بلوغ المرام - كتاب الصلاة (09)
أسئلة كثيرة جداً لا يمكن الإحاطة بها.
سم.
"وعن جابر بن سمرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لينتهين قوم يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة))..
أقوام، أقوام.
طالب: قوم يا شيخ.
أقوام......
طالب: في المتن قوم، قوم في أصل المتن.
عندك الزهيري؟
طالب: إي نعم.
هو يعتمد على بعض النسخ، لا يلزم أن يكون مصيب في كل ما يثبت، لا يلزم هذا أبداً نعم، نعم؟ على كل حال هو واحد ممن طبع الكتاب لا يعني أنه مصيب في كل ما يثبت، نعم.
"وعن جابر بن سمرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة أو لا ترجع إليهم)) رواه مسلم".
حديث "جابر بن سمرة -رضي الله عنه- يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لينتهين))" اللام هذه هل نقول: إنها موطئة لقسم محذوف فتكون على الجادة؟ ((والذي نفسي بيده لينتهين أقوام)) وعلى كل حال إنما جيء بها لتأكيد التحذير من..، ((يرفعون أبصارهم))، ((أقوام))، ((لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء)) لما منع المصلي من الالتفات والانصراف إلى جهة اليمين وجهة الشمال بقي من الجهات جهة العلو والسفل، والاستقبال الاستقبال أكثر أهل العلم على أن السنة للمصلي أن ينظر إلى موضع سجوده، والمالكية يرون أنه ينظر إلى جهة القبلة {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(149) سورة البقرة] فالأمر متردد، المشروع متردد بين استقبال الجهة بالوجه أو موضع السجود هذا تمام القسمة؛ لأن الوجه إما أن ينحرف يميناً أو شمالاً، ومضى الكلام فيه، وحديث الباب إلى جهة العلو، بقي من الجهات مما يتمم القسمة النظر إلى جهة القبلة أو إلى موضع السجود، وهذا قال أهل العلم جمهورهم بالنظر إلى موضع السجود، والمالكية يقولون: الأولى أن ينظر إلى جهة القبلة، وأما رفع البصر إلى السماء فجاء فيه التحذير الشديد، التخويف ((لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة أو لا ترجع إليهم)) يرفعون أبصارهم في الصلاة لا خارج الصلاة، النظر إلى السماء خارج الصلاة جاء الحث عليه {أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ* وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ} [(17 - 18) سورة الغاشية] هذا خارج الصلاة مأمور به على جهة التفكر والاعتبار، وترجم الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: باب: النظر إلى السماء، واقتصر بعد الترجمة على قوله -جل وعلا-: {أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [(18) سورة الغاشية] ولم يذكر الآية الصريحة، صريحة المطابقة للترجمة، يعني الأصل أن يقول: باب النظر إلى السماء {وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ} [(18) سورة الغاشية] لأنها نص، فاقتصر على قوله: {أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [(18) سورة الغاشية] فالأمام -رحمه الله- يترك الاستدلال بالظاهر الجلي ويعمد إلى الغامض الخفي؛ لأنها مثل الاستدلال بالآية الصريحة أمره سهل عند طالب العلم يدركه أدنى واحد، لكن الاستدلال على الترجمة بالآية الخفية الدلالة {أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ} [(18) سورة الغاشية] إما أن يكون البخاري اقتصر عليها وأراد ما بعدها، كأنه قال: الآية وما بعدها، وهذا يسلك، يستدل على حكم شرعي بطرف آية والدليل فيما لم يذكر، والدليل قوله تعالى: كذا، الآية، أو يكون مراد البخاري أدق من ذلك وأخفى أن من نظر إلى الإبل لا سيما إذا كانت قائمة أنه لا بد أن ينظر إلى السماء، إذا نظر إلى الإبل لا بد أن ينظر إلى السماء كيف؟ لأن الإبل أرفع في قامتها من المخاطب، مهما بلغ في الطول، فإذا كان أرفع ورفع بصره إلى الإبل لا بد من لازم ذلك أن ينظر إلى السماء، فالنظر إلى السماء خارج الصلاة للعبرة والاتعاظ والتفكر في مخلوقات الله -جل وعلا- عبادة، عبادة جاء الحث عليها في نصوص كثيرة {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ} [(190) سورة آل عمران] ما كل إنسان يدرك هذه العبر، وهذه العظات، فتفكر ساعة له شأن عظيم، لكن هل من مدكر؟...... يقول: الأمور طبيعية، ونواميس ماشية فيما كتب لها، وليس لها من الحكم والعلل إلا أنها وجدت.......أبداً، جاء الحث على الاعتبار والتفكر والاتعاظ وهذا من خير ما يزيد في إيمان المسلم {لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ} من أولو الألباب؟ {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ} أهل الذكر، المفردون، الأحياء حياة حقيقية، لكن رفع البصر إلى السماء حيد وميل عما أمر به الإنسان {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(149) سورة البقرة] فلا يجوز لإنسان بل يكره كراهة شديدة أن يلتفت يمنةً أو يسرة، وأما رفع البصر إلى السماء فترتيب العقوبة عليه يدل على أنه محرم، أنه محرم، وليس في الحديث ما يدل على إبطال الصلاة برفع البصر إلى السماء؛ لأنه ليس فيه أنه لا صلاة له، أو صلاته باطلة، وإن قال الظاهرية: تبطل به الصلاة؛ لأن عندهم كل شيء، كل نهي يقارن عبادة ولو عاد إلى أمر خارج عنها يبطلها، فالنهي عندهم يقتضي البطلان مطلقاً، سواءً كان عائداً إلى ذات المنهي عنه، أو إلى شرطه، أو إلى وصفه الملازم له، أو إلى أمر خارج عنه، نعم.
"وله: عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا صلاة بحضرة طعام, ولا هو يدافعه الأخبثان))..
ولا وهو.
((ولا وهو يدافعه الأخبثان)).
وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((التثاؤب من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع)) رواه مسلم والترمذي، وزاد: ((في الصلاة))".
نعم مضى الصلاة بحضرة الطعام إذا حضر العشاء وقت الصلاة، وقت صلاة المغرب المنصوص عليها، فابدءوا بالعشاء؛ لأن النفس تكون تائقة إليه، فينشغل به المصلي عن صلاته، وهنا في مدافعة الأخبثين: ((لا صلاة)) لا هذه نافية ((لا صلاة بحضرة طعام)) والمنفي هنا الصلاة الشرعية، قد توجد صورتها، لكن حقيقتها الشرعية منفية كما في حديث المسيء: ((صلِ فإنك لم تصلِ)) يعني لو قال قائل: إنه صلى، الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((لم تصلِ)) فلو قال قائل: صلى مريداً بذلك الحركات، صورة الصلاة الظاهرة صلى، لكن الصلاة الشرعية التي تبرأ بها الذمة ما صلى، المسقطة للطلب، وهل نقول هنا مثل ما قيل هناك: إن صلاة المسيء باعتبارها باطلة ساغ نفيها؟ ساغ نفيها باعتبارها غير مجزئة، فهل نقول هنا: إن الصلاة بحضرة الطعام ومدافعة الأخبثين باطلة؟ فيتجه النفي إلى الحقيقة الشرعية؟ وإن كانت الصورة موجودة، أهل العلم يقولون في مثل هذه الصورة: يطلقون الكراهة، يطلقون الكراهة، فلو صلى بحضرة الطعام أو مع مدافعة الأخبثين صلاته صحيحة لكنها ناقصة الأجر والثواب بقدر ما يشغله الانشغال بالطعام أو بالمدافعة من إقبال على ربه ومناجاة له، وما نقصه من خشوع في صلاته، هذا فيما يمكن رفعه مما يشغل عن الخشوع، فماذا عما لا يمكن دفعه؟ كحر شديد أو برد شديد، أو جوع مع عدم وجود طعام؟ الانشغال موجود، تقدم حديث: ((إذا اشتد الحر فأبردوا فإن شدة الحر من فيح جهنم)) هذا في المقدور عليه وفي حدود الوقت، لكن قد يوجد ما يشغل الإنسان مما لا يستطيع دفعه، والناس يتفاوتون في هذا تفاوت كبير، بعضهم لا يطيق الحر ولا بالليل بعد غروب الشمس، لا يطيق، فهل يقال مثل هذا: انتظر حتى يذهب عنك هذا الأمر الذي يذهب الخشوع؟ نقول: صلِ على حالك، احرص على الخشوع واحرص على استحضار وحضور القلب، لكن ما لا تستطيعه لا تكلف به.
والمراد بالأخبثين البول والغائط، ويلحق بهما ما يشبههما من ريح.
الألم الذي يقطع على المصلي خشوعه، شخص به ألم شديد ينتظر الطبيب يعطيه مسكن مثلاً، نقول: انتظر لا تصلي حتى يخف عليك الألم؟ لا شك أن الألم في قطعه للخشوع أعظم مما ذكر من طعام وغيره، هنا مجرد ربع ساعة نصف ساعة تذهب إلى الدكتور تأخذ إبرة ويسكن الألم، وتقبل على صلاتك تؤديها على الوجه المطلوب، هو مثله إن العلة ظاهرة، العلة ظاهرة بأن هذه المذكورات سبب النهي عنها وإن جاء على صيغة النفي لكن المراد به النهي، وهو أبلغ سببها إذهاب الخشوع بالكلية أو تقليل الخشوع، ويكون في حكمها ما يشاركها في العلة، فإذا كان الألم يعتصره نقول: انتظر، تأخذ مسكن، تأخذ إبرة، تأخذ شيء، إذا برد عليك الألم، لكن لا يعني هذا أن الإنسان يؤخر الصلاة بهذا العذر، لا، لا يؤخر الصلاة، إلا إذا كان لا يطيق يصلي هذا شيء آخر، إذا كان الألم وصل فيه إلى مبلغ لا يستطيع معه الصلاة هذا عذر، لكن هو يستطيع أن يصلي لكن مع شغل البال بهذا الألم، فإذا كان مشتاق الطعام يؤخر الصلاة ليقضي نهمته من هذا الطعام فالذي يعتصره الألم من باب أولى.
وعرفنا مراراً أن مذهب الظاهرية أنه إذا نهي عن شيء في الصلاة ولو كان خارجاً عنها أنه يقتضي البطلان، فإذا صلى مع حضرة الطعام أو يدافع الأخبثين فإن صلاته باطلة عندهم؛ لأن كل نهي عندهم يقتضي البطلان، نعم.
"وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((التثاؤب من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع)) رواه مسلم والترمذي، وزاد: ((في الصلاة)).
حديث "أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((التثاؤب من الشيطان))" التثاؤب من الشيطان؛ لأنه دليل على الخمول والكسل والإخلاد إلى الراحة، وغير ذلك مما يعوق عن العبادة أو يثبط عنها، والتثبيط عن العبادة هي عادة الشيطان وديدنه، وينشأ هذا التثاؤب إما من الإفراط في الأكل، أو الإفراط في ترك النوم، وقد ينشأ عن الإفراط في كثرة النوم، المقصود أن المطلوب من المسلم الاعتدال، الاعتدال في الأكل الشرب، النوم، الكلام، النظر، جميع تصرفاته المطلوب من المسلم أن يكون متوسطاً فيها، لا إفراط ولا تفريط، فلا يكثر من النوم بحيث تفوته مصالح دينه ودنياه، ولا يقلل من النوم بحيث يعود عليه ذلك بالضرر في دينه ودنياه، بل يتوسط في أموره، ولذا جاء عنه -عليه الصلاة والسلام- أن من سنته وهديه أنه ينام ويصلي، وما حفظ عنه أنه أحيا ليلة إلى الصباح، وإن كان في العشر الأواخر من رمضان يشد المئزر، ويعتزل الأهل، لكن إن قلنا: إنه في العشر الأواخر لا ينام كما قال بذلك جمع من أهل العلم، لا يعني هذا أن هذا ديدنه -عليه الصلاة والسلام-، والناس في هذا الباب بين مفرط ومفرط، تجد بعض الناس تسرع إليه الشيخوخة والهرم والخرف كله بسبب تقليل النوم، تقليله عن الحد الأدنى، أو يصاب بالعاهات والأمراض بسبب كثرة النوم، فالمطلوب من المسلم أن يكون متوسطاً في أموره كلها، ينام النوم الكافي ولا يزيد عليه، يأكل الأكل الذي يقيم صلبه ولا يزيد عليه، يشرب ما يحتاج إليه ويدفع به العطش ولا يزيد على ذلك، الكلام بقدر الحاجة، النظر بقدر الحاجة، وغير ذلك من التصرفات، وما يؤتى الإنسان، وما يبتلى بمرض القلب، أحياناً بموت القلب إلا من الفضول، فضول الطعام والشراب والنوم والنظر وغير ذلك، لكن لا يعني هذا أن الإنسان يبالغ في تقليل الأكل الذي لا يكفيه بحيث لا يكفيه ما يأكله كما يفعله كثير ممن يزعم أنه من الخاصة، ممن ينتسب إلى الزهد والفقر، وليس الفقر المراد به الفقر العرفي، الفقر عندهم مرادف للزهد، قد ذكر الذهبي في السير عن بعضهم أنه يواصل أربعين يوماً لا يأكل ولا يشرب، بقدر ما حصل من المدة المضروبة بين موسى، ما ضربه الله -جل وعلا- لموسى {فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} [(142) سورة الأعراف] يقول: يواصل أربعين ثم تنكشف له الأمور، يصير من أرباب الأحوال والمكاشفات، والذهبي يقول: هذا إن ثبت أنه يستمر أربعين يوم، إن ثبت هذا ضرب من الهلوسة، الجوع له أثر، له أثر على الدماغ، كما أن كثرة الأكل تنشأ عنه أبخرة تتصاعد إلى الدماغ فتؤثر فيه، فلا إفراط ولا تفريط، فعلى الإنسان أن يكون معتدلاً في أموره كلها، ويحفظ بذلك دينه ودنياه، وهنا يقول: ((التثاؤب من الشيطان)) التثاؤب من الشيطان؛ لأنه يصدر عن امتلاء البطن والكسل، وهذه تبعث على التراخي والتكاسل والتأخر عن العبادات، وهذا مما يحبه الشيطان، فكأن التثاؤب نشأ منه لأنه يحبه ((فإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع)) أي: يمسك بفمه، يضع يده أو شيء على فمه لئلا يرى منه ما يستقذر، أو يخرج منه ما يستقبح، المقصود أن هذا من الأدب النبوي، ما استطاع، الذي لا يستطيعه لا يكلفه، بعض الناس إذا تثاءب تصدر منه أصوات مزعجة، مزعجة، فإن كانت في الصلاة فالصلاة على خطر من الإبطال، وإن كانت خارج الصلاة فهي مكروهة كراهة شديدة، تثاءب حال قراءة القرآن قالوا: من أدب القارئ، قارئ القرآن أن يمسك عن القراءة أثناء التثاؤب؛ لأن هذه القراءة يتقرب بها إلى الله -عز وجل-، والتثاؤب من الشيطان، لا يجتمع هذا وهذا.
"رواه مسلم والترمذي، وزاد: ((في الصلاة))" ((التثاؤب من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم في الصلاة فليكظم ما استطاع)) ولا شك أن التنصيص على الصلاة لا يعني أن الأمر بالكظم مخصوص بالصلاة وأنه خارج الصلاة لا يكظم، بل يكظم مطلقاً، ويعتني بصلاته أكثر من غيرها.
دخول هذا الحديث في باب الخشوع في الصلاة، لا شك أن التثاؤب المصحوب بالكسل والخمول لا يمكن أن يتحقق معه الخشوع، لا يمكن أن يتحقق معه استحضار ما هو بصدده من إقبال على ربه -عز وجل-؛ لأنه لو كان مستحضراً الحالة التي هو فيها، والمقام الذي قامه لا شك أنه سوف ينشد معه، ويلقي له باله وهمه، فإذا حضر القلب وتدبر ما قرأ، وتفكر فيما سمع -إن كان مأموماً- فإنه ينشغل عن هذا التثاؤب، والله المستعان، نعم.
باب: المساجد
باب: المساجد
"عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: "أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ببناء المساجد في الدور, وأن تنظف وتطيب" رواه أحمد وأبو داود والترمذي, وصحح إرساله".
نعم "باب: المساجد" المساجد: جمع مسجِد ومسجَد، والمسجد: موضع السجود، المسجَد، والمسجِد: موضع الصلاة، جاء في هذا الباب أحاديث كثيرة جداً تتعلق بالمساجد، في بنائها، وتنظيفها، وتطييبها، واحترامها، وبيان الأحكام المتعلقة بها {إِنَّمَا يَعْمُرُ} إيش؟
طالب: {مَسَاجِدَ اللّهِ}.
من؟
طالب:......
نعم {مَنْ آمَنَ بِاللّهِ} [(18) سورة التوبة] فلا يعمر المسجد إلا من آمن بالله، والمراد بذلك العمارة الحقيقية، سواءً كانت عمارة معنوية أو حسية، فالذي يعمر المسجد بالتردد إليه لأداء الصلوات هو المؤمن بالله -عز وجل-، والذي يعمر المساجد عمارة حسية من مال طيب يبتغي بذلك وجه الله -عز وجل- من آمن بالله -عز وجل-، المقابلة في قوله -جل وعلا-: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ} [(19) سورة التوبة] ولذا من مسائل الجاهلية التمدح بعمارة المسجد الحرام، التمدح بعمارة المسجد الحرام، وهذا مذموم، مذموم إذا كان في مقابلة الإيمان، أما إذا كانت عمارة المسجد الحرام وغيره من بيوت الله مع الإيمان فقد جاء مدحه: ((من بنى لله مسجداً لو كمفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة)) والحديث متواتر، لكن متى يذم التمدح بعمارة المساجد والبيوت -بيوت الله- وعلى رأسها المسجد الحرام؟ إذا كانت في مقابل الإيمان، ولذا نعى على المشركين تمدحهم بسقاية الحاج مع مزاولتهم الشرك، عمارة المسجد الحرام مع اقترافهم لهذا الذنب العظيم، لكن إذا كانت عمارة المسجد الحرام وسقاية الحاج والإحسان إليهم مقرونة بالإيمان بالله -عز وجل- فمن أفضل الأعمال، جاء أيضاً في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعاً: ((أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها)) فالمساجد هي بيوت الله، وهي مساكن الأتقياء، وجاء في الخبر: ((المسجد بيت كل تقي)).
وخير مقام قمت فيه وحلية |
|
تحليتها ذكر الإله بمسجدِ |
فالمسجد مهوى فؤاد المؤمن، ومجمع قلبه، وهو أنسه، وهو نزهته، فإذا ذهب أرباب الدنيا للنزهة في بلاد أو في أرض الله مما يباح من ذلك فإن المؤمن التقي نزهته وسياحته في بيوت الله، وجاء في السبعة الذين يظلهم الله في ظله: ((رجل قلبه معلق بالمساجد))) فالمساجد في الإسلام لها شأن عظيم، ما أحسن أن يتقدم المسلم إلى الصلاة قبل الأذان فيصلي ما كتب الله له، ويقرأ ما أراد الله له، وينتظر بعد الصلاة إن انتظر الصلاة الأخرى ذلكم الرباط، إن انتظر وقتاً ولو دون الصلاة الأخرى يقرأ فيه كلام الله -عز وجل-، ويناجي ربه، وينكسر بين يديه، نعمة، نعمة لا يدانيها شيء من متع الدنيا.
فالمسجد هذا وضعه في الإسلام، مو بالإنسان يدخل المسجد آخر من يدخل وأول من يخرج، المسألة كأنها إلقاء عبء ثقيل على الكاهل، لا، ((ورجل قلبه معلق بالمساجد)) هذا أحد السبعة الذين يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله، يتلو كتاب الله، يصلي ما كتب له، يقرأ في كتب أهل العلم، يحاسب نفسه، باقي ربع، طالب:......
لا، خليه نفسه.......
المقصود أن الحديث في المساجد لا ينتهي، والله المستعان.
المسجد كان في عهد النبوة هو كل شيء، هو الإمارة، وهو الشرطة، وهو الهيئة، ومنه تبعث الجيوش، وفيه تقام الدروس، المقصود أنه كل شيء، كل ما يصدر عن الحكومة النبوية منبعه المسجد، إذا كان المسجد يؤدي دوره الذي بني من أجله صار هو مصدر النور والإشعاع للأمة، قد يقول قائل: قد يوجد من يرغب البقاء في المسجد، لكنه قد لا يمكن من ذلك؛ لأنه يأتي أحياناً تعليمات تنص على إغلاق المساجد، كم من شخص يود أن يجلس في المسجد لا سيما بعد صلاة الصبح إلى انتشار الشمس، ثم يفاجئ أن حارس المسجد يغلق الكهرب والأبواب، ويأمره بالخروج، ما في شك أن هذه التوجيهات لها أسباب، يعني وجد بعض المشاكل، وجد بعض القضايا، وجد بعض السرقات، وجد ما جعل المسئولين عن المساجد يأمرون بإغلاقها، لكنها مع ذلكم إذا وجد شخص مأمون موثوق يلزم المسجد ويتكفل بحفظ المسجد ورعايته فالعلة علة المنع معقولة، تزول، يزول الحكم بزوالها، فعلى من يتولى هذا أن يمكن هؤلاء، لا سيما إذا كانوا على قدر من اليقظة بحيث لا يعبث بالمسجد، لا يتلف شيء من ممتلكات المسجد، أو ما أشبه ذلك، فسبب المنع هو ما ذكر من وجود بعض التجاوزات والتصرفات في المسجد، وله وجه، لكن يبقى أن الأصل أن المسجد متاح للمسلمين، يزاولون فيه ما شرع فيه من عبادات، حتى النوم يجوز في المسجد، حتى النوم يجوز في المسجد، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أيقظ علياً وهو نائم في المسجد، المقصود أن مثل هذه الأمور وإن صدر فيها بعض الأنظمة لوجود بعض التجاوزات وبعض التصرفات إلا أنه إذا وجد من يوثق به ويركن إليه يؤنس به مثل هذا يمكن من مزاولة هذه العبادة في هذه البيوت بيوت الله.
"عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ببناء المساجد في الدور, وأن تنظف وتطيب" رواه أحمد وأبو داود والترمذي, وصحح إرساله" وصحح إرساله الترمذي، لكن المرجح عند أهل العلم أنه موصول، أنه موصول، وصححه جمع من أهل العلم، فالحديث صحيح.
"أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" وعرفنا أن مثل هذه الصيغة مرفوعة بالاتفاق، ودلالتها على اللزوم كدلالة: (افعلوا) عند الجمهور، فلا يحتاج إلى إعادة مثل هذا.
"أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ببناء المساجد في الدور" في الدور يحتمل أن يكون المراد البيوت، ويحتمل أن يراد بها الأحياء المشتملة على الدور، ويحتمل أن يراد بها القبائل، كما جاء في الحديث الصحيح: ((خير دور الأنصار بنو النجار)) يعني خير قبائل الأنصار بنو النجار، فأمر أن تبنى المساجد في هذه القبائل، كل قبيلة تني مسجد، كل حي من الأحياء يبنون مسجد، ولا يمنع أيضاً أن يتناول الحديث بعمومه، أن يتخذ الإنسان في بيته الخاص مسجداً ينظفه ويتعاهده ويصلي فيه، لا سيما النساء وأهل الأعذار المعذورون من صلاة الجماعة، ولا يعني هذا أنه لا يصلى إلا في هذه البقعة، لا.
"وأن تنظف" وهذا هو اللائق ببيوت الله -عز وجل-، تنظف من كل ما يستقذر دق أو جل، تنظف من المستقذرات كلها الحسية والمعنوية.
"وتطيب" وجاء تطييب المساجد، واشتهر بذلك نعيم المجمر كان يبخر مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام- في عهد عمر -رضي الله عنه- فتنظيف المساجد وإظهارها بالمظهر اللائق بها، وتطييبها بالروائح الطيبة، وإزالة ما ينافي ذلك من القاذورات والأوساخ، وما تنبعث منه الروائح الكريهة، ولذلك أمر بإخراج من أكل ثوماً أو بصلاً أو غير ذلك مما له روائح كريهة كالدخان وشبهه، نعم؟
طالب:......
الكلام على اتخاذ القبور مساجد يطول، لعلنا نستأنف في الدرس اللاحق -إن شاء الله تعالى-.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أولاً: ابن المديني اسمه: علي، علي بن عبد الله المديني، شيخ البخاري، من أقران الإمام أحمد، من أئمة المسلمين.
النبي -عليه الصلاة والسلام- ثبت عنه أنه يمكث في مصلاه حتى ترتفع الشمس، وهذا في الصحيح، أما الترغيب في المكث من قوله -عليه الصلاة والسلام- إلى طلوع الشمس وصلاة الركعتين، فهذا فيه أنه يعدل حجة، وكلام أهل العلم في الحديث معروف، مضعف عند جمع، وحسنه آخرون، ومن يعمل به رجاء ما رتب عليه من ثواب لن يحرم -إن شاء الله تعالى-، وإن عمل بالاقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام- بفعله وأنه يمكث حتى ترتفع الشمس فهذا لا إشكال فيه، فالمكث سنة، لكن الثواب المرتب عليه، وأنه يعدل حجة هو محل الأخذ والرد.
أحاديث السفياني كلها لا تسلم من مقال، ولو قيل بضعفها بضعف مفرداتها وبضعفها مجتمعة لما بعد، وكذلك أحاديث الرايات السود مثلها في الضعف.
لا يلزم منه ذلك، لا يلزم منه ذلك، والتنصيص على بعض الأفراد لا ينفي بقية غيره من الأفراد، فالحكم واحد، والكلام في الصفات إنما هو فرع عن الكلام في الذات.
قلنا: إن ترتيب العقوبة ولو كانت دنيوية يدل على التحريم، إذ لا يعاقب من لا يفعل المحرم.
الترمذي معروف أن الشيخ أحمد شاكر حقق جزأين منه، فإذا استفيد من هذين الجزأين، أما الجزء الثالث فهو بتحقيق فؤاد عبد الباقي وسط، أما الرابع والخامس تحقيق إبراهيم عطوة عوض لا شيء، فيستفاد من الجزأين بتحقيق الشيخ أحمد شاكر مع طبعة بشار على ما فيها من نقص يسير لكنها نافعة.
نعم احفظ جميع ما في الكتاب، ما بين غلافيه يحفظ، من أراد أن يحفظ كتاباً فليحفظ جميع ما فيه من صحيح وضعيف وغير ذلك، ومع ذلكم يعرف الصحيح من الضعيف، ولا يعني أنه إذا حفظ لا يحفظ الأحكام على هذه الأحاديث، يحفظ، بل لو حفظ الأخطاء والأوهام كما هي واستحضر الصواب كان أولى، هذا إذا حفظ كتاب ما هو حفظ انتقاء من كتاب يختلف هذا عن هذا.
على ألا تكون في جهة القبلة أو جهة اليمين.
هذا على البال -إن شاء الله-.
نعم نقول: إن طرح الإشكال، وطرح السؤال على المتعلم شرعي، وترجم الإمام البخاري: باب: الإمام يطرح المسألة على أتباعه، فطرح الإشكال لا شك أنه من أنفع وسائل التحصيل، ومن أثبت طرق التعلم، ولذا جاء تعليم الدين على طريقة السؤال والجواب في حديث جبريل، لكن قد يكون هذا السؤال جوابه محرر عند من أبقاه فيطرحه على الطلاب إذا وجد عندهم جواب وإلا أجابهم، وقد يرى الملقي المصلحة أن يترك الإشكال دون جواب، لكي يتعب الطالب في البحث عن جوابه في الكتب ويسأل أهل العلم، فإذا حصل له جواب ثبت في قلبه ولم ينسه.
والله هذه تحتاج إلى نظر؛ لأن كونها تلبس في اليمين أو بالشمال ما يعني أنه تشريف لهذه اليد، لو قيل: إنه إرهاق لهذه اليد المطلوب تشريفها ما بعد، إرهاق لها، لكن إذا كان من الكفار من يستعملها في جهة فمخالفتهم مطلوبة، على أن لبس الساعة باليد ما يسلم من مشابهة لحلي من أذن له بالتحلي، لا سيما إذا كانت ذات منظر جميل، أو لون جذاب، أو ما أشبه ذلك، مع أني لا أقول بالمنع، لكن أقول: ينبغي لطالب العلم أو من كان..، من تقدمت سنه في العلم وصار قدوة عند الناس أن يترفع عن مثل هذا.
هذا يقول: المراد بالوجه في الآية {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(149) سورة البقرة] القبالة لا الوجه الاصطلاحي، وكذلك وجه الله في {وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ} [(115) سورة البقرة] فليس المراد به الصفة التي لا نؤولها فلا نؤول إلا بقرينة والقرينة هنا الكلام عن الجهات؟
أما بالنسبة لوجه الله في الآية فالذي قرره شيخ الإسلام وجمع من أهل العلم أن هذه ليست من آيات الصفات، هذه ليست من آيات الصفات، لكن لا يعني أن الوجه في هذه الآية ليس من الصفات، وليس المراد به الوجه الحقيقي لله -عز وجل- أن يكون الوجه فيما جاء في غير هذه الآية من صفة الخالق أو المخلوق {فَوَلِّ وَجْهَكَ} [(149) سورة البقرة] وقد يحتاج إلى مثل هذا التأويل، قد يحتاج إلى مثل هذا التأويل، وأنه ليس المراد بالوجه الوجه الاصطلاحي للتوفيق بين النصوص، هذا قد يسلك للتوفيق بين النصوص، وإلا فالوجه الأصل فيه القدر المعروف من البدن،
السبحة لا شك أنها أمر حادث، غير معهودة في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإن أصلت وجعل لها أصل من الحصى التي كانت أم المؤمنين تسبح به، فوجها النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى أن تسبح بأناملها لأنها مستنطقات، المقصود أن السبحة كثير من الناس يستعملها لمجرد العبث، لا يستعملها في عبادة، مجرد عبث، لا يسبح بها، هذا حال كثير من الناس، إما سبحة وإلا مرسن وإلا شيء يعبث به، هذا لا علاقة له في حكم شرعي، مجرد عبث وعبث يسير، يعني إن سلمت من السرف والخيلاء لأن من السبح ما قيمته بالمئات، هذا إسراف، لكن إذا كانت أمر يسير يعبث به الإنسان التضييق على الناس في هذا الباب وهو لا يدخل في تعبد ولا يقصد به أداء عبادة، الأمر فيه سهل -إن شاء الله-.
يبقى التسبيح به لا إشكال في أن التسبيح بالأصابع والأنامل لأنها مستنطقة أفضل، وبعضهم يطلق البدعة فيمن يسبح ويعد التسبيح وغيره من الأذكار في السبحة، ولا شك أنها مستحدثة، لا توجد في عهده -عليه الصلاة والسلام-، ولا عصر من سلف من هذه الأمة إلا أن من رأى أنه لا بأس بها قال: أصلها الحصى، التي كانت أم المؤمنين تسبح بها.......، وعد الأذكار بالأنامل سهل وأيسر من السبحة، ومنضبط، منضبط، قد يقول قائل: الأصابع أصابع اليد خمسة فكيف نسبح مائة في خمسة أو كذا؟ نقول: تسبح مائة في خمسة، بضمها وفتحها عشرة، وعد الأعداد بالشمال، تسبح باليمين وتعد هذه الأعداد العشرات الخمسة الأولى بالضم، والخمسة الثانية بفتحها تكون عشر، ثم تعقد واحدة في اليد اليسرى، فإذا انتهيت من العشرة عشر مرات بيدك اليسرى تكون انتهيت من مائة تسبيحة أو مائة تهليلة بيدك اليمنى، على أن التسبيح باليد اليمنى وإن كان أفضل من التسبيح باليدين كلتيهما؛ لأنه جاء فيه حديث في سنن أبي داود، وفيه كلام لأهل العلم، ما يسلم من كلام، لكنه في هذا الباب صالح للاحتجاج، في مثل هذا الباب يصلح للاحتجاج.