التعليق على تفسير سورة النجم من تفسير الجلالين (02)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: في قوله -جل وعلا-: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [(13) سورة النجم] {وَلَقَدْ رَآهُ} رأى النبيُ -عليه الصلاة والسلام- جبريلَ -عليه السلام- على صورته للمرة الثانية، {نَزْلَةً أُخْرَى} يعني: مرة أخرى، لأنه سبق أن رآه بحراء، لما طلب ذلك رآه النبي -عليه الصلاة والسلام- ثم رآه نزلة أخرى ليلة الإسراء.
يقول: {وَلَقَدْ رَآهُ} "على صورته" {نَزْلَةً} يعني: "مرة" {أُخْرَى} {عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} [(14) سورة النجم] يعني: مرة ثانية {عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} يقول: "لما أسري به في السماوات" ليلة الإسراء أسري به في السماوات، معروف أن الإسراء كما قال الله -جل وعلا-: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} [(1) سورة الإسراء] هذا الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، يقول: "لما أسري به في السماوات" والمراد عرج به إلى السماوات، وأما الإسراء فهو من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، بدايته من المسجد الحرام وغايته ونهايته إلى المسجد الأقصى، ومن هناك عرج به إلى السماء، تسمى ليلة الإسراء لا بأس؛ لأن الإسراء حصل في تلك الليلة، لكن لما أسري به في السماوات يعني عرج به في السماوات، "وهي شجرة -يعني سدرة المنتهى- شجرة نبق عن يمين العرش، لا يتجاوزها أحد من الملائكة وغيرهم"، هذه لا يتجاوزها أحد، إليها ينتهي كل مخلوق، لا يتجاوزها أحد، ولذلك سميت سدرة المنتهى، ينتهي إليها كل أحد من الملائكة وغيرهم، ولا جبريل يتجاوزها، عند سدرة المنتهى نهاية ما ينزل ونهاية ما يصعد، فينزل إليها من الرب -جل وعلا- ما يتلقاه جبريل ويبلغه من شاء من عباده، وجبريل يصل إليها ولا يتعداها بل هي المنتهى، لا يتجاوزها أحد من الملائكة وغيرهم، وهي شجرة نبق -السدر- معروف جمع سدرة، السدرة واحدة السدر مما يفرق بين جمعه وواحده بالتاء، سدر سدرة، تمر تمرة، نبق نبقة وهكذا.
يقول: "هي شجرة نبق"، يعني ثمرها النبق، أو السدرة مجموعها النبق على ما قال أهل العلم، السدر نبت طيب الرائحة يستعمل استعمالات جاءت بها النصوص كتغسيل الميت، اغسلنها بماء وسدر؛ لأن له دور في تماسك الجسم وعدم تحلله، وأيضاً ينظف، ينظف الجسد من الأوساخ، وله أيضاً رائحة، ويستعمل أيضاً في علاج السحر، وفيه فوائد كثيرة، ولذا جاء في سنن أبي داود: ((من قطع سدرة صوب رأسه في جهنم)) في سنن أبي داود، وحسنه بعض أهل العلم وحمله أبو داود قال: إن هذا الحديث مختصر؛ لأن معناه مشكل؛ لأن الإنسان قد يزرع السدر يستفيد منه ثم يقطع ما لا يحتاج منه، وهل يبقى شجر السدر ولو آذى الناس في طرقهم ومساكنهم أو يقطع فيحصل هذا الوعيد؟ قال أبو داود: "هذا الحديث مختصر"، من قطع سدرة في طريق الناس الذي يحتاجونها يستظلون بها يستظل بها مسافر يحصل له هذا الوعيد، لكن هذا يذهب فائدة تخصيص السدر؛ لأن هذا يشمل الأشجار الأخرى التي يستظل بها الناس، التي يستظل بها الناس، يعني الناس يستظلون بالأشجار سواءً كانت سدر أو غير سدر، فالذي يقطعها يتسبب في إزالة هذه الفائدة من هذه الشجرة، سواءً كانت من السدر أو من غيره، فلا يكون للسدر في هذا خصيصة ولا ميزة، والحديث جاء بالتنصيص على السدر، وعلى كل حال مثل ما يقال في شجر الحرم لا يجوز قطعه إلا إذا أضر أو أذى بالناس وصار في طريقهم، أو اشتدت الحاجة إليه، كما استثنى النبي -عليه الصلاة والسلام- الإذخر، ويبقى إذا صح الخبر أن الأصل المنع.
{عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} [(14- 15) سورة النجم] سدرة المنتهى جاء في الحديث الصحيح: إنها في السماء السابعة، وجاء ما يدل على أنها في السماء السادسة، وجاء ما يدل على أنها في السماء السادسة، القرطبي وابن حجر وجمع من أهل العلم قالوا: أصلها في السادسة، وورقها وفروعها في السابعة، وبهذا يتم الجمع بين الروايتين.
{عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} [(15) سورة النجم] "تأوي إليها الملائكة وأرواح الشهداء والمتقين" جنة المأوى: يأوي إليها فهي مآل ومأوى المتقين، والملائكة أيضاً يأوون إليها، وأرواح الشهداء في أجواف طير خضر تسرح تغدو وتروح في هذه الجنة، المقصود أنها من أوى يأوي إذا صار إلى الشيء، فهذه الجنة يصير إليها الملائكة، ومن أهله عمله بعد رحمة الله -جل وعلا- لدخولها، وهناك جنات أخرى، هناك الفردوس، وهناك جنة عدن، والمسألة جنات، والله المستعان.
{إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} [(16) سورة النجم] إذ يغشى السدرة: {إِذْ} "حين" ظرف {يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} [(16) سورة النجم] "من طير وغيره"، يغشاها من الأمور المهولة كما جاء في الحديث من التهاويل والأشياء التي تغشاها ما لا يستطيع الواصف بوصفها كما جاء الحديث، لا يستطيع أحد أن يصفها من عظم ما يغشاها من الأنوار والطيور والملائكة أيضاً تنزل عليها كما تنزل الغربان على الشجر كما في الحديث، كما في الخبر، شيء لا يخطر على البال، وكل هذا يحدو المسلم إلى مضاعفة العمل عله أن يبلغ هذه المنازل فيكون من أهلها، {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} [(16) سورة النجم] "من طير وغيره، وإذ معمولة لرآه"، ولقد رآه إذ يغشى السدرة ما يغشى، يقول: "إذ معمولة لرآه" لظرف متعلق بالفعل رأى.
{مَا زَاغَ الْبَصَرُ} [(17) سورة النجم] من النبي -صلى الله عليه وسلم- {وَمَا طَغَى} ما زاغ البصر، عرج به إلى مكان محدد فما زاغ بصره لا يميناً ولا شمالاً، {وَمَا طَغَى} أي: "ما مال بصره عن مريئه المقصود له، ولا جاوزه تلك الليلة"، وهذا من الأدب أن الإنسان إذا دعي إلى مكان لا يلتفت يمنياً ولا شمالاً، لا ينظر في باب ولا ينظر في نافذة ولا ينظر في شيء مما لا يعنيه؛ لأن بعض الناس إذا دخل مجلس لا سيما إذا كان من المجالس التي فيها شيء من مظاهر الدنيا من الزخارف وغيرها تجده لا يكف بصره يمنياً وشمالاً، وإن كان بعد أمره أشد تجد بصره يزيغ يميناً وشمالاً في النوافذ وفي الأبواب عله أن يلمح شيئاً، لا شك أن هذا مخل بالأدب، وإن كان القصد سيء بعد كان الأمر أشد، فعلى الإنسان أن يحفظ بصره، ولذا يقول الله -جل وعلا-: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ} [(17) سورة النجم] من النبي -صلى الله عليه وسلم- {وَمَا طَغَى} أي: "ما مال بصره عن مريئه المقصود له، ولا جاوزه تلك الليلة".
والواحد منا إذا صف في صلاته يعني كون الإنسان خارج الصلاة الأمر فيه سعة، وإن كان الأدب أن يحفظ بصره، لكن ماذا عما إذا كان في الصلاة؟ تجده من يكبر تكبيرة الإحرام إلى أن يسلم وبصره يمين وشمال وينظر في هذا، وإذا كان في المسجد زخارف وكتابات وأشياء تجده يحفظ كل ما كتب وهو يصلي، ورأينا الأذكار بعد الصلاة مثل هذه المعلقة يعني الإخوان هنا أحسنوا في جعلها خلف المسجد؛ لأن رأينا في بعض المساجد في قبلة المسجد، تجد المصلي يحفظها وهو في صلاته ليقولها بعد صلاته، أيهما أهم الصلاة أو حفظ هذه الأذكار؟ الصلاة أهم بلا شك، كل ما يشغل عن الصلاة تجب إزالته، النبي -عليه الصلاة والسلام- لما انشغل بالخميصة خميصة أبي جهم، أو الخميلة، قال: ((إنها كادت أن تفتني في صلاتي، أتوني بأنبجانية أبي جهم)) يعني كساء بدون خطوط وبدون شيء، يعني رد عليه الكساء المخطط الذي يشغله في صلاته، وطلب منه جبراً لخاطره، يعني ما ردها رداً بدون مقابل، إنما ردها وطلب غيرها ليجبر خاطره، كل هذا لأن ذا الخطوط أشغلته وألهته وفتنته في صلاته، ماذا عن بعض المساجد التي تعمر في بلاد المسلمين؟! يعني موجود الزخرفة قديمة في البلدان بلدان المسلمين، وهي طارئة في بلادنا، بلدان المسلمين الذين يعتنقون المذهب الحنفي ما عندهم إشكال في زخرفة المساجد؛ لأن الزخرفة إذا زخرف الناس بيوتهم فزخرفة المساجد بيوت الله من باب أولى عندهم، وما أمرنا بتشييد المساجد ولا زخرفتها، وحصول هذا لا شك أنه من علامات الساعة، وهو أيضاً مذموم في الشرع، وهو يشغل المصلي، بالنسبة للحنفية هذا مذهبهم، والظاهرية يبطلون الصلاة ولو لم ينشغل بها المصلي، يبطلون الصلاة في المسجد المزخرف، والجمهور يطلقون الكراهة على حسب ما ينتج عنها، ولا شك أن الخشوع في الصلاة مطلوب، الجمهور على أنه مستحب وأوجبه جمع من أهل العلم، فإذا شغله عن الخشوع فعلى حسب حكمه، وإن شغله عن صلاته بالكلية فليس له عليها أجر، إن شغله عن نصفها ليس له من صلاته إلا ما عقل، فهذه الزخارف لا شك أنها مذمومة شرعاً، جاءت النصوص بذمها ومنعها، وإذا تولى عمارة المساجد بعض العامة من المحسنين يعني قد يخفى عليهم مثل هذا، لكن الإشكال إذا زخرفت المساجد والمشرف على تنفيذها من طلاب العلم هنا يكمن الإشكال، وكأن المسألة إنما هي مسألة إنفاذ للأمر القدري، أنها تزخرف المساجد في آخر الزمان، وعمر قال: "لا تحمروا ولا تصفروا"، ومع الأسف أنك تجد هذه الألوان من الحمرة والصفرة كثيرة جداً في المساجد، وهي في الفرش أكثر، تجد اللون أحمر والخط أصفر، من غير قصد هذا الذي يظهر، في أحد يبي يسمع النهي، ولو سمعه ونسيه أو غاب عن باله حينما اشترى الفرش، أو أراد صبغ المسجد..، على كل حال على طالب العلم أن ينتبه الذي يتولى هذه الأمور، والخطاب للجميع، لكن الإشكال أنه يتولى طلاب علم تنفيذ المساجد ومع ذلك يوقعون في المحذور، وإلا الجاهل معذور بجهله، لكن عليه إذا نبه أن يتنبه، يعني بعض المساجد إذا صلى فيها من له أدنى ذوق في الرسم أو الخط أو الفن المعماري أو ما أشبه من ذلك لا يعقل من صلاته شيء، لا يعقل من صلاته شيء، هذا كله مذموم في الشرع.
{مَا زَاغَ الْبَصَرُ} [(17) سورة النجم] من النبي -صلى الله عليه وسلم- {وَمَا طَغَى} أي: "ما مال بصره عن مريئه المقصود له، ولا جاوزه تلك الليلة" ولا شك أن هذا من كمال أدبه -عليه الصلاة والسلام-، وكان خلقه القرآن كما قالت عائشة -رضي الله عنها- في وصفه -عليه الصلاة والسلام-، {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [(4) سورة القلم].
"ولا جاوزه تلك الليلة" {لَقَدْ رَأَى} [(18) سورة النجم] "فيها" أي: في تلك الليلة {مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} أي: "العظام أي بعضها، فرأى من عجائب الملكوت رفرفاً أخضر سد أفق السماء، وجبريل له ستمائة جناح"، حينما رآه في النزلة الأخرى على خلقه أمر مهول، أمر عظيم، {لَقَدْ رَأَى} [(18) سورة النجم] "فيها" أي: في هذه الليلة {مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} أي: "العظام أي بعضها" فعلى هذا (من) تبعيضية، رأى من الآيات، رأى من الآيات الكبرى بعضها؛ لأن (من) تبعيضية، رأى من الآيات الكبرى بعضها، أو رأى بعض الآيات التي هي الكبرى منها، يعني رأى أكبر الآيات، أو رأى بعض آيات الآيات الكبرى، تأملوا في الآية، {لَقَدْ رَأَى} [(18) سورة النجم] "فيها" أي: في هذه الليلة {مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} يعني هل نقول: إنه رأى الكبرى من آيات ربه؟ فرأى جميع الآيات الكبار، وهي بعض من الآيات بمجملها؟ أو نقول: إنه لم ير الآيات الكبرى كلها بل رأى بعضها؟ وحينئذٍ الكبرى وصف لأي شيء؟ يعني (من) هل هذه بيانية أو تبعيضية؟ إذا كانت بيانية نقول: رأى آيات ربه الكبرى كلها، وإذا قلنا: تبعيضية قلنا: رأى بعض الآيات الكبرى، يعني كما في قوله -جل وعلا-: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء} [(82) سورة الإسراء] وننزل من القرآن ما هو شفاء إذا قلنا: (من) بيانية قلنا: القرآن كله شفاء، وإذا قلنا: تبعيضية قلنا: إن بعض القرآن شفاء، بعض القرآن شفاء وبعضه أحكام، وبعضه آداب، وبعضه قصص، وبعضه عقائد، بعضه مواعظ، وبعضه شفاء، يعني لو جاءك مريض فطلب منك الرقية ثم قرأت عليه، نفثت عليه وقرأت: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} [(222) سورة البقرة] يعني مقتضى كون القرآن كله شفاء أنت اقرأ مثل هذه الآية، وتقرأ تبت يدا أبي لهب، وتقرأ..، صح وإلا لا؟ إذا قلنا: القرآن كله شفاء، وإذا قلنا: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء} [(82) سورة الإسراء] تبعيض، هناك آيات للشفاء، وهناك آيات للأحكام، وهناك آيات للقصص، وهناك آيات عقائد، واضح وإلا ما هو بواضح؟ نعود إلى الآية {لَقَدْ رَأَى} [(18) سورة النجم] "فيها" في هذه الليلة {مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} أي: "العظام أي بعضها" فعلى هذا (من) تبعيضية، (من) تبعيضية، على أن الوصف..، الوصف يقتضي تبعيض الآيات، و(من) تقتضي تبعيض الآيات الكبرى، الوصف بالكبرى يخرج الآيات الصغرى والكبرى بعض الآيات، حتى ولو قلنا: (من) بيانية هنا، وإذا قلنا: (من) تبعيضية قلنا: إنه رأى بعض الآيات الكبرى ولم ير بعض الآيات الكبرى فضلاً عن الآيات الصغرى، "أي بعضها فرأى من عجائب الملكوت" الملكوت والجبروت والرحموت تزاد الواو والتاء للمبالغة، "رفرفاً أخضر سد أفق السماء" في سورة الرحمن في آخرها ماذا قال المفسر؟ {مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ} [(76) سورة الرحمن] نعم قال: جمع رفرفة، رفرف جمع رفرفة أي بسط أو وسائد، أي بسط أو وسائد، وهنا يقول: "رفرفاً أخضر سد أفق السماء" يعني بساط أخضر سد أفق السماء، ورأى أيضاً "جبرائيل له ستمائة جناح".
{أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى} [(19) سورة النجم] أفرأيتم: استفهام إنكاري توبيخي {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ} [(19-20) سورة النجم] "للتين قبلها" {الْأُخْرَى} "صفة ذم للثالثة"، أفرأيتم ومثل هذا يقول بعض المفسرين معناه: أخبروني، أفرأيتم: أخبروني، أرأيت: أخبرني، {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ} [(19) سورة النجم] اللات: صنم مشتق من الإله كما قال بعضهم أو من الله، هم يشتقون لأصنامهم من الأسماء الحسنى، فاشتقوا اللات من الإله، والعزى من العزيز، ومناة من المنان أو من غيرهما، هذا على قراءة التخفيف: اللات، وهو صنم يعبد هنا في الطائف، وراكم استغربتم؟ قريش كانت تعبد صنم، الأوس والخزرج يعبدون، تميم كلها، كل الجزيرة على هذا قبل بعثته -عليه الصلاة والسلام-، خيار الأمة الذين أسلموا معه -عليه الصلاة والسلام- في أول دعوته كانوا يعبدون، يعني هذا لا يضير ولا ينقص، يعني ما هي المسألة بأن هذا يعني كونه يوجد صنم في الطائف أن هذا ذم لأهل الطائف ويوجد صنم..، يعني في وقته نعم ذم، لكن الآن؟ الإسلام يهدم ما كان قبله، أبو بكر حصل منه ما حصل، عمر حصل منه ما حصل، ومع ذلك هم أفضل الأمة بعد نبيها -عليه الصلاة والسلام-.
قالوا: اللات بالتخفيف، ومنهم من يقولها بالتشديد، اللاتَّ، اللاتَّ، أفرأيتم اللاتَّ، ويقولون: إنه رجل كان يلت السويق للحجاج، يلت السويق للحجاج، وكان يجلس بجوار صخرة فلما مات عبدوا هذه الصخرة، وسموها باسمه: اللاتّ، يلت السويق للحجاج، رجل محسن في وقته لكن إحسانه لا ينفعه إذ مات مشركاً، كما سئل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن ابن جدعان، قد أحسن على الناس بالطعام والشراب هل ينفعه ذلك؟ قال: ((لا، لم يقل يوماً من الدهر: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين)) ما ينتفع بهذا إذا مات على كفره، {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [(65) سورة الزمر]، {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا} [(23) سورة الفرقان] {كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ} [(18) سورة إبراهيم] لا قيمة له مع الشرك؛ لأن شرط القبول الإيمان ولم يوجد.
{أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ} [(19) سورة النجم] أو اللاتّ، {وَالْعُزَّى} اللات: صنم بالطائف، والعزى: بين مكة والطائف تعبد من دون الله، وقال أبو سفيان: لنا العزى ولا عزة لكم يوم بدر، فأجيب بماذا؟ نعم؟
طالب:.......
نعم، الله مولانا ولا مولى لكم.
{أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} [(19-20) سورة النجم] مناة: بوادي المشلل، يهل منها المشركون إذا أرادوا الحج أو العمرة، وهي صنم أيضاً يعبد من دون الله، وأرسل النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى الثلاثة وإلى غيرها مما يعبد من دون الله من يهدمها.
{وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ} [(20) سورة النجم] يعني بعد اللات والعزى الثالثة، الثالثة يعني في الذكر، يعني الذكر اللات الأولى، والعزى الثانية، ومناة الثالثة، الثالثة للتين قبلها هذا في الذكر، ولا يلزم من أن تكون دونها في المنزلة عندهم، ومنهم من يقول: إنها دون اللتين قبلها في المنزلة أيضاً فمن يعبد اللات أكثر، ومن يعبد العزى أكثر، فهي دونها في المنزلة والتعظيم -نسأل الله العافية-.
{الْأُخْرَى} [(20) سورة النجم] "صفة ذم للثالثة"، الأخرى صفة ذم للثالثة، منهم من يقول: إن هذا اللفظ لا يكون إلا للثاني من الشيئين، للثاني من الشيئين إذا كان هناك شيئان قيل: الأولى والأخرى، مثل جمادى الآخرة، اليد اليمنى والأخرى، الرجل اليمنى والأخرى وهكذا، ومجيئه هنا وصف للثالثة يضعف هذا القول {وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ} [(20) سورة النجم] "للتين قبلها" {الْأُخْرَى} [(20) سورة النجم] "صفة ذم للثالثة"، وهي أصنام من حجارة يقول المفسر: "وهي أصنام من حجارة، كان المشركون يعبدونها ويزعمون أنها تشفع لهم عند الله"، يعبدونها ويزعمون أنها تشفع لهم عند الله، لكن أين العقول؟ والجواب في كلام عمرو بن العاص: أخذها باريها، كيف يعبدون هذه حجارة لا تنفع ولا تضر ويزعمون أنها تشفع لهم عند الله؟ لماذا لا يعبدون الله -جل وعلا- مباشرة؟ قد يقول قائل: إنهم يحتقرون أنفسهم من أن يتوصلوا إلى عبادة الله -جل وعلا- بدون واسطة، ولا واسطة بين المخلوق وخالقه فيما يصعد من المخلوق إلى الخالق، والواسطة لا بد منها فيما ينزل من الخالق إلى المخلوق، يعني هل يمكن أن يوجد مخلوق يتلقى من الله -جل وعلا- دون واسطة؟ يعني جبريل والنبي -عليه الصلاة والسلام- وموسى الكليم، لكن المخلوق العادي الذي ليس من الملائكة ولا من الرسل، لا بد له من واسطة الرسل تبلغهم عن الله -جل وعلا-، أما بالنسبة لما بين المخلوق وخالقه فيما يصعد من المخلوق إلى الخالق هذا لا واسطة فيه، والواسطة شرك -نسأل الله العافية-، كما قالوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [(3) سورة الزمر] لا نستطيع أن نصل بأنفسنا لا بد من الواسطة، وهنا وهي أصنام من حجارة كان المشركون يعبدونها ويزعمون أنها تشفع لهم عند الله، لكن شروط الشفاعة إذن الله للشافع، ورضاه عن المشفوع له، هذا لم يتحقق واحد منهما.
ومفعول: أفرأيتم مفعوله الأول..؛ لأنه يتعدى إلى مفعولين: "اللات وما عطف عليه"، اللات مفعول أول لرأى وما عطف عليه والعزى ومناة الثالثة "والثاني محذوف، والمعنى أخبروني ألهذه الأصنام قدرة على شيء ما فتعبدونها دون الله القادر على ما تقدم ذكره؟"، على ما تقدم ذكره، المفعول الثاني محذوف وهو عبارة عن هذه الجملة الاستفهامية: "أخبروني ألهذه الأصنام قدرة على شيء ما فتعبدونها دون الله القادر على ما تقدم ذكره؟ "ولما زعموا أيضاً أن الملائكة بنات الله مع كراهيتهم للبنات" نزل في مواطن كثيرة وصفوا الملائكة بأنها بنات الله، في نصوص كثيرة من القرآن وصفوا الملائكة بأنهم بنات الله، "ولما زعموا أيضاً أن الملائكة بنات الله" يعني زعموا أولاً: أن هذه الأصنام تشفع لهم عند الله، وزعموا أيضاً أن الملائكة بنات الله مع كراهيتهم للبنات نزل قول الله -جل وعلا-: {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى} [(21) سورة النجم] إنكار، {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى * تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى} [(21-22) سورة النجم] "جائرة" قسمة جائرة، يعني تعرفون أن الذكور أقوى من الإناث، تعلمون أن الذكور أقوى من الإناث فاخترتم الذكور، واخترتم للرب الخالق الرازق الموجد المتصرف المحيي المميت اخترتم له الإناث؟! {تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى} [(22) سورة النجم] "جائرة، من ضازه يضيزه إذا ظلمه وجار عليه"، ومنهم من يهمزه فيقول: ضئزى، من ضأزه يضئزه، إذا ظلمه وجار عليه.
{قِسْمَةٌ ضِيزَى} [(22) سورة النجم] يعني لو افترضنا أنهم عكسوا جعلوا له الذكور ولهم الإناث، قالوا: الذكور أولاد الله بدلاً من الملائكة بنات الله تكون القسمة جائرة وإلا عادلة؟ أو قالوا: النصف والنصف؟ لو قالوا: الذكور أولاد الله والإناث لنا؛ لأنه {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى * تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى} [(21-22) سورة النجم] يعني ما عدلتم في القسمة، القسمة جرتم فيها وظلمتم فيها، افترض أنهم قالوا: الذكور أولاد الله والبنات لنا، أو قالوا: النصف والنصف هل يقال: إنهم عدلوا في هذه القسمة؟ لا، {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} [(3) سورة الإخلاص]. {إِنْ هِيَ} [(23) سورة النجم] "أي: ما المذكورات" من تسمياتكم بآلهتكم اللات والعزى ومناة، وادعائكم أنها تنفع وأنها تشفع، وأنها تستحق العبادة من دون الله -جل وعلا-، حقيقة الأمر أنها لا قيمة لها، وهذه الأسماء على أمور لا وجود لها، {إِنْ هِيَ} [(23) سورة النجم] "أي: ما المذكورات" {إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا} [(23) سورة النجم] أسماء سميتموها، الأسماء تسمى أو يسمى بها؟ يسمى بها، ولذلك قال: "أي: سميتم بها"، سميتم بها، {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا} [(23) سورة النجم] أسماء سميتموها يعني: "سميتم بها"، وهذا الكلام فيه على الاسم دون المسمى، ولو أريد المسمى لقال: إن هي إلا أسماء يعني مسميات سميتموها بهذه الأسماء فلا نحتاج إلى تقدير، والخلاف في مسألة الاسم والمسمى في الاتحاد والافتراق مسألة خلافية بين أهل العلم، منهم من يقول: إن الاسم هو المسمى، ومنهم من يقول: إن الاسم غير المسمى، والمسألة تحتاج إلى تفصيل، فإذا قلت: ضربت زيداً وقد ضربت جسده بالسوط، ضربت زيداً، قلنا: الاسم هو المسمى، وإذا كتبت زيد في ورقة وأحرقتها وقلت: أحرقت زيداً، قلنا: الاسم غير المسمى، فلا يقال بإطلاق: إن الاسم هو المسمى، ولا يقال بإطلاق: إن الاسم غير المسمى، فإذا قلت: ضربت زيداً ومعك سوط، وضربت جسده قلنا: إن الاسم يراد به المسمى، وإذا كتبت اسمه في ورقة فأحرقتها وقلت: أحرقت زيداً، فإنما تريد بذلك الاسم دون المسمى، وقل مثل هذا في الصورة، يعني هذا اسم زيد وهذه صورة زيد، بين الصورة والمصور ما بين الاسم والمسمى، {إِنْ هِيَ} [(23) سورة النجم] "أي: ما المذكورات" {إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا} [(23) سورة النجم] "أي: سميتم بها"، {أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم} [(23) سورة النجم] "أصناماً تعبدونها" سميتم بهذه الأسماء أصنام تعبدونها، {مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ} [(23) سورة النجم] ما أنزل الله بها: يعني: "بعبادتها" من سلطان: من "حجة ولا برهان".
{إِن يَتَّبِعُونَ} [(23) سورة النجم] (إن) هذه هي النافية، معناها (ما) يتبعون في عبادتها إلا..، ولذلك صح الاستثناء بعدها؛ لأنها بمعنى (ما)، {إِلَّا الظَّنَّ} [(23) سورة النجم] يعني مثل ما ذكرنا بالأمس {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [(4) سورة النجم] {وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ} [(159) سورة النساء] هذه بمعنى (ما) وليست المخففة من الثقيلة، ليست هي المخففة من الثقيلة، وإنما هي نافية، ولذلك قال: {إِن يَتَّبِعُونَ} [(23) سورة النجم] يعني: "ما يتبعون في عبادتها" {إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ} [(23) سورة النجم] وما تهوى الأنفس: "مما زين لهم الشيطان من أنها تشفع لهم عند الله تعالى"، {وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ} [(23) سورة النجم] الشيطان زين لهم، والنفس الأمارة أيضاً تهوى ما يهواه الشيطان.
وخالف النفس والشيطان واعصهما |
|
وإن هما محضاك النصح فاتهمِ |
{وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ} [(23) سورة النجم] "مما زين لهم الشيطان من أنها تشفع لهم عند الله تعالى.
{وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى} [(23) سورة النجم] يعني قامت عليهم الحجة "على لسان النبي -عليه الصلاة والسلام-، بالبرهان القاطع، والدليل الساطع، فلم يرجعوا عما هم عليه"، فلم يرجعوا عما هم عليه يعني: بعد أن بين لهم الصراط المستقيم، ووضح لهم طريق الهداية، اختاروا طريق الغواية، مختارين بطوعهم واختيارهم بإرادتهم ومشيئتهم التي هي في الأصل تابعة لإرادة الله -جل وعلا- ومشيئته، فلم يجبروا على الكفر، ولم يجبر العاصي على المعصية، إنما وضع فيه من حرية الاختيار ما يختار فيه طريق النجاة أو طريق الهلاك.
{أَمْ لِلْإِنسَانِ} [(24) سورة النجم] أي: جنس الإنسان "لكل إنسان منهم" {مَا تَمَنَّى} "من أن الأصنام تشفع لهم ليس الأمر كذلك"، {أَمْ لِلْإِنسَانِ} [(24) سورة النجم] يقول: "لكل إنسان منهم" مقتضى كون (أل) للجنس، وهذا ما يدل عليه قوله: لكل إنسان أنه منهم ومن غيرهم، أم لكل إنسان منهم ومن غيرهم {مَا تَمَنَّى} "ليس الأمر كذلك"، الإنسان قد يتمنى ولا يحصل له ما تمنى، لكنه قال: أم لكل إنسان منهم يعني من هؤلاء المشركين، ما تمنى من أن الأصنام تشفع لهم، ليس الأمر كذلك.
{فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى} [(25) سورة النجم] له الآخرة وله أيضاً الأولى التي هي "الدنيا فلا يقع فيهما إلا ما يريده تعالى" لا يقع إلا ما يريده الرب -جل وعلا-، هنا الآخرة والأولى وهناك الأخرى، قال: صفة ذم، الأخرى صفة ذم للثالثة، معنى أنها تفيد أنها متأخرة، والتأخر في الجملة ذم، وما يزال الإنسان يتأخر عن الصلاة حتى يؤخره الله، فالتأخر صفة ذم، وهنا قال: {فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى} [(25) سورة النجم] الأولى: هي الدنيا، والآخرة ما بعد الموت، فهل التأخر هنا ممدوح وإلا مذموم؟ هي آخرة باعتبار أنها..، باعتبار الزمن نعم، باعتبار الزمن لا باعتبار تأخر الفعل المطلوب، الشوكاني في ديوانه يقول:
قالوا: جئت آخراً |
|
قلت: جنة الخلد أخرى |
يعني التأخر ليس بذم مطلقاً، إنما هو التأخر عما يمدح به الإنسان ذم، وقد يكون في التأخر مما سببه التأني والحلم والأناة مدح بخلاف العجلة، وأما التأخر عن المسابقة وعن المسارعة هذا مذموم، وهنا قال: {فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى} [(25) سورة النجم] "أي: الدنيا فلا يقع فيهما إلا ما يريده الله تعالى" هي لله، ملك لله تعالى، الآخرة والأولى، الدنيا والآخرة وما فيهما، لا يقع فيهما إلا ما يريده الله تعالى.
{وَكَم مِّن مَّلَكٍ} [(26) سورة النجم] "أي: وكثير من الملائكة" و(كم) هنا خبرية مفيدة للتكثير، مفيدة للتكثير، ولذا قال: {وَكَم مِّن مَّلَكٍ} [(26) سورة النجم] "أي: وكثير من الملائكة" {فِي السَّمَاوَاتِ} [(26) سورة النجم] "وما أكرمهم عند الله -جل وعلا-!" تعجب، الملائكة لهم منزلة عند الله -جل وعلا-، {وَكَم مِّن مَّلَكٍ} [(26) سورة النجم] يعني: كثير من الملائكة {فِي السَّمَاوَاتِ} [(26) سورة النجم] رغم قربهم من الله و كرامتهم عند الله -جل وعلا- {لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا} [(26) سورة النجم] يعني لا تفيد شفاعتهم شيئاً، إن ابتدءوا بها قبل إذن الله -جل وعلا-، لذ قال: {إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ} [(26) سورة النجم] "لهم فيها" في الشفاعة، {إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ} [(26) سورة النجم] "لهم فيها" {لِمَن يَشَاء} [(26) سورة النجم] "من عباده"، {وَيَرْضَى} "عنه"، يأذن للشافع، ويرضى عن المشفوع له، لقوله -جل وعلا-: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [(28) سورة الأنبياء]، لا بد من الرضا عن المشفوع له، يعني يشفع أحد لمشرك لكافر لا يمكن، يشفع لعاصي والله -جل وعلا- ما يرضى عنه، ولا يغفر له هذه المعصية لا يقبل الله شفاعته إلا إذا رضي عن المشفوع له، وأذن للشافع بالشفاعة، ومعلوم أنها لا توجد منهم، يعني من هؤلاء إلا بعد الإذن فيها، {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} [(255) سورة البقرة].
ثم قال: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنثَى} [(27) سورة النجم] قد يقول قائل: هؤلاء لا يؤمنون بالآخرة فلماذا يزعمون أن أصنامهم تشفع لهم؟ ما دام ما في آخرة ما الداعي لهذه الشفاعة؟ كيف يقولون: {إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [(3) سورة الزمر] يزعمون أنها تشفع لهم وهم لا يؤمنون بالآخرة، ما له داعي يطلبون شفعاء عند الله وما في آخرة، ما في بعث بعد الموت، هذا إشكال وإلا ليس بإشكال؟ إشكال وارد، لكنهم عندهم على سبيل التنزل، يعني على..، في معتقدهم أنه ما في بعث ولا في نشور ولا آخرة ولا جنة ولا نار، لكن على سبيل التنزل افترض يا محمد إن كلامك صحيح، نعم، هؤلاء بيشفعون لنا، يعني لن يتركونا، وهذا على سبيل التنزل، وإلا فالإشكال وارد ما دام لا يؤمنون بآخرة ما يحتاجون إلى شفعاء، يعني على سبيل التنزل، أو على أنهم يعترفون ببعث لا يوافق ما جاء في النصوص، يعني لا يؤمنون بالآخرة الإيمان لذي ينجيهم أو ينفعهم يؤمنون بها على وجه لا ينفهم كما قال بعض المفسرين، والمنفي هنا {إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ} [(27) سورة النجم] إيمان ينفع الذي هو ركن من أركان الإيمان، {إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنثَى} [(27) سورة النجم] "حيث قالوا: هم بنات الله".
{وَمَا لَهُم بِهِ} [(28) سورة النجم] بهذا المقول {مِنْ عِلْمٍ} [(28) سورة النجم]، وما لهم به: أي بهذا المقول أنهم بنات الله من علم، (ما) نافية ولهم به يعني: بهذا المقول أن الملائكة بنات الله من علم، و(من) زائدة لتأكيد النفي، (إن) هذه نافية أيضاً معناها (ما) {يَتَّبِعُونَ} [(28) سورة النجم] "فيه" في هذا الكلام، وتسمية الملائكة تسمية الأنثى وغيره، يتبعون فيه {إِلَّا الظَّنَّ} [(28) سورة النجم] الظن: "الذي تخيلوه"، {وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [(28) سورة النجم] من الحق يعني: العلم، اليقين، الظن لا يغني من الحق شيئاً يعني: "عن العلم فيما المطلوب فيه العلم".
شوفوا المفسر ماذا قال: {وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [(28) سورة النجم] كيف مع أن أهل العلم يقولون: أكثر الأحكام ثابتة بغلبة ظن، ثابتة بغلبة ظن، والظن لا يغني من الحق شيئاً، قال المفسر: لا يغني من الحق شيئاً يعني: "عن العلم فيما المطلوب فيه العلم" وهذه المسألة التي هي مسألة الإيمان بالآخرة والإيمان بالملائكة يطلب فيها العلم عنده عند المفسر؛ لأن المسائل عقدية، ومسائل الاعتقاد يطلب فيها العلم يعني اليقين، فلا تثبت بخبر الواحد الذي يفيد الظن، يعني ننتبه لمثل هذه المسائل التي يبنى عليها مسائل كبرى؛ لأنه يقول: أي: "عن العلم فيما المطلوب فيه العلم" يعني هل تجدون من يعلق على الجلالين يبين مثل هذا؟! لأن هذا مهم جداً؛ لأنه يقول: هذه المسائل مسائل عقدية نطلب فيها العلم، ومسائل الاعتقاد لا تثبت بالأخبار الظنية، نعم الأحكام تثبت بأخبار الواحد، بأخبار الآحاد؛ لأنها تفيد الظن، والعقائد لا تثبت إلا بالعلم، ولذلك قال: لا يغني من الحق شيئاً "عن العلم فيما المطلوب فيه العلم" أما ما يطلب فيه الظن كالأحكام تغني، في العقائد لا تغني، وهم يفرقون بين العقائد والأحكام، الأشاعرة وغيرهم يفرقون، فضلاً عن المعتزلة ومنهم فوقهم في الابتداع يفرقون يقولون: العقائد ما تثبت بخبر الواحد، ما تثبت إلا بالخبر اليقيني القطعي، ولذلك يردون أحاديث الصفات؛ لأنها أخبار آحاد، فلا يثبت بها علم، فلا تثبت بها عقائد، والعقائد والأحكام وغيرهما من أبواب الدين كلها متساوية الأقدام، ما يثبت به الأحكام يثبت به العقائد، ما يثبت به العقائد يثبت به الفضائل وهكذا، لكن الظن درجات، يبدأ من أكذب الحديث كما جاء في الحديث الصحيح: ((إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث)) إلى أن يمر بمثل هذا النص: {وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [(28) سورة النجم] إلى أن ينتهي بقول الله -جل وعلا-: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ} [(46) سورة البقرة] يقطعون ويجزمون بأنهم ملاقو ربهم، فالظن في النصوص متفاوت، الظن في النصوص بدأ من كونه أكذب الحديث إلى أن ينتهي {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ} [(46) سورة البقرة] يكفي ظن في البعث؟ في ملاقاة الرب؟ ما يكفي، الظن ما يغني، لكن هذا الظن يقيني، فالظن ليس إطلاقه واحد في النصوص، فيطلق ويراد به أكذب الحديث، يطلق ويراد به ما لا يغني عن الحق شيئاً، يطلق ويراد به الاحتمال الراجح وهو الذي استقر عليه الاصطلاح عند أهل العلم، ويطلق ويراد به ما هو بإزاء العلم اليقيني القطعي، وإلا فهم يقسمون المعلوم يقولون: ما عنه الذكر الحكمي إما ألا يحتمل النقيض فهذا هو العلم، أو يتحمل النقيض المرجوح، يحتمل النقيض المرجوح فالراجح هو الظن، والمرجوح هو الوهم، والمساوي هو الشك، والمساوي هو الشك، هذا الاصطلاح لا شك أنه حادث، يعني من ضمن الاصطلاحات العلمية المقررة في العلوم الشرعية لكنها لا تعارض بها النصوص، ما ننزل الظن الذي هو الاحتمال الراجح على جميع ما جاءنا في النصوص؛ لأن الحقائق العرفية الاصطلاحية قد تختلف مع الحقائق الشرعية، فالعبرة بالحقائق الشرعية حينئذٍ.
هناك اصطلاحات سواءً كانت في علوم القرآن أو علوم الحديث أو أصول الفقه أو غيرها، اصطلاحات حادثة، وقد يكون في بعضها مخالفة لبعض النصوص، يعني من الحقائق العرفية: الألوان، من الحقائق العرفية: الألوان، والألوان تختلف من وقت إلى وقت، تختلف من وقت إلى وقت، يعني مر علينا في تفسير القرطبي: "ولونه قرمزي" إيش معنى قرمزي؟ هذا العرف يعني إلى قبل ربع قرن معروف عندنا، ثم صار الناس يقولون: بنفسجي، ثم صار الناس الآن يقولون: موف، ثم صار..، الألوان متطورة، يعني أنا أريد أن أقرر مسألة أن الحقائق العرفية لا تعارض بها النصوص الشرعية، يعني لو أن شخصاً أقسم بالله العظيم أنه من عمره من ولد إلى يومه هذا ما رأى جمل أصفر، والله -جل وعلا- يقول: {كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ} [(33) سورة المرسلات] يقول: والله ما شفت جمل أصفر، الأصفر هذا عندنا في عرفنا هذا التمر مثلاً، لونه قبل أن يكون تمراً لونه أصفر، صح وإلا لا؟ هل في جمل بهذا اللون؟ في جمل بهذا اللون؟ ما في جمل بهذا اللون، فهو يحلف على الحقيقة العرفية ولذلك لا يحنث ولا يأثم، كما قلنا بالأمس: من حلف ألا يستظل بسقف وألا ينام على فراش، فنام على الأرض تحت السماء، السماء سقف والأرض فراش يحنث وإلا ما يحنث؟ ما يحنث، لذلك على طالب العلم أن يكون متنبه لمثل هذه الأمور؛ لأنه لو سمع من يقول: والله ما شفت جمل أصفر، قلنا: عارض القرآن وكابر، القرآن يثبت جمل أصفر، نقول: هو على حسب الحقيقة العرفية، الحقيقة العرفية معتبرة في بعض الأبواب الشرعية، يعني الأيمان والنذور مبناها على العرف، اللباس عرفي عند أهل العلم، على كل حال ننتبه لمثل هذه الأمور، فالظن العرفي الاصطلاحي عند أهل العلم: الاحتمال الراجح، في النصوص متفاوت يبدأ من أكذب الحديث إلى أن يفيد العلم القطعي اليقيني، ولذلك كثير من الإخوان الآن من باب غيرتهم على العقيدة ينزل بقوة على تقسيم الأخبار، وأن هذا يفيد الظن...، نقول: لا، ما في إشكال -إن شاء الله-، ما في إشكال، إذا قلنا: إن الظن هو الظن الاصطلاحي وهو الاحتمال الراجح، قلنا: تثبت به الأحكام، تثبت به العقائد، تثبت به الفضائل ويش المانع؟ لأن ويش معنى ظن؟ خبر الثقة يفيد ظن وإلا قطع؟ إذا قلنا: قطع معناه أنه لا يحتمل النقيض، يعني مالك جميع أخباره مطابقة للواقع؟ يعني ما يمكن أن يخطئ؟ أخطأ مالك نجم السنن.
.............................. |
|
ومالك سمى ابن عثمان عمر |
غيره كلهم يقولون: عمرو بن عثمان من الشيوخ والعلماء والحفاظ يقولون: عمرو بن عثمان، ووجدت هذه النسبة تنزل خبر مالك من مائة بالمائة إلى تسعة وتسعين أو سبعة وتسعين أو خمسة وتسعين بالمائة هذا احتمال راجح، لكن يبقى أن خبر مالك حجة ومقبول يجب العلم به، لكن ما تستطيع أن تقول: إن مالك أصاب وأخطأ غيره، يعني هذا مع الأحاديث التي يتخلف فيها مالك مع غيره من الحفاظ، فالمسألة اصطلاحية لا أثر لها في عقائد ولا غيرها، نعم قد يخشى من الالتباس على عوام، على أنصاف متعلمين، يبين لهم، ولا شك أن الذي يتكلم في هذه الموضوعات لا نشك أن الباعث على مثل هذا الكلام ومثل هذا التشديد الغيرة على العقيدة، يعني ما نشك في هذا، لكن أيضاً عموم المسلمين جروا على هذا من الاصطلاحات كلها ووجدت في سائر الفنون، يعني ما نهدم هذه الاصطلاحات التي نفع الله بها نفعاً عظيماً، وما يعارضها من النصوص أو ما تعارضه من النصوص العبرة بالنص، العبرة بالنص.
{فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا} [(29) سورة النجم] "أي: القرآن" {وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [(29) سورة النجم] يعني ما له في الآخرة أدنى نظر، دعوته ونصحته، جادلته، ناقشته، حاولت هدايته ما في، تولى عن ذكرنا يعني: القرآن، ولم يرد إلا الحياة الدنيا هذا أعرض عنه، يقول أهل العلم: إن هذه منسوخة بآية السيف، ولذا قال: "وهذا قبل الأمر بالجهاد"، ومنهم من يقول: إنه لا معارضة بين هذا الأمر بالإعراض وبين الأمر بالجهاد، يقول: يجادل ويناقش بالتي هي أحسن، بالأسلوب المناسب، ما استجاب يجاهد، يقاتل، وما في تعارض حينئذٍ.
{فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا} [(29) سورة النجم] "أي: القرآن" {وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [(29) سورة النجم] "وهذا قبل الأمر بالجهاد"، {ذَلِكَ} [(30) سورة النجم] "أي: طلب الدنيا" {مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ} يعني: مبلغ أولئك الكفار، هذا مبلغهم من العلم، ما عندهم غير هذا، هذا الذي أوصلته إليهم عقولهم، "أي: نهاية علمهم أن آثروا الدنيا على الآخرة"، فخابوا وخسروا، {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى} [(30) سورة النجم] الله -جل وعلا- لا يخفى عليه حال أحد من خلقه، لا تخفى عليه خافية، لا تظن أن هذا الذي ضل بيخفى على الله -جل وعلا-، ثم بعد ذلك بطريقة أو بأخرى يدخل الجنة مع أهل الجنة، لا، {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ} [(30) سورة النجم] وسوف يجازيه بما يستحق؛ لأنه لا تخفى عليه خافية، وهو أعلم بأمور الناس وأحوالهم، يعني في أمور الدنيا قد يخفى أمر فلان أو علان على الناس، فيمدح مثلاً وهو لا يستحق المدح؛ لأنه تظاهر بمظهر يستحق به المدح، عبد الكريم بن أبي المخارق أبو أمية راوٍ من الضعفاء ومالك شديد في التوثيق ومع ذلك وثقه، ثم قال: "غرني بكثرة جلوسه في المسجد" وثقه بهذا، لكن الله -جل وعلا- الذي يعلم السر وأخفى يمشي عليه مثل هذه الأمور؟ المدرس قد يتوسم في طالب النجابة والذكاء وهو على خلاف ذلك، فيعطيه من الدرجات أكثر مما يستحق، وينجح بها ولا يستحق النجاح، لكن {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى} [(30) سورة النجم] أي: "عالم بهما فيجازيهما" يعني إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.
{وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [(31) سورة النجم] أي: "هو مالك لذلك" اللام للملك، هنا للملك، وتأتي لشبه الملك، القفل للباب، والجل للفرس وهكذا، {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [(31) سورة النجم] أي: "هو مالك لذلك، ومنه الضال والمهتدي" أي ملك أيضاً، وإن ضل فهو ملك لله، وإن اهتدى فهو ملك لله -جل وعلا-، وهو الذي "يضل من يشاء ويهدي من يشاء" يضل من يشاء ويهدي من يشاء، يعني كتب على الإنسان وهو جنين في بطن أمه شقي أو سعيد، وهو الذي يضل وهو الذي يهدي، بإرادته وكونه القدري، وقد طلب منه الهداية فلم يهتد، طلب منه شرعاً أن يهتدي، ولا تعارض بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية، لماذا؟ ولا ظلم ولا جبر، يضل من يشاء ويهدي من يشاء خلافاً للقدرية، خلافاً للقدرية الذين يرون أن الإنسان يستقل بإرادته ومشيئته دون أن تكون إرادته تبعاً لإرادة الله -جل وعلا- ومشيئته، القدرية النفاة للقدر، وأيضاً خلافاً للجبرية الذي يقولون: إن الإنسان من قوله: {يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء} [(93) سورة النحل] {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى} [(17) سورة الأنفال] يقولون: الإنسان مجبور، وتعذيبه ظلم، لا هذا ولا هذا، الإنسان له إرادة ومشيئة، وله حرية وله اختيار، لكنها مربوطة بإرادة الله ومشيئته، فالذي يقول: إنه كتب الله عليه الضلالة فلن يصلي ولن يصوم، ولن ليش يتعب والله كتب..؟ نقول: وما الذي يدريك أن الله كتب عليك الضلال؟ تعلم الغيب؟ وما يدريك لعل الله كتبك من المهتدين؟ فأنت الذي اخترت ترك الصلاة، ترك الصيام، ترك العبادات، فعل المنكرات، هل حاول إنسان أن يقوم إلى الميضأة فيتوضأ ثم يذهب إلى المسجد فعجز، ما في أحد حاول وعجز أبداً، له حرية وله اختيار، لكن هذه الحرية كل إنسان يدرك هذا من نفسه، يعني الجبر يستعمله في أمور الدين، يقولون: هو مجبور لا يستطيع أن يفعل، يعني من الجبرية لا من أهل السنة، معروف أهل السنة مذهبهم واضح ووسط بين القدرية النفاة وبين الجبرية، يعملون بالنصوص كلها، لكن لو أن جبرياً جاء شخصاً فضربه بحث عنه قال: أنت الذي ضربتني، قال: والله يا أخي أنا مجبور أنا ما لي حرية ولا اختيار، مجبور على ضربك، شوف الذي جبرني هو..، بحريتك واختيارك ضربت، إذن بحريتك وخيارك تركت الصلاة وتركت غيرها من الأعمال، فلا جبر، فلا جبر ولا اختيار ولا حرية إلا مربوطة باختيار الله -جل وعلا- وإرادته ومشيئته، وليست هناك خيرة مطلقاً للمكلف، {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى} [(17) سورة الأنفال] نفى الرمي وأثبته، نفى الرمي المستقل من الإنسان وأثبته، أثبت له الرمي المربوط بإرادة الله -جل وعلا-، إذ رميت، أثبت له الرمي، يعني في أحد يأخذ حجر ولا يستطيع أن يرميه؟ ما يمكن، هذا كله القدرة موجودة، يعني نعم الفرق بين القدرة بين أهل السنة والأشاعرة في القدرة..... تفصيلات هذه كثيرة جداً في المسألة.
أهل السنة يقولون: عنده قدرة مبيتة وقديمة وخلق على هذه القدرة، يعني متى شاء أخذ حجر ورماه، يقول الأشعرية: لا ما عنده قدرة، القدرة مع الفعل، يعني أخذ حجر ورماه وجدت القدرة هنا، الاستطاعة وجدت مع الفعل ما توجد قبله، وما رميت إذ رميت: ما أصبت إذ رميت يعني: إذ حفت الحجر ما أصبت، ولكن الله هو الذي أصاب؛ لأنك قد ترمي حجر فتصيب به الهدف الله الذي -جل وعلا- أصابه، بدليل أنك تأخذ حجر ثاني وترميه ما تصيب، فليست الإصابة بيدك، الرمي بيدك، لكن الإصابة ليست بيدك.
{وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [(31) سورة النجم] أي: "هو مالك لذلك، ومنه الضال والمهتدي، يضل من يشاء ويهدي من يشاء"، {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا} [(31) سورة النجم] "من شرك وغيره" بأعمالهم السيئة يجزيهم، {وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا} [(31) سورة النجم] "بالتوحيد وغيره من الطاعات" {بِالْحُسْنَى} التي هي: "الجنة" التي فيها الثواب العظيم الذي تقدم شيء منه، أي: "الجنة، وبين المحسنين بقوله.." ليجزي الذين أحسنوا من الذين أحسنوا؟ بينهم "بقوله: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} [(32) سورة النجم] يجتنبون كبائر الإثم والفواحش يعني: من عطف الخاص على العام؛ لأن الفواحش كبائر، من عطف الخاص على العام؛ للاهتمام بشأن الخاص والعناية به، وضابط الكبيرة: ما فيه حد في الدنيا أو عقوبة في الآخرة، يعني ما جاء فيه الوعيد بالنار أو لعن صاحبه، أو رتب عليه حد في الدنيا، هذه كبائر وفواحش، منها فواحش كا.. لا سيما ما يتعلق بالزنا واللواط وما أشبه ذلك كلها فواحش، {إِلَّا اللَّمَمَ} [(32) سورة النجم] هذا الاستثناء إما أن يكون متصلاً وإما أن يكون منقطعاً، فإن كان اللمم من جنس الكبائر والفواحش قلنا: استثناء متصل؛ لأن المستثنى من جنس المستثنى منه، فاللمم يكون من الكبائر، لكن يلم به ويتوب منه، يعني يزني مرة يتوب منها، يسرق مرة يتوب منها ولا يعود إليها، يشرب مرة ويتوب منها ولا يعود إليها، هذا لمم، يلم بالمعصية، يلم بالكبيرة، يلم بالفاحشة مرة، زلة، هفوة، ثم يتوب منها ويقلع عنها، هذا لمم، وحينئذٍ يكون الاستثناء متصلاً، ومنهم من يقول: إن الاستثناء منقطع، والمستثنى ليس من جنس المستثنى منه، يعني إذا قلت: قام القوم إلا زيداً استثناء متصل؛ لأن المستثنى من جنس المستثنى منه، إذا قلت: قام القوم إلا هنداً متصل وإلا منقطع؟ يعني على الخلاف في دخول النساء في القوم، لا يسخر قوم من قوم ولا نساء من نساء، فالنساء على هذا لا تدخل في القوم، وإذا قلنا: قام القوم إلا حماراً هذا الاستثناء منقطع بلا شك، فإذا كان اللمم من جنس الكبائر من جنس الفواحش، ألم به فتاب منه ولم يعد إليه قلنا: هذا لمم، وهذا أيضاً داخل في الذين أحسنوا؛ لأن التوبة بشروطها، التوبة النصوح إحسان، وإذا قلنا: إن الاستثناء منقطع فيكون اللمم من غير ما تقدم، من غير ما استثني منه، من غير الفواحش، من غير الكبائر، هو يقول: "هو صغار الذنوب" يعني ليست كبائر ولا فواحش إذن الاستثناء منقطع، "كالنظرة والقبلة واللمسة فهو استثناء منقطع والمعنى لكن اللمم يغفر باجتناب الكبائر" مراده أن الصغائر مكفرة، الصغائر مكفرة، تكفر باجتناب الكبائر {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [(31) سورة النساء] يعني الصغائر فهي مكفرة باجتناب الكبائر وبهذه الآية بهذا الاستثناء، وهي مكفرة بالصلوات الخمس، مكفرة برمضان إلى رمضان، مكفرة بالعمرة إلى العمرة، وهكذا المكفرات كثيرة.
{إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} [(32) سورة النجم] واسع المغفرة: حيث يغفر هذا اللمم وهذه الصغائر ولو لم يتب منها بل بمجرد اجتناب الكبائر، مجرد فعل الطاعات مع سعة رحمة الله -جل وعلا- ومغفرته، وإلا فالأصل أن الإنسان محاسب بما يعمل مجزي به حتى الصغائر، لكن {إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} [(32) سورة النجم] "بذلك وبقبول التوبة, ونزل فيمن كان يقول: صلاتنا، صيامنا، حجنا" يعني الذي في المجالس يتحدث: أنا والله صليت، أقوم الليل، أصوم النهار، أحج، أفعل، أترك، أتصدق، نزل في مثل هذا قول الله -جل وعلا-: {هُوَ أَعْلَمُ} [(32) سورة النجم] هو أعلم: يقول المفسر: "أي: عالم" لماذا؟ {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ} [(32) سورة النجم] يقول: أعلم بمعنى: عالم، أعلم أفعل تفضيل لماذا لا تبقى على بابها؟ وعالم ما فيها تفضيل ولا فيها مبالغة ولا فيها شيء من ذلك؛ لأن أفعل التفضيل تأتي لاثنين اشتركا في وصف أو أكثر، اشتركا في وصف فاق أحدهما الآخر في ذلك الوصف، يعني اشتركا في الوصف، إذا قلنا: أعلم أفعل تفضيل وهي على بابها أثبتنا أن مع الله -جل وعلا- من يعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض، يعلم مع الله -جل وعلا-، لكن الله -جل وعلا- فاق هذا الذي يعلم، لكن قالوا: عالم من أجل ألا يشاركه أحد؛ لأن أفعل التفضيل هذا مقتضاها، إذا قلنا: إنها على بابها قلنا: إنه يوجد من يشترك مع الله -جل وعلا- في العلم بمن أنشأ، أو بما أنشأ، أو إذ أنشأ يوجد من يشارك الله -جل وعلا- في هذه الصفة، لكن الله -جل وعلا- أعلم منه، ولذلك قال المفسر: {هُوَ أَعْلَمُ} [(32) سورة النجم] "أي: عالم" {بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ} [(32) سورة النجم] "أي: خلق أباكم" أنشأكم يعني أنشأ أصلكم من الأرض "أي: خلق أباكم آدم من التراب" أنشأكم من الأرض يعني: من التراب، خلق آدم من تراب بلا شك، والأرض والتراب يطلق ويراد بهما شيء واحد، وإن كان التراب جنس خاص مما يعلو على الأرض، {إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ} [(32) سورة النجم] "أي: خلق أباكم آدم من التراب"، {وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} [(32) سورة النجم] أجنة: "جمع جنين" جمع جنين سمي بذلك لاجتنانه واستتاره في بطن أمه، ومن ذلك الجنة مستورة عن الأنظار الآن، وهي أيضاً تجن من دخلها تخفيه وتستره، والجن مستترون عن أعين الناس، إذ أنتم أجنة والمجن الذي يلبسه المحارب لأنه يستره، {وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ} [(32) سورة النجم] "جمع جنين" {فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} الله -جل وعلا- ما يحتاج أن تقول: فعلت، وفعلت وفعلت، هل تظن أنك فعلت شيئاً يبي يفوت عليك؟ ما يكتب في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [(18) سورة ق] يعني كأنه بهذا يذكر الله -جل وعلا- يقول: صمنا صلينا، فإما أن يكون هذا أو يكون يقصد به الرياء عند من يسمعهم هذا الكلام، لا تزكي نفسك، الله -جل وعلا- الذي يعلم بك، إذ أنشأك من الأرض، أنشأ أصلك من التراب، {وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} [(32) سورة النجم] في البطون يعلم بك فكيف لا يعلم عملك الظاهر؟ {قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ} [(16) سورة الحجرات] وبهذا رد على من يجهر بالنية؛ لأن الله -جل وعلا- أعلم بك وأنت في بطن أمك، فكيف لا يعلم بصلاتك التي تؤديها بين يديه -جل وعلا-؟!
{فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ} [(32) سورة النجم] يعني: لا تمدحوها "لا تمدحوها على سبيل الإعجاب" نحن فعلنا، نحن تركنا، لا؛ لأن حب المدح والثناء هذا قدح في الإخلاص، قدح في الإخلاص، وابن القيم -رحمه الله تعالى- يقول في كتاب الفوائد: "إذا حدثتك نفسك بالإخلاص فاعمد إلى حب المدح والثناء بسكين علمك أنه لا أحد مدحه ينفع ولا ذمه يضر إلا الله -جل وعلا-" ما في أحد ينفع مدحه ولا يضر إلا الله -جل علا-، فكيف تعرض نفسك تبدي ما فعلته لله -جل وعلا- مخلصاً فيه ثم بعد ذلك تنشره أمام الناس ليمدحوك؟! وإن كان بعض أهل العلم يستنبط من قول الله -جل وعلا-: {وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ} [(188) سورة آل عمران] أن محبة المدح بما يفعله الإنسان لا يدخل في الذم، لكن يبقى أنه لا بد أن يخدش في الإخلاص، إذا ذكر ذلك على سبيل الإعجاب لا بد أن يقدح في الإخلاص، يقول: "لا تمدحوها أي على سبيل الإعجاب، وأما على سبيل الاعتراف بالنعمة فحسن" يعني إذا أردت أن تبين للناس أن الله -جل وعلا- وفقك ويسر لك الحج ما في إشكال، يعني على سبيل الاعتراف بالنعمة، يسر لك مثلاً كتاب كذا الذي تستعين به على فهم العلم، يسر لك شيء من أمورك التي تنفعك، لا شك أن هذا لا بأس به، قالوا: هذا من التحدث بالنعمة، أما المحذور تزكية النفس بالتحدث بما فيها، أو بما فعله الإنسان من خير على سبيل الإعجاب.
والعجب فاحذره إن العجب مجترفٌ |
|
أعمال صاحبه في سيله العرمِ |
{هُوَ أَعْلَمُ} [(32) سورة النجم] أي: "عالم" أيضاً، هو أعلم أي: عالم، {بِمَنِ اتَّقَى} [(32) سورة النجم] بمن اتقاه وجعل بينه وبين عذابه وقاية بفعل المأمورات وترك المحظورات، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
هو الخبر عن ابن عمر في الصحيح في البخاري أنه أثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- اعتمر في رجب، في صحيح البخاري، وردت عليه عائشة -رضي الله عنها-، وقالت: "يرحم الله أبا عبد الرحمن، ما اعتمر النبي -عليه الصلاة والسلام- في رجب، ولا اعتمر النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا وابن عمر معه" يعني شهد العمر الأربع مع النبي -عليه الصلاة والسلام- وليس منها واحدة في رجب.
على كل حال الجد أب، في النصوص الجد أب، والآية التي يستدل بها أهل العلم على أن الأب من الذرية والمراد به أب بعيد فهو جد، {أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} [(41) سورة يــس] أجداد قدامى.
يقول: أقصد هل يلحق الجد بابن الابن والعكس؟
هذا الظاهر، وهو الذي تدل عليه الآية، التي يستدل بها أهل العلم على أن الوالد يلحق بولده.
صحيح، وهذا ذكره المفسرون أن التدلي قبل، والدنو نتيجة لهذا التدلي، لكنهم يقولون: إذا كان المعنى واحد لا يتغير سواءً قلنا: هذا أو ذاك فيجوز التقديم ويجوز التأخير على حد سواء، كما تقول: ضربني فأساء، أكرمني فأحس، أحسن فأكرمني، أساء فضربني، ما في فرق، إذا كان المعنى متحد، من الأمثلة الآن التي يفهمها كثير من الناس وهذا يذكر لمزيد الإيضاح، يقول: لو قيل لك: اربط حزام الأمان، أو احزم رباط الأمان في فرق وإلا ما في فرق؟ في فرق؟ المعنى واحد سواءً قدمت وإلا أخرت، ضربني فأساء، أو أساء فضربني ما في فرق، ولذلك قالوا: إن قوله: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} [(8) سورة النجم] ما في فرق بينه أن يقال: تدلى فدنا أو العكس؛ لأن المعنى واحد، مثل ضربني فأساء أو أساء فضربني، أكرمني فأحسن أحسن فأكرمني، ما في فرق قدمت أو أخرت، ومثل المثال الذي ذكرناه لأن المعنى ما يختلف.
أولاً: الإسرائيليات ما يروى عن بني إسرائيل من اليهود والنصارى، مما جاء فيه قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج)) وعند البزار: ((فإن فيهم الأعاجيب)) والحديث عن بني إسرائيل لا حرج فيه إذا لم يرد شرعنا بخلافه، ولم يكن مناقضاً ومخالفاً لما جاء في شرعنا؛ لأن ما يذكر عن بني إسرائيل إما أن يوافق ما عندنا فهذا يذكر والعبرة بما جاء في شرعنا، أو يكون مخالفاً لما جاء في شرعنا فمثل هذا لا يذكر إلا من أجل التنبيه عليه، أو يكون لا موافقة ولا مخالفة، ليس في شرعنا ما يشهد له وليس فيه أيضاً ما يعارضه ويناقضه فهذا هو الذي فيه الكلام، وفيه ((حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج)) شريطة ألا ينشغل المسلم بهذه الإسرائيليات عما هو أهم منها، ونجد كثيراً من المفسرين أكثروا واستطردوا من ذكر الإسرائيليات في تفاسيرهم، لا مانع أن يذكر منها شيء يسير للعبرة والاتعاظ؛ لأن فيها شيء من الأعاجيب، وفيها شيء من الاعتبار والادكار، لا مانع من ذلك، لكن يستطرد فيها، ويستوعب ما جاء في ذلك، بحيث يكون على حساب فهم القرآن الفهم الصحيح، ويكون على حساب ما نقل عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وعن صحابته الكرام، وعن التابعين لهم بإحسان في معنى الآيات، أقول: لا مانع أن يذكر منها الشيء الذي لا يرده نقل ولا عقل، ومع الأسف أن بعض المفسرين حشا تفسيره بكثير من الإسرائيليات التي تردها العقول الصحيحة الصريحة، فضلاً عن النقول الصحيحة، وبعض المفسرين اشترط ألا يذكر شيئاً من الإسرائيليات كالقرطبي ومع ذلكم ذكر؛ لأن بعض القصص تفرض نفسها، تتابع المفسرون على نقلها، ثم بعد ذلك يجد الإنسان نفسه ملزم، هذا إذا لم يكن حازم عند تطبيق شرطه ينساق وراء ما ذكره أهل العلم في هذا المجال، المقصود أن الإسرائيليات لا مانع من التحديث بها إذا لم تكن مخالفة ومناقضة لما جاء في شرعنا، ولا تكون على حساب الصحيح من التفسير المرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- أو إلى الصحابة والتابعين لهم بإحسان، الذين هم سلف هذه الأمة وأئمتها.
يقول: وهل صحيح أن من وضع الإسرائيليات هو كعب الأحبار؟
هذا ليس بصحيح، إنما كعب ناقل، وليس بواضع ولا كذاب، يعني أحياناً قد يخطئ وينقل ما لا يثبت، والخطأ في لغة قريش يسمونه كذب، فهو كذب من هذه الحيثية باعتبار أنه أخطأ في نقل ما لم يثبت، وإلا فليس هو من الكذابين الوضاعين.
قال: وهل هو ممن كان يدس في الإسلام؟
لا، ليس من هذا النوع، وإن جاء فيما ينقل عنه ما لا يثبت، والله أعلم.
أما بالنسبة للشيخ أحمد شاكر وأبوه القاضي محمد شاكر وكيل المشيخة، على كل حال الأب معروف متميز محمد ما له سمي، والشيخ أحمد كذلك المحدث البارع المعاصر المصري أحمد شاكر معروف أيضاً لا يلتبس بغيره، محمود أخوه الكبير محمود شاكر أيضاً معروف له يد في تحقيق الكتب سواءً كانت الشرعية أو اللغوية والأدبية، وله يد أيضاً طولى في التاريخ يشبهه أيضاً آخر اسمه: محمود شاكر، الأول: شقيق الشيخ أحمد هذا مصري، هذا مصري توفي من سنين قريبة يعني من خمس أو ست سنوات، محقق بارع يعني في تحقيق الكتب، وفي محمود شاكر الحرستاني هذا معاصر موجود شامي، فهذا له كتب أيضاً في التاريخ الإسلامي، وفي مواطن الشعوب الإسلامية يعني في الجغرافيا، وأيضاً مجود الرجل يعني ما..، لكن ليس مثل محمود شاكر شقيق الشيخ أحمد، لكنه جيد، كتبه نافعة.
أولاً: النزاع في مسألة صلاة الإحرام معروف بين أهل العلم، والنبي -عليه الصلاة والسلام- عقد الإحرام بعد الصلاة، بعد الصلاة عقد الإحرام، لكنها صلاة فريضة، بهذا يستدل من يقول: إن الإحرام إنما يكون بعد صلاة، فإن كانت فريضة فبها ونعمت، وإن لم تكن فريضة فيصلى ركعتين، ويشهد لهذا ما جاء في الحديث من قوله: ((صل في هذا الوادي المبارك، وقل)) فرتب القول والدخول في الإحرام على الصلاة، يعني بعد الصلاة، وهذه حجة قوية لمن يقول بركعتي الإحرام قبله، ومنهم من يقول: إنه إنما صلاها بعد الفريضة، ولم تكن هناك سنة للإحرام ثابتة مستقلة، وعلى كل حال إذا صلى قبل الإحرام سواءً كانت فريضة أو نافلة فقد أحسن، ومن ترك فلا شيء عليه.
أولاً: أفضل طبعاته الطبعة التونسية، وطبع منه مجلدان في مطبعة الحلبي بمصر، ثم أكمل طبعه في تونس، وصورت جميعاً طبعة الحلبي الجزأين الأول والثاني، وطبعة تونس أيضاً صورت أخيراً، وتداول الناس المصور، والكتاب كتاب لا شك أنه مفيد جداً لطالب العلم يعنى بالنواحي اللغوية والبلاغية، ومكث في تأليفه أكثر من أربعين عاماً، حتى حرره وأتقنه وجوده، فالكتاب لا سيما فيما يتعلق بعلم المعاني والبيان متميز، يستفيد منه طالب العلم.
يقول: بعض الناس تجده قد يلزم نفسه بالاستغفار أو التسبيح في اليوم عشرة آلاف مرة يقل أو يزيد، كل على حسب حاله، وكل ذلك من باب تعويد النفس وتربيتها على مداومة ذكر الله تعالى، في كل وقت وحين هل يدخل في باب البدعة وتخصيص ما لم يخصصه النبي -عليه الصلاة والسلام-، أفيدونا؟
نعم، جاء عن أبي هريرة أنه كان يسبح في كل يوم اثنتي عشر ألف تسبيحة بقدر الدية من الدراهم، ويرى أنها فكاك نفسه، هذا إن صح عنه.
وعلى كل حال التحديد بعدد معين لم يرد به نص هذا لا شك أنه داخل في حيز الابتداع، لكن على الإنسان أن يكون لسانه رطباً بذكر الله من دون عدد، من دون عدد معين، ولا وقت محدد، إلا ما جاء التحديد به من قبل الشرع.
يعني ما دام وصل إلى السند الرباعي لماذا لا يسندها من مصنف الكتاب الذي عزيت إليه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، يعني أحاديث العمدة يذكر أسانيدها من البخاري ومسلم إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- رباعية أو خماسية، يعني لو زاد راوي أو راويين بحيث يضمن سند الصحيح، ولا يقتصر على بعضه دون بعض، مع أن الاقتصار على البعض فيه فائدة، ما يسلم من فائدة لطالب العلم؛ لأن العناية بالأسماء أسماء الرواة، العناية بالأسانيد وحفظها، يستفيد منها طالب العلم فائدة كبيرة؛ لأنه إذا عرف أن هذا الراوي من رواة البخاري يرتاح في نقده في جرحه وتعديله إذا مر عليه بسند من كتاب لم تشترط فيه الصحة، فإذا عزي الحديث إلى البخاري يذكر سند البخاري، عزي الحديث إلى مسلم يذكر سند مسلم، إلى أبي داود يذكر سند أبي داود، وإن اقتصر على البعض فكله خير، كله نافع.
أولاً: الدف ما جاء إلا في العرس، جاء في العرس فقط، وهو خاص بالنساء، وليس من شأن الرجال، وليس من شأن الرجال، وهو خلاف الأصل فيقتصر فيه على مورد النص، وعلى الرجل -الذي يعتبر نفسه رجلاً- أن يربأ بنفسه عن مثل هذه التفاهات.
إذا كانت الحافظة تسعفه بحيث ينجز حفظ القرآن في مدة قصيرة فهذا أولى ما يعنى به طالب العلم ليضمن حفظ القرآن؛ لأنه كلما تقدمت به السن وكثرت عليه المشاغل فإنه يصعب عليه حينئذٍ حفظ القرآن، ولو حفظه بعد تقدم سنه فإنه يصعب عليه استحضاره في أوقات الحاجة، بخلاف ما إذا حفظ وهو صغير، يصعب عليه الاستنباط منه والاستدلال به والاستشهاد به في أوقات الحاجة إذا حفظه في الكبر، أما إذا حفظه في الصغر فإنه يذلل به لسانه ويستحضره متى شاء، لا سيما إذا عود نفسه على فهم القرآن والاستنباط من القرآن، فإن كانت حافظته لا تسعف بحيث يفوته الوقت وهو يعاني من حفظ القرآن، ثم بعد ذلك يضيع عليه وقت التحصيل، فمثل هذا يحفظ القرآن بالتدريج، يعني في كل يوم يحفظ آيتين ثلاث بقدر حافظته، وينظر في المتون الأخرى، ذكرنا مراراً أن طريقة المغاربة تختلف عن طريقة المشارقة في هذا، فالمغاربة يضمنون حفظ القرآن قبل كل شيء، يضمنون حفظ القرآن قبل كل شيء، ما يدخلون عليه أي علم من العلوم، وهذا لا شك أنه مكسب لطالب العلم إذا ضمن حفظ القرآن، ولو لم يقدر له علم، ولو عاش عامياً بعد أن ضمن حفظ القرآن، فهو على خير كثير، وطريقة المشارقة يحفظون القرآن بالتدريج، يحفظون القرآن بالتدريج، ويحفظون معه علوم أخرى من صغار العلم، في مرحلة المبتدئين، كتب المبتدئين، ثم المتوسطين وهكذا.
نعم في موقف من المواقف ذكر عن ابن حزم كلام قبيح شنيع، فكأن الشيخ ما ارتاح إلى الترحم عليه، بل قال فيه كلاماً شديداً، ولا شك أن ابن حزم في مسائل الاعتقاد عنده خلل كبير، خلل كبير في مجال الاعتقاد، وعنده أيضاً في باب الفروع العملية، عنده أيضاً عدم القول بالقياس واتباع الظاهر، هذا أيضاً خلل في مسألة التفقه، والذي يضر به أكثر هو مخالفاته العقدية، مخالفاته العقدية، ومن أقواله قوله القبيح في القرآن وإنه ليس عندنا قرآن واحد ولا اثنين ولا ثلاثة عندنا أربعة قرآنات، فهذا نسأل الله العافية ضلال كبير هذا، هذا لم يسبق إليه، وعلى كل حال عنده مخالفات، لكن عامة أهل العلم على أنه من..، هذه البدع لا تخرجه عن دائرة الإسلام، بل بعضهم يحسن الظن به كثيراً، ويرى عنده من تعظيم النصوص ما لا يوجد نظيره أو قريب منه عند كثير من أهل العلم.
طالب العلم لا شك أنه يختلف مستواه من مبتدئ إلى متوسط إلى متقدم ومنتهي، فإن كان من المبتدئين فلا يستطيع أن يقرأ شروح بمفرده إلا بإعانة شيخ يقرأه عليه ويوضحه له، أو بسماع شروح المشايخ المعاصرين الذين يشرحون لطلاب العلم بلغة العصر التي يفهمها الطلاب، أما شروح المتقدمين فلا بد لها من شيخ، إذا كان الطالب في مرحلة متوسطة من المتوسطين فإنه يستطيع أن يقرأ الشروح بمفرده لا سيما الشروح السهلة الميسرة، والطالب المتوسط الآن يستطيع أن يقرأ كتب الشيخ ابن سعدي، وكتب الشيخ ابن عثيمين، وكتب شيوخنا المعاصرين، كتب الشيخ ابن باز، والشيخ صالح الفوزان وغيرهم، يستطيع أن يقرأها بسهولة طالب العلم المتوسط ويستفيد منها، وقد شرحوا كتب العلم فيستفيد منها بنفسه، هذه لا تحتاج إلى شيخ، يعني ما كان طلاب العلم يتطاولون على زاد المستقنع بدون شيخ، الآن بعد الشرح الممتع كل طالب علم يستطيع أن يقرأ ويفهم؛ لأن الشيخ -رحمه الله- بطريقته التي سببها الفهم الدقيق لهذا العلم؛ لأن بعض الناس يشرح وكأنه ما أضاف شيء، يعني يشرح بطريقة العلماء المتقدمين، يعني يفهم كلام أهل العلم ويلقيه على طلابه، هذا ما فيه تجديد، بينما الشيخ ابن عثيمين -رحمة الله عليه- فهم كلام المتقدمين، وهضم شروح المتقدمين ثم بسطها لطلاب العلم بطريقته الخاصة المتميزة، بأسلوبه وفصاحته وبيانه المعروف -رحمة الله علينا وعليه-.
جاء في الحديث: ((سبعة يظلهم الله في ظله)) يظلهم الله في ظله، والحديث ثابت بلا إشكال، فتثبت هذه الصفة لله -جل وعلا-، وصفة الشخص جاء أيضاً: ((لا شخص أغير من الله)).
هذا يتحدث به الكفار، ويتحدث به المسلمون أيضاً، وقديماً اختلف في هذا هل هو مما يدرك بالحساب أو لا يدرك بالحساب؟ فالذي يراه ابن العربي وجمع من أهل العلم أنه من ادعاء علم الغيب، فتنبؤه والكلام فيه قبل وقوعه من المحرمات، شديد التحريم؛ لأنها من ادعاء علم الغيب وضرب من الكهانة، وكثير من أهل العلم أيضاً في المقابل يرون أنه مما يدرك بالحساب، أنه مما يدرك بالحساب، ولا شك أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله كما جاء في الحديث الصحيح: ((يخوف بهما عباده)) وكان الناس يخافون من تغير هذه التي أجراها الله -جل وعلا- على سنن ثابتة يخافون خوفاً شديداً، والنبي -عليه الصلاة والسلام- خرج يجر رداءه، يظنها الساعة، وأسماء -رضي الله عنها- أصابها الغشي، لما رأت الناس يصلون فاستفهمت من عائشة فأشارت عائشة إلى السماء، فقالت: آية؟ فأشارت برأسها: أن نعم، فأصابها الغشي، فأغمي عليها ورشت بالماء ،كل هذا من شدة الخوف من الله -جل وعلا-، وهذا لا شك أنه ضعف، بعد إخبار الناس بالوقوع بالكسوف قبل وقوعه صار أمر عادي عند الناس لا يؤثر فيهم، ولا يحرك ساكناً، ولا شك أن الإخبار به قبل وقوعه سبب لإذهاب هذا الخوف وهذه الخشية، ولو كان مما يدرك بالحساب يترك، قد يقول بعض الناس: إن الناس مع اتساع المدن والأنوار والجلبة والصخب الذي يحصل من الناس في الليل قد لا ينتبهون له، يكسف القمر أو يخسف القمر وينتهي وما شعر الناس به، نقول: الأمر كذلك، لكن ينبغي أن يكون المسلم مرتبط بربه، فإذا رأى هذه الآية فليفزع إلى الصلاة، ويحصل منه ما يحصل، ولو قدر أنه علم قبل ذلك ينبغي بل عليه أن يخاف ما الذي يضمن له أن ترجع هذه الآية إلى ما كانت عليه، وما الذي يؤمنه أن يصاحب هذه الآية من المتغيرات التي يتضرر بها هو وغيره، ويحصل كثيراً مع الكسوف ومع الخسوف أمور أشياء آيات أخرى يموت بسببها أناس، يموت بسببها أناس، ويصاب بعض الأموال، وبعض البلدان بكوارث من جرائها، حصل أنهم استهتروا بها في ما مضى في الماضي القريب وحصل وصاحبها أمور تضرر بها كثير من الناس.
كغيره مما يتزين به، فإن كانت المرأة تتزين به للرجال الأجانب فهذا لا يجوز، ولا يجوز إبداؤه، ولا إخراج..، إبداء الزينة لغير الزوج، وإن كان لزوجها فلا مانع، كغيره مما يتزين به النساء؛ لأن مسألة التشبه كانت في أول الأمر يعني لما ورد الأمر من الكفار، أول من اقتدى بهم ونظر إليهم تشبه، لكن الناس اليوم بعد أن تواطئوا وتوارثوا هذه الأمور فإنها انتفت صفة التشبه عنها، يبقى مسألة أنها خلاف للخلقة التي خلق الله الناس عليها والفطرة، وجاء في صحيح مسلم ما يدل على أن هذا الصنيع لبس الكعب بالنسبة للنساء إنما هو..، إنما ابتدأه امرأة بغي من اليهود من بني إسرائيل، يعني رأت أن الرجال لا ينظرون إليها فصنعت هذا الكعب.
الأصل أن المنفرد صلاته سر، والجهر إنما هو للمأموم، للإمام ليسمع المأموم، وانتفت هذه العلة فتعود المسألة إلى السر، مع أنه لو كان صوته بين السر والجهر لكان أفضل، {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا} [(110) سورة الإسراء].