شرح مختصر الخرقي - كتاب الطهارة (11)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- بعد أن أنهى الكلام عن الفروض الأربعة التي جاءت في كتاب الله -عز وجل-، وهي متفق عليها بين أهل العلم في الجملة، وليست بمحل خلاف، وترك واحد منها يجعل الطهارة ناقصة بالاتفاق.

بقي من فروض الطهارة ما يفهم من النصوص، وما جاء فيه مما يدل عليه من السنة، يفهم من القرآن، ويفهم أيضاً من السنة، وليس بمنصوص كالترتيب مثلاً والموالاة، فالترتيب يقول المؤلف -رحمه الله-:

يأتي بالطهارة عضواً بعد عضوٍ كما أمر الله -عز وجل-" يبدأ بغسل الوجه {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ} [(6) سورة المائدة] ثم يثني بغسل اليدين {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} ثم يثلث بمسح الرأس، ثم يختم بغسل رجليه على هذا الترتيب الذي جاء في القرآن، وقد يقول قائل -وقد قيل-: إن هذه الأعضاء الأربعة نسقت في القرآن بحرف الواو التي لا تقتضي الترتيب، وهذه حجة من يقول: إن الترتيب ليس بواجب ولا فرض، الواو لا تقتضي الترتيب، فيجاب عنه من قبل من يرى أن الترتيب فرض ولا يصح الوضوء إلا مرتباً بأن هذه الأعضاء وإن نسقت على بعضها بالواو التي هي في الأصل لا تقتضي الترتيب إلا أن الأسلوب القرآني يدل على ذلك؛ لأن العادة في لغة العرب جرت بأن المتماثلات والنظائر يعطف بعضها على بعض، فإن فصل وقطع النظير عن نظيره لا بد أن يكون من وراء ذلك حكمة، وهنا قطع النظير عن نظيره، ففصل بين غسل الرجلين وغسل اليدين بمسح الرأس، وهذا الأسلوب الذي فيه إدخال الممسوح بين المغسولات، وقطع النظير عن نظيره من المغسولات، لا شك أن هذا لحكمة، والحكمة هنا هي الترتيب.

فلو قلت مثلاً: جاء محمد وعلي وفاطمة وزيد، هذه الواو لا تقتضي الترتيب في الأصل، لكن كونك قطعت النظير من الذكور عن نظائره منهم، وأدخلت امرأة بين رجلين دل على أنك تريد أنهم جاؤوا مرتبين هكذا، الأول فالأول، وإلا فالأصل يعضد هذا، إرادة الترتيب في مثل هذا النسق مخالفة الأمر بتأخير النساء يعني عن الرجال، فهذا الأصل، مخالفة هذا الأصل عضد إرادة الترتيب وهو الحكمة التي من أجلها قطع النظير عن نظيره.

وهنا ممسوح يدخل بين مغسولات؟! يعني هل العضو الذي يحتاج إلى غسل آكد أم العضو الذي يحتاج إلى مسح؟ الذي يحتاج إلى غسل آكد، حتى أنهم قالوا في الرأس وهو ممسوح: إنه يكفي منه ثلاث شعرات عند بعض أهل العلم، فدل على أنه ليس بآكد مما أمر بغسله، لا سيما مع ما جاء من الوعيد الشديد في عدم تعاهد الرجل، والمبالغة في غسلها ((ويلٌ للأعقاب من النار)) فدل على أن غسل الرجل آكد من مسح الرأس؛ لأنه أولاً: المسح أخف من الغسل، الأمر الثاني: أن جمعا من أهل العلم يرون أنه مبني على التخفيف، ومع ذلك يجزئ بعضه، وقال بعضهم: يجزئ الشيء اليسير منه، ولولا أن الترتيب مطلوب لأُخر عن الغسل الذي أُكد بقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((ويلٌ للأعقاب من النار)) والنبي -عليه الصلاة والسلام- لما رقي على الصفا قال: ((أبدأ بما بدأ الله به)) وفي رواية النسائي وغيره: ((ابدؤوا -أمر- بما بدأ الله به)) فدل على أن ما يبدأ به في القرآن قولاً يبدأ به فعلاً، وهكذا فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-.

فجميع من وصف وضوء النبي -عليه الصلاة والسلام- ذكره مرتباً، ولو كان الإخلال بهذا الترتيب جائزاً لأخل به ولو مرةً واحدة لبيان الجواز، لكن لم يذكر عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه أخل بهذا الترتيب بين الأعضاء الأربعة.

قد يقول قائل: إنه -عليه الصلاة والسلام-تمضمض واستنشق بعد أن غسل يديه، وهذا معروف، فكيف يكون الترتيب واجبا مع أن المضمضة والاستنشاق بعد غسل اليدين؟ المضمضة والاستنشاق كما هو معلوم الخلاف في وجوبهما معروف، والخلاف في دخول الأنف والفم في الوجه أمرٌ مختلف فيه، وسبق بيانه، والأمر فيهما ليس كالأمر في الأعضاء الأربعة، بمعنى أنه لو ترك المضمضة والاستنشاق، بالغ في الاستنشاق ((إذا توضأت فمضمض)) ((إذا توضأ أحدكم فليجعل في منخريه من الماء)) ((إذا توضأ أحدكم فلينتثر)) هذه أوامر، لكن هل معنى هذا أن الوضوء يبطل بترك المضمضة والاستنشاق كبطلانه بعدم غسل اليدين أو الرجلين؟ لا، المسألة أخف.

ولا شك أن من غسل يديه قبل وجهه وضوؤه باطل، وأما بالنسبة للمضمضة والاستنشاق فالأمر فيهما أخف، ولا يقاس عليهما الفروض الواردة في الكتاب والسنة المؤكد عليها.

فالترتيب الذي جاء في آية الوضوء مع كونه -عليه الصلاة والسلام-بين ما جاء في الآية بفعله -عليه الصلاة والسلام-الذي لم يخل به ولا في وضوء واحد دل على أنه بيان للواجب وبيان الواجب واجب.

منهم من يقول: إن الترتيب ليس بواجب، المقصود أن يغسل هذه الأعضاء كما أمر الله، لكن الواو لا تقتضي الترتيب، وهذا قول جمع من أهل العلم، ولكن المرجح هو الأول.

بعد هذا الموالاة، الموالاة وهو الفرض السادس من فرائض الوضوء، بمعنى أنه لا يترك غسل العضو حتى ينشف الذي قبله في الزمن والوقت والظرف المعتاد، لا يترك غسل العضو حتى ينشف الذي قبله، غسل وجهه ثم انتظر، فلم يغسل يديه حتى نشف الوجه في وقت ليس بحار ولا فيه ريح شديدة يمكن أن تنشف الوجه قبل غسل اليدين، تراخى عن غسل اليدين حتى نشف الوجه.

ومنهم من يجعل الضابط في عموم الوضوء، بمعنى أن لا يترك غسل الرجلين حتى ينشف الوجه مثلاً، ولا ينظر في العضو الذي قبله، وهذا قولٌ معروف عند أهل العلم؛ لأن الوضوء في حكم الشيء الواحد، فلا يترك حتى ينشف أوله.

هل في الآية ما يدل على الموالاة؟ الآية ليس فيها ما يدل، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام-توضأ هكذا، موالياً بين أعضاء الوضوء، ولم يذكر عنه ولا في حديث واحد أنه أخر غسل عضوٍ من الأعضاء حتى نشف الذي قبله.

قد يقول قائل مثلاً: إن الرسول -عليه الصلاة والسلام- في الغسل توضأ وأخر غسل الرجلين حتى خرج من مكان الاغتسال، جاء عنه -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح أنه توضأ وضوؤه للصلاة وضوءاً كاملاً، ثم اغتسل، وجاء عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه أخر غسل الرجلين إلى أن فرغ من غسله، واشتغاله بالاغتسال بين مسح الرأس وغسل الرجلين تراخي، فهل في هذا ما يدل على عدم الموالاة؟

طالب:.......

فيه؟

طالب:.......

أما على الضابط الذي ذكروه أن لا ينشف العضو الذي قبله ما يتأتى، لكن هل المقصود أن لا ينشف حقيقة النشاف أو المقصود ترك الموالاة؟ بمعنى أنه لو كان في مطر وغسل وجهه ويديه ومسح رأسه ثم جلس في المطر ما غسل رجليه، الرأس لن ينشف بسبب المطر، لكن تأخر مدة ينشف فيها الرأس عادةً، هل نقول: الموالاة متحققة أو غير متحققة؟ غير متحققة، فكون الرأس لم ينشف لاشتغاله بالغسل لا يعني أنه لو لم يغتسل ما نشف، لكن هل الوضوء في هذه الحالة وضوء واجب أو مستحب؟

طالب: مستحب.

نعم؟

طالب:.......

دعونا نقرر على الجادة، على كلام أهل العلم، لو كان شغله بغير الاغتسال ما ينشف الرأس في هذه المدة قبل أن يغسل الرجلين؟ وقلنا: إنه ليس المقصود الرطوبة، وذكرنا أنه لو كان في العراء والسماء تمطر ثم أخر غسل الرجلين في مدة ينشف فيها لولا المطر قلنا: إنه لم تحصل الموالاة، ولو كان الرأس ما زال رطباً، وهنا نقول: إن الرأس ما زال رطباً بسبب الاغتسال، فهل نقول: إن هذا فيه موالاة أو ليس فيه موالاة؟ هذا في الحقيقة لو كان المسألة في غير هذه الصورة التي يجزئ فيها الغسل عن الوضوء لقلنا: إنه ينشف، وانتفت الموالاة، وعلى هذا لو فعل هذا، توضأ وضوؤه للصلاة، وأخر غسل الرجلين، وكان الغسل للتبرد، لا لرفع حدث، ولا غسل مسنون شرعي؟ نعم؟

طالب:.......

انعدمت الموالاة.

فكونه -عليه الصلاة والسلام-أخر غسل الرجلين إلى ما بعد الغسل لأن الوضوء ليس بواجب أصلاً، لأنه إذا اجتمع عبادتان من جنس واحد، وليس إحداهما مؤداة والأخرى مقضية فإنه تدخل الصغرى في الكبرى كما هو مقرر عند أهل العلم، وهنا يدخل الوضوء في الغسل، مما يستدل به على الموالاة حديث صاحب اللمعة، نعم؟

طالب:.......

هذا الغسل الكامل، وهناك غسل مجزئ، بمعنى أنه لو اغتسل ولم يتوضأ يصح وضوؤه أو لا؟ تدخل الصغرى في الكبرى أو ما تدخل؟ ما توضأ أبداً، لكن العلة في كونه -عليه الصلاة والسلام- أخر غسل الرجلين كما ذكر الشراح أن المكان فيه تلوث، فيه طين مثلاً، فيخرج عن هذا المكان ليغسل رجليه؛ لأنه لو غسل رجليه يحتاج أن يغسلهما ثانية، فالمقصود أن مثل هذا لا يرد على من يشترط الموالاة، وحديث صاحب اللمعة والكلام فيه معروف لأهل العلم، وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمره بالإعادة، ولو كانت الموالاة غير واجبة لما أمره بالإعادة، لاكتفى بغسل هذه اللمعة، والكلام فيه لأهل العلم، لكنه في مثل هذا الذي يستدل بالأدلة الأخرى يقوم الحكم بغيره يستفاد منه.

المؤلف ما ذكر الموالاة "ويأتي بالطهارة عضواً بعد عضو" هذا الترتيب، وهل هذه البعدية تقتضي الموالاة أو لا تقتضي؟ لأن الترتيب ظاهر يأتي بالطهارة عضواً بعد عضو كما أمر الله -عز وجل-هذا الترتيب ظاهر، لكن هل هذا الأسلوب يفيد الموالاة أو لا يفيد؟ يعني هل البعدية تقتضي الموالاة؟ يعني هل تقتضي التتابع؟ إذا قلت: جاء زيد بعد عمروٍ يعني مباشرة أو هذا جاء الظهر والثاني جاء العصر؟ يقتضي أو ما يقتضي؟ ما يقتضي، على بعد، يعني أخذها من قوله" "بعد" فيه بعد.

لكن قوله في المسح على الخفين إذا خلع الخف يعيد الوضوء، إذا مسح الخف يعيد الوضوء، لماذا يعيد الوضوء وهو على طهارة؟ لماذا لا يغسل رجليه فقط؟ لماذا؟ الموالاة، فإذا خلع النعل انتقضت الطهارة، عندكم في باب المسح "فإن كان يثبت بالنعل مسح عليه، فإذا خلع النعل انتقضت الطهارة" هذا يدل على أنه يشترط الموالاة، ولولا أنه يشترط الموالاة لاكتفى بغسل الرجلين؛ لأن بقية الأعضاء على طهارة، وبعضهم يكثر السؤال عن هذه المسألة، وستأتي في وقتها -إن شاء الله- مبسوطة، يقول: الفقهاء ما ذكروا من نواقض الوضوء خلع الخف فهل هو ناقض أو ليس بناقض؟ نقول: ليس هناك وضوء شرعي كامل بحيث ينتقض، الآن الذي خلع الخف بعد الطهارة بعد المسح عليه هو يريد أن يصلي أو يقرأ أو يطوف بطهارة ناقصة، فالقدم ليست مغسولة ولا ممسوحة، كما لو غسل وجهه ويديه ومسح رأسه وترك الرجلين، فهو يريد أن يزاول ما لا يزاول إلا بالطهارة بطهارة ناقصة، الرجل ليست مغسولة ولا ممسوحة، فالطهارة حينئذٍ ناقصة.

يقول -رحمه الله تعالى-:

"والوضوء مرة مرة يجزئ والثلاث أفضل" وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي -عليه الصلاة والسلام- توضأ مرةً مرة، ومرتين مرتين، وثلاثاً ثلاثاً، وثبت عنه أنه توضأ ملفقاً، كيف ملفق؟ يعني أنه غسل بعض الأعضاء مرة، وبعضها أكثر.

الوضوء مرةً مرةً يجزئ، مرتين مرتين أفضل؛ لأنه أكمل، ثلاثاً ثلاثاً أفضل وأكمل، لكن هذا بالنسبة للرجل السوي، أما بالنسبة للموسوس فاقتصاره على الأدنى علاجاً لوسواسه أكمل في حقه؛ لأنه لن يقتصر على الثلاث، وعلى هذا لو تردد هل غسل العضو مرتين أو ثلاثاً، في الصلاة إذا تردد ركعتين أو ثلاثاً يبني على الأقل؛ لأنه المتيقن، فيبني على أنه صلى ركعتين ثم يأتي بالثالثة، في الوضوء في إذا تردد هل توضأ مرتين أو ثلاث يبني على ماذا؟ هم يقولون: مثل الصلاة، لكن المرجح عندي أنه يبني على الأكثر يجعلها ثلاثاً لماذا؟ لأنه في الصلاة إذا بنى على الأكثر يعني الأمر متردد بين بطلان الصلاة بحيث لو اعتبرها ثلاثاً وتكون صلاته قد نقصت ركعة بطلت صلاته، لكن لو زاد ركعة سهواً وجبره بسجود صلاته صحيحة صح أو لا؟ لكن في الوضوء لو تردد هل غسل العضو مرتين أو ثلاثاً ثم بنى على الأقل ثم زاد وهو في الحقيقة قد غسلها ثلاثاً وهذه الغسلة تكون رابعة، نقول: خرج من حيز السنة إلى حيز البدعة، لكن لو قلنا: إنه غسلها في الحقيقة اثنتين، خرج إلى ماذا؟ خرج إلى سنة؛ لأن الاثنتين في دائرة السنة، فكونه من سنة إلى سنة أفضل من كونه من سنة إلى بدعة، ولو كان الأمر احتمالاً.

عرفنا وجه الفرق؟ يعني ولو كانت المسألة احتمالا؛ لأنه إذا كان في الواقع وحقيقة الأمر غسلها اثنتين، ما الذي يضيره أن يكون اقتصر على غسلتين؟ سنة، النبي -عليه الصلاة والسلام- توضأ مرتين مرتين، لكن لو بنى على الأقل وزاد ثالثة، ثم صار في الحقيقة وواقع الأمر غسل أربعاً نقول: خرج، ولو كان غير مقصود،

 يا إخوان: نحن لا نؤثمه ولا نبدعه لو بنى على الأقل، لكن مع ذلك كونه يخرج من سنة إلى سنة أفضل من كونه يخرج من سنة إلى بدعة ولو كانت غير مقصودة، ولو كان هذا احتمال، ظاهر أو ليس بظاهر؟ نعم؟

طالب:.......

لو احتاج لأنه ما...... المقصود الغسلة الكاملة التي تشمل العضو، بحيث يتردد الماء على العضو كاملاً، هذه غسلة، ما يقول: إنه غسل بقي شيء هذه ليست بغسلة.

طالب:.......

لا إذا لم يكتمل العضو ليست بغسلة، ما كمل العضو.

فلا شك أن الثلاث أفضل، لكن من يخشى على نفسه من الوسواس إذا لزم الثلاث ثم دعاه الشيطان إلى ما فوق ذلك، وقال: احتمال أنك ما أسبغت الوضوء زد على ذلك، نقول: اقتصر على المرة أو المرتين، والنبي -عليه الصلاة والسلام-توضأ مرةً مرة، ومرتين مرتين، وفي هذا العلاج لمثل هذه الحالات.

ومن أهل العلم -مع الأسف-من أهل العلم من يبلغ به الأمر إلى أن يغسل العضو عشر مرات، ويذكر في تراجمهم كابن دقيق العيد والحافظ العراقي قالوا: ولم يكن هذا يخرجهما إلى الوسواس، وإنما هو من باب الاحتياط، فيقال لمثل هؤلاء أن الاحتياط إذا أدى إلى ارتكاب محظور، أو ترك مأمور فالاحتياط في ترك هذا الاحتياط كما قال شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-.

وشاهدنا من شيوخنا من أهل العلم والعمل وأهل التثبت والتحري في جميع أبواب الدين من يغسل العضو عشر أو أكثر، ويعلل بأنه رجل أعمى لا يدري هل أسبغ أم لا؟ ومع ذلك نقول: خرج عن دائرة السنة في هذه المسألة، فلا يحتاج العضو إلى عشر مرات، يعني هذا جوابه يقول: أنا والله رجل كفيف، ما أدري هل أسبغت؟ فيغسل ويزيد مرة بعد مرة، ولا شك أن هذا من وسواس الشيطان الذي لم يسلم منه إلا النبي -عليه الصلاة والسلام-، من عصم منه، النبي -عليه الصلاة والسلام- أعانه الله عليه فأسلم، لكن غيره ما يسلم إلا بالمجاهدة، واستحضار قصد التبرئ من وسوسته والخلاص منه، مع الاستعانة بالله -جل وعلا-، والاستعاذة من الشيطان، فالإنسان عليه أن يتعاهد هذا الأمر.

ومع الأسف يوجد في كثير من طلاب العلم من يقع في حبائل الشيطان من هذا الباب، في باب الوسوسة، وهو كثيرٌ في أهل الحرص مع الجهل، إذا اجتمع حرص وجهل هذا المرتع للشيطان، ويكثر كثرةً ملحوظة في النساء، تجدها صاحبة حرص على أن تخرج من عهدة العبادة بيقين مع جهل، ثم تسترسل من باب الاحتياط، ثم لا تلبث أن تقع في حبائل الشيطان الذي يريد أن يصدها ويصد غيرها عن الصلاة.

"وإذا توضأ لنافلة صلى بها فريضة" لأنه بوضوئه للنافلة ينوي بذلك رفع الحدث، وإذا ارتفع الحدث وهو وصفٌ حكمي فعل بهذا الوضوء ما شاء من فروض ونوافل، توضأ لنافلة صلى بها فريضة؛ لأنه بهذا الوضوء الذي نواه لهذه النافلة، والنافلة لا تصح مع وجود الحدث، ولا بد أن ينوي رفع الحدث، فإذا ارتفع الحدث فعل بهذا الوضوء ما شاء من فروض ونوافل، يعني لو نوى بالوضوء قراءة القرآن، ثم حان وقت الصلاة يصلي؛ لأنه على طهارة، حدثه قد ارتفع بهذه الطهارة، لو نوى بوضوئه الطواف يصلي وهكذا؛ لأنه ارتفع الوصف المانع من مزاولة هذه العبادات، وإذا ارتفع هذا الوصف ما بقي له أثر، بخلاف التيمم عند من يقول: إنه مبيح لا رافع على ما سيأتي شرحه وبيانه -إن شاء الله تعالى- في بابه؛ لأنه يبيح فعل العبادة ولا يرفع الحدث، ولهذا لا يصلي به غير ما نوي له، لكن عند من يقول بأنه رافع إما رفعاً مطلقاً كما يقول بعض أهل العلم، أو رفعاً مؤقتاً إلى وجود الماء فإنه يصلي به كالوضوء، وعلى هذا يكون البدل له حكم المبدل، وسيأتي بسط هذه المسألة -إن شاء الله تعالى-، نعم؟

طالب:.......

هذا السؤال طيب، الثلاث أفضل، والنبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثاً ثلاثاً، وهذا التعميم يشمل الرأس كغيره من الأعضاء، يشمل هذا العموم وهذا الإجمال يشمل الرأس، والمعروف عند الشافعية أنهم يقولون بمسح الرأس ثلاثاً كغيره من الأعضاء، والثابت عنه -عليه الصلاة والسلام- في التفصيل أنه مسح برأسه مرةً واحدة، فمسح برأسه مرةً واحدة مع تثليث الأعضاء الأخرى، وأيضاً المسح مبناه على التخفيف، فلو كُرر لصار في معنى الغسل، لو كرر المسح لصار في معنى الغسل، وغسل الرأس مختلف فيه بين أهل العلم هل يجزئ عن مسحه أو لا يجزئ؟ إذا أتى بأكثر مما طلب منه، بأكثر من القدر الواجب يجزئ أو لا يجزئ؟ إذا أتى بأكثر، مأمور بمسح الرأس فغسله، مأمور بمسح الخف فغسله، مأمور بذبح شاة فذبح بدنة، هل نقول: إن غسل الرأس يجزئ؛ لأنه مسح وزيادة، كما أن البدنة تجزئ لأنها شاة وزيادة عن سبع، أو نقول: إن هذا زيادة على ما قرر في الشرع والزيادة في العبادات على غير أمره -عليه الصلاة والسلام-، ((من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد)) ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) فالغسل ليس من أمره -عليه الصلاة والسلام-، إذاً هو مردود، وما كان مردوداً فإنه لا يجزئ، والمسألة مختلف فيها بين أهل العلم، منهم من يقول: إن سبب التخفيف عدم المشقة على المكلف؛ لأن الرأس إذا غسل لا ينشف بسهولة كغيره من الأعضاء ولو نشف، فيتضرر بغسله لا سيما وأن الوضوء يتكرر بخلاف الغسل، فإذا غسله في كل وقت من أوقات الشتاء تضرر بذلك، ولذلك خفف، فإذا كان التخفيف مراعاة لمصلحة المكلف -انتبهوا يا إخوان المسألة دقيقة وتدخل في كثيرٍ من الأبواب- إذا كان التخفيف مراعاة لمصلحة المكلف فاختيار المكلف هذه المشقة لا يبطل العبادة.

يعني النبي -عليه الصلاة والسلام- في مقاولته لعبد الله بن عمرو حينما قال له: ((اقرأ القرآن في كل شهر)) قال: إنه يطيق أكثر من ذلك، يستطيع أكثر من ذلك، فقال: ((اقرأ القرآن في الشهر مرتين)) فقال: إنه يطيق أكثر من ذلك، ثم قال: ((اقرأ القرآن ثلاث مرات كل عشر)) فقال: إنه يطيق أكثر من ذلك، فقال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((اقرأ القرآن في سبع ولا تزد)) ومع ذلك كان عبد الله بن عمرو يزيد؛ لأن الأمر بقوله: ((لا تزد)) ملاحظةً لحاله، فيقول: أنا أستطيع أكثر من ذلك، ولذلك جاء ما يدل على الختم في أقل من سبع، وجاء عن جمع من الصحابة والتابعين أنهم يقرؤون القرآن في ثلاث، بل منهم من يقرأ القرآن في كل ليلة، فهم ما خفي عليهم قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((اقرأ القرآن في سبع ولا تزد)) لأنه أراد التخفيف على من أراد التشديد على نفسه، وهذا علاج لبعض القضايا، كما أن غير هذا المسلك علاج لقومٍ آخرين.

 فإذا وجد مثل عبد الله بن عمرو شخص مندفع، لو تقول له: اقرأ القرآن في كل ساعة قرأ ما يترك أبداً، اقرأ القرآن في اليوم مرتين، ثلاثا، يختم في اليوم مرتين، ثلاثا، ما تردد، هذا مندفع، هذا يعالج بالتخفيف، فيقاول على أقل التقدير، اقرأ القرآن في شهر، خير، كفاية أن تقرأ في كل يوم جزء تكسب مائة ألف حسنة طيب هذا، فهذا المندفع، لكن لو جاء شخص ما يفتح القرآن إلا من رمضان إلى رمضان، يعالج بمثل هذا؟! لا، يعالج بأن يقال: عثمان يختم في ركعة، يعني هذا تفريط، وهذا كلام الله الذي يقرأه كأنما يخاطب الرحمن، ثم بعد ذلك إذا قلت له مثل هذا الكلام عسى أن يقرأ القرآن في شهر.

فلا شك أنها حالات، وكلٌ يعالج بما يناسب حاله، إذا وجدت مفرطا في الوضوء، وجدته ما يسبغ الوضوء، يقال: يا أخي الرسول -عليه الصلاة والسلام-توضأ ثلاثاً ثلاثاً، وإذا وجدت شخصاً في طريقه إلى الوسواس أو الموسوس تقول له: النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يتوضأ مرةً مرة، وهكذا في جميع أبواب الدين.

المرجئ يعالج بنصوص الوعيد، والخارجي يعالج بنصوص الوعد وهكذا، فالشريعة لما جاءت بمثل هذا الاستيعاب لأحوال الناس إنما جاءت علاجا، لكن هذا العلاج يحتاج إلى طبيب ماهر؛ لأنه لو وجدت مثلاً شخصا متشددا متطرفا، وألقيت عليه نصوص الوعيد ماذا يصير؟ كأنك أشعلته يا أخي، زدت عليه، هذا لا يصح، وليس بعلاج لمثل هذا، بل أنت غششته، وأنت تتكلم بالقرآن والسنة، لكن لو رأيت شخصا متساهلا متراخيا، ثم أتيت له بنصوص الوعد، وأن الله -جل وعلا- يقول: أخرجوا من النار من قال: لا إله إلا الله، هل تتصور في يوم من الأيام أن حالته تعتدل؟ ما يعتدل مثل هذا، فمثل هذه العلاجات والأدوية الشرعية تعالج بها أحوال الناس.

وعلى كل حال الثلاث أفضل بلا شك، لكن مع ذلك المرة مرة وضوء شرعي مجزئ إجماعاً، وثبت عنه -عليه الصلاة والسلام-، وكذلك المرتين، وأما بالنسبة لمسح الرأس فهو مرة واحدة، وهكذا ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام-.

"وإذا توضأ لنافلة صلى بها فريضة" انتهينا من هذا، نعم؟

طالب:.......

والله مسألة مترددة بين أمرين، بين كونه عمل عملاً ليس عليه أمر النبي -عليه الصلاة والسلام-، فالقول بعدم الإجزاء له وجه ظاهر، لا سيما في حق من عرف بالتجاوز والزيادة، لكن لو حصل مرةً واحدة غير مقصودة أو مقصودة مرة واحدة، ورأى أنه مع كونه يغسله ليتبرد، ويود أن  يستمر الماء في رأسه ما يقال ببطلانه -إن شاء الله تعالى-.

طالب:.......

نعم؟

طالب:.......

في ماذا؟

طالب:.......

عند الجمهور تجزئ، الناقة بدل الشاة، تجزئ عند الجمهور، أما مالك فلا، الشاة شاة بلا زيادة.

وعند أهل العلم في أصول الفقه يبحثون عن القدر الزائد على الواجب هل يأخذ حكمه في الوجوب أو لا؟ قالوا: إن كانت الزيادة متميزة فالقدر الزائد على الواجب سنة، يعني أنت عليك صاع واحد فطرة، زكاة الفطر، فاشتريت صاعين، وكلت هذا الصاع بكيس وهذا الصاع بكيس ودفعتهما إلى فقير الأول واجب والثاني مستحب.

لكن لو كلت صاعين أو اشتريت كيسا ودفعته فطرة، قالوا: إن لم تتميز فمحل الخلاف هنا، كمن أدى ديناراً عن عشرين، يعني زكاة العشرين دينارا الواجب عليه نصف دينار، وهذا دفع دينارا، هل نقول: إن الدينار كله واجب عليه أو ليس بواجب، أو نصف الواجب؟ لأنه لم يتميز، هذا ما تميز، فاحتمال كونه واجبا معروف عند أهل العلم.

لكن إذا زاد في التسبيح ركع الإمام وبدل من أن يسبح مرة أو مرتين أو ثلاث سبح عشر مرات، زاد على القدر الواجب، فأتى الداخل، وأدركه في التسبيحة السابعة أو الثامنة، في المستحب، هل نقول: إن هذا الداخل مفترض -على قول من يقول: إن المفترض لا يقتدي بالمتنفل-اقتدى بمتنفل؟ أو نقول: إن هذه الزيادة وإن كانت مستحبة أخذت حكم الواجب؟ لا شك أنه يكون مدركاً للصلاة على القولين حتى عند من يقول: بأن المفترض لا يقتدي بالتنفل.

طالب:.......

..... يا أخي إجماع على هذا، هذا إجماع بين أهل العلم أن صلاته باطلة، يعني لو دفع ديناراً عن عشرين نقول: باطلة زكاته؟

طالب:.......

لا، لا، هذا محل إجماع، وهذا باب الإحسان مفتوح، باب البذل والإحسان مفتوح، لو تدفع عشرين عن عشرين ليس محل إشكال، لكن لو تزيد في العبادات المقررة المجمع على أنها لا تقبل الزيادة بطلت صلاتك، الثلاث الزائد هذه ليست بعبادة أصلاً، الثلاثة؛ لأنه ما جاء الشرع بمثلها، ما جاء الشرع بثلاثة أشواط فقط، لكن لو تردد هل طاف ستا أو سبعا وزاد ثامنا فلا إشكال، كما لو تردد في الصلاة، أما قصد الزيادة على الأمور المقررة في أمور العبادات الخاصة التي أجمع عليها أهل العلم لا بد من هذا، ولذلك نبغ قبل سنتين أو ثلاث من يقول:

ما الدليل على أن صلاة الظهر أربع؟ هل نقول: هذا كافر أو غير كافر؟ يقول: ما في فرق بين الظهر والمغرب والفجر؛ لماذا نصلي أربعا وهذه ثلاث؟! ما عندنا ما يدل دلالة قطعية -انظر إلى بقية الكلام- دلالة قطعية على أن صلاة الظهر أربع، نقول: إجماع أهل العلم قطعي، والتواتر تواتر العمل والتوارث قطعي؛ لأنه لو بحث في الأسانيد مثلاً في الوقائع النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يصلي أربعا، وبحث بإسناد وبحث عن أسانيد هذا الحديث وطرقه تبلغ حد التواتر عند أهل العلم؟! قد لا تبلغ، لكن يقول: هذا خبر آحاد، وهو غير ملزم.

نقول: لا يا أخي، هذه مسألة مجمع عليها بين أهل العلم، فلا ترد في مثل هذه المواطن، محل إجماع، وأيضاً تواتر العمل والتوارث من لدن عصر النبوة -عليه الصلاة والسلام- إلى يومنا هذا إلى قيام الساعة، ما دام في الأرض من يصلي أجمعوا على هذا فهو قطعي، فالذي يقول بمثل هذا الكلام على خطر عظيم أن يكفر؛ لأنه خالف الإجماع -نسأل الله السلامة والعافية-.

"ولا يقرأ القرآن جنبٌ ولا حائض ولا نفساء" قراءة القرآن للجنب، أولاً: المحدث حدثا أصغر يقرأ القرآن، لكنه لا يمس المصحف على ما سيأتي، المحدث حدثا أصغر يقرأ القرآن، ولم يكن يمنع النبي -عليه الصلاة والسلام- من قراءة القرآن إلا الجنابة، الحائض عند أهل العلم كالجنب؛ لأن الحدث واحد كله حدث أكبر، وجاء ما يدل على أن القرآن لا يحل لحائض ولا جنب، والنفساء في حكم الحائض تماماً، تمنع الحائض وكذلك النفساء من الصلاة والصيام إجماعاً، وكذلك قراءة القرآن عند من يمنع الحائض يمنع النفساء، ولا فرق.

هذا قول عامة أهل العلم أن الحائض كالجنب لا تقرأ القرآن، من أهل العلم من يفرق بين الحائض والجنب، فيقول: الجنب حدثه رفعه بيده، إذا احتاج إلى القراءة استطاع أن يرفع الحدث، لكن الحائض تستطيع أو ما تستطيع؟ ما تستطيع، لا تستطيع رفع الحدث، وقد تطول مدة الحيض وكذلك النفاس بحيث يتطرق حفظها إلى النسيان، أو تكون محتاجة إلى القراءة بأن تكون معلمة أو متعلمة، فتسامحوا في حق الحائض وكذلك النفساء، وقالوا: تقرأ القرآن إذا احتاجت إلى ذلك.

ومنهم من يبيح لها القراءة مطلقاً، وأن الحيض والنفاس كالحدث الأصغر، ولكن لا شك أن القرآن معظم، هو كلام الله، والحائض والنفساء متلبستان بنجاسة، وعائشة -رضي الله عنها-تذكر أن النبي -عليه الصلاة والسلام-كان يقرأ القرآن ورأسه في حجرها، يعني لو كانت الحائض تقرأ القرآن في عهده -عليه الصلاة والسلام- وممن يحيض عائشة -رضي الله عنها- تحتاج إلى أن تقول مثل هذا الكلام؟ لو كانت الحائض تقرأ القرآن، الآن نبهت أن من رأسه في حجر الحائض يقرأ القرآن وهو على طهارة، فتحتاج إلى أن تقول: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- يقرأ القرآن في حجرها والحائض إذا كانت تقرأ القرآن هي فلا تحتاج إلى أن تنبه أن من لابس الحائض وجاور الحائض يقرأ القرآن، وهذا استنباط دقيق جداً من أهل العلم.

وهنا في صحيح في البخاري: "باب قراءة الرجل في حجر امرأته وهي حائض" قال بعد ذلك بنفس الترجمة: وكان أبو وائل يرسل خادمه -وهي حائض-إلى أبي رزين فتأتيه بالمصحف فتمسكه بعلاقته، ما الرابط بين هذا الخبر وبين قراءة الرجل في حجر امرأته؟ وكان أبو وائل يرسل خادمه -وهي حائض- إلى أبي رزين فتأتيه بالمصحف فتمسكه بعلاقته، مس المصحف، ما العلاقة في الترجمة بقراءة الرجل في حجر امرأته وهي حائض؟ لأن البخاري -رحمه الله تعالى- اعتبر أن جسم الإنسان بل قلب الإنسان كالوعاء للمصحف، مثل العلاقة هذه التي في الكيس الذي يحمي ويحفظ المصحف، فمادام رأسه -عليه الصلاة والسلام- في حجرها، ولها أن تمسه وهي حائض فالحائض تحمل القرآن وهو في كيسه، استنباط في غاية البعد؛ لكنه دليل فقه.

طالب:.......

لا، سيأتي مس المصحف.

كان يتكئ في حجري وأنا حائض ثم يقرأ القرآن، طيب الشريط الذي فيه قرآن هل هو في حكم بدن الإنسان الحافظ للقرآن؟ الشريط؟ لا أقول: الشريط الذي عليه الاسم الأصلي؛ لأن الشريط عبارة عن هذا الذي يدور مع الآلة، أما الغلاف غلاف الشريط هذا الأبيض أو الأخضر أو غيره هذا حكمه بلا شك أنه حكم الوعاء، فهل يمنع من مس الشريط نفسه؟ أما بالنسبة لغلافه هذا لا إشكال فيه، مثل العلاقة هذه، ومثل بدن الحافظ هذا ليس فيه أدنى إشكال، فهل نقول: إن الشريط نفسه مثل قلب الحافظ، بمعنى أننا لو بحثنا عن قرآن في هذا الشريط ما وجدنا، كما أننا لو فتحنا قلب الإنسان الذي يحفظ القرآن ما وجدنا فيه شيئا، فالحكم واحد، فهل للطبيب أن يمس قلب الحافظ بدون طهارة؟ نعم بلا شك، نعم كذلك الشريط بحيث لو كبرنا أو صغرنا أو جبنا آلات الدنيا ما رأينا شيئا، إذاً الحكم واحد، فنمس الشريط من غير طهارة.

تأمل استنباط ابن دقيق العيد -رحمه الله تعالى- قال ابن دقيق: في هذا الفعل إشارة إلى أن الحائض لا تقرأ القرآن، كان يقرأ القرآن ورأسه في حجري وأنا حائض، قال ابن دقيق العيد: في هذا الفعل إشارة إلى أن الحائض لا تقرأ القرآن؛ لأن قراءتها لو كانت جائزةً لما توهم امتناع القراءة في حجرها حتى احتيج إلى التنصيص عليها، هذا فقه دقيق، يعني لم يكن هناك ضرورة، وأنا عندي حتى في تحديد هذه الضرورة التي يقولون: المعلمة والمتعلمة عندي فيها نظر طويل؛ لأن هذا كلام الله -جل وعلا-، إذا لم نحتط لكلام الله -جل وعلا-، فماذا بقي لنا؟

فالذي عندي أنا والمرجح عندي أن الحائض لا تقرأ، وكذلك النفساء والجنب من باب أولى.

طالب:.......

ما يلزم، يعني لو جاء في بالها يعني تذكرت أو في قلبها ما يسمى قراءة.

طالب:.......

لا ما يلزم، يعني كونها تتفكر تتأمل تتدبر هذه ليست قراءة.

طالب:.......

الجوال الذي فيه مصحف، الكتابة إذا ظهرت على الشاشة ما تمس، لكن إذا كان مخفي فهو مثل الشريط، على كل حال ما دام ما ظهر على الشاشة يدخل فيه، فلا إشكال -إن شاء الله- كما يدخل الحافظ الدورة.

يقول -رحمه الله تعالى-: "ولا يمس المصحف إلا طاهر" جاء في حديث عمرو بن حزم ((وألا يمس القرآن إلا طاهر)) الحديث وإن كان مرسلاً إلا أن العلماء تلقوه بالقبول، وأثبتوا ما فيه من أحكام في غير هذا الباب مع قول الله -جل وعلا-: {لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [(79) سورة الواقعة] قد يقول قائل: إن هذا المقصود به ما في اللوح المحفوظ، والمقصود بالمطهرين الذين هم جبلوا على طهارة، أما من يطرأ عليه الحدث ويتطهر لا يسمى مطهرا، وإنما يسمى متطهرا ولا يسمى مطهرا، فعلى هذا المقصود بالمطهرين الملائكة، والمتطهر من أحدث ثم رفع الحدث {إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [(222) سورة البقرة] فعلى هذا ليس في الآية دلالة على منع المحدث من مس المصحف، إذا قلنا بهذا الاعتبار.

وشيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- فيما نقله ابن القيم عنه في مدارج السالكين وغيره من مؤلفاته يقول: إذا منع الملائكة وقد جبلوا على الطهارة من مس ما في اللوح المحفوظ الذي القرآن خلاصته منعوا من مسه، وقد جبلوا على الطهارة إلا بهذه الطهارة أخبر الله عنهم أنهم يمسونه لهذا الوصف لأنهم مطهرون، فدل على أن غير المطهِر أو المطهَر بل المتطهر من باب أولى لا يمس القرآن الذي هو الخلاصة؛ لأنه كلام الله.

تأمل الآن من باب قياس الأولى إذا منع من مس ما في اللوح المحفوظ إلا من قبل من جبل على الطهارة، فلئن يمنع القرآن الذي هو أشرف الكلام ممن يطرأ عليه الحدث، وتطرأ عليه الطهارة من باب أولى، ظاهر الاستدلال أو ليس بظاهر؟ وفي غاية الدقة من شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- في غاية الدقة، و جمع من أهل العلم يقولون: إنه لا يمنع من مسه؛ لأن الحديث مرسل، والآية في اللوح المحفوظ والملائكة، ولم يرد ما يدل على المنع، فهذا فقه دقيق عجيب من شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-، ولذا فالمرجح أنه لا يمس القرآن إلا طاهر.

هنا يقول في الترجمة السابقة: "وكان أبو وائل يرسل خادمه وهي حائض إلى أبي رزين فتأتيه بالمصحف تمسكه بعلاقته" يقولون: ما يجوز مسه هو ما أمكن إفراده عنه، بمعنى أن يباع بمفرده، أما أنه يمكن أن يباع بمفرده، أما ما تبعه حكماً على كلامهم هذا يدخل فيه حتى التجليد، والأبيض في حواشي الصفحات، وأيضاً الورق الأبيض الذي يحفظ الكتاب مع التجليد ما يمس؛ لأن الجميع يقال له: مصحف، وهذه الأمور وإن لم يكن فيها قرآن وإنما دخلت تبعاً؛ لأن بعض الناس يتحايل لا أقول: في هذه المسألة على غيرها، لكنها نظير لها، يكون عنده الكتاب وقفا لا يجوز بيعه، ثم يجلده، ثم يقول: أنا أبيع التجليد، أنا ما أبيع الكتاب، نقول: التجليد له حكم الكتاب، ويثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً، فلا يجوز بيعه ولو جلدته، إن أردت أن تنزع التجليد انزعه، لكن تبيعه مع الكتاب، وتقول: أبيع التجليد ليس بصحيح، هذا تحايل.

قال -رحمه الله تعالى-: "قوله: وكان أبو وائل" هو التابعي المشهور صاحب ابن مسعود، وأثره هذا وصله ابن أبي شيبة عنه بإسناد صحيح، قوله: يرسل خادمه أي جاريته، والخادم يطلق على الذكر والأنثى، إلى أبي رزين هو التابعي المشهور أيضاً، يقول: بعلاقته بكسر العين أي الخيط الذي يربط به كيسه، وذلك مصير منهما إلى جواز حمل الحائض المصحف، لكن من غير مسه، ومناسبته لحديث عائشة من جهة أنه نظّر حمل الحائض العلاقة التي فيها المصحف بحمل الحائض المؤمن الذي يحفظ القرآن؛ لأنه حامله في جوفه، وهو موافق لمذهب أبي حنيفة، ومنع الجمهور ذلك، وفرقوا بأن الحمل مخلٌ بالتعظيم، والاتكاء يعني مثل اتكاء النبي -عليه الصلاة والسلام- على عائشة لا يسمى في العرف حملاً.

قال مالك: أحسن ما سمعت أنه لا يحمل المصحف بعلاقته ولا في غلافه إلا وهو طاهر.

كل هذا من باب الاحتياط لكلام الله -جل وعلا- الذي هو أعظم كلام، فإذا لم نحترم القرآن ماذا نحترم؟

كذا قال: وليس ذلك لأنه يدنسه، ولكن تعظيماً للقرآن.

نعم، المسألة مسألة تعظيم، تعظيم شعائر الله -جل وعلا-، وهي الشعائر قد تكون أحياناً لأن الله -جل وعلا- عظمها، تكون معظمة، على المسلم أن يعظمها في نفسه ولو كانت من أحجار، يعني مثل الكعبة، تعظيم شعائر الله -جل وعلا- من تقوى القلوب، فكيف بكلامه الذي من قرأه كأنما يخاطب الله -جل وعلا-.

هو الكتاب الذي من قام يقرأه

 

كأنما خاطب الرحمن بالكلمِ

نعم؟

طالب:.......

لا ينوي بذلك القرآن، وإنما ينوي بذلك الذكر؛ لأن بعض أهل العلم يفرق بين أن يكون المتلو لا على جهة القرآن، ولا أنه يرجو به الثواب المرتب على القرآن، وإنما يرجو به ما رتب على هذا الذكر من حفظٍ وغيره، قراءة آية الكرسي مثلاً، آية الكرسي إذا آوى إلى مضجعه ولا يقربه شيطان، هو يريد ألا يقربه شيطان، ولا يريد بذلك أن يكسب بكل حرف عشر حسنات، فهم يفرقون من هذه الحيثية، ولا شك أن مثل هذا الكلام الذي دار من أهل العلم، ومنع الحائض والجنب من قراءة القرآن يمنعه حتى على جهة الذكر؛ لأنه لا يخرج عن كونه قرآنا، ومن سمعه قال: قرآن، ومن قرأ يعرف أنه قرآن، ومن القرآن، لكن بعض آية مثلاً أهل العلم يقولون: إنه لا مانع من أن يقرأ الجنب والحائض بعض آية؛ لأنه يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، ويقول...

على كل حال النبي -عليه الصلاة والسلام- أرسل إلى هرقل الكتاب المشهور في الصحيح وغيره، وفيه: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ} [(64) سورة آل عمران] فأرسل إليه وهو في حكم الجنب، منهم من يقول: قراءة القرآن يُجمل، لا تجوز قراءة القرآن من لزمه الغسل، ويكون حينئذٍ أعم من جنب وحائض ونفساء، بمعنى أنه لو أن كافراً أسلم وليس عليه جنابة منعه من قراءة القرآن هل لكونه جنبا، أو لكونه لزمه الغسل؟ نعم هم يفرقون بين هذه الأمور.

قراءة بعض آية لا تضر، إرسال قرآن أو كلام فيه كلام الله -جل وعلا-إلى الكفار كما جاء في حديث هرقل، هل يعني هذا أننا نجوز أن نرسل المصحف، أو نسافر بالمصحف إلى أرض العدو دار الحرب؟ أهل العلم يقولون: يحرم السفر بالمصحف إلى دار الحرب، لا سيما إذا خيف عليه، وكثيرٌ ما يرد من الأسئلة من إرسال التراجم، تراجم القرآن إلى اللغات الأخرى، تراجم معاني القرآن إلى اللغات الأخرى، وفيها القرآن، لا سيما إذا رُجي إسلام من يطلع عليه، إذا غلب على الظن أن هذا الذي يطلع على القرآن يسلم، والأكثر الترجمة.

لا شك أنه إذا كان القرآن ممزوجا بغيره كالتفسير مثلاً، وكان التفسير أكثر من القرآن هذا ليس فيه إشكال، لكن إذا كان مستقلا مثلاً، تفسير ابن كثير بقدر القرآن عشر مرات، حروفه بقدر القرآن عشر مرات مثلاً، ووجد التفسير مستقلا موجودا كاملا على صورته وهيئته، يقرأ أو ما يقرأ؟ يحمل يقرأ فيه أو ما يقرأ؟ لكن من رأى هذا قال: هذا مصحف أو تفسير ابن كثير؟ نعم؟

طالب:.......

وأهل العلم يقولون: الحكم للغالب، فإذا كان الكثرة بحيث يكون القرآن شيء يسير بالنسبة للتفسير فلا يمس المصحف الذي هو في جوف هذا التفسير، وإنما التفسير لا مانع من مسه.

لكن إذا كان التفسير بقدر المصحف كتفسير الجلالين مثلاً، هل نقول: الحكم للمصحف أو للتفسير؟ ذكرنا مراراً أن شخصاً من أهل اليمن كان يتأثم من قراءة تفسير الجلالين؛ لأنه يرى أن القرآن أكثر من التفسير، والحكم للغالب، فعدَّ حروف القرآن وحروف التفسير ليكون على بينة، فيقول: إلى المزمل العدد واحد، عدد حروف القرآن مع عدد حروف التفسير واحد، ومن المزمل إلى آخر القرآن زاد التفسير قليلاً، فانحلت عنده هذه المشكلة، وأقول: إذا كان القرآن ممزوجا بالتفسير، ولا أحد يقول: إن هذا قرآن إذا رآه فلا مانع من قراءته بغض النظر عن كثرة الحروف وقلتها، لكن إذا كان متميزاً بنفسه، مثل ما طبع مع تفسير ابن كثير أو مع تفسير الشيخ ابن سعدي -رحم الله الجميع-، نقول: هذا قرآن فلا يمس ما في جوفه مما بروز عليه من القرآن، أما الحواشي إذا كثرت وزادت فلا مانع من القراءة فيها، ولو كان القرآن مطبوعاً معها، والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"