كتاب بدء الوحي (008)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

هذا من باب الإخبار، هذا أخ يقول: لا يخفى عليكم أن للطلاب أثراً على الشيخ، فكما أن طلاب الإمام الطبري -رحمه الله- ضعفت همتهم فكانوا من أسباب اندثار مذهبه، وعدم القيام به، وحرمان المسلمين من علمه الغزير.

وبالمقابل نجد طلاب شيخ الإسلام -رحمه الله- الذين قاموا به، ولم يتوانوا، ولم يتكاسلوا في نشر العلم، وطلبه، والصبر عليه، وهم بعدهم بخمسة قرون تقريباً، لذلك فإني أطالب كغيري من الطلاب بالعودة  للطريقة الأولى في تفصيل المسائل، الشيء الذي لا نجده في غير هذا الدرس، ومن يريد الاختصار فالشروح كثيرة، والأشرطة موجودة؟

على كل هذا مطلب كثير من الإخوان، يعني ما هو بواحد أو باثنين أو عشرة أو مائة، هذا مطلب ملح لكثير من الإخوان، والطريقة الأخرى التي مبنية على الاختصار أيضا لها أناس، وأظن الأمر الذي يفصله ما أمشي عليه إن -شاء الله تعالى-، بغض النظر إن رأيت فائدة ملحة في الاستطراد -يعني لا بد من ذكرها-، وإلا فأظن الذي في البال، والذي كنت مخططاً له يحتاج إلى زمن طويل، يعني لو قلنا: إن حديث الأعمال بالنيات" يحتاج إلى ما يكفيه يعني سنة بطريقتنا، بدروسنا، يعني كم السنة؟ السنة ستة أشهر، ومن درسين خمسين درساً، خمسين اليوم الدرس كم؟.

الطلاب:........

الثامن، اليوم الدرس الثامن

الطلاب:........

أعرف أنه ما هو بالحديث، يعني من بداية الكتاب، الدرس الثامن مع أننا فيه غاية الاختصار الشديد، وإلا فأهل العلم أدخلوا الحديث في جميع أبواب الدين، ومقتضى ذلك أن نستعرض جميع أبواب الدين من أولها إلى أخرها، وننظر مدخل هذا الحديث في كل باب من هذه الأبواب، في كل باب من هذه الأبواب، لكن نقتصر على أمثله واضحة، يعني تدور في كتب أهل العلم ولها أثر، للنية فيها أثر وجوداً وعدماً، ولكم علينا أن نسدد ونقارب، وإذا أردنا فائدة لا بد من ذكرها، وجدناها في كتاب قد يغفل عنه فإنا نوردها -إن شاء الله تعالى-.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد :ـ

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- قال: حدثنا الحميدي عبد الله بن الزبير، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري، قال: أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي، أنه سمع علقمة بن وقاص الليثي، يقول: سمعت عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى- عنه على المنبر قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)) هذا انتهينا منه، هاتان الجملتان انتهينا من الكلام عليهما ((فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها)) عرفنا أن أحد وجهي التقسيم وهو الأهم، ((فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله)) محذوفة في هذا الموضع باتفاق جميع النسخ، وجميع الروايات، وأن المتجه أن الحذف كان من الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-؛ لأنه رواه هو وغيره من طريق الحميدي كاملاً، وذكرنا ما قاله أهل العلم في سبب حذف هذه الجملة، ويبقى الوجه الثاني من وجهي التقسيم ((فمن كانت هجرته إلى دينا يصيبها، أو إلى امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه)) فمن كانت هجرته الفاء هذه يسمونها: التفريعية، الكلام إجمالي في الأول ثم يفرع عليه -يسمونها تفريعيه-، وقد يقولون، وقد يسمونها الفصيحة أي: التي تفصح وتبين، التي تفصح وتبين وهي في حقيقتها دالت على شرط مقدر، والتقدير: إذا كانت الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته -يعني إذا كانت الأعمال بالنيات، فمن كنت هجرته قالوا:هنا واقعة في شرط جواب، في جواب شرط مقدر، وهو تفريع لما تقدم نظير ذلك في كلام أهل العلم ابن آجروم لما عرّف الكلمة، الكلمة: اللفظ المركب، المفيد بالوضع.

وهي: اسم، وفعل، وحرف جاء لمعنى، فالاسم: يعني إذا عرف ذلك تفرع عليه ما يأتي، إذا عرف ما تقدم فالاسم، هذه علقوا عليها في حواشي شروح الآجرومية، كالحامدي على الكفراوي قال: هذه الفاء تسمى الفصيحة، وهذه النكت، وهذا الطرائف التي توجد في هذه الحواشي، قد يبدأ الطالب من المرحلة الابتدائية، فالمتوسطة، فالثانوي، فالجامعة، ثم المراحل العليا، ولا تمر عليه مثل هذه الفائدة، ما تمر عليه مثل هذه الفائدة، لماذا؟ ليست على طريقهم؛ لأنها في كتابٍ كان عمدة في الباب، وفي طريق كل طالب علم الآن على الهامش، لا يقرأه، أو لا يَدْرسُه، أو لا يُدرّسه إلا من أراد أن يرجع إلى طريقة أهل العلم في السابق، فيفوت من فوائد هذه الكتب، وهذه الشروح، وهذه الحواشي على هذه المتون الشيء الكثير، الآن الطرق التربوية الحديثة، ......... ويش معنى الرحبية، ويش معنى النخبة، ويش معنى كفراوي، وعشماوي، ومدري إيش كتب معقدة ما يفهما الطلاب اليوم، نأتي إلى كتاب النحو الواضح لعلي الجارم ورفيقه، يذكر أمثلة ثم يشرح هذه الأمثلة، ثم يذكر القاعدة، ثم يذكر أمثلة، ثم يحل هذه الأمثلة ويعربها، ثم بعد ذلك يذكر أسئلة إلى أن يتمرن عليها الطالب، هذه طريقة تربوية معتمدة عند المتأخرين، ويوصى بها، لكن كم يفوت طالب العلم إذا اعتمد هذه الطريقة، وأهمل كتب المتقدمين؟ وكيف يتربى طالب علم فيما بعد يحتاج مراجعة الكتب التي ألفها الأئمة في هذا الفن؟ هو لم يدرس مثل هذه الطريقة عند الأئمة.

التمرين يعني في شرح، أو في الأزهرية، الظاهر أنه في الأزهرية، يمكن أنه في شرح الأزهرية، مرن الطلاب بعد ما انتهى من الكتاب كله على إعراب قصار السور، أعرب لهم قصار السور، هناك تمرين الطلاب لمعرفة قواعد الإعراب، هذا يربيهم كيف يعربون، هناك أيضا إعراب الألفية للشيخ خالد الأزهري، يعربون ما يقصرون.

الكفراوي كله إعرابات، قد يأتي المؤلف بعشرة أمثلة ثم يعربها الشارح، قد يأتي بأمثلة كثيرة لمسائل، أو لحروف محددة مثل: حروف الجر جاء لكل واحد بمثال، أو أكثر من مثال، ثم أعربها الشارح كلها، هذا تمرين، فأقول: لا بد من قراءة هذه الكتب التي ألفها أهل العلم لطبقات المتعلمين، وأعظم ما يربى عليه الطالب في معرفة الإعراب إعراب القرآن، يعني إذا انتهيت من متن من المتون المختصرة أعرب الفاتحة، تجمع بين أمرين

أولاً: تتقن العربية.

الأمر الثاني: تفهم القرآن؛ لأن فهم المعاني مبنى على معرفة مواقع هذه الألفاظ، وهذه الجمل من الإعراب، لكن لو وجدنا مثلاً طالب على أبواب التخرج في كلية اللغة، تسأله عن الفاء الفصيحة يمكن ما يعرف، هناك فوائد في الكافية لابن الحاجب وشروحها، لا توجد في الكتب التي يدرسها المتعلمون في وقتنا، وهناك فوائد أيضاً في الملحة وشروحها لا يمر بها طالب العلم في هذا الوقت؟، كل هذا لأنهم قيل لهم إن هذه الكتب التي ألفها المعاصرون سهلة وواضحة يمكن يتمرن عليها الإنسان، ومع ذلك قرأنها، وكأنها ما مرت علينا، لماذا؟ لسهولتها، السهل ما يثبت في الذهن؛ لأنه لما نأتي إلى شرح الأجرومية تجد كثير من طلاب العلم يقول: عندك التحفة السنية لمحمد محي الدين عبد الحميد، لكن ماذا عن الكفراوي؟ ماذا عن العشماوي؟ الكفراوي يولد في طالب العلم ملكة إعرابية لا توجد في غيره، العشماوي يذكر الفوائد وضوابط وقواعد ما تمر ولا في المطولات، ونحن نزهد طلاب العلم في هذه الكتب باعتبار أنها قد تصعب على طالب العلم، خلها تصعب يا أخي، ويش المانع؟ ولو القصد من ذلك تعذيب طالب العلم، لكن إذا أتقن هذه الكتب أتقن الفن.

ويش معنى أن هذا الكتاب يؤلف، وهذا يختصر، وهذا يشرحه، وهذا ينظم، وهذا يشرح النظم، المقصود من ذلك تكثير الكتب؟ لا، إنما هو تقليب العلم، إلا ما يفهم ما يحفظ النثر يحفظ النظم، والذي لا يحفظ النظم يعاين النثر، والذي لا يفهم من المتن يقرأ من الشرح، والذي لا يغنيه الشرح يقرأ في الحاشية، والكتاب المطول يقرأ مختصره، والمختصر يقرأ شرحه، كل هذا من باب تقريب العلم من وجه إلى وجه؛ ليثبت في الذهن، والذي جرنا إلى هذا الحديث، أن هذه الفاء التي تسمى الفصيحة ذكرها الحامدي في حاشيته على الكفراوي.

ما ذكرها بصدد الكلام على هذا الحديث لا، على قول ابن آجروم: فالاسم: يعرف إلى أخره، أو بالضاد المعجمة يعني فضيحة، أو فاضحة فعلية بمعنى فاعلة؛ لأن الفعيل يأتي بمعنى الفاعل؛ لأنها فضحت، وأظهرت ما كان مخفياً في الكلام؛ لأنها فضحت وأظهرت ما كان مخفياً في الكلام، ولأن هذا مأخوذ من حاشية الحامدي على الكفراوي.

في شرح العيني، يقول: الفاء ها هنا لعطف المفصل على المجمل، لعطف المفصل على المجمل؛ لأن قوله: ((فمن كانت هجرته)) إلى أخره تفصيل لما سبق من قوله: ((إنما الأعمال بالنيات)) ومن شرطية جوابها ما بعد الفاء.

كانت: فعل ماض إما ناقص، أو تام، فعل ماض ناقص، وقد تكون تامة بمعنى وجدت، كما في قوله -جل وعلا- {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ} [(280) سورة البقرة] إن كان يعني وجد ذو عسرة، والمراد هنا أصل الكون؛ لأن كان فعل ماض، فعل ماض، ومعروف أن الفعل الماضي الأصل فيه أن النطق به وقع بعد الفراغ منه، إذا قلت: قام زيد، هل تقوله قبل قيامه؟ لا هل تقوله أثناء قيامه؟ الأصل أن تقوله بعد ما تم قيامه؛ لأنها فعل ماض، ويدل على حدث حصل في الزمن الماضي، لكن قد يطلق الفعل ويراد به كما هو الأصل الفراغ منه، يطلق ويراد به الشروع فيه، الشروع فيه، إذا ركع فاركع، سمعناه أنه إذا ركع وفرغ من الركوع اركعوا لا، وقد يطلق ويراد به ما قبل ذلك من إرادته، إذا دخل أحدكم الخلاء يعني إذا أراد {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ} [(98) سورة النحل] يعني إذا أردت القراءة، وهكذا.

هنا يقولون: المراد هنا أصل الكون -يعني أصل المادة-، فلا يقال: إن هذا حكم من وقع منه ذلك وانتهى، لا بالنظر لزمن مخصوص، أو المراد وضعها الأصلي من المضي يراد ذلك، ويقاس عليه الحال والاستقبال بقية الأزمان، أو يراد بها هنا الاستقبال لماذا؟ لوقوعها في حيز الشرط، وهو يخلص الماضي للاستقبال، يخلص الماضي للاستقبال الشرط، من فعل كذا ((من قتل قتيلاً فله سلبه)) قتل: فعل ماض -يعني قتله في الماضي-، أو في المستقبل، أو هو إغراء للمستقبل؟ للمستقبل، ولذلك الشرط يخلص الماضي للاستقبال، عكسه دخول لم على المضارع الذي الأصل فيه الحال، أو الاستقبال تقلبه إلى المضي، ولذلك يقولون في إعرابها لم: حرف نفي وجزم وقلب -يعني تقلب الفعل المضارع إلى المضي- عكس ما عندنا، أو لوقوعها، أو المراد هنا الاستقبال لوقوعها في حيز الشرط، ويخلص الماضي للاستقبال.

ويقاس الأخر يعني سواء قلنا للماضي، يقاس عليه المستقبل، إذا قلنا للمستقبل كما هو مقتضى الجملة الشرطية، يقاس عليه المضي للإجماع على استواء الأزمن، أو الأزمنة في الحكم التكليفي، إلا لمانع للإجماع على استواء الأزمنة في الحكم التكليفي، إلا لمانع يعني الصلاة أمس حكمها حكم صلاة اليوم، وحكمها حكم صلاة الغد، فحكمها في الأزمنة كلها واحد إلا إن وجد مانع، كان يستطيع يصلي ثم بعد ذلك لا يستطيع، كان يستطيع الصيام ثم بعد ذلك لا يستطيع الصيام، أو العكس كان لا يستطيع ثم شُفي وعوفي وصار يستطيع، فإذا وجد المانع اختلف الحكم، والإ فالأصل أن الأحكام الشرعية ثابتة في الماضي والحال والاستقبال.

والتاء: من كانت للتأنيث؛ لأن الفعل مسند لمؤنث الذي هو الهجرة، يجوز في مثل هذه الحالة التذكير فمن كانت هجرته؛ لأن المؤنث ليس تأنيثه حقيقاً، ليس تأنيثه حقيقاً، ووجوب التأنيث تأنيث الفعل في صورتين.

الأولى: أن يكون المؤنث حقيقياً بدون فاصل.

الثاني : أن يكون الفاعل ضميراً يعود إلى مؤنث سواء كان حقيقياً، أو غير حقيقي إذا كان ضميراً، فيجب تأنيث الفعل له، هنا الأصل التأنيث؛ لأن الفاعل مؤنث، أو المسند إليه مؤنث أعم من الفاعل؛ لأن هجرته هنا من كانت هجرته إما أن يقال: أنها اسم كان إذا قلنا إنها ناقصة، أو يقال فاعل كان إذا كانت كان تامة.

في شرح الكرماني ذكرنا لكم مراراً أنه يورد إشكالات، يورد أسئلة ثم يجيب عنها، وهذه ميزة لهذا الشرح، في شرح الكرماني فإن قلت: لفظ كانت إن كان باقياً في المضي فلم يعلم أن الحكم بعد صدور الكلام من الرسول -صلى الله عليه وسلم- لذلك أم لا، يعني هل الرسول -عليه الصلاة والسلام- يخاطب ناس هاجروا يعني في المضي وانتهوا؟ هذا ما يعلم الحكم؛ لأن الحكم إنما صدر بعد وقوع هجرته، وإن نقل العكس بسبب تضمين من لحرف الشرط إلى معنى الاستقبال، أو تضمن، هنا يقول تضمين، وهي تضمن، وتضمين بمعنى واحد إلى معنى الاستقبال، ففي الجملة الحكم إما للماضي، وإما للمستقبل، وهو بمعنى ما تقدم شرحه .

قلت: جاز أن يراد به أصل الكون أي: الوجود مطلقاً من غير تقييد بزمان من الأزمنة الثلاثة، أو يقاس أحد الزمانين على الأخر، أو يعلم من الإجماع أن حكم المكلفين على السواء، إلا لعارض يعني مثل ما تقدم، لكن شرح الكرماني نعتني به؛ لأنه أصل لهذه الشروح المتداولة، أصل لهذه الشروح المتداولة، واستفادوا منه، كل من جاء بعده استفاد منه، ولا تخلوا صفحة من فتح الباري، أو من عمدة القاري، ولا حتى إرشاد الساري وعلى اختصاره من قوله قال الكرماني، لكنه فيه هفوات، ومعوله في الغالب على الصحف، ولذلك كثرة فيه الأوهام، وتصدا الشراح لنقده، مع أن معولهم عليه.

ومفترض أنهم إذا أحسن يقولون: أحسن يشيدون به، وإذا وهم ينتقدونه ما في إشكال، لكن الملاحظ للشروح التي تنقل عنه حقيقة يشدون عليه في الكلام؛ لأن فيه أوهام، ولعل هذا من باب الجزاء من جنس العمل، يعني الكرماني أصل لهذا الشروح، وينطبق عليه المثل مثل عند العامة يقولون:" الشعير مأكول مذموم"، هو مأكول ما في إشكال، لكن من أكله ذمه مع حاجته إليه، نقول: الكرماني يعتمدون عليه وهو معولهم، ويفتح لهم أبواب وأفاق؛ لأن عنده احتمالات، احتمالات يوردها تفتح باب لمن يأتي بعده، ثم بعد ذلك قد يهم في بعض الاحتمالات وابن حجر يقول: الاحتمالات العقلية المجردة لا مدخل لها في هذا الفن، وهو يذكر هذه الاحتمالات يستفيد منها، وأحياناً يردها.

أقول: الجزاء من جنس العمل، ترى الكرماني رغم ما فيه من فوائد، وفيه من أوهام، هو أيضا أحياناً قد يسئ الأدب إلى الإمام البخاري، يعني ما يفهم الرابط بين الحديث والترجمة، ثم بعد ذلك يأتي بكلام شديد في حق الإمام البخاري، في حق الإمام البخاري، حتى قال في بعض التراجم، قال: هذا تعجرف، إيش معنى تعجرف -يعني عسف للكلام-، لا بد أن يوجد رابط، ما في رابط، وإنما أوتي من عدم فهمه لمقصود البخاري.

وقد يقول ابن حجر في بعض المواضع: وهذا من جهله بالكتاب الذي يشرحه، على كل حال كل يؤخذ من قوله ويرد، وهؤلاء كلهم خدموا الكتاب خدمة نرجوا أن يكون ثوابهم جزيلاً عليها، وإن كان عندهم ما عندهم، يعني الكرماني أشعري ما أحد ينكر أنه أشعري يقرر عقيدة الأشاعرة بحذافيرها، ابن حجر ينقل كلام المبتدعة، أحياناً يتعقب، أحياناً لا يتعقب، النووي، العيني كذلك يعني عندهم هذه الهفوات، يعني أيضا لا ننكر أنهم خدموا الكتاب خدمة نرجوا أن يكون ثوابهم عند الله جزيلاً.

أيضاً الكرماني في موضع ذكر أنه بيض هذا الموضع في الطائف عند قبر ابن عباس، وقد بيض بعض المواضع عند الحجرة النبوية، المقصود عنده شيء من التعلق بهذه الأمور، وهذا لا شك أنه خلل في الاعتقاد، لكن يبقى أنه أفاد في هذا الكتاب، يعني لا بد من الإنصاف، لا بد من الإنصاف.

((فمن كانت هجرته)) الهجرة لغة: الترك يقول: "هجرت الشيء إذا تركته وأغلفته" الهجرة في اللغة: الترك، يقال: "هجرتُ الشيء إذا تركتُه أو تركتَه"، نعم ننتبه لمثل هذا، الهجرة في اللغة الترك، يقال: هجرت الشيء إذا تركته، وإذا جئنا بأي التفسيرية، وقلنا يقال: هجرت الشيء أي تركته، وإذا قلت: هجرت الشيء إذا تركتَه، لا بد من التفريق بين الأمرين، إذا تركته وأغفلته.

وشرعاً: مفارقة دار الكفر إلى دار الإسلام، مفارقة دار الكفر إلى دار الإسلام، ويتبع ذلك مفارقة دار الأشرار إلى دار الأخيار، ومفارقة من الدار التي يكثر فيها المنكرات إلى الدار التي تقل فيها هذه المنكرات، الدار التي ينتشر فيها البدع إلى الدار التي تنشر فيها السنة كل هذه هجرة، لكن المراد بها هنا مفارقة دار الكفر إلى دار الإسلام، يقول ابن الأثير: " الهجرة في الأصل الاسم من الهجر، الاسم من الهجر ضد الوصل، وقد هجره هجراً، وهجراناً ثم غلب على الخروج من أرض إلى أرض، ترك الأولى للثانية يقال: "من هاجر مهاجرة "، والهجرة واجبة وباقية إلى قيام الساعة، واجبة وباقية إلى قيام الساعة، وأما حديث ((لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية))، في حديث ابن عباس فالمراد به الهجرة من مكة، لماذا؟ لأن بعد فتحها صارت بلد إسلام، وقدر بعضهم في الحديث فقال: " المراد لا هجرة بعد الفتح فضلها، كفضل الهجرة قبل الفتح "، لا هجرة بعد الفتح فضلها، كفضل الهجرة قبل الفتح، يعني كما أنه {لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} [(10) سورة الحديد] يعني لا يستوي مع من أنفق من بعد الفتح لماذا؟ لأنه قبل الفتح الناس بأمس الحاجة إلى النفقة، وبعد الفتح توسعة الأمور ولله الحمد.

ومعلوم أن النفقة في الزمان الشديد، أعظم بكثير من النفقة في أوقات السعي، والنفقة على الفقير الذي لا يجد شيئاً، أفضل من النفقة على المسكين الذي يجد بعض الشيء.

يقول الحافظ ابن رجب -رحمه الله تعالى- في شرح الأربعين: وأصل الهجرة هجران بلد الشرك، والانتقال منه إلى دار الإسلام، كما كان المهاجرون قبل فتح مكة يهاجرون منها إلى مدينة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد هاجر من هاجر منهم قبل ذلك إلى أرض الحبشة إلى النجاشي.

الآن عندنا المهاجرون، وعندنا الأنصار من الذي يستحق الوصف الأول، ومن الذي يستحق الوصف الثاني، الوصف الأول: يستحقه من هاجر إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، هل يستقل هذا بمن هاجر من مكة إلى المدينة؟ يعني لو قيل: فلان من المهاجرين، أو يشمل من هاجر من مكة، أو من غيرها من البلدان من نجد مثلاً، أسلم وهاجر من نجد إلى المدينة، هل يعد من المهاجرين، أو لا؟ لا أنا أريد هذا الاسم ينطبق على من؟ الأنصار من نصر النبي -عليه الصلاة والسلام- من الأوس والخزرج فقط، أو من نصره من غيرهم، يعني هناك حقيقة لغوية كل من تحققت فيه هذه المادة يشمله الوصف، وهناك حقيقة شرعية جاءت بها النصوص، هل تختص بمن هاجر من مكة؟ إذا قيل فلان من المهاجرين، وإذا قيل فلان من الأنصار، هل يختص هذا الوصف، وصف النصرة بمن هاجر إليهم النبي -عليه الصلاة والسلام-، وعاهدوه، وتعاقدوا معه على أن ينصروه، أو كل من اتصف بهذا الوصف بالمعنى الأعم يدخل، والذي يدعوا لمثل هذا الكلام أنه يسمع بكلام بعض الخطباء، وبعض العلماء في دروسهم ها " اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك محمد، ما تعاقب الليل والنهار، واغفر اللهم لصحابته المهاجرين والأنصار" يعني فيه من الصحابة غير المهاجرين والأنصار، وإلا ما فيه؟ يعني ما يشملهم مثل هذا، إذا قلنا أن المهاجر خاص هذا الوصف، خاص بمن هاجر من مكة إلى المدينة، هناك من هاجر من جهات أخرى، وإذا قلنا الأنصار خاص بالأوس والخزرج الذين عاهدوا النبي -عليه الصلاة والسلام- على أن ينصروه، قلنا: هذا الذي خص هاتين الفئتين أخرج من عداهم من الصحابة، والأولى أن يؤتى بلفظ يشمل الجميع؛ لأن وصف الصحبة يشملهم، ويشمل غيرهم، وإذا قلنا أن كل  من هجر إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- استحق لفظ مهاجر، ومن نصره، استحق أن يوصف بأنه أنصاري دخل الجميع نعم .

طالب:.........

إيش تخصيص.

طالب:.........

لكن غيرهم أليس لهم علينا حق، طيب أبو هريرة، أبو هريرة خص وسط وصف مؤثر من المهاجرين والأنصار، ما قال الصحابة وسكت، أبو هريرة يدخل وإلا ما يدخل، أبو هريرة من أعظم الناس حقاً على الأمة، يعني لولا أبو هريرة راح نصف الدين، يعني ما وصل نصف الدين إلا بواسطة أبو هريرة، فإذا قلنا: وعلى صحابته المهاجرين والأنصار خرج أبو هريرة ومثله كثير، وإذا قلنا المهاجرين كل من هاجر، أبو هريرة أسلم، وهاجر، ودخل في هذا.

طالب: .........

لكن الإطلاق العرفي عند أهل العلم، والعرف له مدخل، له مدخل، يعني إذا ستحضرنا المعنى اللغوي يشمل الجميع، الإطلاق اللغوي يشمل الجميع، الشرعي قد يستدل ببعض النصوص على شموله الجميع، لكن الإطلاق العرفي، وللمنتقد أن ينتقد من خصص، يعني هل مثل هذا الكلام صائغ، أن يقال وعلى صحابته المهاجرين والأنصار؟ يعني الذي دعاء إلى مثل هذا هو السجع، لكن هل يلاحظ عليه ما يلاحظ؟ أو نقول إن كل الصحابة مهاجرين، أو أنصار؟ نعم .

طالب:........

لحظة، لحظة، نعم.

طالب:........

نعم ، نعم، طيب ومن هاجر من بعد الفتح، ما يدعى له، ما يدخل في الدعاء.

طالب:........

لا، لا أنا يهمني الدعاء، هذا الدعاء ولو مجرد وصف، يعني ما هو بمشكلة.

الثاني: قال: يا للأنصار هو يقصد قومه، وهذا يقصد قومه، وهذا يقصد قومه.

طالب:........

ها، على كل حال هذا مثل التنبيه على مثل هذه الأمور، يعني لا شك أنه يعني يوجه بعض من يخص الدعاء، ويخرج من يخرج، يعني الدعاء له مفهوم، يعني الألفاظ سواء كانت، والحقائق شرعية، أو لغوية، أو عرفية كلها لها منطوق، ولها مفهوم، فإذا كان الإطلاق يشمل الجميع كما هو مقتضى اللغة، وفي نصوص الشرع ما يدل على أن من هاجر من غير مكة يسمى مهاجراً، وعموم حديث ((فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله)) يشمل، وعلى كل حال الانتباه لمثل هذه الأمور هو اللائق بطالب العلم، أما أن تمشي عليه الألفاظ والجمل، وقد يخرج مثل أبي هريرة من دعوة يدعو بها، ويؤمن عليها، هذه مشكلة أبو هريرة له حق على الأمة، وغير أبي هريرة كثير.

 لكن أبو هريرة نفعه للأمة ظاهر، نفعه للأمة ظاهر، ولذلك النقد فيه من الأعداء، والمغرضين أكثر لماذا؟ لأنه إذا انتقد أبو هريرة فما بقي لنا شيء، يعني الملاحدة والزنادقة من القديم يقدحون في أبي هريرة، طوائف البدع يقدحون في أبي هريرة، المستشرقون وأذنابهم يقدحون في أبي هريرة؟

لماذا؟ لأنه إذا قدحوا في أبي هريرة ارتاحوا من نصف الدين؛ لأنهم ليس قصدهم ذات أبي هريرة، لكن من في، من يحفظ قولاً يقدح في أبيض بن حمال، أو آبي اللحم، أو غيره من لا يروي إلا حديثاً واحداً، هذا يحتاج إلى مجلدات من القوادح حتى يصل إلى مثل أبي هريرة، يحتاج أن يقدح في خمسة ألاف شخص علشان يصل إلى مثل أبي هريرة، فلا شك أن مثل هؤلاء لهم فضل علينا كبير، والصحابة لهم شرف لا يدانيه من جاء بعدهم كائناً من كان ولا عمر بن عبد العزيز، نعم .

طالب: .........

صحيح، صحيح لكن إطلاق الهجرة في كثير من النصوص، وفي عرف كثير من أهل العلم على الذين هاجروا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- من مكة، طيب، إذا قيل فلان من المهاجرين الأوليين، ماذا يراد به؟ على كل حال مثل هذا يتقى نعم.

طالب: .........

إيه.

طالب: .........

طيب، طيب.

هذا يقول: ألا يقال: إن مسلمة الفتح لا يدخلون في المهاجرين، ولا الأنصار، لا لغوياً، ولا عرفياً، ولا شرعياً، ومع ذلك لهم فضل الصحبة؟

هم لهم فضل الصحبة، لا ننكر أن لهم فضل الصحبة، لكن إذا دعا إمام على المنبر، إذا دعا إمام وأراد مثل هذا الكلام يخرجون من دعائه، نعم.

طالب: .........

.........إلا، لكن أقول الإطلاق العرفي للمهاجرين هم من هاجر مع النبي -عليه الصلاة والسلام- من مكة إلى المدينة.

طالب: .........

والأنصار هم من تعاقد معه، وعاهده على نصرته، وتقديمه على النفس والولد والمال، وأيضاً نعم، وأيضاً لما قسم غنائم حنين، وقال: الناس دثار، والأنصار شعار، فيقصد بالأنصار من عاهده من أهل المدينة، وعاقدهم .......ليس القصد من هذا كله، إلا أن تخصيص الدعوة بهاتين الطائفتين قد يخرج من عداهم، قد يخرج من عداهم.

طالب: .........

طيب، الذين ما ذهبوا معه، الذين ما ذهبوا إلى تبوك معه يدخلون في إيش؟.

طالب: .........

لكن الذين تخلفوا عنه في غزوة تبوك.

طالب: .........

ها، نعم، كيف على كل حال؟ أنا أقصد بمثل هذا أن الإنسان يدرس الكلام قبل ما يلقيه، ويستحضر المحترزات التي يذكرها أهل العلم.

طالب: .........

والله أنا الذي أعرف عند عامة أهل العلم، إذا أطلق اللفظ المهاجرين من هاجر إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- معه من مكة إلى المدينة، الذين هاجروا معه قبل الفتح، هاجروا معه أو إليه قبل الفتح، وهم الذين منعهم من البقاء بمكة بعد حجة الوداع أكثر من ثلاث، على كل حال هذه مجرد لفتة وتأملوها.

يقول الحافظ ابن رجب -رحمه الله- في شرح الأربعين: وأصل الهجرة هجران بلد الشرك، والانتقال منه إلى دار الإسلام كما كان المهاجرون قبل فتح مكة يهاجرون منها إلى المدينة، إلى مدينة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد هاجر من هاجر منهم قبل ذلك إلى أرض الحبشة إلى النجاشي، فأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن هذه الهجرة تختلف باختلاف المقاصد، تختلف باختلاف المقاصد والنيات بها، فمن هاجر إلى دار الإسلام حباً لله ولرسوله، ورغبة في تعلم دين الإسلام، وإظهار دينه حيث كان يعجز عنه في دار الشرك، فهذا هو المهاجر إلى الله ورسوله حقاً، وكفاه شرفاً وفخراً أنه حصل له ما نواه من هجرته إلى الله ورسوله، ولهذا يقول، ولهذا المعنى اقتصر في جواب هذا الشرط على إعادته بلفظه يعني ((من كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله))، ولهذا المعنى اقتصر في جواب هذا الشرط على إعادته بلفظه؛ لأن حصول ما نواه بهجرته؛ لأن حصول ما نواه بهجرته نهاية المطلوب في الدنيا والآخرة، نهاية المطلوب في الدنيا والآخرة، على كل حال العلماء يقررون أن الهجرة باقية إلى قيام الساعة، وأن حديث ((لا هجرة بعد الفتح)) ليس بناسخ لوجوب الهجرة.

وأمر الهجرة شديد، وبقاء المسلم بين ظهراني الكفار شأنه عظيم، وعواقبه وخيمة على المسلم نفسه، وعلى نسله، وعلى دينه من كل وجه الضرر، وكم ارتد؟ من ارتد ممن بقي في بلاد الكفر؟ وكم نشأ من ناشئة المسلمين على طرائق أهل الكفر، والتشبه بهم، وتقليدهم؟ حتى صار لا يعرف من الإسلام إلا أنه مسلم، فالخطر عظيم، ولذا جاء الأمر والتأكيد، ولم يستثنى من ذلك إلا المستضعف الذي لا يستطيع حيلة، والحيلة ما ذكرت إلا في الهجرة، ولذلك، وذالكم لعظم خطر البقاء في بلاد الكفر.

الحيلة أراد أن يحتال لتحقيق هذا الواجب فالحيلة شرعية، والفرق بين الحيل الشرعية، والحيل المحرمة المشابهة لحيل اليهود، أن من احتال من أجل الوصول إلى فعل واجب، أو ترك محرم، هذه حيلة شرعية، ومن احتال إلى التنصل من فعل واجب، أو ترك محرم، فهذه حيل اليهود، ولذا جاء الخبر ((لا ترتكبوا ما ارتبكت اليهود، فتستحلوا ما حرم الله بأدنى الحيل)).

((وإلى دنيا)) يقول الكرماني: لفظ دنيا مقصورة غير منونة، لأنها فُعلى من الدنو، وموصوفها محذوف، أي: الحياة الدنيا، إلى دنيا إي: إلى حياة دنيا، لفظ دنيا مقصور غير منون؛ لأنها فعلى من الدنو، وموصوفها محذوف أي الحياة الدنيا، يقول ابن مالك في "شواهد التوضيح والتصحيح على مشكلات الجامع الصحيح": ذكرنا في المقدمة في الدرس الأول، أن اليونيني لما قابل البخاري على جميع الروايات التي وقعت له، حصل عنده إشكالات في بعض الألفاظ، فصار يقرأ ما تحرر عنده من هذه الروايات على الإمام ابن مالك، ابن مالك هذا المعروف إمام النحاة صاحب الألفية، صار يقرأ عليه ويصحح له، ويوجه له بعض الألفاظ التي يظهر فيها شيء من الإشكال من حيث الإعراب، أو من حيث المعنى اللغوي، أو من حيث البناء الصرفي، ابن مالك يوجه له ما يستشكله اليونيني، فهذه التوجيهات، وهذه الإيضاحات لهذه المشكلات دونت في كتاب اسمه: " شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح"، ومطبوع في مجلد صغير.

يقول ابن مالك: دنيا في الأصل مؤنث أدنى، وأدنى أفعل تفضيل، وأفعل التفضيل إذا نكر لزم الإفراد، لزم الإفراد والتذكير، دنيا مذكر وإلا مؤنث؟ مؤنث، ومع ذلك هو أفعل تفضيل وأيضا نكرة، وعلى هذا يلزم إفراده وتذكيره، لكن الحاصل عندنا أنه وإن كان مفرداً إلا أنه مؤنث، وأفعل التفضيل إذا نكر لزم الإفراد والتذكير وامتنع تأنيثه، وامتنع تأنيثه وتثنيته وجمعه، ففي استعمال دنيا بتأنيثٍ مع كونه منكراً إشكال، فكان حقه ألا يستعمل، كما لا يستعمل قصوى ولا كبرى، فكان حقه ألا يستعمل كما لا يستعمل قصوى ولا كبرى.

إلا أن دنيا يقول: إلا أن دينا خلعت عنه الوصفية غالباً، يعني إذ قلت أعطني هذه أي شيء مؤنث مما لديك، أعطني هذه نعم.

طالب:........

......... طيب، طيب إذا قيل لك استعمل هذه السيارة في الدنيا، لكن نحتاج إليها نكرة، نحتاج إليها نكرة، وهنا ما عندنا صحيح أنها نكرة لكنها خلعت عنها الوصفية.

يقول ابن مالك -رحمه الله-: إلا أن دنيا خلعت عنه الوصفية غالباً، وأجريت مجرى ما لم يكن قط وصفاً، مما وزنه فُعلى، كأن الدنيا صار علماً بعد أن كان وصفاً؛ لأنه في مقابل الآخرة، عندنا حياة دنيا، وحياة آخرة، ثم استغني عن الموصوف وصارت الصفة بمثابة العلم، بمثابة العلم، طيب إذا كان عندنا وصف مع علة أخرى، هذا مانع من الصرف، وإذا كان عندنا أيضا علمية مع علة أخرى هذا أيضاً مانع من الصرف، لكن إذا كان عندنا علة موجودة، وكان في الأصل وصفاً ثم استعمل علماً، يعني مثلاً اسم أعجمي، العجمة من العلل، لكنها تحتاج إلى علة أخرى معها، هو في الأصل يستعمل وصفاً، وفي العربية يستعمل علماً، يمنع من الصرف وإلا ما يمنع؟

العجمة موجودة، وهو ممنوع للعجمة وإن استعمله العرب، لكنه بدل من أن يكون علماًَ أعجمياً كان وصفاً أعجمياً ثم صار علماً عربياً.

من الرواة من رواة الصحيح، عبد الله بن سياه، سياه كان وصفاً في لغة العجم، ثم استعمل علماً في لغة العرب، إذا تغير استعماله في لغة العرب عن استعماله في لغة العجم يصرف يقول، وسيأتي لهذا أمثلة؛ لأن هذه من الأمور التي قد تخفى، يعني سيأتينا في حديث هرقل مثلاً حمص، حمص ممنوع من الصرف لوجود ثلاث علل، العلمية، والعجمة، والتأنيث، قالوا: إلا أنه ثلاثي ساكن الوسط، ثلاثي ساكن الوسط، والممنوع من الصرف إذا كان ثلاثياً ساكن الوسط، مثل: "هند" علمية وتأنيث، نعم فإنه حينئذ يصرف، هند فيها علتان عملية وتأنيث، لكن حمص فيها ثلاث علل، إللي أقوى خفت الوزن على إزالة الثلاث العلل أو يكون في مقابل واحدة فيمنع من الصرف لوجود علتين؟ هذه أمور لا بد لطالب العلم أن ينتبه لها وكلها سترد، لكن الشيء بالشيء يذكر.

هنا عندنا وصفية وهي دنيا وتأنيث، وصفية وتأنيث، وأجريت مجرى ما لم يكن قط وصفاً مما وزنه فعلى كرُجعاء وبُهماء، قال: وفي وروده منكراً مؤنثً قول الفرزدق:

لا تعجبنك دنيا أنت تاركها
لا تعجبنك دنيا أنت تاركها
جج

 

كم نالها من أناس؟ ثم قد ذهبوا
كم نالها من أناس؟ ثم قد ذهبوا

يقول: ومما عومل معاملة دنيا في الجمع بين التنكير والتأنيث، والأصل ألا يكون قول الشاعر:

وإن دعوت إلى جُلا ومكرمةٍ

 

يوماً سرات كرام الناس فدعينا

فإن الجُل في الأصل مؤنث الأجل، ثم خلعت عنه الوصفية، وجعل اسم للحادثة العظيمة، فجرى مجرى الأسماء التي لا وصفيت لها في الأصل.

يقول الكرماني: والدليل على جعلها اسماً، يعني انتزاع الوصفية، حتى صارت علماً على هذه الدار، والدليل على جعلها اسماً قلب الواو ياء؛ لأنه لا يجوز القلب إلا إلا في إيش؟ في الفُعلى الاسمية؛ لأنها لا يجوز القلب إلا في الفُعلى الاسمية، بخلاف الوصفية.

وقال التيمي: الدنيا مؤنث الأدنى لا ينصرف، مثل حبلى لاجتماع أمرين فيها.

أحدهما: الوصفية. 

والثاني: لزوم التأنيث.

قال تيمي: الدنيا مؤنث الأدنى لا ينصرف، مثل حبلى لاجتماع أمرين فيها:

أحدهما: الوصفية.

والثاني: لزوم التأنيث.

يقول الكرماني: أقول ليس ذلك لاجتماع أمرين، ليس ذلك لاجتماع أمرين، قد يقول قائل: إن الوصفية نزعت وانتهت، فانتهت هذه العلة، لكن نزعت الوصفية وثبتت في حقها الاسمية، ولا نقول: إن هذه مثل "سياه" كانت ممنوعة من الصرف ثم صرفت؛ لأنه اختلف استعمالها، لا، استعمالها واحد في العربية دنيا، يعني ما نقلت من لغة إلى لغة، قال الكرماني : أقول ليس ذلك لاجتماع أمرين فيها إذ لا وصفية هاهنا، بل اجتماع صرفه للزوم التأنيث للألف المقصورة، وهو قائم مقام العلتين فهو سهو منه.

قوله: ((إلى دنيا))، هو إما متعلق بالهجرة إن كان لفظ كان تامة، أو خبر لكانت إن كانت ناقصة، وسميت الدنيا بهذا إما لقربها ودنوها، هي بالنسبة لنا أقرب من الآخرة؛ لأن الآخرة تقع بعدها، إما لدونها وقربها، أو لدناءتها وحقارتها، و هي لا تزن عند الله جناح بعوضة، أو لدناءتها وحقارته، وفي القاموس، الدنيا نقيض الآخرة، الدنيا نقيض الآخرة، وفي مقتضى قوله نقيض أنه لا دار ثالثة؛ لأنه لو كان هناك دار ثالثة لارتفعت الدنيا والآخرة وبقي غيرهما، لأمكن ارتفاعهما معاً، هذه إذا قلنا إنه من باب النقيض لا يمكن ارتفاعهما معاً، إذا قلنا مثلاً كما يقول صاحب القاموس: " الدنيا نقيض الآخرة" مقتضى ذلك أنه لا دار ثالثة، وإذا قلنا ضد الآخرة، قلنا إن هناك دار أخر ثالثة؛ لأن النقيضين لا يجتمعان ولا يرتفعان، لا بد من وجود أحدهما بخلاف الضدين؛ لأنهما لا يجتمعان ويمكن أن يرتفعا لوجود أمر ثالث، فماذا عن البرزخ! دار مستقلة ولا دار آخرة؟ أو نقول إنها تابعة للدنيا؟ أو تابعة للآخرة؟ يعني مقتضى قول القاموس: الدنيا نظير الآخرة أن البرزخ من الآخرة أو من الدنيا؟ من مات قامت قيامته، لكن الحال الراهنة ويش نسميها -البرزخ-، البرزخ هو الفاصل بين الشيئين، البرزخ هو الذي يفصل بين الشيئين ولا يكون من الأول ولا من الثاني، هذا مقتضى البرزخ، مقتضى البرزخ أن يكون فاصلاً بين الأول والثاني، ولا يكون من الأول ولا من الثاني، فإذا قلنا هما نقيضان لا بد أن يُلحق البرزخ هذا إما بالدنيا أو بالآخرة، وإذا قلنا هما ضدان قلنا الدور ثلاث، ولا شك أن القبر أول منازل الآخرة، لكن هذا بالنسبة للأفراد؛ لأن فيه غيرهم أناس كثر في الدنيا، فما المقرر، أو المحرر في الدور، هل اثنتان أم ثلاث؟ إذاً شوف دقت صاحب القاموس، يقول، نقيض الآخرة.

طالب: .........

صحيح، لكن  يبقى أن هذا من حيث تعلق الحكم بالأشخاص، ما هو بالعموم بالأشخاص، بالأفراد، يعني من مات منهم وصل إلى هذا المقام، إلى هذه الدار، يختلف حكمه عن حكم من لم يصل إليه، فهناك أناس في الدنيا مع وجود هذا البرزخ، الدنيا قائمة مع وجود هذا البرزخ، نعم واضح وإلا ما هو بواضح؟

 لكن إذا مات الناس كلهم إذا نفخ في الصور ومات الناس كلها صعق من في السموات ومن في الأرض، هل نقول أن البرزخ قبل البعث تبع الآخرة؟ أو نقول البرزخ ينقسم إلى ما قبل النفخ وما بعد؟ فما قبل النفخ في الصور تبعاً الدنيا، وما بعده يكون تبعاً للآخرة، كلامي هذا كله من أجل أن ننظر في دقة كلام صاحب القاموس؛ لأنه يقول: الدنيا نقيض الآخرة، مقتضى ذلك أنهما داران فحسب ما في ثالثة، وإذا قلنا الدور ثلاث، قلنا ضد الدنيا ضد الآخرة؛ لأن الضدين يمكن أن يرتفعا، الناس ليس في الدنيا ولا في الآخرة في البرزخ.

في شيء يا الأخوان، إيه.

طالب:.........

إبراهيم علم في الأصل، وسياه كان وصفاً فلما نقل إلى العربية صار علماً هذا الفرق.

في جواب الأخوان، وإلا تبحثون هذا للدرس القادم، نعم، إيه، إيه بالنسبة للدارين الدنيا والآخرة، تبحث للدرس القادم لعل الأخوان يحضرونها.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين؛؛

"