شرح المنظومة البيقونية (3)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.                                           

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الناظم -رحمه الله تعالى-:

وكل ما لم يتصل بحالِ

 

إسناده منقطع الأوصالِ

عرفنا أنهم يشترطون لصحة الخبر اتصال الإسناد بأن يكون كل راوٍ من رواته قد تحمله ممن فوقه بطريق معتبر، إذا وجد خلل في أي طبقة من طبقات الإسناد بحيث لا يتم الاتصال، فالذي ضده والذي يخرج بقيد الاتصال الانقطاع، فالمنقطع ضد المتصل، فالذي لا يتصل إسناده، ولا يتحقق فيه الشرط المذكور منقطع، وهذا الانقطاع منه ما هو انقطاع ظاهر، أو سقط ظاهر من الإسناد، ومنه سقط خفي، فالسقط الظاهر لا يخلو إما أن يكون من مبادئ السند، طرفه الذي فيه المصنف، من قبل المصنف، هذا يسمونه المعلق، أو من أصله وهو طرفه الذي فيه الصحابي فيسمى المرسل، وإن كان من أثنائه، أن كان من أثناء السند، فإن كان باثنين فأكثر على التوالي سمي المعضل، وإن كان بواحد أو بأكثر من واحد في أكثر من موضع يسمونه المنقطع، المنقطع له مسمى عام وخاص، فالعام يشمل جميع أنواع الانقطاع الظاهر والخفي منقطع، وهو ما يكون بضد الاتصال، يصير قسيم للاتصال، فالسند إما أن يكون متصل أو منقطع، المنقطع هذا يشمل جميع الأنواع والتسمية الخاصة، أو الاصطلاح الخاص للمنقطع يكون قسيماً للمعلق والمعضل والمرسل، فهم من باب التوضيح والحصر للطالب ليكون أسهل لاستيعابه، يجعلون كل نوع يسمى باسم خاص، وإلا فالأصل أن كل هذه الأنواع منقطعة، وانتهى الإشكال، لكن إن كان الانقطاع من مبادئ السند سمي المعلق، وإن كان من آخره سمي المرسل، وإن كان من أثنائه فإن كان بواحد فهو المنقطع، وإن كان باثنين فأكثر على التوالي سمي المعضل.

وكل ما لم يتصل بحالِ

 

إسناده منقطع الأوصالِ

وهذا يساعده المعنى اللغوي، المعنى اللغوي يساعد هذا التعريف، وهو أيضاً المقابلة بالاتصال تجعل كل ما لم يتصل فهو منقطع.  

والمعضل الساقط منه اثنانِ

 

وما أتى مدلس نوعانِ

المعضل: ما سقط من إسناده راويان فأكثر على التوالي، "والمعضل الساقط منه اثنان" المعضل الساقط منه  أكثر من راوي، ولا بد من تقييده بأن يكون في أثناء السند؛ لأنه إن كان من مبادئه ولو باثنين أو ثلاثة سمي إيش؟ معلق، وإن كان من آخره؟ نعم، إذا سقط اثنين من آخره، سقط التابعي والصحابي؟

طالب:........

لا، يسمونه معضل، لكن يبقى أنه إذا سقط الصحابي فقط، وأسقط النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأضيف المتن إلى التابعي، إيش يسمى؟ نعم، إذا حذف الصحابي، وحذف النبي -عليه الصلاة والسلام-، ووقف المتن على التابعي، هو معروف الخبر حديث مرفوع أصله، لكن جاءنا من طريق محذوف الصحابي، ومحذوف النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومنسوب القول إلى هذا التابعي، يقول: "هذا باستحقاق اسم الإعضال أولى" ولذا يقول: "ومنه قسم ثاني".

حذف الصحابي والنبي معا

 

ووقف متنه على من تبعا

 هذا يقول جعله الحاكم من قبيل المعضل، وابن الصلاح يقول: "هذا باستحقاق اسم الإعضال أولى" لأن حذف الصحابي والنبي -عليه الصلاة والسلام- يصدق عليه أنه حذف منه راويان، حذف منه أكثر من راوي على التوالي، ووقف المتن على التابعي، يقول: " هذا باستحقاق اسم الإعضال أولى، ولا بد أن يكون الساقط باثنين فأكثر، وأن يكون متواليين".

والشرط في ساقطه التوالي

 

والانفراد ليس بالإعضالِ

والإعضال لا شك أنه أشد من الإرسال، وأشد من الانقطاع، وأشد من التعليق، الإعضال من قولهم: هذا أمر معضل، أي مستغلق شديد؛ لأن الراوي بحذفه اثنين جعل الوصول إلى المحذوف وعر، يعني إذا حذف واحد إذا حذف راوي واحد فأنت بإمكانك أن تصل إلى هذا الراوي، بمراجعة كتب الرجال التي تعنى بذكر الشيوخ والتلاميذ قد تصل، نعم، تنظر إلى الشيخ الذي نسب إليه الخبر، ثم تنظر في تلاميذه تجد منهم عدد، ثم تنظر فيمن روى بالواسطة المحذوفة عن هذا الشيخ، تنظر في شيوخه فتجد الراوي المسقط، هذا يمكن الوصول إليه، لكن إذا سقط اثنين كيف تنظر؟ كيف تنظر إذا سقط اثنين؟ لا شك أنه يستغلق عليك الأمر، ويشتد عليك الأمر، ولذا سموه معضل، أي مستغلق شديد، بمعنى أن الوصول إليه في غاية الوعورة، وعر، لا يمكن الوصول إلى المحذوف.

يقول: "وما أتى مدلس نوعان" المدلس: هو الذي اشتمل على عيب أخفي عيبه، وأظهر الخبر على أنه لا عيب فيه، كالسلعة التي فيها تدليس والغش، يخفى عيب السلعة فتظهر هذه السلعة على وجه كأنها  لاعيب فيها، والخبر يظهر على أنه لا عيب فيه، فيسمى مدلس من الدلس، وهو اختلاط الظلام، فيقول: "وما أتى مدلسا نوعان".

الأول الإسقاط للشيخ وأن

 

ينقل عمن فوقه بـ(عن) و(أن)

 يقسمون التدليس إلى نوعين: تدليس الإسناد وتدليس الشيوخ، والمدلس من أنواع السقط الخفي، السقط الظاهر أنواعه أربعة: التعليق والإرسال والانقطاع والإعضال، هذه ظاهرة، أنواع ظاهرة للسقط؛ لأنه يدركها آحاد المتعلمين، تعرف بعدم المعاصرة بين الراوي ومن روى عنه، لكن السقط الخفي لا شك أنه لا يدركه إلا أفراد من الناس، لأنك إذا بحثت في الترجمة وجدت أن هذا عاصر هذا، وتجد هذا قد يكون لقي هذا، فأنواع السقط الخفي: المدلس والمرسل الخفي، ولتوضيح الصورة، وتحديد الفرق بين النوعين ننظر في حال من روى مع من روى عنه؛ لأنه أحياناً يكون الراوي واضح أنه ما عاصر الراوي عنه، يعني زيد يروي عن عمرو، عمرو مات سنة مائة، وزيد ولد سنة مائة وعشرة، هذا ظاهر وإلا خفي؟ نعم هذا سقط ظاهر، معروف يدركه الناس كلهم أنه ما يمكن أن يروي شخص ولد سنة مائة وعشرة عن شخص مات سنة مائة، لا يمكن، هذا سقط ظاهر، يدركه جميع المتعلمين، لكن السقط الخفي إذا كان هذا الراوي مولود سنة ثمانين، ومن روى عنه توفي سنة مائة، يمكن وإلا ما يمكن؟ يمكن، المعاصرة موجودة، لكن لم يثبت لقاء أحدهما بالأخر، المعاصرة ثابتة، واللقاء غير معلوم، هذا يسمونه، إذا روى بصيغة موهمة، هذا يسمونه مرسل خفي، وليس من التدليس، التدليس إذا روى عمن لقيه ما لم يسمعه منه بصيغة موهمة كعن وأن، وقال وذكر، هذا تدليس، روى عمن عاصره ممن لم يثبت لقاؤه له هذا إرسال خفي، روى عمن لقيه ما لم يسمعه منه بصيغة موهمة هذا تدليس، روى عمن سمع منه أحاديث ما لم يسمعه منه بصيغة موهمة يسمى تدليس أيضاً، هذه الصورة لا خلاف في كونها تدليس، إذاً إذا تحرر الفرق بين التدليس والإرسال الخفي، أهل العلم قسموا التدليس إلى قسمين: تدليس إسناد، وتدليس شيوخ، طيب قد يقول قائل: الشيوخ من الإسناد، لماذا لا يقال: أن تدليس الشيوخ من تدليس الإسناد؛ لأن الشيوخ طبقة من طبقات الإسناد؟ لكنه يختلف عن تدليس الإسناد؛ لأن تدليس الإسناد فيه إسقاط، وتدليس الشيوخ ما فيه إسقاط، السند متصل، يعني إذا روى الراوي عمن لقيه ما لم يسمعه منه بصيغة موهمة كـ(عن) و(أن) مثل هذا تدليس، مثل هذا يسمى تدليس، طيب تدليس إسناد، بمعنى أنه سقط من الإسناد، فهو تدليس إسقاط، هذا التدليس يتفنن فيه المدلسون، فمنه تدليس القطع، يقول: حدثنا ويسكت، ثم يقول: فلان بن فلان عن فلان عن فلان عن فلان، هل هو يقصد بهذا حدثنا فلان؟ نعم، يقول: حدثنا ويسكت، ثم بعد ذلك يأتي باسم راوٍ لم يحدثه، لا يريد أن تكون هذه الصيغة لمن ذكر بعدها، هذا تدليس قطع، والسامع ينطلي عليه، نعم، بحيث يظن أن هذه الصيغة لهذا الراوي؛ لأنه لو قال: حدثنا فلان وهو ما حدثه صار كذب، وهو لا يريد أن يوصف بالكذب، ولا يريد أن يكذب في الخبر؛ لأنه لو قال: حدثنا ولم يحدثه صار كذاب، هو لا يريد أن ينسب إليه الكذب، فيقول: حدثنا ويسكت، لكنه مغرم بالتدليس، عند بعضهم التدليس أشهى شيء؛ لأن فيه شيء من النباهة، وشيء يسمونه الضحك على الناس، وإن كان الأئمة الذين وصفوا بالتدليس أئمة أجلاء، ومعروفين لهم..، يعني لاسيما من احتمل الأئمة تدليسهم كالسفيانين وغيرهما، لكن فيه تفنن، فإذا قال: حدثنا وسكت ثم ذكر اسماً بعد ذلك، هذا يسمونه تدليس قطع، وإذا قال: حدثنا فلان وفلان، وهو لا يريد العاطفة، الواو العاطفة، يريدها استئنافية، فيخبر عن فلان الثاني بخبر يضمره، يقول: "حدثني فلان" صحيح حدثه فلان، لكن فلان الثاني وفلان -يضمر- غير مسموع لي، أو فلان لم يحدثني، حدثني فلان وفلان لم يحدثني، هذا يسمونه إيش؟ تدليس العطف، تدليس القطع وعندنا تدليس العطف، في تدليس يسمونه شر أنواع التدليس تدليس التسوية، فيأتي إلى ضعيف بين ثقتين لقي أحدهما الآخر فيسقط الضعيف، ويقتصر على الثقتين، هذا يسمونه تدليس التسوية، وهو شر أنواع التدليس، شر أنواع التدليس تدليس التسوية، فإذا روى زيد عن بكر عن عمرو، بكر هذا ضعيف، وزيد لقي عمرو، بحيث لو بحثت ما وجدت انقطاع يسقط هذا الضعيف، وزيد لم يروِ عن عمرو إلا بواسطة بكر هذا الضعيف، فإذا أسقطه صار تسوية، سوى الإسناد، ويسميه القدماء تجويد، يعني جوده، ذكر الأجواد فقط، دون الأدنية، أسقط الأدنية، هذا تدليس تسوية، وهو شر أنواع التدليس، وليس من هذا النوع إذا روى الراوي الخبر عن اثنين أحدهما ثقة والآخر ضعيف، اقتصر على الثقة وحذف الضعيف، يعني البخاري حينما يروي خبر من طريق مالك وابن لهيعة يحذف ابن لهيعة، يقتصر على مالك، تدليس وإلا ليس بتدليس؟ ليس بتدليس؛ لأنه ليس بحاجة إلى ذكر الضعيف، يكفيه الثقة، فيسقط الضعيف ويرويه عن طريق الثقة، وهو قد سمعه من هذا الثقة ما في إشكال، ليس من أنواع التدليس، هذا التدليس إسقاط بأنواعه، وهو عيب وذم، وفعله إذا كان القصد منه ترويج الأحاديث الضعيفة المروية من قبل الضعفاء لا شك أن هذا غش وغرر لا يجوز، وإذا روى عمن لم يروِ عنه بصيغة محتملة هذا هو التدليس، وقد اشترط للصيغة المحتملة كعن فلان، وأن فلان قال، وقال فلان أن يكون الراوي بريئاً من التدليس، على ما ذكرنا في السند المعنعن، إما إذا كان الراوي مدلساً فلا بد أن يصرح، ولا تقبل منه العنعنة، لاسيما إذا كان من الطبقة الثالثة على تصنيف ابن حجر والعلائي وغيرهم، هناك نوع من التدليس وهو تدليس الشيوخ، هذا ليس فيه إسقاط، وليس فيه إسقاط "وما أتى مدلس نوعان".    

الأول الإسقاط للشيخ وأن

 

ينقل عمن فوقه بـ(عن) و(أن)

 هي (أنّ) أصلها (أنّ) لكن سكنت للروي.

والثاني لا يسقطه لكن يصف

 

أوصافه  بما به لا ينعرف

لا يسقط الراوي لكن يصفه بوصف لا ينعرف به، أو يكنيه بكنية لا يعرف بها، أو ينسبه بنسبة لا يعرف بها، أو يذكر بلقبه، وقد اشتهر باسمه يذكره بكنيته، وقد اشتهر بنسبته هذا تدليس؛ لأن فيه توعيراً للوصول إليه، فإذا قلت مثلاً: حدثني أبو صالح الشيباني، كثير من الناس لا يدري من أبو صالح الشيباني؟ لا يعرف أن الإمام أحمد له الابن الأكبر اسمه صالح، ونسبته شيباني، أو حدثني ابن هلال الشيباني جده هلال، هذا لا شك أن تدليس شيوخ، وليس فيه إسقاط، لكن فيه توعير للوصول إلى هذا الراوي، الصيغ الموهمة: (عن) و(أن) و(قال) هذه الصيغ الموهمة التي يشترط فيها الشرطان المتقدمان، (قال) مثل (عن).

.............. أما الذي

عنعنة كخبر المعازفِ

 


        لشيخه عزا بـ(قال) فكذي

لا تصغ لابن حزم المخالفِ

"أما الذي لشيخه عزا بـ(قال) فكذي عنعنة" (قال) مثل (عن) محمول على الاتصال بالشرطين المعروفين، و(أن) مثل (عن) محمول على الاتصال بالشرطين المذكورين، (أن) منهم من يقول: إن (أن) ليست مثل (عن) بل هي منقطعة، ونسب ابن الصلاح هذا القول إلى الإمام أحمد ويعقوب بن شيبة، عمدته في ذلك أنهما حكما على خبر واحد مرة بالاتصال ومرة بالانقطاع، فعن محمد بن الحنفية أن عماراً مر بالنبي -صلى الله عليه وسلم- قال الإمام أحمد منقطع، عن محمد بن الحنفية أن عمار مر بالنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: منقطع، الرواية الثانية عن محمد بن الحنفية عن عمار أنه مر بالنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: متصل، فابن الصلاح تصور أن الحكمين اختلفا لاختلاف الصيغة، لكن كما قال الحافظ العراقي:

"كذا له ولم يصوب صوبه" يعني ما أصاب المحز، ما أصاب السبب الحقيقي للتفريق بين الروايتين، لما يقول تابعي مثلاً، تابعي ما حضر القصة يقول: إن عماراً مر بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، ولو قال مر عمار بالنبي -عليه الصلاة والسلام- لقلنا: منقطع، أنت ما حضرت، أنت تابعي، كيف تحكي قصة ما حضرتها؟  لكن إذا روى هذه القصة عن صاحبها، عن عمار نفسه، لما يقول محمد بن الحنفية: عن عمار أنه مر بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، نعم تكون متصلة؛ لأنه يرويه عن صاحبها، فليس الاختلاف بين الحكمين للاختلاف في الصيغة، وإنما مرده أنه في الطريق الأول التابعي يحكي قصة لم يشهدها فهي منقطعة، وفي الطريق الثاني التابعي يروي القصة عن صاحبها فهي متصلة.

............................

سووا وللقطع نحا البرديجي

 

 


    وحكم (أن) حكم (عن) فالجلُ

حتى يبين الوصل في التخريجِ

يقول: منقطعاً البرديجي، فهذه الصيغ الموهمة المحتملة للاتصال وعدمه، يعني أنت لما تقول: قال الإمام أحمد، نعم منقطعة، لكن لما تقول: قال فلان، تنقل عن شيخ أدركته، وتقول: قال فلان، الاحتمال قائم أنك سمعته منه، أو بواسطة، لكن لما تقول: حدثني فلان صيغة موهمة وإلا محتملة وإلا غير؟ ليست محتملة، ما هي محتملة إلا محتملة للصدق والكذب، إما أن تكون صادق وإلا كاذب، أما كونك سمعت بواسطة لا بخلاف (قال):

............... أما الذي

عنعنة كخبر المعازفِ

 

 


       لشيخه عزا بـ(قال) فكذي

لا تصغ لابن حزم المخالفِ

وعرفنا ما بين (عن) و(أن) من وفاق.

والثاني لا يسقطه لكن يصف

 

أوصافه  بما به لا ينعرف

بحيث يوعر الوصول إليه، وهذا يفعله كثير من أهل العلم من باب التفنن في العبارة، بعض الناس يمل أن يقول: حدثني أحمد بن محمد بن فلان، يكون مكثر من الرواية عنه، فكونه في كل خبر حدثني فلان بن فلان بن فلان باسمه الثلاثي أو الرباعي مع نسبته على وتيرة واحدة يمل، لكن مرة يرويه بالكنية، ومرة يرويه بالنسبة، هذا الخطيب البغدادي يكثر من مثل هذا للتفنن في العبارة، سم.

وما يخالف ثقة فيه الملا
إبدال راوٍ ما براوٍ قسم
والفرد  ما قيدته بثقة
وما بعلة غموض أو خفا
وذو اختلاف سند أو متن
والمدرجات في الحديث ما أتت
وما روى كل قرين عن أخه
متفق لفظاً وخطاً متفق
مؤتلف متفق الخط فقط
والمنكر الفرد به راوٍ غدا
متروكه ما واحد به انفرد
والكذب المختلق المصنوع
وقد أتت كالجوهر المكنون
فوق الثلاثين بأربع أتت

 

فالشاذ والمقلوب قسمان تلا
وقلب إسناد لمتن قسم
أو جمع أو قصر على رواية
معلل عندهم قد عرفا
مضطرب عند أهيل الفن
من بعض ألفاظ الرواة اتصلت
 مدبج فعرفه حقاً وانتخه

وضده فيما ذكرنا المفترق
وضده مختلف فاحش الغلط
تعديله لا يحمل التفردا
وأجمعوا بضعفه فهو كرد
على النبي فذالك الموضوع
سميتها منظومة البيقوني
أبياتها تمت بخير ختمت

يقول الناظم -رحمه الله تعالى-:

وما يخالف ثقة فيه الملا

 

فالشاذ والمقلوب قسمان تلا

"وما يخالف ثقة فيه الملا فالشاذ" ما يرويه الثقة يخالف به من هو أوثق منه هذا هو الشاذ عند المؤلف، وتبع فيه الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى-، وهو الذي استقر عليه الاصطلاح عند المتأخرين، "وما يخالف ثقة فيه الملا فالشاذ" ويقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:

وذو الشذوذ ما يخالف الثقة

 

فيه الملا فالشافعي حققه  

هذا اختيار الإمام الشافعي في تعريف الشاذ، وهو اشتراط المخالفة قيد المخالفة، مع كون الراوي ثقة، أما مع تخلف الشرط الأول وهو المخالفة فلا يسمى شاذ، إلا على قول من يطلق الشذوذ على مطلق التفرد، سواء كان المتفرد ضعيفاً أو ثقة، منهم من يطلق الشذوذ بإزاء التفرد، سواء كان المتفرد ثقة كان أو ضعيفاً، ومنهم من يطلق الشذوذ على تفرد الضعيف، أما تفرد الثقة فلا سمى شاذ على هذا القول، والإمام الشافعي يشترط في الشذوذ أن يكون راويه ثقة من الثقات، وأن يخالف به من هو أوثق منه، والشاذ يخالف المنكر على تعريف الشافعي؛ لأن الشافعي يقصر الشذوذ على مخالفة الثقة، فيكون النكارة فيما يخالف فيه الضعيف عند من يشترط قيد المخالفة، ومن لا يشترط يأتي الكلام فيه في وقته -إن شاء الله تعالى-، فالفرق بين الشاذ والمنكر أن الشاذ مخالفة الثقة، والمنكر مخالفة غير الثقة، وهذا ما قرره الإمام الشافعي فيما يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:

وذو الشذوذ ما يخالف الثقة

 

فيه الملا فالشافعي حققه  

وعرفنا أن الحاكم والخليلي يطلقان الشذوذ على مجرد التفرد، يختلفان في كون المتفرد ثقة أو مطلقاً، ثقة أو غير ثقة "والمقلوب قسمان تلا".

إبدال راوٍ ما براوٍ قسم

 

وقلب إسناد لمتن قسم

نعم المقلوب ما ينقلب فيه على راويه، سواء كان القلب في المتن أو في السند، أو فيهما معاً، فإذا انقلب السند على راوٍ من الرواة، ولذا يقول: "إبدال راو ما براو" هذا قسم من أقسام المقلوب، فالحديث المعروف بنافع إذا جعله راوٍ من الرواة عن سالم يكون قلب سنده، وهو ما أشار إليه بقوله: "إبدال راوٍ ما براوٍ قسم" وأظهر من هذا قلب الاسم بجعل مرة بن كعب، كعب بن مرة، أو نصر بن علي، علي بن نصر، هذا قلب ظاهر في الإسناد، وأما قلب المتن فوجد له أمثلة، "وقلب إسناد لمتن قسم" يعني يقلب الإسناد كله فيجعله لمتن غير متنه، لكن ظهور القلب في الإسناد إنما يكون بجعل الأب ابناً والابن أب، لا يتصور أن ينقلب إسناد بجعل التلميذ شيخ والشيخ تلميذ، إلا من باب رواية الأكابر عن الأصاغر يمكن هذا، أما قلب المتن فأمثلته موجودة وواضحة وظاهرة، مما يمثل به لمقلوب المتن، ما رواه مسلم في صحيحه من حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، جاء في بعض الروايات: ((ورجل تصدق بصدقة أخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله)) الرواية المتفق عليها: ((حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)) لأن الإنفاق إنما يكون باليمين فانقلب على الراوي فقال: ((حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله)) وهذا في الصحيح، ومن باب صيانة الصحيح يمكن أن يخرج الحديث على وجه يصح، يمكن الإنسان يتصدق بشماله، وهذا إذا كان مكثراً من الصدقة، فيحتاج الإنفاق بشماله كما كان ينفق بيمينه، وفي الحديث الصحيح في البخاري وغيره: ((ما يسرني أن لي مثل أحد ذهباً تأتي علي ثالثة وعندي منه دينار إلا دينار أرصده لدين، إلا أن أقول به: هكذا وهكذا وهكذا وهكذا)) عن يمينه وعن شماله ومن أمامه ومن خلفه، فقد يحتاج مع كثرة الإنفاق إلى الإنفاق بالشمال، وأيضاً قد يضطر الإنسان إلى الإنفاق بشماله عند الإخفاء، إخفاء الصدقة، يعني لو جلس محتاج  إلى  جهة الشمال، وعنده أناس على جهة يمينه، وأراد أن يعطيه شيء من المال ألا يمكن أن يعطيه بشماله بحيث لا يشعر من كان على يمينه؟ نعم يمكن، وهل يجد المنفق عليه المعطى في نفسه شيء؛ لأنه أعطى بالشمال؟ لن يجد، يعني الأصل أن الأخذ..، لو أعطيت واحد، قال: أعطني ماء، قلت: خذ، بشمالك، يعني لا شك أنه يجد في نفسه، لو تقول: أعطني قلماً مثلاً، تقول: خذ يا أخي، بالشمال، الأصل أنه باليمين، لكن لو مديته بالشمال، أعطيته بالشمال، هذا لا شك أنه يأخذه، لكن شخص محتاج فقير أعطي؛ لئلا يعلم الناس، هو يحب -هذا الفقير- أن تخفى الصدقة عن الناس أكثر من أن يحب أن ينفق عليه باليمين، فإذا وجد أناس على جهة اليمين والفقير على جهة الشمال يخرج الدراهم يعطيها إياه بشماله، وهذا يحتاج إليه في مسألتين: إذا كان مكثراً من النفقة، من الإنفاق في سبيل الله فأحياناً ينفق هكذا وهكذا، كما جاء في الحديث الصحيح عن يمينه وعن شماله، وأحياناً لشدة الإخفاء عن رؤية الناس يحتاج إلى أن ينفق على جهة الشمال، وهذا إنما يقال من باب صيانة الصحيح، وصيانة الرواة الثقات عن التوهيم والتخطئة؛ لأن الحديث في صحيح مسلم، من الأحاديث التي انقلبت: ((كلوا واشربوا حتى يؤذن بلال، فإن ابن أم مكتوم يأذن بليل)) الأصل: ((كلوا وشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم، فإن بلالاً يؤذن بليل)) انقلب على راويه، ومنهم من قال: ما يمنع أن يكون مرة يؤذن الأول بلال، ومرة يؤذن الأول ابن أم مكتوم، وعلى كل حال الأحاديث التي ذكرت أمثلة للمقلوب، منها ما يمكن توجيهه، ابن القيم -رحمه الله تعالى- ادعى القلب في حديث البروك، وسلم له الناس كلهم، قال: حديث البروك مقلوب، ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه)) ابن القيم يقول: هذا تناقض؛ لأن البعير يقدم يديه قبل ركبتيه، كيف يقول: ((لا يبرك كما يبرك البعير)) ويقول: ((وليضع يديه قبل ركبتيه)) هذا أمر، ابن القيم -رحمه الله- يقول: انقلب على راويه، ويمثل به للمقلوب، لكن مثل ما قال الحافظ العراقي:

"كذا له -يعني في حق ابن الصلاح ماهو في حق ابن القيم- كذا له ولم يصوب صوبه"، ابن القيم -رحمه الله تعالى- انقدح في ذهنه هذا الأمر أنه مقلوب، وفي تعارض بين الجملة الأولى والثانية، فأجلب عليها بكل ما أتي من قوة وإطلاع، سعة إطلاع وبيان، وأطال في تقرير هذا، لكن إذا عرفنا أنه لم يعل أحد من أهل العلم قبل ابن القيم الحديث بالقلب، مع أن من العلماء من صححه، من أهل العلم من صححه، ورجحه على حديث وائل بن حجر: "كان النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه"، يعني هل يخفى مثل هذا على كبار الأئمة؟ ما يمكن أن يخفى، إذن كيف نوجه الحديث على وجه يصح؟ نقول: مجرد الوضع يختلف عن البروك، مجرد الوضع وضع اليدين على الأرض يختلف عن البروك؛ لأنه يقال: برك البعير، متى يقال: برك البعير؟ إذا أثار الغبار وفرق الحصى، فإذا نزل الإنسان بقوة على الأرض، فرق الحصى، وأثار الغبار، قلنا: برك، مثل ما يبرك البعير، لكن إذا وضع يديه مجرد وضع على الأرض من غير أن يثير الغبار، ولا يحدث صوت ولا شيء، نقول: إيش؟ هذا صح أنه وضع يديه قبل ركبتيه ولم يبرك كما يبرك البعير، فالأحاديث التي أدعي فيها القلب كلها يمكن توجيهها، صيانة للرواة الثقات، وصيانة لكتب الحديث، لو كان المراد من الحديث مجرد مشابهة البعير في تقديم يديه على ركبتيه ما يمكن أن يقولها أحد، ما يخفى على أحد، كل إنسان يدرك أن البعير ينزل على يديه، فكيف يقال: ((وليضع يديه قبل ركبتيه)) نعم، المسألة مفترضة في رواة أثبات، ولذا قال ابن حجر: "وهو أرجح من حديث وائل بن حجر، كان النبي -عليه الصلاة والسلام-: إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه".

"وقلب إسناد لمتن قسم" ويذكر في مثل هذا الموضع قلب أهل بغداد الأحاديث على الإمام البخاري، البخاري لما دخل بغداد أراد أهل بغداد أن يمتحنوه، هل هو بالفعل على هالمستوى السمعة التي يذكر عنه؟ هل هو من الحفظ والضبط والإتقان وسعة الإطلاع كما يقال عنه؟ يختبر، فعمدوا إلى مائة حديث، ووكلوا بها عشرة أشخاص، قسموها على عشرة أشخاص، كل واحد أخذ عشرة أحاديث، وقالوا: أنت يا فلان عندك العشرة الأولى، ووضعوا إسناد الحديث الأول للمتن الثاني، والمتن الثاني لإسناد الحديث الأول، إلى تمام العشرة، قلبت عليه الأسانيد والمتون، ثم الثاني عشرة، ثم الثالث عشرة، وهكذا إلى تمام العشرة، بمائة حديث، لما استقر بهم المجلس، وحضر الوجوه وأعيان بغداد وعلماؤها، انتدب الأول للبخاري وقال: يا إمام أو يا بخاري أو يا محمد أو يا أبا عبد الله ما تقول في حديث كذا وكذا وكذا، فألقى إليه السند تام والمتن غير متنه، قال البخاري -رحمه الله-: "لا أعرفه" الحديث الثاني قال كذا حدثنا فلان عن فلان كذا قال: "لا أعرفه"، الثالث العاشر، قال: " لا أعرفه" الناس العادين قالوا: وش هذا محمد بن البخاري ما عرف ولا حديث إلى أن تمت المائة؟ أما الناس اللي عندهم فهم ومعرفة قالوا: فهم الرجل؛ لأنه لو كان إنسان سطحي أو دعي يدعي العلم ما خلى الأحاديث تمر ولا أعرف ولا..، إيش تعرف أجل؟ نعم، ولذلك قد يسأل بعض الناس ممن يدعي المعرفة عن حديث لا أصل له يثبته، خشية أن يقول: "لا أعرفه" نعم، أما الإمام لمعرفته..، الذي يحفظ مائة ألف حديث صحيح، ومائتي ألف حديث غير صحيح، لما ألقيت عليه المائة كلها لا أعرفه، لا أعرفه، لا أعرفه، مائة حديث، الناس العاديين قالوا: وش هذا الكلام الذي نسمعه البخاري البخاري؟ وش بخاري؟ ما عرف ولا حديث واحد من مائة حديث، لكن الناس النبلاء والذين عندهم معرفة فهم الرجل، لما انتهوا كلهم، قال: أنت يا فلان الأول قلت: كذا وكذا وكذا، فساق الحديث الأول بخطئه وقلبه ثم صححه، لا، الصواب كذا، الحديث الثاني كذا كذا إلى آخره، فعجبوا من كونه رد المائة على ترتيبها على صوابها، لكن أعجب من ذلك كونه حفظ الخطاء قبل الصواب، حفظ كل المائة بخطئها ثم صوبها، هذه القصة يرويها ابن عدي في جزء له عن عدة من شيوخه، عن عدد من شيوخه، ورواها أهل العلم عنه، واشتهرت واستفاضت، ونقلها الخطيب في تاريخه عن ابن عدي وغيره، المقصود أن بعضهم يقول: إن هذه القصة لا تثبت؛ لأن ابن عدي يرويها عن عدة من شيوخه، والعدة هؤلاء مجاهيل، نقول: هم شيوخ ابن عدي، يعني من أهل العلم، الأمر الثاني: أنهم عدة يجبر بعضهم بعضاً، ما هم بواحد أو اثنين أو ثلاثة، فجهالة مثل هؤلاء نعم تنجبر بكونهم مجموعة، وأيضاً الراوي ناقد، ابن عدي ما هو بإنسان سهل، ما هو بإنسان..، من اطلع على كتابه الكامل عرف أنه من فحول الرجال، فبيثبت قصة عن مجاهيل مو بصحيح، فالمقصود..، وحتى أيضاً مثل هذه القصة التي الأصل فيها أنها خبر عن إمام حافظ، يعني ما يستغرب أن الإمام البخاري يفعل مثل هذا الفعل، أيضاً من الأئمة الدارقطني قلب عليه أحاديث فردها، الدار قطني حافظ من حفاظ الأمة الكبار، يحضر الدرس، يحضر مجلس الإملاء، والشيخ يملي الأحاديث، وهو معه كتاب آخر، في موضوع آخر ينسخ، يقول: جاره في المجلس أنت ما غير ضيقت علينا، تبي تنسخ روح مكان ثاني غير مكان الدرس، قال: بارك الله فيك، كم أملأ الشيخ من حديث يسأله الدارقطني؟ قال له: ها، لا أدري والله لكن..، قال: عد لي منها اثنين، ثلاثة، عشرة، ما عد ولا حديث واحد هذا المنتقد، قال: أكتب، فأملاها بأسانيدها ومتونها كما أملاها الشيخ، فقوبلت مع ما عند الشيخ فوجدت مطابقة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، هؤلاء الأئمة الحفاظ  الكبار حصل أيضاً قلب على المزي وعلى العراقي وغيرهم، هذه مسألة امتحان، يمتحن فيها أهل العلم، ممن يشكك في قدرتهم وحفظهم، ثم مثل هذا لا يجوز أن يستمر، بل ينتهي بانتهاء المجلس، يعني إن أعاده الممتحن على الصواب وإلا لا بد أن يعيده الممتحن؛ لئلا يحفظ على الخطأ، فلا بد من إعادته على الصواب، ثم بعد هذا قال الناظم -رحمه الله تعالى-:

والفرد ما قيدته بثقة

 

أو جمع أو قصر على رواية

 الفرد: ما يتفرد بروايته راوٍ واحد وهو الغريب، لكن أكثر ما يطلق التفرد على ما إذا كانت الغرابة في أصل السند، أما إذا كانت في أثنائه فيطلق عليه غريب، وإذا قيل: تفرد به فلان شمل التفرد المطلق والنسبي، إذا تفرد راوٍ برواية حديث عن غيره سمي فرد من غير تقييد، إذا تفرد به راوٍ واحد عن ثقة من الثقات سمي فرد، ولو رواه غيره عن غير هذا الثقة، لكنها غرابة فردية نسبية، وليست مطلقة، يعني إذا كان حديث لا يروى إلا من طريق هذا الراوي بأي وجه من الوجوه، هذا يسمى فرد مطلق، وإن كان الأصل في إطلاق الفردية على التفرد في أصل السند، لكن أيضاً هو مطلق إطلاق يعني ما يرويه غير هذا الشخص، لا يرويه أحد مطلقاً غير هذا الشخص، لكن إذا كان مروي من طرق كثيرة، طريق من الطرق تفرد بروايته عن هذا الشيخ شخص واحد، وأما من عداه رواه عنهم كثر، هذا تفرد به فلان عن فلان، لكنه تفرد نسبي، وليس بمطلق، إذا تفرد به هذا الراوي وهو ثقة، وشاركه في الرواية عن هذا الشيخ مجموعة، لكن ضعفاء هذا تفرد ثقة، تفرد به هذا الثقة عن هذا الشيخ، ولو شاركه آخرون ضعفاء، "والفرد ما قيدته بثقة" يعني تفرد به هذا الثقة "أو جمع" يعني جمع كبير لكنهم يشملهم وصف واحد، أهل بلد مثلاً، أو قبيلة جمع، أهل بلد كامل، هذه السنة لا تعرف إلا من طريق أهل مصر، أو تفرد بها أهل الشام، ولو رواها من أهل الشام مائة شخص، يقول أهل العلم: تفرد بها أهل مصر، تفرد بها أهل الشام، نعم، أو تفردت بروايتها قبيلة، تفرد بها آل فلان، وهم مجموعة، هذه أيضاً فردية نسبية، وليست مطلقة.

وما بعلة غموض أو خفا

 

معلل عندهم قد عرفا 

هذا المعلل.

وما بعلة غموض أو خفا

 

معلل عندهم قد عرفا 

 الحديث المعلل يقولون: معلل، ويقولون: معلول، والصواب معل بلام واحدة؛ لأن المعلل اسم مفعول من علل، من علله إذا شغله وألهاه، ومعلول من عل يعل، فهو معلول، أما أعله بكذا بهذه العلة، فالصواب في اسم المفعول منه معل، كما قرر ذلك الحافظ العراقي وأطال في تقريره، معلول موجود في اصطلاح بعض أهل الحديث، وموجود في كلام الأصوليين، وموجود في كتب العقائد والكلام، موجود، والعلة والمعلول معروفة عندهم، لكن هو هذا التركيب في هذا الباب صرح جمع من أهل العلم بأنه لحن، وقال بعضهم: إنه مرذول، ويقول ابن سيدة وغيره: "لست منها على ثقة"، يعني لست مرتاح من كلمة معلول في هذا الباب، فالصواب في الإطلاق أن يقال: معل، وأما معلل وجدت في كلام الأئمة، لكن تأصيلها من حيث الأصل اللغوي فيه مشقة، على كل حال المعنى واضح، سواء قلنا: المعل كما هو الصواب، أو معلل كما يوجد في إطلاقاتهم، أو معلول المعنى واضح، هو الحديث الذي اشتمل على علة، هو الحديث المعل الذي اشتمل على علة: وهي سبب خفي غامض يقدح في صحة الخبر، الذي ظاهره السلامة منها، ظاهر الخبر السلامة من هذه العلة، ولذا لخفائها وغموضها لم يتكلم في العلل إلا القليل النادر من الأئمة الكبار الحفاظ، بل قد يتكلم الواحد منهم بما لا يستطيع تعليله وتبريره، يأتي السائل إلى الإمام الكبير من أئمة الحديث فيقول: الحديث فيه علة، طيب مع أن هذه العلة لا يستطيع التعبير عنها؛ لأن هناك أمور تنقدح في ذهن المجتهد يصعب التعبير عنها، لكن يكفي أنك تذهب إلى ثاني وثالث ورابع كلهم يؤكدون بأن به علة، ولذا قال بعضهم: إن معرفتنا بهذا العلم إلهام، وقال آخر: إنه كهانة عند الجاهل، يعني اشلون؟ لأن الأصل أن من يحكم بشيء يعلل حكمه، ضعيف لكذا، لكن معل شيء أنقدح في ذهن المجتهد، وليس من سببه التشهي أو التحكم، لا، هذا لا شك أنه ملكة تولدت عند هذا الإمام من طول الممارسة والخبرة، كل علم من علوم الدنيا أو الآخرة مع طول الممارسة تنقدح في ذهن الممارس هذا الخبير بهذا الفن أمور قد يعتبرها بعض الناس سحر، تأتي إلى الكهربائي الذي عاش عمره في الكهرباء، وقد يكون عامي لا يقرأ ولا يكتب، تقول: هذه قطعة ركبها، يقول: القطعة ما تشتغل خربانة، طيب أخذناها من الكرتون الآن جبناها من المحل، قال: ما تشتغل يا أخي، أنا أعرف منك، ليش ما تشتغل؟ ما تشتغل، في بعض الناس يقول: ركب يا أخي خلنا نشوف تشتغل وإلا ما تشتغل؟ الأصل أنه ما يركبها؛ لأنه عنده خبرة، وعنده قناعة أنها ما تشتغل، فإذا ركبها وجد الكلام مطابق، يعني هل هذا سحر هذا؟ لكن خبرة، يعني تأتي بسيارتك إلى الورشة المتبدؤن واللي يتعلمون يفكك السيارة من أولها إلى آخرها، وقد لا يقف على العلة، تأتي إلى الخبير الماهر يقول لك: ما يحتاج تفكك ولا تركب، شوف غير بس هالكفر ذا، وتركب السيارة لا رجة ولا ميلان ولا مطانيج ولا شيء، ويعطيك العلة من أول ما تقف، وش أدراك؟ يقول لك: مالك هم، العلة موجودة إن لم يكن الكلام صحيح ارجع لمي، المزارع أيضاً عنده خبرة، وعنده دراية بالزراعة، وكيف يفعل؟ كيف هذه تصلح؟ بمجرد ما يمر المزارع يقول لك: هذه النخلة شلها عن هذا المكان، لماذا؟ الله أعلم، بس شلها من هذا المكان، هناك خبراء في كل علم من العلوم، يعني لا شك أنهم يسلم لهم في علمهم، شخص لا يقرأ ولا يكتب يدخل البستان الكبير الذي فيه ألف نخلة، يقول: مجموع نتاجه كم؟ خمسين ألف وزنة مثلاً، خمسين ألف، وش يدريك؟ والله ما عليك، الخرص سببه خبرة ودربة وإلا من بيتصور ينزل لوحده يا زن ويكتب، ثم الثاني يا زن ويجمع، ثم الثالث إلى أن تصل إلى ألف نخلة، نعم تجد مطابق، من أين جاءه هذا العلم؟ نعم نزل عليه وحي؟ لا، خبرة، وهكذا الخبرة في جميع العلوم، يعني خبرة جميع فروع المعرفة، مثل ما يصير هذا مري باقتفاء الأثر، قائف، هذا أيضاً قائف في فنون أخرى من المعرفة، أنا أعرف ناس في الكتب إذا دخل قدر المكتبة كلها من أولها وآخرها، وما تستحق، مكتبة شاسعة مثل هذا المبنى هذا، كله مليان كتب، المكتبة فيها كذا من كتاب، وتستحق كذا قيمة، هذا عبث هذا؟ خبرة، أيضاً العلم بهذه الأمور الخفية الغامضة خبرة، ولذلك الذي لا يتمكن تمكن الأئمة في هذا الفن، لن يصل ولن يحلم بالوصول إلى ما وصلوا إليه، إنسان يحفظ الأربعين، وقد يتطاول على العمدة أو البلوغ يحفظها، إذا لم يقل له أحد: الإمام الحافظ، صار في نفسه شيء، وين رحت يا أخي؟ العلم العلم متين، يحتاج إلى تعب، يحتاج إلى كد، يعني أنت تطمع أن تكون في مصاف الأئمة والكبار، وأنت بهذه الطريقة تعيش، تعيش لنفسك ولولدك ولدنياك، وتريد أن تكون في مصاف الأئمة، هذا الذي جر إليه الكلام أن بعض الناس يقرأ في كتب المصطلح أن هذا العلم إلهام، يقول: إلهام يا أخي وش الفرق بين إلهام هؤلاء وإلهام من يدعي أنه رأى النبي في اليقظة وقال: الحديث صحيح وإلا ضعيف؟ كلها دعاوى؟ نقول: لا يا أخي، النبي -عليه الصلاة والسلام- قد مات، والذي يدعي أنه رآه يقظة فهو أفاك، مكذب لله ولرسوله، ويوجد من يزعم أنه رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- مكاشفة، يراه في الشارع يمشي، وسأله عن أحاديث، وصحح وضعف، نقول له: يا أخي علمك هذا دجل، النبي -عليه الصلاة والسلام- مات، "من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات" {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ} [(30) سورة الزمر] فنفرق بين ما يدرك بالخبرة والمران، وبين ما يدرك بالدجل والاستعانة بالشياطين؛ لأنه الآن يحصل خلط، فهناك أمور يسمونها سرك، يسمونها أشياء، وسيارة تدور البلد كله على كفر واحد، وإلا على..، نعم، أو يمشي على سلك رقيق، نعم، أو يقضم الحديد، أو يمشي على المسامير، أو كذا، هذه كلها أمور تحتاج إلى..، ما كان السبيل إليه مهارة اليد وخفتها هذا يمكن، وجد في عصر الرشيد من غرز في الأرض إبرة، رماها فوقفت، ورمى إبرة أخرى فدخلت في بطنها، رمى ثانية فدخلت في بطن الثالثة، والرابعة إلى تمام المائة، صار عمود إبر متداخلة، هذه مهارة، وخفت يد، ماذا قال الرشيد: أعطوه مائة دينار على المهارة هذه، واجلدوه مائة جلدة على تضييع هذه المهارة بشيء لا ينفع، لكن الآن يخلطون وش يسمونه؟ العصبية؟ إيش؟

طالب:........

إيه، نعم، هذه اللي يقولون: إنه تستطيع أن تقنع من لا يقنع، تأثر على من لا يتأثر، هذا كلام فيه ما فيه، تستطيع أن تقنع نفسك وأنت جوعان أنك شبعان، أو ظميان ميت من الظمأ تكون ريان، على كل حال لا بد من التمييز الدقيق بين هذه الأمور، وإذا اشتبه الأمر فالأصل المنع؛ لئلا يدخل الدجال والأفاك والمشعوذ والساحر يدخل مداخل ويدعي هذه الدعاوى، يعني إذا لم نستطع أن نقتنع عقلياً من باب الحقائق الواضحة فالأصل المنع سداً للذرائع، سد الذريعة مطلوب، حماية جناب التوحيد مطلوب، بعض الرقاة يزعم أنه إذا رقى المريض، قرأ على المريض ظهرت صورة العائن على صدر المريض، يراها الراقي والمرقي، هل ممكن أن يدرك مثل هذا بمجرد الرقية؟ هل هذا حصل لسلف الأمة؟ أبداً، هذه استعانة، شعر الإنسان أو لم يشعر، في أول الأمر قد تكون إعانة من غير طلب، ثم يستعين فيما بعد، وقد يستعين من غير تقديم شيء، ثم بعد ذلك إذا صار في منتصف الطريق لا يستطيع أن يتقدم أو يتأخر، وصار ذكره في ألسنة الناس، وساد بين قومه بأنه أحرق كذا مملكة جن وشياطين، ومشى على يده مائة مقعد وكذا، إذا وصل إلى هذا الحد لا يستطيع أن يتراجع، قيل له: قرب، أشرك، مثل هذه الأمور لا بد من أن نكون على حذر منها، لا بد أن تكون الاستعانة بالشياطين والاستعانة بالجن ولو كانوا مسلمين ينبغي أن لا يسترسل فيها، ولو منع منعاً باتاً لكان له وجه.

وما بعلة غموض أو خفا

 

معلل عندهم قد عرفا

والعلة تحصل في السند، وتحصل في المتن، وتحصل فيهما معاً، العلة الخفية تحصل في السند، كما تحصل في المتن، وتحصل أيضاً في المتن والسند معاً، حديث كفارة المجلس قرر الإمام البخاري أن في إسناده علة خفيت على مسلم، وأدركها الإمام البخاري، وعلة المتن كما يقول الحافظ العراقي:

وعلة المتن كنفي البسملة

 

إذ ظن راوٍ نفيها فنقله

"علة المتن كنفي البسملة ** إذ ظن راوٍ نفيها فنقله" الحديث المتفق عليه: "صليت خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر فكانوا يستفتحون الصلاة بالتكبير، والقراءة بالحمد لله رب العالمين" هذا الحديث المتفق عليه، فهم بعض الرواة أنهم لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم، فهم، فهم النفي فنقل، فنقل على ضوء ما فهم.

وعلة المتن كنفي البسملة

 

إذ ظن راوٍ نفيها فنقله

على حسب وهمه، على حسب فهمه نقل، هذا مثلوا به لمعل المتن، لكن يمكن تخريجه على وجه يصح، شيخ الإسلام ابن تيمية وابن حجر وجمع من أهل العلم قالوا: إن النفي هنا محمول على نفي الجهر، لا يذكرون جهراً، ولا يمنع ولا ينفي أنهم يذكرونها سراً، فتتحد الروايات، الأصل في العلل أن تكون خفية غامضة، وأن تكون قادحة، لكن أطلقت العلة على غير القادحة، ولذا اشترطوا في تعريف الصحيح في العلة قيدت بكونها قادحة، انتفاء العلة القادحة.

فالأول المتصل الإسنادِ
عن مثله من غير ما شذوذِ
 

 

بنقل عدل ضابط الفؤادِ
وعلة قادحة فتوذي 

يدل على أن هناك من العلل ما لا يقدح، من العلل مثلاً كوننا لا نطلع على تعيين وتمييز هذا المهمل، تمييز المهمل، ما استطعنا، حديث عن حماد، حديث عن سفيان، ما استطعنا نميز حماد، هل هو ابن زيد أو ابن سلمة؟ ولم نستطع أن نميز سفيان هل هو الثوري أو ابن عيينة؟ هذه يسمونها علة، لكن هي قادحة أو غير قادحة؟ غير قادحة؛ لأنه أينما دار فهو على ثقة، فالعلة غير القادحة لا تؤثر، وإن سميت علة، ومثل ما ذكرنا، وما ذكر أهل العلم أن الأصل في العلة أن تكون غامضة، سبب خفي غامض، قد تطلق على الأسباب القادحة، وإن لم تكن غامضة، فأدخل في كتب العلل ما يقدح في صحة الأخبار من العلل الظاهرة كالانقطاع في الإسناد، أدخل في بعض كتب العلل ما يرويه الضعيف، هذه علل ظاهرة وليست خفية، لكنها علل يشملها مسمى العلة، وما يعل به الخبر، وإن كان الأصل في العلة أنها الغامضة الخفية، ثم قال الناظم -رحمه الله تعالى-:

وذو اختلاف سند أو متنِ

 

مضطرب عند أهيل الفنِ

 المضطرب عندهم: هو الحديث الذي يروى على أوجه مختلفة متساوية، "وذو اختلاف سند أو متن" يروى على أوجه، يروى سنده على أوجه مختلفة، يروى متنه على أوجه مختلفة متساوية، فالحديث الذي يروى على وجه واحد لا يسمى مضطرب، والذي يروى على أوجه متفقة غير مختلفة لا يسمى مضطرباً، والحديث الذي يروى على أوجه مختلفة متفاوتة متباينة يمكن الترجيح بينها هذا لا يسمى مضطرباً، بل لا بد لتسمية الخبر مضطرباً أن يروى على أوجه، على أكثر من وجه، وتكون هذه الأوجه مختلفة غير متفقة، وتكون أيضاً مع اختلافها متساوية في الدرجة؛ لأنه إذا أمكن ترجيح بعضها على بعض انتفى الاضطراب، يمثل لمضطرب السند بحديث الخط: ((إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئاً، فإن لم يجد فليخط خطاً)) هذا مثل به ابن الصلاح للمضطرب؛ لأنه روي على عشرة أوجه في سنده كلها مختلفة، ولا يمكن الترجيح بينها، لكن ابن حجر أمكنه الترجيح بينها، ونفى الاضطراب، وقال في البلوغ: "لم يصب من زعم أنه مضطرب، بل هو حديث حسن" لماذا؟ لأنه أمكنه الترجيح بين هذه الأوجه، أيضاً حديث أبي بكر وأنس وعائشة: ((شيبتني هود وأخواتها)) أراك شبة يا رسول الله؟ قال: ((شيبتني هود وأخواتها)) هذا يمثل به للمضطرب، حديث القلتين يقرر بعض أهل العلم أنه مضطرب في سنده ومتنه، وبعضهم يميل إلى ترجيح بعض الوجوه، فينتفي الاضطراب إذا رجح وجه من هذه الوجوه المختلفة انتفى الاضطراب، ولذا حديث: ((شيبتني))، حديث الخط حسنه ابن حجر ورجح، حديث ((شيبتني هود)) حسنه بعضهم، ورجح بعض الوجوه على بعض، حديث القلتين صححه جمع من أهل العلم؛ لأنهم رجحوه، وهو مضطرب في سنده ومتنه، يوجد فيه اختلاف في المتن ((إذا بلغ الماء قلتين))، ((إذا بلغ الماء قلة))، ((إذا بلغ الماء قلتين أو ثلاثاً))، ((إذا بلغ أربعين قلة))، كل هذه روايات في الحديث، لكن هم رجحوا رواية القلتين، فانتفى عندهم حينئذ الاضطراب. ­

وذو اختلاف سند أو متنِ

 

مضطرب عند أهيل الفنِ

عند أهل الحديث "أهيل الفن" أهل الحديث، والتصغير أولاً: الحاجة إليه في النظم ظاهرة، أحوجه إلى التصغير النظم، وليس كل تصغير للتحقير أو لتقليل الشأن، لا، ليس كل تصغير للتحقير، بل من التصغير ما هو للتعظيم، تصغير للتعظيم، كما قال:

"دويهية تصفر منها الأنامل".

هذا تحقير؟ هذا تعظيم، فمن أهداف الصغير التعظيم، وليكن هذا منه "عند أهيل" يعني عند أهل العلم، عند أهل الفن، عند أهل الحديث العظماء الكبار، يسمونه مضطرب، جاء من حديث عائشة أنها سألت النبي -عليه الصلاة والسلام- هل في المال حق سوى الزكاة؟ فأجاب: ((ليس في المال حق سوى الزكاة))، وجاء في رواية: ((إن في المال لحقاً سوى الزكاة)) هذه متفقة وإلا مختلفة؟ مختلفة، يمكن الجمع بينها وإلا ما يمكن؟ إذا أمكن حمله على وجه صحيح، حمل الروايتين على وجه صحيح، لا يجوز الحكم بالاضطراب، كيف يمكن حمل الروايتين على وجه صحيح وهما مختلفتان اختلافاً تاماً؟ حملهما أهل العلم على أن في المال حق سوى الزكاة حق مستحب سوى الزكاة، وليس في المال حق واجب سوى الزكاة، وينتفي الاضطراب، إذا أمكن الجمع ارتفع الاضطراب، فمهما أمكن الجمع بين النصوص يتعين، فلا يحكم على الخبر بالاضطراب إلا إذا أعيت المسالك.

والمدرجات في الحديث ما أتت

 

من بعض ألفاظ الرواة اتصلت

المدرج: هو ما يزاد في سند حديث أو متنه، ويزاد في المتن جملة أو كلمة في أوله في أثنائه في آخره، متن كامل يدرج في سند أيضاً ألحقوه بالمدرج، فحديث ثابت بن موسى الزاهد، الحديث الذي يرويه ثابت بن موسى الزاهد مخرج عند ابن ماجه مدرج، والقصة وما فيها أن شريك القاضي يحدث طلابه، فقال: حدثنا فلان عن فلان عن فلان عن فلان، فدخل ثابت بن موسى الزاهد، وهو زاهد، وغافل عن حفظ الحديث، ليست له يد ولا عناية بالحديث، لكنه عابد، صاحب عبادة، وقيام ليل، لما دخل ثابت بن موسى وقد وقف شريك على ذكر النبي -عليه الصلاة والسلام- في إسناد حديث، حدثنا فلان، قال: حدثنا فلان، قال: حدثنا فلان، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم دخل ثابت المسجد، فقال: "من كثرة صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار" ثابت لما سمع هذا الخبر، وقبله إسناد أخذ يرويه بالإسناد السابق، شريك لا يريد أن يحدث بحديث عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا يريد هذا الكلام متناً للسند الذي ساقه، إنما المناسبة كون هذا العابد دخل، وصاحب قيام ليل، وحسن وجهه بالنهار والحمد لله، صار ثابت لغفلته عن هذا الشأن يحدث، حدثنا شريك قال: حدثنا فلان عن فلان عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار" هذا إدراج متن كامل، بعضهم يمثل بهذا، وبعضهم يقول: إن هذا شبه وضع، وليس بموضوع، لا شك أنه إلصاق متن بسند ليس له، وتركيب سند على متن ليس له، الزيادة في المتن في أول الحديث كما في حديث أبي هريرة: "أسبغوا الوضوء" ((ويل للأعقاب من النار)) هذه زيادة، "أسبغوا الوضوء" من قول أبي هريرة، بدليل الرواية الأخرى: "أسبغوا الوضوء، فأني سمعت أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((ويل للأعقاب من النار)) الزيادة في أثناء المتن مثل زيادة التعبد، تفسير التحنث بالتعبد في حديث بدأ الوحي، هي من كلام الزهري تفسير، وتواطأ الرواة على نقلها من غير إضافة للزهري، فهذا إدراج، كثير ما يفسر بعض الرواة كلمة في الحديث وتندرج فيه، لكن تأتي الروايات الصحيحة مفصولة، وبهذا يستدل على الإدراج ويحكم به، بالروايات الأخرى، قد يستدل على الإدراج بكون الخبر فيه ما هو مستحيل، لما أثنى النبي -عليه الصلاة والسلام- على المملوك الذي يؤدي حق الله -جل وعلا-، وحق مواليه قال: "والذي نفسي بيده -في الحديث- لولا الجهاد، وبر أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك" وبر أمي هذا يستحيل أن يقوله النبي -عليه الصلاة والسلام- لماذا ؟ لأن أمه ماتت، ما عنده أم يبر بها، وإن قال بعضهم: أن المراد أمه من الرضاعة، وقال بعضهم: إنه يريد بذلك تعليم أمته، وأن حق الأم عظيم، وشأنها جليل، وإن قيل ذلك، لكن جاء ما يدل على أنه من قول أبي هريرة، أيضاً من قول أبي هريرة في حديث: ((إن أمتي يبعثون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء)) فمن استطاع منكم أن يطيل غرته وتحجيله فليفعل"، "فمن استطاع منكم أن يطيل غرته وتحجيله فليفعل" هذا من قول أبي هريرة، نعم ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه غسل يديه حتى أشرع في العضد، وغسل رجليه حتى أشرع في الساق، لكن كيف يتم إطالة الغرة؟ لا يمكن إطالة الغرة، نعم إطالة تحجيل ممكن، أما إطالة الغرة فلا يمكن، وبهذا حكم على هذا الكلام بأنه مدرج من قول أبي هريرة -رضي الله عنه-.

وما روى كل قرين عن أخه

 

مدبج فاعرفه حقاً وانتخه

الأقران: هم القوم المتشابهون في السن والأخذ عن الشيوخ، هؤلاء يقال لهم: أقران، يعني إذا كانوا من طبقة واحدة، متشابهين في السن والأخذ عن الشيوخ يسمون أقران، فإذا روى أحدهم عن الأخر سمي رواية الأقران، زيد وعمرو قرينان، روى أحدهما عن الأخر، روى زيد عن عمرو فقط، قلنا: رواية أقران، روى عمرو عن زيد فقط قلنا: رواية الأقران، لكن إذا حصل التزاوج، بمعنى أن زيد يروي عن عمرو، وعمرو يروى عن زيد قلنا: مدبج، هذا مدبج، روت عائشة عن أبي هريرة، وروى أبو هريرة عن عائشة مدبج، روت عائشة عن أبي هريرة فقط هذا رواية أقران، روى التابعي عن التابعي والعكس قلنا: مدبج، وإذا اقتصر أحدهم عن الأخر قلنا: راوية أقران، وهذه موجودة بكثرة، في هذا النوع فيما يذكر من الرواية، رواية الأكابر عن الأصاغر، يروي الشيخ عن تلميذه، يروي الأب عن ابنه، هذا موجود، يروي كبير السن عن صغير السن، يسمونه رواية: الأكابر عن الأصاغر، يعني أن الأصل الصغير يروي عن الكبير، التلميذ يروي عن الشيخ، لكن قد يحتاج إلى العكس، يكون عند التلميذ حديث لا يعرفه الشيخ فيرويه عنه، من أوضح الأدلة على هذا حديث الجساسة، رواه النبي -عليه الصلاة والسلام- عن تميم الداري، حديث الجساسة فهو من رواية الأكابر عن الأصاغر، صالح بن كيسان من كبار الآخذين عن الزهري، وهو أكبر منه سناً، لكنه تأخر في الطلب وحفظ الحديث فاحتاج إلى أن يروي بكثرة عن صالح بن كيسان، فهذا من رواية الأكابر عن الأصاغر، أما رواية الأصاغر عن الأكابر هذه هي الجادة وهي الأكثر، رواية الابن عن أبيه عن جده أيضاً موجودة، رواية الأخ عن أخيه هذه كلها من لطائف الأسانيد التي يعنى بها أهل العلم.

"وما روى كل قرين عن أخه" هذه لغة يسمونها في اللغة إيش؟ يعني في الأسماء الخمسة، وش المشهور في إعرابها؟ الأسماء الخمسة؟ نعم، يعني إعرابها بالحروف، ترفع بإيش؟ بالواو، وتنصب بالألف، وتجر بالياء، لكن هنا "عن أخه" الأصل: عن أخيه، هناك لغة يقال لها: لغة النقص، "بأبه"، "بأبه اقتدى عدي في الكرم"، يسمونها لغة النقص، هناك لغة ثالثة في الأسماء الخمسة لغة القصر، "إن أباها وأبا أباها" هذه لغة القصر.

وما روى كل قرين عن أخه

 

مدبج فاعرفه حقاً وانتخه

"وانتخه": أي افتخر به، واعرفه، واقصده؛ لأنه يدل على شيء من التواضع، يعني رواية القرين عن قرينه يدل على شيء من التواضع، فضلاً عن رواية الأكابر عن الأصاغر، فإن طالب العلم والإنسان عموماً لا ينبل ولا يكمل حتى يروي عمن فوقه، وعمن هو مثله، وعمن هو دونه، فإذا روى عن قرينه احتاج إلى ما عند القرين، ولم يتكبر فروى عنه احتاج إلى شيء عند غيره ممن هو دونه ولم يتكبر عن ذلك، لا شك أنه ينبل ويحصل، وهذا دليل على التواضع.

"فاعرفه حقاً وانتخه" يعني اقصده وافتخر به؛ لأنه دليل على تواضع هذا الراوي؛ لأن بعض الناس يأنف أن يروي عن شخص مثله في السن أو أصغر منه، يأنف، لكن بهذا يضيع عليه خير كثير، فلا ينبل الطالب حتى يروي عمن هو فوقه ودونه ومثله، ولا يتعلم العلم مستحي ولا مستكبر، فإذا أنف من ذلك وتكبر لا شك أنه يحرم.

متفق لفظاً وخطاً متفق
مؤتلف متفق الخط فقط 

 

وضده فيما ذكرنا المفترق
وضده مختلف فاحش الغلط

 من المباحث التي تبحث وهي في غاية الأهمية، والجهل بهذا قبيح جداً بطالب العلم، ولا بد أن يعنى بها طالب العلم، ويراجع عليها المصادر؛ لأن أسماء الرجال تختلف عن المتون، المتون قد يستدل عليها بما قبلها وما بعدها، يعني السياق يساعد في أن تفهم اللفظ، وتؤدي اللفظ، وتنطق اللفظ، نعم السياق يساعد، هذه الجملة تستطيع أن تنطقها صواباً باعتبار ما قبلها وما بعدها، لكن راوي من الرواة كيف تنطق هذا الراوي الذي خالف الجادة؟ وأنت ما راجعت عليه الكتب؟ وما أخذته من أفواه الشيوخ؟ يعني كم من شخص يغلط في عَبيدة السلماني؛ لأن الجادة عُبيدة، لكن ما مر عليه هذا، فالعناية بأسماء الرواة في غاية الأهمية، والجهل بها شنيع قبيح لطالب العلم، يعني هل يجدر بشخص من كبار الآن من الذين يشار إليهم، كبار، من الكبار، يعني عمره فوق السبعين، ويتصدر لتعليم الناس وإفتائهم يقول: سلمة بن كهبل، تقبل هذه ممن ينتسب إلى علم؟ نعم، ما تقبل، سلمة بن كهيل هذا معروف، نعم يقرأها سلمة بن كهبل هذا عيب عيب بالنسبة للصغار فضلاً عن الكبار، والطالب إذا لم يعتنِ بهذا الباب من أول الأمر بيستمر، ألفت الكتب الكثيرة في هذا، كتب المتفق والمفترق، والمأتلف والمختلف والمشتبه، كتب كثيرة جداً، فتجد الباب كل الجادة على وزن واحد يخرج واحد، عبيدة مثلاً، "متفق لفظاً وخطاً متفق" يتفق في اللفظ والخط، لكنه يفترق في الذات، هذا المتفق والمفترق، يتفق في الخط واللفظ، يفترق في الذات والحقيقة، فمثلاً ستة أشخاص كلهم الخليل بن أحمد، لكن كل واحد يختلف عن الثاني، فإذا مر بك الخليل بن أحمد في علم من العلوم وترجمة لواحد على أنه الخليل بن أحمد صاحب العروض مشكلة، يعني كثير من طلاب العلم الذي لا ينتبه لمثل هذه الأمور، وكل اسم ينبغي أن يستدل به على فنه، يعني تقرأ تعريف لغوي لمسألة من المسائل، وقال: الليث، يجيك طالب العلم ما شاء الله يرجع إلى أقرب مذكور، ويترجم لليث بن سعد الإمام، ما هو بصحيح، نعم، كل إنسان له فن، كتب اللغة تنقل عن الليث بن المظفر، فيقبح بطالب العلم أن ينتقل ذهنه من هذا إلى هذا، وقد يتكايس ويأتي بتعبير يدل على شيء من التحري، يقول: إن لم يكن بن سعد فلا أدري من هو؟ يا أخي ابحث واعرف، واقدر الأمور قدرها، ومايز بينها، يأتي في سياق كلام لغوي مثلاً: قال أبو حاتم، يترجم لأبي حاتم الرازي ما هو بصحيح، أبو حاتم السجستاني غير أبي حاتم الرازي، تأتي لعلة من العلل قال أبو حاتم: منكر، يترجم لأبي حاتم السجستاني، ما هو بصحيح يا أخي، هذه أمور لا بد من التنبه لها، لا بد من أن يتنبه لها طالب العلم، ويراجع عليها الكتب، فعندك مثلاً أبو عمران الجوني اثنين ما هو بواحد، وعندك أيضاً أحمد بن جعفر بن حمدان أربعة أشخاص، كيف تميز بين هذا وهذا؟ لا بد من معرفة لهؤلاء الأشخاص، وتضع في ذهنك احتمالات كثيرة، الخليل بن أحمد ستة، يعني مجرد ما يأتيك الخليل في أي فن من الفنون تبي تذهب وتترجم لصاحب العروض، الخليل بن أحمد الفراهيدي باعتباره أشهر واحد، نقول: ما هو بصحيح، كم شخص زل في مثل هذا لعدم خبرته بهذه الأمور، فيتفق الاسم واللقب، وأحياناً الكنية، وأحياناً يتفق رباعي ولا يكون هو، فليتحرى الطالب المقصود ويستدل على هذا، ويراجع الكتب على مثل هذا، أحياناً تأتي أسماء مهملة فيصعب تعيينها من قبل الطالب الذي ما عنده خبرة، أتصوروا شخص يبحث في فقه عالم من العلماء، رسالة دكتوراه في فقه عالم من العلماء، ما استطاع الطالب يعرف اسم هذا العالم، فقه فلان، ما استطاع، سأل الكبار والله ما وجد حل، راجع الكتب ما في فائدة، يعني تطلع فقه شخص ما تدري من هو؟ نعم يستحق البحث الرجل، واسمه يدور في كتب الفقه كثير، لكن كيف تجد النص على هذا العالم، تحتاج إلى سعة إطلاع، تحتاج إلى خبرة، تحتاج إلى تقييد الفوائد، يعني من يحل مثل هذا الإشكال، يعني مر في شرح النووي على مسلم في الجزء العاشر والحادي عشر أما فلان الذي يدور اسمه كثيراً فهو ابن فلان بن فلان بن فلان، وانتهى الإشكال، فنحتاج إلى تقييد مثل هذه الأمور، والعناية بمثل هذه الأمور، وإذا حصل الإنسان على ضبط كلمة فليودعها سويداء قلبه، يهتم بها، ما هو تمر مرور كأنها لوحات المحلات التي في الشوارع، يقرأ هذه وكأنها ما تعنيه، لا، هذا علم وأنت محتاج إلى العلوم المتكاملة، وألف في كل فرع من فروع علم الرجال كتب كثيرة، فمثل هذه الأمور في الرواة يأتي فلان بن فلان بن فلان، فأنت تظن هذا هو هذا، فواحد من المعتنين يجعل الاثنين واحد، ويجعل الواحد اثنين، المقصود أن مثل هذا ما ترك للاجتهاد؛ لأنه لا يدرك بالاجتهاد، فيه كتاب اسمه: (موضح أوهام الجمع والتفريق) للخطيب البغدادي من أعظم الكتب في تمييز مثل هذه الإشكالات، له المتفق والمفترق، له المؤتلف والمختلف، له تلخيص المتشابه في الرسم، له كتب كثيرة في هذا الباب، وهو أمام من أئمة هذا الشأن، أيضاً الحافظ بن حجر له في الباب الثاني اللي هو المؤتلف والمختلف. 

مؤتلف متفق الخط فقط

 

وضده مختلف فاحش الغلط

يعني الفاحش الغلط يعني الغلط الذي يقع فيه طالب العلم بسبب جهله في هذا الباب غلط فاحش، والسبب تقارب الكلمة في الرسم، مثلاً سلام وسلاّم الجادة سلاّم بالتشديد، استثني من ذلك أشخاص معدودين، أوصلهم بعضهم إلى خمسة، عُمارة وعِمارة كلهم عُمارة إلا والد أبي بن عِمارة، حازم هذا الجادة، وفي خازم، أبو معاوية الضرير اسمه محمد بن خازم، خراش وحراش، والد ربعي اسمه حراش بالحاء، كلهم يتفقون على هذا، إلا المنذري في مختصر سنن أبي داود، فضبطه بالخاء المعجمة، وغلطوه، عِبيدة وعُبيدة، الأمثلة كثيرة جداً، والمؤلفات أيضاً موجودة، و(المشتبه) للذهبي يحل مثل هذه الإشكالات، (تبصير المنتبه) للحافظ ابن حجر، (الإكمال) لابن ماكولا أيضاً كتاب عظيم، و(تكملة الإكمال)، الشروح، شروح كتب السنة أيضاً تعتني بهذا عناية فائقة، تضبط الأسماء، وتضبط الكلمات المشتبه في الرسم بالحرف، أحياناً بالشكل، وأحياناً بالحرف، وأحياناً بالضد، وأحياناً بالنضير، كل هذا من باب العناية، لكيلا يخطأ طالب العلم، فأحياناً يقول: حدثني حرام بن عثمان، حرام كيف تضبط حرام؟ يمكن تظن حزام أو خزام؟ حرام يقول: "بلفظ ضد الحلال" انتهى، ما يحتاج أن يقول بالمهملات، بالحاء المهملة المفتوحة، وبالراء، إلى آخره، ما يحتاج أن يقول هذا، قال: "بلفظ ضد الحلال" حرام ما أحد يخطأ في هذا، الحكم بن عُتيبة، بتصغير عتبة الدار، وهكذا، عندهم عناية يأتون بالضبط على وجوه متعددة، وأحياناً تضبط الكلمة بعد أن تكتب مجتمعة، الهجيمي تكتب هكذا، وتضبط بالحركات، ثم بعد ذلك تكتب في الحاشية مقطعة؛ لأن الحرف قد يشتبه بغيره في الاجتماع، لكن إذا أفرد صار هاء، الهاء يمكن تشتبه بغيرها إذا أفردت ما يكمن، والجيم كذلك، وإذا أفردت ونقطت وضبطت ما يمكن أن تشتبه، وأهل العلم أبدوا في هذا عناية فائقة؛ لأن الخطأ في مثل هذا شنيع، ولذلك قال: "فاحش الغلط" وذكرنا مثال لواحد الكبار يقرأ سلمة بن كهيل ابن كهبل، يعني والله ما يقبلها صغار الطلاب، منهم من يجعل قواعد فيما يشترك فيه أكثر من راوي من وصف أو كنية، مثلاً أبو حازم إذا روى عن أبي هريرة فالمراد كذا، إذا روى عن سهل بن سعد فالمراد كذا نعم، واللفظ واحد أبو حازم، يأتيك في الإسناد عن أبي حازم عن سهل بن سعد، تبحث في التابعين تجد أكثر من أبي حازم، فإذا روى عن سهل بن سعد فالمراد به سلمة بن دينار، الزاهد المعروف، إذا روى عن أبي هريرة فهو سلمان، بعد هذا يقول الناظم -رحمه الله تعالى-:

المنكر الفرد به راوٍ غدا

 

تعديله لا يحمل التفردا

المنكر سبق الإشارة إلى حد من حدوده عند بعض أهل العلم: وهو ما يخالف فيه الضعيف غيره من الرواة، فإذا وجدت المخالفة مع ضعف المخالف فالرواية منكرة، ومنهم من يطلق المنكر بإزاء تفرد من لا يحتمل تفرده، مثل حديث: ((كلوا البلح بالتمر، فإنه إذا أكله ابن أدم غضب الشيطان، وقال: عاش ابن آدم حتى أكل الجديد بالخلق)) الأيام هذه يمكن أن يأكل البلح بالتمر، نعم تفرد به أبو ذكير وليس عنده من الضبط والإتقان ما يحتمل معه تفرده؛ لأنه ليس من أهل الحفظ والضبط والإتقان، فقالوا: هذا منكر؛ لأنه تفرد به من لا يعتمد تفرده، أيضاً لفظه منكر، لماذا؟ لأن الشيطان لا يغضب من طول عمر بن آدم، قد يفرح ببن آدم إذا طال عمره، إذا كان عمره لا يستغله فيما يرضي الله -جل وعلا-، إنما يغضب إذا استعمل هذا العمر في طاعة الله -جل وعلا-، طويلاً كان أو قصيراً، هذا الذي يغضب الشيطان، ومنهم من يقول: المنكر والشاذ واحد، لا فرق بينهما.

المنكر الفرد كذا البرديجي
إجراء تفصيل لدى الشذوذ مر

 

أطلق، والصواب في التخريجِ
فهو بمعناه كذا الشيخ ذكر

يعني ابن الصلاح ذكر أن المنكر والشاذ بمعنى واحد، والشاذ كما يطلق فيما يتضمن مخالفة يطلق أيضاً على مجرد التفرد، سواء كان المتفرد ثقة أو ضعيفاً، يسمى شاذ، لكن من الشاذ ما هو صحيح، ومن الشاذ ما هو مردود، وإذا تفرد غير الثقة، غير الحافظ، غير الضابط اتجه القول بالشذوذ، والقول بالنكارة، "تعديله لا يحمل التفردا" فإذا لم يكن عند الراوي من الضبط والإتقان بحيث يحتمل تفرده حكم عليه بالنكارة.

متروكه ما واحد به انفرد

 

وأجمعوا لضعفه فهو كرد 

المتروك: ما يرويه المتهم بالكذب، أو يتفرد به راوٍ بحيث لا يعرف الخبر إلا من قبله، ويكون الخبر مخالف للقواعد المعلومة من الدين، فيكون الخبر متروكاً، وراويه متهم، فالمتروك ما يرويه المتهم بالكذب، فمتى يتهم الراوي بالكذب؟ يتهم الراوي بالكذب إذا عرف بالكذب في حديثه العادي مع الناس، ولم يثبت عنه أنه كذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- يتهم بالكذب، لأن هذا لا يتورع عن أن يكذب، مادام معروف بالكذب في حديثه مع الناس يتهم بالكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا يرمى بالكذب، ولا يقال: يكذب ولا كذاب حتى يثبت فيه أنه كذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- ولو مرة واحدة، ما يرويه المتهم بالكذب يسمى متروك.

متروكه ما واحد به انفرد

 

وأجمعوا لضعفه فهو كرد

يعني من اتفق العلماء على ضعفه، يعني لا يوجد من يوثقه، وكل من تكلم فيه تكلم فيه بالضعف، أجمعوا على ضعفه يسمى خبره المتروك "فهو كرد" يعني مثل المردود، الرد: مصدر رد يرد رداً، مصدر يراد به اسم المفعول المردود "فهو كرد" يعني كالمردود، والمردود أولى ما يطلق عليه الرد الموضوع المكذوب المختلق على النبي -عليه الصلاة والسلام-، فهو في حكمه، لماذا صار في حكمه؟ لأن ضعفه شديد، فلا يقبل الإنجبار، فوجوده مثل عدمه، والله أعلم.  

 

وصلى الله وسلم وبارك على ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"