كتاب الجهاد من سبل السلام (9)
نعم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
قال- رحمه الله تعالى- في البلوغ وشرحه، في كتاب الجهاد:
"وَعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «يُجِيرُ»- (بِالْجِيمِ) (وَالرَّاءِ) بَيْنَهُمَا مُثَنَّاةٌ تَحْتِيَّةٌ مِنْ الْإِجَارَةِ وَهِيَ الْأَمَانُ- «عَلَى الْمُسْلِمِينَ بَعْضُهُمْ». أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَحْمَدُ وَفِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ؛ لِأَنَّ فِي إسْنَادِهِ الْحَجَّاجَ بْنَ أَرْطَاةَ، وَلَكِنَّهُ يَجْبُرُ ضَعْفَهُ الْحَدِيثُ التالي:
وَهُوَ قَوْلُهُ: وَلِلطَّيَالِسيِّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: «يُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَدْنَاهُمْ»، وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَهُوَ قوله:
عَنْ عَلِيٍّ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: «ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ». زَادَ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ: «وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ» كَالدَّفْعِ لِتَوَهُّمِ أَنَّهُ لَا يُجِيرُ إلَّا أَدْنَاهُمْ فَتَدْخُلُ الْمَرْأَةُ فِي جَوَازِ إجَارَتِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَمَا أَفَادَهُ الْحَدِيثُ التالي، أعني قوله:
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ- قِيلَ: اسْمُهَا هِنْدُ، وَقِيلَ: فَاطِمَةُ وَهِيَ أُخْتُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: «قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْت»، وَذَلِكَ أَنَّهَا أَجَارَتْ رَجُلَيْنِ مِنْ أَحْمَائِهَا، وَجَاءَتْ إلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- تُخْبِرُهُ أَنَّ عَلِيًّا أَخَاهَا لَمْ يُجِزْ إجَارَتهَا، فَقَالَ النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قَدْ أَجَرْنَا» الْحَدِيثَ.
وَالْأَحَادِيثُ دَالَّةٌ عَلَى صِحَّةِ أَمَانِ الْكَافِرِ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى حُرٍّ أَمْ عَبْدٍ مَأْذُونٍ أَو غَيْرِ مَأْذُونٍ؛ لِقَوْلِهِ: «أَدْنَاهُمْ»، فَإِنَّهُ شَامِلٌ لِكُلِّ وَضِيعٍ، وَتُعْلَمُ صِحَّةُ أَمَانِ الشَّرِيفِ بِالْأَوْلَى، وَعَلَى هَذَا جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إلَّا عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: لَا يَصِحُّ أَمَانُ الْمَرْأَةِ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ.."
لأنَّ إجارة أم هانئ ما نفذت حتى قال النبي- عليه الصلاة والسلام-: «أجرنا من أجرتي»، ما نفذت تلقائيًّا حتى قال النبي- عليه الصلاة والسلام-: «أجرنا من أجرتي يا أم هانئ» فهو مشروط بإجارة الإمام، ومنهم من يقول: هو مطلق كالرجل، تجير كالرجل من غير إجازة الإمام، وإنَّما ما حصل منه- عليه الصلاة والسلام- إنَّما هو إخبار، فأنت تجيره في الأصل، لكن حصل ما حصل من اعتراض أخيك فقد أجرنا من أجرتي، ولو لم يعترض علي لنفذ من غير قول منه- عليه الصلاة والسلام-، من غير إجازة.
طالب: .........
نعم.
طالب: .........
المرجح أنًّها يسعى بها أدناهم، هي منهم من الأدنى.
أحسن الله إليك.
"وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ حَمَلُوا قَوْلَهُ- صلى الله عليه وسلم- لِأُمِّ هَانِئٍ: «قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْت» عَلَى أَنَّهُ إجَارَةٌ مِنْهُ قَالُوا: فَلَوْ لَمْ يَجُزْ لَمْ يَصِحَّ أَمَانُهَا وَحَمَلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- أَمْضَى مَا وَقَعَ مِنْهَا وَأَنَّهُ قَدْ انْعَقَدَ أَمَانُهَا؛ لِأَنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- سَمَّاهَا مُجِيرَةً، وَلِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي عُمُومِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى مَا يَقُولُهُ بَعْضُ أَئِمَّةِ الْأُصُولِ أَوْ مِنْ بَابِ التَّغْلِيبِ بِقَرِينَةِ الْحَدِيثِ التالي، وهو:
عَنْ عُمَرَ- رضي الله عنه- أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «لَأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ حَتَّى لَا أَدَعَ إلَّا مُسْلِمًا». رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِزِيَادَةٍ: «لَئِنْ عِشْت إلَى قَابِلٍ».
وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- أَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ بِثَلَاثٍ «أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ»، وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ».
قَالَ مَالِكٌ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَفَحَصَ عُمَرُ عَنْ ذَلِكَ حَتَّى أَتَاهُ الثَّلْجُ وَالْيَقِينُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، فَأَجْلَى يَهُودَ خَيْبَرَ»، قَالَ مَالِكٌ: وَقَدْ أَجْلَى يَهُودَ نَجْرَانَ وَفَدَكَ أَيْضًا، وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ إخْرَاجِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ؛ لِعُمُومِ قَوْلِهِ: «لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ»، وَهُوَ عَامٌّ لِكُلِّ دِينٍ وَالْمَجُوسُ بِخُصُوصِهِمْ حُكْمُهُمْ حُكْمُ أَهْلِ الْكِتَابِ كَمَا عُرِف. وَأَمَّا حَقِيقَةُ جَزِيرَةِ.."
كما عرف في قياسهم عليهم في أخذ الجزية في قولهم: «سنوا بهم سُنَّة أهل الكتاب».
أحسن الله إليك.
"وأمَّا حقيقة جزيرة الْعَرَبِ، فَقَالَ مَجْدُ الدِّينِ فِي الْقَامُوسِ: جَزِيرَةُ الْعَرَبِ مَا أَحَاطَ بِهِ بَحْرُ الْهِنْدِ وَبَحْرُ الشَّامِ ثُمَّ دِجْلَةُ وَالْفُرَاتُ، أَوْ مَا بَيْنَ عَدَنَ أَبْيَنُ إلَى أَطْرَافِ الشَّامِ طُولًا. وَمِنْ جُدَّةَ إلَى رِيفِ الْعِرَاقِ عَرْضًا انْتَهَى.
وَأُضِيفَتْ إلَى الْعَرَبِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ أَوْطَانَهُمْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَأَوْطَانَ أَسْلَافِهِمْ وَهِيَ تَحْتَ أَيْدِيهِمْ. وَبِمَا تَضَمَّنَتْهُ الْأَحَادِيثُ مِنْ وُجُوبِ إخْرَاجِ مَنْ لَهُ دِينٌ غَيْر دين الْإِسْلَامِ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ. قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا، إلَّا أَنَّ الشَّافِعِية وَالْهَادَوِيَّةَ خَصُّوا ذَلِكَ بِالْحِجَازِ قَالَ الشَّافِعِيُّ:.."
ولذلك لا يجوز إقامة ما يعينهم على إقامة شعائرهم، يعني إذا دخل أحد منهم بعهد أو أمان دخولًا مؤقتًا لا لسُكني، لعهد وميثاق مع الإمام ورأى مصلحة في ذلك دخولًا مؤقتًا لا للإقامة فإنَّه لا يجوز له أن يـأذن له بإقامة ما يعينه على شعائره، فإن أقاموها أقاموها خُفية.
طالب: ........
مختلفة، مختلف فيها.
أحسن الله إليك.
"إلَّا أَنَّ الشَّافِعِية وَالْهَادَوِيَّةَ خَصُّوا ذَلِكَ بِالْحِجَازِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ سَأَلَ مَنْ يُعْطِي الْجِزْيَةَ أَنْ يُعْطِيَهَا وَيَجْرِيَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ عَلَى أَنْ يَسْكُنَ الْحِجَازَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَالْمُرَادُ بِالْحِجَازِ مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَالْيَمَامَةُ وَمَخَالِيفُهَا كُلُّهَا.
وَفِي الْقَامُوسِ: الْحِجَازُ مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَالطَّائِفُ وَمَخَالِيفُهَا؛ لأنَّها حُجِزَتْ بَيْنَ نَجْدٍ وَتِهَامَةَ أَوْ بَيْنَ نَجْدٍ وَتهامة السَّرَاةِ، أَوْ لِأَنَّهَا اُحْتُجِزَتْ بِالْحِرَارِ الْخَمْسِ حَرَّةِ بَنِي سُلَيْمٍ وَواقِمٍ وَلَيْلَى وَشُورَانَ وَالنَّارِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَجْلَى أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ الْيَمَنِ، وَقَدْ كَانَتْ لَهَا ذِمَّةٌ، وَلَيْسَ الْيَمَنُ بِحِجَازٍ، فَلَا يُجْلِيهِمْ أَحَدٌ مِنْ الْيَمَنِ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَالِحَهُمْ عَلَى مَقَامِهِمْ بِالْيَمَنِ. قُلْت: ولَا يَخْفَى أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْمَاضِيَةَ فِيهَا الْأَمْرُ بِإِخْرَاجِ مَنْ ذُكِرَ مِنْ أَهْلِ الْأَدْيَانِ غَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ. وَالْحِجَازُ بَعْضُ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ.
وَوَرَدَ فِي حَدِيثِ أَبِي عُبَيْدَةَ الْأَمْرُ بِإِخْرَاجِهِمْ مِنْ الْحِجَازِ وَهُوَ بَعْضُ مُسَمَّى جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَالْحُكْمُ عَلَى بَعْضِ مُسَمَّيَاتِهَا بِحُكْمٍ موافق للْحُكْمَ عَلَيْهَا كُلِّهَا بِذَلِكَ الْحُكْمِ، كَمَا قُرِّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْحُكْمَ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِ الْعَامِّ لَا يُخَصِّصُ الْعَامَّ، وَهَذَا نَظِيرُهُ."
يعني إذا ذُكر الفرد من أفراد العام بحكم موافق لحكم العام، فإنَّ هذا لا يقتضي التخصيص، وإنَّما يقتضي الاهتمام بشأن الخاص والعناية به.
أحسن الله إليك.
"وَلَيْسَتْ جَزِيرَةُ الْعَرَبِ مِنْ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ كَمَا وَهَمَ فِيهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَغَايَةُ مَا أَفَادَهُ حَدِيثُ أَبِي عُبَيْدَةَ زِيَادَةُ التَّأْكِيدِ فِي إخْرَاجِهِمْ مِنْ الْحِجَازِ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ إخْرَاجُهُمْ مِنْ الْحِجَازِ تَحْتَ الْأَمْرِ بِإِخْرَاجِهِمْ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ ثُمَّ أَفْرَدَ بِالْأَمْرِ زِيَادَةَ في التَأْكِيدٍ لَا أَنَّهُ تَخْصِيصٌ أَوْ نَسْخٌ وَكَيْفَ وَقَدْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:«أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ»، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ.
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَقُولُ: بَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ مِنْ آخِرِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ النبي- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ لَا يَبْقَيْنَ دِينَانِ بِأَرْضِ الْعَرَبِ». وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: لم أعلم أَحَدًا أَجْلَاهُمْ مِنْ الْيَمَنِ فَلَيْسَ تَرْكُ إجْلَائِهِمْ بِدَلِيلٍ، فَإِنَّ أَعْذَارَ مَنْ تَرَكَ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ، وَقَدْ تَرَكَ أَبُو بَكْرٍ إجْلَاءَ أَهْلِ الْحِجَاز مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى وُجُوبِ إجْلَائِهِمْ؛ لشغلته بِجِهَادِ أَهْلِ الرِّدَّةِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُمْ لَا يُجْلَوْنَ، بَلْ أَجْلَاهُمْ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- أَقَرَّهُمْ فِي الْيَمَنِ بِقَوْلِهِ لِمُعَاذٍ: «خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا أَوْ عَدْلَهُ مَعَافِرِيًّا»، فَهَذَا كَانَ قَبْلَ أَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِنَّهُ كَانَ عِنْدَ وَفَاتِهِ كَمَا عَرَفْت."
فيكون منسوخًا، إقرارهم بالجزية في جزيرة العرب منسوخ.
أحسن الله إليك.
"فَالْحَقُّ وُجُوبُ إجْلَائِهِمْ مِنْ الْيَمَنِ؛ لِوُضُوحِ دَلِيلِهِ، وَكَذَلك الْقَوْلُ بِأَنَّ تَقْرِيرَهُمْ فِي الْيَمَنِ قَدْ صَارَ إجْمَاعًا سُكُوتِيًّا لَا يَنْهَضُ عَلَى دَفْعِ الْأَحَادِيثِ، فَإِنَّ السُّكُوتَ مِنْ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَمْرٍ وَاقَعٍ مِنْ الْآحَادِ أَوْ مِنْ خَلِيفَةٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ فِعْلِ مَحْظُورٍ أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ لَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ مَا وَقَعَ، وَلَا عَلَى جَوَازِ مَا تُرِكَ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ الْوَاقِعُ فِعْلًا أَوْ تَرْكًا لِمُنْكَرٍ وَسَكَتُوا لَمْ يَدُلَّ سُكُوتُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمُنْكَرٍ لِمَا عُلِمَ مِنْ أَنَّ مَرَاتِبَ الْإِنْكَارِ ثَلَاثٌ بِالْيَدِ أَوْ باللِّسَانِ أَوْ بالْقَلْبِ وَانْتِفَاءُ الْإِنْكَارِ بِالْيَدِ وَاللِّسَانِ لَا يَدُلُّ عَلَى انْتِفَائِهِ بِالْقَلْبِ، فلعل الساكت أنكر بقلبه لعذر عن التغيير باليد واللسان، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَدُلُّ سُكُوتُهُ عَلَى تَقْرِيرِهِ لِمَا وَقَعَ حَتَّى يُقَالَ: قَدْ أجمعت الأُمَّة عليه إجْمَاعًا سُكُوتِيًّا؛ إذْ لَا يَثْبُتُ أَنَّهُ قَدْ أَجْمَعَ السَّاكِتُ إلا إذَا عُلِمَ رِضَاهُ بِالْوَاقِعِ، وَلَا يَعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا عَلَّامُ الْغُيُوبِ."
ولا يُستثنى من ذلك إلا النبي- عليه الصلاة والسلام- الذي إقراره تشريع، إقراره تشريع. وأمَّا من عداه فقد يسكت لمصلحة راجحة.
طالب: ..........
نعم.
طالب: ....
والله الذي يظهر إنَّه ما حدتها البحار، يعني إلى أطراف الشام ما يُسمَّى الجزيرة الآن، والعُرف.
طالب: ..........
كلها جزيرة العرب.
"وَبِهَذَا يُعْرَفُ بُطْلَانُ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ السُّكُوتِيَّ حُجَّةٌ، وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَدْ حَرَّرَ هَذَا فِي رَدِّ الْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ مَعَ وُضُوحِهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الْمُنْعِمِ الْمُتَفَضِّلِ، فَقَدْ أَوْضَحْنَاهُ فِي رِسَالَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ فَالْعَجَبُ مِمَّنْ قَالَ: وَمِثْلُهُ قَدْ يُفِيدُ الْقَطْعَ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ حَدِيثَ الْأَمْرِ بِالْإِخْرَاجِ كَانَ عِنْدَ سُكُوتِهِمْ بِغَيْرِ جِزْيَةٍ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِإِخْرَاجِهِمْ عِنْدَ وَفَاتِهِ- صلى الله عليه وسلم-، وَالْجِزْيَةُ فُرِضَتْ فِي التَّاسِعَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ عِنْدَ نُزُولِ بَرَاءَةٌ، فَكَيْفَ يَتِمُّ هَذَا؟ ثُمَّ إنَّ عُمَرَ أَجْلَى أَهْلَ نَجْرَانَ وَقَدْ كَانَ صَالَحَهُمْ- صلى الله عليه وسلم- عَلَى مَالٍ وَاسِعٍ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ وَهُوَ جِزْيَةٌ. وَالتَّكَلُّفُ بِتَقْوِيمِ مَا عَلَيْهِ النَّاسُ وَرَدُّ مَا وَرَدَ مِنْ النُّصُوصِ بِمِثْلِ هَذِهِ التَّأْوِيلَاتِ مِمَّا يُطِيلُ تَعَجُّبَ النَّاظِرِ الْمُنْصِفِ."
نعم، يعجب الإنسان حينما يسمع الخبر مرفوعًا صحيحًا صريحًا ثم يُعارضه بقول أحد كائنًا من كان، وقلنا: وجد أبو لؤلؤة المجوسي في المدينة قتل عمر، ويُعارض به الأمر بإخراجهم من جزيرة العرب، هل يُمكن أن يُعارض قول النبي- صلى الله عليه وسلم- بواقع، أو بحادثة، أو بفعل يحتمل ما يحتمل؟
ومثل هذا ما يُدار وما يُشاع وما يُقال وما يُقرر بالنسبة للأخذ من اللحية مع النصوص الصحيحة الصريحة التي تأمر بإعفائها، وتوفيرها وتوقيرها ثم يقول: إنَّ فلان كان يأخذ، وفلانًا كان يأخذ، يعني لظرف أو حال في نُسك أو في غيره يكون هو الأصل، ويُطوَّع عليه النص حتى كتب من كتب من المفتونين يقول: ابداء النص- كتاب في مجلد- في أنَّ المراد بإعفاء اللحية هو القص- نسأل الله العافية-.
طالب: ............
يعني الواقع ما يُغير من الحكم الشرعي شيئًا، لكنه مع ذلك قد يحتمل ظرفًا أو شيئًا من هذا الناس بحاجة أو شيء من هذا يُمكن، قد يُستثنى بعض الأشياء.
أحسن الله إليك.
"قَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَلَا يُمْنَعُ الْكُفَّارُ مِنْ التَّرَدُّدِ مُسَافِرِينَ إلَى الْحِجَازِ، وَلَا يَمْكُثُونَ فِيهِا.."
يعني يدخلون لمصلحة بالعُشر، بالأمان، إلى آخره مما هو معروف في أبوابه.
"ولا يمكثون فيها أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ: إلَّا مَكَّةَ وَحَرَمَهَا".
لأنَّ الله- جلَّ وعلا- قال: {فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} [سورة التوبة:28].
"إلا مكة وحرمها فَلَا يَجُوزُ تَمْكِينُ كَافِرٍ مِنْ دُخُولِهَا بِحَالٍ. فَإِنْ دَخَلَ خُفْيَةٍ وَجَبَ إخْرَاجُهُ فَإِنْ مَاتَ وَدُفِنَ فِيهِ نُبِشَ وَأُخْرِجَ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ، وَحُجَّتُهُ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} [سورة التوبة:28].
قُلْت: وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْبَانِيَانِ هُمْ من الْمَجُوسُ، وَالْمَجُوسُ حُكْمُهُمْ حُكْم أَهْلِ الْكِتَابِ؛ لِحَدِيثِ «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ»، فَيَجِبُ إخْرَاجُهُمْ مِنْ أَرْضِ الْيَمَنِ وَمِنْ كُلِّ مَحَلٍّ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَعَلَى فَرْضِ أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمَجُوسٍ فَالدَّلِيلُ عَلَى إخْرَاجِهِمْ دُخُولُهُمْ تَحْتَ «لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ».
وَعَنْهُ أَيْ عُمَرَ- رضي الله عنه- قَالَ: كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ بِفَتْحِ (النُّونِ) وَكَسْرِ (الضَّادِ) الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا المُثَنَّاةٌ تَحْتِيَّةٌ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِمَّا لَمْ يُوجِفْ الْإِيجَافُ مِنْ الْوَجْفِ وَهُوَ السَّيْرُ السَّرِيعُ، عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ الرِّكَابُ بِكَسْرِ (الرَّاءِ) الْإِبِلُ، وقد كَانَتْ لِلنَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- خَاصَّةً، وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَةٍ، وَمَا بَقِيَ جعله فِي الْكُرَاعِ (بِالرَّاءِ) (وَالْعَيْنِ) الْمُهْمَلَةِ بِزِنَةِ غُرَابٍ اسْمٌ لِجَمِيعِ الْخَيْلِ وَالسِّلَاحِ.."
لجمع.
أحسن الله إليك.
"اسم لجمع الخيل، والسلاح عدة"
يعني مما يُستعان به أو يُستعان به في الجهاد؛ لأنَّه ليس للغانمين هذا ما أوجف عليه، هذا فيء يُجعل في مصالح المسلمين العامة.
طالب: .........
لا لا، لا لا.
"عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
بَنُو النَّضِيرِ قَبِيلَةٌ كَبِيرَةٌ مِنْ الْيَهُودِ وَادَعَهُمْ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- بَعْدَ قُدُومِهِ إلَى الْمَدِينَةِ عَلَى أَنْ لَا يُحَارِبُوا، وَلَا يُعِينُوا عَلَيْهِ عَدُوَّهُ، وَكَانَتْ أَمْوَالُهُمْ وَنَخِيلُهُمْ وَمَنَازِلُهُمْ بِنَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ، فَنَكَثُوا الْعَهْدَ، وَسَارَ منهم كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ فِي أَرْبَعِينَ رَاكِبًا إلَى قُرَيْشٍ فَحَالَفَهُمْ، وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى رَأْسِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وقعة بَدْرٍ كَمَا ذَكَرَهُ الزُّهْرِيُّ.
وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ وقعة أُحُدٍ وَبِئْرِ مَعُونَةَ، وَخَرَجَ إلَيْهِمْ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- يَسْتَعِينُهُمْ فِي دِيَةِ رَجُلَيْنِ قَتَلَهُمَا عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ مِنْ بَنِي عَامِر قد أمَّنهم النبي- صلى الله عليه وسلم- ولم يشعر عمرو بذلك، فَجَلَسَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- إلَى جَنْبِ جِدَارٍ لَهُمْ فَتَمَالَئُوا عَلَى إلْقَاءِ صَخْرَةٍ عَلَيْهِ مِنْ فَوْقِ ذَلِكَ الْجِدَارِ، وَقَامَ بِذَلِكَ عَمْرُو بْنُ جِحَاشِ بْنِ كَعْبٍ، فَأَتَاهُ الْخَبَرُ مِنْ السَّمَاءِ، فَقَامَ مُظْهِرًا أَنَّهُ يَقْضِي حاجته، وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: «لَا تَبْرَحُوا»، وَرَجَعَ مُسْرِعًا إلَى الْمَدِينَةِ فَاسْتَبْطَأَهُ أَصْحَابُهُ فَأُخْبِرُوا أَنَّهُ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ فَلَحِقُوا بِهِ فَأَمَرَ بِحَرْبِهِمْ وَالْمَسِيرَ إلَيْهِمْ فَتَحَصَّنُوا فَأَمَرَ بِقَطْعِ النَّخْلِ وَالتَّحْرِيقِ وَحَاصَرَهُمْ سِتَّ لَيَالٍ، وَكَانَ نَاسٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ بَعَثُوا إلَيْهِمْ أَنْ اُثْبُتُوا وتَمْنَعُوا فَإِنْ قُوتِلْتُمْ قَاتَلْنَا مَعَكُمْ، فَتَرَبَّصُوا، فَقَذَفَ اللَّهُ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِهِمْ فَلَمْ يَنْصُرُوهُمْ، فَسَأَلُوا أَنْ يُجْلَوْا عن أَرْضِهِمْ عَلَى أَنَّ لَهُمْ مَا حَمَلَتْ الْإِبِلُ، فَصُولِحُوا عَلَى ذَلِكَ إلَّا الْحَلَقَةَ بِفَتْحِ (الْحَاءِ) الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ (اللَّامِ) (فَقَافٌ) وَهِيَ السِّلَاحُ، فَخَرَجُوا إلَى أَذْرَعَاتَ وَأَرْيِحَاءَ مِنْ الشَّامِ، وَآخَرُونَ إلَى الْحِيرَةِ وَلَحِقَ آلَ أَبِي الْحَقِيق.."
ابن حجر- رحمه الله- يقول: إنَّ فتح (اللام) شذوذ، فتكون حلْقة.
أحسن الله إليك.
"فَخَرَجُوا إلَى أَذْرَعَاتَ وَأَرْيِحَاءَ مِنْ الشَّامِ، وَآخَرُونَ إلَى الْحِيرَةِ، وَلَحِقَ آلَ أَبِي الْحَقِيق وَآلَ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ بِخَيْبَرَ، وَكَانُوا أَوَّلَ مَنْ أُجْلِيَ مِنْ الْيَهُودِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لأَوَّلِ الْحَشْرِ} [سورة الحشر:2]، وَالْحَشْرُ الثَّانِي مِنْ خَيْبَرَ فِي أَيَّامِ عُمَرَ.
وَقَوْلُهُ: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} [سورة الحشر:6] الْفَيْءُ مَا أُخِذَ بِغَيْرِ قِتَالٍ، قَالَ فِي نِهَايَةِ الْمُجْتَهِدِ:.."
يعني مرَّ بنا مرارًا أنَّ اسم الكتاب بداية المجتهد ونهاية المقتصد.
أحسن الله إليك.
"إنَّهُ لَا خُمُسَ فِيهِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ. وَإِنَّمَا لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهَا بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ؛ لِأَنَّ بَنِي النَّضِيرِ كَانَتْ عَلَى مِيلَيْنِ مِنْ الْمَدِينَةِ، فَمَشَوْا إلَيْهَا مُشَاةً غَيْرَ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَإِنَّهُ رَكِبَ جَمَلًا أَوْ حِمَارًا وَلَمْ تَنَلْ أَصْحَابَهُ- صلى الله عليه وسلم- مَشَقَّةٌ من ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: كَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ أَيْ مِمَّا اسْتَبَقَاهُ لِنَفْسِهِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَعْزِلُ لَهُمْ نَفَقَةَ سَنَةٍ وَلَكِنَّهُ كَانَ يُنْفِقُهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ السَّنَةِ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ، وَلَا يَتِمُّ عَلَيْهِ السَّنَةُ؛ وَلِهَذَا تُوُفِّيَ- صلى الله عليه وسلم- وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عَلَى شَعِيرٍ اسْتَدَانَهُ لِأَهْلِهِ.
وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ ادِّخَارِ قُوتِ سَنَةٍ، وَأَنَّهُ لَا يُنَافِي التَّوَكُّلَ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ الِادِّخَارِ مِمَّا يَسْتَغِلُّهُ الْإِنْسَانُ مِنْ أَرْضِهِ. وَأَمَّا إذَا أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ مِنْ السُّوقِ وَيَدَّخِرَهُ فَإذا كَانَ فِي وَقْتِ ضِيقِ الطَّعَامِ.."
يعني رجاء أن ترتفع الأسعار، ويُضيِّق على الناس بسبب ذلك فهذا لا يجوز.
أحسن الله إليك.
"فَإذا كَانَ فِي وَقْتِ ضِيقِ الطَّعَامِ لَمْ يَجُزْ، بَلْ يَشْتَرِي مَا لَا يَحْصُلُ بِهِ تَضْيِيقٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَقُوتِ أَيَّامٍ أَوْ شَهْرٍ، وَإِنْ كَانَ فِي وَقْتِ سَعَةٍ اشْتَرَى قُوتَ السَّنَةِ وَهَذَا التَّفْصِيلُ نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ.
وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- خَيْبَرَ فَأَصَبْنَا فِيهَا غَنَمًا، فَقَسَمَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- طَائِفَةً، وَجَعَلَ بَقِيَّتَهَا فِي الْمَغْنَمِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَرِجَالُهُ لَا بَأْسَ بِهِمْ الْحَدِيثُ مِنْ أَدِلَّةِ التَّنْفِيلِ، وَقَدْ سَلَفَ الْكَلَامُ فِيهِ، فَلَوْ ضَمَّهُ الْمُصَنِّفُ إلَيْهَا لَكَانَ أَوْلَى.
وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنِّي لَا أَخِيسُ» (بِالْخَاءِ) الْمُعْجَمَةِ فَمُثَنَّاةٌ تَحْتِيَّةٌ (فَسِينٌ) مُهْمَلَةٌ فِي النِّهَايَةِ لَا أَنْقُضُهُ «بِالْعَهْدِ وَلَا أَحْبِسُ الرُّسُلَ»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.."
امتثالًا لقوله- جلَّ وعلا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [سورة المائدة:1]، فنقض العقد هذا من صفات المنافقين.
أحسن الله إليك.
"وفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى حِفْظِ الْعَهْدِ، وَالْوَفَاءِ بِهِ، وَلَوْ لِكَافِرٍ، وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَحبِس الرسول، بَلْ يَرُدُّ.."
يُحبَس. نعم، على أنَّه لا يُحبس الرسول.
أحسن الله إليك.
"على أنَّه لا يُحبس الرسول، بل يُرد جَوَابَهُ، فَكَأَنَّ وُصُولَهُ أَمَانٌ لَهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْبَسَ، بَلْ يُرَدَّ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «أَيُّمَا قَرْيَةٍ أَتَيْتُمُوهَا فَأَقَمْتُمْ فِيهَا فَسَهْمُكُمْ فِيهَا. وَأَيُّمَا قَرْيَةٍ عَصَتْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ خُمُسَهَا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ هِيَ لَكُمْ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي شَرْحِ مُسْلِم: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْقَرْيَةِ الْأُولَى هِيَ الَّتِي لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، بَلْ أُجْلِيَ عَنْهَا أَهْلُهَا أو صَالَحُوا، فَيَكُونُ سَهْمُهُمْ فِيهَا أَيْ حَقُّهُمْ مِنْ الْعَطَاءِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْفَيْءِ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالثَّانِيَةِ مَا أُخِذَتْ عَنْوَةً فَيَكُونُ غَنِيمَةً يَخْرُجُ مِنْهَا الْخُمُسُ وَالْبَاقِي لِلْغَانِمِينَ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «هِيَ لَكُمْ»، أَيْ بَاقِيهَا، وَقَدْ احْتَجَّ بِهِ مَنْ لَمْ يُوجِبْ الْخُمُسَ فِي الْفَيْءِ؛ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَبْلَ الشَّافِعِيِّ قَالَ بِالْخُمُسِ فِي الْفَيْءِ."
اللهم صلِّ على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.