شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (069)
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحبًا بكم إلى حلقة جديدة ضمن برنامجكم: شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.
مع مطلع هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير، عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، فأهلاً ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.
حياكم الله وبارك فيكم.
المقدم: بقي لنا بعض المسائل في باب الصلاة من الإيمان والحديث الذي ساقه المصنف -رحمه الله- في حديث البراء -رضي الله عنه-، بقي لنا بعض المسائل في هذا الحديث، لعلنا نستكمل ما تبقى.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد سبق الحديث أو الكلام عن حديث البراء وانتهت مطالبه ولم يبقَ سوى مواضع تخريج البخاري له في صحيحه، فالحديث خرَّجه الإمام البخاري في خمسة مواضع من صحيحه:
الأول: هنا في كتاب الإيمان، بابٌ الصلاة من الإيمان.
قال -رحمه الله تعالى-: حدثنا عمرو بن خالد قال: حدثنا زهير قال: حدثنا أبو إسحاق عن البراء أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان أول ما قدم المدينة نزل على أجداده... الحديث، وتقدم ذكره وذكر مناسبته للباب.
الموضع الثاني: في كتاب الصلاة، باب التوجه نحو القبلة حيث كان.
قال -رحمه الله تعالى-: حدثنا عبد الله بن رجاء، قال: حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب -رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى نحو بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرًا... الحديث بنحوه.
قال العيني: مطابقته للترجمة في قوله: فتوَجَّه نحو الكعبة التي استقرت قبلة أبدًا، في أي حالة كان المصلي صلاة الفرض، الترجمة باب التوَجُّه نحو القبلة حيث كان، والعيني يقول: مطابقة الحديث للترجمة باب التوجه نحو القبلة حيث كان في قوله: فتوجه نحو الكعبة التي استقرت قبلة أبدًا في أي حالة كان، يعني كان المصلي، في أي حالة كان المصلي صلاة الفرض.
يعني وبذلك يخرج صلاة النفل على الدابة، لا يشترط لها التوجه.
الموضع الثالث: في كتاب التفسير، بابٌ، يعني في تفسير قوله تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [سورة البقرة 142].
قال -رحمه الله تعالى-: حدثنا أبو نُعَيم سمع زهيرًا عن أبي إسحاق عن البراء -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرًا، أو سبعة عشر شهرًا... الحديث بنحوه.
ومطابقة الحديث للآية ظاهرة، كما قال العيني، وإثبات لفظ الباب في بعض النسخ دون بعض، إذا لم تثبت لفظة الباب فيكون تابعًا للباب الذي قبله.
الموضع الرابع: في كتاب التفسير أيضًا، بابٌ، يعني في تفسير قوله تعالى: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ} [سورة البقرة 148].
قال -رحمه الله تعالى-: حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا يحيى عن سفيان قال: حدثني أبو إسحاق قال: سمعت البراء -رضي الله عنه- قال: صلينا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- نحو بيت المقدس ستة عشر شهرًا، أو سبعة عشر شهرًا، ثم صرفه نحو القبلة مختصَرًا.
قال العيني: مطابقة الحديث للآية تؤخذ من معناها، وقال: قوله: {فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ} [سورة البقرة 142] أي فتوجَّهوا الكعبة، وأعرضوا عن قول الكفار، يعني سارعوا إلى الامتثال، ولا تلتفوا إلى ما قاله الكفار، وهذا معنى فاستبقوا، فإن الله يجازيهم يوم القيامة، يقول: أي: فتوجهوا إلى الكعبة، وأعرضوا عن قول الكفار، فإن الله يجازيهم يوم القيامة.
الموضع الخامس: في كتاب أخبار الآحاد، باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق، وهذا مهم جدًّا، فالموضع الخامس في كتاب أخبار الآحاد يعني من الصحيح باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق في الأذان والصلاة والصوم والفرائض والأحكام، يعني في الأذان يكفي واحد مؤذِّن، ويعتمد الناس أذانه إذا كان ثقة، فيصلون ويفطرون إلى غير ذلك من الأحكام المرتبة على الأذان والصلاة والصوم والفرائض والأحكام، وقول الله تعالى: {فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [سورة التوبة 122] ويُسمَّى الرجل طائفة؛ لقوله تعالى: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [سورة الحجرات 9] فلو اقتتل رجلان دخلا في معنى الآية، وقوله تعالى: {إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [سورة الحجرات 6] وكيف بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- أمراءه واحدًا بعد واحد، فإن سها منهم أحد رد إلى السنة، ما معنى هذا الكلام؟
يقول: يسمى الرجل طائفة {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ} [سورة النــور 2] لو واحدًا {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [سورة الحجرات 9] فلو اقتتل رجلان دخلا في معنى الآية للأمر بالإصلاح بينهم، وقوله تعالى: {إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [سورة الحجرات 6] وكيف بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- أمراءه واحدًا بعد واحد {إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [سورة الحجرات 6] مفهوم الآية أنه إذا جاءكم ثقة فلا نحتاج إلى التبيُّن، يعني اقبلوا خبره، إذا أمرنا بالتبيُّن والتثبت في خبر الفاسق، فمعناه أن خبر الثقة لا يحتاج إلى تبيُّن.
وكيف بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- أمراءه واحدًا بعد واحد، يعني إلى الجهات، بعث إلى الجهات إلى كل جهة واحدًا، فإن سها منهم أحد رُدَّ إلى السنة، لا شك أن الواحد مظنة للسهو، مظنة للغلط، لكن إذا سها أو غلط لأنه ليس بمعصوم فإنه حينئذٍ يُرَد إلى الجادة، إلى السنة.
قال الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: حدثنا يحيى قال: حدثنا وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء قال: لما قَدِم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة صلى نحو بيت المقدس ستة عشر، أو سبعة عشر شهرًا... الحديث بنحوه.
قال ابن حجر في معرِض شرحه لحديث ابن عمر، وهو بمعنى حديث البراء، والحجة منه بالعمل بخبر الواحد ظاهرة؛ لأن الصحابة الذين كانوا يصلون إلى جهة بيت المقدس تحولوا عنهم بخبر الذي قال لهم: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- أُمر أن يستقبل الكعبة، فصدقوا خبره، وعملوا به في تحولهم عن جهة بيت المقدس، وهي شامية إلى جهة الكعبة وهي يمانية، على العكس من التي قبلها، يعني فداروا، داروا كما هم كما جاء في الخبر.
واعترَض بعضهم بأن خبر الواحد المذكور أفادهم العلم بصدقه لما عندهم من قرينة ارتقاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وقوع ذلك؛ لتكرر دعائه به، والبحث إنما هو في خبر الواحد إذا تجرد عنه قرينة، الحجة بالعمل بخبر الواحد ظاهرة من الحديث، لا تحتاج إلى تقرير؛ لأنهم قَبِلوا خبر الذي أخبرهم، وتركوا القبلة التي كانوا عليها بيقين قطع إلى خبر هذا الواحد.
اعترَض بعضهم، يقول ابن حجر: بأن خبر الواحد المذكور أفادهم العلم بصدقه لما عندهم من قرينة ارتقاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وقوع ذلك لتكرر دعائه به، والبحث إنما هو في خبر الواحد إذا تجرد عن القرينة، لا شك أن خبر هذا الواحد احتفت به قرينة، وهي أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يترقب التحويل إلى الكعبة {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} [سورة البقرة 144] كان النبي -عليه الصلاة والسلام- متشوف إلى تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة.
يقول: والجواب أنه إذا سُلِّم أنهم اعتمدوا على خبر الواحد كفى في صحة الاحتجاج به، والأصل عدم القرينة، وأيضًا فليس العمل بالخبر المحفوف بالقرينة متفَقًا عليه، فيصح الاحتجاج به على من اشترط العدد وأَطلق، وكذا من اشترط القطع، وقال: إن خبر الواحد لا يفيد إلا الظن ما لم يتواتر.
هذه المسألة سبقت الإشارة إليها في شرح الحديث، وذكرنا أن خبر الواحد عند أكثر أهل العلم في الأصل لا يفيد إلا الظن؛ لأن هذا الواحد وإن كان ثقة حافظًا ضابطًا فإنه لم يَعْر من الخطأ والنسيان، وليس معنى كونه يفيد الظن أنه لا يجب العمل به، هناك انفكاك بين وجوب العلم ووجوب العمل، فالعمل بالظن الغالب واجب، وبهذا ننفك عما يريد المبتدعة أن يتوصلوا به من قولهم: إن خبر الواحد يفيد الظن من أن الذي يفيد الظن لا يفيد العمل، نقول: خبر الواحد وإن أفاد الظن على قول الأكثر فإنه موجِب للعمل، نعم إن احتفت به قرينة أفاد العلم، خلافًا لقوم الذين يرون أنه لا يفيد العلم مطلقًا، ولو احتفت به قرينة ما لم يتواتر، وخلافًا لقوم آخرين كداود الظاهري وحسين الكرابيسي الذين يقولون: إنه يفيد القطع مطلقًا.
المسألة فيها حساسية من جهة، أقول: هذه المسألة حساسيتها جاءت من قول المبتدعة: إن كونه لا يفيد إلا الظن أنه لا يوجب العمل.
أقول: لا تلازم بين كونه لا يفيد إلا الظن في أصله وكونه موجب للعمل، فالعمل به واجب، والظن به غالب، أما كونه يفيد العلم إذا احتفت به قرينة فلا إشكال فيه، ورجح ذلك شيخ الإسلام وابن القيم وابن حجر، وجمع غفير، وابن رجب أيضًا في كلامه السابق في الحلقة السابقة، ابن رجب صرَّح بأنه إذا احتفت به القرينة أفاد العلم، مفهومه أنه إذا لم تحتف به قرينة أنه لا يفيد إلا الظن، والظن معروف أنه مراتب متفاوتة، حتى يصل إلى قريب القطع، وقد جاء التعبير عن اليقين القطعي في الاعتقاد بأنه ظن {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ} [سورة البقرة 46] هذا اعتقاد، ما يكفي فيه الظن الغالب، لا بد من القطع فيه.
توضيحًا لهذه المسألة: جواب ابن حجر في قوله: أنه إذا سلم أنهم اعتمدوا على خبر الواحد كفى في صحة الاحتجاج به، والأصل عدم القرينة، نقول: احتفت به قرينة، كما ذكر ابن حجر آنفًا، وكما ذكر ابن رجب في الحلقة السابقة، كما نقلناه عن ابن رجب في الحلقة السابقة. يقول: وأيضًا فليس العمل بالخبر المحفوف بالقرينة متفقًا عليه، نعم فيه اختلاف، لكن المرجَّح عند المحققين من أهل العلم أنه يفيد العلم؛ لماذا؟ لأن نسبة الخطأ عند الراوي الثقة الحافظ الضابط يسيرة، إذا قابلت هذه النسبة هذه القرينة ارتفعت هذه النسبة، ارتفعت نسبة القطع، فصار حينئذٍ لا يحتمل النقيض، فأفاد العلم.
يقول أيضًا: فليس العمل بالخبر المحفوف بالقرائن متفقًا عليه فيصح الاحتجاج به على من اشترط العدد، اشترط العدد في الرواية، عمدة كلام المعتزلة أنهم يشترطون العدد في الرواية، والخبر رَدٌّ عليهم بلا شك، سواءً احتف بقرينة أو لم يحتف؛ لأنه لن يعدو أن يكون خبر شخص واحد، هم يشترطون العدد في الرواية، رأي المعتزلة مبني على هذا، على أنه لا بد من أن يروي الخبر أكثر من واحد، منهم من قال: اثنين، ومنهم من قال: ثلاثة، ومنهم من قال: أكثر، فالواحد لا يكفي، مع الأسف أنه يوافقهم في هذا بعض من شرَح البخاري، بل زاد على ذلك فزعم أن هذا شرط البخاري في الصحيح.
الكرماني الشارح في مواضع متعددة يقول: شرط البخاري العدد في الرواية، ولا يخرِّج حديث راوٍ واحد عن واحد، وغاب عنه أول حديث وآخر حديث في الكتاب، أول حديث في الكتاب فرد مطلق، لا يرويه إلا عمر، ولا يرويه عنه إلا علقمة، ولا يرويه عنه إلا محمد بن إبراهيم، ولا يرويه عنه إلا يحيى بن سعيد، ومثله آخر حديث: «كلمتان خفيفتان على اللسان» إلى آخره، لا يرويه إلا أبو هريرة، ولا يرويه عنه إلا أبو زرعة، ولا يرويه عنه إلا عمارة بن القعقاع، ولا يرويه عنه إلا محمد بن فضيل، غاب عن هذا، وإليه يومئ كلام الحاكم أن الخبر لا يصح إلا إذا كان من طريق اثنين، يومئ إليه كلام الحاكم، ولذا يقول الصنعاني في نظم النخبة لما ذكر العزيز وعرَّفه بأنه ما يرويه اثنان، قال:
وليس شرطًا للصحيح فاعلمِ . |
|
وقد رمي من قال بالتوهمِ . |
هذه في نسخة، وفي نسخة أخرى يقول:
وليس شرطًا للصحيح فاعلمِ |
|
وقيل: شرط وهو قول الحاكمِ |
أيضًا كلام البيهقي في مواضع يدل على هذا، لكنه قول ضعيف، يرده واقع الصحيح الذي هو في أعلى درجات القبول عند أهل السنة، وواقع صحيح البخاري، أيضًا ابن العربي لما تكلم على حديث: «هو الطهور ماؤه» في شرح الترمذي قال: لم يخرِّجه البخاري؛ لأنه من رواية واحد، نعم في الصحيحين غرائب، يعني من مرويات واحد عن واحد، والأمثلة من أوضحها ما ذكرنا.
الحديث خرَّجه أيضًا الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- فهو متفق عليه.
المقدم: أحسن الله إليكم، الحقيقة بعض المسائل التي وردتني من عدد من المستمعين أود أن أشير إليها بداية الحديث معكم فضيلة الدكتور، ثم أترك المجال للإخوة إذا كان عندهم أسئلة حول هذا الحديث. يتساءل بعض الإخوة حول الإرجاع إلى صحيح مسلم، كيف الوصول إلى الحديث في صحيح مسلم؟ يقول: أحيانًا يوجد في أطراف الحديث بين أيدينا رقمين، فكيف نعرف مراد الإرجاع بالنسبة لمسلم، أشكل على كثير من الإخوة المستمعين؟
يعني في الحديث الذي معنا؟
المقدم: مثلاً نعم.
خمسمائة وخمسة وعشرون، وأحد عشر، هذا الرقم العام والخاص، الرقم العام بالنسبة للكتاب، والرقم الخاص بالنسبة للباب أو الكتاب -الكتاب داخل الكتاب-.
المقدم: يعني خمسمائة وخمسة وعشرين هذا ترقيم الأحاديث من أولها إلى آخرها مرقَّمة بهذا التسلسل؟
نعم بهذا التسلسل، نعم.
المقدم: تسلسل كبير؟
نعم.
المقدم: وداخل كل باب هناك ترقيم؟
نعم.
المقدم: جميل.
بالنسبة لهذا الحديث -أحسن الله إليك-، باب الصلاة من الإيمان رغم أنه لم يورد الآية التي تدل على الترجمة هنا في الحديث أو في هذا اللفظ؟
أين؟
المقدم: في اللفظ الذي بين أيدينا {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [سورة البقرة 143] ما وردت الآية في الحديث بهذا اللفظ، ومع ذلك ترجم له بقوله: باب: الصلاة من الإيمان.
أصلاً ما يترجِم المؤلِّف المختصِر، ما فيه تراجم، هذه مزيدة من المحقِّق، لكنها في الصحيح في الأصل كما ذكرنا آنفًا، بابٌ الصلاة من الإيمان، وقول الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [سورة البقرة 143] يعني صلاتكم عند البيت، والكلام على هذه الفقرة طال في الحلقة السابقة.
المقدم: نعم جميل. يشكل أيضًا مسألة مهمة ويرد عنها أسئلة كثيرة -أحسن الله إليك- بالنسبة للصلاة سواء في المدينة أو في غير المدنية في غير المدن الآهلة كالبراري ونحوها إلى غير القبلة هل هناك تفريق؟ وكيف القول الفصل في هذه المسألة؟ وإذا سافر الإنسان لخارج بلاد المسلمين وقطن في بعض الفنادق التي ربما لا يكون يعلم بالقبلة فيها، ماذا يفعل؟
أما بالنسبة للصحاري فإن كان الشخص من أهل الاجتهاد والنظر في علامات القبلة وأدلتها تعيَّن عليه، وإلا اجتهد حسب استطاعته وصلَّى، وحيثما تولَّى فثَمَّ وجه الله، أما بالنسبة للبلدان فإن وجد محاريب إسلامية لزمه العمل بها في البلدان، البلدان ليست محل اجتهاد، التي فيها محاريب إسلامية، فإذا وجد محراب إسلامي لزمه العمل بهذه القبلة، إن لم يجد اجتهد حسب رأيه كما لو كان في الصحراء، إن وجد من يسأله من ثقات المسلمين ولو تعيَّن عليه سؤاله إن كان من أهل الخبرة والمعرفة، وإلا اجتهد حسب اجتهاده، والمطلوب في هذه الحالة إصابة جهة الكعبة، إصابة الجهة عند الأكثر، ولا يلزم إصابة العين، وإن قال به بعض أهل العلم.
سائل: عندي سؤال من عدة فقرات: الأولى -أحسن الله إليك- قول الله -سبحانه وتعالى- الذي استشهدتم به على تنزيل الظن والتعبير عنه باليقين في قول الله -سبحانه وتعالى-: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ} [سورة البقرة 46] هل لهؤلاء القوم أن يقولوا: إن هذا التعبير خاص بالقرآن فقط؟ الذي هو التعبير بالظن وإرادة اليقين؟ هل ممكن الاستشكال هذا أن يكون صحيحًا، يسلَّم لهم؟
كما جاء الظن في القرآن بمنزلة اليقين جاء التعبير في القرآن أيضًا بأنه لا يغني من الحق شيئًا.
سائل: الذي هو الظن بمعنى...
الظن نعم، فالظن مراتب متفاوتة، يصل إلى حد اليقين، وينزل إلى حد الظن، بحيث لا يغني من الحق شيئًا، لكن المقصود غلبة الظن الراجح، هذا هو الموجِب للعمل.
سائل: يعني هذا الاستشكال لا يسلَّم له؟
لا، لا يسلَّم.
سائل: طيب -أحسن الله إليكم- يا شيخ في قضية كون الحاكم والبيهقي كما ذكرتم في قضية اشتراط العدد، يعني هل الأئمة ما رأوا أول الصحيح في البخاري، أو آخر الصحيح، أو ذهلوا عنه؟ أو ماذا أجابوا عن هذا الاستشكال؟ يعني صغار طلبة العلم يعلم أن «إنما الأعمال بالنيات» فرْد مطلق -كما أشرتم- وكذلك آخر حديث فكيف بهؤلاء الأئمة الكبار؟
وُجِّه كلام بعضهم، لاسيما الحاكم بأن البخاري لم يخرِّج لراوٍ ليس له إلا راوٍ واحد، يعني إذا جئنا إلى عمر مثلاً له رواة، وعلقمة له رواة.
سائل: في غير هذا الحديث؟
في أحاديث كثيرة، خُرِّج كلام الحاكم على هذا.
سائل: يعني يكون مقصودهم ليس الحديث هذا بعينه، وإنما هناك رواة آخرين أخرجوا عن عمر هذا الحديث وغيره.
لم يأخذ هذا الحديث عن عمر إلا علقمة، لكن أخذ عن عمر أحاديث كثيرة من طرق أخرى، أيضًا يَرِد على هذا إيراد، وهو أن في الصحيح من ليس له إلا راوٍ واحد، من المنفردات والوحدان، لكنه قليل، يعني حتى هذا لا يسلَّم.
سائل: أحسن الله إليكم الفقرة الأخيرة يا شيخ التفصيل في صلاة النافلة على الدابة، وما يقوم مقامها الآن وهو السيارة، هل مطلقًا يا شيخ أم هناك تفصيل؟
جمهور أهل العلم على أن الصلاة على الدابة من غير اتجاه خاص بالنافلة وفي السفر أيضًا، إذا أراد الفريضة نزل وصلَّى إلى جهة الكعبة، في الحضَر أيضًا لا يصح لا نافلة ولا فريضة في قول جمهور أهل العلم، مع أن من أهل العلم من يرى أنه لا مانع أن تصلَّى النافلة توسعة على الناس على الراحلة في الحضَر.
سائل: إيماءً، تصلى بالإيماء؟
تُصلَّى حلى حسب الإمكان، يعني يصلِّي على حسب إمكانه، كما في حال السفر، هل يلزمه أن يقف على الراحلة؟ يسقط القيام، السجود أيضًا إذا ترتب عليه ضرر مثلاً إذا كان يقود سيارة مثلاً، كيف يسجد سجودًا كاملاً، ويحصل منه حوادث أو يتضرر هو بنفسه أو يضر غيره؟! على كل حال النافلة أمرها واسع، وجاء التنفل في الأحاديث، النافلة تصح على الدابة في السفر، وبعضهم يقول: الحضَر، لاسيما مع وجود ما يقتضي التنفل، مثلاً في سيارته وتعرَّض لزحام، وخشي أن يطلع أو ينتهي وقت هذه النافلة ما المانع أن يصليها على سيارته وهو في الحضر تحصيلاً لفضلها وخشية من فواتها؟
سائل: أحسن الله إليك في مدينة النبي -عليه الصلاة والسلام- مسجد القبلتين يرتاده كثير من الزوار، ويتقربون إلى الله -سبحانه وتعالى- بالصلاة فيه، ويوجد هناك قبلة نحو الجنوب وقبلة نحو الشمال، فقولكم -أحسن الله إليكم-؟
مسجد القبلتين سبق الحديث عنه في الحلقة الماضية، لكن كونه يُقصَد ويُظَن فيه مزيد فضل ليس الأمر كذلك، الفضل إنما هو في المساجد الثلاثة التي جاءت النصوص بتفضيلها، وما عدا ذلك فليس له فضل زائد، والاعتناء بتتبع هذه الآثار هو من وسائل الشرك، فينبغي سد جميع الذرائع الموصلة إلى هذا، جميع الذرائع الموصلة إلى الشرك توصَد، فلا نعتني بالآثار، ولو كانت مساجد، لا نعتني بها؛ لأنه ليس لها فضل زائد، فأي مسجد هو مصلَّى للمسلمين حاشا المساجد الثلاثة، التي جاء التنصيص عليها، المسجد الحرام، ومسجد النبي -عليه الصلاة والسلام-، والمسجد الأقصى، وما عدا ذلك فليس لبعضها على بعض مزية، اللهم إلا في القِدَم وكثرة الجماعة، وما أشبه ذلك، لكن هذه المزايا وإن كانت قديمة، وإن كثر جماعتها إلا أنها لا تُبَرِّر قصدها دون غيرها.
سائل: أحسن الله إليك يا شيخ هل يدخل في النافلة أداء السنة الراتبة على الدابة خاصة في الحضَر مع الحاجة إليها في الوقت الحاضر؟
أنا أقول: إذا خشي من فوات وقتها فصلاته على الدابة أولى من التفريط بها، إذا خشي فوات وقتها.
سائل: أحسن الله إليك شيخنا فيما يتعلق بتحويل القبلة جاء تكرار آيات التحويل في البقرة ثلاث مرات، ولابن كثير -رحمه الله تعالى- توجيه في ذلك: في الآية الأولى: كأنها استجابة لطلب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفي الثانية: إثبات أن ذلك الحق، وفي الثالثة: دفع لحجة الذين ظلموا في دعوى المشابهة عند التوجه لبيت المقدس، ما توجيهك -أحسن الله إليك- حول هذا؟
كلام الحافظ ابن كثير وجيه وظاهر -رحمه الله-.
المقدم: جزاكم الله خيرًا وأحسن إليكم على هذا، وأشكر أيضًا الإخوة الذين ساهموا معنا في هذا المجلس المبارك.
بهذا نصل وإياكم مستمعي الكرام إلى ختام هذه الحلقة من برنامجكم: شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح. في الحلقة القادمة -بإذن الله- سوف نبتدئ مع حديث جديد وهو حديث أبي سعيد الخدري.
حتى ذلكم الحين نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.