ دين، حمل علم وتبليغه لمن يأتي، وقد أمروا بالتبليغ ((بلغوا عني)) ((صلوا ما رأيتموني أصلي)) ولا يتم هذا لمن يأتي بعد الصحابة إلا عن طريق الصحابة، فإذا ثبت الحكم بمن تقوم به الحجة كفى، وإلا فالشرط المشترط والمشترك بين جميع الأعمال النية، ولم تثبت إلا عن عمر -رضي الله عنه- نقول: لماذا لم يذكرها أبو هريرة؟ لماذا لم يذكرها ابن عمر؟ لماذا لم يذكرها ابن عباس؟ لماذا لم يذكرها ابن مسعود؟ إذا ثبت الحكم بنقل من تقوم الحجة بنقله كفى، ومالك بن الحويرث صحابي، وحديثه في البخاري، ونقل عنه أنه رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- يصلي فإذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعداً.

وأيضاً جاء في حديث المسيء جاء نقل هذه الجلسة في حديث المسيء، وجاءت أيضاً في حديث أبي حميد في صفة صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام-.

منهم من يقول: إن مالك بن الحويرث جاء سنة تسع عام الوفود، بعد ما كبر النبي -عليه الصلاة والسلام- وثقل فاحتاج إليها، وهذا كلام ابن القيم، وأن من احتاج إليها تسن له، ومن لا يحتاج إليها لا تسن له، والأصل هو الاقتداء والائتساء بأفعال النبي -عليه الصلاة والسلام- لأنه قال: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) والذي نقرره خلاف ما ذهب إليه ابن القيم الآن كثير من أهل العلم يقول: جلسة استراحة، وابن القيم يقول: إن احتاج إليها.

أنا أقول: إن الحاجة تدعو إلى تركها أكثر من أن تدعو إلى فعلها، وهذا أمر مجرب ومشاهد، يعني كبير السن هل الأفضل له أن يثني رجليه ويجلس، ثم يقوم للثانية أو الأفضل له أن يشمر للثانية بدون جلوس؟ هذا الأفضل له، المريض بالروماتيزم وغيره هل الأفضل له أن يثني رجليه ويجلس بين الركعتين أو الأفضل أن يقوم مباشرة للثانية؟ أن يقوم مباشرة للثانية، جربتم أنتم إذا مشيتم مسافات طويلة، ثم جلستم قليلاً ثم قمتم، هل هذا أفضل وإلا مواصلة السير أفضل؟ هذه لا تفيد ولذلك تجلس، تسميتها بجلسة الاستراحة من أجل تقرير هذا الكلام، وهذا الكلام ليس بصحيح ليست استراحة، هي زيادة تكليف وليست بتخفيف، فالمرجح أنها سنة مطلقاً يفعلها كل مصلٍ.

المسيء هل يحتاج إلى جلسة استراحة، وهو إنما أتي من العجلة؟ المسيء ما أوتي إلا من ترك الطمأنينة وترك الطمأنينة زيادة في النشاط، وكونه يؤمر بها هل نقول: إنه محتاج إليها؟ أو نحتاج إلى أن نضعف الرواية من أجل أن نقرر أن مالك بن الحويرث جاء في آخر حياة النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ نستفيد من كونه جاء في آخر حياته -عليه الصلاة والسلام- أنها فعل متأخر، قد يكون ناسخ لجميع الروايات التي لم تذكرها على فرض أنها تدل على عدمها، فالمقرر أنها سنة مطلقاً، وأوجبها بعض من المتأخرين، أما من المتقدمين ما أوجبها أحد، بعض المتأخرين الذين لهم عناية بالسنة وحرص على تطبيق السنة أوجبوها، وإلا فلا يعرف ممن تقدم أنه أوجبها.

الإمام والمنفرد ما في إشكال يجلس بعد أن يقوم من الأولى إلى الثانية ومن الثالثة إلى الرابعة، ماذا عن المأموم وهو لا يدري عن إمامه هل يفعلها أو لا يفعلها؟ أو يدري عن إمامه هو يفعلها أو لا يفعلها؟ أما إذا كان يعرف أن الإمام يفعل هذه الجلسة فيجلس، إذا كان لا يدري عن حاله هل يجلس أو لا يجلس؟ يجلس، إذا كان يدري أنه لا يرى جلسة الاستراحة يجلس وإلا ما يجلس؟ يجلس؛ لأنها لا تتضمن مخالفة، ونفعلها ويفعلها غيرنا ويقومون مع الناس، يعني ما فيها مخالفة، كما لو كان الإمام لا يرى رفع اليدين، نقول: لا ترفع يديك لأن الإمام ما يرى رفع اليدين وهذه مخالفة للإمام؟ ليست مخالفة.

بقيت مسألة وهي أن الإمام متى يكبر؟ إذا كان يجلس للاستراحة متى يكبر؟ إن كبر بعد نهوضه من السجود وجلس هذه الجلسة، ونحن ننازع في تسميتها جلسة استراحة، جلس هذه الجلسة فلا شك أن كثير من المأمومين يسبقونه، وإن أخر التكبير إن أخر التكبير بعد فعلها لا سيما وأنها لا تأخذ شيء يعني بس مجرد ما يثني يديه يستوي قاعداً ثم يقوم مباشرة، ولذلك لم يشرع فيها ذكر، وليس لها تكبير خاص، فهي جلسة خفيفة اقتداء به -عليه الصلاة والسلام-، والذي يقول: بأنها ليست بمشروعة يقول: ليس لها تكبير، لو كانت مشروعة لشرع لها تكبير انتقال، ولو كانت مشروعة لشرع لها ذكر، هي جلسة خفيفة لا ذكر لها ولا تكبير، والأولى أن يؤخر التكبير حتى ينهض من القيام؛ لأن التكبير للانتقال، التكبير للانتقال من الهوي إلى السجود إلى الوقوف، وهو في هذه المدة كاملة يصح في جميع أجزائه، إذاً يكبر إذا ثنى رجليه واستوى قاعداً، ثم نهض للقيام يكبر؛ لئلا يوقع المصلين في حرج.

نعم.

قال -رحمه الله-:

وعن أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أنس بن مالك قال: ما زال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا" رواه أحمد والدارقطني، وصححه الحاكم، وأبو جعفر وثقه غير واحد، وقال أبو زرعة: شيخ يهم كثيراً، وقال الفلاس: فيه ضعف، وهو من أهل الصدق، سيء الحفظ. وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال ابن حبان: ينفرد بالمناكير عن المشاهير.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"وعن أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- قال: ما زال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" أولاً: أبو جعفر الرازي اسمه: عيسى بن ماهان ضعفه الجمهور.

"عن الربيع بن أنس" تابعي ثقة "عن أنس بن مالك قال: ما زال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا" الحديث بهذا الإسناد ضعيف؛ لأن راويه أبا جعفر عيسى بن ماهان الرازي ضعيف عند الجمهور، وحسنه ابن حجر، وكلام أهل العلم الذي نقله المؤلف في أبي جعفر يقول: "وثقه غير واحد، وقال أبو زرعة: شيخ يهم كثيراً، وقال الفلاس: فيه ضعف، وهو من أهل الصدق، سيء الحفظ. وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال ابن حبان: ينفرد بالمناكير عن المشاهير" ولعل توثيق من وثقه يرجع فيه إلى الديانة والصدق، وتضعيف من ضعفه إلى الحفظ والضبط والإتقان، فهو ضعيف إذا اختل شرط الحفظ والضبط والإتقان ضعف الراوي، ولذا الجمهور على تضعيفه.

الحافظ ابن حجر حسن الحديث، لكنه ضعف أبا جعفر الرازي، ووصفه بأنه سيء الحفظ في التقريب، وأيضاً أطال في تضعيفه في التلخيص تلخيص الحبير، المقصود أن تحسين ابن حجر لهذا الحديث تساهل منه، ولعل هذا سببه تأثير المذهب، يعني هذا الكلام لا يطرد في كل حديث، وفي كل شخص، لكن الحديث ضعفه ظاهر، فكيف يحسنه وفيه هذا الراوي الذي ضعفه هو بنفسه؟! فكيف يحسنه وقد ضعفه؟ قال: سيء الحفظ يهم كثيراً، والجمهور على تضعيفه، النسائي يقول: ليس بالقوي، ابن حبان: ينفرد بالمناكير عن المشاهير، هو من أهل الصدق لا شك، لكنه سيء الحفظ، فتضعيفه من قبل حفظه، فالذي يترجح ضعف الخبر.

ابن حجر -رحمه الله- في كلامه على الرجال وهذه مسألة أشرنا إليها مراراً قد يختلف حكمه على الراوي في التقريب عن حكمه عليه في التلخيص، عن حكمه عليه في الفتح، على سبيل المثال ابن لهيعة مثلاً في أكثر من موضع من فتح الباري ضعفه مطلقاً، وفي موضع حسن حديثاً روي من طريقه، ووصفه بالتقريب بأنه صدوق يهم كثيراً، أو صدوق له أوهام، مثل هذا الاضطراب في أحكام الحافظ على هذا الراوي، لا شك أن له محامل، يعني الحديث الذي حسنه، يعني ليس مما ينكر عليه، ولم يتضمن المخالفة فحسنه، وإن كان الأصل في الراوي أنه ضعيف؛ لأن الراوي قد يضبط أحياناً، وإن وصف بسوء الحفظ، فمثل هذا يلاحظ، فمثلاً قال في فتح الباري: عبيد الله بن الأخنس ثقة، وهو من رواة البخاري، ثقة، وشذ ابن حبان فقال: يخطئ، وفي التقريب قال: صدوق يخطئ، يعني فرق بين الحكمين.

مسألة تغير الاجتهاد عند العالم مسألة معروفة، مسألة الغفلة والذهول والنسيان أيضاً مما جبل عليه الإنسان، ويبقى أن للحافظ -رحمه الله- مع أنه ثاقب النظر ليس بالإنسان العادي، ثاقب النظر، يعني حينما وثقه في فتح الباري نظراً لروايته هذه التي هي محل الدرس ومحل الشرح، وهي في البخاري حديث لا إشكال فيه، صحيح ما يمكن أن يقدح فيه بوجه من الوجوه، وانتبه إلى قول ابن حبان يخطئ فنفاه في هذا الموضع، لكنه حينما حكم عليه في التقريب هل غفل عن كونه من رواة الصحيح وقد رمز له برمز الصحيح؟ ما غفل عن كونه من رواة الصحيح، لكنه نظر إلى رواية في الصحيح مع رواياته في الدواوين الأخرى؛ لأن الراوي حينما يحكم عليه ينظر فيه إلى الأقوال النظرية من أهل العلم، ما قال فيه أهل العلم؟ أهل العلم يبلغون النقاد يمكن في عشرين قول للنقاد، ينظر في هذه الأقوال النظرية، ويوازن بينها مع ملاحظة مواقع الاستعمال في المرويات، فينظر إلى الراوي وما قيل فيه من كلام نظري، وينظر إليه من ناحية التطبيق العملي في مروياته، فقد يوثقه في موضع؛ لأن الحديث الذي رواه هذا صحيح لا إشكال فيه، بل مخرج في البخاري، وينظر إليه من زاوية أخرى بحيث يلاحظ مواقع الاستعمال من الأئمة في حكمهم على أحاديثه، وفي مقدار ضبطه لهذه الأحاديث وهذه المرويات، فلا بد من تضافر الأمرين، ولذا لا ينفك الحكم على الراوي عن الحكم على المروي والعكس، لا ينفك، وإن كان الأصل في كتب تخريج ودراسة الأسانيد ينظر فيها إلى المرويات، لكن كتب الرجال المجردة ينظر فيها إلى حال الراوي بغض النظر عن المرويات، وهذا كلام أشرنا إليه في عند الكلام على لفظ مقبول عند ابن حجر، مقبول ولين، ابن حجر يقول: من ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله فإن توبع فمقبول وإلا فلين، هذه في مقدمة التقريب، ثم حكم على بعض الرواة بمقبول، وحكم على بعضهم بلين، وكلهم يندرجون في هذه القاعدة، فهل معنى هذا أن من قال فيه: مقبول وجد متابع لجميع مروياته ابن حجر على شان يحكم عليه بأنه مقبول، والذي حكم عليه بأنه لين لم يتابع على جميع مروياته؟ ما يظن هذا، ولذا هذه القاعدة لا بد من إعادة النظر فيها، ومقبول معروف أنه بحث في رسائل دكتوراه يمكن خمس رسائل.

على كل حال هذا محل نظر، وهو إشكال، والإشكال لا يزال قائماً، هذا الحديث ضعيف لما عرفنا من حال راويه أبي جعفر الرازي.

والمحقق يعني ذكر في تخريج الحديث أربع ورقات، ثمان صفحات وأطال، وعلى كل حال الخلاصة أنه ضعيف، على فرض ثبوته على رأي الحافظ ابن حجر أنه حسن حمله بعضهم "ما زال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا" قال: المراد بالقنوت طول القيام، ومن معاني القنوت طول القيام، ومن خصائص صلاة الفجر أنها تطول فيها القراءة، وجاء في حديث عائشة: "أول ما فرضت الصلاة ركعتين، ثم زيد في الحضر، وأقرت في السفر، إلا المغرب فإنه وتر النهار، وإلا الفجر فإنها تطول فيها القراءة" والنبي -عليه الصلاة والسلام- يطيل القراءة في صلاة الصبح، وهذا من معاني القنوت، هذا على فرض ثبوته.

لكن قد يشكل على هذا أنه جاء ملحقاً بحديث: "قنت شهراً يدعو على أقوام من العرب، ثم تركه، وأما الصبح فما زال يقنت حتى فارق الدنيا" فالمراد بالقنوت هنا الدعاء لا طول القيام، وعلى كل حال الحديث لا يثبت، ليس بصحيح.

يقول: هناك من يقول: إن جلسة الاستراحة فيها فائدة طبية من حيث رجوع الدم إلى موضعه العادي بخلاف إذا ما رفع مباشرة فإن هذا يؤثر على الصحة، فما قولكم؟

على كل حال الأطباء يقررون أن السجود من أنجع الأدوية بالنسبة للمخ، من أنفع الأدوية للمخ السجود، ثم بعد ذلك لا شك أنه في حال الانحناء الدم يتركز في المناطق السفلى النازلة في الرأس وما حواليه، ثم إذا اعتدل منه مثل ما ذكر الأخ أنه يرجع الدم إلى موضعه العادي، بخلاف إذا ما رفع مباشرة، فإن هذا يؤثر على الصحة فما قولكم؟ لكن مع ذلك إذا قام؟ هل المقصود بهذا رجوعه التدريجي بحيث يرجع من الانحناء والانحدار بحيث يتركز في الرأس وما حوله، ثم بعد ذلك في حال هذه الجلسة يكون الدم فيه شيء من التوازن إلى وسط البدن، ثم بعد ذلك إذا شمر وقام اعتدل الدم، وإن خف من الجهات العليا على كل حال المسألة طبية، لكن الحكم في هذا للنصوص الشرعية.

يقول: سجود التلاوة أثناء الصلاة هل يشرع له جلسة الاستراحة؟

وكذلك الوتر، الوتر إذا أوتر بعدد ثلاث، خمس، سبع، تسع، فيجلس أو لا يجلس؟ على كل حال بين ركعتي وتر وشفع جلسة استراحة، يسمونها استراحة، هذه الجلسة مشروعة سواءً كانت في الفرائض أو في النوافل، أما بالنسبة لسجدة التلاوة فتحتاج إلى نظر؛ لأنها ليست بركعة كاملة، وهي بعد ركعة كاملة، يعني النصوص التي جاءت فيها بعد ركعة كاملة، يعني بعد سجدتين.

سم.

قال -رحمه الله-:

وعن سعد بن طارق الأشجعي قال: قلت لأبي: يا أبتي إنك قد صليت خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي هاهنا بالكوفة نحواً من خمس سنين، فكانوا يقنتون بالفجر؟ قال: أي بني محدث" رواه أحمد وابن ماجه والنسائي والترمذي وصححه، وسعد: روى له مسلم، وأبوه طارق: صحابي معروف، ولا وجه لقول الخطيب: في صحبة طارق نظر.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"وعن سعد بن طارق الأشجعي قال: قلت لأبي: يا أبت إنك قد صليت خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي هاهنا بالكوفة نحواً من خمس سنين" فالخمس سنين متعلقة بصلاته خلف علي -رضي الله عنه- نحو قريب من خمس سنين، يعني ما كملت الخمس، وأما صلاته خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر وعمر وعثمان فعقود.

"فكانوا يقنتون بالفجر؟" يسأل، يعني أكانوا يقنتون في الفجر؟ "فقال: أي بني محدث" وهذا بيان للحكم بعلته، يعني أنه محرم، بدعة، ما دام محدث فهو بدعة.

"فكانوا يقنتون في الفجر؟ فقال: أي بني محدث" والمراد بالمنفي هنا والمحدث الاستمرار عليه، والتتابع من غير فاصل، كما هو المختار عند الشافعية، الشافعية يرون القنوت في صلاة الصبح باستمرار من غير فصل، لكن إذا دعت إلى ذلك حاجة من نازلة فالنبي -عليه الصلاة والسلام- قنت شهراً يدعو على أحياء من العرب، وقنت يدعو لبعض المستضعفين في الفجر وغير الفجر، فليس المنفي ما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- من قنوت النوازل، وإما المنفي والموصوف بأنه محدث بدعة، لم يفعله النبي -عليه الصلاة والسلام- ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي، المراد به الاستمرار من غير سبب، الاستمرار على القنوت وتخصيص صلاة الصبح من غير سبب، وهذا معارض للحديث السابق: "ما زال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا" وهذا الحديث صحيح، هذا الحديث حديث سعد بن طارق صحيح، وذاك ضعيف، فالمحكوم عليه بأنه محدث الاستمرار، وهو بدعة، وإذا كان بدعة أولاً: التنصيص على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي؛ لبيان أن هذا الحكم مستمر لم ينسخ، ثبت بعد النبي -عليه الصلاة والسلام-، يعني ثبت عدمه بعد النبي -عليه الصلاة والسلام-، والاقتصار على هؤلاء أنهم هم الذين يحتج بهم، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- هو الأصل، وهو القدوة والأسوة، وهو الذي أمرنا بالاقتداء بالخلفاء الراشدين من بعده.

"أي بني محدث" والشافعية يرون القنوت في صلاة الصبح طول العام وغيرهم من أهل العلم لا يرونه، لا يرون مثل هذا القنوت، وعلى هذا لو صلى مالكي أو حنبلي أو حنفي خلف شافعي وقنت في صلاة الصبح وقلنا: بدعة محدث، يتابع وإلا ما يتابع؟ نعم إذا كان بدعة يتابع على بدعة وإلا ما يتابع؟ هل يتابع على بدعة وإلا ما يتابع؟

في رسالة الشيخ عبد الله بن الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى أهل مكة قال: "ونصلي خلف الشافعي الذي يجهر بالبسملة، ويقنت في صلاة الصبح، ولا نصلي خلف الحنفي الذي لا يطمئن في صلاته" لأن الحنفي أخل بركن مبطل للصلاة، بينما هذا زاد ذكراً مشروعاً في الجملة، يعني دعاء وفي الصلاة، وجهر بالبسملة، والجهر قد يستعمل فيما يسر به، وقد كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يسمعهم الآية أحياناً في الصلاة السرية، فلا يضر الجهر يعني بالبسملة، وجاء ما يدل عليه كما تقدم، فمثل هذه المتابعة لا تضر، وعلى هذا إذا كانت المتابعة على أمر محدث أي بدعة، مثل هذا القنوت جاء القنوت للنوازل، يعني أصل المسألة موجود، وإذا توسعنا في النازلة فالأمة من نازلة إلى نازلة، فالذي يقنت باستمرار له وجه؛ لأن الأمة ما زالت في نوازل، لكن ماذا عن الذي يدعو بعدما يختم القرآن في صلاة شفع لا في وتر ولا في صلاة صبح؟ يتابع وإلا ما يتابع؟ هذا لم يرد ما يدل عليه أصلاً، يعني القنوت في صلاة الصبح وغيرها من الفرائض عند النوازل هذا مقرر شرعاً، واستدل الشافعية: "فأما الصبح فلا زال يقنت حتى فارق الدنيا" على الاستمرار، وحسنه بعضهم فله شيء من الأصل، وإن كان مرجوحاً، لكن له أصل بناءً على من أثبت الحديث وحسنه، فالعمل الذي له أصل ولو كان مرجوحاً، هذا المتابعة فيه أخف مما لا أصل له ألبتة، ولذلك الصحابة -رضوان الله عليهم- بما فيهم ابن أم عبد، بما فيهم ابن مسعود تابعوا عثمان على الإتمام، وأنهم لا يرونه القصر هو الراجح وهو الأفضل، ومع ذلك تابعوه، وقال ابن مسعود: "الخلاف شر" فيما له أصل محتمل، وإن كان مرجوحاً، أما ما لا أصل له ألبتة فإذا قلنا: الخلاف شر فيما لا أصل له ألبتة أغرقنا في البدع واتبعنا المبتدعة، ونقول: الخلاف شر، وهذا ليس بصحيح، ولا تتميز السنة من البدعة إلا بالحسم في هذا المجال في هذا الباب، ما نقول: الخلاف شر ونقتدي بمن يعمل بدع لا أصل لها، لكن ما وجد له أصل ولو كان مرجوحاً نقول: الخلاف شر، إذا كانت المسألة اجتهادية في الترجيح نقول: الخلاف شر، أما ما لا أصل له ألبتة فلا متابعة.

يقول: الأئمة في المغرب جلهم يقنتون في الصباح باستمرار، والمغاربة كما هو معروف مذهبهم من فقه مالكي، فما هو مستندهم من فعلهم هذا؟

لعلهم يقنتون من أجل النوازل، والأمة ما زالت من نازلة إلى نازلة على ما سيأتي.

يقول: "يا أبتي إنك صليت خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يخاطب الأب بقول: يا أبتي أو يا أبي، بخلاف من يخاطب أباه باسمه المجرد أو بكنيته؛ لأن الخطاب بـ(يا أبتي) أو الأخ يا أخي، أو الصغير يا ابن أخي، أو يا ابن عمي أو كذا فيه خطاب بما يدل على الصلة بين المخاطب والمخاطب، أما شخص يقابل أخاه ويقول: يا أبا فلان، أو يقابل عمه ويقول: يا أبا فلان، أو يقابل أباه ويقول: يا أبا فلان، هذا يدل على أن الصلة فيها شيء من الخلل؛ لأنه ما الفرق بين العم مثلاً بدلاً من أن يقول: يا عمي كما يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-، يا أبتي كما يقول إبراهيم -عليه السلام-، والخطاب بما يدل على الصلة بين المخاطب والمخاطَب، أما إذا قال: يا أبا فلان، ما الفرق بينه وبين جيرانه الذين يشاركونه في هذه الكنية؟ أو بعيد الناس زميله في عمله، أو في محل تجاري يا أبا فلان، يعرف أنه أبو محمد يا أبو محمد، ما في فرق.

اسمع من ابن أخيك، شيء من الألفة تدل على قرب بينهم "يا أبتي" إبراهيم -عليه السلام- يقول له وهو مشرك "يا أبتي" ((يا عم قل: لا إله إلا الله)) فهنا يقول: "يا أبتي إنك قد صليت خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي هاهنا في الكوفة نحواً من خمس سنين، فكانوا يقنتون في الفجر؟ فقال: أي بني" هناك يا أبتي، نداء بعيد، ولعل في هذا بعد مكانة، وهنا أي بني نداء قريب جداً، ولعل هذا قرب من القلب يدل على الحنو والعطف "أي بني محدث".

"رواه أحمد وابن ماجه والنسائي والترمذي وصححه، وسعد روى له مسلم، وأبوه طارق صحابي معروف، ولا وجه لقول الخطيب: في صحبة طارق نظر" على كل حال كون الحديث يدل على أن هذا أمر مبتدع والشافعية تبعاً لإمامهم يقنتون بما في ذلك أئمتهم كالبيهقي والخطيب ومن دونهم كابن حجر ومن بعده، لا شك أن هذا قد يوجد في أنفسهم ما يوجد، والمذهب لا شك أنه مؤثر، مؤثر على النفس شاء الإنسان أم أبى، نعم.

قال -رحمه الله-:

وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قنت شهراً بعد الركوع يدعو على أحياء من أحياء العرب، ثم تركه" متفق عليه.

قال الله -رحمه الله-:

"وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قنت شهراً بعد الركوع يدعو على أحياء من أحياء العرب، ثم تركه" هؤلاء العرب منهم رعل وذكوان وغيرهم، وبني لحيان في قصة القراء السبعين الذين أرسلهم النبي -عليه الصلاة والسلام- ثم قتلوهم، ولا شك أنها واقعة مؤثرة، فدعا عليهم النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى أن بردت المصيبة بعد شهر، فترك الدعاء، وهذا متفق عليه بلا إشكال، وهذا يدل على القنوت في النوازل، والذي قنت النبي -عليه الصلاة والسلام-.

والحنابلة عندهم أنها إذا نزلت بالمسلمين نازلة غير الطاعون فإن الإمام يقنت في الفرائض الخمس، والإمام يعني الإمام الأعظم، ومن ينيبه الإمام الأعظم، ومن يأذن له الإمام الأعظم، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- هو الذي قنت، قنت شهراً، وفي حكمه من يتولى إمامة المسلمين، ومع ذلك هذه الأمور التي هي محض تعبد الأصل فيها الاقتداء، فيقنت المسلمون في الفرائض أئمتهم وغيرهم ما لم يحصل منع مبني على مصلحة، فالأمر معلق بالإمام إذا كان هناك منع معلق بمصلحة، وعلى كل حال النبي -عليه الصلاة والسلام- هو الذي قنت، وفي حكمه الإمام الأعظم كما يقول الحنابلة، ومن يفوض له الإمام هذه المسألة.

ومنهم من يقول: إن هذه المسألة مسألة عبادة لا دخل للمخلوق فيها، والاقتداء الأصل فيه بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن إذا أحس الإمام بأن هناك من يتخطى ومن يتعدى، وهناك من ليس بأهل أن يترك له هذا الأمر، ووجد من بعض الأئمة من يعتدي في الدعاء مثلاً، من يوقع الناس في حرج، يعني ما أدري ما تداوله بعض الناس هل هو حقيقة -ولا يبعد أن يكون حقيقة- أو نكتة؟ قال: منع بعض الناس من القنوت في بعض النوازل، وقيل له: الحمد لله المجال مفتوح، ادع في السجود، فلما سجد استدعى المكبر وقربه وقنت وهو ساجد، يعني مثل هذا ما يترك له مثل هذا الأمر، لا شك أن مثل هذا يسيء، ويتعرض لإبطال الصلاة، وعلى كل حال الأمر منوط بالإمام كما قرره الحنابلة، ومع ذلك يقول: يقنت الإمام في النوازل إلا الطاعون لأنه شهادة.

نعم.

قال -رحمه الله-:

وعنه -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان لا يقنت إلا إذا دعا لقوم أو دعا على قوم" رواه الخطيب في القنوت بإسناد صحيح، وروى ابن حبان نحوه من حديث أبي هريرة.

يقول: "وعنه" يعني راوي الحديث السابق وهو أنس بن مالك خادم النبي -عليه الصلاة والسلام- "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان لا يقنت إلا إذا دعا لقوم" فدعا النبي -عليه الصلاة والسلام- للمستضعفين الذين لم يستطيعوا الهجرة، فقال: ((اللهم أنج الوليد بن الوليد)) وهذا في الصحيح "أو دعا على قوم" يعني على رعل وذكوان وعصية وبني لحيان، دعا على قوم ودعا لقوم، وهذا ثابت، أصله في الصحيح، قنت بعد الركوع شهراً يدعو على أحياء من العرب، وهنا دعا على قوم، ودعا أيضاً للمستضعفين في الصحيح أيضاً ((اللهم أنج الوليد بن الوليد)) وهذا الحديث رواه الخطيب في كتاب القنوت له، بإسناد صحيح "وروى ابن حبان نحوه من حديث أبي هريرة" والجملتين الأولى والثانية لها أصول تدل عليها في الصحيح، والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"