شرح كتاب العلم لأبي خيثمة (7)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،
نعم.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا وإمامنا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
قال المصنف رحمنا الله تعالى وإياه:
حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا جرير عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أحسبه رفعه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((منهومان لا يقضي واحد منهما نهمته: منهوم في طلب العلم لا يقضي نهمته، ومنهوم في طلب الدنيا لا يقضي نهمته)).
هذا حديث ابن عباس، وفيه ليث بن أبي سليم معروف ضعفه عند أهل العلم، لكن له طرق وشواهد تدل على أن له أصلًا، مرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((منهومان لا يقضي واحد منهما نهمته)) وفي لفظ: ((منهومان لا يشبعان: طالب علم، وطالب مال)) هنا يقول: ((منهوم في طلب العلم لا يقضي نهمته)) قد يستغرب بعض الطلاب الذين هم في أول الأمر يجاهدون أنفسهم على طلب العلم، يقولون: متى نوصل لهذه المرحلة؟ نعم.
طالب:.......
أقول: بعض الإخوان يستشكل، يقول: منهوم، طلب المال معروف الناس يلهثون وراء المال، لكن منهوم في طلب العلم؟ نعم، يوجد منهوم، ومر بنا أنهم يتذاكرون الفقه حتى يفاجئهم أذان الصبح، نعم، يوجد الآن من يزاول القراءة قراءة الكتب والبحث فيها إلى حد قد يُظن ضرب من الخيال، لكن المسألة مسألة تدريج، مسألة مجاهدة ثم تلذذ، يجاهد الإنسان نفسه ثم يتلذذ إذا وقع على فائدة، ثم مسألة، ثم طرفة، ثم قصة، ثم حكاية، ثم مسألة علمية، ثم..، ما ينتهي، فالمنهوم بالعلم لا يشبع ((منهوم في طلب العلم لا يقضي نهمته، ومنهوم في طلب الدنيا)) لكن لنعلم أن المنهوم بالكلام والقيل والقال لا يمكن أن تجتمع معه نهمة العلم، المنهوم بالأكل لا يجتمع معه نهمته بالعلم، المقصود أن الإنسان يتخفف من الفضول كلها، ليتسنى له أن يكون منهومًا بالعلم والعمل، هناك من هو منهوم بقراءة القرآن، منهوم بالصلاة، منهوم بالصيام، منهوم بكذا، لا يشبع منه، قد رؤي أحد الأشخاص -وهو من العباد- في المنام، فقال لمن رآه: كيف يشبع المسلم من قول: لا إله إلا الله؟ وقال آخر: كيف يشبع المسلم من قراءة القرآن؟ وهكذا، المقصود أنه إذا وصل إلى مرحلة التلذذ حدث ولا حرج.
((ومنهوم في طلب الدنيا لا يقضي نهمته)) منهوم في طلب الدنيا، رسوله إلى المحل الشمس، إذا طلعت الشمس فتح، ولا يغلق الحانوت إلا بعد هزيع من الليل، يتمنى أن ترجع جميع الأعمال بعد منتصف الليل، على حساب راحته ونومه أسهل من كونها على حساب تجارته، وقد توفي شخص قريب لواحد من التجار وأرادوا أن يصلوا عليه بعد صلاة العصر، جاهد وسعى أن تؤجل الصلاة إلى أن يغلق المحل، حاصل، هذا منهوم، نسأل الله السلامة.
لكن مع ذلك جاء قوله تعالى: {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(77) سورة القصص] نعم الأصل أنك مخلوق للعبودية، تشغل وقتك بما خلقت له، ثم لا تنس نصيبك من الدنيا الذي يعينك على تحقيق الهدف، العبودية، أما أن تنقلب الموازين يكون الأمر بالعكس في حياة الناس، كأنه مخلوق للدنيا، ويوصى بألا ينسى نصيبه من الآخرة هذه مشكلة، هذا قلب للموازين، ويأتي من يقول: إن الدين دين جد، ودين عمل، ودين عمارة أرض، كل هذا صحيح، لكن عمارة أرض بأي شيء؟ بالعبودية تعمر الأرض {يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [(55) سورة النــور] هنا يكمن الأمن، ويتحقق الأمن، الناس يقولون: أبدًا خلقنا لعمارة الأرض، والحمد لله الدين علينا الصلاة نصلي ماذا تريدون بعد؟ هذا لسان حال، بل لسان المقال من كثير من الناس، والله يا أخي أنت خلقت للعبادة {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [(56) سورة الذاريات] وخشية أن ينهمك المسلم في هذه العبودية، وينسى ما يقيم أوده، ويعينه على تحقيق هذه العبودية يحتاج أن يقال له: {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(77) سورة القصص] نعم.
"حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا جرير عن ليث عن عطاء قال: قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: "من كتم علمًا ينتفع به ألجم بلجام من نار".
هذا الحديث الموقوف في إسناده ليث بن أبي سليم، وهو مر مرارًا بنا وأنه ضعيف، لكنه يروى مرفوعًا من طريق أبي هريرة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((من سئل عن علم فكتمه ألجم بلجام من نار يوم القيامة)) وهو صحيح لغيره، يثبت، فطالب العلم لا بد أن يجعل نصب عينيه هذه النصوص مجتمعة، لا يدفعه مثل هذا الخبر إلى أن يقحم نفسه فيما يحسن وما لا يحسن، ويجعل الآية التي توجب عليه البيان نصب عينيه أيضًا بألا يكتم، لا يكتم وعليه أيضًا ألا يسترسل، لا يكتم ولا يسترسل، يقول بما يحسن، من علم فليعلم، من علم يبين، من كان عنده علم يفتي الناس، من كان عنده علم يقضي بين الناس، أما من لا علم عنده فلا يجوز له أن يجرؤ على الفتيا، ولا يجوز له أن يتصدر ليقضي بين الناس، يحرم عليه ذلك، والقضاة ثلاثة قاضيان في النار، وقاضٍ في الجنة، منهم الجاهل الذي لا يعلم يقضي بين الناس بجهل، أو يفتي، يفتي الناس بجهل، هذا يكذب على الله، يقول: إن مراد الله من هذه المسألة كذا، أو حكم الله في هذه المسألة كذا، فهو موقع عن الله، فليحذر كل الحذر أن يجرؤ على الفتيا، ويحذر أيضًا كل الحذر أن يكتم مع العلم، المسألة تحتاج إلى توسط في الأمر، والنظر إلى النصوص كلها، النصوص التي تمنع فمن الممنوع؟ والنصوص التي تحث من الذي يحث؟ من الذي يقدم؟ ومن الذي يحجم؟ مع الأسف أن كثيرًا ممن توفرت لديه الأهلية أحجم فترك المجال لأناس ليست لديهم الأهلية، فوقعنا في المحظورين معًا، والله المستعان، نعم.
"حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا جرير عن ليث عن يحيى عن علي -رضي الله عنه- قال: "ألا أخبركم بالفقيه حق الفقيه الذي لا يقنط الناس من رحمة الله، ولا يرخص للمرء في معاصي الله، ولا يدع القرآن رغبة إلى غيره، إنه لا خير في عبادة لا علم فيها، ولا خير في علم لا فقه فيه، ولا خير في قراءة لا تدبر معها".
وهذا أيضًا أثر موقوف على علي -رضي الله عنه- في طريقه ليث بن أبي سليم، يقول: "ألا أخبركم بالفقيه حق الفقيه" الفقيه حق الفقيه الذي هو بمنزلة الطبيب الماهر "الذي لا يقنط الناس من رحمة الله" نعم؛ لأن القنوط واليأس من رحمة الله موبقة من الموبقات، هذا يبعث على الترك، ترك العمل، كما أنه أيضًا بالمقابل لا يؤمنهم من مكر الله، فينبغي أن يكون طبيبًا حكيمًا نبيهًا، يضع العلاج في موضعه، يشخص الداء ويضع العلاج، وذكرنا أنه إذا وجد هذا الفقيه الذي هو بمنزلة الطبيب، هذا العالم في مجتمع لحظ فيه التفريط يعالج مثل هؤلاء بنصوص الوعيد، ليردهم إلى حظيرة التوسط؛ لأنهم في الأصل مفرطون، لكن بالعكس إذا لحظ في مجتمعه الإفراط والتطرف والغلو يعالج داءهم بنصوص الوعد، فلا يقنط من رحمة الله، ولا أيضًا يجعلهم يأمنون من مكر الله، هذا هو الفقيه كل الفقيه "ولا يرخص للمرء في معاصي الله" لا يرتكب الرخص باستمرار، ويتتبع الأقوال التي تسهل على الناس على حد زعمه، الآن يُنادى بفقه التيسير الذي هو في الحقيقة فقه التضييع، فقه التضييع والتمييع ويستدل لذلك بأن الدين يسر، نعم الدين يسر {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [(78) سورة الحـج] لكنه أيضًا دين عبودية، دين عبودية ودين تكاليف، والجنة حفت بالمكاره، والتكليف إلزام ما فيه كلفة ومشقة، ماذا يقول صاحب فقه التيسير عن صيام الهواجر؟ ماذا يقول عن قيام الليل؟ قام حتى تفطرت قدماه -عليه الصلاة والسلام-، نعم التيسير في مقابل العسر، في مقابل الآصار والأغلال التي كانت على من قبلنا، تكليف ما لا يطاق، ما عندنا تكليف ما لا يطاق، يعني ما كلفنا في اليوم والليلة ألف ركعة، لا، خمس صلوات كتبهن الله في اليوم والليلة، ومن زاد زاد أجره ((أعني على نفسك بكثرة السجود)) فمثل هذه الأمور التي هي في مقدور العبد هي داخلة في التيسير، ويشملها إن الدين يسر، أما ما لا يطيقه الإنسان ((مه، عليكم من الدين ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا)) فعلى الإنسان أن يرفق بنفسه بحدود، ولا يعطيها من الآمال ويفتح لها الآفاق بحيث يترك العمل، لا، فالمسألة مسألة توسط، فلا يرخص للمرء في معاصي الله، يعني يأتيه من شرب نبيذ مثلًا يقول: الحمد لله عند أبي حنيفة جائز، نعم، جاءه من أكل ذبيحة أو من حيوان لا يجيزه عامة أهل العلم يقول: الحمد لله هذا عند مالك فيه سعة، ويأتي يقول: هذا عند أحمد كذا، لا، لا، هذا تضييع، هذا الذي يسميه أهل العلم تتبع الرخص، هذه زندقة عند أهل العلم؛ لأنه ما من مسألة إلا وفيها قول سهل، حتى يخرج الإنسان من دينه.
يستدلون أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما، وهذا في وقت، يعني في وقت قبل استقرار الحكم، اختار أيسرهما ليكون شرعًا، أما بعد أن استقر الحكم بدليله فعلى المرء أن يعمل ما يدل عليه الدليل، سواءً كان أيسر أو أشد؛ ولذا إذا جانب ما يدل عليه الدليل صار في الإثم، والمسألة مقيدة بما لم يكن إثمًا، فالذي يختار غير ما يدل عليه الدليل ارتكب الإثم، والله المستعان "ولا يدع القرآن رغبة إلى غيره" مع الأسف أن كثيرًا من المسلمين انشغلوا عن القرآن بالقيل والقال، والصحف والمجلات والقنوات، تجد بعض طلاب العلم عنده استعداد يفلي الجرائد كلها، أو المسلم الموظف بعد ما يطلع من وظيفته إلى أن ينام وهو يقلب الجرائد، لماذا؟ ماذا تستفيد من هذه الجرائد؟ هذا خبر سيئ، وهذا تهكم بالدين، وهذا استهزاء بالمتدينين، وهذه صورة عارية، وهذا خبر..، ما هذا الكلام؟ ومع ذلك هذا ديدن كثير من الناس، ويمر عليه اليوم واليومين والأسبوع والشهر ما فتح المصحف، إن تيسر له أن يحضر إلى الصلاة قبل الإقامة بدقيقتين، ثلاث، خمس قرأ قراءة الله أعلم بها، قرأ له ورقة ورقتين وعليها، وبعض الناس ما يعرف القرآن إلا في رمضان، هذه مشكلة؛ ولذا يقول: "ولا يدع القرآن رغبة إلى غيره" نعم هناك علوم يعني لا يشمل هذا الكلام النظر في السنة مثلًا، أو في العلوم المساندة التي تعين على فهم القرآن، كلها من العناية بالقرآن؛ لأن السنة تفسر القرآن، توضح القرآن، العلوم التي تعين على فهم القرآن والإفادة من القرآن، والاستنباط من القرآن كلها داخلة في تعلم القرآن "إنه لا خير في عبادة لا علم فيها" عبادة على الجهل لا خير فيها، قد يرتكب هذا العابد مبطل لهذه العبادة وهو لا يشعر "ولا خير في علم لا فقه فيه" يعني تجد بعض الناس منهوم بقراءة الكتب، لكن لا يفهم ولا يريد أن يفهم، مجرد سرد لا يقف عند المسائل، ولا يحرر المسائل، ولا يحقق المسائل، لا خير في علم لا فقه فيه "ولا خير في قراءة لا تدبر معها" يعني الخير المرتب على التدبر لا يأتي إلا بالتدبر، وأما قراءة الحروف فتتم مع غير التدبر، وفضل الله واسع، والله المستعان.
"حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا جرير عن ليث عن مجاهد عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "يا أيها الناس لا تسألوا عما لم يكن، فإن عمر كان يلعن أو يسب من يسأل عما لم يكن".
وهذا علته ما في سوابقه من وجود ليث بن أبي سليم، هذا يرويه مجاهد عن ابن عمر قال: "يا أيها الناس لا تسألوا عما لم يكن" ومر بنا أنهم يتثبتون عن المسألة هل وقعت؟ تكلفوا جوابها، ما لم تقع أجمنا وأرحنا حتى تقع "فإن عمر كان يلعن أو يسب" عمر كان -رضي الله عنه- شديد على أهل المخالفات، وكانت عنده الدِّرة -بكسر الدال- يضرب بها المخالف، كان يضرب بها من يصلي بعد العصر، الدِّرة، فهو شديد على المخالفين محتاط لدينه أشد الاحتياط، لا يريد من الناس أن يتساهلوا في مثل هذه الأمور، يكثرون السؤال والنبي -عليه الصلاة والسلام- نهى عن السؤال، وكان الصحابة يعجبهم أن يأتي العاقل من أهل البادية يسأل فيستفيدون، فمثل هذا الأسئلة عما لم يقع كان مكروهًا عند السلف، إلا أن أهل العلم رأوا الفائدة والمصلحة في تمرين الطلاب على تشقيق المسائل وتفريعها ولو لم تقع، لمجرد التمرين، فهذه مصلحة راجحة عند أهل العلم، وتمرين الطالب غير كون العامي يسأل عما لم يقع، يتكلف شيئًا لم يقع، أما تمرين طالب العلم ليؤهل أن يكون عالمًا ينفع الأمة فلا يدخل في مثل هذا، نعم.
"حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا هشيم عن إسماعيل بن سالم عن حبيب بن أبي ثابت قال: "من السنة إذا حدث الرجل القوم أن يقبل عليهم جميعًا، ولا يخص أحدًا دون أحد".
نعم يقول: من السنة، حبيب بن أبي ثابت، هذا تابعي وإلا تابع تابعي وإلا..؟ من الأتباع؟ ماذا يصير خبره؟ معضل، وإذا قال: من السنة؟ إذا قال الصحابي: من السنة معروف أنه له حكم الرفع.
قول الصحابي: من السنة أو |
| نحو أمرنا حكمه الرفع ولو |
إذا قال الصحابي: من السنة فحكمه الرفع، لكن إذا قاله التابعي؟ يحتمل أن يكون سنة النبي -عليه الصلاة والسلام- أو سنة من بعده من الخلفاء، وسالم يقول: "وهل يريدون بالسنة إلا سنة النبي -عليه الصلاة والسلام- كما في الصحيح".
على كل حال هذا خبر مقطوع يحتمل أن يكون سنة من أدركه من أهل العلم، أو من الولاة الذين يخطبون بالقوم، أو يحدثون القوم.
"من السنة إذا حدث الرجل القوم أن يقبل عليهم جميعًا، ولا يخص أحدًا دون أحد" نعم يعني على العالم أن يقسم بين طلابه بالسوية، فينظر إليهم جميعًا، نعم، إذا تيسر له ذلك، أما إذا كثر الجمع، وبعد من عن اليمين والشمال بحيث يشق عليه، المقصود أنه لا يخص بحديثه واحد بعينه فيغار بقية الطلاب، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((إنما أنا قاسم)) والقاسم عليه العدل في القسمة، نعم، ((والله المعطي)) فيقسم عليهم جميعًا، يقبل عليهم جميعًا، ويعتني بهم جميعًا، ولا يخص أحدًا دون أحد، لا سيما إذا كان بحضور الآخرين، لكن لو مدح الشيخ كتابًا أو سئل عن كتاب وأثنى عليه وأشاد به، والطلبة جمع غفير لا يستطيع أن يؤمن الكتاب لهم، فانقسم الطلاب منهم من غادر الدرس يبحث عنه في المكتبات، ومنهم من بقي قال له الشيخ: ترى موجود في المكتبة الفلانية، ومنهم من خواص الشيخ قال: عندي لكم نسخ، وبين للجميع أهمية الكتاب، ووضح لهم أنهم يحتاجون هذا الكتاب، بعض الطلاب صار يتخبط يمشي الرياض أخذ له يوم يومين يبحث في المكتبات عن هذا الكتاب، وبعضهم الذين بقوا قال لهم: تروا في المكتبة الفلانية، فأراحهم، ساعة وهم راجعون أو نصف ساعة، بعض من حوله من الطلاب الذين لهم اتصال به مباشر، قال: عندي لكم نسخ، هل يكون ظلم بعضهم على حساب بعض؟ البيان المطلوب للجميع بين، ولا يلزم أن يؤمن الكتاب للجميع، أو يدل الجميع، لكن من النصيحة إذا أمكنه أن ييسر على الجميع، ومن تمام النصيحة والفضل أيضًا أن يسعى في تأمينه لهم، لكن إذا ما تيسر؟ هذا لا يلزمه، نعم.
"حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا وكيع عن أبي كيران قال: سمعت الشعبي قال: "إذا سمعت شيئًا فاكتبه، ولو في الحائط".
نعم الشعبي مر بنا أنه لا يكتب، ما كتب سوداء على بيضاء، فيحث غيره بالكتابة، والذي يحث على الكتابة الذي يحتاج إليها، الذي لا يحفظ من أول مرة، الذي يسمع الشيء ولا يحفظه، مثل هذا يؤمر بالكتابة ولو في الحائط، إذا لم يجد عنده ما يكتب به من قرطاس ونحوه، فلا تضيع الفائدة، ولا يضيع العلم، يكتب الفائدة، لكن ليس معنى هذا أننا نكتب في الحائط ما يكتب الآن في أسوار الناس وبيوتهم من كلام ساقط وبذيء، لا، هذا لا يجوز بحال، هذا اعتداء، هذا لو كان مباحًا ما يجوز، لو كان كلامًا مباحًا ما يجوز، لكن العلم خشية أن يضيع، وهذا للمبالغة، للمبالغة في تقييد العلم، اقتناص الفوائد والشوارد والمحافظة عليها، نعم.
"حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا أبي عن عبد الله بن حنش قال: "لقد رأيتهم يكتبون على أكفهم بالقصب عند البراء".
فيها ألف عندك؟
طالب: إي نعم "لقد رأيتهم يكتبون على أكفهم بالقصب عند البراء"
أو البرء؟
طالب: هكذا عند البراء.
البراء أو البرء؟ ماذا يكون معناه؟
طالب: البراء وإلا البرء؟ البراء أليس الصحابي؟ يسمعون الحديث في مجلس البراء فيكتبونه؟
مجرد ما يلبث، هل المقصود صحيح وإلا غير صحيح؟ نعم.
طالب........
نعم؟ البراء وإلا البرء؟
طالب:.......
ما معنى البرء؟
طالب: الشفاء من المرض؟
لا، لا، أنا ذهب ذهني إلى شيء ما أدري يمكن أنه يصير صوابًا؟ أنهم يجربون القلم -قلم القصب- إذا بري، يجربونه بالأكف هل انضبط وإلا ما انضبط؟
طالب: يعني عند البري؟
نعم، لكن أصلها مهموز.
طالب:.......
هذا الذي اتجه إليه فهمي، والله أعلم، إن كان من الآخذين عن البراء يمكن، كما يكتب عند أبي هريرة يكتب عند البراء، لكن كتابة بالأكف ما تحتمل كتابة أحاديث، وإلا كتابة..، لكن يمكن أن يجرب بها القلم ممكن بعد بريه وإعداده يمكن، القصب -قلم- قلم القصب، القلم القصب معروف، نعم.
طالب:.......
ما أدري عند البرء الذي هو البري، تخفيفه وتسهيله بالبري، برى القلم يبريه أو..، ما أدري، مهموز أصله أو لا؟ هذا الذي ذهب إليه فهمي، وبمراجعة المصادر يمكن يتبين، نعم، وعلى كل حال هو أثر، يكتبون على أكفهم، مستحيل يكتبون أحاديث بأكفهم، نعم، اللهم إلا إذا كتبوه في وقت ما عندهم قرطاس، ثم ذهبوا نقلوه لئلا ينسى ممكن، على كل حال هذا من حرصهم على الكتابة، نعم.
"حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا وكيع عن عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "قيدوا العلم بالكتاب، من يشتري مني علمًا بدرهم".
والذي بعده مثله.
"حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا وكيع قال: حدثني المنذر بن ثعلبة عن علباء، قال: قال علي -عليه السلام-: "من يشتري مني علمًا بدرهم؟"، قال أبو خيثمة: يقول: يشتري صحيفة بدرهم يكتب فيها العلم".
لا يبيعون العلم، وجمهورهم لا يأخذ على التحديث أجرًا، وإنما يشترون هذا العلم، يعني تكلفة هذا العلم، قد يكلف مثلًا حضور الدرس عند فلان من الناس مبلغًا، ويراد بذلك ما يحتف به، وما يحتاج إليه، يحتاج إلى قلم، يحتاج إلى دفتر، يحتاج إلى كتاب، تراجع حساباتك، هل هذا الشيخ عنده من العلم ما يكلف بمقدار ما يعلمنا به؟ الآن -ولله الحمد- توسعت الدنيا والتعليم مجان، لكن في السابق مثلًا يذكر أن الطلاب يأتون إلى الشيخ ليقرؤوا عليه في الكتاب، فيقول مثلًا: هذا اليوم كل واحد منكم يجيب درهم للقربة، قربة الماء، اليوم الثاني تحضرون درهم من أجل الرمل الذي يفرش به المدرسة، درهم للبسط، درهم لكذا، ورأى المسألة موازنة، من يشتري العلم بثلاثة دراهم عند هذا؟ المسألة ما نتصور أن المسألة درهم لو تعطيه ولدك وإلا شيء ريال، ريالين، عشرة ما ترضيه، الآن -ولله الحمد- الأمور متيسرة، لكن في وقت الدرهم يحتاج إليه، يفك أزمة، فإذا كان هذا العلم لا يساوي درهمًا عند هذا الشيخ، الحضور عنده مضيعة وقت، لكن بعض أهل العلم من يكون العلم عنده بخزائن الأرض، كما فعل طاووس، أهدى لعكرمة نجيبًا بستين دينارًا، عكرمة مولى، يقول الحاضرون: تهدي مولى ستين دينارًا يكفيه نجيبًا بدينارين أو ثلاثة، قال: لا، لا، ألا أشتري علم ابن عباس بستين دينار؟ يُشترى علم ابن عباس بميزانيات الدول، وما ستين دينارًا؟ المسألة مسألة علم، يعني رفعة في الدنيا والآخرة.
فمن يشتري علمًا بدرهم؟ هو محتاج إلى قلم وورقة وشيء من هذا كلها ما تساوي درهمًا، وهذا من باب التنشيط على طلب العلم، درهم ما هو بالنسبة للعلم؟
"قال أبو خيثمة: يقول: يشتري صحيفة بدرهم يكتب فيها العلم" فيكون هذا العلم كلفه درهمًا، الناس في أمور الدنيا يحسبون حساباتهم وميزانياتهم كذا، وينظرون في الربح والخسارة معقولة، لكن في العلم فهو ربحان على أي وجه، تقول: والله العلم يكلفنا كتبًا، يكلفنا مسجلًا، وأشرطة، وتعبًا، وذهاب وعودة، وبنزين وأوقات، يا أخي ما هو هذا بالنسبة لما تستفيده من علم؟ هذا لا شيء، هذا لا شيء بالنسبة لما تستفيده من علم، نعم.
"حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا وكيع عن ابن عون عن محمد قال: "قلت لعبيدة: أكتب ما سمعت؟ قال: لا، قلت: إن وجدت كتابًا أقرؤه؟ قال: لا".
نعم هذا عن عَبيدة بن عمرو السلماني، يقول: أكتب، يسأله عن محمد قال، محمد ابن؟
طالب: سيرين.
نعم التابعي الجليل محمد بن سيرين، يسأل عبيدة: أكتب ما سمعت؟ قال: لا، لماذا؟ لأنك إذا كتبت اعتمدت على الكتابة فأهملت الحفظ، قال: إن وجدت كتابًا أقرأه؟ قال: لا، احفظ، لا تعتمد على الصحف، ولا على الكتب؛ لأنك إذا اعتمدت على كتابتك نسيت الحفظ، إذا اعتمدت على كتاب غيرك لا تأمن التحريف والتصحيف، فالذي يعتمد على الكتب لا شك أنه يقع في شيء من التصحيف والتحريف، والذي لا يعتمد على الأخذ من أفواه الشيوخ هذا يكثر عنده الخطأ، شيخ من الكبار يقرأ في ترجمة راوٍ: روى عن فلان وفلان وعنه سلمة بن كهبل، نعم؟ ابن كهيل، يقول: ابن كهبل، وهو من الكبار -والله- أنه من الكبار الذي تولوا إفتاء الناس، لكن هذا سببه ماذا؟ ما أخذ من الشيوخ، ما تلقى عن الشيوخ، أخذ هذا العلم من الصحف، فكونه يعتمد على كتاب يقرأه لا، نعم إذا تأهل وصار عنده ملكة وخبرة ودربة على معرفة كيف يقرأ الكتب؟ ويعرف الرجال؛ لأن معرفة الرجال من أشق الأمور؛ لأنها أمور توقيفية، لا بد تسمعها، لا بد..، إن لم تسمعها تذهب إلى كتب الضبط التي تضبط لك اسم هذا الرجل، أما تقرأ من كتاب يحتمل تصحيفًا، يروح نقطة خلاص، انتهى،.... يضحك عليك.
طالب: مثل عَبيدة.
مثل عبيدة لو يضبط بضم العين الذي يقرأ على *(كلمة غير مفهومة 30:54) يبغي يضم العين، فلا بد من العناية بالأخذ من أفواه الشيوخ المتقنين، ومراجعة الكتب التي تُعنى بالضبط ككتب المشتبه، كتب المشتبه، وكتب المؤتلف والمختلف، والمتفق والمفترق، لا بد من مراجعتها، ومن كان علمه من كتابه كان خطأه أكثر من صوابه.
وإذا انتقدوا شخصًا قالوا: علمه من الكتب، من الصحف، هذا يقع في المضحكات، نعم.
"حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا وكيع عن شريك قال: "سمعت شيخًا فحليته، فقالوا: ذاك أبو ضمرة، قال: رأيت حمادًا يكتب عند إبراهيم عليه كساء له أنبجاني، وهو يقول: والله ما نريد به دنيًا".
يقول: "رأيت حمادًا يكتب عند إبراهيم -حماد بن أبي سليمان الفقيه، يكتب عند إبراهيم النخعي- عليه كساء له أنبجاني" أنبجاني هذا رفيع وإلا وضيع؟ نعم.
طالب:.......
في حديث الإنبجانية، في حديث أبي جهم أو أبي جهيم، ماذا طلب النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ ما الذي أهدي له في أول الأمر فشغله في صلاته ثم طلب، طلب ماذا؟ إذًا الإنبجانية أقل.
طالب:.......
لا هي الإنبجانية كساء غليظ، ولم يكن من صوف "وهو يقول: والله ما نريد به دنيًا" ما نريد بعلمنا الدنيا، لا نريد بعلمنا الدنيا، فالإنسان يحضر الدروس متواضعًا، وقد حج النبي -عليه الصلاة والسلام- على رحل، وحج أنس بن مالك على رحل، ولم يكن شحيحًا، إنما تواضعًا لله -جل وعلا-، الرحل مركوب متواضع، ولم يكن شحيحًا، إنما تواضعًا لله -جل وعلا-، وحج النبي -عليه الصلاة والسلام- على رحل.
وهنا أوساط الناس يبحثون عن الحملات المريحة، التي تهيئ لهم كل شيء على حد الزعم، حملات بألوف مؤلفة، يعني ذُكر مبالغ لا تخطر على البال، لماذا؟ أنت ذاهب لعبادة انكسار بين يدي الله -عز وجل-، تواضع لتقرب من الله -جل وعلا-، أما أن تتكبر وتتبختر، وفي النهاية أنا أخذت أنا سويت، أنا حجيت مع الحملة الفلانية بمبلغ كذا، الحملة الفلانية..، ما الكلام هذا؟ أين أنت ذاهب؟ كذلك الذين يذهبون في رمضان إلى الأماكن المقدسة من أجل العبادة، يقول: أنا والله إن ما لقيت فندق خمسة نجوم ما سكنت، ما يناسبني، كيف يجتمع قلبك وأنت في فندق مزخرف ويمكن يسكنه ناس ما هم على الشرط الذي تريد؟ يعني الإنسان عليه أن يقرب في أموره كلها، ويتواضع في أموره كلها ليقرب من الله -جل وعلا-؛ لأن الانكسار والتذلل والخضوع والتواضع بين يدي الله هذا الذي يقربك من ربك، أما تقول: والله أنا ألبس أفخر الملابس، وآكل وأفعل وأركب وكذا وكذا؟ لا، المسألة أقل من ذلك.
الإمام أحمد يقول: نعل دون نعل حتى نصل الجنة، النعل يوطأ بالرجلين وبالتراب، وبعض الناس يشتري أنا رأيت -يا إخوان- فاتورة، فاتورة حذاء في محل بسبعة آلاف ريال، سبعة آلاف ريال فاتورة حذاء، لكن كما قال الإمام: "نعل دون نعل حتى نصل الجنة" ماذا يصير؟ كل شيء له ضريبة، إذا اهتم الإنسان بهذه الأمور أضاع أمور كثيرة جدًّا ما وُفق لها، وعلى الإنسان أن يتوسط في أموره كلها، في ملبسه في مأكله لا يزدرى ولا يتهم، ولا بعد يزاول شيئًا لا يطيقه؛ لأن بعض الناس نفسه رفيعة لا يطيق بعض الأمور، بعضهم يتكلف ما لا يطيق غير صحيح، لكن في الجملة الإسراف مذموم {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} [(29) سورة الإسراء] فالأمور..، خير الأمور أوسطها، نعم.
"حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا الحكم بن عطية عن ابن سيرين قال: "كانوا يرون أن بني إسرائيل إنما ضلوا بكتب ورثوها".
نعم بنو إسرائيل إنما ضلوا بكتب محرفة، محرفة ورثوها، وكتب تروى بدون أسانيد، لا خطوم لها ولا أزمة، ورثوا هذه الكتب لا يدرون ما مصادرها؟ وما رواتها؟ بخلاف هذه الأمة المحمدية التي من خصائصها الرواية بالأسانيد، أنه لا يمكن أن تعمل بشيء حتى يثبت عندها، أولئك إذا سمعوا أدنى خبر عملوا، ثم يسمع خبرًا ثانيًا يعمل به، ثم ثالثًا وهكذا، إما من كتاب سماوي محرف، أو من أخبار تذكر عن أتباع الأنبياء لا خطام لها ولا زمام، تروى بدون أسانيد فضلوا بعملهم في هذه الكتب، نعم.
"حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا وكيع عن طلحة بن يحيى عن أبي بردة قال: "كتبت عن أبي كتابًا فظهر علي فأمر بمركن، فقال: بكتبي فيها فغسلها".
عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، يقول: "كتبت عن أبي كتابًا -يعني من مرويه ومن علمه- فظهر علي -ورأى الكتاب بيدي- فأمر بمركن" مركن: إناء يغسل فيه الثياب مثل الطشت وإلا الطنجرة وإلا شيء "فقال: بكتبي فيها فغسلها" مثل ما يغسل الثياب، يعني محا الكتابة؛ لأنهم..، كأن كتابته عن أبيه من علم أبيه ومن فقه أبيه، لا يريد له أن يعتني بفقه أبيه -علم أبيه- وينشغل به عن نصوص الكتاب والسنة، فطالب العلم عليه أن يعنى بنصوص الوحيين الأصل، نعم.
"حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا وكيع عن عمران بن حدير عن أبي مجلز عن بشير بن نهيك قال: "كتبت عن أبي هريرة كتابًا فلما أردت أفارقه قلت: يا أبا هريرة إني كتبت عنك كتابًا فأرويه عنك؟ قال: نعم اروه عني".
نعم هذا كتب عن أبي هريرة من علمه بشير بن نهيك، تقدم، كتب عن أبي هريرة، واستأذنه في أن يرويه عنه؛ لأنه ما كل العلم يتاح للرواية والنقل؛ لأن بعض التعليقات لبعض الناس لا يريدون أن تنتشر عنه، ولا يريد شيئًا من هذا العلم ينسب إليه، من باب التحري، ومن باب الورع، وبعض الناس يقول: اسمعوا ولا ترووا بس، نعم، لكن إذا حدث المحدث بحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسمعه منه المتلقي، هل له أن يمنع من روايته عنه؟ ليس له ذلك، فلو قال: لا ترووه عني، يروى عنه، ولو خص بعضهم قال: أنت لا تروي عني، لا يمتثل، إلا إذا قال: أخطأت، هذا الحديث ليس من روايتي، أخطأ في هذا الحديث، فلا تجوز الرواية عنه حينئذٍ، هنا استأذن أبا هريرة "فأرويه عنك؟ قال: نعم اروه عني" نعم.
"حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا جرير عن مغيرة عن إبراهيم قال: قال عبد الله -رضي الله تعالى عنه-: "إنكم لن تزالوا بخير ما دام العلم في ذوي أسنانكم، فإذا كان العلم في الشباب أنف ذو السن أن يتعلم من الشباب".
نعم هذا عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- يقول: "إنكم لن تزالوا بخير ما دام العلم في ذوي أسنانكم" نعم إذا كان العلم عند الكبار الذين يقنع بهم من دونهم، ويكون كلمة إجماع بالنسبة لمن دونهم بحيث لا يأنفون من الأخذ عنهم؛ لأن الأقران يكون بينهم ما يكون، فيأنف الإنسان أن يأخذ عن قرينه فضلًا عن أن يأخذ ممن هو دونه، فإذا كان العلم عند الأحداث كبار السن يأنفون في الأخذ عنهم، وهذه النفوس مجبولة على هذا، لكن لا ينبل الإنسان ولا يكمل حتى يأخذ عمن هو مثله ومن فوقه ومن تحته، التواضع لا بد أن تكون سمة العالم وطالب العلم، يأخذ العلم من أي شخص يوجد عنده، ولا يأنف أن يروي عن الصغير، ولا يأنف أن يأخذ عن الكبير، أما هو في الغالب أنه إذا كان عند الأحداث صغار الأسنان، هؤلاء يأنف الكبار جبلة، يعني خلقة، يأنفون من الأخذ ممن هو دونهم، وقد يتهمونهم بالعجلة، وعدم الحنكة، وهؤلاء ما حنكتهم التجارب، ولا عصرتهم الأيام ولا كذا، يتعللون بهذا فلا يؤخذ العلم عنهم، لكن ما العذر إذا كان العلم عند أكبر شخص في البلد؟ ما يأنف أحد، ومر بكم نماذج تكاد تكون إجماع من الناس، ما في أحد يأنف أن يأخذ العلم عن ابن باز أبدًا، إجماع بين الناس، وكذلك علماؤنا وشيوخنا الكبار ما في أحد يأنف عنهم، لكن وجد شخص صغير إما أن يحذر منه بسبب أو بغير سبب، قد يقول قائل: من باب الحسد مثلًا، وبمثابة أولاده كيف جمع العلم؟ متى حصل؟ من شيوخه؟ ما له شيوخ، ما له كذا، هذا في الغالب يبعث عليه شبه حسد، وقد يكون كلام بعض الناس من حسن نية، يعني ليصرف الطلاب عن هذا الشاب إلى الكبار؛ لأن الكبار في الغالب هم الذين يفوت علمهم بوفاتهم، والصغير هذا ملحوق عليه، لكن في سلف هذه الأمة نماذج من الصغار تلقى عنهم الكبار، مالك جلس للتحديث قبل العشرين، وازدحم الناس عليه، ما المانع؟ يعني إذا تميز صار الشخص متميزًا بارعًا وهو صغير يأخذ عنه، فمتى احتيج إلى العالم عليه أن يجلس للتعليم صغيرًا أو كبيرًا، فمثل هذا ليس على إطلاقه، لكن في الجملة أن الناس يأنفون من الأخذ عن الصغار، نعم.
"حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا الفضل بن دكين قال: حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن علقمة قال: "ما سمعته وأنا شاب فكأني أنظر إليه في قرطاس أو ورقة".
لا شك أن الحفظ في الصغر والتعلم في الصغر كالنقش في الحجر، ويستمر مع الإنسان إلى وفاته، إن لم يختلط قبل ذلك، يستمر معه هذا المحفوظ، وقد يستمر معه بعد الاختلاط، إذا تلقاه في الصغر، أما ما تلقاه بعد ذلك فيضبط منه ما يضبط، وما احتاج إليه، وما كرره، وما راجعه، وما ذاكر فيه يثبت، أما الباقي ينساه، وذكرنا فيما سبق أن كثيرًا من طلاب العلم يذكرون ما تلقوه في المعاهد أكثر مما يذكرون مما تلقوه في الكليات؛ لأن في المعاهد وقت الحفظ، وقت التحصيل الصحيح بالحفظ والتخزين، يعني في وقت المراهقة، هذا أنسب وقت للحفظ، ثم بعد ذلك يضعف، نعم يزداد الفهم ويصح التصور بعد ذلك، لكن الحفظ يضعف قليلًا، لكنه في النهاية بعد عشرين، ثلاثين، أربعين، خمسين سنة يذكر ما حفظه في الصغر، وليكن من طلاب المعاهد يحفظ ما حفظه في المعاهد، والمعاهد فيها متون مباركة يؤسس ويؤصل عليها طالب العلم، وما زالت -ولله الحمد- بهذه المثابة، وإذا انتقل من هذه المرحلة إلى مرحلة تليها هو أيضًا ما زال في قوة الشباب ونشاط الشباب، لكن حفظه أقل مما سبق.
يقول: "ما سمعته وأنا شاب فكأني أنظر إليه في قرطاس أو ورقة"؛ ولذا تجدون الإنسان إذا هرم أو خرف يكون المسح للأقرب فالأقرب في ذهنه، أبدًا، الأقرب فالأقرب حتى يأتي إلى آخر ما هو في أول أمره، يعني الذي سمعه العام الماضي هذا ما فيه إشكال ما هو مستحضره أو اليوم أو أمس أو العام، أو الذي قبله، أو الذي قبله، إلى أن يأتي إلى العصر الذهبي بالنسبة لعصر الشباب، يعني يذكر منه شيئًا، ثم يبدأ يمسح يمسح إلى أن ينتهي، يطبق، وهذا موجود في المختلطين، يعني آخر ما ينسى ما عرفه في الصغر، وما حفظه في الصغر.
فيه من المختلطين من يبدأ بالنسيان في الأمور العامة ثم الأقرب فالأقرب إلى أن يبدأ –وهذه حكمة- بنسيان أصغر أولاده، ثم الذي يليه، إلى أن يبقى الكبير، هذا آخر ما ينسى، وهذا حاصل لماذا؟ لأن هذا الكبير معه في وقت شبابه، هؤلاء ما جاءوا إلا بعد، فإذا كان هذا في أولاده الذين في بيته، فكيف بالعلوم والمعارف التي سهل النسيان؟ فقط افتح له مجالاً وتطير، بدون مذاكرة العلم لا يثبت، فحياة العلم المذاكرة، نعم.
"حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن عبد العزيز بن أبي رواد عن عبد الله بن عبيد قال: "العلم ضالة المؤمن، كلما أصاب منه شيئًا حواه، وابتغى ضالة أخرى".
نعم العلم شارد، الأصل أنه ما هو بعندك، فأنت تبحث عنه كلما وجدت من هذه الضوال أضبط وأتقن واحفظ وجود، وتصور، وصور، وحرر، وابحث، أتقنها، إذا حويتها وضمنتها ابتغِ ضالة أخرى، لكن الذي يجمع مسائل كثيرة من غير تحرير ولا تحقيق وكذا هذا كله يطير جميعًا، لكن العلم بالتعلم وبالتدريج، إذا ضبطت هذه المسألة وأتقنتها انتقل إلى التي تليها، وهكذا إذا أتقنت علمًا فابتغِ ما وراءه، نعم.
"حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا جرير عن منصور عن إبراهيم قال: "كانوا يكرهون أن توطأ أعقابهم".
نعم، هذا تقدم ما يشهد له في معناه من الموقوف والمرفوع "كانوا" يعني الصحابة إذا قال التابعي: "كانوا" فهو يريد بهم الصحابة "يكرهون أن توطأ أعقابهم" بأن يمشى خلفهم، بل من يمين ومن شمال، ليس من المناسب أن الإنسان يترك الناس يمشون وراءه، إنما إذا كانوا عن يمينه وعن شماله فهذا هو الأصل، نعم.
"حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا جرير عن منصور عن إبراهيم قال: "كانوا يجلسون ويتذاكرون العلم والخير، ثم يتفرقون لا يستغفر بعضهم لبعض، ولا يقول: يا فلان ادعُ لي".
نعم "كانوا" مثلما تقدم في الغالب الصحابة "يجلسون ويتذاكرون العلم" فإذا انتهى، يتذاكرون العلم "والخير" إذا انتهى الدرس تفرقوا، وعرفنا أنه ينبغي لهم في هذه الحالة أن يتذاكروا ما سمعوه من الشيوخ في الدرس، ثم إذا تذاكروه، يقول: "ثم يتفرقون لا يستغفر بعضهم لبعض" لا يطلب أحد من بعض أن يستغفر له "ولا يقول يا فلان ادعُ لي" هذا الغالب؛ لأنهم بمنزلة واحدة، لكن إذا وجد من هو متميز، مثل عمر، أو مثل أويس، يعني ممن ترجى إجابة دعوته فلا يوجد في النصوص ما يمنع من ذلك، بل يوجد ما يدل عليه، إذا كان شخص متميزًا، أما إذا كان مثلك -والله المستعان- ادعُ لنفسك، وإذا دعا لك بظهر الغيب، وإن طلبت له أن يدعو لك بظهر الغيب ما المانع؟ لأن هذا مطلب من مطالب الشرع، دعاء المسلم لأخيه بظهر الغيب مطلوب شرعًا، نعم فطلب المطلوب مطلوب، لكن إذا وجد شخص متميز كـ "أويس" مثلًا مجاب الدعوة، أو من في منزلته من العلم والعمل والورع ترجى إجابته ما فيه ما يمنع؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- كما في صحيح مسلم أوصى كبار الصحابة حتى عمر أوصاه إذا جاء أويس أن يستغفر له، وقال لعمر: ((لا تنسنا يا أخي من دعائك)) وهذه مسألة معروفة عند أهل العلم في المتميزين الذين ترجى إجابتهم، أما عموم الناس فيتفرقون ولا أحد يطلب من أحد، الذي ما له مزية ما يطلب منه، نعم.
طالب:.......
الغالب أن التابعي إذا قال: كانوا، هذا الأصل يعني الصحابة، لكن إذا عُرف بمعرفة أو ملازمة قوم لهم وصف معين يشملهم وصف معين فهم أقران، نعم.
طالب: إبراهيم؟
إبراهيم النخعي، يعني في الغالب إما الصحابة الذين أدركهم، أو أصحاب ابن مسعود الذي هو ألصق بهم.
طالب:.......
الذي يظهر، نعم.
أحسن الله إليكم:
"حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن منصور عن إبراهيم قال: "كانوا يكرهون الكتاب".
نعم يكرهون الكتاب، أن يدون الطالب مروياته خشية أن يعتمد عليه فيضعف حفظه، أو يعتمد على كتاب غيره فيقع في التصحيف والتحريف، كما مضى معناه مرارًا، نعم.
"حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا جرير عن منصور عن إبراهيم قال: "لا بأس بكتاب الأطراف".
وهذا تقدم، أطراف الأحاديث التي يتذكر بها طالب العلم بقيته، قد يكون عنده الورق ما يستوعب كتابة الأحاديث، أو الوقت لا يستوعب فيذكر طرف الحديث ليتذكر به، وهذا مثل ما نكتب العناصر، عناصر خطبة، أو عناصر درس وإلا شيء، تتذكر بها ما تريد الكلام فيه، نعم.
"حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا الحسن بن موسى قال: حدثنا ابن لهيعة قال: حدثنا دراج عن بن حجيرة عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((مثل الذي يعلم العلم ولا يحدث به كمثل رجل رزقه الله مالًا فلم ينفق منه)).
هذا مضى أيضًا هذا الخبر، مثل الذي يعلم العلم، يحصل شيئًا من العلم ولا يحدث به هذا مثل رجل رزقه الله مالًا فلم ينفق منه، يعني مع الفارق إذا وجد الإنفاق من صاحب المال ووجد الإنفاق من صاحب العلم، العلم لا شك أنه تزيده النفقة، وأما المال فتنقصه النفقة ولو ظاهرًا، وإن كانت تزكية وتنمية وتطهير للمال، لكن المسألة مسألة الظاهر، إذا أخذت من الألف مائة وأعطيتها فقيرًا نقص مائة، لكن وإن كان في باطن الأمر أن المال ينمو ويزكو، لكن هذا نقص حقيقي مشاهد وملموس، لكن العلم إذا أنفقت منه ينقص؟ لا، يزيد، فالعلم تزيده النفقة، والمال ينقص بها، كما قرر ذلك ابن القيم من المقارنة التي عقدها بين صاحب العلم وصاحب المال.
يقول: مثل الذي يعلم -هذا البخيل- الذي يعلم يتعلم العلم ويتعب عليه، ثم بعد ذلك لا يعلمه الناس مثل هذا بخيل، نعم.
"حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا جرير عن مغيرة عن إبراهيم عن علقمة قال: "اطلبوا ذكر الحديث لا يدرس".
تمت أحاديث أبي خيثمة، والحمد لله رب العالمين.
نعم ذكر الحديث يعني مذاكرته ومدارسته، مع الأقران فإذا طلبت مذاكرته ومدارسته بين الأقران وفعلوا ذلك، فإنه لا يدرس، ولا ينمحي، ولا ينسى من الصدور، لكن يمحى إذا ترك، وينمو ويزكو بالتعاهد والإنفاق والتعليم، مثل هذا لا شك أنه ينمو العلم؛ ولذا لا ينبغي لمن كان عنده شيء من العلم أن يضيع نفسه، يعني شخص متميز معروف بالحفظ والفهم يتخرج من الكليات الشرعية وقد حصل شيئًا من العلم، ثم بعد ذلك يتوظف بوظيفة إدارية كتابية لا تمت إلى العلم بصلة، هذا بضع سنوات وهو راجع عامي، لكن زميله الذي يُسر له التعليم، ويسر له التأليف مثل هذا يتابع العلم، ويزكو علمه وينمو، ويدرك -إن شاء الله تعالى-.
في زوائد خمسة أحاديث مرفوعة من زوائد البغوي على أبي خيثمة، هذه تسمى زوائد، والاصطلاح في مثل هذه الزوائد أن الراوي يزيد في الكتاب ما ليس من أصله، يعني من غير طريق صاحب الكتاب، من غير طريق صاحب الكتاب، كما في زوائد عبد الله بن أحمد على المسند، وزوائد القطيعي، والزوائد كثيرة.
نقرأها وإلا..؟
طالب:.......
لو نقرأها سردًا ونعلق عليها بما تيسر، اقرأ جميعًا.
"حدثكم أبو حفص إبراهيم الكتاني المقرئ -هو الراوي عن البغوي كما تقدم في إسناده، نعم- قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال: حدثنا محمد بن خلف بن هشام البزار ومنصور بن أبي مزاحم ومحمد بن سليمان الأسدي قالوا: حدثنا مالك بن أنس عن الزهري عن أنس -رضي الله عنه- قال: "دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- مكة وعلى رأسه المغفر، فلما نزعه قيل: هذا ابن خطل متعلق بأستار الكعبة، قال: ((اقتلوه)).
حدثنا عبد الله قال: حدثنا أبو نصر التمار قال: حدثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن أنس -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: ((اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، وعمل لا يرفع، وقلب لا يخشع، وقول لا يسمع)).
حدثنا عبد الله قال: حدثنا عبد الأعلى بن حماد النرسي قال: حدثنا حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة عن أبي صالح عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يخرج إلى صلاة الفجر ورأسه يقطر من جماع لا احتلام، ثم يصوم".
حدثنا عبد الله قال: حدثنا سريج بن يونس قال: حدثنا هشيم قال: حدثنا حميد عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يتمنى أحدكم الموت فإن أحدكم لا يزداد كل يوم إلا خيرًا)).
حدثنا عبد الله البغوي قال: حدثنا أبو عمران الوركاني قال: حدثنا سعيد بن ميسرة البكري عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا صلى على جنازة كبر عليها أربعًا".
تمت الأحاديث، والحمد لله رب العالمين، وصلاته على نبيه محمد وآله أجمعين.
صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد.
هذه الزوائد التي ذكرها الراوي، راوي الكتاب عن صاحبه البغوي جرت في العادة بأنه إذا كان طريق الرواية العرض أن يقال للشيخ: حدثكم فلان، لتعرض عليه، وهل يشترط أن يقول في النهاية: نعم أو لا يشترط؟ اشترطه بعض أهل الظاهر، والجمهور على عدم اشتراطه، فإذا سكت يكفي.
"حدثكم أبو حفص إبراهيم الكتاني المقرئ قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي" الراوي عن أبي خيثمة "قال: حدثنا محمد بن خلف" الكتاب كله يرويه عن أبي خيثمة هذه الزوائد لا تكون من طريق صاحب الكتاب "حدثنا محمد بن خلف بن هشام البزار ومنصور بن أبي مزاحم ومحمد بن سليمان الأسدي قالوا: حدثنا مالك بن أنس عن الزهري عن أنس قال: "دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- وعلى رأسه المغفر" يعني في فتح مكة، دخل وعلى رأسه المغفر، دل على أنه غير محرم "فلما نزعه قيل له: هذا ابن خطل" لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أهدر دم بعض الناس ومنهم ابن خطل "متعلق بأستار الكعبة" يظن أن الكعبة تعيذه من إهدار الدم، فأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بقتله، "فقال: ((اقتلوه))".
ثم قال: "حدثنا عبد الله قال: حدثنا أبو نصر التمار قال: حدثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن أنس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: ((اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع)) العلم الذي لا ينفع وبال على صاحبه، شقاء في الدنيا والآخرة "اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، وعمل لا يرفع" كذلك تعب، لا فائدة فيه "وقلب لا يخشع" القلب القاسي، أبعد القلوب من الله القلب القاسي الذي لا يخشع، "وقول لا يسمع" القول الذي لا يسمع ضياع، كل هذه أمور هباء لا قيمة لها، إن لم تضر ما نفعت.
"قال: حدثنا عبد الله قال: حدثنا عبد الأعلى بن حماد النرسي قال: حدثنا حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة" عاصم بن أبي النجود القارئ المعروف، إمام من أئمة القراء، وفي حفظه شيء من الضعف، في حفظه سوء "عن أبي صالح عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يخرج إلى صلاة الفجر ورأسه يقطر" يعني من أثر الاغتسال بسبب جماع "لا احتلام ثم يصوم"؛ لأن النبي لا يحتلم كما هو معروف، وإذا أخر الغسل ولو بعد طلوع الفجر من الجماع صومه صحيح.
"قال: حدثنا عبد الله قال: حدثنا سريج بن يونس قال: حدثنا هشيم قال: حدثنا حميد عن أنس قال: لا يتمنى أحدكم الموت، فإن أحدكم لا يزداد كل يوم إلا خيرًا" فإذا كان الشهيد التي حصلت له الشهادة، وتأخر صاحبه عنه فاقه، فاقه لماذا؟ لأنه صلى صلوات، وذكر الله بأذكار، وصام رمضانات، مثل هذا لا يضيع عند الله -جل وعلا-، فقد يفوق فيه الشهيد، فلا ينبغي للمسلم أن يتمنى الموت؛ لأنه في كل يوم يزداد خيرًا، وخيركم من طال عمره وحسن عمله، لكن إذا خشي على نفسه الفتنة، وأنه سبب هذه الفتنة يخشى على رأس المال، على الدين، نعم فيضحى حينئذٍ ببعض المكاسب التي يستفيدها في عمره، فيقول: إن كان ولا بد فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي.
"يقول: حدثنا عبد الله البغوي قال: حدثنا أبو عمران الوركاني قال: حدثنا سعيد بن ميسرة البكري عن أنس قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا صلى على جنازة كبر عليها أربعًا".
وثبت في الصحيح أن النبي -عليه الصلاة والسلام- في يوم موت النجاشي نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه، فخرج بمن معه.....، فصلى عليه فكبر بهم أربعًا، وتكبيرات الجنائز مختلف فيها من تسع إلى ثلاث، لكن كأن الإجماع أو شبه الإجماع عند أهل العلم من فقهاء الأمصار استقر على الأربع.
"تمت الأحاديث، والحمد لله رب العالمين" يعني آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين "وصلاته على نبيه محمد وآله -وصحبه- أجمعين".
وأفرد الصلاة دون السلام، والأولى أن يأتي بهما معًا، امتثالًا لقوله -جل وعلا-: {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [(56) سورة الأحزاب] والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"هذه لها وقتها، وهذه لها وقتها، التبكير إلى الصلاة له أجره، والرواتب تصلى في البيوت أفضل، فيجمع الإنسان بينها، لا تشبه بيتك بالمقبرة التي لا يزاول فيها شيء من العبادات، ولا تجعل أيضًا المسجد مهجورًا لا تأتيه إلا دبار، تأتي إلى المسجد وأنت مقبل راغب نشيط من أول الأمر، تجيب داعي الله، وتجلس بعد الصلاة هذا الرباط، ومع ذلك تصلي الرواتب في البيت.
طرح علي أحد الأصدقاء سؤالًا أطرحه عليكم لعلي أجد الجواب عندكم، وهو يشتكي من نفسه حيث يقول: أنا محافظ على الصلاة وعلى حضور المحاضرات، وسماع المسجل، ومظهري مظهر أهل الخير، ولكن أجد عندي كثيرًا من المعاصي مثل إطلاق النظر، سهولة عمل المعصية إذا حانت الفرصة، كالزنا، نسأل الله السلامة والعافية، وأجد قسوة في قلبي ووحشة، وعدم الخشوع أبدًا بأي موقف من المواقف المؤثرة؟
على كل حال عليك أن تسعى لعلاج قلبك، ولا تعرض نفسك لهذه المعاصي التي أنت تزاولها، إذا كنت تطلق النظر، ولا تستطيع كف بصرك، وغض البصر فلا عليك إلا أن تفارق المجتمعات التي يوجد فيها النساء، سواءً كانت بحقائقها أو بصورها، وتصدق إلى ربك -جل وعلا-، وتتضرع إليه، وتدعو لنفسك في السجود، وفي جوف الليل، والله -سبحانه وتعالى- إذا علم منك صدق النية أعانك.
هذه الأجنبية إن كانت ذات بعل أو لها حقيقة في الوجود لا شك أن تخيلها يغري بها، إذا كانت حقيقة لها وجود، بنت الجيران، امرأة الجيران، امرأة فلان، أخت فلان، هذه تخيلها يغري بها فلا يجوز، أيضًا تكرار التخيل لا شك أنه يرسم في القلب رغبة، ويؤكد فيه عشق يصعب اجتثاثه، فعلى الإنسان أن يتغافل، ويرضى بما قنعه الله، ويطمع في نساء الجنة التي لا يوجد من يقاربها، ولا يدانيها.
من عرف الشيء تعين عليه تبليغه، إلا إذا قام به غيره.
وكيف الجمع بينها وبين قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((بلغوا عني ولو آية))؛ لأن أغلب الناس عنده علم من الدين قل أو كثر؟
أنا أقول: من عرف شيئًا من العلم عليه أن يبلغه إلا إذا قام به غيره.
إذا انتهى وقت الوتر ووقته ينتهي بطلوع الفجر، فإذا خشيت الصبح فأوتر، أو فصلي واحدة توتر لك ما قد صليت، هذا نهاية وقت الوتر، بعد نهاية وقت الوتر وأذان الصبح وطلوع الفجر يبدأ وقت النهي، إلى انتشار الشمس هذا وقت نهي، فلا يقضى في مثل هذا، ما رخص إلا في قضاء راتبة الصبح بعد صلاة الصبح، النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى من يقضيها فأقره، ثبت عن بعض السلف وبعض الصحابة أنهم يوترون بعد طلوع الصبح، لكن العبرة بما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- انتهى وتره إلى السحر، وقال: ((فإذا خشيت الصبح فصلي واحدة توتر لك ما قد صليت)) فمن أراد أن يقضي الوتر فعليه أن يقضيه بعد ارتفاع الشمس.
طالب:.......
مناسبته لكتاب العلم أن المعلم لا سيما الذي يأخذ أجرًا من بيت المال حكمه حكم القاضي، عليه أن يعدل بين طلابه.
يمكن في حلقة ما سمعتها أنت، على كل حال طفل الأنابيب فيه بحوث، وفيه فتاوى، ومن مجامع وهيئات علمية، لكن في البداية نقول: على المسلم أن يرضى ويسلم بما قدر الله له، ولا يدري أين الخير؟ هل هو بالإنجاب أو بالعقم؟ لا يدري أين الخير؟ فعليه أن يرضى ويسلم لما قدر الله، لعله أن يسعى في حصول الولد ويكون مصدر شقاء له في الدنيا والآخرة، ما تدري؟ لكن إذا عرف أن هذا الماء من هذا الرجل، وهذا الماء من هذه المرأة، ولم يتطرق أدنى شك في حفظ هذا الماء مع هذا الماء، فمن أهل العلم من يجيز مثل هذا.
يعني أنها لا توجد في الأصل وتوجد في نسخ أخرى.
نعم من ذهب لينكر فهو مأجور، وما عدا ذلك لا يجوز له أن يحضر.
إذا نص على أنها روايات، الفرق بين الروايات في الكتب وبين روايات الكتب، فمثلًا البخاري فيه زيادات من بعض الرواة على بعض، وفيه زيادات على الكتب الأخرى، هذه من أصل وضع الكتاب، لكن زيادات بعض الرواة للصحيح عن البخاري عن بعض، لا شك أن البخاري حدث به في مجالس، فبعض الرواة ضبط بعضًا، وبعضهم ترك بعضًا، وهو شيء يسير، يعني الفوارق بين النسخ قليل جدًّا، فإن كان هذا المراد فيعتنى بالزيادات؛ لأن بعض الروايات أتقن من بعض.
العلماء بينوا، وحكم الجهاد معروف في الشرع، والآيات القطعية والنصوص القطعية من السنة لا يخفى فيها أمر الجهاد، وأهل العلم هم المرجع في هذا.
ذُكر في ترجمته في تاريخ بغداد وغيره أن له جامع وله مسند، فالموجود بين يدي الناس سنن وليس بمسند، إلا على الاصطلاح العام في المسند الذي تروى فيه الأحاديث بالأسانيد، لكن الحافظ العراقي تبعًا لابن الصلاح لما عد المسانيد..، أو ابن الصلاح لما عد المسانيد التي ترتب على الصحابة عد الدارمي؛ ولذا قال الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:
ودونها في رتبة ما جُعلا
كمسند الطيالسي وأحمدا
على المسانيد فيدعى الجفلا
وعده للدارمي انتقدا
لأن ابن الصلاح عد الدارمي من المسانيد، ويعني بالأسانيد الأحاديث..، الكتب التي رتبت على أسماء الصحابة، بدليل أنه ضمه إلى مسند أحمد والطيالسي، فالموجود ليس على مسانيد الصحابة، إنما هو على الألفاظ، إن كان ابن الصلاح يريد بالمسند الذي ذكر في ترجمته فلا بأس.
أهل العلم كلموا ولاة الأمر في هذا الباب، نسأل الله -جل وعلا- أن يجد كلامهم أذانًا صاغية، وأن يدل ولاة الأمر على الحق والخير، وأن يوفقهم للعمل به.
طالب العلم عليه أن يجمع الطرق، ويدرس الأسانيد من خلال كتب الرجال، ويوازن بين أقوال أهل العلم في الجرح والتعديل من خلال القواعد التي أثبتها أهل العلم، ويتمرن ويعرض عمله على أهل العلم، فإذا تأهل يحكم.
منهم من يثبت الملل لله -جل وعلا-، على ما يليق بجلاله وعظمته، كسائر الصفات، وأنه لا يشبه ملل المخلوق، ومنهم من يقول: إن هذا ملل منفي، وليس بملل مثبت، لكنه ملل وإن كان منفيًّا إلا أنه معلق على أمر لا بد من وقوعه، ومنهم من يقول: إن إثبات مثل هذه النصوص يقولون: من باب المقابلة، يعني من باب المقابلة اللفظية فقط، كما في قوله -جل وعلا- {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [(40) سورة الشورى] الجناية سيئة، ومعاقبة الجاني حسنة وليست بسيئة، لكن أطلق عليها سيئة من باب المقابلة.
قالوا: اقترح شيئًا نجد لك طبخه
قلت: اطبخوا لي جبة وقيمصًا
هذه مقابلة.
على كل حال المحدد ألا تزيد على الأربعين، لكن بعض الناس تنمو أظفاره بسرعة، مثل هذا يتعاهدها، ولو تعاهدها في كل جمعة لكان أولى.
على كل حال التيسير، الدين يسر، إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، وهذا في الأمور التي للإنسان فيها مندوحة، يعني في السنن ما تكلف نفسك تصلي العشاء وتستمر تصلي إلى أذان الفجر، أو تقرأ القرآن في ركعة هذا يشق عليك، وإن وجد من بعض السلف أنه قرأ القرآن في ركعة، ومعروف عن عثمان وغيره، لكن أنت في هذا الظرف في هذا الوقت تظن هذا شديد عليك لكنك مع التمرين مع الوقت يصير من أيسر الأمور عليك، وأخفها على نفسك، وعلى كل حال على الإنسان أن ينوع من العبادات فتنويع العبادات في الشريعة مقصد، ما جاء عبثًا، بل من نعم الله على المسلمين أن نوع لهم العبادات، ليجد كل مسلم ما يناسبه من هذه العبادات.
تصور لو كان جميع النوافل محصورة في المال والإنفاق، بعض الناس مستعد يصلي ألف ركعة ولا يدفع درهمًا، بعض الناس يطالب أن تكون هذه الغرامات عن السرعة أو الإشارة أو غيرها تصرف جلدًا،. تسعمائة، يجلد تسعمائة أسهل من تسعمائة ريال، نعم، أقول: الناس أجناس عندهم مستعد يحمل الأثقال يصوم الأيام الحر ولا يفطر، وبعض الناس مستعد ينفق كل ما يملك ولا يصلي ركعتين، فتنوع العبادات -ولله الحمد- من نعم الله -جل وعلا- على المسلمين؛ لأن كل إنسان يجد ما يناسبه من هذه العبادات، وعلى كل حال أن يرفق الإنسان بنفسه، وأن لا يغفل عن عبادة ربه.
وأما الواجبات فلا مندوحة من الإتيان فيها، ما هو إذا قال لك: قم صل تقول: والله الدين يسر، ما هو بصحيح، الدين دين تكاليف، دين عبودية، والجنة حفت بالمكاره، ليست المسألة لك الخيار أو لك مندوحة في أن تفعل أو تترك {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [(36) سورة الأحزاب] مالك نظر، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
هناك طبعات لا يوجد غيرها، هذه فرضت نفسها، أما إذا وجد طبعات متعددة يتخير بينها.
المجموع للنووي عندي أفضل الطبعات الطبعة الأولى التي معها فتح العزيز، ومعها تلخيص الحبير، هذه أفضل الطبعات عندي، ومصورة وموجودة.
ثقات العجلي، طلع شيئًا جديدًا؟ نعم؟
طالب:.......
نعم، معروف ترتيب الهيثمي معروف، مطبوع ومحقق أيضًا.
هي زيادات؛ لأن الزوائد اصطلح عليها اصطلاحًا يخصها، وهي الأحاديث التي يزيدها كتاب عن كتاب مثل زوائد مسلم على البخاري، زوائد كذا هي زيادات.
ما هي المناسبة في ذكر هذه الأحاديث؟
ما أرى لها شيئًا، إنما هي من مرويات الراوي أدخلها بعد نهاية الكتاب.
المطبوعة مع عون المعبود الطابع أو الناشر أو المحقق لا شك أنهم ليسوا على المستوى المطلوب لتحقيق مثل هذه الكتب، فيها أخطاء وأوهام، لكن أخطاؤهم في عون المعبود أسهل من تحفة الأحوذي وأقل، لكن طبعة الدعاس أفضل من التي مع عون المعبود، وظهر طبعة جديدة لمحمد عوامة، اعتمد فيها على نسخة ابن حجر فلعلها أمثل النسخ.
أحسن طبعات معالم السنن الطبعة التي مع المختصر، مختصر سنن أبي داود، وتهذيب ابن القيم بتحقيق الشيخ أحمد شاكر ومحمد حامد الفقي في مطبعة أنصار السنة في ثمانية أجزاء.
أيضًا ضعفاء العقيلي لا أعرف أنه طبع في غير طبعة القلعجي الأربعة.
طالب:.......
الجديدة؟ كتب المطبوعات الجديدة أنا ما لي بها عناية.
طالب:.......
نعم، لا بد.
على كل حال إذا احتوت على فوائد وعلم وإن كان العلم إنما يؤخذ عن أهله، ومن أبوابه، فيحرص الإنسان على ألا يدخل في بيته صورة؛ لأن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة، يحرص ألا يدخل في بيته صورة، الصور التي هي في بطون الكتب، أو في بطون المجلات، هي في حكم المغطى، يُتسامح فيه بعض العلماء، لكن يحرص كل الحرص أن ينظف بيته عن الصور، فإذا زاد، زادت مصلحتها على هذه المفسدة يبقيها وإلا فلا.
يعني يقولون: ولك بمثله، إذا دعا له في ظهر الغيب.