شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب الاعتكاف - 07
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه ومن تبعه بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا ومرحبًا بكم مستمعينا الكرام، حيث أرحب بضيفنا في هذه اللقاءات معالي الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير- وفقه الله- عضو هيئة كبار العلماء، وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء، فمرحبًا بكم فضيلة الشيخ وأهلًا وسهلًا.
حياكم الله وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.
المقدم: لا يزال الكلام موصولًا مستمعينا الكرام في حديث عائشة -رضي الله عنها-: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده»، وقد بدأ الشيخ بالكلام عن أطراف هذا الحديث.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين،
أما بعد، فالكلام في الطرف الثاني في الموضع الثاني من ذكر البخاري -رحمه الله تعالى- لهذا الحديث، وهو أيضًا في كتاب الاعتكاف في باب اعتكاف النساء، وذكرنا الحديث، وذكرنا شيئًا من جُمله، وفي الحديث: فاستأذنت حفصة عائشة أن تضرب خباءً.
المقدم: في الطرف من أطرافه.
نعم في جملة الطرف الثاني.
المقدم: نعم
في جملة: "فاستأذنت حفصة عائشة أن تضرب خباءً" في رواية الأوزاعي المذكورة: "فاستأذنته عائشة" فأذن لها، وسألت حفصةُ عائشة أن تستأذن لها ففعلت، وفي رواية ابن فضيلٍ المذكورة: "فاستأذنت عائشةُ أن تعتكف فأذن لها، فضربت قبةً، فسمعت بها حفصة فضربت قبة"، زاد في رواية عمرو بن الحارث: يعتكف معه، وهذا يشعر بأنها فعلت ذلك بغير إذن؛ يعني حفصة، لكن رواية ابن عيينة عند النسائي: ثم استأذنته حفصة فأذن لها، وقد ظهر من رواية حمّاد والأوزاعي أن ذلك كان على لسان عائشة؛ لأن في الحديث يقول: فاستأذنت حفصةُ عائشة.
المقدم: نعم
في روايةٍ أنها فعلت ذلك بغير إذن.
وفي الرواية الثالثة أنها.. الرواية فاستأذنت حفصة عائشة.
المقدم: هذه الأولى.
هذه الأولى، والثانية أنها فعلت ذلك بغير إذن؛ لأنه قال: «استأذنت عائشة أن تعتكف فأذن لها فضربت قبة، فسمعت بها حفصة فضربت قبة».
المقدم: دون ذكر الاسم.
نعم، لكن عدم الذكر لا يعني عدم.
المقدم: الوجود.
الوجود نعم، وكونها استأذنت أيضًا، الرواية الثانية أنها استأذنت من النبي -عليه الصلاة والسلام- مباشرة، نعم فهذا يدل على أنها استأذنت من النبي- عليه الصلاة والسلام- على لسان عائشة.
قوله: «فلما رأته زينب بنت جحش ضربت خباءً آخر»، في رواية ابن فضيل: «وسمعت بها زينب فضربت قبةً أخرى»، وفي رواية عمرو بن الحارث: «فلما رأتهن زينب ضربت معهن»، وكانت امرأةً غيورًا -رضي الله عن الجميع-.
قال ابن حجر: ولم أقف في شيءٍ من الطرق أن زينب استأذنت، وكأن هذا هو أحد ما بعث على الإنكار الآتي، الإنكار الآتي حينما عدل عن الاعتكاف.
المقدم: مواصلة الاعتكاف
وأمر بهذه القباب والأخبية أن تنقل، نعم.
المقدم: واعتكف في شوال.
واعتكف بعد ذلك في شوال.
المقدم: كأنه قضاء.
نعم.
المقدم: كأنه يقضي.
سيأتي هذا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا عمل عملًا أثبته.
المقدم: نعم.
يقول ابن حجر: لم أقف في شيءٍ من الطرق أن زينب استأذنت، وكأن هذا هو أحد ما بعث على الإنكار التالي، نعم لو أقرت زينب وهي ما استأذنت، ومعروفٌ رغبة الصحابيات في الخير لتتابعن على ذلك، ولضاق المسجد بالأخبية والمعتكفات.
قوله: فلما أصبح -النبي عليه الصلاة والسلام- رأى الأخبية، وفي رواية ابن فضيل: «فلما انصرف من الغداة أبصر أربع قباب»؛ يعني قبًة له، وثلاثًا للثلاثة، لعائشة، وحفصة، وزينب.
ووقع في رواية أبي معاوية عند مسلم وأبي داود: فأمرت زينب بخبائها وضرب، وأمر غيرها من أزواج النبي- صلى الله عليه وسلم- بخبائها فضرب، وهذا يقتضي تعميم الأزواج بذلك وليس كذلك، وقد فُسرت الأزواج في الروايات الأخرى بعائشة، وحفصة، وزينب فقط، وبيّن ذلك بقوله في هذه الرواية: أربع قباب.
المقدم: القبة الرابعة للنبي- عليه الصلاة والسلام-.
له- عليه الصلاة والسلام-، وقوله: آلبر بهمزة استفهام ممدودة وبغير مدٍ، وآلبرَّ وبالنصب، وقوله: ترون بهنّ بضم أوله أي: تظنون، وفي رواية مالك: «آلبرّ تقولون بهن»؛ أي تظنون، والقول يُطلق على الظن كما قال الأعشى:
أما الرحيل فدون بعد غدٍ فمتى تقول الدار تجمعنا
أي تظن، وقع في رواية الأوزاعي: آلبر أردنَ بهذا؟ وفي رواية ابن عيينة: آلبر تقولون، يردن بهذا؟ والخطاب للحاضرين من الرجال وغيرهم.
قوله: «فترك الاعتكاف -في رواية أبي معاوية- فأمر بخبائه فقوِّض»، وبضم القاف وتشديد الواو المكسورة بعدها ضادٌ معجمهٌ؛ أي نُقض، وكأنه- صلى الله عليه وسلم- خشي أن يكون الحامل لهن على ذلك المباهاة والتنافس الناشئ عن الغيرةِ؛ حرصًا على القرب منه- صلى الله عليه وسلم- خاصة، فيخرج الاعتكاف عن موضوعه؛ يعني الذي من أجله شُرع.
أقول: هذا الكلام لا يليق بأمهات المؤمنين الطيبات، يكون الحامل لهن على الاعتكاف الغيرة، نعم الغيرة موجودة، وهناك قصص بين أزواجه -عليه الصلاة والسلام-، لكن لا يصل الأمر إلى حد يظهرن العبادة لله- جل وعلا- بالأخص العبادات غيرة -عليه الصلاة والسلام- ولا يردن بذلك ولا يقصدن وجه الله والدار الآخرة، هذا بعيد، أو لما أذن لعائشة وحفصة أولًا كان ذلك خفيفًا بالنسبة إلى ما يفضي إليه الأمر من توارد بقية النسوة على ذلك، فيضيق المسجد على المصلين، أو بالنسبة إلى أن اجتماع النسوة عنده يصيّره كالجالس في بيته، وربما شغلنه عن التخلي لما قصد من العبادة، فيفوت مقصود الاعتكاف.
قوله: «فترك الاعتكاف ذلك الشهر، ثم اعتكف عشرًا من شوال» في رواية ابن فضيل: «فلم يعتكف في رمضان حتى اعتكف في آخر العشر من شوال»، وفي رواية أبي معاوية: فلم يعتكف في رمضان حتى اعتكف في العشر الأول من شوال، ويجمع بينه وبين رواية ابن فضيل بأن المراد بقوله: آخر العشر من شوال؛ انتهاء اعتكافه.
قال الإسماعيلي: فيه دليلٌ على جواز الاعتكاف بغير صوم؛ لأن أول شوال هو يوم الفطر، وصومه حرام،
وقال غيره: في اعتكافه في شوال دليلٌ على أن النوافل المعتادة إذا فاتت تُقضى استحبابًا، واستدل به المالكية على وجوب قضاء العمل لمن شرع فيه، ثم أبطلهُ، ولا دلالة فيه؛ لما سيأتي؛ لأنه يمكن أن يكون قضاؤه على سبيل الاستحباب لا على سبيل الوجوب.
المقدم: نعم
وقال ابن المنذر وغيره: في الحديث أن المرأة لا تعتكف حتى تستأذن زوجها، وأنها إذا اعتكفت بغير إذنه كان له أن يخرجها، وإن كان بإذنه فله أن يرجع فيمنعها.
المقدم: حتى ولو أذن لها.
ولو أذن لها لاسيما إذا تبين له شيء كان خافيًا عليه، أذن لها باعتبار أن هذه عبادة وتقربها من الله- جل وعلا-، ولا تُمنع إماء الله من مساجد الله، لكن خشي عليها فيما بعد، بان ل شيءٌ لم يكن، قال: وقال ابن المنذر وغيره: في الحديث أن المرأة لا تعتكف حتى تستأذن زوجها، وأنها إذا اعتكفت بغير إذنه كان له أن يخرجها، وإن كان بإذنه فله أن يرجع فيمنعها.
وعن أهل الرأي إذا أذِن لها الزوج ثم منعها أثم بذلك وامتنعت، وعن مالك ليس له ذلك، وهذا الحديث حجةٌ عليهم؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أذن لأزواجه ثم منعهم، وفيه جواز ضرب الأخبية في المسجد، وأن الأفضل للنساء ألا يعتكفن في المسجد، وفيه جواز الخروج من الاعتكاف بعد الدخول فيه، وأنه لا يلزم بالنية؛ يعني بمجرد النية لا يلزم ولا بالشروع فيه، ليس كالحج والعمرة التي جاء بهما {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة:196]، هذا مثل الصيام، نعم يرد عليه قوله- جل وعلا-: { وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد:33]، وهذا منها، لكن جاء أيضًا ما يدل على أن المتطوع أمير نفسه، ويبقى الحج والعمرة على وجه الخصوص؛ لما جاء فيهما من ذلك.
المقدم: هذا خلافًا للمالكية.
وفيه جواز الخروج من الاعتكاف بعد الدخول فيه، وأنه لا يلزم بالنية ولا بالشروع فيه، ويستنبط منه سائر التطوعات خلافًا لمن قال باللزوم، وفيه أن أول الوقت الذي يدخُل فيه المُعتكف بعد صلاة الصبح وقول الأوزاعي، والليث، والثوري؛ يعني بداية الاعتكاف بعد، صلاة الصبح منصوص عليها في الحديث، وفيه أن أول الوقت الذي يدخل فيه المعتكف بعد صلاة الصبح، وهو قول الأوزاعي والليث والثوري.
وقال الأئمة الأربعة وطائفة: يدخل قبيل غروب الشمس، وأوّلوا الحديث على أنه دخل من أول الليل، ولكن إنما تخلى بنفسه في المكان الذي أعده لنفسه بعد صلاة الصبح؛ يعني دخل المسجد قبل غروب الشمس من ليلة الحادي والعشرين، من أراد أن يعتكف العشر فنهار العشرين ليس من العشر، إنما العشر تبدأ من غروب الشمس ليلة إحدى وعشرين، فعلى هذا النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل المسجد مع غروب الشمس، ولكنه لم يدخل المكان المعد للاعتكاف الخاص إلا بعد صلاة الصبح.
قال ابن حجر: وهذا الجواب يُشكِل على من منع الخروج من العبادة بعد الدخول فيها، وأجاب عن هذا الحديث بأنه- صلى الله عليه وسلم- لم يدخل المعتكف، ولا شرع في الاعتكاف، وإنما همّ به ثم عرض له المانع المذكور فتركه، فعلى هذا فاللازم أحد أمرين؛ إما أن يكون شرع في الاعتكاف فيدل على جواز الخروج منه، وإما ألا يكون شرع فيه فيدل على أن أول وقته بعد صلاة الصبح.
المقدم: نعم، ولعلنا نقف عند هذا الحد، أحسن الله إليكم، بهذا أيها الإخوة المستمعون الكرام نصل إلى ختام هذه الحلقة، أتقدم في ختامها بالشكر الجزيل لمعالي الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير- وفقه الله- عضو هيئة كبار العلماء، فجزاه الله عنا خيرًا وشكر له، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.