شرح الموطأ - كتاب وقوت الصلاة (3)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،

أما بعد:

في الحديث السابق الحديث الوارد في قصة نومه -عليه الصلاة والسلام- عن صلاة الصبح، قال -عليه الصلاة والسلام- في آخره مسليًا لهم ومؤنسًا؛ لأن هذا الأمر ليس في أيديهم، وما خرج عن اليد والاختيار خرج عن دائرة التكليف، فقال: ((يا أيها الناس إن الله قبض أرواحنا ولو شاء لردها إلينا في حينٍ غير هذه -يعني قبل ذلك- فإذا رقد أحدكم عن الصلاة أو نسيها ثم فزع إليها)) يعني قام إليها، وهذا هو الأصل أن يقوم إليها فزعًا مذعورًا لما فاته وإن لم يكن الأمر بيده، كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، ((فليصلها كما كان يصليها في وقتها)) كما كان يصليها في وقتها، كما لو أداها في أول وقتها كالمعتاد، فيأتي بها كاملة تامة، من قيامها وركوعها وسجودها وأذكارها وغير ذلك، ولا يحمله التأخر عن أدائها في أول وقتها -حتى لو خرج وقتها- إلى أن يخل بشيء من أركانها، "ثم التفت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى أبي بكر فقال: ((إن الشيطان أتى بلالًا وهو قائم يصلي فأضجعه))" يحرص الشيطان على مثل هذا، يحرص على أن يصرف المسلم عن صلاته بالكلية، فإن تيسر له ذلك فهو المطلوب وإلا شغله عنها، أو شغله فيها إن لم يستطع أن يشغله عنها، فأتى إلى بلال لأمر..، لتحقق أمر يريده الله -جل وعلا-، فنام -عليه الصلاة والسلام-، والسبب الذي جعله النبي -عليه الصلاة والسلام- للاستيقاظ أيضًا تخلف أثره ليقضي الله أمرًا كان مفعولًا؛ ليعلم الناس الحكم في مثل هذه الحالة، ((إن الشيطان أتى بلالًا وهو قائم يصلي فأضجعه فلم يزل يهدئه)) يعني كطريقة الأمهات في تهدئة الصبيان من أجل النوم، وأهل الحديث يروونه بلا همز: "يهديه" وإن كان الأصل من الهدوء والتهدئة فهو مهموز، ((كما يهدأ الصبي حتى نام)) يعني حتى ينام، ومعروف أن الصبي يضرب على ظهره برفق حتى ينام، وهذا أمر مأثور معروف متوارث ولا ضرر فيه، وإن قال بعضهم -بعض المعاصرين والمتأخرين ممن يزعم أنه يتصدى للتربية يقول-: إن النوم سببه التعب الحاصل من هذه التهدئة، يقول: إن الطفل يتعب من هذه التهدئة فينام، وهذا ليس بصحيح، "ثم دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بلالًا فأخبر بلال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مثل الذي أخبر أبا بكر"، الرسول -عليه الصلاة والسلام- أخبر أبو بكر بما حصل لبلال قبل أن يخبره بلال، وهذه معجزة له -عليه الصلاة والسلام- حيث أطلعه الله على ذلك، فقال أبو بكر: "أشهد أنك رسول الله"، مع أنه مؤمن مسلم قبل ذلك، لكن استدامة لإيمانه وإظهارًا لما تجدد في نفسه مما يزيد في إيمانه -رضي الله عنه وأرضاه-.

طالب:.......

يبقى على إرساله، مرسل باتفاق الرواة، ولا يوجد في الصحيحين، نعم، لا بأس.

سم.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لشيخنا واجزه عنا خير الجزاء.

شرح باب: النهي عن الصلاة في الهاجرة:

قال الإمام يحيى: باب النهي عن الصلاة في الهاجرة:

عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن شدة الحر من فيح جهنم فإذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة، وقال: اشتكت النار إلى ربها فقالت: يا رب أكل بعضي بعضًا فأذن لها بنفسين في كل عام، نفس في الشتاء ونفس في الصيف)).

وحدثنا مالك عن عبد الله بن يزيد -مولى الأسود بن سفيان- عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وعن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم، وذكر أن النار اشتكت إلى ربها فأذن لها في كل عام بنفسين؛ نفس في الشتاء ونفس في الصيف)).

عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم)).

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

يقول الإمام -رحمه الله تعالى-: "باب النهي عن الصلاة بالهاجرة" باب النهي عن الصلاة بالهاجرة، هكذا جاءت الترجمة، والنهي مأخوذ من ضد الأمر بالإبراد، ((إذا اشتد الحر فأبردوا)) النهي عن الشيء أمر بضده، والأمر بالشيء نهي عن ضده، فإذا أمرنا بالإبراد نهينا عن الصلاة بالهاجرة، والنهي هنا يراد به الكراهة، وعند جمهور أهل العلم أن الأمر كـ(أبردوا) للاستحباب، والهاجرة المراد بها نصف النهار عند اشتداد الحر.

يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن شدة الحر من فيح جهنم))" فيح: ومنه المكان الأفيح المراد به الواسع، ففيح جهنم سعة انتشارها وتنفسها في ذلك الوقت، ((فإذا اشتد الحر)) في أيام الصيف، ((فأبردوا عن الصلاة)) يعني أخروها عن أول وقتها الذي كنتم تفعلونها فيه حتى يبرد الجو، ((أبردوا)) أي ادخلوا في الوقت البارد، كما يقال: أنجد وأتهم وأظلم، دخل نجد، ودخل تهامة، ودخل في الظلام، وهنا ((أبردوا)) وأبرد فلان يعني دخل في الوقت البارد، فأبردوا عن الصلاة: المراد تأخير صلاة الظهر إلى أثناء وقتها، وإذا اقتضى الأمر أن تؤخر إلى آخر وقتها فلا بأس للحاجة، من أجل أن يكون للحيطان ظل يستظل به الناس ذهابًا إلى الصلاة وإيابًا منها، وإلا لو فعلت في أول وقتها ما صار للحيطان ظل كاف يستظل به الناس، فإذا أخرت عن أول الوقت استظل الناس بالحيطان، ومنهم من يقول: تأخيرها المأمور به إلى آخر وقتها لكي يقرب من ذلك وقت العصر فيخرج الناس إلى الصلاتين مرة واحدة، بهذا يكون كالجمع الصوري، تصلى صلاة الظهر في آخر وقتها والعصر في أول وقتها، وفي هذا تيسير على الناس بلا شك، لكن الأمر بالإبراد لا يصل إلى حد آخر الوقت، بل إذا كان للحيطان ظل يستظل به الناس ويقيهم شر الشمس وضربتها، والحر الشديد الذي يؤذيهم يكفي امتثالًا لهذا الأمر، وقال: ((اشتكت النار إلى ربها)) وقال: يعني النبي -عليه الصلاة والسلام- بالإسناد السابق ((اشتكت النار إلى ربها فقالت: يا ربِ أكل بعضي بعضًا)) "فقالت" قد يقول قائل: هل النار تتكلم؟ نعم تتكلم، الذي يثبت المجاز يقول: قالت مجازًا؛ لأن الجمادات لا تتكلم حقيقة، والصواب أنها تتكلم حقيقة بلسان المقال وليس بلسان الحال، والقدرة الإلهية صالحة لذلك، كما في قوله تعالى: {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [(11) سورة فصلت] {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ} ماذا؟ {هَلْ مِن مَّزِيدٍ} [(30) سورة ق] نعم تتكلم، المقصود أنه نسب إليها الكلام في نصوص كثيرة، ((أكل بعضي بعضًا)) وذلك لشدة حرها ولعدم وجود ما تأكله فيعود بعضها على بعض، فيأكل بعضها بعضًا، ((فأذن الله لها... بنفسين، نفس في الشتاء ونفس في الصيف)) ولا شك أن النفس وهو المتنفس للشيء المكتوم، وهذا أمر محسوس، فيخرج منها هذا الحر الشديد من نفس الصيف، والبرد الشديد من نفس الشتاء من باب التنفيس عليها، فيكون نفسًا، ومنه نفس الإنسان، ومنه تنفيس الكرب لأنها تخفف، ((فأذن لها بنفسين في كل عام، نفس في الشتاء ونفس في الصيف)) ويبينه الحديث الذي يليه، يقول: "وحدثنا مالك عن عبد الله بن يزيد -مولى الأسود بن سفيان- عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وعن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم))" والأمر بالإبراد خاص بصلاة الظهر التي هي في شدة الحر، يعني لو قدر أنه في وقت صلاة المغرب مثلًا صار الجو مكتومًا، وهذا يوجد أحيانًا، النفس يا الله يدركه الإنسان هل نقول: إن المغرب مثل الظهر أو العشاء مثلًا؟ وقد يقول قائل: أحيانًا العصر يكون حرًّا شديدًا، تكون الأرض والحيطان قد تشربت هذه الحرارة، لا سيما بعد وجود مواد ليست من طبيعة البلد، إذا وجد في البلد مواد ليست من طبيعته تشربت الحرارة، يعني في البلدان الحارة يناسبها الطين أكثر مما يناسبها الإسمنت والحديد، الناس الذين أدركوا العمارة القديمة بالطين واللبن ما يحسون بمثل هذه الحرارة التي توجد الآن، مع ما كسيت به الأرض من مواد تمتص الحرارة، فلا شك أن العصر في شدة الصيف حار، لكن هل معنى هذا أننا نؤخر العصر؟ هذا الأمر خاص بصلاة الظهر، الأمر خاص بصلاة الظهر، ولا يصل التأخير لصلاة الظهر المأمور به إلى أن يخرج وقتها؛ لأنه قد يقول قائل: إن العصر حر شديد أيضًا لماذا لا نؤخر؟ المغرب قد يوجد كتمة مثلًا، في بعض البلدان لا سيما الساحلية في شدة الحر المغرب والعشاء أشد من النهار، هل معنى هذا أننا نؤخر؟ لا، لا نؤخر، هذا الأمر خاص بصلاة الظهر، نعم.

جاء ما يخصصه، جاء: ((فأبردوا عن الظهر)) نعم جاء في بعض الروايات، المقصود به شدة الحر، وهو المراد.

وذكر –أي النبي -عليه الصلاة والسلام- بالإسناد المذكور، وما جاء بالأمر في الإبراد مخصص لما جاء من نصوص المبادرة والمسارعة، وبيان أن أفضل الأوقات أولها، أوائل الأوقات أفضل، الصلاة على أول وقتها، فيكون هذا النص مخصصًا لما جاء، مع أنه مخصوص أيضًا بصلاة العشاء، وذكر -يعني النبي -عليه الصلاة والسلام- بالإسناد السابق-: ((أن النار اشتكت إلى ربها فأذن لها في كل عام بنفسين؛ نفس في الشتاء ونفس في الصيف)).

ثم بعد ذلك قال: "وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم))".

هذا يقول: إذا استيقظ للصلاة في وقت طلوع الشمس فماذا يفعل؟

يصلي فورًا، الفوائت تقضى فورًا، يجب قضاء الفوائت فورًا، والفرائض لا تدخل في النهي، نعم.

سم.

شرح: باب النهي عن دخول المسجد بريح الثوم وتغطية الفم:

أحسن الله إليك:

باب: النهي عن دخول المسجد بريح الثوم وتغطية الفم:

عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أكل من هذه الشجرة فلا يقرب مسجدنا يؤذينا بريح الثوم)).

عن مالك عن عبد الرحمن بن المجبر أنه كان يرى سالم بن عبد الله إذا رأى الإنسان يغطي فاه وهو يصلي جبذ الثوب عن فيه جبذًا شديدًا حتى ينزعه عن فيه.

يقول -رحمه الله تعالى-: "باب النهي عن دخول المسجد بريح الثوم وتغطية الفم" ثم ذكر حديث سعيد بن المسيب أرسله وإلا هو موصول في صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أكل من هذه الشجرة)) يعني شجرة الثوم، وإطلاق الشجرة على مثل الثوم هل يقال لها: شجرة؟ {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} [(6) سورة الرحمن] ابن عباس فسر الشجر بما له ساق، والنجم ما لا ساق له، فالثوم له ساق؟ لا ساق له، ومن الذي قال هذا الكلام ((من أكل من هذه الشجرة؟)) الرسول -عليه الصلاة والسلام-، وهو عربي، يتكلم بلسان العرب، فابن عباس -رضي الله عنه- فسر الشجر بما له ساق، والنجم ما لا ساق له، ولا يمنع أن يكون إذا ذكر الاثنان اختص كل واحد بتعريف، وإذا أفرد أحدهما عن الآخر جاز إطلاق الاسمين عليه، فيطلق النجم على ما ساق له، والشجر على ما لا ساق له، هذا إذا أفردا، أما إذا اجتمعا فلكل واحد منهما تعريفه، كالإسلام والإيمان، والفقير والمسكين وما أشبه ذلك.

((من أكل من هذه الشجرة)) الإشارة إلى حاضر في الأعيان، ويشير إليها "من هذه الشجرة" أو إلى حاضر في الأذهان؟ نعم، الآن هل أمامه مزرعة ثوم؟ ((من أكل من هذه الشجرة)) هل حضور المشار إليه حضور عيني أو حضور ذهني؟ يعني افترضنا أن مؤلفًا يقول: أما بعد: فهذا كتاب نشرح فيه أو نبين فيه كذا، "هذا كتاب" يشير إلى الكتاب الموجود أمامه أو الموجود في ذهنه؟ هذا إن كانت المقدمة قبل التأليف فيشير إلى ما في ذهنه، وإن كانت المقدمة بعد التأليف فيشير إلى شيء حاضر في الأعيان، هنا الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((من أكل من هذه الشجرة)) يشير إلى حاضر في الأعيان إذا كان في مزرعة ثوم، يقول: ((من أكل من هذه الشجرة)) ممكن، لكنه يشير على حاضر في الذهن.

((فلا يقربن)) أو ((فلا يقرب مساجدنا)) في رواية: ((مسجدنا)) والعلة: ((يؤذينا بريح الثوم)) ما في ما يمنع أن يكون يوجد فصًّا من الثوم أو شيء من هذا مع أحد، ما يمنع، لكن الذي يظهر -والله أعلم- من السياق -سياق الروايات كلها- أنه لما تأذى برائحة الثوم قال هذا الكلام، فتكون الإشارة إلى حاضر في الذهن يقربه ويحدده الرائحة التي تأذوا بها، وفي رواية: ((فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنسان)) ((الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنسان)) قد يقول قائل: هل لمن أكل من هذه الشجرة أن يدخل المسجد وما فيه أحد؟ خال؟ يقول: ما في إنسان يتأذى؟ النهي عن قربان المسجد، نعم، أقول: قد يقول قائل: إذا خرج الناس من الصلاة ذهبت صليت، نعم، قد يوجد إنسان إذا كان الناس يتأذون برائحة الثوم لكن لو اتفق مجموعة من الناس أو جميع جماعة المسجد وأكلوا ثوم، حينئذ لا يتأذون ارتفعت العلة، هل معنى هذا أنه يسوغ لهم أن يدخلوا المسجد؟ أو تبقى العلة المنصوصة في بعض الروايات: ((فإن الملائكة تتأذى))؟ فعلى هذا لا يقرب المسجد ولو لم يكن فيه أحد، ولو أكلوا كلهم الثوم.

ويلتحق بالثوم كل ما له رائحة كريهة كالبصل، والكراث، ومن باب أولى المحرم كالدخان مثلًا، أو شخص تنبعث منه روائح كريهة من بخر، أو ما أشبهه، مثل هذا لا يؤذي الناس.

طالب:........

لا البرا أمره سهل ما هو بمسجد، ما هو بمسجد، من باب: نصر، قرب من أي باب؟ عظم، عظم يعظم، نعم، أقول: يلتحق به كل ما له رائحة، سواءً كانت بفعل الإنسان، أو خارجة عن فعله إلا إذا خفف ذلك بزيادة في التنظيف، أو روائح طيبة من طيب وشبهه تكسر هذه الرائحة الخبيثة التي تنبعث منه.

وأيضًا يمنع -قياسًا على ذلك- إرسال الروائح الكريهة في المسجد، الروائح الكريهة إرسالها كالفساء والضراط والجشاء يجوز أو ما يجوز؟ نعم، شخص جالس في المسجد احتاج إلى أن يرسل شيئًا من ذلك، نعم، يجوز أو ما يجوز؟ ما لم يحدث، ما لم يحدث أو يؤذي، هو يقول: أنا أجلس في المسجد أقرأ القرآن عن ظهر قلب، وهذا لا يؤثر، واحتاج إلى أن يرسل شيئًا من ذلك، أما مع الحاجة فقد قال أبو بكر بن العربي في شرح الترمذي على حديث: ((فلا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا)) قال: فيه جواز إرسال ذلك للحاجة، ومعلوم أن بقاء الإنسان طاهرًا في المسجد ذاكرًا تاليًا مصليًا هذا هو الأكمل.

إذا كان أكل هذه الأشياء ذوات الروائح الكريهة مثل الثوم والبصل والكراث يمنع من دخول المسجد، ويمنع من حضور الجماعة فما حكمه؟ حضور الجماعة واجب، وصلاة الجماعة واجبة، فهل نقول: إن ما يمنع منها حرام؟ نعم، إن تعمد الأكل ليترخص بذلك، لكن أكل لحاجة هو ما قصد الأكل من أجل ألا يصلي مع الجماعة، لم يقصد التحايل بذلك، لكن الحاجة، الحاجة لا تصل إلى حد يقاوم الواجب، أقول: هذه الحاجة قد يكون يأكله تلذذًا مثلًا، جاء وصفها بأنها خبيثة في قوله -جل وعلا-: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [(157) سورة الأعراف] وجاء وصفها: ((من أكل من هاتين الشجرتين الخبيثتين)) يقول أهل الظاهر: بأن الأكل منهما حرام ولو لم يرد في صحيح مسلم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- سئل عنهما أحرام هما؟ قال: ((أنا لا أحرم ما أحل الله)) فهما حلال خلافًا لأهل الظاهر، لكن الحلال الذي يمنع من الواجب حكمه يعني لا لذاته، لا يحرم لذاته، إنما لما يؤدي إليه، وعلى هذا يحمل حال من يأكله تحايلًا لإسقاط الواجب، أما من أكله لحاجة فلا، بأن يوصف علاجًا مثلًا إذا قيل: ينفع لك مثلًا علاج ثوم أو..، وفيه منافع كبرى يذكرها الأطباء وتذكر في كتب الطب، لا سيما الثوم ويقرب منه البصل في كثير من خصائصه، يذكرون أشياء، منافع عظيمة فيها، لكن مع ذلك تحصيل أمور الدنيا لا يعني أنه تهدر بسببها أمور الآخرة، نعم إذا وصف علاجًا لمرض موجود فالأمر -الحمد لله- الدين في سعة لمثل هذا.

المقصود أنه للحاجة لا بأس به، إذا أكله تحايل من أجل إسقاط الجماعة، لكن بعض الناس يأكله لحاجة ويصعب عليه أن يتخلف عن شهود الجماعة، نعم، بلا شك إذا خفف ذلك، إذا انتفت العلة وتطيب وخفت هذه الرائحة، فالعلة معقولة، فإذا ارتفعت ارتفع معها حكمها.

يقول: "وحدثني عن مالك عن عبد الرحمن بن المجبر" عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن عمر بن المجبر سقط تكسر فجبر قيل له: مجبر، ومنهم من يقول: إنه مات أبوه وهو في بطن أمه حمل، فقيل: لعل الله -جل وعلا- أن يجبره ويعوضه عن أبيه فسمي مجبر، كل من رآه قال: الله يجبره، نعم، هذا قول، "إنه كان يرى سالم بن عبد الله" التابعي الجليل الفقيه أحد الفقهاء السبعة "إذا رأى الإنسان يغطي فاه وهو يصلي جبذ الثوب عن فيه"، "إذا رأى الإنسان يغطي فاه وهو يصلي جبذ الثوب عن فيه جبذًا شديدًا"، نعم أبلغ في التعليم، وفي الإنكار باليد مع الاستطاعة، "حتى ينزعه عن فيه"، والسبب في ذلك أمور:

منها: أن يباشر الأرض بأنفه كجبهته.

منها أيضًا: ما قاله بعض أهل العلم أن التلثم ينافي الخشوع، يقول: لما فيه من الكبر، وأيضًا: قد يظن بعض الناس  أن هذا الذي تلثم وغطى أنفه يظن بعض الناس أنه من أجله؛ لئلا يشم رائحته أو يستنكف أن يشم رائحة في المسجد أو من أحد المصلين فيقع في نفسه ما يقع، وفي الاستذكار يقول: "تغطية الفم والأنف في الصلاة مكروه لمن أكل ثومًا"، وبهذا نعلم الفائدة من إرداف حديث الثوم بالتلثم، نعم، يقول: "تغطية الفم والأنف في الصلاة مكروه لمن أكل ثومًا، وأصل الكراهية لأنهم كانوا يتلثمون ويصلون على تلك الحال فنهوا عن ذلك" يعني ما يكفي أن يتلثم إذا أكل ثومًا أو بصلًا ثم حضر المسجد تلثم، نعم قد لا تشم منه الرائحة، لكنه لا يكفي ذلك.

طالب:.......

التطيب، نعم هو إذا وجد الطيب الذي له رائحة قوية بحيث تقاوم رائحة الثوم فالعلة معقولة، يعني ارتفعت هذه الرائحة فلا بأس حينئذ.

طالب:.......

لا اللثام لأمور، يعني ما هو لأمر واحد، ما هو من أجل الثوم فقط؛ لأنه ينافي الخشوع، وفيه كبر، وفيه أيضًا يمنع من مباشرة الأرض، فيه أمور مجتمعة، نعم.

طالب:......

مناسبة الباب في أكثر الموطئات بين هذا الباب وبين كتاب الوقوت، باب: النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر، باب: النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر في أكثر الموطئات، لكن في موطأ يحيى تأخر هذا الباب، وضعه في آخر كتاب الصلاة، مع أن ابن عبد البر يقول: ليس له هناك مدخل، ولذا قدمه، ابن عبد البر في الاستذكار قدم الباب إلى هنا، وضعه قبل النهي عن دخول المسجد بريح الثوم وتغطية الفم، نعم، ما المناسبة؟ من يذكر المناسبة بين هذا الباب وكتاب الوقوت؟ نعم، فيه مناسبة؟ هذا إذا كان ينقطع، إذا كان ينقطع قبل وقت الصلاة، هو يحتمل أن النهي عن قربان المساجد يعني في أوقات الصلاة، النهي عن قربان المساجد في أوقات الصلاة التي يوجد فيها من يتأذى، يعني لو جاء شخص يصلي ركعتي الضحى في المسجد وآكل ثوم يمنع أو ما يمنع؟ أو جاء في منتصف الليل يوتر في المسجد يمنع أو ما يمنع؟ لا يوجد من يتأذى، ((يؤذينا بريح الثوم)) يقال: ما في إنسان يتأذى، إذًا الملائكة لا تتأذى، إذًا كلامك هذا يلزم منه أنه لا يؤكل مطلقًا؛ لأن القرين من الملائكة معه باستمرار ويتأذى في غير وقت صلاة وفي غير مزاولة صلاة ما يؤكل؟ أنت إذا قرنت بين المساجد، النهي عن قربان المساجد إذا قرنت بها ((يؤذينا)) المسجد مع الأذى، العلة مركبة ما هي بمفردة، العلة مركبة من كونه أذى وكونه في المسجد، ولذا في مجامع الناس مثلًا في الأسواق أكل ثوم نقول: لا تذهب تؤذي الناس؟ نعم، الآن لو شخص أكل ثومًا وطلع السوق نقول: حرام عليك؟ نقول: العلة مركبة، العلة مركبة من قربان المسجد والأذى؛ لأن غير المسجد الذي تأذى يؤخر، يطلع، نعم، الذي يتأذى -الحمد لله- الأمر فيه سعة، لكن المسجد الذي هو مورد الناس كلهم هذا الذي ما يقدر يتركه الإنسان؛ لأنه محل العبادة، لكن العلة المنصوصة الآن في الحديث مركبة وليست مفردة من قربان المسجد ومن الأذى، فعلى هذا إذا مسألة قربان المسجد هل تستقل بالتعليل؟ والأذى وحده هل يستقل بالتعليل؟ محل نظر، ما يمكن يسلم به، فالعلة مركبة، فإذا اجتمع الأمران منع، وعلى هذا إذا جاء في منتصف الضحى قال: أنا أريد أصلي ركعتي الضحى والمسجد ما فيه أحد، نقول: لا يقرب مسجدنا؟ كيف؟ لأنه ما يوجد من يتأذى، لا يوجد من يتأذى، وهذا هو الظاهر لأن العلة إذا كانت مركبة من أمرين لا يستقل أحد الأمرين بترتيب الحكم، فعلى هذا من أراد أن يصلي الضحى، من أراد أن يوتر لا مانع أن يدخل المسجد ولو أكل إذا لم يوجد من يتأذى؛ لأن العلة المنصوصة مركبة من أمرين.

هنا في مسألة في الحديث -في الخبر الثاني- رأى إنسانًا يغطي فاه وهو يصلي، الحال أنه يصلي، تغطية الفم أو التلثم خارج الصلاة، خارج الصلاة لغير حاجة، أما إذا وجدت حاجة برد مثلًا شديد، أو حساسية عند الإنسان يتأثر بأدنى شيء هذه الحاجة معروف حكمها، لكن بغير حاجة دائمًا يمشي بين الناس وهو متلثم، بعض أهل العلم يطلق الكراهة، يطلق الكراهة، لماذا؟ نعم، لا شك أنه يحدث ريبة ونفرة أيضًا، الناس ينفرون من مثل هذا المتلثم، لا سيما إذا لم يعرفوا السبب الباعث له على ذلك.

جبذ الثوب وجذبه لغتان بمعنى، وإن قال بعضهم: إنه مقلوب، لكن الفيروزآبادي أنكر أن يكون مقلوبًا، إنما هو لغة أصلية في جذب الثوب، وهنا فيه الإنكار باليد مع الاستطاعة، ((من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده)) هذا هو الأصل، هذا إذا استطاع، إن لم يستطع فبلسانه، وإن لم يستطع فبقلبه، والله المستعان.