هدي النبي في رمضان (13)

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

أيها الإخوة المستمعون الكرام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً وسهلاً بكم إلى هذا اللقاء الجديد الذي يجمعنا بفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير وفقه الله الذي نرحب به في مطلع هذا اللقاء فأهلاً وسهلاً بكم يا شيخ عبد الكريم.

حياكم الله وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

فضيلة الشيخ مما أورد الإمام العلامة ابن القيم في كتابه زاد المعاد من هدي في هدي خير العباد فصل قال فيه وكان من هديه -صلى الله عليه وسلم- أن يدركه الفجر وهو جنب من أهله فيغتسل بعد الفجر ويصوم لو ألقيتم الضوء حفظكم الله حول هذه المسألة.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

ففي الصحيح، صحيح البخاري من حديث عائشة وأم سلمة -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم، يدركه الفجر وهو جنب من أهله يعني لا من احتلام إنما هو من أثر الجماع ثم يغتسل ويصوم، ترجم عليه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- بقوله: بابٌ الصائم يصبح جنبًا، قال ابن حجر أي هل يصح صومه أو لا؟ وهل يفرق بين العامد والناسي أو بين الفرض والتطوع هل يصح صوم من أصبح جنبًا أو لا يصح؟ في كلام أمي المؤمنين عائشة وأم سلمة كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم فالجواب في الحديث يعني يصح صومه، وهل يفرق بين العامد والناسي أو بين الفرض والتطوع؟ وفي كل ذلك خلاف للسلف والجمهور على الجواز مطلقًا، الجمهور يجيزون ذلك مطلقًا، أخذًا من هذا الحديث؛ لأن الفرق بين العامد والناسي يحتاج إلى دليل مادام ثبت من فعله -عليه الصلاة والسلام- وأيضًا التفريق بين الفرض والتطوع ما ثبت في الفرض يثبت للتطوع والعكس إذ لا فرق بينهما في العبادات إلا ما دل إلا ما دل الدليل على التفريق بينهما فيه نعم جاء عن بعض السلف أنهم يفرقون بين الفرض والتطوع فيجيزون ذلك في التطوع دون الفرض لأن أمره أيسر وهو مبني على المسامحة كما في نيته لكن الأصل أن ما ثبت في النافلة ثبت في الفريضة والعكس، أيضًا لا فرق بين العامد والناسي لأن أمي المؤمنين ذكرتا هذا الحديث ردًّا على من يقول بأنه لا يصح صومه من من الصحابة كأبي هريرة من يرى أنه لا يصح صومه إذا أصبح وهو جنب لأن استمرار الجنابة كإنشائها عنده لكن الصحيح أنه لا يجوز له إنشاء الجنابة بعد طلوع الصبح بعد أن يدركه الفجر لكن الاستمرار لا بأس به وعلى هذا لا فرق بين العامد والناسي لا نقول أن هذا خاص بمن نسي أنه جنب وأيضًا لا نقول أن هذا في الفرض دون التطوع أو في التطوع دون الفريضة إذ النص لم يفرق وإن جاء الخلاف عن بعض السلف لعله خفي عليهم خفي عليهم مثل هذا الحديث، خفي عليهم مثل هذا الحديث والله أعلم.

أثابكم الله فضيلة الشيخ، أيضًا مما ذكره ابن القيم -رحمة الله تعالى عليه- في هذا الموضع بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقبل بعض أزواجه في رمضان وذكر إباحة هذا الأمر فهل الإباحة على الإطلاق فضيلة الشيخ؟

نعم، روى الإمام البخاري من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: إن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليقبل بعض أزواجه وهو صائم ثم رواه البخاري أيضًا من حديث أم سلمة قالت في حديث طويل إنه كان يقبلها وهو صائم، قال المازري: ينبغي أن يعتبر حال المقبِّل فإن أثارت منه القبلة الإنزال يعني بحسب ما تثيره القبلة إن صارت سببًا في محرم فهي حرام، إن صارت سببًا في مكروه فهي مكروه إن صارت سببًا في مختلف فيه أورثت شبهة، كلام المازري -رحمه الله تعالى- في المعلم يقول ينبغي أن يعتبر حال المقبل فإن أثارت منه القبلة الإنزال حرمت عليه؛ لأن الإنزال يمنع منه الصائم فكذلك ما أدى إليه وإن كانت..، وإن كان عنها المذي فمن رأى القضاء منه قال يحرم في حقه ومن رأى ألا قضاء قال يكره وإن لم تؤد القبلة إلى شيء فلا معنى للمنع منها إلا على القول بسد الذريعة، إلا على القول بسد الذريعة وشبه النبي -عليه الصلاة والسلام- قبلة الصائم بالمضمضة أخرج أبو داود -رضي الله عنه- -رحمه الله-  عن عمر -رضي الله عنه- قال هششت فقبلت وأنا صائم فقلت يا رسول الله ضعفت اليوم أو صنعت اليوم أمرًا عظيمًا صنعت اليوم أمرًا عظيما قبلت وأنا صائم قال «أرأيت لو مضمضت من الماء وأنت صائم» قال فقلت لا بأس به قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «فمه» مخرج في أبي داود وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وإسناده صحيح، وللمازري أيضًا كلام بديع حول هذا هذا الحديث يقول من بديع ما ورد في جواز ذلك يعني القبلة للصائم قوله -صلى الله عليه وسلم- لما سئل عن القبلة للصائم «أرأيت لو تمضمضت» فأشار بذلك إلى فقه بديع وذلك أن المضمضة قد تقرر عندهم أنها لا تنقض الصوم؛ لأنهم كانوا يتوضؤون وهم صيام والمضمضة أوائل الشرب ومفتاحه أوائل الشرب ومفتاحه كما أن القبلة من دواعي الجماع ومفتاحه والشرب يفسد الصوم كما يفسده الجماع فكما ثبت عندهم أن أوائل الشرب الذي هو المضمضة لا يفسد الصوم فكذلك أوائل الجماع الذي هو القبلة لا تفسد الصوم، يعني تنظير مطابق من النبي -عليه الصلاة والسلام- ولذا شبّه قبلة الصائم بالماء، هناك حديث رواه أحمد وابن ماجه أشار إليه ابن القيم -رحمه الله- عن ميمونة مولاة النبي -عليه الصلاة والسلام- قالت سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن رجل قبل امرأته وهما صائمان فقال «قد أفطر» فلا يصح مع الرسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول ابن القيم: فيه أبو يزيد الظني رواه عن ميمونة وهي بنت سعد قال الدارقطني ليس بمعروف ولا يثبت هذا وقال البخاري هذا لا أحدث به هذا حديث منكر وأبو يزيد رجل مجهول، يقول ابن القيم أيضًا ولا يصح عنه -صلى الله عليه وسلم- التفريق بين الشاب والشيخ ولم يجيء من وجه يثبت وأجود ما فيه حديث أبي داود عن نصر بن علي عن أبي أحمد الزبيري قال حدثنا إسرائيل عن أبي العنبس عن الأغر عن أبي هريرة عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجل سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن المباشرة للصائم فرخص له وأتاه آخر فنهاه، فإذا الذي رخص له شيخ وإذا وإذا الذي نهاه شاب هذا الحديث مخرج في سنن أبي داود وسنده لا بأس به -إن شاء الله تعالى-، إسرائيل يقول ابن القيم: وإسرائيل وإن كان البخاري ومسلم قد احتجا به وبقية الستة فعلة هذا الحديث أن بينه وبين الأغر فيه أبا العنبس العدوي الكوفي واسمه الحارث بن عبيد سكتوا عنه سكتوا عنه إذًا فيه عن الأغر عن أبي هريرة وابن القيم جعل علة الحديث أن بينه وبين أن بينه وبين الأغر فيه أبا العنبس العدوي واسمه الحارث بن عبيد، الحارث بن عبيد سكتوا عنه، ومقتضى من ما سكت عنه أهل العلم فلم يذكروا فيه جرحًا ولا تعديلاً أنه مستور يحتاج إلى أن يوثق وعلى كل حال هذا الراوي لم يذكر فيه جرح من قبل أهل العلم، وقد وثقه ابن حبان والقاعدة أنه إذا وثق ابن حبان ولم يعارض أنه يتوسط في أمره لا يقال إنه من أعلى درجات الصحيح ولا يقال أنه يحكم عليه بالضعف بل يتوسط في أمره فيقال حديث حسن، على كل حال هذه من باب تعليق الحكم بالمظنة لا شك أن الشاب يختلف حكمه عن الشيخ فالشاب أسرع بالنسبة لثوران الشهوة وأسرع إلى إبطال الصوم من الشيخ الكبير، ولذا جاء التفريق في هذا الخبر فإذا الذي رخّص له شيخ وإذا الذي نهاه شاب، وعلى كل حال إذا غلب على الظن أو خطر على البال أن الصوم يتعرض إلى إلى خلل أو إبطال فإنه يمنع من من المقدمات، أما إذا كان الإنسان في مأمن في مأمن من ذلك فإنه لا بأس به، والله المستعان.

 

أحسن الله إليكم وأثابكم فضيلة الشيخ ونفع بما قلتم إنه سميع مجيب، أيها الإخوة المستمعون الكرام بهذا نصل إلى ختام هذه الحلقة نسأل الله تبارك وتعالى التوفيق والسداد وجزى الله فضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير وفقه الله على ما وضح ولكم أنتم مستمعينا الكرام، نسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا وإياكم لما فيه الخير والصلاح، نلقاكم بإذن الله تعالى في حلقة مقبلة وأنتم بخير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.