كتاب الطهارة من المحرر في الحديث - 09

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نعم.

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين، قال ابن عبد الهادي -يرحمه الله- في محرره:

وعن لقيط بن صبرة -رضي الله عنه- وعن لقيط بن صَبُرة.."

صَبِرة.

"وعن لقيط بن صبِرة -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله، أخبرني عن الوضوء، قال: «أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا»، رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وصححه الترمذي وابن خزيمة والحاكم وغيرهم، وزاد أبو داود في رواية: «إذا توضأت فمضمض»، ورواه الدولابي فيما جمعه من حديث الثوري، ولفظه: «إذا توضأت فأبلغ في المضمضة والاستنشاق ما لم تكن صائمًا»، وصححه ابن القطان."

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- "وعن لقيط بن صَبِرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله، أخبرني عن الوضوء، أخبرني عن الوضوء" يعني عن كيفيته المأمور به.

 قال: «أسبغ الوضوء» أسبغ، والإسباغ هو استكمال غسل الأعضاء واستيفاء المحل المفروض غسله، «أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع» بين أصابع اليدين والرجلين، «وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا»، «أسبغ الوضوء» جاء الأمر بالإسباغ والمراد به توفيته واستكمال غسل العضو المفروض غسله، وجاء الحث عليه حتى على المكاره، «إسباغ الوضوء على المكاره»، بمعنى أنه قد يكون الماء حارًّا، وقد يكون الماء باردًا، وقد يكون الجو باردًا، فإسباغ الوضوء في مثل هذه الظروف شاق، وهو مكروه لدى النفس، وجاء الحث عليه في الشرع، إذًا الحث عليه في الحالات والظروف العادية إذا كان الماء متوسطًا معتدلًا، والجو معتدلًا من باب أولى، والأمر به صريح في هذا النص وغيره.

 قد يقول قائل: إذا جاء الحث على إسباغ الوضوء على المكاره فلماذا لا نتعمد هذه المكاره؟ الجو معتدل، والماء معتدل، نركب الإبريق على الغاز ونسخن الماء ونتوضأ على المكاره؛ طلبًا لهذا الحث، وامتثالاً له، ورجاءً لثوابه، أو في الجو المعتدل نذهب إلى الثلاجة ونأخذ ماءً ونتوضأ، هل هذا مطلوب شرعًا؟

المشقة غير مطلوبة لذاتها، المشقة لا تطلب لذاتها، فالدين يسر، لكن إذا جاءت تبعًا للمطلوب شرعًا يترتب عليها الأجر والثواب، وإلا بإمكان الواحد أن يقول: نركب الإبريق ونجعله قريبًا من الغليان ونتوضأ ونسبغ الوضوء على المكاره، ونحصل على هذا الثواب، نقول: ما لك ثواب، الله -جل وعلا- عن تعذيب نفسك غني، هذا ليس بمطلوب، لكن إذا جاءت تبعًا للعبادة المطلوبة المأمور بها، نعم يترتب عليها ثواب.

 «أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع» التخليل بين الأصابع تفريج الأصابع وغسل ما بينهما وإيصال الماء إلى جميع أجزاء المفروض، بما في ذلك ما يُظَن أنه لا يصل إليه الماء، مثل هذا يحرص عليه، فتخلل أصابع اليدين والرجلين.

 «وبالغ في الاستنشاق» بالغ في الاستنشاق؛ لأن الأنف تجتمع فيه أمور، تتراكم فيه أوساخ وأقذار فيبالغ في الاستنشاق؛ من أجل إزالة هذه الأقذار، طيب المبالغة في الاستنشاق بعض الناس لا يطيقها، بعض الناس أو كثير من الناس لا يطيقها، يعني وصول الماء إلى الدماغ بواسطة الأنف مضر أم غير مضر؟

يعني إلى أي حد في المبالغة، يعني إلى حد لا ضرر فيه معروف؛ لأن الضرر لا يجوز في شريعة الإسلام، وبعض الناس يفهم من «بالغ في الاستنشاق» أنه يستنشق الماء إلى أن يصل إلى الدماغ، لا يلزم هذا، إنما يصل إلى أعالي الأنف بحيث لا يتجاوز ذلك إلى الدماغ، «بالغ في الاستنشاق»؛ من أجل تنظيف الفم.

 «إلا أن تكون صائمًا» إلا أن تكون صائمًا، لماذا؟ لأن الأنف منفذ إلى الجوف، والصائم يفطره وصول الماء إلى جوفه، فهو منفذ، فيمنع الصائم من المبالغة في الاستنشاق، لكن هل يمنع من المبالغة في المضمضة، هل يمنع من المبالغة في المضمضة؟

وقل مثلًا استطرد قليلاً وقل: هل يمنع من المبالغة في الاستنجاء مثلاً؟ لأنها كلها منافذ، كلها منافذ، فهل يمنع من هذا كله؟ المضمضة سيأتي في الرواية التي بعدها، لكن لو لم ترد هذه الرواية نُلحِق الفم باعتباره منفذًا بالأنف، أو لا نُلحِق؟ عندنا أمران: أحدهما يقتضي أن الفم أولى بالتحرز منه حال الصيام، والأمر الثاني العكس، العكس، كيف يكون الفم أولى بالتحرز منه في حال الصيام؟ لأنه هو المنفذ الطبيعي، نعم هو الموصل إلى الجوف مباشرة، والأكل والشرب إنما يكون مع الفم، فيُحتاط في أمره، قد يقول قائل: العكس، نحتاط للأنف أكثر مما نحتاط للفم، لماذا؟

طالب: ...........

أيهم..؟

نقول: الأنف ليس عليه غلق، ولا يمكن إحكامه، فإذا بالغنا ذهب شئنا أم أبينا، لكن الفم إذا أحسست بأنه تجاوز ما يمكن مجه فبإمكانك أن تخرجه بأي وسيلة، يعني إخراجه من الفم أسهل من إخراجه إلى الأنف؛ لأنه إذا وصل إلى حد الأنف فما يمكن التحكم فيه بخلاف الفم، فهو أكثر إحكامًا، الفم أكثر إحكامًا، فعلى كل حال جاءت الرواية الأخرى: "وزاد أبو داود وفي رواية" «إذا توضأت فمضمض»، المبالغة في الاستنشاق، المبالغة في الاستنشاق دليل على وجوبه، وجاء فيه نصوص أخرى «فليجعل في أنفه ماءً ثم لينثر»، هذا متفق عليه، «إذا استيقظ أحدكم فليستنثر» الاستنشاق جاء فيه نصوص كثيرة، والمتجه إيجابه، والمضمضة كذلك «إذا توضأت فمضمض» هذه رواية أبي داود لحديث لقيط، "وزاد الدولابي فيما جمعه من حديث الثوري ولفظه: «إذا توضأت فأبلغ في المضمضة والاستنشاق ما لم تكن صائمًا»".  والصائم عليه أن يحتاط ويحترز لصيامه، فلا يبالغ لا في المضمضة ولا في الاستنشاق.

 "وصححه ابن القطان" أبو الحسن ابن القطان الفاسي في كتابه بيان الوهم والإيها،م وهو كتاب من أنفس الكتب، ومؤلفه إمام من أئمة المسلمين، وهو يختلف عن القطان السابق يحيى بن سعيد هذا متأخر.

"قال: وعن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: توضأ النبي -صلى الله عليه وسلم- مرة مرة.

 وعن عبد الله بن زيد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ مرتين مرتين، رواهما البخاري."

نعم، سبقت الإشارة إلى مثل هذا، وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- توضأ ثلاثًا ثلاثًا، ومرتين مرتين، ومرة مرة، وتوضأ ملفقًا، يعني بعض الأعضاء مرة، وبعضها مرتين، وبعضها ثلاثًا، كل هذا حصل منه -عليه الصلاة والسلام-، وكل هذا يدل على أن الحد الأعلى الثلاث، والحد الأدنى المرة، والوضوء صحيح ومجزئ مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثًا ثلاثًا، كل هذا مجزئ، لكن ما فائدة قوله: مرة مرة، ومرتين مرتين؟

 التكرار أشرنا له بالأمس، يعني لو قال: توضأ النبي -عليه الصلاة والسلام- مرة، وفي الحديث الثاني قال: توضأ النبي -صلى الله عليه وسلم- مرتين، يكفي هذا أم ما يكفي؟ لو قال: توضأ النبي -صلى الله عليه وسلم- مرة يكفي؟ ما يكفي، لماذا؟

 لأنه يفهم أنه في عمره -عليه الصلاة والسلام- توضأ مرة واحدة، لكن إذا قال: مرة مرة فلا بد أن يكون هناك مقابلًا لهذا التكرار لو كان له -عليه الصلاة والسلام- عمران قلنا: توضأ في كل عمره مرة، لكن ليس له إلا عمر واحد، فالعمر ليس بمتجه، ولا يرد هنا مع التكرار، إذًا كيف توضأ مرة مرة؟ ما يتجه إلا إلى الأعضاء فيحدد المراد، ومثله مرتين مرتين، مرتين مرتين، فغسل كل عضو مرتين مرتين.

"قال -رحمه الله-:

وعن عامر بن شقيق بن جمرة عن أبي وائل عن عثمان- رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يخلل لحيته، رواه ابن ماجه والترمذي وصححه ابن خزيمة وابن حبان، وقال البخاري: هو أصح شيء في هذا الباب، وعامر ضعفه ابن معين، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال أبو حاتم: لا يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في تخليل اللحية حديث."

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن عامر بن شقيق بن جمرة عن أبي وائل" اسمه إيش؟ شقيق بن سلمة "عن عثمان -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يخلل لحيته، يخلل لحيته".

 اللحية لا يخلو إما أن تكون خفيفة أو كثيفة، فإن كانت خفيفة لا تستر الجلد، فما يظهر من المفروض يجب غسله، لا بد من إيصال الماء إليه إذا كانت خفيفة، لكن إذا كانت كثيفة وإيصال الماء إلى الجلد، إلى البشرة مستحيل، أو شاقّ فمثل هذا يكتفى بتخليل اللحية، بتخليل اللحية الكثيفة.

 يقول "رواه ابن ماجه والترمذي، وصححه ابن خزيمة وابن حبان، وقال البخاري: هو  أصح شيء" أولاً هذا الحديث مختلف فيه، مختلف فيه؛ من أجل راويه عامر بن شقيق، ضعفه ابن معين، البخاري -رحمه الله تعالى- فيما نقله عنه الترمذي قال: هو أصح شيء في هذا الباب، يعني في باب تخليل اللحية أصح شيء في هذا الباب، لكن هل يلزم من هذا أنه صحيح؟

يعني أفعل التفضيل أصح، وأضعف، وأوثق، أهل الحديث هل يستعملونها على بابها، كما يستعملها أهل اللغة؟ يعني إذا قالوا: أصح، الأصل يعني عند أهل اللغة أن أفعل التفضيل تقتضي أن هناك شيئين اشتركا في وصف فاق أحدهما الآخر في هذا الوصف، زيد أفضل من عمرو، زيد أكرم من عمرو، مقتضى هذا أنهما يشتركان في صفة، وهي الكرم، لكن زيدًا أفضل من عمرو، وأرجح من عمرو في هذه الصفة، لكن هل تقال مثل هذه في رجل كريم ورجل بخيل، المفاضلة بينهما الأصل ألا تقال، استعمالها الأصلي في لغة العرب لا بد أن يكون الاثنان قد اشتركا في شيء، في وصف يشتركان فيه، يفوق أحدهما الآخر في هذا الوصف، وهنا أصح شيء في هذا الباب يعني ما ورد في هذا الباب كله صحيح على مقتضى الاستعمال الأصلي ما ورد في هذا الباب كله صحيح، لكن حديث عامر هذا هو أصح الصحيح في هذا الباب، وأهل الحديث لا يستعملون أفعل التفضيل على بابها واستعمالها اللغوي، وإنما يستعملونها فيما هو أرجح، وإن كان الوصف لا يصل إلى حد الصحة.

 يعني ورد في تخليل اللحية أحاديث ضعيفة كثيرة مثلاً، لكن أرجح هذه الأحاديث الضعيفة وأصحها هذا الحديث.

 يعني لو مر شخص على مستشفى، وفيه مرضى، كلهم مرضى على السرر، ووجد فيهم شخص قد يتماثل للشفاء من قرب، والعلامات عليه ظاهرة، وهو أفضلهم حالاً، يقول: فلان أصحهم، أصحهم، وإن كان الأصل أن يقول: هو أقلهم مرضًا؛ لأنهم يشتركون في المرض، ما يشتركون في صحة، يشتركون في المرض، فهو أقلهم مرضًا، أو أخفهم مرضًا، لكن إذا قال: هو أصحهم مثل استعمال أهل الحديث، هم كلهم مرضى بمن فيهم هذا، لكن هذا أصحهم، بمعنى أنه أقلهم مرضًا، وهذا الحديث أقل الأحاديث ضعفًا.

 وقل مثل هذا في أضعف، قد تجد أحاديث في الصحيحين حديثًا متفقًا عليه، وحديثًا في البخاري، وحديثًا في مسلم، حديث مسلم أضعف الأحاديث ما معنى أضعف الأحاديث؟ بالنسبة لما ذكر معه يعني أدناها منزلة، وإن كانت كلها صحيحة، ولا يقتضي التضعيف، كما أن قولهم: أصح لا يقتضي التصحيح، وقل مثل هذا في الرواية، إذا قلت: نافع أضعف من سالم، هل يعني أن نافعًا وسالمًا ضعيفان؟ لا، كلاهما ثقة، بل من الدرجة العليا، لكن مرادك أن لو حصل تعارض بين حديث يرويه سالم، وحديث يرويه نافع، ترجح حديث سالم، وقل مثل هذا في المقابل، في التضعيف.

 فالتصحيح والتضعيف والتوثيق النسبي لا يأخذ الحكم الأصلي، إنما يستفاد منه في الموازنة، إذا قيل مثلاً: ابن لهيعة أوثق من الإفريقي، أوثق يعني هل يشتركان في وصف الثقة؟ لا، كلاهما فيه كلام، لكن ابن لهيعة أمثل من الإفريقي، بحيث لو جاءنا حديث من طريق هذا، وآخر من طريق هذا رجحنا حديث هذا على حديث هذا.

 يقول: "وهو أصح شيء في هذا الباب، وعامر بن شقيق ضعفه ابن معين" مضعف عند ابن معين، "وقال النسائي: ليس به بأس" يعني توسط في أمره، توسط في أمره، "وقال أبو حاتم: لا يثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في تخليل اللحية حديث" أبو حاتم الرازي وهو مظنة لأن يقول مثل هذا الكلام؛ لأنه موصوف بالتشديد، وهو إمام من أئمة المسلمين، لا كلام لأحد فيه، وليس لأحد أن يتطاول عليه.

 يقول: "لا يثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في تخليل اللحية حديث"، هل يمكن أن يعارَض كلام أبي حاتم بكلام الألباني- رحمه الله تعالى-، الألباني صحح الحديث، وأبو حاتم يقول: "لا يثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في تخليل اللحية حديث"، لا يمكن أن يعارَض هذا بهذا؛ لأن المتأخر مهما بلغت منزلته ودرجته في العلم إنما هو عالة على المتقدمين، من أين وصلك هذا العلم إلا من طريقهم؟ عالة، لكن رُبَّ مبلَّغ أوعى من سامع، قد يقف على طرق، قد يقف على أمور تكشف له بعض الخفايا التي خفيت على غيرهن يعني ليست قاعدة مطردة، لكن الغالب أن المتقدم هو الأصل في الباب، وأن المتأخر لو صحح حديثًا ضعفه المتقدمون ينبغي أن يتريث فيه، قد يقف على طريق خفي على عالم آخر، لكن لا يمكن أن يقف على طريق خفي على الأمة كلها، لكن يستأنس لكلام الألباني وتصحيحه بقول البخاري: هو أصح شيء في هذا الباب، وقول النسائي: ليس به بأس، فأقل الأحوال أن يكون مثل هذا مع وجود مثل هذا الاختلاف أن يغلب على النفس أن له أصلاً، أقل الأحوال أن مثل هذا الخلاف يدل على أن للحديث أصلاً، ولا نقول: إنه ليس بثابت، كما قال أبو حاتم.

طالب: أحسن الله إليك يا شيخ، قوله: لا يثبت، لعله يقصد يا شيخ لا يبلغ درجة الصحة، يعني قد يحمل على هذا؟

أبو حاتم -رحمه الله تعالى- من المتشددين في هذا الباب، وهو ممن يضعِّف حديث الصدوقن ولا يقبل الحديث الحسن، بغض النظر عن التفصيلات: هل مراده بالحسن مراد الترمذي؟ هل مراده بالحسن ما يريده المتأخرون؟ هذه أمور في الجملة لا نتعرض لها؛ لأنها تحتاج إلى وقت طويل.

 على كل حال أبو حاتم نص على أنه لا يقبل الحسن، وسئل عن راوٍ فقال: صدوق، فقيل له: أتحتج به؟ قال: لا، فلعل مثل ما أشار الأخ أن المراد بالثبوت عنده درجة الصحة، والمراد بها الصحة العليا، لا يعني أنه من قسم المردود الذي يراه غيره مردودًا من قسم الضعيف، قد يكون حسنًا حتى عند أبي حاتم، لكنه لا يثبت الحسن، ولا يحتج بالحسن، ما يمنع هذا.

"قال -يرحمه الله-:

وعن سنان بن ربيعة عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة -رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «الأذنان من الرأس»، وكان يمسح رأسه مرة، ويمسح المائقين، رواه ابن ماجه، وسنان روى له البخاري، وسنان روى له البخاري حديثًا مقرونًا بغيره، وقال له النسائي: ليس بالقوي، وشهر وثقه أحمد وابن معين وغيرهما، وتكلم فيه غير واحد من الأئمة، وروى له مسلم مقرونًا بغيره، والصواب أن قوله: «الأذنان من الرأس» موقوف على أبي أمامة كذلك، رواه أبو داود وقال الدارقطني: والله أعلم."

يقول -رحمه الله تعالى-: "وعن سنان بن ربيعة عن شهر بن حوشب" سنان هذا مختلف فيه، روى له البخاري مقرونًا بغيره، يعني لم يعتمد عليه البخاري، لم يعتمد عليه البخاري وإن خرّج له في صحيحه؛ لأنه قرنه بغيره، والتخريج بهذه الطريقة إذا قُرن من تُكُلم فيه بالثقة لا يكون هو العمدة في الرواية؛ لأن البخاري لو حذفه واعتمد على الثقة ما تأثر الإسناد؛ لأن البخاري قد يروي الحديث عن اثنين ثقة وضعيف، ومثله مسلم، البخاري يحذف الضعيف، روى عن مالك وابن لهيعة، حذف ابن لهيعة ماذا صار، تأثر الخبر؟ ما تأثر، لكن لو روى عن مالك وابن لهيعة، هل معنى هذا أنه وثق ابن لهيعة؟ لا؛ لأن عمدته مالك، الإمام مسلم يقول عن مالك وآخر، ويقصد به ابن لهيعة، وعمدتهم في الخبر على مالك، فكون الراوي يخرَّج له مقرونًا بغيره لا يعني أن الاعتماد عليه، وحذف الراوي المقرون كما حذف البخاري ابن لهيعة واعتمد على مالك لا أثر له في الإسناد؛ لأنه يمكن الحديث عنده من مائة طريق، البخاري عنده الحديث من مائة طريق، افرض أن تسعين منها ضعفاء، هل يتأثر الخبر؟ نحن يكفينا الثقات، فكون البخاري يحذف ابن لهيعة، ويقتصر على مالك، لا أثر له في الإسناد، الحديث ثابت عنده من طريق مالك.

 ولا شبه لهذا التصرف من أي وجه بتدليس التسوية؛ لأن بعضهم قد يلتبس عليه هذا الصنيع بتدليس التسوية، تدليس التسوية ما حقيقته؟

أن يحذف ضعيفًا بين ثقتين لقي أحدهما الآخر زيد عن عمرو عن بكر، زيد يروي مباشرة  عن بكر، لا هذا الخبر بعينه، إنما روى هذا الخبر بواسطة عمرو، وعمرو ضعيف أسقطه بحيث يكون الناظر ينظر إلى الإسناد كلهم أجواد، كلهم ثقات، هذا تدليس تسوية يفعله بعضهم، طيب هذا الذي حذف الضعيف هل في فعله شبه من فعل البخاري، حينما حذف ابن لهيعة؟ لا؛ لأنه اعتمد على مالك، والسلسلة متصلة بدونه، أما في تدليس التسوية فالسلسلة غير متصلة، لا يستقيم الإسناد إلا بالمحذوف، والمحذوف عمدة في الباب.

 "وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال النسائي ليس بالقوي" نعم، "وشهر شهر بن حوشب وثقه أحمد وابن معين وغيرهما، وتكلم فيه غير واحد من الأئمة، تكلم فيه غير واحد من الأئمة ووثقه أحمد وابن معين، وجرحه آخرون، وجرحه آخرون، ومن جرحه أكثر، الأكثر هم الذين ضعفوه، لكن ما سبب تضعيفه؟

 في مقدمة صحيح مسلم عن ابن عَون قال: إن شهرًا نزكوه إن شهرًا نزكوه، يعني رموه بالنيزك، تكلموا فيه، الرجل تُكلم فيه، وسبب الكلام ما يُذكر من أنه سرق خريطة من بيت المال، ما الخريطة؟ وعاء فيه متاع أو فلوس أو شيء حتى قال القائل:

لقد باع شهر دينه بخريطة

 

فمن يأمن القراء بعدك يا شهر

يعني مثل هذا شيخ يحدث ثم يتهم بمثل هذا؟ يعني المسألة ما هي سهلة.

.......................

 

فمن يأمن القراء بعدك يا شهر

ولذا طالب العلم ينبغي أن يكون قدوة، ينبغي أن يكون قدوة، الأنظار تتجه إليه أكثر من غيره، وهفوته محسوبة أكثر من غيره، الهفوة من طالب العلم لا شك أن لها أثرًا في نفوس العامة هذه الخريطة أولاً إسنادها ذكر الذهبي وغيره أنه منقطع، قد لا تثبت، ومنهم من تأول أن له نصيبًا وحقًّا من بيت المال لم يصل إليه فأخذه بطريقته، لكن هذا التأويل لو ساغ مثل هذا التأويل كان كل الناس يستعملون، وكل الناس لهم نصيب من بيت المال، وأكثر الناس لا يصله حقه كاملًا من بيت المال من قرون، ومعروف أن انتظام بيت المال كما يقول الشافعية أمر ميئوس منه من بعد الخلفاء الراشدين، الله المستعان، فليس الشأن في هذا الشأن في شهر أولاً هذه القصة فيها انقطاع، وهذا أولى ما تدفع به عن هذا الرجل الذي عرف بالعلم والعمل، نعم له أحاديث تنكر عليه، ذكر ابن عدي بعضها في الكامل، والكلام فيه معروف لأهل العلم، الكلام فيه معروف لأهل العلم، وثقه أحمد وابن معين، وتكلم فيه.

 "وروى له مسلم مقرونًا بغيره" يعني كما روى البخاري لسنان، ولا يعني أن تخريج مسلم لشهر مقرونًا بغيره توثيق له، لا يلزم، ننظر في أقوال الأئمة فيه جرحًا وتعديلاً، نجد أن من جرحه أكثر، والجرح مفسَّر بما ذُكر، فإذا انتفى هذا التفسير، وارتفعت التهمة تبقى مسألة ما يرويه من منكرات، وما يرويه من كذا، تنزله من درجة الثقة إلى ما دونها، وأقل أحواله أن يقال فيه: صدوق، يقال فيه: صدوق، لاسيما إذا قوبل كلام من تكلم فيه بتوثيق أحمد وابن معين.

 «الأذنان من الرأس» في هذا الخبر الذي يرويه ابن ماجه مرفوعًا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- «الأذنان من الرأس» بمعنى أنهما تمسحان مع الرأس، حكمهما حكم الرأس، فلا يؤخذ لهما ماء جديد، بل بما بقي من فضل مسح الرأس تمسح الأذنان، على أن الرأس والأذنين الرأس والأذنين عضو واحد، عضو واحد؛ لأنهما من الرأس، لكن في رواية أبي داود والدارقطني لا يرفع هذا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، إنما هو موقوف على أبي أمامة، وهنا يكون تعارَض الرفع مع الوقف، تعارض الوقف مع الرفع، الحكم لمن؟

 ابن ماجه رواه مرفوعًا، وأبو داود والدارقطني أثبتا وقفه على أبي أمامة، أولاً هل مثل هذا مما يدرك بالرأي أو لا؟ هل هذا يدرك بالرأي أم ما يدرك؟ يعني هل التردد في مسح الأذنين أو غسل الأذنين أو إلحاق الأذنين بالرأس أو بالوجه من باب قياس الشبه؟ يعني يمكن أن يرد الاجتهاد هنا؟

 قد يقول قائل: الأذنان كيف يكون حكمهما حكم الرأس، وما عليهما شعر، بل حكمهما حكم الوجه؟ حتى قال بعضهم: إن ما أقبل منهما تبع الوجه، وما أدبر تبع الرأس، فالمسألة اجتهادية أم توقيفية؟ يعني تقبل الاجتهاد، تقبل الاجتهاد، ويمكن أن يقول أبو أمامة: الأذنان من الرأس اجتهادًا منه، ولذا رجح أبو داود والدارقطني الوقف؟

 "موقوف على أبي أمامة كذلك رواه أبو داود وقاله الدارقطني" فهو موقوف، فعندنا تعارض الوقف مع الرفع أحيانًا الترجيح بين أمرين يكون باعتبار القول، وأحيانًا يكون باعتبار القائل، نعم أحيانًا يكون باعتبار القول، وأحيانًا يكون باعتبار القائل.

 الآن المسألة يدخلها النظر والاجتهاد، فيصلح أن تكون مرفوعة، ويصلح أن تكون موقوفة، على ما قررناه يمكن أن يجتهد واحد ويقول: أبدًا الأذنان مكشوفة مثل الوجه، وواحد يقول: أبدًا، ما ثبت غسلها مع الوجه في أي رواية من الروايات التي تصف وضوء النبي -عليه الصلاة والسلام-، فإلحاقها بالرأس لاسيما وهي امتداد للرأس، امتداد للرأس، ويحول بينها وبين الوجه اللحية، فالمسألة اجتهادية، تحتاج إلى ترجيح من حيث النظر، أما إذا فاضلنا بين ابن ماجه وأبي داود أيهما أقوى؟ أبو داود أقوى وأرجح عند أهل العلم، فأحيانًا يكون الترجيح باعتبار القائل، باعتبار القائل، لا باعتبار القول، وهنا المرجح أنه موقوف على أبي أمامة «الأذنان من الرأس»، الراجح أنه موقوف على أبي أمامة، وإذا أثبتنا رفعه قلنا: كان الرسول- عليه الصلاة والسلام- وإذا أثبتنا وقفه قلنا: كان أبو أمامة، وهذا أيضًا محل اجتهاد.

 "وكان يمسح رأسه مرة، ويمسح الماقين" تثنية ماق، واحد المآقي، وهو طرف العين الذي يلي الأنف، وهذا يجتمع فيه أوساخ أحيانًا وقذى، فينظف.

طالب: ...........

المآقي هذي طرف.. عندك المآقي طرف العين الذي يلي الأنف من هنا ويجتمع فيه أشياء يجتمع فيه أشياء، ويكثر حينما تكون مصابة بمرض أو بشيء، ويوجد عند بعض الناس بعد الاستيقاظ من النوم إذا طال العهد بغلق العينين مثلاً يوجد مثل هذا وبين الماق هذا والأنف جلدة، جلدة هي أعز ما عند الإنسان مما يحافظ عليه هنا يقول ابن عمر:

يلومنني في سالم وألومهم

 

وجلدة بين العين والأنف سالم

هذا الموضع يحافظ عليه الإنسان؛ لأنه محل حساس، محل حساس، حتى قال بعضهم: إنه خطر، يعني لو أصيب بشيء فخطر، من المواضع الخطرة.

 على كل حال الماقين تثنية ماق، وهو طرف العين الذي يلي الأنف، وينبغي العناية به؛ لأنه مما يجتمع فيه الأوساخ، لكن غسل العينين، غسل العينين لا يعرف إلا عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- فكان يدخل الماء في عينيه حتى كف بصره، وهذا من تشديداته.

"قال -رحمه الله-:

وعن شعبة عن حبيب بن زيد عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد -رضي الله عنه-، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أُتي بثلثي المد فتوضأ، فجعل يدلك ذراعيه، رواه أحمد وأبو يعلى وابن خزيمة في صحيحه، واللفظ له، وابن حبان، وحبيب وثقه النسائي وغيره، وقال أبو حاتم: هو صالح."

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن شعبة عن حبيب بن زيد عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد" عن عبد الله بن زيد بن عاصم راوي الوضوء، "أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أتي" ماذا عندكم؟

طالب:.........

أوتي ما فيه واو عندكم؟

طالب:.........

الواو خطأ، أوتي يعني أعطي، أتي جيء له.

 "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أتي بثلثي مد فتوضأ، فجعل يدلك ذراعيه" ثلثي مد، المد ما يملأ كفي الرجل المعتدل الخلقة، فإذا ذهب ثلثه يعني لو افترضنا أن هذا مد، وذهب ثلثه، كثير من الناس لاسيما العامة يقولون: كيف يتوضأ بمثل هذا؟ هذا ليس بوضوء، وكثير من الناس ابتلي بالوسواس، ما يكفيه هذا، ولا للمضمضة.

طالب:.........

 صحيح، فيحتاج إلى القلتين، وأُمرنا بالاقتصاد وعدم الإسراف، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أُتي بثلثي مد، يعني أقل من نصف كيلو، أقل شيء يسير، ليست المسألة مسألة مبالغة، نعم الإسباغ مطلوب، وتبليغ الأعضاء الماء مطلوب، فجاء الأمر بالإسباغ، وجاء الأمر بالاقتصاد، هذا مع هذا؛ لأنه لو جاءت أحاديث الإسباغ فقط فتح باب الإسراف، ولو جاء مثل هذا أتي بثلثي مد ولم يأتِ الأمر بالإسباغ لزاد الناس في الطرف الثاني كان ما يتوضأ وضوءًا مجزئًا، فالنصوص في جميع أبواب الدين تأتي علاجًا للإفراط والتفريط، فهذا علاج للموسوسين، والأمر بالإسباغ علاج للمفرطين، فلا هذا ولا هذا، والدين وسط.

 فإذا وجدت شخصًا لا يسبغ الوضوء تقول له: أسبغ الوضوء، إذا وجدت رجلًا مسرفًا تقول: كان يتوضأ بالمد، ويغتسل بالصاع.

 "أتي النبي -عليه الصلاة والسلام- بثلثي المد" يعني على هذا على خلاف العادة، العادة أنه كان يتوضأ بالمد، لكن علّه -عليه الصلاة والسلام- رأى أحدًا ممن يسرف في الماء، فأراد أن يرد عليه ردًّا عمليًّا، وامرأة ممن ابتلي بالوسواس قيل لها: عملك هذا لا يجوز، إسراف، قالت: أبدًا، هذا نسبغ الوضوء، ونأتي بالوضوء على الوجه المطلوب، والخير ما فيه إسراف، ومن هذا الكلام، وأنتم تتلاعبون بالعبادات، قالوا: إذا جئنا بالشيخ فلان وجعلناه يتوضأ أمامكِ تقتنعين؟ قالت: نعم، فجيء بالشيخ، وجيء له بماء بكأس مثل هذا وتوضأ أمامها، اقتنعت؟ ندمت على صلاتها خلفه سنين، كيف يصلى وراء هذا؟ هذه قصة واقعية، كيف يصلى خلف هذا الذي توضأ بكأس؟ هذا وضوء ذا؟!

نعم عامة الناس، وقد يبتلى بهذا بعض طلاب العلم، بعض طلاب العلم؛ لأن الذي يفتح على نفسه هذا الباب لا ينغلق، ما لا نهاية، لا نهاية له، والوسواس  بالأمره خطير يصل في بعض درجاته إلى ما هو أعظم من الجنون، يعني شخص في الساعة الثامنة صباحًا في أيام الشتاء الساعة الثامنة صباحًا، صلاة العشاء كم لها من ساعة؟ كم؟

طالب:.........

 الساعة الثامنة صباحًا، صلاة العشاء كم راح عليها، اثنتا عشرة ساعة، أو أكثر، أكثر من اثنتي عشرة ساعة يطرق الباب ويقول: إلى الآن وأنا أحاول أن أتوضأ لصلاة العشاء ما استطعت. قلت: صل بدون وضوء، قال: بلا نية؟ النية شرط، قلت: بلا نية.

طالب:.........

 صحيح هذا، ما بقي إلا أن تسقط عنه الصلاة، صحيح مثل هذا شبه جنون، فمثل هذا يعالَج به الموسوسون.

 "أتي النبي -عليه الصلاة والسلام- بثلثي مد فتوضأ فجعل يدلك ذراعيه" يدلك الإنسان قد لا يتخيل أن الإنسان يتوضأ بكأس ماء، "فجعل يدلك ذراعيه" فالدلك عند جمهور أهل العلم سنة، سنة، وليس من مسمى الغسل، ليس من مسمى الغسل، وعند مالك هو من مسماه، فلا بد منه عند مالك -رحمه الله تعالى- والجمهور يقولون: الغسل يتم بدون دلك، ويستدلون من لغة العرب بقولهم: غسله العرق، غسله المطر، وهو ما يحتاج إلى دلك، والمطلوب الغسل.

 "رواه أحمد وأبو يعلى وابن خزيمة في صحيحه، واللفظ له، وابن حبان، وحبيب بن زيد وثقه النسائي وغيره، وقال أبو حاتم: صالح" إذا أعطاه أبو حاتم: صالح، ماذا يصير؟

طالب: ...........

لا، وأكثر بعد؛ لأنه ما جادت نفسه للبخاري إلا بصدوق، تكفي من أبي حاتم كلمة صالح، بركة، وثقه النسائي أيضًا، النسائي من المتشددين ما هو من.. المتجه فيه أنه ثقة وقال أبو حاتم: صالح، يعني كلام أبي حاتم، وهو من أهل التحري الشديد، يكون الرجل ثقة، والحديث مصحح عند جمع من أهل العلم.

"قال -رحمه الله-:

وعن نعيم المجمر قال: رأيت أبا هريرة -رضي الله عنه- يتوضأ، فغسل وجهه فأسبغ الوضوء، ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد، ثم غسل يده اليسرى حتى أشرع في العضد، ثم مسح برأسه، ثم غسل رجله اليمنى حتى أشرع في الساق، ثم غسل رجله اليسرى حتى أشرع في الساق، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتوضأ، وقال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أنتم الغر المحجلون يوم القيامة من إسباغ الوضوء، فمن استطاع منكم فليطل غرته وتحجيله»، رواه مسلم.

 ورواه أيضًا من حديث نعيم أنه رأى أبا هريرة -رضي الله عنه- يتوضأ فغسل وجهه ويديه حتى كاد يبلغ المِنكبين."

المَنْكِبَين.

"المَنكِبَين، ثم غسل رجليه حتى رفع إلى الساقين، ثم قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إن أمتي يأتون يوم القيامة غرًّا محجلين من أثر الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل».

 وروى الإمام أحمدَ حديث نعيم، وزاد فيه.."

أحمدُ أحمدُ..

"وروى الإمام أحمدُ حديث نُعيم وزاد فيه: وقال نُعَيم: لا أدري قوله.."

حديث نعيم عن أبي هريرة.

عن أبي هريرة؟

عندك؟

لا، يا شيخ.

نعم، هذا من بعض النسخ.

"وقال نعيم من حديث أبي هريرة: لا أدري قوله: «من استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل» من قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو من قول أبي هريرة.

 وروى مسلم عن قتيبة عن خلف بن خليفة عن أبي مالك الأشجعي عن أبي حازم قال: كنت خلف أبي هريرة -رضي الله عنه- وهو يتوضأ للصلاة، فكان يمد يده حتى تبلغ إبطه فقلت لهك يا أبا هريرة، ما هذا الوضوء؟ قال يا بُنيّ.."

يا بَنيْ.

يا بَنيَّ.

يا بَنيْ فَرُّوْخ.

"يا بَنيْ فَرُّوخ، أنتم هاهنا؟ لو علمت أنكم هاهنا ما توضأت هذا الوضوء، سمعت خليلي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء»."

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن نعيم المجمر قال: رأيت أبا هريرة- رضي الله تعالى عنه- يتوضأ فغسل وجهه فأسبغ الوضوء، فأسبغ الوضوء" استوعب الوجه غسلاً، واستكمله، "ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد" أشرع مثل أتهم، وأنجد، وأسهل، وأظلم، وأمسى، يعني دخل في غسل العضد، في غسل العضد، وهو ما فوق المرفق، ما فوق المرفق.

 "ثم غسل يده اليسرى حتى أشرع في العضد" كذلك تعدى المفرقين، " ثم مسح برأسه" يعني بجميع رأسه، "ثم غسل رجله اليمنى حتى أشرع في الساق" تعدى الكعبين، "ثم غسل رجله اليسرى حتى أشرع في الساق" كذلك، "ثم قال: هكذا رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتوضأ"، وهذا يفسِّر لنا أحد الاحتمالين في الغاية، وأنها هنا تدخل في المُغَيَّى إلى المرفقين، إلى الكعبين، هل يدخل المرفقان، وهل يدخل الكعبان؟ نعم يدخلان بهذا النص، وبمثل قوله: أدار الماء على مرفقيه، فكونه أشرع في الساق وأشرع في العضد يعني تعدى فدخلت الغاية.

 "ثم قال: هكذا رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتوضأ" يعني رفع هذا الفعل إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- "وقال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم"-: «أنتم الغر المحجلون» هذه الأمة تمتاز بهذه الخصيصة، «أنتم الغر المحجلون يوم القيامة من إسباغ الوضوء»، فهم بعضهم أن الوضوء من خصائص هذه الأمة، وليس بصحيح، إنما خصيصة هذه الأمة الغرة والتحجيل، وقد ثبت الوضوء في الأمم السابقة، جريج توضأ، امرأة إبراهيم توضأت، ثبت في الصحيح أنها توضأت، المقصود أن الوضوء ليس من خصائص هذه الأمة، وإنما خصيصتها أثر الوضوء، وهو أنه نور يوم القيامة في الوجه وفي الأطراف، والغرة البياض الناصع في الوجه وفي الأطراف، «أنتم الغر المحجلون يوم القيامة من إسباغ الوضوء، فمن استطاع منكم فليطل غرته وتحجيله، فمن استطاع منكم فليطل غرته وتحجيله»، الغرة في الوجه، فهل يمكن إطالتها؟ غسل وجهه فأسبغ الوضوء، استوعب الوجه، لكن هل يمكن أن تطال الغرة؟ الغرة يمكن إطالتها؟

لا يمكن؛ لأنه محدد، بينما التحجيل ممكن، ما له حد، ليس له حد، ولذا حكم بعضهم على قوله: «فمن استطاع منكم فليطل غرته وتحجيله» على أنه مدرج من قول أبي هريرة، مدرج من قول أبي هريرة، طيب أبو هريرة ما يفهم، أو نقول: هو أولى من النبي -عليه الصلاة والسلام- بالإتيان بمثل هذا الكلام الذي يلاحَظ عليه ما يلاحَظ؟ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- معصوم، لا ينطق عن الهوى، لما أثنى النبي -عليه الصلاة والسلام- على المملوك في حديث أبي هريرة، لما أثنى على المملوك ثم قال: والذي نفسي بيده، لولا الجهاد وبر أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك، قال أهل العلم: هذا مدرج، لا يليق بالنبي -عليه الصلاة والسلام- أن يتمنى الرق؛ لأنه النبي -عليه الصلاة والسلام- في أكمل حال، فكيف يتمنى الأنقص؟ لأن المملوك في وصفه بالرق ما يمنعه من استكمال العبودية التي خُلِق من أجلها، وأيضًا لولا الجهاد وبر أمي، أمه ماتت -عليه الصلاة والسلام-، فيقول: مثل هذا الكلام يليق بأبي هريرة، لكن ما يليق بالنبي -عليه الصلاة والسلام-.

 الذي معنا «من استطاع منكم أن يطيل غرته وتحجيله فليفعل» هل يليق بالنبي -عليه الصلاة والسلام- أن يأتي بكلام يستدرك عليه؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- لا ينطق عن الهوى، أما أبو هريرة فكغيره من البشر، كغيره من البشر، وقد عُرف عنه الإدراج، فحكم جمع من أهل العلم أنه مدرَج، ومن علامات الإدراج ألا يليق الكلام بالنبي -عليه الصلاة والسلام-. "رواه مسلم.

 وروى أيضًا من حديث نعيم أنه رأى أبا هريرة -رضي الله عنه- يتوضأ فغسل وجهه ويديه حتى كاد يبلغ المنكبين"، إلى هنا واجتمع رأس الكتف مع العضد "حتى كاد يبلغ المنكبين، ثم غسل رجليه حتى رفع إلى الساقين" ثم قال: لكن هل زاد في غسل الوجه، كالحديث الأول؟ ما يمكن الزيادة في غسل الوجه، الوجه محدد، الوجه محدد، يعني الجزيرة هل يمكن تزيد في يوم من الأيام ببقعة من الأرض محددة بالمياه من جميع الجهات، وهذا محدد بالشعر من جميع الجهات، ما يمكن الزيادة فيه، بينما اليدان والرجلان سهل، يعني مثل البر، زد ما شئت، هذا تقريب؛ لأنه هنا الغرة في الوجه ما يمكن زيادتها، ومن هنا حكم أهل العلم على هذا الكلام بأنه مدرج من قول أبي هريرة، فغسل وجهه وزاد فيه؟ ما زاد "ويديه حتى كاد يبلغ المنكبين" يزيد إلى الكتف وأشرع في العضد.

 "ثم غسل رجليه حتى رفع إلى الساقين ثم قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إن أمتي يأتون يوم القيامة غرًّا محجلين من أثر الوضوء»" فهذه خصيصتهم يعرفهم النبي -عليه الصلاة والسلام- بهذا «من أثر الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل» إطالة الغرة كما قلنا: ليست ممكنة، إنما الممكن إطالة التحجيل.

 "وروى الإمام أحمد حديث نعيم عن أبي هريرة وزاد فيه قول نعيم: لا أدري قوله: «من استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل» من قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو من قول أبي هريرة"، لكن الذي جزم به جمع من الحفاظ أنه من قول أبي هريرة مدرجًا.

 "وروى مسلم عن قتيبة عن خلف بن خليفة عن أبي مالك الأشجعي عن أبي حازم" أبو حازم اثنان: أحدهما يروي عن أبي هريرة، والآخر يروي عن سهل بن سعد، الذي يروي عن أبي هريرة اسمه سلمان، والذي يروي عن سهل بن سعد الزاهد المعروف أبو حازم سلمة بن دينار.

 "قال: كنت خلف أبي هريرة -رضي الله عنه- وهو يتوضأ للصلاة" كأن أبا هريرة ما شعر به؛ لأن الإنسان إذا كان خاليًا يأخذ راحته، يطبق ما شاء من السنن التي لو أظهرها لبعض الناس ما احتملتها عقولهم؛ لأن بعض الناس قد يفعل أشياء احتياطية في الخلوة، ولا يفعلها في الجلوة أمام الناس، قد يعمل بحديث يركن إليه وهو غير ثابت عند غيره، يركن إلى العمل بمقتضى هذا الحديث، وفي نفسه منه شيء، لكن من باب الحرص على الخير، ومن باب ألا يفوته الأجر المرتب على هذا العمل، لكن لا يستطيع أن يبارز به الناس؛ لأنه ليس عنده ما يعتمد عليه ويحاج به، فكثير من الناس يجد في نفسه مثل هذا.

 وليس هذا مخالفًا لقوله: «الإثم ما حاك في النفس»، يعني إن كان عندك شيء تتردد فيه فهو إثم؛ لأن الإنسان قد يتردد في ثبوت خبر مثلاً ينتابه أو يتنازعه أمران أحيانًا يقول: ثبت، أحيانًا ما ثبت، إن ثبت فنعمل به؛ لئلا يفوت الأجر، إن لم يثبت لم نعمل به؛ لأننا ندخل في حيز الابتداع، فيحصل مثل هذا التردد، فيدعوه إلى إخفاء مثل هذا العمل، وهذا كل إنسان يجده من نفسه، وهذا موجود عند أهل العلم، لا يعمله في الجلوة؛ لأنه ليس عنده من الحجة ما يبارز به غيره، ولا يتركه؛ خشية أن يثبت؛ لأنه سجال مرة يقول: ثبت، ومرة متردد في حكمة؛ لئلا يفوته الأجر المرتب عليه.

 وهنا أبو هريرة يقول أبو حازم: "كنت خلف أبي هريرة- رضي الله عنه- وهو يتوضأ للصلاة، فكان يمد يده حتى تبلغ الإبط، حتى تبلغ إبطه، فقلت: يا أبا هريرة، ما هذا الوضوء؟" يعني كأنك زدت على المشروع، انتبه أبو هريرة ولذلك ينبغي لمن كان حول شخص لم يشعر به أن يحدث حركة أو صوتًا أو شيئًا يجعل الإنسان يشعر به؛ لأن الإنسان في خلوته يأخذ راحته، احتمال أن شخصًا خاليًا في مكان ما عنده أحد، وجالس وراءه واحد ما عرف ولا درى ولا علم به، يمكن أن يحدث، صحيح أم لا؟

فكون الإنسان يجعل الآخر يحس به ويشعر أن وراءه شخص يحتاط لنفسه، لا يحدث تصرفًا يُذَم به، ويُنقَل عنه.

 "فقلت له: يا أبا هريرة، ما هذا الوضوء؟" مفاجأة، "فقال: يا بني فَرُّوْخ، يا بَنِيْ فَرُّوخ أنتم هاهنا؟" ما معنى يا بَنيْ فروخ أنتم هاهنا؟ يعني لو عرفت أنك هاهنا ما فعلت هذا، ما عملت هذا العمل؛ لأنه يحتاط لنفسه؛ لئلا يُتَحدَّث به، فمثل هذه الأمور الاجتهادية التي لا يبلغ دليلها ما يقارع به الخصوم يحتفظ بها الإنسان لنفسه، أحيانًا ما يبديها للناس.

 "يا بني فروخ أنتم هاهنا؟ لو علمت أنكم هاهنا ما توضأت هذا الوضوء"؛ لأن هذا الوضوء لو اطلع عليه الناس رموه بما هو منه بريء، رموه بوسواس؛ لأن مثل هذا لا تحتمله عقولهم، وأبو هريرة -رضي الله عنه- قد أخفى ما لا يحتاج إليه الناس، ما أخفى شيئًا مما تعيَّن عليه نشره أبدًا، ولذا يستدل بالآية، لولا آية في كتاب الله ما حدثت {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ} [سورة البقرة:159] من إيش؟ {لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ} [سورة البقرة:159] .. نعم لولا هذه الآية ما حدث لا أبو هريرة ولا غيره، السلامة لا يعدلها شيء، لكن مثل هذه الآية تلزمه بالتحديث، ولا يجوز له الكتمان بحال.

 "لو علمت أنكم هاهنا ما توضأت هذا الوضوء، سمعت خليلي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء»" يعني ما ثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- توضأ إلى الآباط، لكن قال: «تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء» أبو هريرة يريد أن حليته تبلغ إلى المناكب والآباط، فحرصًا منه على هذه الحلية التي تكون في الجنة، وأنه لا شك أن الوضوء من الأعمال الموصِلة إلى الجنة بدليل أنها علامة هذه الأمة في الجنة، فهو من الأعمال الموصلة للجنة، على ما سيأتي إن شاء الله تعالى.

 وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"