تنقيح الأنظار في معرفة علوم الآثار (20)

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف- رحمه الله تعالى- "المقطوع هو قول التابعي وفعله" يعني تقدم القسم الأول المرفوع وهو ما يضاف إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- من قول أو فعل أو صفة، والموقوف ما يضاف إلى التابعي إلى الصحابي، ما يضاف إلى الصحابي من قول أو فعل بخلاف التقرير والوصف فلا يمكن أن يضاف إليه؛ لأنه قد يسكت على ما لا يراه لمصلحة راجحة فلا يستدل بالتقرير إلا ما كان منه -عليه الصلاة والسلام- والقسم الثالث المقطوع، القسم الثالث بالنسبة إلى إضافة الكلام إلى قائله، ما يضاف إلى التابعي من قول وفعل يسمى مقطوع ليقابل المرفوع والموقوف، "قال ابن الصلاح ويقال في جمعه مقاطيع ومقاطع" كما يقال مفاتح ومفاتيح، مسانيد ومسانيد، صيغة منتهى الجموع، "قال- يعني- ابن الصلاح وقد وجدت التعبير بالمقطوع عن المنقطع في كلام الشافعي وأبي القاسم الطبراني إذا أراد أن يحكم على حديث بعدم اتصال سنده قال هذا حديث مقطوع" في كلام الشافعي رحمه الله وأبي القاسم الطبراني يعبرون بالمقطوع عن المنقطع، "قال زين الدين ووجدته أيضا في كلام أبي بكر الحميدي وأبي الحسن الدارقطني قال ابن الصلاح وقد حُكي عن بعض أهل العلم أنه جعل المنقطع ما وقف على التابعي" يعني على العكس، الأصل أن المنقطع ما لم يتصل إسناده، والمقطوع ما يضاف إلى التابعي، وجد في كلام الشافعي والطبراني إطلاق المقطوع يراد به المنقطع، ووجد عكسه أيضا إطلاق المنقطع على ما يضاف إلى التابعي بإزاء المقطوع، "وقد حكي عن بعض أهل العلم أنه جعل المنقطع ما وقف على التابعي واستبعده ابن الصلاح" لأن ابن الصلاح قال هذا غريب بعيد بلا شك؛ لأنه كيف يقال لخبر يروى عن الحسن البصري أو عن سعيد بن المسيب أو ابن سيرين بسند متصل يمكن أن يقال مقطوع؟ لكن يقال منقطع بسند متصل هذا بعيد كل البعد عن التوافق في الاصطلاح مع أصل الاشتقاق، "قال زين الدين القائل بذلك هو الحافظ أبو بكر أحمد بن هارون البردعي البرديجي حكاه في جزء لطيف له عبر بالمنقطع عن المقطوع عكس استعمال الشافعي والطبراني". قال- رحمه الله- فروع: "من السنة قول الصحابي من السنة كذا" كلام مضطرب يعني "من السنة قول الصحابي من السنة كذا" من السنة هذه لا داعي لها، "والأصل قول الصحابي من السنة كذا محمول على أنه مسند مرفوع؛ لأن الظاهر أنه لا يريد بذلك إلا سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- يعني إذا قال الصحابي من السنة كذا، الصحابي لا يطلق السنة إلا ويريد بذلك سنة النبي -عليه الصلاة والسلام- لاسيما إذا أراد أن يستدل بذلك على حكم شرعي، بخلاف قوله فقد يطلقونه على سنة البلد، على سنة الأمراء مثلا وعادتهم وديدنهم وطريقتهم، لكن الصحابي لا يريد إلا سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- قال "وهو مذهب الزيدية" ومعروف عند أهل السنة بلا إشكال.

قول الصحابي من السنة أو

 

 

 

نحو أمرنا حكمه الرفع......

 

كما قال الحافظ العراقي وقبله ابن الصلاح وغيرهم، وقال "وهو مذهب الزيدية ذكره المنصور بالله في الصفوة والشيخ أحمد في الجوهرة كقول علي بن أبي طالب من السنة وضع الكف على الكف في الصلاة رواه أبو داود" قول ابن عمر للحجاج إن كنت تريد السنّة فهجّر بالصلاة وهل يريدون بذلك لأنه صرح وهل يريدون بذلك إلا سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- "من السنة وضع الكف على الكف في الصلاة رواه أبو داود في رواية ابن داسه وابن الأعرابي وخالف بعضهم في ذلك" وابن الأعرابي من رواة السنن لأبي داود أبو بكر بن داسه وابن الأعرابي، وكما أن هناك رواية ابن العبد مثلا وهي رواية مشهورة مستفيضة عند أهل العلم، وهناك رواية اللؤلؤي هذه من روايات سنن أبي داود عن الإمام- رحمه الله- "وخالف بعضهم في ذلك" يعني لا يكون له حكم الرفع حتى يضيف السنة للنبي -عليه الصلاة والسلام- أما إذا قال من السنة يحتمل أنها سنة أبي بكر، أو سنة عمر، أو سنة أهل المدينة، أو سنة أهل البصرة، أو ما أشبه ذلك "وخالف بعضهم في ذلك منهم أبو بكر الصيرفي وأبو الحسن الكرخي وغيرهما وأما التابعي إذا قال ذلك" إذا قال التابعي من السنة كما قال سالم بن عبد الله بن عمر بين يدي أبيه هل يعتبر ذلك مرفوع أو ليس بمرفوع "فقيل هو موقوف متصل" لأنه إذا قال من السنة يعني سنة من قبله وهي سنة الصحابة فيكون موقوفا باعتبار أنها مضافة إلى الصحابة ومتصلا؛ لأن الذي يرويها تابعي أو ينقلها تابعي لقي الصحابة "لأنهم قد يعنون بذلك سنة الخلفاء وربما كثر ذلك منهم حتى لا يكون غيره راجحا وهذا جديد قولي الشافعي وصححه النووي، ومنهم من يراه مرفوعا إذا قاله التابعي الذي يستدل به على حكم شرعي يكون مرفوعا لكنه مرسل"

"قول الصحابي أُمرنا ونُهينا إذا قال الصحابي أُمرنا أو نهينا فهو من نوع المرفوع والمسند" معروف أنه عند أهل السنة فيما قرره العلماء في علوم الحديث أنه مرفوع مثل ما قلنا.

قول الصحابة من السنة أو

 

 

 

نحو أمرنا حكمه الرفع ولو

 

بعد النبي قاله بأعصر

 

 

على الصحيح وهو قول الأكثر

 

قال "هو من نوع المرفوع والمسند عند المنصور بالله وقاضي القضاة" سبق أن ذكر أن قاضي القضاة هو عبد الجبار من أئمة المعتزلة، والمستفيض عند الناس أو عند عموم لاسيما الشافعية يرونه الماوردي، "والشيخ أبي عبد الله والشيخ الحسن و حفيده أحمد" وهؤلاء كلهم من الزيدية "وكذلك عند أصحاب الحديث" يعني من أهل السنة، "قال الزين" يعني الحافظ العراقي زين الدين العراقي "عن ابن الصلاح وهو قول أكثر أهل العلم لأن مطلق ذلك ينصرف إلى من له الأمر والنهي" يعني إذا قال الصحابي أمرنا أو نهينا من الذي يأمر وينهى في باب الأحكام الشرعية؟ لا يوجد إلا النبي -عليه الصلاة والسلام- يعني لا ينصرف إلا إلى من له الأمر والنهي وهو النبي -عليه الصلاة والسلام- "وخالف في ذلك فريق منهم أبو بكر الإسماعيلي قال الزين" يعني الحافظ العراقي "وجزم به أبو بكر الصيرفي في الدلائل وذلك مثل أُمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة" طيب من الذي يأمر بلالا بأن يشفع الأذان ويوتر الإقامة؟ "أُمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة" والحديث مخرج في الصحيحين، هل يقال إنه موقوف؟ هذا من المرفوع قطعا؛ لأن بلالا مؤذن النبي -عليه الصلاة والسلام- ولا يوجد من يأمره بشفع الأذان وإيتار الإقامة إلا النبي -عليه الصلاة والسلام- "قال ابن الصلاح ولا فرق بين أن يقول ذلك في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- أو بعده" لا يختلف إذا قاله الصحابي، تقول أم عطية: "نهينا عن اتباع الجنائز ولم يُعزم علينا"  "أُمرنا أن نخرج العواتق" نهينا عن اتباع الجنائز وأُمرنا بإخراج العواتق والحيَّض وذوات الخدور إلى  صلاة العيد، هذا قول أم عطية أُمرنا ونهينا لا شك أن الآمر والناهي هو النبي -عليه الصلاة والسلام- لاسيما وأن أكثر ما وجد بصيغة المجهول وُجد بصيغة المعلوم، أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإذا قال الصحابي هذا لا شك أنه مرفوع عند جمهور أهل العلم، وإن قال أبو بكر الإسماعيلي والصيرفي بأنه موقوف "إذا قال التابعي ذلك" إذا قال التابعي أُمرنا أو نُهينا "فهو كقوله من السنة سواء" إما أن يكون موقوفا باعتبار أن الآمر له أحد الصحابة فيكون موقوفا متصلا أو يكون مرفوعا مرسلا مثل ما تقدم من السنة لأن يحتمل أن يُؤمر التابعي من قبل الصحابي، والاحتمال في أُمرنا ونهينا أظهر من الاحتمال في من السنة "قال زين الدين وأما إذا صرح بالآمر" يعني في الفصل هذا إذا قال الصحابي أُمرنا أو نهينا، لكن إذا قال أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هل يحتمل أن يكون الآمر غير الرسول -عليه الصلاة والسلام-؟ لا، لا يوجد احتمال، إذا صرح الصحابي بالآمر والناهي فقال أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلا شك أنه مرفوع قطعا لكن في دلالة الأمر على الوجوب ودلالة النهي على المنع هذا محل خلاف، فعامة أهل العلم يرون أنه بمثابة افعلوا وبمثابة لا تفعلوا يدل على الأمر والنهي، يدل على الوجوب، إذا أطلق ويدل على الامتناع إذا قال نُهينا أو نهانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بدون تردد، لكن فريق منهم داود الظاهري وأبو الحسن الكرخي وبعض المتكلمين يقولون أن هذا لا يكون له حكم الأمر والنهي، وإن قال أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونهانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يكون له حكم الأمر والنهي حتى ينقل اللفظ النبوي لاحتمال أن يسمع الصحابي كلاما يظنه أمرا أو يظنه نهيا وهو في الحقيقة ليس كذلك لكن هذا الكلام باطل وليس بشيء؛ لأن الصحابة إذا لم يعرفوا مدلولات الألفاظ الشرعية من يعرفها بعدهم؟ "إذا صرح بالآمر فقال أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلا أعلم فيه خلافا إلا ما حكاه ابن الصبّاغ في العدة عن داود وبعض المتكلمين أنه لا يكون حجة حتى ينقل لنا لفظ النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو ضعيف مردود قال زين الدين إلا أن يريدوا أنه ليس بحجة في الوجوب ويدل عليه تعليله للقائلين بذلك بأن من الناس من يقول المندوب مأمور به ومنهم من يقول المباح مأمور به فيسمع كلاما يدل على الإباحة فيقول أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لكن هذا لا يُظن بالصحابي "ومنهم من يقول المباح مأمور به أيضا قال زين الدين فإن كان ذلك مرادهم كان له وجه وإذا قال التابعي أمرنا هل يكون مرسلا فيه احتمالان للغزالي وجزم ابن الصباغ في الشامل أنه مرسل" إذا قال التابعي أمرنا الرسول -صلى الله عليه وسلم- فالرفع لا إشكال فيه ويبقى أنه مرسل؛ لأنه لم يدرك النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام- «أُمرت أن أسجد على سبعة أعظم» فالآمر هو الله- جل وعلا- وأمرني ربي وأُمرت كله الآمر هو الله- جل وعلا- سواء صرح بالآمر أو لم يصرح؛ لأنه لا يمكن أن يؤمر النبي -عليه الصلاة والسلام- من قِبَل غير الله جل وعلا، "وحكى فيما إذا قال ذلك ابن المسيب وجهين وأما إذا قال الصحابي أُمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أو أَمر النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يذكرها أهل الحديث واختلف أصحابنا فيها فذهب قاضي القضاة" الذي يظهر أنه من الزيدية قاضي القضاة هذا الذي يقول من أصحابنا "اختلف أصحابنا فيها فذهب قاضي القضاة إلى حمل ذلك على الاتصال وسماع الصحابي منه -عليه الصلاة والسلام- لأنه قال أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- ما قال أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "وقال المنصور بالله لا نحكم له بذلك ونجوّز أنه ثبت ذلك بسماع أو بواسطة ثقة" وعلى كل حال سواء سمعه بمباشرة من النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو موصول ومتصل، أو سمعه بواسطة صحابي ثانٍ فهو مرسل صحابي "أو بواسطة ثقة وقال الشيخ أحمد يُحمل على ثبوته عنده بطريق قاطع من سماع أو تواتر" وعلى كل حال ولو لم يُحفظ عنه أنه سمعه مباشرة من النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا أنه على أقل احتمال أنه سمعه من صحابي آخر فيكون من باب مراسيل الصحابة وهي حجة عند جماهير أهل العلم على ما تقدم بل نُقل فيه الإجماع.

 

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.