شرح اختصار علوم الحديث (05)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وإمام المرسلين، نبينا محمد عليه وعلى آله أفضل الصلوات وأتم التسليم، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمنا الله وإياه والمسلمين أجمعين-:
(النوع العاشر: المنقطع)
قال ابن الصلاح: وفيه في الفرق بينه وبين المرسل مذاهب.
قلت: فمنهم من قال: هو أن يسقط من الإسناد رجل، أو يذكر فيه رجل مبهم.
ومثَّل ابن الصلاح الأول بما رواه عبد الرزاق عن الثوري عن أبي إسحاق عن زيد بن يثيع عن حذيفة مرفوعاً: ((إن وليتموها أبا بكر فقوي أمين...)) الحديث، قال: فقيه انقطاع في موضعين: أحدهما: أن عبد الرزاق لم يسمعه من الثوري، إنما رواه عن النعمان بن أبي شيبة الجَنَدي عنه، قال والثاني: أن الثوري لم يسمعه من أبي إسحاق إنما رواه عن شريك عنه، ومثَّل الثاني: بما رواه أبو العلاء بن عبد الله بن الشخير عن رجلين عن شداد بن أوس، حديث: ((اللهم إني أسألك الثبات في الأمر))، ومنهم من قال: المنقطع مثل المرسل، وهو كل ما لا يتصل إسناده، غير أن المرسل أكثر ما يطلق على ما رواه التابعي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
قال ابن الصلاح: وهذا أقرب، وهو الذي صار إليه طوائف من الفقهاء وغيرهم، وهو الذي ذكره الخطيب البغدادي في كفايته، قال: وحكى الخطيب عن بعضهم: أن المنقطع ما روي عن التابعي فمن دونه، موقوفاً عليه من قوله أو فعله، وهذا بعيد غريب، والله أعلم.
يقول الحافظ -رحمه الله-: "النوع العاشر: المنقطع"، وهو اسم فاعل من الانقطاع ضد الاتصال، فالأصل في المنقطع أنه ما يقابل المتصل، على أي وجهٍ كان انقطاعه، سواء كان حذف من مبادئ السند، أو من أثنائه، أو من آخره راوٍ أو أكثر من راوي، على التوالي أو على التفريق، ما دام الانقطاع يقابل الاتصال هذا هو الأصل فيه، لكن أهل الاصطلاح خصصوا كل نوعٍ من الانقطاع باسمٍ خاص، فجعلوا المرسل ما سقط من أعلى سنده، ما رفعه التابعي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وجعلوا المعلق ما حذف من مبادئ إسناده من جهة المصنف، وجعلوا المعضل ما سقط منه اثنين فأكثر على التوالي، وبقي ما يحتمل من الصور، خصوا باسم المنقطع، أخرجوا هذه الصور الثلاث عن عموم الانقطاع وسموا كل صورةٍ باسمها الخاص، فبقي ما عدا ذلك على الأصل، وعلى هذا يكون تعريف المنقطع ما حذف من أثناء إسناده ليخرج بذلك المعلق والمرسل راوٍ واحد، أو أكثر من راوي لا على التوالي، يعني في أكثر من موضع ليخرج بذلك المعضل، هذا الذي استقر عليه الاصطلاح عند أهل العلم، وإن كان الخلاف أيضاً قائماً بينهم وبين غيرهم من الفقهاء والأصوليين عند أهل الحديث وغيرهم.
فيقول ابن الصلاح: "وفيه في الفرق بينه وبين المرسل مذاهب"، يقول الحافظ ابن كثير: "قلت: فمنهم من قال: هو أن يسقط من الإسناد رجل"، يسقط من الإسناد رجل من أي موضع؟ من مبادئه هذا المعلق، من آخره هذا المرسل، من أثنائه هذا هو المنقطع، "أو يذكر فيه رجل مبهم"، عرفنا أن ما يذكر فيه رجل مبهم لا يسمى منقطع بل متصل، إسناده متصل لكن يبقى الإبهام جهالة في حال الراوي، جهالة ذات للراوي، لا نقول: جهالة عين وجهالة حال إنما هي جهالة ذات.
ثم ذكر مثالين نقلا ًعن ابن الصلاح مثل ابن الصلاح للأول بما رواه عبد الرزاق عن الثوري عن أبي إسحاق، نعم هذا ينطبق عليه حد المنقطع، لماذا؟
لماذا؟ لأنه سقط من أثنائه أكثر من راوي من أكثر من موضع، فعبد الرازق لم يروه عن الثوري، لم يسمعه عن الثوري، وإنما رواه عن النعمان بن أبي شيبة الجندي، وأيضاً الثوري لم يسمعه من أبي إسحاق، وإنما رواه عنه بواسطة شريك فهذا ينطبق عليه الحد الذي استقر عليه الاصطلاح، وأما الثاني ما فيه راوٍ مبهم ما رواه أبو العلاء بن الشخير عن رجلين، عن شداد بن أوس حديث: ((اللهم إني أسألك الثبات في الأمر)) ففيه إبهام وليس فيه انقطاع، وهذا جارٍ على ما يراه بعضهم مما يؤيده أن وجود الراوي المبهم مثل عدمه، كأنه لم يذكر، وجود الراوي المبهم مثل عدمه، فكأنه غير موجود، لكن كونه عن رجلين وإن كانا مبهمين هو أقوى من روايته عن رجلٍ واحد ففيه قوة.
على كل حال ما فيه راوٍ مبهم على الاصطلاح ليس بمنقطع، وإنما هو متصل في إسناده من يجهل، "ومنهم من قال: المنقطع مثل المرسل، وهو كل ما لا يتصل إسناده"، هذا هو الأصل فيه، أن كل ما لا يتصل إسناده هو المنقطع، لكن أهل الاصطلاح خصوا المنقطع بما عدا الصور الثلاث التي أشرنا إليها، "غير أن المرسل أكثر ما يطلق على ما رواه التابعي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، المسألة غلبة يعني أكثر ما يطلق المرسل على هذا، وإلا فقد يقال في المنقطع: مرسل، كما إذا قيل: أرسله فلان ووصله فلان، فمعناه أنه لم يصل إسناده على أي وجهٍ كان انقطاعه،"قال ابن الصلاح: وهذا أقرب"، ولا شك أن هذا يؤيده الأصل، "وهو الذي سار إليه طوائف من الفقهاء وغيرهم، والذي ذكره الخطيب البغدادي في كفايته"، وهو أيضاً الذي نصره ابن عبد البر في التمهيد، وقال النووي: هو الصحيح، إذا نظرنا إلى الأصل في الانقطاع وهو ما يقابل الاتصال، نعم يؤيد، يؤيد هذا، لكن يبقى أن تخصيص كل نوع باسمٍ خاص أولى، والذي سلكه جمهور أهل الحديث، يقول الحافظ العراقي:
وسم بالمنقطع الذي سقط |
| قبل الصحابي به راوٍ فقط |
وقيل: ما لم يتصل، وقال: بأنه الأقرب لا استعمالاً؛ لأنه الأقرب يعني من حيث الأصل لا في الاستعمال، قال: "وحكى الخطيب عن بعضهم أن المنقطع ما روي عن التابعي فمن دونه موقوفاً عليه من قوله أو فعله وهذا بعيد غريب" هذا كلام البرديجي، وهو الذي سبق أن أشرنا إليه في قوله: "وعكسه اصطلاح البردعي"، البردعي هو البرديجي، أحمد بن هارون أبو بكر، يرى أو يطلق المنقطع ويريد به المقطوع، يطلق لفظ المنقطع ويريد به ما روي عن التابعي فمن دونه، أبعد من هذا قول إلكيا الطبري الراسي: هو قول الرجل بدون إسناد قال: رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وزعم أنه مصطلح المحدثين، بدون إسناده، يعني ولو تأخر عصره يقول: قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- اصطلاح المحدثين هذا هو المنقطع، نعم هو ليس له إسناده فضلاً عن أن يكون منقطع أو متصل.
(النوع الحادي عشر: المعضل)
وهو ما سقط من إسناده اثنان فصاعداً، ومنه ما يرسله تابع التابعي، قال ابن الصلاح: ومنه قول المصنفين من الفقهاء: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقد سماه الخطيب في بعض مصنفاته مرسلاً، وذلك على مذهب من يسمى كل ما لا يتصل إسناده مرسلاً، قال ابن الصلاح: وقد روى الأعمش عن الشعبي قال: ((ويقال للرجل يوم القيامة: عملتَ كذا وكذا؛ فيقول: لا، فيختم على فيه))..الحديث قال: فقد أعضله الأعمش؛ لأن الشعبي يرويه عن أنس عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: فقد أسقط منه الأعمش أنساً والنبي -صلى الله عليه وسلم-، فناسب أن يسمى معضلاً.
النوع الحادي عشر: المعضل: وهو اسم مفعول من الإعضال واشتقاقه من حيث ومأخذه من حيث اللغة مشكل، ووجه الإشكال كما قال بعضهم: أنه في الأصل مأخوذ من عول الثلاثي، وليس من الرباعي أعضل، لأنه مأخوذ من اللازم لا من المتعدد، فأعضل يعضل فهو معضَل هذا يكون قد عدي بالهمزة، لكن السخاوي يرى أنه لا مانع أن يكون أيضاً من الرباعي المتعدي، قالوا: أعضله فهو معضل وعضيل، كما في أعله المرض فهو عليل، بمعنى مفعل وفعيل، وهذا إنما يستعمل في المتعدي، لكن جمهور من كتب في المصطلح يقول: إنه من اللازم، بعض الألفاظ لا تستعمل إلا على صيغة المفعول المجهول، تُنتج الناقة، كما تُنتج البهيمة، هنا الحديث المعضل هل الحديث أعضله الراوي بحذف راويين من إسناده أو الحديث هو الذي أعضل العلماء؟ بمعنى أنه أتعبهم في البحث عن ما سقط من رواته، يعني ليس مثل المنقطع سقط واحد، لا، سقط أكثر من واحد على التوالي.
على كل حال هذا لفظ استعمله العلماء، وحدوه بما ذكروه من أنه: ما سقط من إسناده اثنان فصاعداً، شريطة أن لا يكون الساقط من مبادئ الإسناد، ليخرج بذلك المعلق، وأن يكون هذان الساقطان على التوالي، ولذا يقول الحافظ العراقي -رحمه الله-:
والمعضل الساقط منه اثنانِ |
| فصاعداً ومنه قسم ثاني |
أضاف بعض الآخذين على الناظم قوله:
والشرط في ساقطه التوالي |
| والانفراد ليس بالإعضالِ |
على هذا أن يكون على الولاء ما سقط منه راويان فأكثر على التوالي، أما إذا سقط منه أكثر من راوي لا على التوالي فإنه يسمى منقطع على ما تقدم، وأن لا يكون الساقط من مبادئ الإسناد ليخرج بذلك المعلق، نعم من سقط منه اثنان من أعلى إسناده سقط منه الصحابي والتابعي هذا معضل، وما سقط منه الصحابي ذكر به التابعي ووقف المتن عليه هذا أيضاً سموه معضل؛ لأنه أُسقط منه الصحابي والنبي -عليه الصلاة والسلام-، قالوا: وهذا باستحقاق اسم الإعضال أولى.
يقول: "ومنه ما يرسله تابع التابعي"، يعني يسقط الصحابي والتابعي، لكن إذا وقف متنه على التابعي فهذا أيضاً معضل على ما ذكرنا، "قال ابن الصلاح: ومنه قول المصنفين من الفقهاء: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقد سماه الخطيب في بعض مصنفاته مرسلاً، وذلك على مذهب من يسمي كل ما لا يتصل إسناده مرسلاً"، عرفنا أن فيه تداخل بين أنواع الانقطاع من حيث الحد واختلاف التمييز بينها، لكن الذي استقر عليه الاصطلاح هو ما ذكرنا، "قال ابن الصلاح: وقد روى الأعمش عن الشعبي قال: –يعني موقوف على الشعبي- ((يقال للرجل يقوم القيامة: عملت كذا وكذا، فيقول: لا: فيختم على فيه..)) الحديث، قال: فقد أعضله الأعمش -يعني حذف الصحابي وحذف النبي -عليه الصلاة والسلام- لأن الشعبي يرويه عن أنس عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: فقد أسقط الأعمش أنساً والنبي -صلى الله عليه وسلم-، فناسب أن يسمى معضلاً"، يقول ابن الصلاح: هذا باستحقاق اسم الإعضال أولى، لكن ابن جماعة قال: هذا فيه نظر، لماذا؟ لأن مثل هذا لا يقال بالرأي، فله حكم الرفع، وحينئذٍ يكون الساقط منه الصحابي فقط، والرسول -عليه الصلاة والسلام- وإن كان محذوفاً من السند إلا أنه في حكم الموجود، هذا وجه تنظير ابن جماعة، يقول: الراوي قد أسقط الصحابي فقط، وعلى هذا يكون حكمه حكم المرسل.
بعض الكبار من الأئمة أطلق الإعضال على ما لم يسقط من إسناده شيء، سنده متصل، وذلكم لإشكاله في معناه، مثلاً يكون في معناه إشكال فيكون...... أو معضل.
قال: وقد حاول بعضهم أن يطلق على الإسناد المعنعن اسم الإرسال أو الانقطاع، قال: والصحيح الذي عليه العمل: أنه متصل محمول على السماع إذا تعاصروا، مع البراءة من وصمة التدليس، وقد ادعى الشيخ أبو عمرو الداني المقرئ إجماع أهل النقل على ذلك، وكاد ابن عبد البر أن يدعي ذلك أيضاً.
قلت: وهذا هو الذي اعتمده مسلم في صحيحه، وشنَّع في خطبته على من يشترط مع المعاصرة اللقيَّ، حتى قيل: إنه يريد البخاري، والظاهر أنه يريد علي بن المديني، فإنه يشترط ذلك في أصل صحة الحديث، وأما البخاري فإنه لا يشترطه في أصل الصحة، ولكن التزم ذلك في كتابه الصحيح، وقد اشترط أبو المظفر السمعاني مع اللقاء طول الصحابة، وقال أبو عمرو الداني: إن كان معروفاً بالرواية عنه قُبلت العنعنة، وقال القابسي: إن أدركه إدراكاً بيّناً، وقد اختلف الأئمة فيما إذا قال الراوي: أن فلاناً قال، هل هو مثل قوله: عن فلان، فيكون محمولاً على الاتصال، حتى يثبت خلافه؟ أو يكون قوله: أن فلاناً قال، دون قوله: عن فلان؟ كما فرق بينهما أحمد بن حنبل ويعقوب بن أبي شيبة وأبو بكر البرديجي، فجعلوا (عن) صيغة اتصال، وقوله: أن فلاناً قال كذا في حكم الانقطاع حتى يثبت خلافه، وذهب الجمهور إلى أنهما سواء في كونهما متصلين، قاله ابن عبد البر، وممن نص على ذلك مالك بن أنس، وقد حكى ابن عبد البر الإجماع على أن الإسناد المتصل بالصحابي، سواء فيه أن يقول: عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وبحث الشيخ أبو عمرو هاهنا فيما إذا أسند الراوي ما أرسله غيره، فمنهم من قدح في عدالته بسبب ذلك، إذا كان المخالف له أحفظ منه أو أكثر عدداً، ومنهم من رجح بالكثرة أو الحفظ، ومنهم من قبل المسند مطلقاً، إذا كان عدلاً ضابطاً، وصححه الخطيب وابن الصلاح، وعزاه إلى الفقهاء والأصوليين، وحكى عن البخاري أنه قال: الزيادة من الثقة مقبولة.
هنا حكم الاحتجاج بالسند المعنعن والمؤنن، السند المعنعن: ما يقول فيه الراوي: فلان عن فلان عن فلان.. الخ، والمؤنن ما يقول فيه: أن فلاناً قال، فمنهم من يزعم أن ما لم يصرح فيه بالتحديث أو بالسماع لا يحكم باتصاله، حتى يقول: حدثنا وسمعت، حتى قال بعضهم: كل حديث ليس فيه حدثنا وسمعت فهو خل وبقل، لكن جمهور العلماء على أن الإسناد المعنعن محكوم له بالاتصال وفي حكمه المؤنن، شريطة أن لا يكون الراوي موصوفاً بالتدليس، والخلاف جارٍ بينهم في اشتراط ثبوت اللقاء أو الاكتفاء بالمعاصرة، اشتهر النقل عن الإمام البخاري -رحمه الله- وعلي بن المديني اشتراط ثبوت اللقاء والسماع من الراوي ولو مرة واحدة، ومسلم في صدر الصحيح أطال الكلام في تفنيد هذا القول والتشنيع على قائله بألفاظٍ قوية جداً حتى استبعد بعضهم أن يكون المراد البخاري أو علي بن المديني.
وعلى كل حال لا يوجد تصريح سواء كان من البخاري أو علي بن المديني باشتراط اللقاء، وأما الإمام مسلم فقد صرح بأن المعاصرة كافية، ولا شك أنه يشكل على اشتراط ثبوت اللقاء أن أهل العلم في تراجم الرواة لا ينصون على أنه لقيه أو لم يلقه، وإنما يقولون: روى عن فلان وفلان وفلان.. الخ، وهذا الإشكال نظير الإشكال الناتج عن اشتراط تفسير الجرح، وهو قول الجمهور، إذا اختلف في الراوي جرحاً وتعديلاً اشترطوا تفسير الجرح، يقولون: كتب التراجم ليس فيها تفسير الإنكار، بل أهل العلم يكتفون بالنقل عن الأئمة بأن فلاناً ضعيف، وفلان فيه كذا، وفلان سيء الحفظ، هذا فيه تفسير، لكن ضعيف؟ ما فيه تفسير، فعلى هذا ينبغي أن ننظر كتب التراجم حتى يفسر الجرح، ونهمل كتب من يعتني بذكر الشيوخ والتلاميذ حتى ينص على أنه ثبت لقاء الراوي لمن روى عنه، وهذا مشكل، لا شك أنه استفاض النقل عن الإمام البخاري اشتراط ثبوت اللقاء وإن كان منهم من يخص ذلك في صحيحه –صحيح البخاري- يقول أن البخاري في صحيحه لم يخرج إلا عمن ثبت لقاؤه لمن روى عنه، ولا يشترط ذلك في أصل الصحة خلافاً لعلي بن المديني.
على كل حال مذهب الإمام مسلم من حيث العمل، والعمل جارٍ عليه، وأطال في نصره والتشديد على المخالف حتى رماه بأنه يحاول الطعن في السنة، الذي يخالف ويشترط اللقاء؛ لأن أكثر الأحاديث لا توجد مروية إلا بالعنعنة، ولم يذكر أن الراوي ثبت لقاؤه لمن روى عنه، ويُذكر أن أول من صرح بأن المراد البخاري أو علي بن المديني هو القاضي عياض في إكمال المعلم شرح صحيح مسلم، وهذا في رسالة طبعت أخيراً لم أتمكن من الإطلاع عليها.
وصححوا وصل معنعنٍ سلمْ |
| من دلسة راويه واللقا علمْ |
هذا القول الأول: أنه لا بد من ثبوت اللقاء، وهو الذي قرره ابن الصلاح والحافظ العراقي وجمع من أهل العلم، هذا القول الثاني وهو قول الإمام مسلم والذي نصره في مقدمة الصحيح أنه لا يشترط اللقاء، تكفي المعاصرة، لكن مع عدم استحالة اللقاء، يعني مع إمكان اللقاء، أما إذا عرفنا أن شخص عاش في أقصى المشرق والآخر في أقصى المغرب فلا يحكم له بالاتصال، لذا ذكر الحافظ ابن رجب -رحمه الله- في شرح البخاري أن العلماء يحكمون بالانقطاع بتباين البلدان، يعني إذا عرف أن هذا الراوي عاش بالمشرق والآخر عاش بالمغرب ولم يعرف أنهما حجا في سنةٍ واحدة، هذا الذي يغلب على الظن أنهما ما لقيا أحدهما الآخر، والسماع حينئذٍ غير متأكد.
على كل حال العمل جارٍ على قول مسلم، لكن هل يثبت القول الآخر عن الإمام البخاري ولو في صحيحه؟ محل تأمل، يحتاج إلى مزيد من البحث في رواة الصحيح، الإمام البخاري -رحمه الله- في تاريخه الكبير يعتني بذكر السماع، سماع فلان من فلان، وبذكر اللقاء فلان أو فلان، المقصود أنه يهتم بهذه المسألة، لكنه لم يصرح ولا في موضعٍ واحد أنه يشترط، والنقل عنه مستفيض؛ لأنه شرط عنده، كما أنه شرط عند علي بن المديني فيما نقله أهل العلم، والمسألة كما قال الإمام مسلم: ما عرف أن العلماء توقفوا بتصحيح حديث بسندٍ معنعن إلا إذا عرف راويه بالتدليس، فإذا سلم الراوي من وصمة التدليس فإنه يحكم له بالاتصال، والغريب في الأمر أن الإمام مسلم -رحمه الله- ضرب أمثلة بأحاديث لا توجد عند أحد إلا معنعنة، ووجه الغرابة أن الإمام مسلم خرجها في صحيحه بصيغة التحديث، ليست معنعنة، خرج الأحاديث في صحيحه بصيغة التحديث، ونبه على ذلك ابن رشيد في كتابه (السنن الأبين) وهي معروفة، الأحاديث في مقدمة صحيح مسلم نبه عليها وهي مخرجة في صحيحه، وعلى كل حال الخطأ لا يسلم منه أحد، والنسيان من يعرى عنه، قد يقعد قاعدة ثم تنخرم فيما بعد، والله المستعان.
منهم من يشترط قدراً زائداً على مجرد اللقاء، يشترطون الصحبة أن يدركه إدراكاً بيّناً مثلاً، هنا يقول:" قال: والصحيح الذي عليه العمل أنه متصل محمول على السماع إذا تعاصروا، -اكتفى بالمعاصرة- مع البراءة من وصمة التدليس، وقد ادعى الشيخ أبو عمرو الداني المقرئ إجماع أهل النقل على ذلك، وكاد ابن عبد البر أن يدعي ذلك أيضاً".
"قلت: وهذا هو الذي اعتمده مسلم في صحيحه وشنع في خطبته على من يشترط مع المعاصرة اللقي -أو اللقاء- حتى قيل إنه يريد البخاري"، قيل: إنه يريد البخاري، نعم، ادعي ذلك، القاضي عياض ومن جاء بعده كلهم تتابعوا على أنه يريد البخاري أو علي بن المديني.
قال: "والظاهر أنه يريد علي بن المديني، فإنه يشترط ذلك في أصل صحة الحديث، وأما البخاري فإنه لا يشترطه في أصل الصحة، ولكن التزم ذلك في كتابه الصحيح" هذا كلام من؟ الحافظ ابن كثير -رحمه الله-، فهو مع من يرى أن البخاري يشترط اللقاء، ولو على أقل الأحوال في صحيحه.
"وقد اشترط أبو المظفر السمعاني مع اللقاء طول الصحبة، وقال أبو عمروٍ الداني: إن كان معروفاً بالراوية عنه قبلت العنعنة، قال القابسي: إن أدركه إدراكاً بيناً" كل هذا قدر زائد على مجرد ثبوت اللقاء.
السند المؤنن: يقول: "وقد اختلف الأئمة فيما إذا قال الراوي: أن فلاناً قال: هل هو مثل قوله: عن فلان فيكون محمولاً على الاتصال حتى يثبت خلافه، أو يكون قوله: أن فلاناً قال دون قوله: عن فلان؟"، وهذا تبع فيه ابن الصلاح، كما فرق بينهما أحمد بن حنبل ويعقوب بن شيبة وأبو بكر البرديجي فجعلوا (عن) صيغة اتصال، وقوله: (أن فلاناً قال كذا) في حكم الانقطاع حتى يثبت خلافه، يقول الحافظ العراقي:
............................................. سووا وللقطع نحا البرديجي |
| وحكم (أن) حكم (عن) فالجلُّ حتى يبين الوصل في التخريجِ |
فالبرديجي يرى أنه في حكم المنقطع، لكن هل الإمام أحمد يرى أن المؤنن في حكم المنقطع؟ ومثله يعقوب بن شيبة؟ نقل ابن الصلاح أن أحمد بن حنبل يرى التفريق ويعقوب بن شيبة يرى التفريق، لكن هل كلام ابن الصلاح صواب؟ الإمام أحمد حكم على حديث محمد بن الحنفية عن عمار أنه مر بالنبي -صلى الله عليه وسلم- حكم عليه بالاتصال، وحكم على رواية عن محمد بن الحنفية أن عماراً بالنبي -صلى الله عليه وسلم- بالانقطاع، هل سبب ذلك اختلاف الصيغة أو لا؟ ومثله يعقوب بن شيبة؟ هل السبب في اختلاف الحكم اختلاف الصيغة؟ الطريق الأول عن محمد بن الحنفية عن عمار أنه مر بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: هذا متصل، طيب. الطريق الثاني: عن محمد بن الحنفية أن عماراً مر بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: هذا منقطع، لا، ليس هذا مردّه اختلاف الصيغة، بل السبب في ذلك أن محمد بن الحنفية بالطريق الأول يروي عن عمار قصةً حصلت له مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، يروي عن عمار، والقصة حصلت لعمار مع النبي -عليه الصلاة والسلام- فهي متصلة.
الطريق الثاني: يحكي محمد بن الحنفية قصة حصلت بين عمار مع النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو لم يدركها، فرق، ظهر الفرق وإلا ما ظهر؟ الفرق ظاهر وإلا ما هو ظاهر؟ في الطريق الأول محمد بن الحنفية يحكي عن عمار وقد لقيه وسمع منه، يحكي عن عمار قصةً وقعت له مع النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو يحكيها عن صاحب الشأن؟ وفي الطريق الثاني محمد بن الحنفية يحكي قصةً لم يحضرها، ولذا قال: عن محمد بن الحنفية أن عماراً مرّ بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، يعني على سبيل المثال، أنتم في طبقتكم في الجملة لو أقول لكم من أدرك الشيخ محمد بن إبراهيم مثلاً، صحيح، يعني في الجملة، جملتكم ما أدركه، لكن لما يقول واحد منكم: عن الشيخ عبد العزيز -رحمه الله- عن الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- أن الشيخ محمد بن إبراهيم قال له كذا، هذا متصل لأنكم أدركتم الشيخ عبد العزيز، لكن لو قال منكم واحد: حدث فلان واحد منكم، أن الشيخ محمد بن إبراهيم قال للشيخ ابن باز، ما أدرك القصة، فالفرق ظاهر، الفرق بين الصيغتين ظاهر، ولذا قال الحافظ العراقي:
............................................. |
| كذا له ولم يصوب صوبه |
يعني ما أدرك المعنى الحقيقي للاختلاف، لاختلاف الحكم، هو نظر نظرة عادية وهو أن اختلاف الحكم بسبب اختلاف الصيغة؟ لا، سببه أن محمد بن الحنفية حكى قصةً عن صاحب الشأن في الطريق الأول فحكم له بالاتصال، وفي الطريق الثاني حكى قصةً لم يحضرها فهي منقطعة، ولذا قال: كذا له -يعني ابن الصلاح- ولم يصوب صوبه: يعني ما وقف على حقيقة الأمر، "وذهب الجمهور إلى أنهما سواء -(وحكم أنّ حكم عن فالجلل سووا)- في كونهما متصلين، قال ابن عبد البر: ومن نص على ذلك مالك بن أنس، وقد حكى ابن عبد البر الإجماع على الإسناد المتصل بالصحابي سواء فيه أن يقول: عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" هذا متصل؛ لأن الصحابي بالنسبة لصيغ الأداء يعني المحظور باختلاف صيغ الأداء أن يكون الراوي موصوف بالتدليس، وليس في الصحابة مدلس، فسواء قال الصحابي: عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو قال رسول الله، أو سمعت رسول الله سواء.
هنا تعارض الوصل والإرسال، ومثله تعارض الوقف والرفع، يقول: "وبحث الشيخ أبو عمروٍ هاهنا فيما إذا أسند الراوي ما أرسله غيره، فمنهم من قدح في عدالته بسبب ذلك، إذا كان المخالف له أحفظ منه أو أكثر عدداً، ومنهم من رجح بالكثرة أو الحفظ، ومنهم من قبل المسنِد مطلقاً إذا كان عدلاً ضابطاً، وصححه الخطيب وابن الصلاح، وعزاه إلى الفقهاء والأصوليين، وحكى عن البخاري أنه قال: الزيادة من الثقة مقبولة"، وهذا سيأتي في زيادات الثقات، يأتي هذا البحث في النوع السابع عشر، على كل حال نشير إلى مسألة اختلاف الوصل مع الإرسال، ومثلها اختلاف الرفع مع الوقف، إذا روي الخبر مرسلاً وروي من طريقٍ آخر مسند، أو روي موقوفاً ومن طريقٍ آخر مرفوعاً، فمنهم من يقول: الحكم لمن وصل ولمن رفع؛ لأن مع من وصل زيادة علم خفيت على من أرسل، والزيادة من الثقة مقبولة، وهذا كل فرع عما سيأتي في الكلام على زيادة الثقة، يقول: من وصل معه زيادة علم وزيادة الثقة مقبولة، ومنهم من يقول: لا، الحكم لمن أرسل ولمن وقف؛ لأن الإرسال هو المتيقن، والوصل مشكوك فيه، ومثله الوقف والرفع، الوقف متيقن والرفع مشكوك فيه، وهو الجادة أيضاً، وكثيراً ما يقول الخطأ في سلوك الجادة، ولذا منهج بعضهم أنه إذا اختلفت الجادة مع غيرها صحح الغير ترك الجادة، يعني لما يأتي الحديث من حديث مالك عن نافع عن ابن عمر، أو مالك عن نافع عن ابن عباس يقول: لا، الصواب عن ابن عباس؛ لأن الراوي من كثر ما يسمع مالك عن نافع عن ابن عمر ارتكب هذه الجادة، والثاني لولا أنه متيقن ومتأكد ما طاوعه لسانه أن يقول: مالك عن نافع عن ابن عباس، هذا مسلك لبعض أهل العلم، ويستشف من صنيع أبي حاتم والدارقطني.
فالقول الأول في تعارض الوصل مع الإرسال: أن الحكم لمن وصل؛ لأن معه زيادة علم خفيت على من أرسل، القول الثاني: أن الحكم لمن أرسل؛ لأن الإرسال هو المتيقن والوصل مشكوك فيه، والقول الثالث: أن الحكم للأحفظ، إذا كان أحدهم أحفظ من الآخر حكم له، والقول الرابع: أن الحكم للأكثر، إذا كان رواة الإرسال أكثر حكم له، إذا كان رواة الوصل أكثر حكم لهم.
واحكم لوصل ثقةٍ في الأظهرِ |
| وقيل: بل إرساله للأكثرِ |
الذي عليه الأئمة المتقدمون أنه لا يحكم بحكم عام مضطرد، في كل حديث تعارض فيه الوقف والإرسال بقولٍ يسلك باستمرار، لا، إنما يحكم لما ترجحه القرائن، ولذا تجدون في أحكام الأئمة أنهم لم يسلكوا مسلكاً واحداً في هذا، بل الواحد منهم ليس له طريقة واحدة في الترجيح، فعلى سبيل المثال، الإمام البخاري -رحمه الله- رجح وصل حديث: ((لا نكاح إلا بولي)) رجح الوصل، هل لأن مع من وصل زيادة والزيادة من الثقة مقبولة؟ مع كون من أرسله كالجبل، شعبة وسفيان ممن أرسل الحديث، إنما رجح الوصل لقرائن احتفت به، وتجدونه في بعض الأحيان يرجح الإرسال لقرائن احتفت بالإرسال.
وعلى هذا ليس في مثل هذه المسألة قاعدة مضطردة يحكم بها، بل الحكم للقرائن، ومثل هذه المسألة مسألة تعارض الوقف مع الرفع، يترك الحكم فيها للقرائن، ولذا تجدون الأئمة لا يحكمون بأحكام عامة مطردة، لكن الطالب –طالب العلم المبتدئ الذي يريد أن يتمرن- هل نقول: لا تحكم في مثل هذه الحالة؛ لأنك لم تصل إلى حدٍ تدرك فيه القرائن المرجحة؟ أو نقول: اعتمد أي قول من الأقوال للتمرين، وإذا تأهلت احكم بالقرائن، واعرض عملك على أهل العلم، ليوضحوا لك ما يحتف بأحد القولين من القرائن؟ هذا هو المطلوب، تتمرن على قواعد المتأخرين فإذا تأهلت، وأقرك أهل العلم، وشهدوا لك بأنك أدركت المرجحات حينئذٍ عليك أن تحاكي المتقدمين، على كل حال هذه المسألة من المسائل الكبار، وسيأتي بسطها -إن شاء الله تعالى- في زيادة الثقة؛ لأنها فرع عنه.
طالب: من يقلد أحد الأئمة يعني مثل حديث: ((لا نكاح إلا بولي)) ما أحكم عليه، أقلد أهل العلم المتقدمين؟
تقلد البخاري مثلاً في وصله وتترك أبا حاتم وأبا زرعة وتقلد، تترك أحمد مثلاً في بعض الأحاديث، حديث رفع اليدين إذا قام من الركعتين، حديث ابن عمر، الإمام البخاري -رحمه الله- رجح الرفع، خرجه في صحيحه، الإمام أحمد رجح الوقف، أنه موقوف على ابن عمر، تأخذ بقول من؟ ولذلك بعض طلبة العلم يقول: مثل هذه الكتب في مذهب أحمد ممن ينفر من التقليد، يقول: كيف يقول الحنابلة: بأن مواضع الرفع ثلاثة والرابع ثابت في صحيح البخاري؟ هل على الحنابلة أن يقلدوا البخاري وإمامهم يقول: موقوف؟ الراجح عند الإمام أحمد أن حديث ابن عمر موقوف، والذي رجحه البخاري وخرجه في صحيحه أن الحديث مرفوع، فمن تقلد؟ تقلد الإمام أحمد أو البخاري في مثل هذه الصورة؟ أو نقول: ما دمت في مرحلة التقليد خرج على قواعد المتأخرين، واعرض قولك على أقوال أهل العلم وأهل الخبرة ثم إذا تأهلت لست ملزم بقول أحد، على أن لا تخرج على مجموع أقوال المتقدمين، عن مجموعهم، لكن لك النظر في أقوالهم، فترجح ما شئت منها، أما تصحح حديث اتفقوا على تضعيفه، وتضعف حديث اتفقوا على تصحيحه، لا.
طالب: هذا صنيع بعض المتأخرين ممن يتصدر للتصحيح والتضعيف، يصحح حديث أو يحسنه، والإمام أحمد قال: منكر، البخاري قال: لا يصح، يعني أجمع العلماء المتقدمين على تصحيحه، وسبب هذا أنه يمشي على قواعد المتأخرين.
نقول: إذا تأهل له أن ينظر في أقوال المتقدمين، وله أن يحكم بالقرائن فيحاكي المتقدمين، لكن قبل التأهل له أن يتمرن على قواعد المتأخرين؛ لأنها منضبطة ومحررة ومتقنة في كتبهم، موجودة، لكن على سبيل المثال حديث ابن عمر، أراد طالب علم يحكم بالقرائن كيف يحكم؟ الإمام أحمد وهو إمام هذا الشأن، إمام السنة، يقول: الحديث موقوف، والبخاري يقول: مرفوع، فهل ترفع يديك إذا قمت من الركعتين أو ما ترفع؟ بهذا نبين أن الكتب -كتب الفقه- وإن كان فيها شيء الراجح خلافه، لكن ما وضعت عبث، قد يقول قائل مثلاً الحجاوي في الزاد أو غيره حينما يذكر أن المواضع ثلاثة، البخاري موجود ومتداول يعني ما اطلع على البخاري؟ فيه الرفع في الموطن الرابع، إمام قال بهذا، وإمام ما قال ما تلقاء نفسه، يعني رجح أن الخبر موقوف، وإلا فهو أتبع الناس، وأشد الناس اتباعاً للسنة، الإمام أحمد.
طالب: يا شيخ قلتم: أن الواحد ما يخرج عن مجموع كلام المتقدمين، سبب سؤالي لماذا بعض المصححين والمضعفين يخرجون عن هذا المجموع؟ مثل الشيخ الألباني -الله يرحمه- يصحح حديث أو يحسن حديث كل الأئمة على التضعيف، هل له نظر معين وتوجه معين؟
على كل حال الشيخ يعتني بقواعد المتأخرين -رحمه الله-، والشيخ كما نعلم من طريقته أنه يرقي الحديث من مجموع الطرق، وإن كان بعضها لا تصلح للترقية، وعلى كل حال هو إمام في هذا الباب، هو إمام ومجدد في هذا الباب، رحمه الله رحمةً واسعة.
التدليس طويل، لكن مشكلته إن بقي للغد يأخذ وقت؟ ربع ساعة؟ يالله هات هات
(النوع الثاني عشر: المدلس)
والتدليس قسمان: أحدهما: أن يروي عمن لقيه ما لم يسمع منه، أو عمن عاصره ولم يلقه، موهماً أنه قد سمعه منه، ومن الأول قول علي بن خَشْرم: كنا عند سفيان بنِ عُييْنة، فقال: قال الزهري كذا، فقيل له: أسمعت منه هذا؟، قال: حدثني به عبد الرزاق عن معمر عنه، وقد كره هذا القسم من التدليس جماعة من العلماء وذموه، وكان شعبة أشد الناس إنكاراً لذلك، ويروى عنه أنه قال: لأن أزني أحبّ إلي من أن أدلس، قال ابن الصلاح: وهذا محمول منه على المبالغة والزجر، وقال الشافعي: التدليس أخو الكذب، ومن الحفّاظ من جرح من عرف بهذا التدليس من الرواة، فرد روايته مطلقاً، وإن أتى بلفظ الاتصال، ولو لم يعرف أنه دلس إلا مرة واحدة، كما قد نص عليه الشافعي -رحمه الله-.
قال ابن الصلاح: والصحيح التفصيل بين ما صرح فيه بالسماع فيقبل، وبين ما أتى فيه بلفظ محتمل فيرد، قال: وفي الصحيحين من حديث جماعة من هذا الضرب كالسفيانَين والأعمش وقتادة وهشيمٍ وغيرهم.
قلت: وغاية التدليس أنه نوع من الإرسال لما ثبت عنده، وهو يخشى أن يصرح بشيخه فيرد من أجله، والله أعلم.
وأما القسم الثاني من التدليس: فهو الإتيان باسم الشيخ أو كنيته على خلاف المشهور به، تعميةً لأمره، وتوعيراً للوقوف على حاله، ويختلف ذلك باختلاف المقاصد، فتارةً يُكره، كما إذا كان أصغر سناً منه، أو نازل الرواية، ونحو ذلك، وتارةً يحرم، كما إذا كان غير ثقة فدلسه لئلا يُعرف حاله، أو أوهم أنه رجل آخر من الثقات على وفق اسمه أو كنيته، وقد روى أبو بكر بن مجاهد المقرئ عن أبي بكر بن أبي داود فقال: حدثنا عبد الله بن أبي عبد الله، وعن أبي بكر محمد بن حسن النقاش المفسر فقال: حدثنا محمد بن سند نسبه إلى جدّ له، والله أعلم، قال أبو عمرو بن الصلاح: وقد كان الخطيب لهجاً بهذا القسم من التدليس في مصنفاته.
التدليس أو المدلس اسم مفعول من الدلس، بفتحتين، اختلاط الظلام، وعرف في الاصطلاح بأنه ما أخفي عيبه على وجه يوهم أنه لا عيب فيه، فالتدليس إخفاء عيبٍ في الإسناد على وجه يوهم أنه لا عيب فيه.
يقول: "والتدليس قسمان" هذا ما فعله ابن الصلاح في علوم الحديث، وزاد الحافظ العراقي قسماً ثالثاً، وهو تدليس التسوية، وأوصلها الحافظ ابن حجر إلى خمسة أقسام: فزاد تدليس القطع وتدليس العطف، فعلى هذا تكون الأقسام: تدليس الإسناد، تدليس الشيوخ، تدليس التسوية، تدليس القطع، تدليس العطف.
"والتدليس قسمان: أحدهما أن يروي عمن لقيه ما لم يسمعه منه، أو عمن عاصره ولم يلقه، موهماً أنه سمع منه"، هذا القسم الأول، أن يروي عمن لقيه ما لم يسمعه منه، أو عمن عاصره ولم يلقه موهماً أنه سمعه منه، هذا تعريف ابن الصلاح، لكنه متعقب، على هذا التعريف لا فرق بين التدليس والإرسال الخفي، الراوي له مع من يروي عنه أربع حالات: أن يكون الراوي قد سمع ممن روى عنه، أن يكون الراوي قد لقي من روى عنه، أن يكون الراوي قد عاصر من روى عنه، الصورة الرابعة: أن تنتفي المعاصرة، يروي عن شخصٍ لم يعاصره، فإذا روى الراوي عن شخصٍ سمع منه ما لم يسمعه منه، بصيغة موهمة، هذا تدليس اتفاقاً، وإذا روى الراوي عمن لقيه ما لم يسمعه منه بصيغةٍ موهمة هذا أيضاً تدليس عند جماهير العلماء، إذا روى الراوي عمن عاصره فقط معاصرة بصيغة موهمة هذا ليس من التدليس، وإنما هو الإرسال الخفي، هذا هو الإرسال الخفي، إذا روى الراوي عمن لم يعاصره بصيغةٍ موهمة بعن مثلاً، هذا ليس من التدليس، ولا من إرسال الخفي، بل هو من الانقطاع الظاهر، وإن شذّ بعضهم وألحقه بالتدليس، كما ذكره ابن عبد البر في مقدمة التمهيد، وعلى هذا قول الحافظ ابن كثير تبعاً لابن الصلاح أن يروي عمن لقيه ما لم يسمعه منه أو عمن عاصره، لا، نقول: عمن سمعه ما لم يسمعه منه، أو عمن لقيه ما لم يسمعه منه، تبقى المعاصرة تخرج، تبقى هذه الصورة للإرسال الخفي، ولا بد أن تكون الصيغة موهمة مثل (عن) و(أنّ) و(قال) لأنه لو صرح بالتحديث في خبر لم يسمعه منه، ما كفى أن يقال: مدلس، نقول: كذاب.
"من الأول قول علي بن خشرم: كنا عند سفيان بن عيينة فقال: قال الزهري كذا، فقيل له: أسمعت منه هذا؟ قال: حدثني به عبد الرزاق عن معمر عنه"، سفيان بن عيينة لم يسمعه من الزهري، إنما سمعه عنه بواسطة عبد الرزاق عن معمر، يعني بواسطة اثنين، "وقد كره هذا القسم من التدليس جماعة من العلماء وذموه، وكان شعبة أشد الناس إنكاراً لذلك" من أجل التنفير، وإلا قال كلمات لا تليق به، حتى قال: "لأن أزني أحبّ إلي من أن أدلس" الزنا أمره شديد، لكن هذا مبالغة في التنفير والتشديد في التنفير عنه، كما قال ابن الصلاح: "وهذا محمول منه على المبالغة والزجر، وقال الشافعي -نقلاً عن شعبة أيضاً-: التدليس أخو الكذب، ومن الحفاظ من جرح من عرف بهذا التدليس من الرواة فرد روايته مطلقاً، وإن أتى بلفظ الاتصال"، يعني وإن قال: حدثني، وسمعته، "ولو لم يعرف أنه دلس إلا مرةً واحدة كما قد نص عليه الشافعي"، لكن الذي اعتمده أهل العلم أن المدلسين على طبقات، فمنهم من احتمل الأئمة تدليسه، إما لقلة هذا التدليس، أو لكونهم لا يدلسون إلا عن ثقات، أو لإمامتهم، ومن الرواة من لم يحتمل الأئمة تدليسه، فلم يقبلوا من رواياتهم إلا ما صرحوا فيه بالتحديث، ومن الرواة من لا يقبلوا منه ولو صرح بالتحديث لانضمام أمرٍ آخر من وجوه الضعف إلى التدليس، فالضعيف ولو صرح بالتحديث ما يقبل؛ لأنه ضعيف لأمرٍ آخر غير التدليس.
على كل حال المدلسون على مراتب وعلى طبقات بيّنها أهل العلم، العلائي، الحافظ ابن حجر، وغيرهم، "قال ابن الصلاح: والصحيح التفصيل بين ما صرح فيه بالسماع فيقبل، وبين ما أتى فيه بلفظ محتمل فيرد، قال وفي الصحيحين من حديث جماعة من هذا الضرب كالسفيانين والأعمش وقتادة وهشيم وغيرهم".
وفي الصحيح عدة كالأعمشِ |
| وكهشيمٍ بعده وفتشِ |
أقصد حديث المدلسين موجودة في الصحيحين، لكنها محمولة على الاتصال، منهم من يقول إحساناً للظن بالشيخين، ومنهم من يقول: أنها وجدت متصلة بطرق أخرى، على كل حال الصحيحان قد تلقيا بالقبول، وليس لأحدٍ أن يضعف بسبب تدليس، أو بسبب عنعنة.
يقول الحافظ ابن كثير "قلت: وغاية التدليس أنه نوع من الإرسال"، نعم، الراوي أسقط بينه وبين من روى عنه راوي، من الإرسال "لما ثبت عنده، وهو يخشى أن يصرح بشيخه فيرد من أجله، والله أعلم"، نعم إذا كان الشيخ ضعيف فأسقطه من أجل أن يروج الخبر، هذا يذم ذم شديد، لكن إذا كان الباعث له من الشيخ صغير السن مثلاً، ويخشى أنه لو حدث عن شيخ صغير السن والناس بحاجة إلى مثل هذا الحديث فالأمر أخف، أو تكرر اسمه كثيراً ويريد أن ينوع بالعبارة وهذا أكثر ما يكون في تدليس الشيوخ، على ما سيأتي، هناك تدليس وهو شر أنواع التدليس: تدليس التسوية، وهو أن يروي حديثاً عن ضعيفٍ بين ثقتين، وهذان الثقتان لقي أحدهما الآخر، لكن هذا الثقة يروي عن الثقة بواسطة ضعيف، فيأتي المدلس تدليس التسوية فيسقط الضعيف، فالواقف على هذا الحديث، والناظر فيه يرى الأول ثقة، وليس بمدلس، وما في احتمال يكون سقط منه أحد يرويه عن ثقة فيكون صحيح، وهو ما يدري أن ممن جاء بعده ممن وصف بتدليس التسوية أسقط هذا الضعيف بين الثقتين، فيسقط الضعيف الذي في السند ويجعل السند عن شيخه الثقة عن الثقة الثاني بلفظٍ محتمل فيستوي الإسناد، بعضهم يسمي هذا النوع تجويد، جود الإسناد، جعل كل ما فيه أجواد وحذف الأدنياء، وليس من هذا النوع أن يروى الحديث عن شيخين ثقةٍ وضعيف فيسقط الضعيف ويبقى الثقة، يعني إذا روى الحديث عن اثنين، زيد وعمرو، زيد ثقة وعمرو ضعيف، قال: ما لنا حاجة بعمرو يكفينا زيد، هذا لا يسمى تدليس، هذا فعله البخاري، روى حديث عن مالك وابن لهيعة أسقط ابن لهيعة إيش يصير؟ بقي مالك نجم السنن يكفي، فليس من هذا النوع.
وتدلس التسوية شر أنواع التدليس، ولا يكفي فيه أن يصرح الموصول بتدليس التسوية بالتحديث ما يكفي حتى يصرح في بقية السند للتحديث؛ لأنه ما من ثقتين إلا ويتحمل أن يكون أسقط بينهما واحد، فإذا صرح بالتحديث في جميع طبقات السند انتهى.
من أنواع التدليس تدليس القطع: وهو أن يسقط الراوي اسم الشيخ الذي سمع الحديث منه مباشرة، مقتصراً على ذكر أداة الرواية فيقول: حدثنا أو سمعت ثم يسكت، ثم يقول: فلان وفلان، موهماً أنه سمع منهما وهو ليس كذلك، يقول: حدثنا أو سمعت ثم يسكت، يقطع الكلام ثم يقول: فلان وفلان، يوهم بذلك أن فلان وفلان حدثاه بالصيغة السابقة، وليس الأمر كذلك، من أنواع التدليس هنا يقول فلان وفلان، يقطع الكلام بين صيغة الأداء وبين الراوي، لكن لو لم يأت بصيغة الأداء أصلاً، يقول: فلان عن فلان عن فلان، كما يفعله النسائي بالنسبة لشيخه الحارث بن مسكين، بدون أخبرنا الذين طبعوا كتابه ألحقوا أخبرنا جرياً على العادة، ومشياً على العادة، الحارث بن مسكين فيما قرئ عليه وأنا أسمع ليس من هذا النوع.
من أنواع التدليس تدليس العطف: يروي عن شيخين من شيوخه ما سمعاه من شيخٍ اشتركا فيه، وقد يكون هو سمع من أحدهما دون الآخر، فيقول: حدثني زيد، ثم يقول: وعمرو، أي وعمرو غير مسموع منه، وهذا فعله هشيم، فعله هشيم، يسمى تدليس العطف، يعطف شخص غير مسموع له على شخصٍ مسموع له، ويقدر خبر.
من أنواع التدليس وهو مشهور جداً وهو مستعمل، حتى عند أهل العلم تدليس الشيوخ، يسمي شيخه بما لا يعرف به، أو يكنيه بكنية لم يشتهر بها، الإمام أحمد حدثني أبو صالح ابن هلال ابن الشيباني، ينسبه إلى جده، ويكنيه بما لا يعرف، معروف بأبي عبد الله مع أن صالح أكبر لكن هو اشتهر بهذا... هذا تدليس الشيوخ "على خلاف المشهور به تعميةً لأمره، وتوعيراً للوقوف على حاله، ويختلف ذلك باختلاف المقاصد"، حكمه يختلف باختلاف المقاصد، إذا كان مقصد المدلس أن يروج على السامع حديثاً رواه عن ضعيف، لو صرح به لم يرج هذا الخبر، هذا قادح، لكن إذا كان قصده التفنن في العبارة خشية أن يرد لصغر الراوي مثلاً فهذا أمره أخف.
فشره للضعف واستصغارا |
| وكالخطيب يوهم استكثارا |
"فتارةً يكره كما إذا كان أصغر سناً منه أو نازل الرواية أو نحو ذلك، وتارة يحرم كما إذا كان غير ثقةٍ فدلسه لئلا يعرف حاله، أو أوهم أنه رجل آخر من الثقاة على وفق اسمه أو كنيته، مثل له لما رواه أبو بكر بن مجاهد المقرئ المعروف عن أبي بكر بن أبي داود، فقال: حدثنا عبد الله بن أبي عبد الله، وعن أبي بكر محمد بن حسن النقاش المفسر فقال: حدثنا محمد بن سند نسبة إلى جدٍ له –بعيد- والله أعلم"، ثم قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح: "وكان الخطيب لهجاً بهذا القسم في مصنفاته"، يقلب الشيخ الواحد على خمسة وجوه، أحياناً يكنيه، وأحياناً يسميه، وأحياناً يهمل اسمه، وأحياناً ينسبه إلى جده، وأحياناً إلى مهنته، وأحياناً إلى بلده وهكذا، على كل حال الخطيب يصنع هذا في مصنفاته كثيراً، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"كتاب أيضاً في العقائد نفيس.
أما الجلوس في المصلى بعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس فهو ديدنه -عليه الصلاة والسلام-، كما ثبت عنه في الصحيح، وأما الأجر والثواب المرتب على الجلوس بعد صلاة الصبح أنه له أجر عمرة أو حجة تامة، هذا محل خلاف بين أهل العلم، منهم من صححه، ومنهم من ضعفه، والأقرب تحسينه، الحديث لا ينزل عن درجة الحسن، وعلى كل حال جاء عن السلف التحذير من النوم بعد صلاة الصبح، والتشديد في ذلك، وهذا معروف، هذا هجير أهل العلم وديدنهم، حفظ هذا الوقت، والله المستعان.
أفضلها وأنفسها وأكثرها فوائد شرح السخاوي، وإن كان شرح المؤلف جيد، وفيه فوائد، وهو الأصل في الموضوع، لكن شرح السخاوي أكثر منه فوائد، لكنه أطول يحتاج إلى وقت، فتح الباقي للشيخ زكريا الأنصاري أيضاً فيه تنبيهات ولطائف لا توجد في الشرحين المذكورين.
إذا كان هذا صحيح فلا يكون قد خرج عن الداعية، لمن يدعو إلى بدعته، على كل حال عمران بن حطان مخرج له في الصحيح، متابعة وليست أصل، لا شك أنه مدح قاتل علي، معروف أنه من الخوارج، والخوارج من أبعد الناس عن الكذب؛ لأنهم يرون الكذب كبيرة والكبيرة يكفر مرتكبها عندهم، فالصدق متوفر، ولذا يقول الحافظ ابن حجر: "وما المانع أن يخرج له وقد عرف بصدق اللهجة" وتعقّبه العيني بقوله: "وأي صدقٍ في لهجة مادح قاتل علي" في كلام يطول لأهل العلم، لكن ومع ذلك هو صادق اللهجة؛ لأنه نصر ما يراه حق، هذه عقيدته، والخوارج كما قرره أهل العلم من أبعد الناس عن الكذب، إضافةً إلى أن خبره مخرج في الشواهد، وليس في الأصول، ومنهم من يقول: أنه رجع عن بدعته، ومنهم من يقول: أن الحديث قد تحمل عنه قبل ارتكابه هذه البدعة، معروف أنه لم يرتكب مذهب الخوارج إلا في وقتٍ متأخر، لما أراد أن يتزوج من امرأةٍ جميلة، وهي على مذهب الخوارج قالت: لا أريد أن أتزوج، أو هو تزوجها بنية دعوتها إلى المذهب الحق، لكن ما زالت به حتى ترك المذهب الحق إلى مذهب الخوارج، وهذا فيه تنبيه لمن يقول: أنه يطلب الجمال والدين يأتي فيما بعد بالدعوة، هذا ليس بصحيح، فكم من شخص ضل بسبب هذا التصرف، يقول: الآن الجمال ما يعوض لكن الدين بالدعوة، نأخذ أجر الدعوة، ونستفيد من الجمال، هذا الكلام ليس بصحيح، الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((تنكح المرأة لأربع: لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك)) نعم الجمال مطلب، الحسب مطلب، لا شك، المال أيضاً مطلب عند بعض الناس، لكن الأصل هو الدين فلا يقدم عليه غيره، والله المستعان.
إلى الآن طبعة الرسالة تحقيق الأرنؤوط جيدة لا بأس بها.
نعم، هي موجودة، يقابل ما فيها بصحيح مسلم، يعني يذكر ما وافقه على تخريجه مسلم، وميزة هذه الطبعة الإحالات على السابق وعلى اللاحق؛ لأن فؤاد عبد الباقي -رحمه الله- ذكر الأطراف والإحالة إلى اللاحق دون السابق، وميزة طبعة البغاء هذه الإحالة إلى السابق كاللاحق، وهذه ميزة طيبة لكن يبقى أنها ليست أفضل الطبعات، ليس هي أفضل الطبعات بل فيها أوهام، أدق وأفضل طبعات صحيح مسلم الذي يصبر على قراءة الحواشي فأفضل الطبعات المطبوعة على هامش إرشاد الساري، الطبعة السابقة.
إذا كان الضعف محتمل، إذا كان الضعف ليس بشديد نعم يقوي بعضها بعضاً.
يعني التي أحلت عليها كثيراً مما سجل عني لم نجد شرحاً إلا شرح متن نخبة الفكر ولم يكتمل، إلى الآن ما بعد نزلت التسجيلات وهي كاملة يعاد النظر فيها وترتب وتصفى وتخرج قريباً -إن شاء الله-، ويعاد النظر فيها أيضاً من جهة ثانية وتطبع قريباً -بإذن الله تعالى-.
نعم، في السنن أحاديث ضعيفة شديدة الضعف، بل في بعضها ما هو موضوع، كسنن ابن ماجة مثلاً، وفي سنن الترمذي وهو من رواية متهم بالوضع، أما سنن النسائي وسنن أبي داود فهما أمثل بكثير من الترمذي وابن ماجة، في المسند أحاديث حكم بوضعها، وتحدثنا عن كتاب (القول المسدد) للحافظ ابن حجر أنه دافع عن المسند بقدر الإمكان، لكن يبقى أن فيه ما فيه، شيخ الإسلام -رحمه الله- ذكر أن هناك مناظرة بين اثنين لعل أحدهما ابن الجوزي والثاني أبو العلاء الهمداني أحدهما ينفي أن يكون في المسند أحاديث موضوعة، والثاني يثبت، الشيخ -رحمه الله- قال: كلاهما صواب، أما وجود الموضوع الذي أخطأ فيه راويه، هذا موجود، ونفي الموضوع الذي تعمد راويه وضعه هذا صحيح، الإمام أحمد لا يروي عن من يتعمد الكذب، لكن يروي عن من يقع منه الخطأ.
بيّنت مراراً وفي مناسبات أن ألفية العراقي هي الأصل، وإمامة العراقي لا ينازع فيها أحد، نعم في ألفية السيوطي أنواع زائدة تؤخذ منه، وما عدا ذلك ألفية العراقي هي الأصل.
هذا أخذ على من قبله كالخطابي وغيره الذين قالوا: شر الأحاديث الموضوع، ولا شك أن الموضوع حديث، على حسب الإطلاق الأعم بأن الحديث ما يتحدث به، أو على حسب زعم واضعه، على حد زعم واضعه هو يراه حديث، فيدخل في الأحاديث ويبين حكمه، فأدخله أهل العلم من هذه الحيثية في مباحث علوم الحديث.
هذا مثلما سبق، ألفية العراقي هي الأصل.
تفسير الصحابي إذا كان منشأه ومبعثه فهم الصحابي للنص فليس له حكم الرفع، أما إذا كان لا مجال للاجتهاد فيه؛ لأنه إخبار عن أمر مغيب فهذا له حكم الرفع.
شرح من الشروح وهو من الشروح المتقدمة التي اعتمد عليها الشراح ممن جاء بعده كالكرماني وابن حجر والعيني والقسطلاني وغيره، على كل حال هو شرح يستفاد منه، لكن المقل من اقتناء الكتب لا يحتاج إليه مع وجود فتح الباري، أما الذي يريد أن يجمع فهو أصل، كتاب يحتاج إليه طالب العلم.
مرفوع حكماً وله حكم الرفع لا فرق.
((كل أمرٍ ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله...)) حسنه أهل العلم، وأما بقية الألفاظ ففيها مقال، والألباني -رحمه الله- حكم على الحديث بجميع طرقه وألفاظه بالضعف، لكن حسنه النووي وغيره.
هو له حكم الرفع؛ لأنه ما أضيف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، ما ذُكر فيه أنه اطلع عليه وأقره، لكن هو في عصره -عليه الصلاة والسلام-، ولو كان مما لا يجوز لنبه عليه، كما في قول جابر -رضي الله عنه-.
الصحيح سبق تعريفه، ما رواه عدل تام الضبط بسندٍ متصل غير معلل ولا شاذ، المسند: ما اتصل إسناده أو هو المرفوع على الخلاف في ذلك، أو المتصل المرفوع، والمتصل المرفوع، يقول: في أحاديث صحيحة؟ فيما اتصل إسناده ما هو صحيح، وفيه ما هو ضعيف، المرفوع أيضاً منه الصحيح والضعيف والحسن والموضوع أيضاً، وهكذا..
بالنسبة للقواعد خاصة بمذهب فلا أجود من كتاب القواعد لابن رجب، وهو على مذهب الحنابلة، كتاب نفيس، وأما بالنسبة للقواعد عامة فالأشباه والنظائر طيب في القواعد الكلية والأغلبية.
نعم، في الصحيحين وغيرهما من كتب السنة طافحة بالرواية عن المبتدعة غير الدعاة إلى بدعهم، ومعروف أن البدع منها ما هو خفيف، ومنها ما هو شديد مخرج عن الملة، هذا لا يخرجون لهم، لكن البدعة الصغرى يخرجون لأهلها، أما البدع الكبرى فلا، الحافظ الذهبي بيّن التفريق بين البدع سواء كانت الصغرى أو الكبرى في مقدمة الميزان، في أوائل الميزان.