شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (165)
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسله محمد وآله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة والأخوات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلًا ومرحبًا بكم إلى حلقة في برنامجكم: شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، نستكمل فيها شرح حديث أبي موسى -رضي الله عنه- في باب الغضب في الموعظة والتعليم إذا رأى ما يكره" في "كتاب العلم" من هذا الكتاب، والذي يتولى شرحه وبيان ألفاظه: صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا بكم شيخ عبد الكريم.
حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.
المقدم: أحسن الله إليكم، في الحلقة الماضية كنا ختمنا الحلقة بسؤال حول غضب النَّبي -صلى الله عليه وسلم- في مطلع الحديث: «فَلَمَّ أُكْثِرَ عَلَيْه غَضِبَ» لَمَّا تقرر غضبه قال لهم: «سَلُونِي عَمَّا شِئْتُم» كيف يطلب منهم أن يسألوه عَمَّا شَاءُوا وقد غضب -عليه الصلاة والسلام- ثم هذا الغضب يزداد، واضح أنه يزداد؛ لأن عمر -رضي الله عنه- لَمَّا رأى ما في وجهه قال يا رسول الله: «إِنَّا نَتَوبُ إِلَى الله-عَزَّ وَجَل-» لماذا لم يقطع -صلى الله عليه وسلم- السؤال حال غضبه؟
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سبب الغضب أن النَّبي -عليه الصلاة والسلام- سُئِلَ عن أشياء كرهها، فَلمَّا أكثروا منها غضب عليه الصلاة والسلام، أكثروا من تلك الأشياء التي كرهها عليه الصلاة والسلام، ثم قال للناس: «سَلُونِي» لأن غضبه- عليه الصلاة والسلام- ليس عن عَجْزٍ عن الإجابة؛ لأنه لو كان عن عَجْزٍ عن الإجابة ما قال: «سَلُونِي» ويلاحظ بعض مَنْ يُسْئَل يغضب.
المقدم: لكن ليس سببه أن السؤال مكروه.
لكن ليس سببه أن الأسئلة مكروهة، لا.
المقدم: لأنه لا يعرف الإجابة..
أنه قد تصعب عليه الإجابة.
المقدم: صحيح.
نعم، بعض الناس إذا أكثر عليه من الأسئلة، غضب؛ لأنه سؤال يعرفه، وسؤال يخفى عليه، وسؤال كذا، فلا يريد أن يَظْهَر بالمظهر الذي، وليس عنده من الورع ما يَحْمِلُه على قول: لا أَدْرِي فيغضب، أمَّا النَّبي -عليه الصلاة والسلام- طبيعة الأسئلة مَكْروهة، فغضب من أجلها -عليه الصلاة والسلام- ولَمَّا كانت الإجابة عنده حاضرة قال: «سَلُونِي» والغضب موجود، ما دُمْتُم مُصِرّينَ على هذه الأسئلة المَكْروهة ف«سَلُونِي» وتحملوا الإجابة، وبعضهم يَسْأل تَعَنُّت، وبعضهم يَسْأل استهزاءً؛ كـ.. بعض المنافقين يَسْأل استهزاء، وبعضهم يَسْأل أسئلة لو ظَهَرَ جوابها على خلاف ما حاله عليه ساءه ذلك، فيقول مَنْ أبي مثلًا ويقول الرجل يَضِلُ ناقته: أيْنَ ناقتي؟ ولذا جاء النهي عن السؤال {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ}[المائدة:101] وَكَوْنُه يطلب السؤال، يطلب السؤال، لكن سبب الغضب كَوْن الأسئلة مَكْروهة، كَوْن الأسئلة مَكْروهة، وَكَوْنُه يطلب السؤال؛ لأن الإجابة موجودة عنده -عليه الصلاة والسلام- لا تُعْجِزُه، والنَّبي -عليه الصلاة والسلام- قد يُسْئَل ولا يكون السؤال حاضرًا فيسكت وينتظر الوحي، فيسكت وينتظر الوحي؛ لأنه -عليه الصلاة والسلام- {مَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3،4] ما تقدم من الحديث الذي في الصحيحين وغيرهما: «إِنَ أَعْظَّم المُسْلِمِينَ فِي المُسْلِمِينَ جُرْمَاً مَنْ سَئَل عَنْ شَيءٍ لَمْ يُحَرَّم على المسلمين فَحُرِمَ عَلَيْهِم مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِه»، وهذا في الحلال والحرام، وبعد أن أُمِنَت هذه المفسدة وهي تحريم الحلال، هي مفسدة بالنسبة لمن أخل بها بعد أن أُمِنَت بانقطاع الوحي، بانقطاع الوحي..
المقدم: صار الأمر مقبولًا.
صار الأمر مقبولًا ما فيه إشكال؛ بل مطلوب من قِبَلِ المتعلمين لشيوخهم، لا مانع أن يَسْأل المتعلم شيخه عن كل ما يَدور في باله، ما لم يكن متعنتًا يطلب تَعْجِيز الشيخ، أو يُظْهِر نفسه مَظْهَر الفاهم، وأن عنده ما ليس عند غيره؛ لأن هذا قدح وخَلَل في النية، «فَلَمَّا أُكْثِرَ عَلَيْه» على صيغة المجهول، أي: فلما أكثر السؤال على النَّبي -عليه الصلاة والسلام- «غَضِبَ» وهو جواب "لَمَّا" وسبب غضبه -عليه الصلاة والسلام- تَعَنُّتهم في السؤال وتكلفهم فيما لا حاجة لهم فيه، وهذا هو الشاهد من الحديث في الترجمة "الغضب في الموعظة والتعليم إذا رأى ما يكره"..
المقدم: ما يكره.
نعم، «فَلَمَّ أُكْثِرَ عَلَيْه غَضِبَ».
المقدم: غضب.
غضب -عليه الصلاة والسلام-، ثُمَّ قال -صلى الله عليه وسلم-: «سَلُونِي» جملة من الفعل والفاعل والمفعول، قال بعض العلماء:" هذا القول منه -عليه الصلاة والسلام - محمول على أنه أُوحِيَ إليه به، إذ لا يَعْلَم كل ما يُسْئَل عنه من المُغَيْبَات إلا بإعلام الله تعالى"، وإذا نظرنا إلى الأسئلة التي جاءت بعد قوله: «سَلُونِي».
المقدم: كلها من المُغَيْبَات.
كلها من المُغَيْبَات، لكن قوله -عليه الصلاة والسلام -: «سَلُونِي» قبل ذلك.
المقدم: دليل على أنه وحي.
«سَلُونِي» دليلٌ على أن غضبه ليس عن عجز كما قررنا.
المقدم: نعم.
فَيُسْأل، فما يَعْرِفُه حالًا يجيبه، وما لا يَعْرِفُه ينتظر فيه الوحي، وقد مرَّ بنا مرارًا أنه يُسْأل -عليه الصلاة والسلام- ثُمَّ يَسْكُت، ثم يسكت، واسْتَظهَرنا في مناسبات مَضَت: أنه يَسْكُت انْتِظَارًا للوحي، أو يَسْكُت لِيَقْتَدِي به مَنْ يتولى إفتاء الناس؛ لئلا يستعجل في الفتوى؛ لأن بعض مَنْ يتصدر للإفتاء؛ ما يسمع نصف السؤال إلا ويبادر بالجواب، وهذا لا شك أنه مَظِنَّة للخلل، انْتَظِر حتى ينتهي السؤال، واسكت أيضًا، وتأمل في السؤال، ثُمَّ بعد ذلك أجب، وفي هذه تربية للموقعين عن الله -جَلَّ وَعَلا- من فعل إمامهم وَقُدْوَتهم -عليه الصلاة والسلام-.
وقال القاضي عِيَاض: "ظاهر الحديث أن قوله: «سَلُونِي» إنَّما كان غضبًا" نقله الكِرْمَانِي، «سَلُونِي» كان غضبًا، يالله هاتوا إن كان عندكم شيء اسألوا يعني من باب الغضب، لكن ما يلزم أنه من باب الغضب، هو في حالة الغضب؛ لأن الأسئلة مكروهة؛ لأن الأسئلة مكروهة هو في حالة الغضب، ثُمَّ بعد ذلك لَمَّا جاءت الأسئلة التي تُحْرِج السائل فيما لو أُجِيبَ بخلاف ما هو عليه، زاد غضبه -عليه الصلاة والسلام- على ما سيأتي، «عَمَّا شِئْتُم» بالألف، «عَمَّا شِئْتُم»، وللأَصِيلي «عَمَّ شِئْتُم»، «عَمَّ شِئْتُم» بحذفها، قال القسْطَلَّانِي: "لأنه يجب حذف ألف ما الاستفهامية إذا جُرَّت؛ لأنه يجب حذف..
المقدم: ألف ما الاستفهامية.
ألف ما الاستفهامية إذا جُرَّت وإبقاء الفتحة دليل عليها؛ نحو: فِيمَ، وإِلَامَ، وعَلاَمَ، وعَمَّ، يجب حذفها، نعم للفرق بين الاستفهام والخبر"، للفرق بين الاستفهام والخبر" رواية الأكثر «عَمَّا شِئْتُم» بالألف، ورواية الأَصِيلي «عَمَّ شِئْتُم» بحذفها، يقول القَسْطَلَّانِي: "لأنه يجب حذف ألف ما الاستفهامية، يعني القَسْطَلَّانِي فهم أن الأسلوب أسلوب استفهام؛ واضح أم ليس بواضح؟ لأنه علل، علل الحذف في رواية الأَصِيلي أنه يجب حذف ألف ما الاستفهامية إذا جُرَّت وإبقاء الفتحة دليلًا عليها؛ نحو: فِيمَ، وإِلَامَ، وعَلَامَ، للفرق بين الاستفهام والخبر، ومن ثَمَّ حُذِفَت في نحو: {فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا}[النازعات:43].
المقدم: هذا استفهام.
{فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ}[النمل:35].
المقدم: يرجع المرسلون.
وثبتت في {لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[النور:14]
المقدم: هذا خبر.
وهذا خبر، {أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:75] فكما لا تحذف الألف في الخبر لا تَثْبُتُ في الاستفهام" انتهى كلام القسطلاني طيب، نفهم من كلام القَسْطَلَّانِي في تعليله في حذف الألف ألف ما الاستفهامية بعد الجر أن الأسلوب أسلوب استفهام.
المقدم: هنا إذا حذفت أسلوب استفهام.
لأنه قرر رواية الأَصِيلي.
المقدم: نعم.
وللأَصِيلي «عَمَّ شِئْتُم» بحذفها؛ لأنه يجب.
المقدم: نعم في حال الاستفهام
لكن أكثر الرواية بالألف هل «عَمَّا شِئْتُم» هل الأسلوب أُسْلُوب استفهام أو خبر؟ طلب؟
المقدم: طلب.
طلب«سَلُونِي»، الطلب هنا «سَلُونِي».
المقدم: نعم.
و«عَمَّا شِئْتُم» عن الذي شِئْتُمُوه ما فيه استفهام هنا، فرواية الأكثر هي الصحيح «عَمَّا شِئْتُم» .
المقدم: ..........
عن الذي شئتموه، ولأنه ليس استفهامًا خلافًا لِمَا فهمه القَسْطَلَّانِي.
قال العيني: "وأمَّا قراءة عكرمة وعيسى {عَمَّا يَتَسَاءَلُونَ} [النبأ:1] فنادرة، وأمَّا قول حسان -رضي الله عنه-:
عَلاَمَا يَشْتُمُنِي لَئِيمٌ |
كَخِنْزيرٍ تَمَرَّغَ فِي رَمَاد |
فضرورة".
عَلَامَا يَشْتُمُنِي لَئِيمٌ |
كَخِنْزيرٍ تَمَرَّغَ فِي رَمَاد |
نعم، واضح أم ليس بواضح؟
المقدم: واضح جدًّا.
«قَالَ رَجُلٌ» هو عبد الله بن حُذَافَة القرشي السهمي المتوفى في خلافة عثمان - رضي الله عنه - كما سماه في حديث أنس الآتي بتفسير المائدة «مَنْ أَبِي»، قال رجل من أبي؟ جملة من المبتدأ والخبر مَقُول القَول.
المقدم: عبد الله بن حذافة.
السهمي، وكذلك جاء الجواب «أَبُوكَ حُذَافَة».
المقدم: أبوك حذافة.
نعم، وكذلك أبوك حذافة بضم، وكذلك يعني: مبتدأ وخبر، «مَنْ أَبِي» جملة من المبتدأ والخبر، سؤال، والجواب أيضاً: جملة من المبتدأ والخبر و«حُذَافَة» بضم الحاء المهملة والذل المعجمة المخففة.
قال العيني: "فإن قلت: لِمَ سأله عن ذلك، لِمَ سأل، هل يَسْأل تعنتًا أو تعجيزًا؟
المقدم: يمكن أنه اتهم في والده.
نعم قُلْتُ: لأنه كان يُنْسَب إلى غير أبيه إذا لَاحَى أحدًا، إذا خاصم أحدًا قال: أبوك فلان، ينسب إلى غير أبيه، فنسبه النَّبي -عليه الصلاة والسلام- إلى أبيه، فإن قلت: من أين عرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه ابنه؟ قال العيني: قُلْتُ: إما بالوحي وهو الظاهر، أو بحكم الفراسة، أو بالقياس، أو بِالاسْتِلْحَاق، نعم إما بالوحي.
المقدم: هذا الظاهر.
أو بحكم الفراسة، أو بالقياس، أو القِيَافَة، لكن هنا حكم النَّبي -عليه الصلاة والسلام- أن أباه حُذَافَة، والذي يغلب على الظَّن أنه بالوحي، وفَرِحَ فرحًا شديدًا لَمَّا قال مُجَزِز المُدْلِجي- وهو من القَافَة- لما حكم بأن أسامة بن..
المقدم: زيد، «إِنَ هَذِه الأَقْدَام بَعْضُهَا مِنْ بَعْض».
زيد، مع اختلافهما في اللون، ولم يحكم النَّبي -عليه الصلاة والسلام- بعلمه أنه ابنه، ولو كان مؤيدًا بالوحي، وفرح، هو النَّبي -عليه الصلاة السلام- مطمئن أنه ابنه؛ لكن لوجود ما يُشْكِل في اللون، وخشية أن يتحدث بعض الناس في نسبه، وجاء مُجَزز المُدْلِجي الذي هو بعيد كل البعد عن بِيئَتِهم، ولم ير وجُوهَهَم، إنما رأى الأرجل فقال: "هَذِه الأرجل من هذه" فَرِحَ النَّبي -عليه الصلاة والسلام- بهذا؛ لأنها شهادة مقبولة من قَائِف، وتدفع ما قد يَرِد على النفوس من هذا، وإلا فبإمكانه أن يَرِدَ عليه بالوحي أن فلانًا بن فلان أو ماشٍ على القاعدة: أنه ولده وُلِدَ على فراشه، ولو كان اللون يختلف، وَلِذَا لما جاء الذي يشكو إلى النَّبي -عليه الصلاة والسلام- أن ابنه يختلف عنه في اللون، قال: «هَلْ عِنْدَكَ مِنْ إِبِل؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَمَا أَلْوَانُها؟ إلى أن قال: لَعَله نَزَعَه عِرْق قال: «لعل ابنك نزعه عرق».
وفي حديث أنس عند مسلم قالت: أم عبد الله بن حُذَافَة لعبد الله بن حُذَافَة: "مَا سَمِعْتُ بِابْنٍ قَطُّ أَعَق مِنْكَ أَأَمِنْتَ أَنْ تَكَون أُمُّكَ قَدْ قَارَفَت بَعْضَ مَا تُقَارفَه نِسَاء أَهْل الجَاهِلية فَتَفْضَحُها عَلى أَعْينِ النَّاس؟" حديث صحيح.
المقدم: لما سأل.
لما سأل، قَالَ عَبْدُ الله بن حُذَافَة: والله لَو أَلْحَقَنِي بِعَبْدٍ أَسْوَد لَلَحِقْتُه، فقام رجل آخر، قال ابن حجر.
المقدم: هذا في صحيح مسلم.
نعم في الصحيح.
المقدم: أتذكر يا شيخ الباب.
من شرح النووي الخامس عشر صفحة 114، قالت أم عبد الله بن حُذَافَة لعبد الله بن حُذَافَة: "مَا سَمِعْتُ بِابْنٍ قَطُّ أَعَقَ مِنْكَ أَأَمِنْتَ أَنْ تَكَون أُمُّكَ قَدْ قَارَفَت بَعْضَ مَا تُقَارفَه نِسَاء أَهْل الجَاهِلية فَتَفْضَحُها عَلى أَعْينِ النَّاس؟ قَالَ عَبْدُ الله بن حُذَافَة: والله لَو أَلْحَقَنِي بِعَبْدٍ أَسْوَد لَلَحِقْتُه" لكن لو وُجِدَ مثل هذه الإشكالات في اللون مثلًا هل للإنسان أن يَتَحَرى في مثل هذا ويسأل عن أبيه الحقيقي ويطالب الدلائل والقرائن؟ أو يترك الأمور على ما هي عليه؟ والشهادة بالاستفاضة في مثل هذا كافية والقواعد الشرعية المُقَرَّرَة ثابتة «الوَلَدُ لِلْفِراش» ولا أدنى إشكال.
المقدم: صحيح.
هذا الأصل.
"فَقَامَ رَجُلٌ آخَر"، "فَقَامَ رَجُلٌ آخَر"، قال ابن حجر: "هو سعد بن سالم مولى شيبة بن ربيعة، سماه ابن عبد البَر في التمهيد في ترجمة سهيل بن أبي صالح منه، وأغفله في الاستيعاب، ولم يظفر به أحد من الشارحين ولا مَنْ صَنفَ في المبهمات ولا في أسماء الصحابة، وهو صحابي بلا مرية لقوله: "مَنْ أَبِي يَا رَسُولَ الله؟" ما قال: يا محمد، كونه يقول: "مَنْ أَبِي يَا رَسُولَ الله" دليل على أنه مسلم، رأى النَّبِي مؤمنًا به فهو صحابي، ولم يُذْكَر في كتب الصحابة، سعد بن سالم مولى شيبة، ويقول ابن حجر: لم يظفر به أحدٌ من الشارحين ولا من صنف في المبهمات، ولا في أسماء الصحابة، وهو صحابي بلا مرية بقوله: "مَنْ أَبِي يَا رَسُولَ الله" مثل هذا الكلام من ابن حجر، هل يقوله على سبيل التمدح، على سبيل التمدح لنفسه وأنه وقف على شيء لم يقف عليه غيره؟ يعني مثل ما يقول ابن القيم: احرص على هذه الفائدة.. وافهم هذه المسألة..
المقدم: وقد لا تجدها في مثل هذا الموضع
قد لا تجدها في مصنف آخر ألْبَتَة، هم يُغْرُونَ طالب العلم.
المقدم: حث طالب العلم.
بِاقْتِنَاص مثل هذه الفوائد.
المقدم: نعم.
والحرص عليها.
فقال: «أَبُوكَ سَالِمْ مَوْلَى شَيْبَة» مبتدأ وخبر مَقُول القَول "فَلَمَّا رَأَى عُمَر بن الخطاب" -رضي الله تعالى عنه-، الخليفة الراشد المُلْهَم -رضي الله عنه وأرضاه-، "مَا فِي وَجْهِه -عليه الصلاة والسلام- مِنْ الغَضَب" أي: من أثره، و"مَا" موصولة، والجملة في محل نصب على أنها مفعول "رَأَى" وهو من الرؤية؛ بمعنى الإبصار، ولهذا اقْتُصِرَ على مفعول واحد، "قال يَا رَسُولَ الله: إِنَّا نَتُوبُ إِلَى الله" إِنَّا نَتُوبُ إِلَى الله" أي مما يوجب غضبك، قال العيني: الجملة وقعت مَقُول القَول، "إِنَّا نَتُوبُ إِلَى الله" وقعت مَقُول القَول، ولذا كُسِرَت همزة "إِنَّا".
المقدم: إنا.
أي نتوب من الأسئلة المكروهة مما لا يَرْضَاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنما قال ذلك عمر -رضي الله عنه؛ لأنه لما رأى حرصهم وَقَدّر ما علمه، خَشِيَ أن يكون ذلك كالتعنت والشك في أمره، فقال: "إِنَّا نَتُوبُ إِلَى الله" من أين استدل على غضبه -عليه الصلاة والسلام-؟ الثاني، مما رأى في وجهه -عليه الصلاة والسلام-، قدر ذلك، وخشي أن تكون أسئلتهم العنت، مجرد العنت لا طلبًا للفائدة.
قال ابن حجر: "وفي حديث أنس الآتي بعد -يعني: بعد حديث أبي موسى، هذا في الأصل في البخاري- "أَنَّ عُمَر بَرَكَ عَلَى رُكْبِتَيْه، فَقَالَ: رَضِيْنَا باِلله رَبًّا" الحديث الذي يلي هذا مباشرة في الأصل.
عن أنس بن مالك: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ قَالَ: مَنْ أَبِي؟ فَقَالَ: «أَبُوكَ حُذَافَةُ» ثُمَّ أَكْثَرَ أَنْ يَقُولَ: «سَلُونِي» فَبَرَكَ عُمَرُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ: رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَبِيًّا فَسَكَتَ" لم يذكره المُخْتَصِر اكتفاءً بحديث أبي موسى، اكتفاءً بحديث أبي موسى، لكن على الاصطلاح، هل يُغْنِي حديث أبي موسى عن حديث أنس؟ على الاصطلاح عند أهل الحديث، هل هما حديث واحد أو حديثان؟
المقدم: حديثان.
هما حديثان؛ لأنهم ينظرون إلى المَخْرج، هذا حديث أبي موسى، وهذا حديث أنس، ولو اتحَدَ اللفظ، أما المُخْتَصِر، فلا يراعي مثل هذا هو يراعي المتون، يراعي المتون، فيكتفي ببعضها عن بعض ولو اختلف الصحابي، كم عندك في المتن من حديث؟
المقدم: الحديث
التجريد كم من حديث؟
ألفان؟
المقدم: ألفان ومائة وخمسة وتسعون.
يعني ألفان ومائتان تقريبًا.
المقدم: تقريبًا.
الذي حَرَّرَه ابن حجر أن البخاري بلا تكرير ألفان وخَمْسمائة وحديثان.
المقدم: بلا تكرير.
بلا تكرير.
المقدم: ومجموعها سبعة.
سبعة آلاف وخَمْسمائة وكسور..
المقدم: سبعة آلاف وخَمْسِمائة وثلاث وستون تقريبًا.
نعم، لكن ابن حجر يقول: بلا تكرير ألفان وخمسمائة وحديثان.
أكثر من ثلاثمائة حديث، هل نقول: ضاعت على المُخْتَصِر؟ فله ارتباط وثيق بما قلنا.
المقدم: لا لا ما ضاعت.
لا ما ضاعت؛ لأنه يكتفي بحديث أبي موسى عن حديث أنس، وابن حجر يعدهما حديثين.
المقدم: ينظر إلى المتن.
ينظرون إلى المتون، وذاك ينظر إلى المَخْرَج.
المقدم: معنى الزوائد التي أضافها؟
الزوائد من الحاشية ما هي من الأصل، الحاشية أضافها، المقصود أن سبب الاختلاف بين عد ابن حجر وعد المُخْتَصِر هو هذا؛ لأنه قد يسمع، أو يعرف طالب العلم أن البخاري بلا تكرير ألفان وخَمْسِمائة وحديثان، يقول: أين هذه الثلاثمائة وزيادة؟ ضاعت على المُخْتَصِر؟ لا لم تضع؛ لأن قصده المتن، ويكتفي بمتن عن آخر؛ لأنه يندرج فيه ولو اختلف الصحابي.
هنا البخاري ترجم على حديث أنس "باب من برك على ركبتيه.
المقدم: حديث أنس بعد حديث أبي موسي يا شيخ.
بعد حديث أبي موسى، وترجم عليه باب من برك على ركبتيه عند عند الإمام أو المحدث، وفيه فبرك عمر على ركبتيه"، وهذه نحتاجها عند تقريرنا لبروك البعير.
المقدم: برك على ركبتيه.
على ركبتيه.
المقدم: وفي الحديث: «لَا يَبْرُك أَحُدكُم كَمَا يَبْرُكُ البَعِير في الصلاة ...
..وَلْيَضَع يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْه».
المقدم: نعم.
نعم، فالبروك لا يلزم أن يكون على اليَدين، فيقع البروك، لكن بروك البعير يقدم يديه قبل ركبتيه، فالبروك مذموم سواءً كان على اليدين، أو على الركبتين، وهذا في الصلاة، ومعنى البروك..
المقدم: مذموم يا شيخ.
مذموم، فلا يبرك أحدكم؛ لأن البروك ما معناه؟
المقدم: الهوي.
البروك هل هو مجرد تقديم اليدين على الركبتين؟
المقدم: أو صفتان.
أو الركبتان هنا على اليدين كما برك على ركبتيه، لا؛ البروك هو النزول على الأرض بقوة؛ لأنه يقال: بَرَكَ البعير؛ إذا أثار الغبار وَفَرقَ الحصى، وَلِذَا من قدم يديه على ركبتيه برفق وضع يديه قبل ركبتيه لا يقال: برك، وإنما يقال: امتثل الأمر «وَلْيَضَع يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْه».
المقدم: باعتبار أن هذا ليس إدراجًا.
لا لا ليس.. قلب، ابن القيم قال: أنه مقلوب، لكن ليس بمقلوب؛ لأن البروك شيء ومجرد وضع اليدين على الأرض شيء، لأن البروك النزول على الأرض بقوة، عمر -رضي الله عنه- برك على ركبتيه بقوة؛ لأنه غضب لغضب النَّبِي -عليه الصلاة والسلام-.
المقدم: نعم.
ومثل هذا وهو خارج الصلاة، والمذموم البروك في الصلاة كما يبرك البعير.
المقدم: نعم؛ لأنه لو قال: على ما يبرك عليه البعير، لاعتبرنا هنا المذموم هو البروك على الركبتين أو اليدين.
لا، أصل مادة البروك، لو فهمنا معني البروك يقال: بَرَكَ البعير وحصحص البعير..
المقدم: إذا أثر الغبار..
إذا فرق الحصى، نعم إذا نزل على الأرض بقوة بَرَكَ مثل ما يبرك البعير إذا قَدَّمَ يديه، وإذا نزل على الأرض بقوة قدم ركبتيه بَرَكَ مثل ما يبرك الحمار مثلًا، والبروك سواءً هذا في تقليد الحمار أو البعير كله مذموم، إنما المطلوب النزول على الأرض برفق «وَلْيَضَع يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْه»، ثُمَّ يبقى المفاضلة بين حديث أبي هريرة وحديث وائل «كَانَ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- إِذَا سَجَدَ وَضَع رُكْبَتَيْه قَبْلَ يَدَيْهِ» يعني مجرد وضع، سواءً صححنا الحديثين، أو رجحنا أحدهما على الآخر، المسألة لها مبحث آخر، لكن هذا الذي يهمنا منها.
المقدم: وسيأتينا في باب الصلاة إن شاء الله.
إن شاء الله، الحديثان لم يخرجهما البخاري لا حديث أبي هريرة ولا حديث وائل، ولكن يرد ذكر المسألة إن شاء الله تعالى، خَرَّجَ البخاري حديث أنس في اثني عشر موضعًا.
المقدم: أنس؟
أنس نعم، ما لنا علاقة به.
المقدم: نعم نعم.
وإن كنا نحتاجه؛ لأن البخاري ترجم بتراجم على حديث أنس.
المقدم: صحيح.
ونحتاجها في حديث أبي موسى؛ لأنها موجودة فيه.
المقدم: صحيح.
لكنها كثيرة وتحتاج إلى وقت ونحن ملتزمون بكتاب معين فلا، وليس المطلوب أن نأتي بكل شيء، في شرح الخطابي أعلام الحديث: "يشكل من هذا معنى الغضب من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: «لَا يَقْضِي القَاضِي بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهَوَ غَضْبَان» ثُمَّ قد فَصلَ الحكم ههنا في وقت غضبه؟ فَصلَ الحكم ههنا في وقت غضبه؟ والجواب: أن الغضب من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد يكون على وجهين؛ أحدهما: أن يكون خوفًا وشفقًا على الأمة، أن يكون خوفًا وشفقًا على الأمة أن يضلوا إذا خَفِيَ عليهم ما يلزمهم ويعنيهم من أمر دينهم، فيكون ذلك تحريضًا منه لهم على الواجب من ذلك.
والوجه الآخر: ما يحدث له من الغضب البشري الذي هو طبعًا، وجبلة كما قال -صلى الله عليه وسلم-: «إِنِّي بَشَرٌ أَغْضَبُ كَمَا تَغْضَبُون». والحديث مخرج في مسلم من حديث سلمان، وعلى الوجهين معًا؛ بل على الأحوال كلها، هو يغضب كما يغضبون، لكن لا يقول إلا حقًّا، هذا يختلف عن البشر في هذا؛ لأنه معصوم، وعلى الوجهين معًا وعلى الأحوال كلها لا يجوز عليه غلطٌ في الحكم يُقَرُّ عليه قولًا ولا فعلًا لعصمة الله -عز وجل- إِيْاه -صلى الله عليه وسلم- ولذلك حكم للزبير، ولذلك حكم للزبير في حال غضبه حين قال الأنصاري له: "أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِك" رواه البخاري، وليس قياس سائر الناس عليه قياسه ولا معناه في ذلك معناه".
في شرح ابن بطال يقول: في الحديث فَهْم عمر -رضي الله عنه- وفضل علمه؛ لأنه خَشِيَ أن يكون كثرة سؤالهم له كالتعنيت له والشك في أمره -عليه الصلاة والسلام- ألا ترى قول عمر: "رَضِينَا بِالله رَبَّاً وَبِالإِسْلَامِ دِيناً وَبِمُحَمَدٍ نَبِيا" فخاف أن تحل بهم العقوبة لتعنيتهم له -عليه الصلاة والسلام-.
ولقوله تعالى: {لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة:101] وقد جاء معنى هذا الحديث بينًا عن ابن عباس قال: "كَانَ قَومٌ يَسْئَلُونَ رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم- اسْتِهزاءً فَيِقُول الرَجُل: مَنْ أَبِي؟ وَيَقُول الرَجُل تَضل نَاقَتَه: أَيْنَ نَاقَتِي؟ فَنَزَلَة هَذِه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ} [المائدة:101]". كل ذلك ذكره البخاري في تفسير القرآن، وفيه أنه لا يجب أن يُسْأل العَالِم إلا فيما يحتاج إليه، وفي بروك عمر عند النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- الاستجداء للعَالِم يعني إذا غضب يطلب رضاه.
المقدم: نعم.
الاستجداء للعَالِم والتواضع له، وسيأتي في حديث ابن حذافة، في باب "التعوذ من الفتنة" في "كتاب الفتن"، وفي باب "ما يكره من كثرة السؤال وتكلف ما لا يعني" في "كتاب الاعتصام" فيه شيء من الكلام بمعناه. هذا الحديث خَرَّجَه الإمام البخاري في موضعين:
المقدم: في هذا الموضع.
البخاري خرج هذا الحديث في موضعين: الأول هنا في "كتاب العلم"، في "باب الغضب في الموعظة والتعليم إذا رأى ما يكره".
قال: حدثنا محمد بن العلاء، قال: حدثنا أبو أسامة عن بريد عن أبي بردة عن أبي موسى قال: "سُئِلَ النَّبِي- صلى الله عليه وسلم-" فذكره، وسبق ذكر مناسبته للترجمة، والموضع الثاني في "كتاب الاعتصام بالكتاب والسنَّة"، في "باب ما يكره من كثرة السؤال وعن تكلف ما لا يعنيه"، وقول الله تعالى: {لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}، قال: حدثنا يوسف بن موسى، قال: حدثنا أبو أسامة عن بريد بن أبي بردة عن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: "سُئِلَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- عَنْ أَشْيَاء كَرِهَهَا" الحديث، والمناسبة ظاهرة "باب ما يكره من كثرة السؤال".
وأخرجه أيضًا الإمام مسلم، فالحديث متفق عليه.
المقدم: أحسن الله إليكم، ونفع بعلمكم، بهذا أيها الإخوة والأخوات، نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة من شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، لقاؤنا بكم بإذن الله يتجدد مع حلقة أخرى وحديث آخر، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
"