كتاب الإيمان (03)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 هذا يسأل عن حكم مشاهدة المرأة للرجال في القنوات الفضائية.

 المشاهدة العارضة من غير تدقيق نظر في شخص بعينه نظرة عابرة كمشاهدة عموم الرجال في الأسواق وفي المساجد هذه لا إشكال فيها، لكن الإشكال في تحديد النظر بشخص بعينه، هنا يجب غض البصر، يجب على المرأة أن تغض البصر، كما أنه يجب على الرجل أن يغض بصره عن المرأة، سواءً بسواء، ونسمع بافتتان بعض النساء ببعض من له ظهور في هذه القنوات من طلاب العلم وغيرهم، والفتنة حاصلة، حتى إننا سمعنا من بعض الطالبات في الكليات وغيرها يتبادلن الرسائل إذا كان فلان من الناس عنده أو له برنامج اليوم في قناة كذا، ليس لما عنده من علم، وإنما لما افتُتِنَّ به من صورته وشكله، حتى إن بعض الطالبات في جهاتٍ من هذه البلاد المباركة نما إلى علمنا إلى أنهن افتُتِنَّ ببعض المبتدعة؛ لأنهن أدمنَّ على النظر في هذه القنوات، وما ائتمرن بما أمرهن الله به {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ}[النور:31]. فأرسلن النظر والمرأة مثل الرجل، وهي أسرع من الرجل في التأثر.

 لا شك أن النظر مصيبة، لا بالنسبة للرجال ولا بالنسبة للنساء، ومثار فتنة، كما أُمِر الرجال بغض البصر أُمر النساء بغض البصر.

 على كل حال هذه مسألة تجب عناية أولياء الأمور بها، ولا يُترك ولا يُمَكَّن النساء، كما أنه يُمنَع أيضًا الرجال والشباب من النظر إلى النساء. ترك الحبل على الغارب؛ لأن هذه قناة إسلامية ومحافظة، أو فيها فائدة من غير نظر إلى هذه القضية سبَّب أشياء.

 وسمعتم وسمع الناس كلهم الطرائف والقصص التي يُحكَى في هذا الباب، حتى قيل: إن واحدة اتصلت قالت تتصل هذا عادي تتصل تقول: أحبك في الله، لكن تقول: أحبك موت في الله؟ ماذا يعني هذا، ما بقي شيء، ما بقي شيء، فعلى أولياء الأمور أن يأخذوا على أيدي هؤلاء من البنين والبنات، وإذا كان التأثر من كبار في السِن، وحصل لهم ما حصل مع زوجاتهم، اللواتي عشن معهم عقودًا، ثلاثين، أربعين سنة، هم تغيروا على زوجاتهم؛ لأنهم رأوا ما رأوا، بمثل هذا يحصل خراب البيوت، وتحصل الفتنة.

 يقول: ما حكم اتصال المرأة بأحد القراء في القنوات الفضائية؛ وذلك لتصحيح التلاوة في قراءة القرآن؟

 على كل حال الصوت، صوت المرأة يعني يرى جمعٌ من أهل العلم أنه عورة، ولذلك إذا حصل الخلل في صلاة الإمام فإن الرجال يسبحون والمرأة تصفق، مع أن الأصل أن التصفيق ممنوع؛ لئلا يُسمَع صوتها، ولا تتولى الأذان والمهام الشرعية التي فيها رفع صوت، كما أنها لا ترفع صوتها بالتلبية، وغير ذلك من الأمور الشرعية، وما يشرع فيه رفع الصوت بالنسبة للرجال يمنع منه النساء، والقول الآخر لأهل العلم أن الصوت ليس بعورة، إذا لم يترتب عليه فتنة، ولا خضوع فيه.

 وعلى كل حال العلم أو تصحيح التلاوة وقراءة القرآن من أفضل القُرَب التي يتقرب بها إلى الله -جل وعلا-، وهي مما يُرجى ثوابه عند الله، ويُطلب من الله -جل وعلا-، وما عند الله لا يُنال بسخطه، عليكم باتباع هدي من سلف، وإياكم ومحدثات الأمور، هذه أمور محدثة، يتساهل الناس فيها، ويطلبون دليًا على المنع، ويطلبون كذا، لكن الواقع، الواقع، ينسون أن الشهوة عند كثير من الشباب يثيرها أدنى شيء، فعلى الجميع أن يتقوا الله -جل وعلا- في مثل هذه الأمور، وأن يحسبوا لها حسابها، لا يكون سببًا ومثارًا لفتنة، يهلك فيها أحد وهم السبب فيها، نعم المباشر هو المسئول الأول، لكن يبقى أن السبب أيضًا عليه نصيبه وكفله من الإثم.

يقول: مجموعة من الطلبة في قاعة دراسية جمعوا مبلغًا من المال لشراء ماء خاص بمدرسيهم أثناء المحاضرات، فهل يجوز لهم مثل هذا الصنيع؟

 مثل هذه الأمور لا شك أنها إن كانت من المجموع فيكون أثرها على المدرس ضعيفًا، يعني أثرها في نفسية المدرس ضعيف إذا كانت من المجموع، لكن يبقى أن مثل هذا قد يؤثر عليه، في مراعاة هذه القاعة دون غيرها من القاعات، كما أنه لو كان من أفراد أثر عليه في مراعاتهم دون زملائهم، فالمنع هو المتجه.

طالب:...

إذا كان كلهم.

طالب:...

أشرت إلى هذا، أنا أشرت.

 يقول: ما المراد إذا قال الفقهاء: قدمه في الفروع؟

 الفروع لابن مفلح كتاب من أشهر كتب الحنابلة، وكانوا يسمونه مكنسة المذهب، يعني فيه جميع المسائل التي يُحتاج إليها، فيه صعوبة، وفيه وعورة على الطالب المتوسط، لكنه متين، ويتمرن عليه طالب العلم إذا مرّ بالمتون المتبعة عند أهل العلم للمبتدئين والمتوسطين، والمنتهين والمتقدمين، يديم النظر في هذا الكتاب، وفيه تأثر بآراء شيخ الإسلام ابن تيمية؛ لأنه من تلاميذه، المقصود أن هذا كتاب معتمد عند الحنابلة، ولكن قدَّمه يعني أنه اختاره وهو اختياره.

 يقول: نكون أيام رمضان وأيام الحج بالقرب من المسجد الحرام، وللزحام الشديد تقام صلاة الفجر بعد الأذان بوقت قصير جدًّا، وحيث إن توقيت الفجر متقدِّم عن الوقت الحقيقي، وقد ثبت لدي ذلك بيقين، فهل أصلي مع الحرم أم ماذا؟

إذا ثبت لديك بيقين فلا يجوز أن تصلي معهم، لكن ما اليقين الذي دلك عليه هذا الاجتهاد وأوصلك إليه؟ المسألة والخلاف فيمن يقول: إنه موافق للتقويم، ومن يقول: إنه مخالف في مفهوم الفجر، ومفهوم الخيط، من قال: إن الفجر هو الانفجار والوضوح هذا يقول: إن التوقيت متقدِّم، والذي يقول: المراد بالخيط الأبيض من الخيط الأسود الشيء الرقيق الذي لا يدركه جُلّ الناس، إنما يدركه أفرادهم وآحادهم يقول: إن التقويم مطابق، إذا صلينا على التقويم بعد الأذان بثلث ساعة، ثم ذكرنا بعد شيئًا من الأذكار وطلعنا من المسجد، النور والإسفار جدًّا، والرسول -عليه الصلاة والسلام- كان يصلي بغلس، بغلس، إذا صلينا وطلعنا بعد خمس دقائق من الصلاة وكذا مسفرين جدًّا.

طالب:...

وكان يقرأ من الستين إلى المئة، ويطيل الصلاة، ثم يخرج بغلس، فالمسألة يعني كما قال كثير من أهل العلم وبعض من جرب ورأى، ولجان طلعت، وتحرت، قالوا: إنه موافق للتقويم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،

 عرفنا فيما تقدَّم تعريف الإيمان عند أئمة اللغة، وعند علماء الشريعة، ومما قيل في تعريفه ما قاله ابن حجر أنه قال: الإيمان لغة: التصديق، وشرعًا: تصديق الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيما جاء به عن ربه، تصديق الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيما جاء به عن ربه، يقول: وهذا القدر متفقٌ عليه، معنى التصديق تصديق الرسول يعني الاعتقاد الجازم، الذي لا يحتمل النقيض، أما مجرد تصديق مع تردد؛ لأنه لو جاءك شخص ثقة وقال لك: قدم زيد، قدم زيد تصدقه، لكن هل تحلف على هذا التصديق؟ أو يكون عندك شيء من التردد بقدر ثقتك بهذا الرجل؟ لأن من الناس من يصدَّق مع أن نسبة الصدق عنده سبعون بالمئة، يعني غلبة ظن، ثمانون بالمئة، تسعون بالمئة، لكن إذا جاء بالخبر من لا ينطق عن الهوى فإن هذا لا يحتمل النقيض، بمعنى أن يكون الاعتقاد الجازم، هذا مراده بالتصديق، وليس المراد كتصديق أي مخبِر.

 يقول: وهذا القدر متفق عليه، ثم وقع الاختلاف هل يشترط مع ذلك مزيد أمرٍ من جهة إبداء هذا التصديق باللسان؟ الآن اعتقاد بالجنان، هذا أمر متفق عليه، لكن هل يشترط مع ذلك مزيد أمر من جهة هذا إبداء هذا التصديق باللسان المعبِر عما في القلب، إذ التصديق من أفعال القلوب. إذ التصديق من أفعال القلوب، أو من جهة العمل بما صدّق به من ذلك، كفعل المأمورات وترك المنهيات؟ لما قرر أن الاعتقاد الجازم متفق عليه يبقى النطق باللسان، قولٌ باللسان، يقول: أو من جهة العمل بما صدَّق به، وهو العمل بالأركان من ذلك كفعل المأمورات وترك المنهيات. يعني هذا هل الأول متفق عليه، والثاني مختلفٌ فيه، الثاني والثالث مختلف فيهما، لكن الخلاف بين من ومن؟ بين أهل السُّنَّة وأهل البدع، ما هو بالخلاف داخل مذهب أهل السُّنَّة أهل السُّنَّة يتفقون على أنه لا بد من النطق، «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله» والعمل يأتي التفصيل فيه.

 يقول: والإيمان فيما قيل: مشتقٌ من الأمن، الإيمان مشتقٌ من الأمن، وفيه نظر، الإيمان والأمن كلاهما مصادر، والمصدر يشتق من المصدر؟ لا، المصادر أصول، يشتق منها الأفعال وأسماء الفاعلين والمفعول إلى آخره، جميع المشتقات تؤخذ من المصادر، فلا يقال: إن هذا مشتقٌ من هذا؛ لأن كلاًّ منهما أصل برأسه، كما قالوا: البيع مأخوذ من الباع؛ لأن كل واحدٍ من المتبايعين يمد باعه، هذا كلام صحيح أم لا؟ ما هو بصحيح، يعني المادة أصل المادة قد تكون واحدة، ويكون بينهما اشتراك، لكن لا يكون أحدهما مأخوذًا من الآخر؛ لأن البيع باع يبيع نعم يائي، والباع مأخوذ من بَوَعَ، وهو واوي، وفرقٌ بين هذا وهذا، وليس لأحدهما أصل، وهنا الأمن والإيمان كلاهما مصدر، يؤخذ من هذا آمن، ويؤخذ من هذا أمِنَ.

 قال: وفيه نظر؛ لتباين مدلولي الأمن والتصديق، لتباين مدلولي الأمن والتصديق، يعني جاء في أحدهما بلفظه والثاني بمعناه، لو قال: لتباين مدلولي الأمن والإيمان، لكن هل هناك تبايُن بمعنى أنهما لا يشتركان في شيء أو بينهما شيء من التداخُل؟

طالب:...

نعم.

طالب:...

ما، لماذا قال: الأمن والتصديق؟

طالب:...

لا، الأمن والإيمان.

طالب:...

نعم، لكن قال: لتباين مدلولي الأمن والتصديق، هو قال كذا، لكن هو يقارن بين الأمن والإيمان، ما هو بين الأمن والتصديق، قال: والإيمان مشتق فيما قيل من الأمن وفيه نظر؛ لتباين مدلولي الأمن والتصديق.

طالب:...

من حيث المعنى.

طالب:...

هو يقارن بين الأمن والإيمان، هو يرد من قال بأن الإيمان مشتق من الأمن، يجيء بمعنى الإيمان وهو التصديق، لماذا ما جاء بمعنى الأمن أيضًا؟

   طالب: ...

فيه شيء آخر؟

طالب:...

هو صدّر هذا الإيمان لغة التصديق، وشرعًا تصديق الرسول، لو كان الإيمان بمعنى التصديق مطابقةً أمكن ذلك، لكن بينهما فرق بين الإيمان والتصديق، وأشار إليه شيخ الإسلام فيما تقدَّم. فإما أن يأتي باللفظين، ويثبت التباين، أو يأتي بمعنى اللفظين ويثبت التباين. ما يجيء واحدًا بلفظه والثاني بمعناه.

 الآن من يقول: إنه رأي البخاري على ما سيأتي، الإسلام والإيمان بمعنىً واحد، الإسلام بمعنىً واحد، ثم يرد عليه من يرد فيقول: الإسلام غير التصديق، تباين معنى الإسلام والتصديق، أو تباين معنى الإيمان والاستسلام، فإما أن يأتي باللفظين، أو يأتي بالمعنيين، ليقارن بينهما، أما أن يأتي بواحد بلفظه والثاني بمعناه؟ فيه ارتباط بين الإيمان والأمن، فيه ارتباط، ما وجه هذا الارتباط؟

طالب:...

نعم.

طالب:...

لا يؤمن حتى يأمن، أو إذا آمن أَمِن، أمِن من القتل وأمِن من عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ}[الأنعام:82].

طالب:...

باللازم، من اللازم، لكن هناك ارتباط يعني حتى الإيمان مشعِر بالأمن، الإيمان بذاته مشعِر بالأمن.

طالب:...

ما فيه شك مشعر بالأمن؛ لأن كون الإنسان يؤمن بشيء واحد، يأمن من الاضطراب بخلاف من يؤمن بأشياء، ويعبد معبودات، مثل هذا لا يشعر بالأمن، لا في داخل نفسه، ولا في واقع حياته، فهناك ارتباط، يقول: وفيه نظر لتباين، لا نقرر أن الأمن الإيمان مشتق من الأمن، لكن نناقش عبارة ابن حجر؛ لتباين مدلولي الأمن والتصديق، إلا إن لوحظ فيه معنىً مجازي فيقال: أمنه إذا صدقه أي أمِنَه من التكذيب. إذا صدقه أمِنَه من القتل بعد أمنه من العذاب في الدنيا والآخرة.

طالب:...

نعم.

طالب:...

ما يخالف، لغويًّا، لكن كيف يناقش لفظة بلفظها، والثاني بمعناها؟ يقول: فيه بالتباين؟ لأن الذي قال: مشتق من الإيمان نظر إلى أصل المادة بينهما اشتراك صح أم لا؟ بينهما اشتراك، ولو تنظر معجم مقاييس اللغة لابن فارس يدور حول هذا في جميع الكلمات، يدور حول هذا، يدور على أصل المادة، ويثبت القاسم المشترك بين فروعها، فهناك قاسم مشترك بين الأمن والإيمان، ونقول: تباين؛ لأنه ما ذكر الإيمان، قال التصديق.

طالب:...

هو الآن ما هو بصدد الرد على من قال: إن الإيمان مأخوذ من الأمن، قلنا: إن كونه مأخوذًا من الأمن أو الأمن مأخوذ من الإيمان هذا ممنوع من الأصل.

طالب:...

نقول: ممنوع من الأصل؛ لأن كلاًّ منهما مصدر، وكلاهما أصل بذاته، يبقى مسألة مادة أمِن ومادة آمن هل بينهما اشتراك أم لا؟ هنا المقارنة ينبغي أن تكون. أما يقول لي: يجيء ب لفظة بلفظها، والثانية بمعناها يقول: ما بينهم اشتراك! يعني هل هناك لو قلت مثلاً الصلاة والدعاء، بينهما اتفاق من حيث اللفظ؟ من حيث الحقيقة الشرعية فيهما تداخل باعتبار أن الصلاة في اللغة الدعاء، لكن لما تشرح لفظ الصلاة واشتقاق الكلمة يختلف عن اشتقاق الدعاء، وهنا سيأتي في آخر الباب، يقول: الدعاء في اللغة الإيمان. الدعاء في اللغة الإيمان، ما هو بعندكم ببعض النسخ؟ هذا في رواية أبي ذر. صحيح ما أُثبِت في أصل الصحيح، لكنه في الحاشية لقوله -عز وجل-: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ}[الفرقان:77] ومعنى الدعاء في اللغة الإيمان، في الحاشية، في الحاشية وفي رواية أبي ذر، فإذا قلنا: إن هناك تباينًا بين الدعاء والإيمان، يعني من حيث اللفظ الاشتقاق اللفظي في تباين، لكن من حيث المعنى يلتقيان.

طالب:...

نعم.

طالب:...

نعم.

طالب:...

الاشتراك.

طالب:...

مشتق من آلهة من الألوهية.

طالب:...

لا، هم يقولون مثل هذا إذا كانت اللفظة جارية على سَنن المشتقات، وإن لم تشتق من غيرها. يقول ابن حجر: أما النطق باللسان والتصديق به فأمرٌ لا بد منه، لا، ما هو من كلام ابن جحر، هاتِ فتح الباري الأول. هات الأول هاته. ستة وأربعين.

يقول: والإيمان لغةً التصديق وشرعًا تصديق الرسول -صلى الله عليه وسلم- بما جاء به، وهذا القدر متفق عليه، ثم وقع الاختلاف، إنه من جاء ما، والإيمان فيما قيل: مشتق من الأمن، وفيه نظر؛ لتباين مدلولي الأمن والتصديق إلا إن لوحظ فيه إن لوحظ فيه معنىً مجازي فيقال: أمنه إذا صدقه وأمنه التكذيب، انتهى كلامه. انتهى كلامه إلى هذا الحد.

 نقول: تعليقًا على كلامه، أما النطق باللسان والتصديق به فأمرٌ لا بد منه، بل هو شرطٌ لإجراء الأحكام الدنيوية؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- علق حقن الدم بالقول فثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله» فلا بد من النطق حينئذٍ. وأما العمل، فالعمل نوعان: عمل القلب وعمل الجوارح، أما عمل القلب من الحب والخوف والخشية والرغبة والرهبة وغيرها فأمرٌ لا بد منه؛ لأن مجرد تصديق القلب مع عدم عمله لا يمكن أن يكون إيمانًا وإلا لصار إبليس وفرعون من المؤمنين لوجود المعرفة في قلوبهم. استيقنتها قلوبهم، جحدوا بها واستيقنتها قلوبهم، قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: لا بد في الإيمان في القلب من تصديقٍ بالله ورسوله وحب الله ورسوله وإلا فمجرد التصديق مع البغض لله ولرسوله ومعاداة الله ورسوله ليس إيمانًا باتفاق المسلمين، وليس مجرد التصديق وليس مجرد التصديق والعلم يستلزم الحب، إلا إذا كان القلب سليمًا من المعارِض، إلا إذا كان القلب سليمًا من المعارض كالحسد والكبر؛ لأن النفس مفطورة على حب الحق وهو الذي يلائمها، ولا شيء أحب إلى القلوب السليمة من الله. وهذا هو الحنيفية ملة إبراهيم- عليه السلام- الذي اتخذه الله خليلاً وقد قال تعالى: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ. إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}[الشعراء88 :89] فليس مجرد العلم موجبًا لحب المعلوم، إن لم يكن في النفس قوةٌ أخرى تلائم المعلوم، وهذه القوة موجودة في النفس، هذا كلام شيخ الإسلام.

 يعني القلوب والفِطَر التي تأثرت وانحرفت وخالطها ما خالطها واجتالتها الشياطين هذه لا يكفيها مجرد تصديق؛ لأنه قد يصدق، لكن لا يتبع، ولا تلازم بين التصديق والاتباع إلا عند صاحب القلب السليم، الذي لا يوجد عنده معارِض للفطرة السليمة.

 وأما دخول عمل الجوارح في الإيمان، وأما دخول عمل الجوارح في الإيمان فقد بينه شيخ الإسلام بما يلي: قال- رحمه الله-: أصل الإيمان هو ما في القلب والأعمال الظاهرة، هو ما في القلب والأعمال الظاهرة، لذلك لا يتصور وجود إيمان القلب الواجب مع عدم جميع أعمال الجوارح، بل متى نقصت الأعمال الظاهرة كان لنقص الإيمان الذي في القلب، فصار الإيمان متناولاً للملزوم واللازم، وإن كان أصله ما في القلب، وحيث عُطفت عليه الأعمال، فإنه أريد أنهلا يكتفي بإيمان القلب، أو لا يُكتفى بإيمان القلب، بل لابد معه من الأعمال الصالحة، يعني إذا عطفت عليه، وهم يقولون-أي الذين يشترطون العمل ويذكرونه شرطًا، أو ركنًا في الإيمان- يقولون: العطف يقتضي المغايرة. لكن ألا يوجد شيء يسمى عطف الخاص على العام والعام على الخاص؟ وهو منه؟

 يقول- رحمه الله-: أصل الإيمان هو ما في القلب والأعمال الظاهرة، ولذا يقول الحسن: ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكن الإيمان ما وقر في القلب وصدَّقه العمل. بعض الناس يفعل المحرمات، ويفرط في الواجبات، وإذا نوقش يقول: الرسول يقول: التقوى ها هنا، التقوى ها هنا، ما معنى التقوى؟ ما معنى التقوى؟ يعني اقتران دعوى بما يكذبها، أن تدعي التقوى وأنها موجودة في قلبك، ولكن ما معنى التقوى؟ فعل المأمورات وترك المحظورات، فهل يمكن أن تحقق التقوى التي هي فعل المأمورات وترك المحظورات وأنت ترتكب المحظورات وتفعل وتترك المأمورات؟ يعني تناقض التقوى وتقول: التقوى ها هنا؟

 الدعاوى لا بد أن يكون لها ما يصدقها، فما بالك إن اقترنت الدعوى بما يكذبها؟ لو أن شخصًا قال: رأيت فلانًا من الناس، تسأله: متى توفي فلان؟ يعرف سنة وفاته، توفي قبل خمسين سنة طيب أنت عمرك كم؟ عمره أربعون سنة، وقد يكتب رأيت شيخنا فلانًا، واجتمعت به، المتوفى سنة كذا، وإذا سألته عن عمره فإذا به ميت قبل أن يولد بعشر سنين. تُقبَل مثل هذه الدعوى؟ ما تُقبَل. هذا الذي يقول: التقوى ها هنا، والتقوى فعل المأمورات وترك المحظورات، وهو يناقض حقيقة التقوى يُقبَل قوله؟ أو يقول: هو مؤمن كامل الإيمان مثل إيمان جبريل وهو لا يصوم ولا يصلي مع الناس ولا يزكي ولا يترك محظورًا يرتكبه؟ الدعوى لها ما يؤيدها، الإيمان ما وقر في القلوب وصدقه العمل. أصل الإيمان هو ما في القلوب والأعمال الظاهرة.

 لذلك لا يتصور وجود إيمان القلب الواجب مع عدم جميع أعمال الجوارح، يعني لا عمل عنده ألبتة. بل متى نقصت الأعمال الظاهرة لكن لنقص الإيمان الذي في القلب، فصار الإيمان متناولاً للملزوم واللازم. يعني لو أن الإيمان كامل، فهل يمكن أن يتصور أن يؤمن شخص بمن يأمره وينهاه ويخالف هذه الأوامر والنواهي؟ ويدعي أنه مؤمن به؟ هذه دعاوى مجردة مقترنة بما يناقضها، وإن كان أصله ما في القلب. يقول شيخ الإسلام: وإن كان أصله ما في القلب، وحيث عُطفت عليه الأعمال فإنه أريد أنه لا يكتفى بإيمان القلب، بل لا بد معه من الأعمال الصالحة؛ لأنه أحيانًا قد يكون اللفظ متناولًا لأفراد كثيرة، ننتبه لهذا! يكون اللفظ متناولًا لأفراد كثيرة، فإذا تكلم به المتكلِّم ومراده جميع هذه الأفراد كفى، لكن قد يخشى من نسيان بعض السامعين لبعض الأفراد المهمة، ولأهميتها يعطفها على ما يشملها ويشمل غيرها.

 يعني هذا عطف الخاص على العام، لماذا يُنصّ على الخاص وهو داخل؟ من باب العناية به والاهتمام بشأنه، يعني لما يقول أهل العلم: يشترط لقبول الأعمال الإخلاص والمتابعة. يقول بعضهم: ما نحتاج إلى الشرط الأول، ما نحتاج إلى الشرط الأول، يشترط لقبول العمل المتابعة فقط؛ لأن العمل من غير إخلاص فيه متابعة؟ هل عمل النبي -صلى الله عليه وسلم- عمل بدون إخلاص؟ ما فيه، إذًا المتابعة تكفي، ومن شرط المتابعة أن يكون فيها إخلاص، ظاهرًا وباطنًا، فما نحتاج إلى إخلاص، العلماء يكتفون بهذا؟ ما يكتفون لماذا؟ لأن الإخلاص بصدد أن يغفل عنه كثيرٌ من الناس، يطبق الصورة الظاهرة ويقول: أنا تابعت، ولأهمية الإخلاص في قبول الأعمال ينصون عليها، وإلا فهي داخلة في المتابعة؛ لأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- ما يتصور منه عمل بدون إخلاص. ولا تتحقق المتابعة التامة إلا بالإخلاص، ولهذا نظائر، يعني عند التفصيل يُحتاج إلى ذكر ما يندرج في غيره، للاهتمام به، وهذا ما يسمى بعطف الخاص على العام. لا أنه غيره، نعم إذا قيل: جاء زيد وعمرو العطف لإيش؟ للمغايرة، للمغايرة.

 ثم للناس في مثل هذا قولان: منهم من يقول: المعطوف دخل في المعطوف عليه أولاً، ثم ذكر باسمه الخاص تخصيصًا له؛ لئلا يظن أنه لم يدخل في الأول، وقالوا: هذا في كل ما عُطف فيه خاص على عام، كقوله تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ}[البقرة:98]جبريل وميكال ما يدخلون في الملائكة، هل هذا عطف مغايرة؟ لا.

 وقوله: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ}[الأحزاب:7] هؤلاء المذكورين: منك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى، هؤلاء الخمسة ما يدخلون في النبيين؟ لا، يدخلون، وهذا من باب عطف الخاص على العام للعناية بشأن الخاص والاهتمام به. وقوله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ}[محمد:2]، {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ} ما يكفي آمنوا وعملوا الصالحات عن قوله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ}؟ للاهتمام به والعناية بشأنه يُنَصّ عليه، فخصّ الإيمان فخصّ الإيمان بما نزل على محمد بعد قوله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا} وهذه نزلت في الصحابة وغيرهم من المؤمنين، وهذا الكلام لشيخ الإسلام ابن تيمية من مجموع الفتاوى في الجزء السابع الذي هو كتاب الإيمان.

 قال أبو عمر بن عبد البر: أجمع أهل الفقه والحديث على أن الإيمان قولٌ وعملٌ، ولا عمل إلا بنية، والإيمان عندهم يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، والطاعات كلها عندهم إيمانٌ إلا ما ذُكِر عن أبي حنيفة وأصحابه فإنهم ذهبوا إلى أن الطاعات لا تسمى إيمانًا قالوا: إنما الإيمان التصديق، والإقرار، ومنهم من زاد المعرفة. هذا كلام ابن عبد البر ينقل اتفاق وإجماع أهل الفقه والحديث على أن الإيمان قول وعمل ولا عمل إلا بالنية والإيمان يزيد وينقص، على ما سيأتي في كلام الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-.

وقال البغوي في شرح السُّنَّة: اتفقت الصحابة والتابعون فمن بعدهم من علماء السُّنَّة على أن الأعمال من الإيمان، على أن الأعمال من الإيمان ثم قال: وقالوا: إن الإيمان قول وعمل يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، على ما نطق به القرآن في الزيادة؛ لأنه سيأتي في الآيات الثماني التي ذكرها المؤلف من القرآن كلها بالزيادة ما فيه شيء اسمه نقص. يعني ما في القرآن ما يدل على أن على النقص، قال: على ما نطق به القرآن في الزيادة وجاء الحديث بالنقصان في وصف النساء. «ناقصات عقل ودين»، «ناقصات عقل ودين» انتهى من شرح السُّنَّة.  

يقول شيخ الإسلام -رحمه الله- عن كتاب الإيمان في صحيح البخاري يقول: فإن كتاب الإيمان الذي افتتح به الصحيح يعني الإمام البخاري قرر مذهب أهل السُّنَّة والجماعة وضمَّنه الرد على المرجئة فإنه كان من القائمين بنصر السُّنَّة والجماعة مذهب الصحابة والتابعين لهم بإحسان وهو قول وفعل يزيد وينقص، ثم ذكر الآيات التي ذكرها الإمام البخاري.

طالب:...

الزيادة دون النقص. سيأتي هذا. سيأتي في شرح الآيات إن شاء الله.

طالب:...

نعم؛ لأنهم جعلوا بدء الوحي كالمقدمة، ولذلك ما افتُتح بكتاب، ما افتتح بكتاب.

طالب:...

لا لا، أين قالوها؟

طالب:...

أين قاله؟

طالب:...

لا، أحضرِه. ثم ذكر الآيات الثمان التي ذكرها البخاري -رحمه الله تعالى-، وكلها تدل على زيادة الإيمان بالأعمال الصالحة، فدل هذا على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان.

 النووي في القطعة التي شرحها من أوائل الصحيح قال: وإما إطلاق اسم الإيمان على الأعمال فمتفق عليه عند أهل الحق. وإما إطلاق اسم الإيمان على الأعمال فمتفق عليه عند أهل الحق. ودلائله في الكتاب والسُّنة أكثر من أن تحصر، وأشهر من أن تشهر، قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ}[البقرة:143]، أجمعوا على أن المراد: صلاتكم الصلاة إلى بيت المقدس على ما سيأتي، ومثله الآيات التي ذكرها البخاري في الباب، وأما الأحاديث فخارجة عن الإحصاء، وستمرُ بها في مواضعها، وهذا المعنى أراد البخاري في صحيحه بالأبواب الآتية بعد هذا كقوله: باب أمور الإيمان، باب الصلاة من الإيمان، باب الزكاة من الإيمان، باب الجهاد من الإيمان، وسائر أبوابه، وأراد الرد على المرجئة في قولهم الفاسد أن الإيمان قول بلا عمل، وبيّن غلطهم وسوء اعتقادهم ومخالفتهم الكتاب والسُّنة وإجماع سلف الأمة.

 قال الإمام أبو الحسن ابن بطال: مذهب جميع أهل السُّنَّة من سلف الأمة وخلفها أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، والمعنى الذي يستحق به العبد المدح والولاية من المؤمنين هو إتيانه بهذه الأمور الثلاثة، التصديق بالقلب والإقرار باللسان والعمل بالجوارح، وذلك أنه لا خلاف بين الجميع أنه لو أقرّ وعمل بلا اعتقاد أو اعتقد وعمل وجحد بلسانه لا يكون مؤمنًا، فكذا إذا أقرّ واعتقد ولم يعمل الفرائض لا يسمى مؤمنًا بالإطلاق؛ لقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ.الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ. أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا}[الأنفال2 :4]. فأخبر -سبحانه وتعالى- أن المؤمنين أن المؤمن لا يكون إلا من هذه صفته، ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن» انتهى كلامه -رحمه الله-.

هنا يقول: وقد دلّ القرآن والسُّنة على دخول الأعمال في الإيمان قال الله -جل وعلا-: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا}[السجدة:15] إنما يؤمن بآياتنا حصر، {الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ}[السجدة:15]، قال -جل وعلا-: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ}[النور:62]، قال -جل وعلا-: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}[المجادلة:22]، ومن السُّنَّة قوله -عليه الصلاة والسلام-: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن»، وقوله -عليه الصلاة والسلام-: «لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه» قال -عليه الصلاة والسلام-: «لا تؤمنوا حتى تحابوا».

 قال ابن رجب في شرح البخاري: وكثير من علماء أهل الحديث، وكثير من علماء أهل الحديث يرى تكفير تارك الصلاة، يرى تكفير تارك الصلاة، وحكاه إسحاق بن راهويه إجماعًا منهم حتى إنه جعل قول من قال لا يكفر بترك بترك الأركان مع الإقرار بها من أقوال المرجئة. يقول ابن حجر: وكثير من علماء الحديث يرى تكفير تارك الصلاة وحكاه إسحاق بن راهويه إجماعًا منهم، ونُقِل عن الصحابة أنهم كانوا لا يرون شيئًا تركه كفر إلا الصلاة. حتى إنه جعل قول من قال لا يكفر بترك الأركان مع الإقرار بها من أقوال المرجئة وكذلك قال سفيان بن عيينة: المرجئة سموا ترك الفرائض ذنبًا بمنزلة ركوب المحارم، وليسوا سواء؛ لأن ركوب المحارم متعمدًا من غير استحلال معصية، وترك الفرائض من جهلٍ من غير من جهل أو من غير جهل ولا عذر هو كفر، وبيان ذلك في أمر آدم وإبليس، وعلماء اليهود الذين أقروا ببعثة النبي -عليه الصلاة والسلام- بلسانهم ولم يعملوا بشرائعه. هؤلاء الذين أقروا ببعثة النبي -عليه الصلاة والسلام- لكنهم ما اتبعوه ولا عملوا بشرائعه، يدخلون في الإسلام؟ لا يدخلون في الإسلام، وفرقٌ بين أمر آدم وإبليس من جهة ...

طالب:...

نُهي عن الأكل، فأكَل، وهذا أُمِر بالسجود فأبى، قالوا: وبيان ذلك في أمر آدم وإبليس، يريد أن يفرِّق أن ترك الأركان كفر، وترك المأمورات من غيرها أو عموم المعاصي، أو ترك أو ارتكاب بعض المحظورات معصية، نعيد كلامه، وكذلك قال سفيان بن عيينة: المرجئة سموا ترك الفرائض ذنبًا المرجئة سموا ترك الفرائض ذنبًا بمنزلة ركوب المحارم. ترك الفرائض بمنزلة ركوب المحارم، وليسا سواء؛ لأن ركوب المحارم متعمدًا من غير استحلال من غير استحلال معصية، وترك الفرائض من غير جهل ولا عذر هو كفر.

كأنه يريد أن يقرر ما يذهب إليه شيخ الإسلام -رحمه الله- من أن ارتكاب المحظور أسهل من ترك المأمور، ارتكاب المحظور أسهل من ترك المأمور، وشيخ الإسلام يستدل بمعصية آدم وإبليس، معصية آدم ارتكاب محظور، ومعصية إبليس ترك مأمور، ولهذا القول من ينصره، والقول بالعكس أن ارتكاب المحظور أشد من ترك المأمور قول الأكثر، وذكره الإمام أحمد وغيره قال: أشد. واستدلوا بالحديث: «إذا أمرتكم بأمرٍ فائتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه»، هذا قول الأكثر، لو أتينا بمثال: أيهما أشد ترك المأمور في تغيير الشيب أو ارتكاب المحظور بحلق اللحية؟ تبقى لحيتك بيضاء أم تحلقها أسهل؟ تبقى بيضاء، هذا لا يمكن أن يقوله أحد من أهل العلم بأن حلق اللحية أسهل من عدم صبغها، وهذا ارتكب محظورًا، وهذا ترك مأمورًا، هذا من حيث الإجمال، أن ارتكاب المحظور أشد من ترك المأمور، لكن من حيث التفصيل يُنظَر في كل مسألة بعينها، يُنظَر في كل مسألة بعينها، لا شك أن من المأمورات ما تركه من عظائم الأمور، ومن المحظورات ما ارتكابه خفيف، والعكس؛ لأن المكروهات منهيات، فهل يقارن ارتكاب المكروه بترك الواجب؟ ما يقارن. والعكس، المندوب مأمورٌ به، فهل يُقارن ترك المأمور بفعل المحرم؟ بارتكاب المحظور؟ لا، فكل شيء يراد المقارنة بينه وبين غيره لا بد من النظر فيه على حِدة.

 القاعدة الأصل أن ترك المحظور أو ارتكاب المحظور أعظم من ترك المأمور في الجملة، وهذا قول الأكثر، شيخ الإسلام يرى العكس، لكن إذا جيء لنا بكذا وكذا هذا مأمور صار ضاق الوقت أو تعارضا تعارضًا لا يمكن التوفيق بينهما، صلاة الجماعة واجبة في المسجد، وفي الطريق بغي وعلى رأسها ظالم لا يمكن أن يتجاوزها إلا أن يجبر على الوقوع عليها، ترتكب محظورًا أم تترك مأمورًا؟ تترك مأمورًا، والعكس، لو جئنا إلى الصلاة لو قال لك شخص: إما أن تترك الصلاة أو تفعل كذا من المحرمات التي لا تقارن بالصلاة وهذا المكرِه يملك، هل نقول: تترك الصلاة؟

لو أن شخصًا ألزم الناس بمحظور، ظالم ألزم الناس بارتكاب محظور، وقال: الذي لا يفعل هذا المحظور لا يصلي، نقول: الصلاة من عظائم الأمور، ومن أركان الإسلام وثاني الأركان، ويكفر بتركها، ما تقارن بأي محظور.

 على كل حال كل مسألة ينظر إليها، والإطلاق من حيث الجملة هذا فيه الخلاف.

طالب:...

ما قال هذا، سموا ترك الفرائض ذنبًا بمنزلة ركوب المحارم وليسا سواءً؛ لأن ركوب المحارم، هذا كلام شيخ الإسلام بالتفصيل معروف معروف.

طالب:...

كلام شيخ الإسلام في مسائل فرعية، كلام شيخ الإسلام حينما يقارن وحينما يذكر الأمثلة المثال الواحد الذي ذكره معصية آدم ومعصية إبليس.

طالب:...

لكن مثاله بمسألة ما ذكر الجميع.

طالب:...

فكان بمنزلة الجنس؟ ما أدري، حينما يطلق مثل هذا الإطلاق العام ويمثَّل بمثال واحد ما فيه شك أنه يؤخذ على إطلاقه.

طالب:...

كيف؟

طالب:...

ستأتي مسألة الاشتراط ومسألة شرط كمال أو شرط وجوب أو ركن في العمل في الإيمان سيأتي هذا كله. يقول نقول: وقد بيَّن ابن القيم أن حقيقة الإيمان مركبة من قول وعمل، والقول قسمان: قول القلب وهو الاعتقاد وقول اللسان وهو التكلُّم بكلمة الإسلام، والعمل قسمان: عمل القلب وهو نيته وإخلاصه، وعمل الجوارح، فإذا زالت هذه الأربعة زال الإيمان بكامله، وإذا زال تصديق القلب لم تنفع بقية الأجزاء، فإن تصديق القلب شرطٌ في اعتقادها، وكونها نافعة. وإذا زال عمل القلب مع اعتقاد الصدق فهذا موضع المعركة بين المرجئة وأهل السُّنَّة، فأهل السُّنَّة مجمعون على زوال الإيمان، وأنه لا ينفعه التصديق مع انتفاء القلب ومحبته وانقياده كما لم ينفع إبليس وفرعون، كما لا ينفع إبليس وفرعون وقومه واليهود والمشركين الذين كانوا يعتقدون صدق النبي -صلى الله عليه وسلم-، بل يقرون به سرًا وجهرًا، ويقولون: ليس بكاذب ولكن لا نتبعه، ولا نؤمن به، وإذا كان الإيمان يزول بزوال عمل القلب، فغير مستنكَرٍ أن يزول بزوال أعظم أعمال الجوارح، ولا سيما إذا كان ملزومًا لعدم محبة القلب وانقياده الذي هو ملزومٌ لعدم التصديق الجازم فإنه يلزم من عدم طاعة القلب فإنه يلزم من عدم طاعة القلب عدم طاعة الجوارح، إذ لو أطاع القلب، إذ لو أطاع القلب وانقاد أطاعت الجوارح، وانقادت، ويلزم من عدم طاعته وانقياده عدم التصديق المستلزم للطاعة، وهو حقيقة الإيمان فإن الإيمان ليس مجرد التصديق، وإنما هو التصديق المستلزم للطاعة، والانقياد. وهكذا الهدى ليس هو مجرد معرفة الحق وتبيُّنه، بل هو معرفته المستلزمة لاتباعه والعمل بموجبه وإن سُمِّيَ الأول هدى فليس هو الهدى التام المستلزم للاهتداء، كما أن اعتقاد التصديق وإن سُمِّي تصديقًا فليس هو التصديق المستلزم للإيمان. فعليك مراجعة هذا الأصل ومراعاته. هذا في كتاب الصلاة لابن القيم وفي الفوائد أيضًا.

 إذا عرفنا هذا، وأن أهل السُّنَّة كمالك والشافعي وأحمد والأوزاعي وإسحاق وسائر أهل الحديث يدخلون الأعمال في مسمى الإيمان، وأنه يزيد بزيادة الأعمال الصالحة، وينقص بنقصها كما قرره الأئمة، وتقدَّم ذكر الأدلة على زيادته وما قَبِل الزيادة فإنه يقبل النقص، وأن المرجئة لا سيما مرجئة الفقهاء لا يدخلون الأعمال في مسمى الإيمان، وأن الإيمان واحد، وأهله في أصله سواء، وأهله في أصله سواء، كما قرره الطحاوي في عقيدته الشهيرة، ومع ذلك لا يتساهلون في الأعمال ولا في جزائها، كذا قرره، ولذا قرر ابن أبي العز في شرح الطحاوية أن الخلاف بين أبي حنيفة والأئمة الباقين من أهل السُّنَّة اختلافٌ صوري.

 ولبيان حقيقة الأمر لا بد من التفصيل. طيب، الآن المرجئة مرجئة الفقهاء الخلاف بينهم وبين الجمهور من أهل السُّنَّة في العمل، أهل السُّنَّة يدخلونه في حقيقة الإيمان، وهؤلاء الحنفية من المرجئة الذين يسمونهم مرجئة الفقهاء لا يدخلونه في مسمى الإيمان، لكنهم يختلفون عن المرجئة الغلاة، هل يقول حنفي: إن الزنا لا يضر مع الإيمان؟ لا، يؤثِّمونه، ويرون الزنا من عظائم الأمور، هل يقول حنفي من مرجئة الفقهاء الذين يسمونهم مرجئة الفقهاء أن أكل الربا ما يضر، والإيمان كامل كإيمان جبريل؟ ما يقولون هذا، فالفرق بينهم وبين أهل السُّنَّة من جهة أن أهل السُّنَّة يرون العمل من مسمى الإيمان ومن حقيقته، وهؤلاء المرجئة لا يدخلونه في المسمى، وإن أوجبوه وأثَّموا تاركه.

 وأما المرجئة الغلاة فإنهم لا يرونه يضر، ومن صدَّق وآمن بقلبه خلاص يصدِّق بلسانه يكفي، وأن إيمانه مثل إيمان جبريل. وإن عمل ما عمل، وأنه لا يضر مع الإيمان ذنب كما أنه لا ينفع مع الكفر معصية؛ لوجود التقابل بين الإيمان والكفر. وعرفنا فيما سبق أن التقابل بين الإيمان والكفر مثل تقابل العمى والبصر، مثل تقابل العمى والبصر، كما قال الله -جل وعلا-: {هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ}[الأنعام:50] تقابل العمى والبصر إذا طبقته على تقابل الإيمان والكفر بان لك الفرق، العمى مراتب مراتب أم مرتبة واحدة؟ ما ينفع معه نظارات الدنيا ولا مناظير الدنيا، العمى، ولذا من حُكِم بكفره لا ينفع معه لو أنفق أموال الدنيا لنفع الناس مثلاً، ما دام كافرًا لا ينفعه عمل؛ لأن العمى مرتبة واحدة، لكن تعال إلى البصر، البصر مرتبة أم مراتب؟ مراتب، كالإيمان مراتب، فيتضرَّر من حصل الخدش في إيمانه كما يتضرر من حصل الخدش في بصره بقدر هذا الخدش وبقدر هذا النقص، والناس تفاوتون في البصر، يعني وجد من يرى من مسافة عشرة كيلو، مسافة عشرة كيلو، ووجد من لا يرى ما بين يديه، ويسمى مبصرًا، بصير هذا ما هو بأعمى، والثاني بصير، فهو مراتب والتنظير بين والتشبيه في بين الكفر والإيمان بالعمى والإبصار تشبيهٌ مطابق. 

طالب:...

نعم.

طالب:...

لا، المسألة أن الكافر- الجنة عليه حرام، ومخلد في النار.

طالب:...

مثل هذا النفع والانتفاع في الدنيا يعني بالمقارنة بما يؤول إليه أمره كلا شيء، مثل ما قالوه: من نفَّس عن مسلم كربة نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، من ستر على مسلم ستره الله في الدنيا والآخرة، ستره الله في الدنيا والآخرة، ومن نفَّس عن مسلم كربة ما قيل: نفَّس الله عنه كربة في الدنيا والآخرة، نفَّس عنه من كرب يوم القيامة؛ لأن كرب الدنيا مهما توالت وصعبت على الإنسان كلا شيء، فالعبرة بالمآل.

طالب:...

خُفِّف عنه، لكن استفاد؟ يغلي منهما دماغه، كونه يُخلد في النار وفي ضحضاح من النار، أو عليه نعلان من نار هذا أمر عظيم.

طالب:...

يعني الأمور لا ترجع إلى ذات الشيء الأمور التي تحتف به، نفترض أن العمى مطبق، لكنه عنده حواس ثانية يستفيد منها، قل هذا في مثل أبي طالب، نعم، بعض الناس دقيق وحساس ويدرك بعض الأشياء، ينتفع بها، لكن هل يمكن أن يقال: بصير؟ لا يمكن.

طالب:...

نعم.

 قرر ابن أبي العز في شرح الطحاوية أن الخلاف بين أبي حنفية والأئمة الباقين من أهل السُّنَّة خلاف صوري، ولبيان حقيقة الأمر لا بد من التفصيل.

 فمن جهة الاهتمام بالأعمال وتأثيم المخالف فيها لا يظهر بينهم في الحقيقة فرق، وحينئذٍ يكون الخلاف صوريًّا على ما قرر ابن أبي العز، ومن جهة كون مرتكب الكبيرة لا يخرج عن مسمى الإيمان، وإن كانت كفرًا عمليًّا كما يقوله المرجئة، وإنما يخرج عن مسمى الإيمان بالكفر الاعتقادي فقط، بينما أهل السُّنَّة يفصلون في هذا، فإن كانت الكبيرة مُكَفِّرةً أو شركًا فهي مخرجة عن الإيمان، وإن كانت عملية، فعلى هذا يكون الخلاف حقيقيًّا لما ورد من النصوص الدالة على زيادة الإيمان، وما ورد من نفي الإيمان عن بعض مرتكبي الكبائر كالزاني والسارق وغيرهما. في باب الردة، الردة عند الفقهاء في كتب الفقه، أكثر المذاهب في التوسع في الحكم على الشخص بالردة الحنفية.

طالب:...

الحنفية.

فهل اعتناقهم لهذا المذهب والقول بأن الأعمال غير داخلة في مسمى الإيمان أعطاهم فسحة في إدخال الناس أو عامة الناس ولو ارتكبوا ما ارتكبوا في مسمى الإيمان؟ وبهذا يكون تطبيقهم لمسمى الردة على خلاف ما أصَّلوه في مسمى الإيمان، ولعلنا في الدرس القادم نحضر كتابًا من كتب الحنفية، وننظر الأعمال التي حكموا بردة مرتكبها.

 بهذا القدر نكتفي.

 والله أعلم.

 وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

طالب:...

لا، ما يلزم، لا لا. وسيأتي كل هذا.

"