الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي (10)

بسم الله الرحمن الرحيم...

كأن المؤذن فهم من كلام الإمام أن الإقامة تؤخَّر عشر دقائق يعني من مقتضاها تأخير الأذان الظاهر أنه فهم هذا لأنه قبل أمس ما جاء إلا بعد عشر دقائق واليوم الظاهر.. ما الذي تقوله يا عبد الرحمن؟ ما هو كأنه فهم هذا؟

نعم يا سليمان.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين واعصمنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن برحمتك يا أرحم الراحمين.

أما بعد:

قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه الجواب الكافي:

"والصواب أن هاهنا قسما ثالثا غير ما ذكره السائل وهو أن هذا المقدَّر قُدِّر بأسباب ومن أسبابه الدعاء فلم يقدَّر.."

أصل المسألة سؤال مشهور وهو أن الأمر المدعو به إن كان مكتوبا فلا حاجة للدعاء وإن كان غير مكتوب إن كان مكتوبا فلا بد من حصوله دعا الإنسان أو لم يدع وإن كان غير مكتوب فلن يحصل دعا الإنسان أو لم يدع فلا حاجة للدعاء ولذا قال بعضهم لا حاجة للدعاء ولا يدعو فرقة أكيس من أولئك وأفطن قالوا نعم الدعاء لا حاجة له لكن الله جعله علامة جعله علامة نصبها أمارة على قضاء الحاجة هناك أصل السؤال ومن قال به يرون أن الدعاء ليس بحكم أصلا لا حكم له أصلا في الشرع لا تكليفي ولا وضعي الطائفة الثانية قالوا لا، أنه من باب الأحكام الوضعية مجرد نصب علامة مثل زوال الشمس لدخول وقت صلاة الظهر لكن القسم الثالث وهم الذين وفقوا يرون أن الدعاء حكمه وضعي تنتابه الأحكام تنتابه الأحكام التكليفية ما هو وضعي تنتابه الأحكامه التكليفية فإن دعا مخلصا لله جل وعلا لم يدع بإثم ولا قطيعة رحم ولا تعدى أُجِر على هذا الدعاء وأجيبت دعوته إن سلم من الموانع وإن دعا بإثم أو قطيعة رحم أَثِم وهكذا فهو من باب الأحكام التكليفية.

والصواب..

"والصواب أن هاهنا قسما ثالثا غير ما ذكره السائل وهو أن هذا المقدَّر قُدِّر بأسباب ومن أسبابه الدعاء.."

الدعاء ذاته مطلوب {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [سورة غافر:60] فباعتباره مطلوب فحكمه تكليفي وباعتبار ما يترتب عليه من إجابة وهو أنه سبب من الأسباب قد يتخلف أثره لوجود مانع فباعتباره سبب حكم وضعي وباعتباره..

طالب: ........

لا، هو باعتباره مطلوب {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [سورة غافر:60] مأمور به تكليفي رتب عليه الثواب رتب على الدعاء على النفس أو على المال أو على الأهل باعتبار أنه منهي عنه العقاب فباعتباره مأمور به مأمور ببعض أفراده منهي عن بعضها هو حكم تكليفي وباعتبار ما يترتب عليه من إجابة هو مجرد سبب هو مجرد سبب قد تترتب عليه آثاره إذا توافرت معه بقية الأسباب وانتفت الموانع وقد لا تترتب عليه آثار فلا تجاب الدعوة لوجود مانع لوجود مانع وقد يجاب الإنسان يجاب الدعاء بغير ما سأل على ما تقدم فإما أن يعطى أفضل مما سأل أو يعطى ما سأل أو يدخر له في القيامة أو يصرف عنه من الشر ما هو أعظم منه.

"فلم يُقَدَّر مجردا عن سببه ولكن قُدر بسببه فمتى أتى العبد بالسبب وقع المقدور ومتى لم يأت بالسبب انتفى المقدور."

فهو سبب من الأسباب تحصل الإجابة به لأنه سبب والسبب عند أهل السنة مؤثِّر والتأثير الذي جعله الله جل وعلا فيه لا نقول إنه لا أثر له كما يقول بعض الطوائف كالأشعرية أو نقول إنه مؤثر بذاته مستقل بالتأثير كما تقول المعتزلة وذلك مثل الري والشبع والنكاح لتحصيل الولد الذي يقول إن الدعاء لا ينفع لأنه إن كان مقدَّر فهو بيحصل وإن كان غير مقدر لن يحصل هل يقول مثل هذا بالنسبة للولد؟! إن كان مقدر لك ولد ما له تتزوج ما يصلح يقول هذا عاقل؟! ما يمكن أن يقوله عاقل فالدعاء سبب من الأسباب كالنكاح بالنسبة للولد لكن قد يتزوج ولا ينجب تخلف أثره ومثل الري والشبع بالنسبة للأكل والشرب يحصل الري بالشرب ويحصل الشبع بالأكل ولا نقول إنه يحصل عنده لا به كما تقول الأشعرية الذين يرون أنه لا أثر لهذا السبب يعني وجوده مثل عدمه يعني مثل ما قاله الطائفة التي قبل هذه.

"وهذا كما قُدِّر الشبع والري بالأكل والشرب وقُدِّر الولد بالوطء وقُدِّر حصول الزرع بالبذر وقُدِّر خروج نفس الحيوان بالذبح وكذلك قدر دخول الجنة بالأعمال ودخول النار بالأعمال."

نعم يعني العمل الصالح سبب لدخول الجنة هو مجرد سبب قد يتخلف أثره لوجود مانع {ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [سورة النحل:32] مع قوله -عليه الصلاة والسلام- «لن يُدخِل أحدَكم عمله الجنة» قالوا ولا أنت يا رسول الله؟ قال «ولا أنا» لأن هذا سبب «إلا أن يتغمدني الله برحمته».

الله المستعان.. أذِّن..

"وهذا القسم هو الحق وهو الذي حرمه السائل ولم يوفق له وحينئذ الدعاء من أقوى الأسباب فإذا قُدِّر وقوع المدعو به بالدعاء لم يصح أن يقال لا فائدة في الدعاء كما لا يقال لا فائدة في الأكل والشرب وجميع الحركات والأعمال."

نعم العمر محدد يعيش فلان سبعين سنة مكتوب ومفروغ منه لو قال إنسان أنا مقدر لي أن أعيش سبعين سنة أكلت والا ما أكلت الأكل سبب ومادام مقدَّر ما ينفع الأكل ما الفائدة؟! مثل نظير ما قيل في الولد إذا كان مكتوب ليش تتزوج يقال هذا مجنون الذي يقول هذا الكلام مجنون لا شك أن كونه مكتوب له أن يعيش يعيش بهذا السبب الذي جعله الله جل وعلا سبب وما يدريه أنه كتب له ولد أو لم يكتب له ما الذي يدريه أنه يعيش كذا أو ما يعيش عليه أن يباشر ما أمر به من الأسباب هذه الأسباب قد يترتب عليها آثار وقد يأكل أكل لا ينفعه بل يضره وقد يتزوج ولا ينجب له وقد يدعو ولا تستجاب دعوته وقد يتعبد سبعين سنة حتى ما يكون بينه وبين الجنة إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب السابق فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها الأعمال سبب.

"وليس شيء من الأسباب أنفع من الدعاء ولا أبلغ في حصول المطلوب ولما كان الصحابة رضي الله عنهم أعلم الأمة بالله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- وأفقههم في دينه كانوا أقوم بهذا السبب وشروطه وآدابه من غيرهم وكان..."

وقدوتهم ومقدمهم قدوة الجميع محمد -عليه الصلاة والسلام- أعلم الناس وأخشى الناس وأتقاهم لله باشر هذا السبب على أكمل وجه.

"وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستنصر به على عدوه وكان أعظم جنده وكان يقول لأصحابه لستم تنصرون بكثرة وإنما تنصرون من السماء وكان يقول إني لا أحمل هم الإجابة ولكن هم الدعاء فإذا ألهمتم الدعاء فإن الإجابة معه وأخذ الشاعر هذا المعنى فنظمه فقال:

لو لم ترد نيل ما أرجو وأطلبه

 

من جود كفيك ما عودتني الطلب

فمن ألهم الدعاء فقد أريد به الإجابة فإن الله سبحانه يقول {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [سورة غافر:60] وقال تعالى {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [سورة البقرة:186] وفي سنن ابن ماجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «من لم يسأل الله يغضب عليه» وهذا يدل على أن رضاه في سؤاله وطاعته وإذا رضي الرب تبارك وتعالى فكل خير في رضاه كما أن كل بلاء ومعصية في غضبه وقد ذكر..."

على المسلم أن يتعرض للبحث عن هذه الأسباب والعمل بما يرضي الله جل وعلا فإذا رضي بارك في الجهد وبارك في النفس وفي المال وفي الولد وإذا غضب محقت هذه البركات ولم توجَد وكما سيأتي في الأثر إذا غضب لعن.

"وقد ذكر الإمام أحمد في كتاب الزهد أثرا: أنا الله لا إله إلا أنا إذا رضيت باركت وليس لبركتي منتهى وإذا غضبت لعنت ولعنتي تبلغ السابع من الولد. ولقد دل العقل والنقل والفطرة وتجارب..."

مخرَّج الخبر؟

لا، قال هو في الزهد بس.

ما حكم عليه..؟

لا.

عفا الله عنك.

"ولقد دل العقل والنقل والفطرة وتجارب الأمم على اختلاف أجناسها ومللها ونحلها على أن التقرُّب إلى رب العالمين وطلب مرضاته وطلب مرضاته والبر والإحسان إلى خلقه من أعظم الأسباب الجالبة لكل خير وأضداد.."

من أعظم أسباب انشراح الصدر.

"وأضدادها من أكبر الأسباب الجالبة لكل شر فما استجلبت نعم الله تعالى واستدفعت نقمته بمثل طاعته والتقرب إليه والإحسان.."

ومن أعظم ما يتقرب به الذكر اللهَج بالذكر والشكر ولزوم الاستغفار والانكسار بين يدي الله جل وعلا من أعظم ما يتقرب به.

طالب: ........

حسن هذا «جعل الله له..» «من لزم الاستغفار..» نعم حسن.

"واستدفعت نقمته بمثل طاعته والتقرب إليه والإحسان إلى خلقه وقد رتب الله سبحانه حصول الخيرات في الدنيا والآخرة وحصول الشرور في الدنيا والآخرة في كتابه على الأعمال ترتب الجزاء على الشرط والمعلول على العلة والمسبَّب على السبب وهذا في القرآن يزيد على ألف موضع فتارة يرتِّب الحكم الخبري الكوني.."

الجزاء يرتِّب الجزاء على الحكم الكوني.. تارة يرتِّب الجزاء على الحكم الكوني..

"على الحكم الخبري الكوني كذا؟

مكتوب كذا فتارة..

فتارة يرتب.. الذي عندي فتارة يرتب الحكم الخبري الكوني والأمر الشرعي على الوصف المناسب له.. كذا؟

عندنا فتارة يرتب الجزاء على الحكم الكوني لكن ما يظهر لأن الاستدلال كقوله {فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً} [سورة الأعراف:166] ترتيب للحكم الكوني على مخالفة الأمر الشرعي وهو في الوقت نفسه الحكم الكوني هذا وهو كون تكوينهم قردة مسخهم إلى قردة جزاء لأفعالهم فالمعنى محتمل.

"فتارة..

عفا الله عنك.

فتارة يرتِّب الجزاء على الكوني والأمر الشرعي على الوصف المناسب له كقوله تعالى {فَلَمَّا عَتَوْاْ} [سورة الأعراف:166].."

ما تجي على على مرتين على ما تجي مرتين يرتب على كذا على كذا ما تجي فإما أن يرتِّب الجزاء الجزاء الذي هو الحكم الكوني يعني على مخالفة الأمر الشرعي كونوا قردة أمر تكوين هذا وكونه كوني وإن كان مرتَّبًا على أمر على مخالفة أمر شرعي يعني باعتباره سنة إلهية لا تتغير ولا تتبدل كل من خالف يجازى كل من تولى يستبدل ومآل الأمم السابقة المكذِّبة معروف وهذه سنن إلهية لا تتغير ولا تتبدل ولم يستثن من الأمم كلها بعد أن حقت عليهم كلمة العذاب ونزل بهم إلا قوم يونس وإلا بقية الأمم السنن جارية.

"فتارة يرتِّب الجزاء الكوني والأمر الشرعي على الوصف المناسب له كقوله تعالى {فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [سورة الأعراف:166] وقوله {فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ} [سورة الزخرف:55] وقوله {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا} [سورة المائدة:38] وقوله تعالى {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ} [سورة الأحزاب:35].."

يرتب الحكم على وصف مناسب على وصف مناسب مؤثر والقطع رتب على السرقة إعداد المغفرة والأجر العظيم رتب على هذه الأوصاف المتعاطفة في سورة الأحزاب.

"وقوله تعالى {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيمَا} [سورة الأحزاب:35] وهذا كثير جدًّا وتارة يرتِّبه عليه بصيغة الشرط والجزاء كقوله تعالى {إن تَتَّقُواْ اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} [سورة الأنفال:29] وقوله تعالى {فإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [سورة التوبة:11] وقوله تعالى {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقاً} [سورة الجن:16] ونظائره."

يكفي يكفي.

اللهم صل وسلم على عبدك...