شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (167)
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقة في برنامجكم: شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، مع بداية حلقتنا يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، ونشكر له تقبله بإجابة الدعوة، فأهلًا بكم فضيلة الدكتور.
حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.
المقدم: لازلنا مع الإخوة والأخوات في كتاب العلم، في باب من أعاد الحديث ثلاثًا ليفهم عنه، في حديث أنس -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان إذا تكلم بكلمةٍ أعادها ثلاثًا حتى تفهم عنه، وتوقفنا عند هذه النقطة يا شيخ.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المقدم: صلى الله عليه وسلم.
في قوله والكلام لأنس -رضي الله عنه- حتى تفهم عنه، حتى هذه مرادفةٌ هنا لكي التعليلية تفهم عنه. يقول الراغب في المفردات: الفهم هيئةٌ للإنسان بها يتحقق معاني ما يحسن، يقال: فهمت كذا، وقوله تعالى: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ}[الأنبياء:79]، وذلك إما بأن جعل الله له من فضل قوة الفهم ما أدرك به ذلك، وإما بأن ألقى ذلك في روعه، وإما بأن أوحى إليه وخصه به وأفهمه. إذا قلت له: حتى تصوره، يعني إذا كررت الكلام حتى تصور نعم سواءٌ أن كررته بلفظه أو بمعناه أو بمعانيه المحتملة، والاستفهام أن يطلب من غيره أن يفهمه، أقول الفهم نعمةٌ عظيمة من الله -جل وعلا-.
الأخ الحاضر: ................
امتن بها على سليمان، نعم ساقها سياق الامتنان، فهي نعمةٌ من الله -جل وعلا- بشرطها. وشرطها ماذا؟ الشكر، الصحة نعمة، القوة نعمة، وجميع النعم التي لله -جل وعلا- على عباده وهي لا تعد ولا تحصى هذه لا شك أنها إنما تكون نعمًا بشرطها، وشرطها الشكر، وإلا انقلبت نقمة.
المقدم: نقمة.
والشكر في مثل هذه الأمور هو استعمالها فيما خُلِقت له، فيما ينفع ويقرب إلى الله -جل وعلا-، أقول شكر هذه النعم هو باستعمالها فيما يرضي الله -عز وجل- بأن يُفهم عنه مراده، ويمتثل ما تضمنه الأمر والنهي. فإذا كان من أُعطي هذه النعمة واستعملها في فهم مراد الله -جل وعلا- في كتابه وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- ليعمل بها، ويعبد الله على بصيرة، ولكي ينفع غيره، فهذا شكر هذه النعمة، لكن إذا استعملها استعمل هذه النعم في السخرية من الناس، أو استعملها في الحيل التي يتوصل بها إلى ما حرم الله -عز وجل-، يوجد هذا كثير مع الأسف الشديد فيمن وُهِب هذه النعمة فلم يشكرها، يعني الأبله هل يمكن أن يخسر من الناس يضحك عليهم؟ أو يستعمل الحيل؟ لا يستطيع، لكن من وُهِب هذا الفهم السريع، وهذا الذكاء الخارق، إذا لم يحالفه الزكاء من الله -جل وعلا- فإن ذكاءه في الغالب يكون وبالًا عليه.
خرج البزار من حديث أنس -رضي الله عنه- قال: «أكثر أهل الجنة البله» يعني من هذا الباب يتميز هؤلاء بعدم إدراكهم السريع، بحيث لا يوجد عندهم ما يؤهِّلهم للضحك على الناس أو التحايل عليهم، وهم في الغالب يمتازون بسلامة الصدور؛ لأن كونه كثير من الأمور تمر على الإنسان من غير انتباهٍ لها لا شك أنه يسلم من مغبتها. لكن إذا انتبه لها ووظَّفها فيما يرضي الله -عز وجل- فلا شك أن هذا أكمل من البله.
وجدنا من الناس من يتميز بالذكاء الخارق، ويحضر الدروس يقول: إنه لا يستفيد كلمة، لماذا؟ لأن كل كلمة يسعى إلى تأوليها وتقليبها على وجوه ليحفظها نكتةً ينكت بها، هذا موجود، وهذا سببه إيش؟ الذكاء مع تخلف الزكاء أيضًا. هذا الفهم إذا لم يسلك ولم يخزم ويزم بزمام الشرع، والاهتداء بهدي السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان يزل، ولذلك رؤوس المبتدعة هل عندهم نقص ذكاء؟
المقدم: لا.
ما عندهم نقص ذكاء. لكن لم يكتفوا بالاهتداء بكتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- وسلف هذه الأمة، فتخلف.. فوجد الذكاء ولم يوجد الزكاء، ووصلوا إلى ما وصلوا إليه. الحديث الذي خرجه البزار «أكثر أهل الجنة في البله» رمز له السيوطي بالضعف في الجامع الصغير، وقال شارحه المناوي: قال الهيثمي: فيه سلامة بن روح، وثقه ابن حبان وغيره، وضعفه أحمد بن صالح وغيره، وقال الزين العراقي في هذا الحديث: قد صححه الداقطني في التذكرة، وليس كذلك، فقد قال ابن عدي: إنه منكر، وسبقه له ابن الجوزي فقال: حديثٌ لا يصح، وقال الدارقطني: تفرد به سلامة عن عقيل، وهو ضعيف. وقال المناوي شارحًا الحديث: المتجه تضعيفه، لكن من حيث المعنى لا يلزم أن يكونوا أكثر أهل الجنة، لكن في الغالب أنهم فيهم سلامة الصدور، وفيهم أيضًا السلامة من الهمز واللمز والحيل وما أشبه ذلك والمكر والخداع.
المقدم: لكن هذا على فهم مراد البله، لكن ليس الذي عند الناس البله الغبي من لا يفهم، هل البله هذا المراد به؟
يأتي هنا يقول المناوي شارحًا الحديث: البُله بضم الباء، أي الغافلون عن الشر، المطبوعون على الخير أو الذين خلوا عن الدهاء والمكر، وغلبت عليهم سلامة الصدور وهم عقلاء.
المقدم: نعم.
وهم عقلاء.
المقدم: نعم.
قال الزبرقان: خير أولادنا الأبله العقول، يعني يفهم السؤال، الخطاب، ويرد الجواب المطابق، ويتقن عمله الذي يسند إليه، لكن لا ينتبه لكثيرٍ من الأمور التي تعوقه عن أمور دينه. وقال:
ولقد لهوت بطفلةٍ ميالةٍ بلهاء تطلعني على أسرارها.
وقال الغزالي: الأبله البليد في أمور الدنيا؛ لأن قوة العقل مهما كان الإنسان أوتي عقلًا لا تفي بعلوم الدنيا والآخرة جميعًا.
المقدم: صحيح.
نعم، وهما علمان متنافيان، فمن صرف عنايته إلى أحدهما، قصرت بصيرته عن الأخرى على الأكثر. ولذلك ضرب عليٌّ -رضي الله عنه- للدنيا والآخرة ثلاثة أمثلة فقال: هما كفتا ميزان، هما كفتا ميزان، ما مقتضى هذا؟ أنه إذا كانت كفتا ميزان.
المقدم: لازم يتوازنان.
لازم من التوازن، وهذا صعب، يعني هل يتصور أن الإنسان يتعامل في أمور دينه ودنياه على حدٍ سواء بحيث لا يرجح أحدهما ولو بشعرة. إذًا لابد من الرجحان، فإذا رجحت الدنيا، صارت على حساب..
المقدم: الآخرة.
الآخرة، والعكس هما كفتا ميزان، وكالمشرق والمغرب. هل يمكن لإنسان واحد أن يشرق ويغرِّب معًا؟ لا، وكالضرتين إذا أرضيت إحداهما أسخطت الأخرى، وقال الحسن: أدركنا أقوامًا لو رأيتموهم لقلتم مجانين، ولو رأوكم لقالوا شياطين.
المقدم: .............
نعم نعرف أناسًا من هذا النوع.
المقدم: صحيح.
نعرف أناسًا من هذا النوع الذي ذكره الحسن يعني عامة الناس مسكينٌ والله فلان معطل نفسه ومعطل طاقته، وبإمكانه أن يستفيد من كذا، ويفعل كذا، لكنه ملتفتٌ إلى آخرته، وهو يقول بدوره أيضًا...
المقدم: إن الناس شياطين..
هذا شيطان الذي يلهث لهذه الدنيا وغافلٌ عن آخرته.
المقدم: أدركنا أقوامًا.
أدركنا أقوامًا لو أدركتموهم، لقلتم مجانين.
المقدم: ....
ولو رأوكم لقالوا شياطين، لكن لا يعني هذا أن الإنسان إما أن يميل بالكلية إلى الآخرة، أو يميل بالكلية للدنيا، لا، التوازن مطلوب. والله -جل وعلا- يقول: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}[القصص:77]
المقدم: {وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}[القصص:77].
{وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}[القصص:77]؛ لأن الآخرة لا تكون إلا بالدنيا، والدنيا هي المزرعة، لكن لا تكون الدنيا غاية، تكون وسيلة لتحقيق الهدف الذي من أجله خلق الإنسان، وهو تحقيق العبودية لله -جل وعلا-. وفي النهاية البله جمع الأبله، وهو الغافل عن الشر، المطبوع على الخير، وقيل: هم الذين غلبت عليهم سلامة الصدور وحسن الظن بالناس؛ لأنهم أغفلوا أمر دنياهم، فجهلوا حذق التصرف فيها، وأقبلوا على آخرتهم فشغلوا أنفسهم بها، فاستحقوا أن يكونوا أكثر أهل الجنة، فأما الأبله الذي لا عقل له فغير مراد في هذا الحديث، وهذا على فرض صحة الخبر.
المقدم: نعم.
نعم، ومن تأمل قول الله -جل وعلا- في سورة الروم {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}[الروم:6]، بعدها إيش يعلمون؟
المقدم:.........
لا يعلمون {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا َ}[الروم:7].
المقدم: صحيح.
نعم، فالتقابل في قوله: لا يعلمون، ويعلمون، يعني لا يعلمون من أمور الآخرة..
المقدم:
إنما {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}[الروم:7] لو عرفوا حقيقة الحياة الدنيا، لتعلموا ما يفيدهم في الآخرة. فدل على أن الذي يصرف همته إلى الدنيا يعرف الأمور الظاهرة، لكن حقائق الأمور..
المقدم: لا يعرفها.
لا يعرفها ولو برع في أدق الأمور، فإنه لا يعرف إلا الظاهر؛ لأن الباطن من أمر الدنيا حقيقة أمر الدنيا وباطنها إنما هو ما ينفعه في الآخرة، وفي مجمع بحار الأنوار في غرائب التنزيل ولطائف الأخبار، لمن؟ لمحمد طاهر الفتني الهندي هذا متوفّى سنة ستٍ وثمانين وتسعمائة يقول: الفهم في العلم.
الأخ الحاضر: ....
في غريب القرآن والحديث، ولذلك يقول في غرائب التنزيل ولطائف الأخبار، يقول: الفهم في العلم، وهو بسكون الهاء وفتحها، أي في المعلوم، وإلا فالفهم نفس العلم يسلم هذا؟ نعم أو الفهم إذا اقترن به الحفظ، صار وسيلةً لتحصيل العلم، لكن إذا قلت: علمت الشيء وفهمته وفقهته «من يرد الله به خيرًا يفقهه».
المقدم: يفقهه.
يفقهه يعني يفهمه، هل مقتضى هذا أنه مجرد فهم من دون تحقق الوصف الذي هو العلم والفقه، يكفي أو لا بد أن تكون هذه الكلمات مترابطة؟
المقدم: صح.
فقه، وهو الفهم، وهو أيضًا العلم؛ لأن الحديث فيه حثٌّ على التعلم والعلم وتحصيل العلم، فكلامه له وجه من هذه الحيثية، وكذا في الخبر لما سئل عن علي، علي -رضي الله عنه- سئل: هل خصكم النبي -صلى الله عليه وسلم- بشيء؟
المقدم: قال: لا.
قال: لا، إلا فهمٌ بهما يعني الكتاب والسنة، يعطيه الله، أي الاستنباط من القرآن والعقل والدية نعم؛ لأنها عنده..
المقدم: نعم.
ويدخل فيه وجوه القياس والاستنباطات، وإنما سأله ردًّا؛ لزعم الشيعة أنه خص أهل بيته سيما عليًّا بأسرارٍ من الوحي، أو لأنه كان يرى منه علمًا وتحقيقًا لا يجده عند غيره، عند علي من دقة الفهم قد يقال: إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- خصه بهذا، لكنه -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- نفى ذلك، ولذا في الحديث الصحيح: «إنما أنا قاسم، والله معطٍ» والقاسم يلزمه العدل، فقسم علمه -عليه الصلاة والسلام- على الأمة بالسوية.
المقدم: والله سبحانه وتعالى..
والله -جل وعلا- أعطى كل واحدٍ ما يصلحه وما قُدر له.
المقدم: الله أكبر.
وللترمذي والحاكم في المستدرك: حتى تعقل عنه بدل حتى تفهم عنه، قال ابن حجر: وَهِم الحاكم في استدراكه، وفي دعواه أن البخاري لم يخرجه، المستدرك للحاكم وظيفته تخريج أحاديث على شرط الشيخين أو على شروطٍ لم يخرجاه.
المقدم:
لأنه استدراك، فيكيف يخرج هذا الحديث وهو مخرج في البخاري؟
المقدم: يمكن لأن اللفظة الزائدة فيه..
ما تسمى حديثًا ولو خرج من أجله. يقول ابن حجر: هو عنده أوهام في هذا، خرج أحاديث موجودة في الصحيحين، لكنها بالنسبة لحجم الكتاب ليست كثيرة. قال ابن حجر: وهم الحاكم في استدراكه ودعواه أن البخاري مخرجه. وقال الترمذي: حسنٌ صحيحٌ غريب إنما نعرفه من حديث عبد الله بن المثنى، "وإذا أتى على قومٍ" الجملة الثانية.
المقدم: وإذ.
"وإذا أتى على قومٍ أي" وكان إذا أتى، عندك الأولى أنه كان إذا تكلم، وإذا أتى، والمراد وكان إذا أتى
المقدم: أتى.
لأن العطف عندهم على نية تكرار العامل، ما معنى على نية تكرار العامل؟ عندك كان هنا.
المقدم:......
تكررها هنا؛ لأنك عطفت، أي وكان إذا أتى لأن العطف على نية تكرار العامل، فسلم عليهم، هذا جواب الشرط أو من تتمة الشرط؟
المقدم: من تتمة.
وقوله: سلّم عليه هو الجواب، قاله ابن حجر، وقال الكرماني: فسلم ليس جوابًا لـ إذا، بل الجواب وسلم وفسلم من تتمة الشرط.
قال الإسماعيلى: يشبه أن يكون ذلك كان إذا سلم سلام الاستئذان على ما رواه أبو موسى وغيره، وأما أن يمر المار مسلِّمًا فالمعروف عدم التكرار، يعني يطرق الباب للاستئذان السلام عليكم هذه مرة، يطرقه ثانية السلام عليكم، يطرقه ثالثة السلام عليكم، إن أذن له وإلا..وإلا انصرف كما مر في حديث أبي موسى.
المقدم: نعم.
لكن إذا مر بشخص.
المقدم: سلم ثلاث مرات.
ثلاث مرات السلام عليكم.
المقدم: لا....
هذا رأي الإسماعيلى يقول: يشبه أن يكون ذلك كان إذا سلم سلام استئذان على ما رواه أبو موسى وغيره أن يمر المار مسلمًا، فالمعروف عدم التكرار، طيب ما أورده في المار وإن كان الحافظ ابن حجر يؤيد كلام الإسماعيلى ما أورده في المار، ألا يرد في الاستئذان؟ يعني افترض أن المار ما سمع.
المقدم: يرد.
هذا المستأذن عليه جالس خلف الباب السلام عليكم وعليكم السلام يستأنف ثلاثًا أم تكفي؟
المقدم: يسمع في الأولى ..
في الأولى إذًا لا يحتاج إلى تكرار، فما ورد في الاستئذان يرد أيضًا في السلام على المار وعلى الجالس. والمسألة مسألة حاجة؛ لأن التكرار ليفهم عنه ويعقل عنه. قال ابن حجر: وقد فهم المصنف هذا بعينه، فأورد هذا الحديث مقرونًا بحديث أبي موسي في قصته مع عمر كما سيأتي في الاستئذان، لكن يحتمل أن يكون ذلك كان يقع أيضًا منه إذا خشي أنه لا يسمع سلامه، وأما ما ادعاه الكرماني من أن الصيغة المذكورة تفيد الاستمرار مما ينازع فيه، يعني هل من ديدنه -عليه الصلاة والسلام- أنه كلما سلم سلم ثلاثًا؟ مع هذا قيام الحاجة إلى التكرار، يقول: وأما ما ادعاه الكرماني من أن الصيغة المذكورة تفيد الاستمرار مما يُنازع فيه، يعني ابن حجر ينازع الكرماني في كونها تفيد الاستمرار، قد تقتضيه أحيانًا، وهذا هو الغالب، وقد ترد لمرةٍ واحدة، والله أعلم، وفي شرح الخطابي اسمه..
المقدم: أعلام الحديث.
أعلام الحديث، مر بنا مرارًا، وقد يسميه أهل العلم أعلام السنن، في مقابلة معالم السنن شرح سنن أبي داود، أما إعادته -صلى الله عليه وسلم- الكلام ثلاثًا فإنما كان يفعله لأحد معنيين؛ أحدهما: أن يكون بحضرته من يقصر فهمه عن وعي ما يقوله فيكرر القول ليقع به الفهم؛ إذ هو مأمورٌ بالتبليغ والبيان، وإما أن يكون قول الذي يتكلم به نوعًا من الكلام الذي يدخله الإشكال والاحتمال، فيظاهر بالبيان؛ لتزول الشبهة فيه ويرتفع الإشكال معه، يعني الفائدة من التكرار والداعي للتكرار..
المقدم: إما وجود من لا يفهم أو يشك ألا يفهم.
أو وجود من لا يسمع مثلًا؛ إما لكثرة جمع، أو لبعد مثلًا، أو لضعف في السمع، يكرر عليه مثل ذلك، أو لكون الكلام صعبًا لا يُفهم من أول مرة.
المقدم:...
وأما تسليمه ثلاثًا فيشبه أن يكون ذلك في الاستئذان. إذا زار قومًا فسلم عليهم فلم يؤذن له سلم ثانية وثالثة، فقد روي عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إذا استأذن أحدكم ثلاثًا فلم يُؤذَن له فليرجعْ» الحديث في البخاري، وقوله: روي صيغة تمريض، فلا يحصل مثل هذا «إذا استأذن أحدكم ثلاثًا فلم يؤذن له فليرجع»، وقد روي عن سعد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- "جاءه وهو في بيته فسلم فلم يجبه، ثم سلم ثانيًا»".
المقدم: فلم يجبه.
"فلم يجبه، ثم ثالثًا فانصرف فخرج سعد وتبعه وقال: يا رسول الله".
المقدم: أردت أن استأذنك.
"سمعت بأذني تسليمك، ولكني أردت أن أستكثر من بركة تسليمك"، والحديث مخرجٌ في المسند من حديث أنس، وخرجه أبو داود من حديث قيس بن سعد بن عباده مطولًا، قال الكرماني: قيل: وفيه نظر، وفيه نظر، يعني حمله على الاستئذان قيل: وفيه نظر؛ لأن تسليمة الاستئذان لا تثنى إذا حصل الإذن بالأولى، ولا تثلث إذا حصل بالثانية، ثم إنه ذكره بحرف إذا المقتضي لتكرار الفعل كرةً بعد أخرى، فدل على أنه باستمرار يفعل هذا، يسلم ثلاثًا، لكن هل معنى هذا يسلم ثلاثًا ولو قيل له: تفضل لأول مرة؟ هل يفهم من كلام الكرماني هذا؟
المقدم: بالنسبة للاستئذان؟
يقول: وفيه نظر؛ لأن تسليمة الاستئذان لا تثنى إذا حصل الإذن بالأولى، ولا تثلث إذا حصل بالثانية، ثم إنه ذكره بحرف إذا المقتضية لتكرار الفعل كرةً بعد أخرى.
المقدم: .............
الكرماني يرى أن هذه الصيغة مستمرة.
المقدم: نعم.
عنده -عليه الصلاة والسلام-.
المقدم: وليست في الاستئذان.
وليست في الاستئذان، وليست في السلام على المار؛ لأن هذه تقدر بقدر الحاجة. إذًا كيف نجمع بين ملازمة النبي -عليه الصلاة والسلام- للاستئذان.. للسلام ثلاثًا، وبين كون السلام لا يُكرّر إلا للحاجة؟
المقدم: خصوصًا أنه يشكل يعني لما يأتي مثل هذا فسلم عليهم سلم ثلاثًا، يشكل أن يكون الإنسان يدخل مجلسًا ثم يسلم ثلاثًا وقد سمعه كل من بالمجلس ورده عليه.
لكن هو يرى أن إذا تقتضي تكرار الفعل.
المقدم: وبالتالي هنا إشكال.
إشكال كيف يحل هذا الإشكال؟
المقدم: ما رأيك أن نحل الإشكال في حلقة قادمة للمستمع يا شيخ، لعله يكون مجالًا للبحث أيضًا للإخوة والأخوات؟
إذًا أيها الإخوة هذا إشكالٌ سنبتدئ الحديث في الحلقة القادمة بإذن الله في حله من خلال ما سيتفضل به فضيلة الشيح في حلقةٍ قادمة بإذن الله. شكرًا لمتابعتكم، لقاؤنا بكم في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى، وأنتم على خيرٍ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.