شرح نخبة الفكر (12)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

نعم.

أحسن الله إليك: خاتمة: ومن المهم معرفة طبقات الرواة ومواليدهم ووفياتهم وبلدانهم وأحوالهم تعديلاً وتجريحاً وجهالةً، ومراتب الجرح وأسوؤها الوصف بأفعل كأكذب الناس، ثم دجال أو وضاع أو كذاب، وأسهلها لين، أو سييء الحفظ، أو فيه مقال، ومراتب التعديل وأرفعها الوصف بأفعل كأوثق الناس، ثم ما تأكد بصفة أو صفتين كثقة ثقة، أو ثقة حافظ، وأدناها ما أشعر بالقرب من أسهل التجريح كشيخ، وتقبل التزكية من عارف بأسبابها، ولو من واحد على الأصح، والجرح مقدم على التعديل إن صدر مبيناً من عارف بأسبابه، فإن خلا عن التعديل قبل مجملاً على المختار".

يكفي، يكفي.

يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "خاتمة: ومن المهم معرفة طبقات الرواة ومواليدهم ووفياتهم وبلدانهم وأحوالهم تعديلاً وتجريحاً وجهالةً" هذه خاتمة ختم بها الحافظ -رحمه الله تعالى- مسائل الكتاب، والخاتمة خبر مبتدأه محذوف تقديره: هذه خاتمة، ومن المهم لمن له أنس وارتياح لعلم الحديث معرفة أشياء تهم طالب الحديث ويقبح به جهلها فمن ذلك:

أولاً: معرفة طبقات الرواة وهي جمع طبقة، وهي في الاصطلاح: عبارة عن جماعة من أهل زمان اشتركوا في سن ولقاء المشايخ والأخذ عنهم، وقد يكون الشخص من طبقتين باعتبارين أي على حيثيتين مختلفتين، كأنس بن مالك وغيره من أصاغر الصحابة فإنه من حيث ثبوت الصحبة يعد في طبقة العشرة مثلاً، هو صحابي مثلهم ومن حيث صغر السن يعد في طبقة من بعدهم، فمن نظر إلى الصحابي باعتبار الصحبة جعل الجميع طبقة واحدة كما صنع ابن حبان في الثقات وابن حجر في التقريب، ومن نظر إليهم باعتبار قدر زائد كالسبق إلى الإسلام أو شهود المشاهد الفاضلة جعلهم طبقات، وإلى ذلك جنح ابن سعد صاحب الطبقات، قال ابن حجر: "وكتابه أجمع ما جمع في ذلك، ومثل ذلك طبقة التابعين بالاعتبارين المذكورين".

فائدة: جعل ابن سعد طبقات الصحابة خمساً، وجعلهم الحاكم اثنتي عشرة طبقة وهكذا، قال السخاوي: منهم من يجعل كل طبقة أربعين سنة، وجعل الحافظ ابن حجر طبقات رواة الكتب الستة اثنتي عشرة طبقة، الأولى: الصحابة على اختلاف مراتبهم، وتمييز من ليس له منهم إلا مجرد الرؤية من غيره، الثانية: طبقة كبار التابعين كابن المسيب فإن كان مخضرماً صرحت بذلك –هذا كلام الحافظ-، الثالث: الطبقة الوسطى من التابعين كالحسن وابن سيرين.

الرابعة: طبقة تليها جل روايتهم عن كبار التابعين كالزهري وقتادة.

الخامس: الطبقة الصغرى منهم الذين رأوا الواحد والاثنين ولم يثبت لبعضهم السماع من الصحابة كالأعمش.

السادسة: طبقة عاصروا الخامسة لكن لم يثبت لهم لقاء أحد من الصحابة كابن جريج.

السابعة: كبار أتباع التابعين كمالك والثوري.

الثامنة: الطبقة الوسطى منهم كابن عيينة وابن علية.

التاسعة: الطبقة الصغرى من أتباع التابعين كيزيد بن هارون والشافعي وأبي داود الطيالسي وعبد الرزاق.

العاشرة: كبار الآخذين عن تبع الأتباع ممن لم يلق التابعين كأحمد بن حنبل.

الحادية عشرة: الطبقة الوسطى من ذلك كالزهري والبخاري.

الثانية عشرة: صغار الآخذين عن تبع الأتباع كالترمذي، وألحقت بها باقي شيوخ الأئمة الستة الذين تأخرت وفاتهم قليلاً كبعض شيوخ النسائي.

ومعرفة طبقات الرواة فن مهم جداً، من فوائده: سد باب الكذب على الدجالين، وكشف خبيئة المدلسين، وإزاحة الستار عن حقيقة العنعنة، وإمكان الاطلاع على وصل الحديث أو إرساله، والأمن من تداخل الاسمين إن اتفقا في الاسم واختلفا في الطبقة وهكذا، نعم معرفة الطبقات في غاية الأهمية، تحدد إمكان سماع الراوي عن من يروي عنه.

ثانياً: من المهم معرفة مواليد الرواة ووفياتهم؛ لأنه بمعرفتهما يحصل الأمن من دعوى المدعي للقاء بعضهم وهو في نفس الأمر ليس كذلك، معرفة المواليد والوفيات يعني معرفة تواريخ الرواة، وعرفنا أن كثير من الرواة افتضح لما ادعى الرواية عن شيخ ثم سئل عن مولده فتبين أنه ولد بعد وفاة ذلك الشيخ فافتضح، قال ابن الصلاح: "روينا عن سفيان الثوري أنه قال: لما استعمل الرواة الكذب استعملنا لهم التاريخ"، وروينا عن حفص بن غياث أنه قال: "إذا اتهمتم الشيخ فحاسبوه بالسنين"، يعني احسبوا سنه وسن من كتب عنه، وهذا نحو ما روي عن إسماعيل بن عياش قال: "كنت بالعراق فأتاني أهل الحديث فقالوا: ههنا رجل يحدث عن خالد بن معدان فأتيته فقلت: أي سنة كتبت عن خالد بن معدان؟ فقال: سنة ثلاث عشرة -يعني ومائة-، فقلت: أتزعم أنك سمعت منه بعد موته بسبع سنين؟ سمعت منه بعد موته بسبع سنين؟ قال إسماعيل: "مات خالد سنة ست ومائة"، روينا عن الحاكم أبي عبد الله قال: "لما قدم علينا أبو جعفر محمد بن حاتم الكشي وحدث عن عبد بن حميد سألته عن مولده فذكر أنه ولد سنة ستين ومائتين، فقلت لأصحابنا: سمع هذا الشيخ من عبد بن حميد بعد موته بثلاث عشرة سنة".

من المهم أيضاً معرفة بلدان الرواة وأوطانهم، قال ابن الصلاح: "وذلك مما يفتقر حفاظ الحديث إلى معرفته في كثير من تصرفاتهم، ومن مظان ذكره الطبقات الكبرى لابن سعد وكتب تواريخ البلدان كتاريخ بغداد للخطيب وتاريخ دمشق لابن عساكر، وتاريخ نيسابور للحاكم وغيرها، وقد كانت العرب إنما تنتسب إلى القبائل، فلما جاء الإسلام وغلب عليهم سكنى القرى والمدائن حدث فيما بينهم الانتساب إلى الأوطان، كما كانت العجم تنتسب، وأضاع كثير منهم أنسابهم، فلم يبق لهم غير الانتساب إلى الأوطان، فلان المكي، فلان المدني، فلان الطائفي وهكذا، بعد أن كانوا فلان القرشي، فلان المخزومي، فلان الخزرجي، فلان..، بعد أن كانوا ينتسبون إلى القبائل صاروا ينتسبون إلى البلدان فأضاع كثير منهم الأنساب، ومن انتقل من بلد إلى بلد وأراد الجمع بينهما في الانتساب فليبدأ بالأول ثم بالثاني المنتقل إليه، وحسن أن يدخل على الثاني كلمة "ثم" فيقال: فلان بن فلان المصري ثم الدمشقي وهكذا.

ومن كان من أهل قرية من قرى بلدة فجائز أن ينتسب إلى القرية وإلى البلدة أيضاً، وإلى الناحية التي منها تلك البلدة أيضاً، قال الحافظ: "وفائدته الأمن من تداخل الاسمين إذا اتفقا لكن افترقا نسبةً".

قال: "من المهم معرفة طبقات الرواة ومواليدهم ووفياتهم وبلدانهم" وهذا انتهينا منه "وأحوالهم تعديلاً وتجريحاً وجهالة" من المهم بل من أهم المهمات لمن يتصدى لهذا الشأن معرفة كل وصف قام بالرواة من الأوصاف المؤثرة في قبول أخبارهم أو ردها من العدالة والجرح والجهالة، قال الحافظ: "ومن المهم معرفة أحوال الرواة تعديلاً وتجريحاً وجهالة" لأن الراوي إما أن تعرف عدالته، أو يعرف فسقه، أو لا يعرف فيه شيء من ذلك، وكلام الحافظ هنا يدل على أن الجهالة ليست بجرح، ليست بجرح، فليست بقسم من أقسامه، بل قسيم له، فعلى هذا هي عدم علم بحال الراوي، ويدل على ذلك كلام أبي حاتم الرازي في بعض الرواة، بل في كثير من الرواة حينما يقول: "فلان مجهول أي لا أعرفه"، وكثيراً ما يقول: مجهول فقط أو لا أعرفه فقط، لكن يشكل على هذا أن من رتب ألفاظ الجرح والتعديل جعلوا لفظ (مجهول) من ألفاظ الجرح، فعلى هذا هي جرح، على كلام الحافظ وكلام أبي حاتم هي عدم علم بحال الراوي، ومقتضى صنيع من أدخل لفظ (مجهول) في ألفاظ الجرح أنها تجريح، ويترتب على ذلك الحكم على الخبر المروي من طريق من وصف بمجهول، فمقتضى كونه جرحاً أن يضعف الخبر بسببه ابتداءً، ومقتضى كونه عدم علم بحال الراوي أن يتوقف في الحكم على الخبر حتى تتبين حال الراوي، وهذا أشرنا إليه سابقاً في المجهول وأنواعه.

ثم قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: "ومراتب الجرح وأسوؤها الوصف بأفعل كأكذب الناس، ثم دجال، أو وضاع، أو كذاب، وأسهلها لين، أو سيء الحفظ، أو فيه مقال" مراتب الجرح والتعديل أول من رتبها وهذبها وأدرج فيها الألفاظ المستعملة من قبل أئمة هذا الشأن الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي في تقدمة كتابه (الجرح والتعديل) فأجاد وأحسن -رحمه الله-، وجعل ابن أبي حاتم المراس في القسمين أربعاً أربعاً، أربعاً في قسم التعديل، وأربعاًَ في قسم التجريح، وتبعه على ذلك ابن الصلاح والنووي وابن كثير، ثم جاء الذهبي والعراقي فزادا في كل قسم مرتبة، فصارت المراتب خمساً خمساً، ثم جاء الحافظ ابن حجر فزاد في التقريب مرتبة في كل قسم فصارت المراتب ستاً ستاً، لكنه نسخ مراتب القسمين جميعاً وأدرج مراتب الجرح بعد مراتب التعديل، فصارت المراتب اثنتي عشرة مرتبة سيأتي ذكرها قريباً -إن شاء الله تعالى-.

وقريب من صنيع الحافظ ما فعله السخاوي في فتح المغيث والسيوطي في التدريب، لكن الحافظ هنا اقتصر على ذكر أسوأ مراتب الجرح وأسهلها، وترك ما بين ذلك من المراتب فقال في النخبة وشرحها: "وأسوأها ما دل على المبالغة فيه، وأصرح ذلك التعبير بأفعل كأكذب الناس، وكذا قولهم: إليه المنتهى في الوضع، أو هو ركن الكذب أو نحو ذلك، ثم دجال، أو وضاع، أو كذاب؛ لأنها وإن كانت فيها نوع مبالغة لكنها دون التي قبلها" دجال وضاع كذاب، دون أكذب الناس، وإليه المنتهى في الوضع، وأسهلها -أي الألفاظ المستعملة في الجرح- قولهم: لين، أو سيء الحفظ، أو فيه أدنى مقال، قال في النزهة: "وبين أسوأ الجرح وأسهله مراتب لا تخفى، فقولك: متروك، أو ساقط، أو فاحش الغلط، أو منكر الحديث أشد من قولهم: ضعيف، أو ليس بالقوي، أو فيه مقال"، هذا ما صنعه الحافظ في مراتب التجريح ذكر الأشد والأسوأ والأدنى، وترك ما بينهما من المراتب؛ لأن الكتاب مختصر شديد الاختصار، ألف للحفظ فلا يستوعب فيه كل شيء كما هو معروف.

مراتب التعديل: "وأرفعها -كما قال الحافظ- الوصف بأفعل كأوثق الناس، ثم ما تأكد بصفة أو صفتين كثقة ثقة، أو ثقة حافظ، وأدناها ما أشعر بالقرب من أسهل التجريح كشيخ".

من المهم أيضاً معرفة مراتب التعديل وأرفعها عند الحافظ في النخبة وشرحها كما هنا الوصف بما دل على المبالغة في ذلك، وأصرح ذلك التعبير بأفعل كأوثق الناس، أو أثبت الناس، أو إليه المنتهى في التثبت، ثم ما تأكد بصفة من الصفات الدالة على التعديل أو صفتين كثقة ثقة، أو ثبت ثبت، أو ثقة حافظ، أو عدل ضابط، أو نحو ذلك، نعم، أو ثقة حافظ، أو عدل ضابط كذا قال، لكن قوله: أو عدل ضابط ليس فيه تأكيد؛ لأن عدل ضابط تساوي ثقة فقط مرة واحدة؛ لأن الثقة من جمع بين العدالة والضبط، ففي كلامه -رحمه الله- نظر، "وأدناها ما أشعر بالقرب من أسهل التجريح كشيخ، ويروى حديثه ويعتبر به ونحو ذلك، وبين ذلك مراتب لا تخفى" وما تركه الحافظ من مراتب ألفاظ القسمين يمكن استكماله من مقدمة التقريب، وقدمته على غيره -يعني اعتنيت بمراتب التعديل والجرح عند الحافظ لصلته بالكتاب المشروح، لصلة التقريب بالنخبة؛ لأن كلها من كلام رجل واحد، فتكميل كلام الرجل الواحد بكلامه أولى من تكميله بكلام غيره، مع أنه لا يمنع..، لا يمنع من الإشارة إلى كلام غيره -إن شاء الله تعالى-، قدمته على غيره، قدمت ما في التقريب على غيره لصلته بالكتاب المشروح، ولعناية الناس به واعتمادهم عليه، فقال:

المرتبة الأولى: الصحابة، فأصرحُ بذلك لشرفهم، هنا قال: المرتبة الأولى: أوثق الناس ما جاء بأفعل التفضيل أوثق الناس، وفي التقريب قال: المرتبة الأولى الصحابة فأصرحُ بذلك لشرفهم.

الثانية: من أكد مدحه إما بأفعل كأوثق الناس، أو بتكرير الصفة لفظاً كثقة ثقة أو معنى كثقة حافظ.

المرتبة الأولى في النخبة: أوثق الناس، والثانية: ما تأكد بصفة، جعلهما مرتبة واحدة هي الثانية عنده في التقريب وجعل الأولى للصحابة.

الثالثة: من أفرد بصفة كثقة، أو متقن، أو ثبت، أو عدل، لكن في قوله: عدل وإلحاقه بهذه المرتبة نظر؛ لأن العدالة واحدها لا تكفي فليست مقارنة لثقة إلا إذا قيل: عدل ضابط تساوي ثقة.

الرابعة: من قصر عن درجة الثالثة قليلاً وإليه الإشارة بصدوق أو لا بأس به أو ليس به بأس.

الخامسة: من قصر عن الرابعة قليلاً وإليه الإشارة بصدوق سيئ الحفظ أو صدوق يهم أو له أوهام أو يخطئ أو تغير بأخرة، ويلتحق بذلك من رمي بنوع من البدعة كالتشيع والقدر والنصب والإرجاء والتجهم مع بيان الداعية من غيره.

السادسة: من ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله وإليه الإشارة بلفظ مقبول حيث يتابع وإلا فلين الحديث، وفي هذه المرتبة إشكال كبير تأتي الإشارة إليه -إن شاء الله تعالى-.

لا مانع أن نقدم الكلام على هذه المرتبة السادسة من ليس من الحديث إلا القليل ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله وإليه الإشارة بلفظ مقبول حيث يتابع وإلا فلين الحديث.

أولاً: الأحكام في التقريب على الرواة وليست على المرويات، على الرواة وليست على المرويات فيحكم على الراوي بغض النظر عنه هل توبع أم لا؟ فأصحاب هذه المرتبة ليس لهم من الحديث إلا القليل، ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله –يعني من أقوال الأئمة- أو من مخالفة الثقات، ليس له من الحديث إلا القليل مقل من الرواية، لم يثبت فيه من أقوال أهل العلم أو من مخالفته للثقات ما يترك حديثه من أجله، وإليه الإشارة بلفظ مقبول، يكفي، متى يصير مقبول؟ حيث يتابع وإلا فلين الحديث، الآن ما الفرق عندنا بين لين مقبول؟ هما واحد في الأصل، لين ومقبول واحد لا فرق بينهما إلا أن المقبول توبع واللين لم يتابع.

إذاً إذا وجدنا وصف لراوٍ من الرواة في التقريب بأنه لين وهي من مراتب التجريح، إذا توبع طلع إلى مراتب التعديل صار مقبول صح وإلا لا؟ طيب، الضعيف إذا توبع إيش يصير؟ يصير مقبول، الضعيف إذا توبع يصير مقبول، إذاً ما الفرق بين لين وضعيف؟ لو عندنا ثلاثة رواة، ثلاثة رواة واحد وصف بمقبول، والثاني بلين، والثالث: بضعيف، من يحرر لي الفرق بين هؤلاء الرواة؟ الضحاك بن حمرة مقبول، الضحاك المعافري ضعيف، الضحاك بن نبراس لين، كلهم في التقريب هكذا، ما الفرق بين الرواة الثلاثة؟ ما الفرق بينهم؟ نعم؟

طالب:......

طيب الآن النظر في التقريب وظيفة من درس وانتهى وإلا وظيفة من أراد أن يدرس؟ من أراد أن يدرس إيش يدريك أنه توبع أو ما توبع الآن؟ نعم، افرض أنك بحثت عنه وجدته ما توبع، وجدت له حديث وجدته ما توبع، إيش يصير؟ هذا الذي قيل عنه في التقريب: مقبول، وورد حديث من طريقه بحثت عنه في طرقه في جميع دواوين السنة ما وجدت له متابع، إيش يصير؟ لين، إذاً الحكم في التقريب على الرواة لا على المرويات.

الثاني: اللين وجدت له متابع طلع صار مثل زميله مقبول، الضعيف وجدته متابع ارتقى حديثه إلى درجة القبول، إذاً هذه المرتبة فيها إشكال، أنا لم يتحرر لي الفرق بين مقبول ولين وضعيف، يظهر الفرق وإلا ما يظهر؟ لأن المقبول هذا إذا لم يتابع رجع لين، اللين إذا توبع صار مقبول، إذاً كيف نصف واحد بأنه لين والثاني مقبول؟ والقاعدة تشملهما من ليس له من الحديث إلا القليل ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله، وإليه الإشارة بلفظ: مقبول حيث يتابع، هل نستطيع أن نقول: إن الحافظ كل من حكم عليه بأنه مقبول في التقريب أن جميع مروياته توبع عليها؟ ومن حكم عليه بأنه لين جميع مروياته لم يتابع عليها؟ هل نستطيع أن نقول هذا الكلام؟ هذا أقرب ما يقال، نعم، نقول: أقرب ما يقال أن الحافظ تتبع أحاديث هؤلاء فمن حكم عليه بمقبول وجد أنه توبع على جميع أحاديثه، ومن حكم عليه بلين أنه لم يتابع على أي حديث من أحاديثه، هذا أقرب ما يقال في مثل هذا الكلام، لكن هل نستطيع أن نقول: إن ابن حجر أحاط بكل مرويات الرواة؟ ألا يمكن أن يوجد حديث لمن وصف بأنه مقبول لم يتابع عليه لم يطلع عليه الحافظ؟ أو العكس من قيل فيه: لين وتوبع عليه؟ إذاً الأحكام في الكتاب ينبغي أن تكون للرواة، لا شك أن المروي له أثر في الراوي؛ لأنه لا يعرف ضبط الراوي إلا من خلال مروياته، وأنه وافق الثقات، إذا وافقهم حكم عليه بأنه ضابط، وإذا خالفهم حكم عليه أنه ليس بضابط، لكن الأصل في هذا الكتاب أنه للرواة، يعني إذا وجدنا راوي ضعيف دعنا من مقبول ولين، إذا وجدنا راوٍ ضعيف حكم عليه بأنه ضعيف، وجدت رواية أخرى متابعة لهذا الراوي ألا يطلع إلى درجة القبول؟ يطلع إلى درجة القبول، فهذه المرتبة فيها إشكال، نعم؟

طالب:......

وين؟ يعني صدوق سيء الحفظ؟ صدوق يهم؟ له أوهام يخطئ؟ نعم.

طالب:......

إيه معروف أن هؤلاء..، حتى الصدوق -على ما سيأتي- أقول: فيه خلاف على ما سيأتي.

السابعة: من روى عنه أكثر من واحد ولم يوثق وإليه الإشارة بلفظ: مستور أو مجهول الحال.

 الآن الست كلها تعديل عند ابن حجر إلى لفظ مقبول كلها تعديل، السابعة إلى الثانية عشرة كلها تجريح عنده

إذاً السابعة: من روى عنه أكثر من واحد ولم يوثق وإليه الإشارة بلفظ مستور أو مجهول الحال، تقدم أن المستور عند ابن حجر هو من عرفت عدالته الظاهرة دون الباطنة ما تقدم هذا؟ نعم، تقدم هذا، وهو المستور، عندكم في النخبة، "متى توبع السيئ الحفظ بمعتبر وكذا المستور والمرسل المدلس".. إلى آخره، نعم، "أو اثنان فصاعداً ولم يوثق فمجهول الحال وهو المستور" إذاً هنا المستور عنده بإزاء مجهول الحال، الثامنة: من لم يوجد فيه توثيق لمعتبر، من لم يوجد فيه توثيق لمعتبر، ووجد فيه إطلاق الضعف ولو لم يفسر، وإليه الإشارة بلفظ: ضعيف، بلفظ ضعيف.

التاسعة: من لم يروِ عنه غير واحد ولم يوثق وإليه الإشارة بلفظ مجهول، والمراد به مجهول العين.

العاشرة: من لم يوثق البتة ومع ذلك ضعف بقادح، ضعف مع ذلك بقادح وإليه الإشارة بمتروك أو متروك الحديث أو واهي الحديث أو ساقط.

الحادية عشرة: من اتهم بالكذب.

الثانية عشرة: من أطلق عليه اسم الكذب والوضع، هذه مراتب الجرح والتعديل عند الحافظ ابن حجر، وقد رتبها على سبيل التدلي من أعلى مراتب التعديل إلى أسوأ مراتب الجرح، والحكم في أهل هذه المراتب الاحتجاج بأهل المراتب الثلاث بلا خلاف، الثلاث الأولى: الصحابة، من جاء بأفعل التفضيل أو أكد بتكرار اللفظ، والثالثة من أفرد بلفظ بصفة كثقة أو متقن أو ثبت، هؤلاء يحتج بهم بلا خلاف.

واختلف في أهل المرتبة الرابعة وهم من قيل فيه صدوق، من قصر عن درجة الثالثة قليلاً وإليه الإشارة بصدوق أو لا بأس به، هذا مختلف فيه، الصدوق مختلف في روايته، فذهب ابن أبي حاتم وابن الصلاح ومن تبعه إلى أنه لا يحتج به ابتداءً، بل يكتب حديثه وينظر فيه، لماذا؟ لا يحتج بحديث الصدوق ابتداءً بل صرح أبو حاتم حينما وصف راوٍ بأنه صدوق قيل له: أتحتج به؟ قال: لا، نعم، إذاً الصدوق عند هؤلاء عند ابن أبي حاتم وابن الصلاح ومن تبعهم لا يحتج به، بل يكتب حديثه وينظر فيه؛ لأن هذا اللفظ لا يشعر بشريطة الضبط.

حجة من رد حديث الصدوق: قال: صدوق وإن كانت مبالغة في الصدق وعدم الكذب إلا أنه لا يشعر بشريطة الضبط، ومن تمام الثقة أن يكون ضابطاً، يعني مما يشترط لصحة الخبر أن يكون راويه متصفاً بالضبط، كيف صدوق لا يشعر بشريطة الضبط؟ اتصور أنه في يوم عيد مثلاً وشخص جالس في منزله فطرق الباب للتهنئة، فقال لولده: افتح، فتح الباب قال يا أبت: فلان، هو صحيح فلان، طرق الباب ثانية قال: افتح وشوف من هو؟ فتح وقال: فلان، صحيح، فتح إلى تمام المائة، هذا صدوق وإلا كذاب الولد؟ نعم، ما أخطأ ولا مرة، كل مرة يقول: الطارق فلان، مائة مرة، مائة رجل طرقوا الباب في يوم العيد، وكلهم أخبر عنهم على مقتضى الواقع، يستحق الوصف بصدوق وإلا لا؟ مبالغة في الصدق، يعني ما أخطأ ولا كذب ولا مرة، هذا صدوق، الولد صدوق، صيغة مبالغة، صح وإلا لا؟ طيب من الغد يسأله أبوه يا ابني من الذي جاء أمس؟ من طرق الباب أمس؟ وعددهم مائة، فيقول: فلان، وفلان، يعد اثنين ثلاثة وينسى الباقي، هذا ضابط وإلا لا؟ هو صدوق لكنه ليس بضابط، تنظير مطابق وإلا غير مطابق؟ الآن صدوق ما كذب ولا مرة، في مائة واقعة ما كذب ولا مرة، إذاً يستحق الوصف بصدوق، لكن من الغد قال له أبوه: من الذي جاءوا أمس؟ من الذي جاءوا للتهنئة أمس يوم العيد؟ قال: زيد وعمرو وعبيد وما أدري إيش؟ عد ثلاثة أربعة خمسة ونسي أكثر من تسعين هذا ليس بضابط وإن استحق الوصف بالمبالغة بالصدق إلا أنه ليس عنده ضبط؛ لأن لفظ صدوق لا يشعر بشريطة الضبط، هذه حجة من يقول: إن الصدوق لا يحتج به، أظنه ظاهر.

وذهب آخرون إلى الاحتجاج بحديث الصدوق هذا الذي عليه العمل عند المتأخرين، الذهبي، ابن حجر، العراقي، السخاوي، السخاوي جعل لفظ صدوق من المراتب التي لا يحتج بها إلا بمتابع، السيوطي، الألباني، كل من يصحح ويضعف يجعل الصدوق يحتج به، وإن كان لا يجعله من درجة الصحيح يجعله من درجة الحسن لوجود الخلاف القوي فيه، ما حجتهم؟ لأن العدول من صادق إلى صدوق من صادق إلى صدوق يدل على ملازمة الراوي، هذه صيغة مبالغة، يدل على ملازمة الراوي للصدق وأن الكذب لا يقع في كلامه وإلا لم يستحق الوصف بما يدل على المبالغة، طيب الضبط الذي أشار إليه أولئك ينتفي بمثل هذا الكلام؟ ينتفي؟ ينتفي؟ هو مستحق الوصف بالمبالغة في الصدق، الكذب لا يقع في كلامه وإلا لم يستحق الوصف بما يدل على المبالغة، والكذب كما هو معروف يطلق على المقصود وغير المقصود، الكذب يطلق على المقصود ويطلق على الخطأ كيف يستحق الوصف بصدوق وهو يخطئ؟ لأن الذي لا يضبط يكثر الخطأ في حديثه، يكثر الخطأ في حديثه، والكذب يطلق على الخطأ كما هو معروف، مخالفة الكلام للواقع وإن لم يكن مقصوداً، على ما سبق تقريره في الكذاب، في الوصف بالكذب، ما تقدم لنا هذا؟ تقدم، إذاً هذا الشخص لا يستحق الوصف بالمبالغة إلا وقد برئ من وصف الكذب، لا المقصود ولا غير المقصود، فلا يقع الكذب المخالف للواقع في كلامه لا عن قصد ولا عن خطأ، وصفه بصيغة المبالغة صدوق مشعر بشريطة الضبط، لماذا؟ لأنه لا يقع الكذب في كلامه لا عمداً ولا خطأً، إذاً هو ضابط، هذه حجة من يقول بقبول رواية الصدوق، والمسألة دقيقة تحتاج إلى شيء من الانتباه، وهي الآن ظاهرة وإلا ليست ظاهرة؟ هاه؟ ظاهرة؟ إذاً الذي عليه العمل عند المتأخرين قاطبة أن الصدوق يحتج به وحديثه من قبيل الحسن؛ لأن هذا آخر درس نريد أن نكمل الكتاب فلا نستطيع أن نفصل أكثر من هذا.

قال -رحمه الله-: "وتقبل التزكية، تقبل التزكية من عارف بأسبابها ولو من واحد على الأصح"، ذكر الحافظ -رحمه الله تعالى- هنا بعض القواعد المتعلقة بالجرح والتعديل، فذكر أن تزكية الرواة والمراد بها ما يشمل الجرح والتعديل يعني تقبل التزكية والتزكية تشمل الجرح والتعديل، الأصل في التزكية الجرح وإلا التعديل؟ التزكية؟ التعديل نعم، لكن قالوا: تزكية من باب الاكتفاء.

.............................. ومن
وصحح اكتفاؤهم بالواحدِ

 

زكاه عدلان فعدل مؤتمن
جرحاً وتعديلاً خلاف الشاهدِ

قولهم: تقبل التزكية أي والتجريح، لكن من باب الاكتفاء اقتصروا على التزكية، من باب: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [(81) سورة النحل] يعني والبرد، نعم، وذكر أن تزكية الرواة والمراد بها ما يشمل الجرح و التعديل إنما تقبل من الإمام العارف بأسباب الجرح والتعديل، تقبل التزكية من عارف بأسبابها؛ لئلا يعدل أو يجرح بمجرد ما يظهر له ابتداءً من غير ممارسة واختبار، وذكر أنه يكفي على القول الصحيح في التزكية واحد خلافاً لمن شرط التعدد فلا بد حينئذٍ من اثنين على الأقل إلحاقاً للرواة بالشهود، قال ابن الصلاح: "اختلفوا في أنه هل يثبت الجرح والتعديل بقول واحد أو لا بد من اثنين؟ فمنهم من قال: لا يثبت ذلك إلا باثنين كما في الجرح والتعديل في الشهادات، ومنهم من قال -وهو الصحيح الذي اختاره الحافظ أبو بكر الخطيب وغيره-: إنه يثبت بواحد لأن العدد لم يشرط في قبول الخبر، يعني في الرواية لا يشترط التعدد إذاً في تعديل الراوي وجرحه لا يشترط التعدد؛ لأن هذا فرع عن ذاك، فلم يشترط في جرح راويه وتعديله بخلاف الشهادة، قال الحافظ العراقي:

....................... ومن
وصحح اكتفاؤهم بالواحدِ

 

زكاه عدلان فعدل مؤتمن
جرحاً وتعديلاً خلاف الشاهدِ

وقال الحافظ: "والفرق بينهما –يعني التزكية والشهادة- أن التزكية تنزل منزلة الحكم، فلا يشترط فيها العدد، يعني إذا أفتاك عالم في حكم مسألة يحتاج أن تذهب إلى غيره لتتأكد وإلا يكفي؟ نعم يكفي واحد، هذا حكم من هذا الإمام على هذا الراوي، كما أنه إذا حكم عليك بوجوب دم في الحج أو بإعادة صلاة أو ما أشبه ذلك يكفي كلامه، فرق بينهما –يعني التزكية والشهادة- أن التزكية تنزل منزلة الحكم فلا يشترط فيها العدد، والشهادة تقع من الشاهد عند الحاكم فافترقا، ولو قيل: يفصل بينما إذا كانت التزكية في الراوي مستندة من المزكي إلى اجتهاده أو إلى النقل عن غيره لكان متجهاً؛ لأنه إن كان الأول فلا يشترط العدد أصلاً؛ إذا كانت ناشئة عن اجتهاد إذا كانت التزكية ناشئة عن اجتهاد عالم وهذه تتصور فيمن بعد الأئمة، في الأئمة في النظر في حال هذا الرجل اجتهد فرأى أنه ثقة، اجتهد فرأى أنه ضعيف، وهذا يظهر في المتأخرين الذين لم يخالطوا الرواة، اجتهد ونظر في أقوال الأئمة فأداه اجتهاده إلى أن هذا الراوي ثقة، أو أداه اجتهاده إلى أن هذا الراوي ضعيف، هل يلزم العدد؟ كالاجتهاد في الأحكام لا يلزم العدد؛ لأنه إن كان الأول أن مرد ذلك إلى الاجتهاد فلا يشترط العدد أصلاً؛ لأنه حينئذ يكون بمنزلة الحاكم، وإن كان الثاني فيجري فيه الخلاف إذا كان ناقل عن غيره، ويتبين أنه –أيضاً– لا يشترط العدد؛ لأن أصل النقل لا يشترط فيه العدد فكذا ما تفرع عنه، ثم قال الحافظ في النزهة: "وينبغي أن لا يقبل الجرح والتعديل إلا من عدل متيقظ" فلا يقبل جرح من أفرط فيه فجرح بما لا يقتضي رد حديثهم حديث المحدث، يعني شخص متشدد يجرح بأدنى شيء، أو متساهل يتغاضى عن أكبر شيء، نعم، فلا بد أن يكون الجرح والتعديل من عدل متيقظ، فلا يقبل جرح من أفرط فيه -يعني الجرح- فجرح بما لا يقتضي رد حديثهم، كما لا تقبل التزكية من أخذ بمجرد الظاهر فأطلق التزكية، وقال الحافظ الذهبي -وهو من أهل الاستقراء التام في نقد الرجال–: "لم يجتمع اثنان من علماء هذا الشأن قط على توثيق ضعيف ولا على تضعيف ثقة، "لم يجتمع اثنان من علماء هذا الشأن قط على توثيق ضعيف ولا على تضعيف ثقة" كيف يقول الذهبي هذا ونحن نجد في ترجمة الراوي الواحد أربعة اجتمعوا على تضعيف راوي وعشرة اجتمعوا على توثيقه ونحكم عليه بأنه ثقة؟ فأربعة اجتمعوا على تضعيفه وهو ثقة، نقول: إذا لم يوجد في هذا الراوي إلا قولين فقط فلا يمكن أن يجتمع هذان الإمامان على توثيق ضعيف أو على تضعيف ثقة، أما إذا وجد في الراوي عشرين قول فقد يجتمع خمسة ستة على تضعيفه والباقون على توثيقه أو العكس، وهو إما ثقة أو ضعيف، واجتمع فيه أكثر من قولين، فنفهم كلام الحافظ الذهبي -رحمه الله-.

ولهذا كان النسائي من مذهبه أن لا يترك حديث الرجل حتى يجتمع الجميع على تركه، ثم قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: "وليحذر المتكلم في هذا الفن من التساهل في الجرح والتعديل" وليحذر المتكلم في هذا الفن من التساهل في الجرح والتعديل، "فإنه إن عدل أحداً بغير تثبت كان كالمثبت حكماً ليس بثابت فيخشى عليه أن يدخل في زمرة ((من روى حديثاً وهو يظن أنه كذب)) وإن جرح بغير تحرز أقدم على الطعن في مسلم بريء من ذلك ووسمه بميسم سوء يبقى عليه عاره أبداً" نعم في مثل هذا لا يرد الاحتياط، لا تقول: أحتاط للسنة وأضعف هذا الراوي فلا أثبت إلا ما أتأكد منه، لا، لأنك إن احتطت من جهة التضعيف فوّت على الأمة العمل بأحاديث تأتي من هذا الرواي، وإن احتطت لتوثيقه وقلت: كون الأمة تعمل بهذه الأحاديث خير من أن تفرط بها جعلت الناس يعملون بأدلة لا يثبت بها شرع، فالاحتياط في مثل هذا لا يرد، والآفة تدخل في هذا تارة من الهوى والغرض الفاسد -وكلام المتقدمين سالم من هذا غالباً– وتارة من المخالفة في العقائد وهو موجود كثيراً قديماً وحديثاً، ولا ينبغي إطلاق الجرح بذلك، فقد قدمنا تحقيق الحال في العمل برواية المبتدعة، وليتقِ الله -سبحانه وتعالى- من يتصدى لنقد الرجال في أعراض المسلمين فإنها كما قال ابن دقيق العيد -رحمه الله تعالى يعني أعراض المسلمين- حفرة من حفر النار وقف على شفيرها العلماء والحكام، وقف على شفيرها العلماء والحكام.

والجرح مقدم على التعديل كما قال الحافظ: "والجرح مقدم على التعديل إن صدر من عارف بأسبابه"، الجرح مقدم على التعديل إن صدر من عارف بأسبابه "فإن خلا عن تعديل قبل مجملاً على المختار"، إذا وجد في الراوي جرح وتعديل قال ابن معين: ثقة، وقال أحمد: ضعيف، والتضعيف والتجريح صدر من عارف بالأسباب وهو أحمد إذاً يقدم الجرح على التعديل، فإذا وجد في الراوي جرح وتعديل فقد قال ابن الصلاح: "الجرح مقدم على التعديل؛ لأن المعدل يخبر عما ظهر من حاله، والجارح يخبر عن باطن خفي على المعدل، المعدل ينظر إلى الظاهر فيحكم عليه بمجرد ما ظهر له، والجارح يحكم من خلال شيء خفي على المعدل، إذا قال المعدل: هذا الرجل ثقة عدل يصلي يصوم يزكي، يبر والديه، إلى آخر الواجبات، ولا أعرفه ارتكب شيئاً من المحرمات، إذاً هو عدل، يقول الجارح: صدقت في كل ما تقول، يصلي ويصوم ويزكي، ويبر والديه، ويحج، ويفعل الواجبات كلها، ويجتنب المنكرات والموبقات إلا شيء واحد أنا اطلعت عليه يشرب الخمر مثلاً، فيكون هذا الجارح عنده زيادة علم خفيت على المعدل، ولذا قدموا الجرح، فإن كان عدد المعدلين أكثر، جرحه واحد وعدله خمسة ستة، فقد قيل: التعديل أولى، والصحيح والذي عليه الجمهور أن الجرح أولى لما ذكرنا؛ لأن الذي يخفى على الواحد يخفى على الخمسة، فيكون قبول قول الجارح أولى، وهذا قول الأكثر، قال الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:

وقدّموا الجرح لكن إن ظهر

 

من عدّل الأكثر فهـو المعتبـر

قال الحافظ: "أطلق جماعة تقديم الجرح على التعديل ولكن محل ذلك إن صدر مبيناً" يعني مفسر، مجروح بكذا، "من عارف بأسبابه؛ لأنه إن كان غير مفسر لم يقدح فيمن ثبتت عدالته، وإن صدر من غير عارف بالأسباب لم يعتبر به أيضاً، فإن خلا المجروح عن تعديل قبل الجرح فيه مجملاً، غير مبين السبب إن صدر من عارف على المختار؛ لأنه إذا لم يكن فيه تعديل فهو في حيز المجهول وإعمال قول المجرح أولى من إهماله" ومال ابن الصلاح في مثل هذا إلى التوقف.

شخص لم يعدل أصلاً، ما ذكر فيه تعديل، فجاء شخص آخر فقال: هذا ضعيف، ولم يبين سبب التضعيف، هو خلا عن التعديل ليس فيه قول لأحد من أهل العلم بالتعديل، وجد فيه تضعيف لكنه غير مفسر، هذا التضعيف يحتمل أن يكون بغير جارح، ولذا اشترطوا تفسير الجرح، نقول: هذا الرجل في حيز المجهول، لا نعرف عنه عدالة، وإعمال قول الجارح أولى من إهماله، نعم لو تعارض الجرح والتعديل نظرنا وقلنا: إنه لا بد أن يكون الجرح مفسراً، لكن إذا كان غير معدل فإنه يكتفى فيه الجرح ولو كان مجملاً، نعم.

أحسن الله إليك: "فصل: ومن المهم معرفة كنى المسمين، وأسماء المكنين، ومن اسمه كنيته، ومن كثرت كناه أو نعوته، ومن وافقت كنيته اسم أبيه أو بالعكس، أو كنيته كنية زوجته، ومن نسب إلى غير أبيه، أو إلى أمه أو إلى غير ما يسبق إلى الفهم، ومن اتفق اسمه واسم أبيه وجده، أو اسم شيخه وشيخ شيخه فصاعداً، ومن اتفق اسم شيخه والراوي عنه، ومعرفة الأسماء المجردة والمفردة .

الكنى والألقاب والأنساب:

"والكنى والألقاب والأنساب، وتقع إلى القبائل والأوطان بلاداً أو ضياعاً أو سككاً أو مجاورة، وإلى الصنائع والحرف، ويقع فيها الاتفاق والاشتباه كالأسماء، وقد تقع ألقاباً، ومعرفة أسباب ذلك، ومعرفة الموالي من أعلى ومن أسفل بالرق أو بالحلف، ومعرفة الإخوة والأخوات، ومعرفة آداب الشيخ والطالب".

يكفي، يكفي.

يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "فصل: ومعرفة كنى المسمين" نعم، هذا مما يحتاج إليه الطالب، طالب العلم فيما يتعلق بالرواة من الأسماء والكنى والأسماء والألقاب، ومعرفة كنى المسمين وأسماء المكنين، ومن اسمه كنيته، ومن اختلف في كنيته، ومن كثرت كناه أو نعوته، ومن وافقت كنيته اسم أبيه أو بالعكس أو كنيته كنية زوجته، ومن نسب إلى غير أبيه، أو نسب إلى غير ما يسبق إلى الفهم، ومن اتفق اسمه واسم أبيه وجده، أو اسم شيخه وشيخ شيخه فصاعداً، ومن اتفق شيخه والراوي عنه.

الحافظ -رحمه الله تعالى- ذكر في هذا الفصل ما يحتاج إليه في هذا الفن مما يتعلق بالرواة من الأسماء والكنى والأنساب والألقاب، فقال: "ومن المهم في هذا الفن معرفة كنى المسمين"، ممن اشتهر باسمه وله كنية لا يؤمن أن يأتي في بعض الرواية مكنياً فيظن أنه آخر، يعني أنت تحفظ اسم راوي لكن ما تحفظ كنيته، ....... كثيراً اسمه في كثير من الأسانيد ثم يأتي مرة أو مرتين مكنى، فإذا كنت لا تعرف كنيته ما عرفته، فتظنه شخص آخر غير ذلك، مثال ذلك قتادة بن دعامة البصري الثقة الثبت المشهور كنيته أبو الخطاب، لا بد من معرفة مثل هذه الكنى، وقتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف كنيته أبو رجاء، ومن المهم أكثر ما يأتي قتادة باسمه، وأكثر ما يأتي قتيبة باسمه، لكن قد يأتي: حدثنا أبو رجاء، اسم أبو رجاء إيش؟ فلا بد من معرفة هذه الكنى.

ومن المهم أيضاً: معرفة أسماء الكنى أي معرفة اسم من اشتهر بكنيته، وهو عكس الذي قبله؛ لأنه لا يؤمن أن يرد مسمىً في بعض الطرق مع أن الجادة ذكره بالكنية، والغالب فيمن كذلك -يعني من يشتهر بالكنية- أن اسمه يضيع، ولذا اختلف في أبي هريرة، اختلف في اسمه واسم أبيه على أكثر من ثلاثين قول، كل من اشتهر بكنية وعرف بها يختلف، أبو قتادة، أبو ثعلبة الخشني، أبو ذر، أبو الدرداء يختلف في أسمائهم، لماذا؟ لأنهم اشتهروا بالكنى، والغالب فيمن كان كذلك أن اسمه يضيع، فلا يعرفه إلا افرد من الناس ممن له عناية بهذا الشأن، من ذلك: أبو عاصم النبيل، اسمه الضحاك بن مخلد وأبو جمرة اسمه نصر بن عمران الضبعي.

ومن المهم أيضاً: معرفة من اسمه كنيته وهم قليل كأبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري النجاري المدني القاضي اسمه وكنيته واحد، وقد يكون السبب في ذلك أن اسمه ضاع، خلاص ضيعوه الناس، اعتمدوا على هذه الكنية فضاع اسمه، يعني هل منكم من لا يعرف أبو تراب الظاهري؟ نعم، تعرفون أبو تراب؟ إيش اسمه؟ نعم؟

طالب:......

اشتهر بالكنية، لكن من يعرف اسمه؟ نعم، من اشتهر بالكنية سواءً كان من المعاصرين أو من المتقدمين الغالب أن اسمه يضيع فلا يعرف، وأبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود مشهور بكنيته، قال ابن حجر في التقريب: "والأشهر أنه لا اسم له غيرها".

ومن المهم أيضاً: معرفة من اختلف في كنيته وهم كثير، مثل عيسى بن موسى القرشي أبو محمد أو أبو موسى وغالب بن سليمان العتكي أبو صالح أو أبو سلمة.

ومن المهم أيضاً: معرفة من كثرت كناه ابن جريج عبد الملك بن عبد العزيز له كنيتان أبو الوليد وأبو خالد، وفضالة بن إبراهيم التيمي أبو إبراهيم وأبو أحمد أحمد بن محمد بن الوليد بن عقبة أبو محمد وأبو الوليد، ومن المهم من ذلك أيضاً معرفة من كثرت نعوته وألقابه، ومعرفة من وافقت كنيته اسم أبيه كأبي إسحاق إبراهيم بن إسحاق المدني أحد أتباع التابعين، كثير هذا، كثير من يسمي ابنه على اسم أبيه فتكون كنيته توافق اسم أبيه.

وفائدة معرفته نفي الغلط عمن نسب إلى أبيه فقال: أخبرنا ابن إسحاق، أخبرنا ابن إسحاق فنسب إلى التصحيف وأن الصواب أخبرنا أبو إسحاق، نعم، هو أبو إسحاق وهو أيضاً ابن إسحاق، وعكس ذلك كإسحاق بن أبي إسحاق السبيعي، إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي.

ومن المهم أيضاً: معرفة من وافقت كنيته كنية زوجته كأبي أيوب الأنصاري وأم أيوب صحابيان مشهوران، أو وافق اسم شيخه اسم أبيه كالربيع بن أنس عن أنس هكذا يأتي في الروايات فيظن أنه يروي عن أبيه كما وقع في الصحيح عن عامر بن سعد عن سعد وهو أبوه، وليس أنس شيخ الربيع والده بل أبوه بكري وشيخه أنصاري، وهو أنس بن مالك الصحابي المشهور، وليس الربيع المذكور من أولاده.

ومن المهم أيضاً: معرفة من نسب إلى غير أبيه كالمقداد بن الأسود، نسب إلى الأسود الزهري لكونه تبناه وإنما هو المقداد بن عمرو، أو إلى أمه كابن علية وهو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم، أحد الأعلام، وعلية اسم أمه اشتهر بها، وكان لا يحب أن يقال له: ابن علية، ولهذا كان يقول الشافعي: أنبأنا إسماعيل الذي يقال له: ابن علية.

ومن المهم أيضاً: معرفة من نسب إلى غير ما يسبق إلى الفهم كالحذاء، ظاهره أنه منسوب إلى صناعة الحذاء أو بيعها وليس كذلك، وإنما كان يجالسهم فنسب إليهم، وكسليمان التيمي لم يكن من بني تيم، ولكنه نزل فيهم، أو كأبي مسعود البدري عقبة بن عمرو يسبق إلى الفهم أن نسبته إلى الغزوة المشهورة وليس كذلك، وإنما نزل بدراً فنسب إليها، وإن قال البخاري: إنه حضر بدراً فنسبته إلى الغزوة مع أنه سكن بدر، وكذا من نسب إلى جده فلا يؤمن التباسه بمن وافق اسمه واسم الجد المذكور ومثال ذلك: سلمة بن الأكوع فإن اسمه سلمة بن عمرو بن الأكوع.

ومعرفة من اتفق اسمه واسم أبيه وجده كالحسن بن الحسن بن الحسن، الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنهم-، وقد يقع أكثر من ذلك وهو من فروع المسلسل، يعني وجد في المتأخرين في القرن الثامن والتاسع محمد بن محمد بن محمد إلى عشرة، نعم ويقع في هذا الخطأ كثيراً، إذا نسب القول حذف واحد، مل الواحد من الكتابة إيش بيكتب عشرة؟! إذا مل فلا يدرى القول هل هو للابن أو للأب أو للجد لأنك إذا حذفت ويش يدريك؟ نعم، إذا صاروا عشرة وحذفت خمسة وبقي خمسة هذا القول لمن؟ ما تدري، فينبغي العناية بهذا.

وقد يتفق الاسم واسم الأب مع اسم الجد واسم أبيه فصاعداً كأبي اليمن الكندي، زيد بن الحسين بن زيد بن الحسين بن زيد بن الحسين، يوجد هذا، زيد بن الحسين بن زيد بن الحسين بن زيد بن الحسين، يعني كل واحد يسمي على أبوه وهكذا فيلزم عليه التسلسل.

وقد يتفق الراوي واسم شيخه وشيخ شيخه فصاعداً كعمران عن عمران عن عمران؛ خالد عن خالد، نعم، عمران عن عمران عن عمران الأول: يعرف بالقصير، والثاني: أبو رجاء العطاردي، والثالث: أبو حصين الصحابي -رضي الله عنه-، وسليمان عن سليمان عن سليمان: الأول: الطبراني، والثاني: الواسطي، والثالث: الدمشقي.

وقد يقع ذلك للراوي ولشيخه معاً كأبي العلاء الهمداني عطار، مشهور بالرواية عن أبي علي الأصبهاني الحداد، وكل منهما اسمه الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد فاتفقا في ذلك وافترقا في الكنية والنسبة إلى البلد والصناعة، وصنف فيه أبو موسى المديني جزءاً حافلاً، وهذا النوع مهم، هذا من أهم المهمات أن تعرف مثل هذه الأمور، إذا جاءك خالد عن خالد، قلت: خالد من؟ نعم، خالد بن مهران الحذاء عن خالد بن عبد الله الطحان الواسطي، معروف هذا عند أهل العلم.

ومن المهم أيضاً: معرفة من اتفق اسم شيخه والراوي عنه، من اتفق اسم شيخه والراوي عنه، قال الحافظ: "وهو نوع لطيف لم يتعرض له ابن الصلاح، وفائدته: رفع اللبس عمن يظن أن فيه تكرار أو انقلاب"، فمن أمثلته: البخاري روى عن مسلم وروى عنه مسلم، فشيخه مسلم بن إبراهيم الفراديسي البصري، والراوي عنه مسلم بن الحجاج صاحب الصحيح، وكذا وقع ذلك لعبد بن حميد أيضاً روى عن مسلم بن إبراهيم، وروى عنه مسلم بن الحجاج في صحيحه حديثاً بهذه الترجمة بعينها.

ومنها: يحيى بن أبي كثير روى عن هشام وروى عنه هشام، فشيخه هشام بن عروة وهو من أقرانه، والراوي عنه هشام الدستوائي، ومنها: ابن جريج روى عن هشام وروى عنه هشام فالأعلى ابن عروة والأدنى ابن يوسف الصنعاني.

ومنها: الحكم بن عتيبة روى عن ابن أبي ليلى وروى عنه ابن أبي ليلى، فالأعلى عبد الرحمن الأب، والأدنى محمد بن عبد الرحمن المذكور، وأمثلة ذلك كثيرة جداً، وبالمناسبة ابن أبي ليلى عبد الرحمن بن أبي ليلى الأب ثقة، مشهور من رواة الصحيح، وعبد الرحمن بن أبي ليلي الفقيه المعروف سيء الحفظ، سيء الحفظ، فإذا وجدت كلاماً في الأحكام منسوب لابن أبي ليلى فهو للابن وليس للأب، الفقيه في كتب الفقه قال بذلك ابن شبرمة وابن أبي ليلى وغيرهم، المقصود بابن أبي ليلى الفقيه الابن سيء الحفظ، وليس المقصود به الأب لأنه ليس بمثابة ابنه في الفقه، وهذه خفيت على كثير ممن يبحث في المسائل الفقهية وحلها عند النووي -رحمه الله- في شرح مسلم أشار إلى أن الفقيه الذي يدور اسمه كثيراً هو الابن محمد وليس الأب عبد الرحمن، وأمثلة ذلك كثيرة جداً.

قال الحافظ: "ومعرفة الأسماء المجردة والمفردة، والكنى والألقاب والأنساب، وتقع إلى القبائل وإلى الأوطان بلاداً أو ضياعاً" الضياع: كرجال جمع ضيعة بالفتح، العقار أو الأرض المغلة كما في القاموس، "أو سككاً"، السكك: الأزقة والمحال "أو مجاورة"، أو إلى الصنائع والحرف ويقع فيها الاتفاق والاشتباه كالأسماء وقد تقع ألقاباً.

ومعرفة أسباب ذلك، ومعرفة الموالي من أعلى ومن أسفل بالرق أو بالحلف، ومعرفة الإخوة والأخوات، قال الحافظ في شرحه: "ومن المهم في هذا الفن معرفة الأسماء المجردة، الأسماء المجردة، وقد جمعها جماعة من الأئمة فمنهم من جمعها بغير قيد" يعني بكونها أسماء ثقات أو ضعاف أو مذكورة في كتاب مخصوص كابن سعد في الطبقات وابن أبي خيثمة والبخاري في تاريخهما وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل، يعني هؤلاء يجمعون الرواة من غير قيد، لم يتقيدوا بالثقات فقط ولا بالضعفاء فقط ولا برجال كتب معينة فقط، بل أطلقوا، كل ما وقع لهم من الرواة ذكروه، فهؤلاء جمعوا الرجال من غير قيد، ومنهم من أفرد الثقات بالذكر كالعجلي وابن حبان وابن شاهين، ومنهم من أفرد المجروحين كابن عدي وابن حبان والعقيلي وغيرهم، ومنهم من تقيد بكتاب مخصوص كرجال البخاري لأبي نصر الكلاباذي ورجال مسلم لأبي بكر بن منجويه، ورجالهما لأبي الفضل بن طاهر، ورجال أبي داود لأبي علي الجياني، وكذا رجال الترمذي ورجال النسائي لجماعة من المغاربة، ورجال الستة الصحيحين وأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه لعبد الغني المقدسي في كتابه الكمال، وعرفنا أنه أصل جميع ما كتب في رجال الكتب الستة، الكمال، ومع ذلكم أهمل لسبب شهرة المختصر المهذب تهذيبه للحافظ المزي، وشهرة مؤلفه، ثم هذبه المزي في تهذيب الكمال.

قال ابن حجر: "وقد لخصته وزدت عليه أشياء، وسمته تهذيب التهذيب، وجاء مع ما اشتمل عليه من الزيادات قدر ثلث الأصل"، وهنا المعلق نعم يقول: "وسميته تهذيب التهذيب وجاء مع ما اشتمل عليه من الزيادات".. إلى آخره، يقول: "ثم هذبه المزي في تهذيب الكمال وقد لخصته"، المعلق يقول: "حسب العادة المألوفة أي أنه أخذ ثلثه وحذف ثلثيه"، الحافظ يقول: "وجاء مع ما اشتمل عليه من الزيادات قدر ثلث الأصل"، قال هذا المعلق -كمال الدين الأدهمي-: يقول: "حسب العادة المألوفة أي أنه أخذ ثلث وحذف الثلثين ونسبه إلى نفسه"، هذا مع كونه زاد عليه أشياء كثيرة فلو كان لم يزد ماذا يكون حجم ذلك المختصر؟ ثم ما الفائدة في كونه يحذف نصفه أو أكثر منه ويزيد عليه؟ ألا كان في وسعه أن يجعل....... ذيلاً بالزيادات التي زادها فيكون أبقى للكتاب كما هو من غير تلعب فيه؟ وعرفنا أن هذا المعلق متحامل على الحافظ -رحمه الله-.

كلمة (المجردة) "ومعرفة الأسماء المجردة" الأسماء المجردة كثير من الشروح لا يعرف معنى كيف مجردة؟ إيش معنى مجردة؟ مجردة من إيش؟ والذي يظهر لي أنا أنها مجردة من الكتب، من كتب إيش؟ من كتب الرواية، من كتب الحديث، يعني مثلاً الذي يكتب في رجال البخاري ما هو بيجرد هذه الأسماء من هذا الكتاب من البخاري أولاً؟ يجرد هذه الأسماء ثم يتتبع أقوال أهل العلم في هؤلاء الرجال؟ نعم، يقول: "ومعرفة الأسماء المجردة" إيش معنى مجردة؟

طالب:......

كيف؟

طالب:......

لا، لا، أقول: مثل هذا الشخص الذي يكتب في رجال الكتب الستة أول عمل يعمله ماذا يصنع؟ يجرد هذه الأسماء من هذه الكتب الستة، يأتي إلى أسانيد البخاري فيجردها من الصحيح، يأتي إلى أسانيد مسلم فيجردها، يأتي إلى أسانيد أبي داود فيذكر الزوائد، يأتي إلى أسانيد وهكذا، ثم يذكرها مرتبة ويذكر فيها ما قال فيها أهل العلم من جرح أو تعديل.

يتعقب الشيخ قاسم بن قطلوبغا تلميذ المصنف: بأنه إن كان مراده بالمجردة التي لا تقيد..، لا تقيد بكونهم ثقات أو ضعفاء أو رجال كتاب مخصوص فلا يظهر معنى قوله: "ومنهم من جمعها بغير قيد" منهم من جمعها بغير قيد، جمع الكتب المجردة بغير قيد، فتعقب ظاهر إن كان المراد المجردة أنها لا تقيد بكونهم ثقات أو ضعفاء، قال الملا علي القاري: "الأسماء المجردة أي من الكنى والألقاب" كيف؟ أعم من أن يكون أصحابها ثقات أو ضعاف مذكورة في كتاب دون كتاب، وبهذا اندفع اعتراض التلميذ بقوله: "إن كان المراد بالمجردة التي لا تقيد بكونهم ثقات أو ضعفاء أو رجال كتاب مخصوص فلا يظهر معنى قوله: "فمنهم من جمعها بغير قيد" انتهى، قال الملا: "لكن لا يخفى أن الدفع إنما يتم لو ثبت أن جمع الأئمة مختص بمن لم يكن له كنية أو لقب مع أن هذه الأسماء المجردة فيها كنى وفيها ألقاب أو بمن لم يشتهر بأحدهما، والظاهر أن جمعهم أجمع وأعم".

وفي شرح أبي الحسن السندي الصغير بهجة النظر: "المراد بالمجردة العارية عن الخصوصيات، المتقدمة من التوافق بالوجوه المذكورة، ومن اشتهار مسمياتها بالكنى" يعني أن معرفة الأسماء المقيدة بالخصوصيات المذكورة من المهمات، وكذا معرفة الأسماء العارية عنها، فمعرفة الكل من المهم، لكن الذي يظهر لي أن الأسماء المجردة التي جردت من الكتب، من كتب الرواية للكلام عليها من خلال جمع كلام أهل العلم.

ومن المهم أيضاً: معرفة الأسماء المفردة التي لم يشارك من تسمى بشيء منها غيره فيها، وقد صنف فيها -أي في خصوصها- وإلا فالظاهر أن الجوامع المتقدمة شاملة للأسماء المفردة، أي تواريخ البخاري، وسؤالات الإمام أحمد، كتب الثقات، كتب الضعفاء موجود فيها الأسماء المفردة، صنف فيها على سبيل الإفراد الحافظ أبو بكر أحمد بن هارون البرديجي، قال الحافظ ابن حجر: ذكر –يعني البرديجي- أشياء تعقبوا عليه بعضها، من ذلك قوله: "صغدي بن سنان أحد الضعفاء، وهو بضم المهملة، وقد تبدل سيناً –سغدي- سيناً مهملة، وسكون الغين المعجمة بعدها دال مهملة، ثم ياء كياء النسب، وهو اسم علم بلفظ النسب، واسمه سندي بن حبيش، اسم لكنه بلفظ النسب، مثل حرمي بن عمارة اسم لكنه بلفظ النسب، وهذا كثير، لكن صغدي كم من شخص سمي صغدي؟ يقول: هذا شخص مفرد ما في غيره، كم من شخص سمي أجمد؟ أجمد، أحمد بإعجام الحاء، أجمد، كم من شخص؟ هذه أسماء مفردة، يسمونها مفردة، وهو علم بلفظ النسب وليس هو فرداً، ففي الجرح والتعديل لابن أبي حاتم أكثر من واحد سمي باسم صغدي، صغدي الكوفي وثقه ابن معين، وفرق بينه وبين الذي قبله فضعفه، وفي تاريخ العقيلي: صغدي بن عبد الله يروي عن قتادة، قال العقيلي: حديثه غير محفوظ، وأظنه هو الذي ذكره ابن أبي حاتم، وأما كون العقيلي ذكره في الضعفاء فإنما هو للحديث الذي ذكره، وليست الآفة منه بل هي من الراوي عنه عنبسة بن عبد الرحمن، والله أعلم.

ومن ذلكم: سندر، سندر بوزن جعفر، وهو مولى زنباع الجذامي، له صحبة ورواية، والمشهور أنه يكنى أبا عبد الله وهو اسم فرد سندر، لم يتسم به غيره فيما نعلم، قاله ابن حجر، لكن ذكر أبو موسى في الذيل على معرفة الصحابة لابن منده: سندر أبو الأسود، وروى له حديثاً وتعقب عليه ذلك؛ فإنه هو الذي ذكره ابن منده، وقد ذكر الحديث المذكور محمد بن ربيع الجيزي في تاريخ الصحابة الذين نزلوا مصر في ترجمة سندر مولى زنباع، يقول: "وقد حررت ذلك في كتابي الصحابة".

ومن المهم معرفة الكنى المجردة، ويقال فيه ما يقال في الأسماء المجردة.

والألقاب: وهي تارة تكون بلفظ الاسم، اللقب تارة يكون بلفظ الاسم كسفينة مثلاً، وتارة بلفظ الكنية كأبي تراب وأبي بطن هذا لقب لكنه بلفظ الكنية، وتارة نسبة إلى عاهة كالأعمش أو حرفة كالعطار، أو صفة كزين العابدين وهكذا.

وكذا معرفة الأنساب: وهي تارة تقع إلى القبائل، وهي في المتقدمين أكثر بالنسبة إلى المتأخرين، وتارة إلى الأوطان وهذا في المتأخرين أكثر أي بالنسبة إلى المتقدمين، وبالنسبة إلى الوطن أعم من أن يكون بلاداً أو ضياعاً أو سككاً أو مجاورة، وإلى الصنائع والحرف كالخياط والبزار، ويقع فيها الاتفاق والاشتباه كالأسماء، وقد تقع الأنساب ألقاباً كمحمد بن مخلد القطواني كان كوفياً ويلقب بالقطواني وكان يغضب منها، وهي مأخوذة من القطوان وهي مقاربة الخطو مع النشاط، وفي شرح السندي نقلاً عن اللقاني: القطوان موضوعان أحدهما بسمرقند والآخر بالكوفة، وهذا منسوب إلى الذي بالكوفة، فعلى هذا يكون نسبة وليست بلقب.

ومن المهم أيضاً معرفة أسباب الألقاب والنسب التي باطنها على خلاف ظاهرها كالضال، الضال لقب معاوية بن عبد الكريم الضال، اسم فاعل من ضل، إيش معنى ضال؟ ضل بطريق مكة، ضاع، فقيل له: الضال، والذي يتبادر من هذا اللقب أنه وصف سيء من الضلال نسأل الله العافية، والضعيف ضد القوي لقب عبد الله بن محمد لضعف جسمه وليس لضعف روايته، وصاعقة محمد بن عبد الرحيم لقب بذلك لشدة حفظه، ومحمد بن سنان العوقي باهلي نزل بالعوقة بطن من عبد القيس فنسب إليها، وكأبي مسعود البدري على ما تقدم في قول الأكثرين لم يشهد بدراً بل نزل بها أو سكنها فنسب إليها.

ومن المهم: معرفة الموالي من أعلى ومن أسفل بالرق أو بالحلف أو بالإسلام؛ لأن كل ذلك يطلق عليه مولى، ولا يعرف ذلك إلا بالتنصيص عليه من إمام معتمد للتفرقة بين الموالي المذكورين.

ومن المهم أيضاً: معرفة الإخوة والأخوات من العلماء والرواة كذلك، وقد صنف فيه القدماء كعلي بن المديني ومسلم بن الحجاج والنسائي والسراج، ولأبي داود أيضاً كتاب في الإخوة والأخوات مطبوع، ومثال ذلك في الصحابة عمر وزيد، عمر وزيد ابنا الخطاب، وعبد الله وعبيد الله ابنا مسعود، ومن اللطائف أن ثلاثة أو أربعة وقعوا في إسناد واحد، ففي العلل للدارقطني من طريق هشام بن حسان عن أخيه يحيى بن سيرين عن أخيه أنس بن سيرين عن محمد بن سيرين عن أنس بن مالك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لبيك حقاً حقاً تعبداً ورقاً)) وذكر أبو طاهر المقدسي أن محمد بن سيرين رواه عن أخيه سعيد عن أخيه أنس.

ومن فائدة معرفة الإخوة والأخوات كما قال القاري: دفع توهم اتحاد المتعدد حيث يكون البعض مشهوراً دون غيره، ومنها: دفع ظن من ليس بأخٍ أخاً لاشتراك أبويهما في الاسم كأحمد بن إشكاب وعلي بن إشكاب ومحمد بن إشكاب، فالأول حضرمي، والآخران غيره، نعم.

أحسن الله إليك: "ومعرفة أدب الشيخ والطالب، وسن التحمل والأداء، وصفة كتابة الحديث وعرضه وسماعه وإسماعه والرحلة فيه، وتصنيفه إما على المسانيد أو الأبواب أو العلل أو الأطراف، ومعرفة سبب الحديث، وقد صنف فيه بعض شيوخ القاضي أبي يعلى بن الفراء، وصنفوا في غالب هذه أنواع، وهي نقل محض، ظاهرة التعريف، مستغنية عن التمثيل، وحصرها متعسر، فلتراجع لها مبسوطاتها، والله الموفق والهادي لا إله إلا هو.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين"

نعم.

يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "ومعرفة أدب الشيخ والطالب، وسن التحمل والأداء، وكتابة الحديث وعرضه وسماعه وإسماعه والرحلة، وتصنيفه على المسانيد أو الأبواب أو العلل أو الأطراف" ذكر الحافظ -رحمه الله تعالى- مما يحتاج إليه طالب الحديث أشياء مهمة، فمنها: آداب المحدث، ومن أهمها: الإخلاص وتصحيح النية، قال ابن الصلاح: "علم الحديث علم شريف يناسب مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، وينافر سيء الأخلاق ومشاين الشيم، وهو من علوم الآخرة لا من علوم الدنيا، فمن أراد التصدي لإسماع الحديث أو لإفادة شيء من علومه فليقدم تصحيح النية، وليطهر قلبه من الأغراض الدنيوية وأدناسها، وليحذر بلية حب الرئاسة ورعوناتها" فقد أخرج أبو داود والنسائي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به غرضاً من أغراض الدنيا لم يجد عرف الجنة)).

الثاني: من آداب المحدث: أن يجلس للتحديث عند التأهل والاحتياج إليه، قال ابن الصلاح: "وقد اختلف في السن الذي إذا بلغه استحب له التصدي لإسماع الحديث والانتصاب للرواية، والذي نقوله: إنه متى احتيج إلى ما عنده استحب له التصدي لروايته ونشره في أي سن كان، اختار الرامهرمزي في الحد الذي إذا بلغه الناقل حسن به أن يحدث هو أن يستوفي الخمسين؛ لأنها انتهاء الكهولة وفيها مجتمع الأشد، قال: "وليس بمستنكر أن يحدث عند استيفاء الأربعين لأنها حد الاستواء ومنتهى الكمال، نبئ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو ابن أربعين، وفي الأربعين تتناهى عزيمة الإنسان وقوته، ويتوفر عقله، ويجود رأيه"، وأنكر القاضي عياض ذلك على بن خلاد الرامهرمزي وقال: "كم من السلف المتقدمين ومن بعدهم من المحدثين من لم ينتهِ إلى هذا السن ومات قبله؟" يعني ينتظر إلى أن يصل الخمسين قد يموت قبل الخمسين، النووي مات وعمره ستة وأربعين، ينتظر إلى أن يبلغ الأربعين ومن يؤمنه إلى بلوغ الأربعين؟! قد يكون الناس بحاجة إليه ماسة، لا يوجد في البلد غيره وعمره ثلاثون، نقول: انتظر عشر سنوات إلى أن تنضج؟ لا، يقول -قال القاضي عياض-: "كم من السلف المتقدمين ومن بعدهم من المحدثين من لم ينتهِ إلى هذا السن ومات قبله، وقد نشر من الحديث والعلم ما لا يحصى، هذا عمر بن عبد العزيز توفى ولم يكمل الأربعين، وسعيد بن جبير لم يبلغ الخمسين، وكذلكم إبراهيم النخعي، وهذا مالك بن أنس جلس للناس ابن نيف وعشرين، وقيل: ابن سبع عشرة والناس متوافرون وشيوخه أحياء، كذلك محمد بن إدريس الشافعي قد أخذ عنه العلم في سن الحداثة، واتنصب لذلك، والله أعلم".

لكن المعول في ذلك على التأهل والحاجة، إذا وجدت الحاجة مع التأهل تعين عليه أن يجلس لإفادة الناس، حمل ابن الصلاح ما ذكره الرامهرمزي على من يتصدى للتحديث ابتداءً من نفسه من غير براعة في العلم، وأما الذين ذكرهم عياض ممن حدث قبل ذلك فالظاهر أن ذلك لبراعة منهم في العلم تقدمت ظهر لهم معها الاحتياج إليهم فحدثوا قبل ذلك، أو لأنهم سئلوا ذلك إما بصريح السؤال وإما بقرينة الحال.

وأما السن الذي إذا بلغه المحدث أمسك عن التحديث فهو السن الذي يخشى عليه فيه من الهرم والخرف، ويخاف عليه فيه أن يخلط ويروي ما ليس من حديثه، والناس في بلوغ هذا السن يتفاوتون بحسب اختلاف أحوالهم، وهكذا إذا عمي وخاف أن يدخل عليه ما ليس من حديثه فليمسك عن الرواية، بعض الناس اعتاد ألا يحدث الناس إلا من كتاب فإذا عمي ضاع، مثل هذا يمسك، انتهى.

وقال الرامهرمزي: "أعجب إلي أن يمسك في الثمانين لأنه حد الهرم، فأن كان عقله ثابتاً، ورأيه مجتمعاً، يعرف حديثه ويقوم به، وتحرى أن يحدث احتساباً رجوت له خيراً" ووجه ابن الصلاح ما قاله الرامهرمزي: أن من بلغ الثمانين ضعف حاله في الغالب، وخيف عليه الاختلال والإخلال، وألا يفطن له إلا بعد أن يختلط، ألا يفطن لهذا الشيخ إلا بعد أن يختلط كما أتفق لغير واحد من الثقات منهم عبد الرزاق وسعيد بن أبي عروبة، قال ابن الصلاح: "قد حدث خلق بعد مجاوزة هذا السن -يعني بعد الثمانين إلى تسعين بل إلى مائة- حدث خلق بعد مجاوزة هذا السن فساعدهم التوفيق، وصحبتهم السلامة منهم: أنس بن مالك" يعني مات عن مائة وثلاثة سنين أنس بن مالك، "سهل بن سعد عبد الله بن أبي أوفى من الصحابة ومالك والليث وابن عيينة، وعلي بن الجعد في عدد جم من المتقدمين والمتأخرين، وفيهم غير واحد حدثوا بعد استيفاء مائة سنة، منهم: الحسن بن عرفة وأبو القاسم البغوي وأبو أسحق الهجيمي والقاضي أبو الطيب الطبري وغيرهم".

من آداب المحدث: ألا يحدث بحضرة من هو أولى منه، ألا يحدث بحضرة من هو أولى منه، وهذا بخلاف ما نراه من التطاول على الكبار، تجد في بلد فيه الكبار ويتصدى لإقراء الناس مع وجود الكبار وعدم الاحتياج إليه، مثل هذا لا يحدث بحضرة هؤلاء، يعني من الأدب ألا يحدث بحضرة هؤلاء، نعم إن احتيج إليه، والبلد بحاجة إلى أكثر من شخص يتصدر وأجره على الله، ألا يحدث بحضرة من هو أولى منه بذلك، وكان إبراهيم والشعبي إذا اجتمعا لم يتكلم إبراهيم بشيء، وزاد بعضهم: فكره الرواية ببلد فيه من المحدثين من هو أولى منه لسنه أو لغير ذلك، قال ابن معين: "إن الذي يحدث في البلدة وفيها من هو أولى منه بالتحدث فهو أحمق".

الأمر الرابع: "ينبغي للمحدث إذا التمس منه ما يعلمه عند غيره في بلده أو غيره بإسناد أعلى من إسناده أو أرجح من وجه آخر أن يعلم الطالب ويرشده إليه فالدين النصيحة، يعني إذا طلب من الشيخ أن يقرأ عليه كتاب، ويعرف أن الشيخ الفلاني يتقن هذا الكتاب أكثر منه، ينصح الطلاب بأن يذهبوا إلى فلان، ولا يكون هدفه التخلي عن نفع الناس؛ لأن بعض الناس من باب التنصل عن المسئولية يفرق الناس، من جاءه اذهب إلى فلان، اذهب إلى فلان، لا، لكن القصد في ذلك النصيحة، إذا جاءه شخص معه كتاب وهو يحسن هذا الكتاب لكن يوجد في البلد من يتقنه أكثر منه من النصيحة أن يقال: اذهبوا لفلان فإنه أعرف مني بهذا الكتاب فإن الدين النصيحة.

خامساً: أن لا يمتنع من تحديث أحد لكونه غير صحيح النية فيه فأنه يرجى له حصول النية بعد، يعني بعض الناس تظهر عليه آثار عدم الاستقامة فلا ينبغي للمحدث أن يقول: نعتذر عن تحديثك لأن مظهرك يدل على أن نيتك ما هي بصالحة، نقول: لا، فليسمع الحديث وليستفد، قال معمر: "كان يقال: إن الرجل ليطلب العلم لغير الله فيأبى عليه العلم حتى يكون لله -عز وجل-" وليس معنى هذا أن الإنسان يسترسل فيطلب العلم بغير نية خالصة يقول: تأتي النية فيما بعد، لا، وما يؤملك أن تموت قبل تصحيح النية فتقع في الوعيد الشديد.

سادساً: أن يكون حريصاً على نشر العلم، مبتغياً جزيل أجره، وقد كان في السلف -رضي الله عنهم- من يتألف الناس على حديثه، منهم عروة بن الزبير -رضي الله عنهما-، كثير من أهل العلم من يكرم الطلاب الملازمين له، ولا شك أن كما أن للشيخ حق على هؤلاء الطلاب بأن قصر وقته وجهده عليهم له حق عليهم، لكن أيضاً هم أيضاً من باب آخر لهم حق عليه، بحيث اجتمعوا له، وبعضهم يفيد الشيخ، لا شك أن تكامل الطلاب وتوافرهم لا شك أنه يفتح آفاق للشيخ، مناقشة المسائل مع الطلاب كثيراً ما تنضج هذه المسائل.

سادساً: أن يكون حريصاً على نشر العلم، مبتغياً جزيل أجره، وقد كان في السلف -رضي الله عنهم- من يتألف الناس على حديثه، منهم عروة بن الزبير -رضي الله عنهما-، قال ابن الصلاح: "وليقتدِ بمالك -رضي الله عنه- فقد كان إذا أراد أن يحدث توضأ وجلس على صدر فراشه، وسرح لحيته، وتمكن في جلوسه بوقار وهيبة وحدث" يعني ينبغي للمحدث أن يعتني بنفسه وقت التحديث، فقيل له في ذلك: "فقال: أحب أن أعظم حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا أحدث إلا على طهارة متمكناً"، وكان يكره أن يحدث في الطريق أو هو قائم أو يستعجل، وقال: "أحب أن أتفهم ما أحدث به عن رسول -صلى الله عليه وسلم-"، وروي عنه -رحمه الله- أنه كان يغتسل لذلك، ويتبخر ويتطيب، فأن رفع أحد صوت في مجلسه زبره وقال: قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [(2) سورة الحجرات] فمن رفع صوته عند حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكأنما رفع صوته فوق صوت رسول -صلى الله عليه وسلم-، فلا يحدث وهو قائم أو مضطجع أو وهو يمشي أو مستعجل، لكن قد تدعو الحاجة إلى شيء من ذلك، بأن يكون الشيخ تعبان فلا يحرم الناس من حديثه فيحدث وهو مضطجع، قد يحتاج الناس إلى بعض الأسئلة أو بعض الأحاديث وهو في طريقه لا مانع، {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ} [(191) سورة آل عمران] لكن لا ينبغي أن تكون الصفة الغالبة كما يوجد في بعض بلاد غرب أفريقيا، تجد الطالب مضطجع في جهة، والشيخ مضطجع قد ولاهم ظهره، وأحياناً يتصرف تصرفات ليست مناسبة، هذا موجود في بعض الجهات، حدثنا بعض الإخوان أن هناك شيخ من بعض بلاد أفريقيا من غرب أفريقيا يقول: حضرنا عنده درس في مكة مضطجع على سريره وظهره إلينا ووجهه إلى الجدار ويحدث، وقد طلب من بعض الطلاب أن يحك ظهره، أقول: كيف يحدث مثل هذا؟ نعم إن كانت الحاجة داعية إلى ذلك الشيخ مريض لا بأس، لكن مع عدم الحاجة كيف يؤدي العلم؟ يبلغ عن الله وعن رسوله على هذه الهيئة؟ والغالب أن مثل هذا يكون مالكي المذهب، هل هذا اقتدى بإمامه الإمام مالك -رحمة الله عليه-؟!

على المحدث أن يقبل على طلابه جميعاً ولا يخص بعضهم بمزيد عناية دون بعض، روي عن حبيب بن أبي ثابت أنه قال: "إن من السنة إذا حدث الرجل القوم أن يقبل عليهم جميعاً"، ولا شك أن هذا يورث الغيرة من بعض الطلاب حينما يخص بعضهم دون بعض، لكن ما يمنع أن يكون فيهم طلبة متميزون يفيدون الشيخ يعول عليهم كثيراً ويسألهم ويستوضحوه، ويسأل غيرهم إذا شك في فهمه من أجل أن يتابع طلابه هل فيهم المنتبه وغير المنتبه؟ هل فيهم من يستوعب ومن لا يستوعب؟ والله المستعان.

أن لا يسرد الحديث سرداً يمنع السامع من إدراك بعضه، لا يسرد الحديث سرداً يمنع السامع من إدراك بعضه، لكن قد تدعو الحاجة لذلك لضيق الوقت مثلاً، يعني نحن في آخر درس من دروس الشرح هذا، نحتاج أحياناً إلى السرد؛ لأنه ما عندنا وقت، خلاص انتهى الوقت، أن لا يسرد الحديث سرداً لكن يكون هذا في حال السعة، يمنع السامع من إدراك بعضه، وليفتتح مجلسة وليختمه بذكر ودعاء يليق بالحال.

من آداب المحدث وهو العاشر: أن يعقد مجلساً للإملاء، فإنه من أعلى مراتب الراوية، والسماع فيه من أحسن وجوه التحمل وأقواه.

الحادي عشر: أن يتخذ مستملياً يبلغ عنه إذا كثر الجمع فذلك دأب أكابر المحدثين المتصدين لمثل ذلك، ممن روي عنه ذلك مالك وشعبة ووكيع وأبو عاصم ويزيد بن هارون في عدد كثير من الأعلام السالفين، وليكن المستملي محصلاً متيقظاً، المستملي من هو؟ يعني الشيخ لا يبلغ من في آخر المجلس، بعض الشيوخ يحضر عنده عشرات الألوف وليس هناك مكبرات فكيف يسمع من كان في آخر المجلس؟ يتخذون مستملين، واحد في الجهة اليمنى، واحد في اليسرى، وواحد في الوسط، إذا قال الشيخ كلمة أعادها هؤلاء ليسمعها البعيد، لكن هذا المستملي ينبغي أن يكون متيقظاً محصلاً عنده شيء من العلم، ما يكون عامي ما يفهم شيء، يبلغ الشيء على غير وجهه، ولا يكون غبي كي لا يقع في مثل ما روينا أن يزيد بن هارون سئل عن حديث فقال: "حدثنا به عدة" حدثنا به عدة، فصاح به المستملي: يا أبا خالد عدة ابن من؟ فقال له: عدة ابن فقدتك، هذا ما يفهم لا بد أن يكون الذي يتولى التبليغ عن الشيخ فطن، عنده شيء من التحصيل، وعليه أن يتبع لفظ المحدث فيؤديه على وجهه من غير خلاف.

فيحسن بالمحدث الثناء على شيخه في حال الرواية عنه بما هو أهل له، فقد فعل ذلك غير واحد من السلف والعلماء، كما روي عن عطاء بن أبي رباح أنه كان إذا حدث عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "حدثني البحر" وعن وكيع أنه قال: "حثنا سفيان أمير المؤمنين في الحديث" نعم يثني على الشيخ من باب المكافئة أن يثني على شيخه وليس المراد الثناء لذاته، وإنما المراد أن يؤخذ العلم عن هذا الشيخ، من أجل أن يؤخذ العلم عن هذا الشيخ، وليعلم أن الشيخ بحاجة إلى الدعاء أكثر من حاجته إلى الثناء، والله المستعان.

من آداب طالب العلم، طالب الحديث وغيره من العلوم: أن يخلص النية لله -سبحانه وتعالى-، وأن يحذر من أن يتخذ علمه وصلة إلى شيء من الأغراض الدنيوية، فقد قال حماد بن سلمة: "من طلب الحديث لغير الله مكر به".

ثانياً: أن يوقر شيخه وأن يتحرى رضاه، وألا يضجره بكثرة الأسئلة، لا سيما إذا رأى عدم رغبته في ذلك، ثالثاً: أن يستشير الشيخ فيما يشتغل به، وفي كيفية اشتغاله، وفي سائر أموره، يستشيره في الكتاب الذي يقرأ، في الكتاب الذي يخرج، في الكتاب الذي يشرح، في الكتاب الذي يختصر، يستشيره في جميع هذه الأعمال العلمية.

رابعاً: أن يرشد غيره لما سمعه، وألا يدع الاستفادة لحياء أو كبر فليأخذ الحديث عمن هو فوقه ومثله ومن دونه، بعض الناس يأنف أن يأخذ من شخص أصغر منه، فلا ينبل الرجل ولا يكمل إلا إذا تواضع وأخذ العلم عن كل أحد ممن هو فوقه أو مثله أو دونه، أن يعتني بتقييد ما سمعه ويضبطه، وأن يذاكر بمحفوظه ليرسخ في ذهنه، بعض الطلاب لا يعرف الكتاب إلا في الحلقة، لكن طالب العلم الحق إذا انتهى من الحلقة ذهب فراجع ما سمعه من الشيخ، واجتمع مع مجموعة من الأخوة وتذاكروا فيما بينهم، وأن يكتب الأحاديث المشهورة، وأن يدع الغرائب والأحاديث المنكرة.

سادساً: أن يبدأ بالأهم من كتب الحديث رواية ودراية فيقدم الصحيحين ثم كتب السنن، ثم صحيح بن خزيمة، وصحيح ابن حبان، ثم السنن الكبرى للبيهقي، ثم مسند الإمام أحمد وسائر المسانيد، ثم الموطأ وسائر الجوامع، ثم كتب الأحكام مثل العمدة والبلوغ والمحرر والمنتقى وغيرها، ثم كتب العلل مثل العلل للإمام أحمد والدارقطني وابن أبي حاتم، ثم كتب الأسماء مثل تواريخ البخاري وابن معين وابن أبي خيثمة وغيرها، ثم كتب ضبط الأسماء مثل الإكمال لابن ماكولا، والمشتبه وتبصير المنتبه وغيرها مما مر ذكره.

أن يتعرف درجة الحديث، على الطالب أن يتعرف درجة الحديث وفقهه ومعانيه ولغته وإعرابه، وأسماء رجاله، محققاً كل ذلك، معتنياً بإتقان المشكل حفظاً وكتابة، فلا يقتصر على مجرد كتابة الحديث دون معرفته وفهمه، أن يعتني بكتب غريب الحديث والتي تقدم ذكر شيء منها، غريب الحديث لأبي عبيد الحربي وأبي عُبيدة والهروي والخطابي وابن الجوزي والزمخشري وابن الأثير وغيرها.

وأن يعتني بكتب شروح الحديث، يعتني بكتب شروح الحديث مثل فتح الباري وإرشاد الساري وعمدة القاري وشرح النووي وعون المعبود وتحفة الأحوذي ونيل الأوطار والتمهيد والاستذكار وغيرها، كتب كثيرة جداً في الشروح، يقرأ على كل متن من متون السنة ولو شرح واحد.

أن يعمل بما سمع من أحاديث العبادات وفضائل الأعمال، فإن ذلك زكاة الحديث وسبب لحفظه، والعلم بلا عمل كالشجر بلا ثمر لا قيمة له.

مما ينبغي لطالب الحديث معرفة سن التحمل والأداء، والأصح اعتبار سن التحمل والتمييز هذا في السماع كما تقدم، المعتبر في سماع الحديث التمييز، وقد جرت عادة المحدثين بإحضار الأطفال مجالس الحديث ويكتبون لهم أنهم حضروا، ولا بد في ذلك من إجازة المسمِع، والأصح في سن الطالب بنفسه أن يتأهل لذلك ويصح تحمل الكافر أيضاً إذا أداه بعد إسلامه، جبير بن مطعم سمع النبي -عليه الصلاة والسلام- يقرأ في سورة الطور قبل أن يسلم ثم أدى هذه السنة بعد إسلامه، وخرجت في الصحيحين وغيرهما، يصح تحمل الكافر لكن لا يصح أداؤه إلا بعد إسلامه، وكذا الفاسق من باب أولى إذا أدى بعد توبته وثبوت عدالته.

وأما الأداء فلا بد من أن يتأهل لذلك فتتوافر فيه شروط القبول بكونه عدلاً ضابطاً أي مسلماً مكلفاً سالماً من خوارم المروءة وأسباب الفسق، وأن يكون ضابطاً لمرويه بحيث يؤديه متى شاء إذا حدث من حفظه، حاوياً لكتابه حافظاً له إن أدى منه، بحيث لا يخرجه من يده إلا إلى ثقة.

أجمع جمهور أئمّة الأثر
بأن يكـون ضابطـاً معـدّلاً
يحفظ إن حدّث حفظاً يحوي
يعلم مـا في الّلفظ من إحالـة
بأن يكون مسـلماً ذا عقـلِ
من فسق أو خرمِ مروءةٍ ومن

 

والفقـه في قبـول ناقل الخبـر
أي يقظـاً ولـم يكن مغفّـلاً
كتابـه إن كـان منـه يـروي
إن يـرو بالمعنى وفي العدالـة
قـد بلـغ الحلم سـليم الفعلِ
زكّـاه عدلان فعـدل مؤتمن

إلى آخر كلامه -رحمه الله تعالى-.

ومن المهم أيضاً: معرفة صفة كتابة الحديث وهو أن يكتبه مفسراً مبيناً، ويشكل المشكل منه، وينقط المعجم، ويكتب الساقط في الحاشية اليمنى ما دام في السطر بقية وإلا ففي اليسرى.

ومن المهم أيضاً: معرفة صفة عرضه وهو مقابلته مع الشيخ المسمع أو مع ثقة غيره أو مع نفسه شيئاً فشيئاً، يعني ينسخ إذا أراد أن ينسخ الكتب ينسخ بخط واضح يشكل المشكل، ينقط المعجم، نعم، يقابل على الأصل، فما سقط من نسخته يلحقه بالحاشية، نعم ويقابل مع الشيخ صاحب الكتاب الأصلي أو مع ثقة آخر أو مع نفسه شيئاً فشيئاً يقرأ الجملة من الفرع ثم يقرأها من الأصل وهكذا، وصفة سماعه بأن لا يتشاغل بما يخل به من نسخ أو حديث أو نعاس، صفة سماع الحديث يعتني بذلك أثناء إلقاء الشيخ الحديث والدرس ينبغي للطالب أن يكون على أكمل حال، متهيئ لما يلقى غير متشاغل، إما بنعاس أو حديث مع شخص آخر، وقد وجد مع الأسف الشديد وهذا ظاهر في الدراسات النظامية من يقرأ في كتاب آخر أو يتكلم مع شخص آخر حتى وجد من يقرأ في صحف وما أشبه ذلك، لا شك أن مثل هذا السماع رديء جداً لا يعتد به، بل الإجازة على وجهها خير من مثل هذا السماع، ونحن نقول للطلاب: إن الانتساب أفضل من مثل هذا الانتظام، الإجازة على وجهها خير من السماع الرديء، فعلى طالب العلم أن يعتني، لماذا جاء إلى حلقة العلم؟ ليستفيد، كيف يستفيد وهو يتشاغل؟ وأن يعتني بصفة سماعه بأن لا يتشاغل بما يخل به من نسخ أو حديث أو نعاس، وصفة إسماعه كذلك، وأن يكون ذلك من أصله الذي سمع منه أو من فرع قوبل على أصله فإن تعذر فليجبره بالإجازة لما خالف إن خالف.

ومن المهم أيضاً: الرحلة في طلب الحديث بعد أن يبدأ بحديث أهل بلده فيستوعبه ثم يرحل فيحصل في الرحلة ما ليس عنده ويكون اعتناؤه بأسفاره بتكثير المسموع أولى من اعتنائه بتكثير الشيوخ، ولتكن رحلته إلى العلماء المتقنين الضابطين.

ومن ذلك معرفة صفة تصنيف الحديث يعرف كيف ينصف الأئمة الحديث؟ وهم يصنفون على المسانيد بأن يجمع مسند كل صحابي على حدة فإن شاء رتبهم على سوابقهم، وإن شاء رتبه على حروف المعجم، وهو أسهل تناولاً.

أو يصنفوا..، من التصانيف ما تصنيفه على الأبواب الفقهية أو غيرها بأن يجمع في كل باب ما ورد مما يدل على حكمه إثباتاً أو نفياً، والأولى أن يقتصر على ما صح أو حسن، فإن جمع الجميع فليبين علة الضعيف، أو تصنيفه على العلل فيذكر متن الحديث وطرقه، وبيان اختلاف نقلته، والأحسن أن يرتبها على الأبواب ليسهل تناولها، أو يجمعه على الأطراف فيذكر طرف الحديث الدال على بقيته، ويجمع أسانيده إما مستوعباً وإما مقيداً بكتب مخصوصة.

ومن المهم: معرفة سبب الحديث، ومن المهم معرفة سبب الحديث: وقد صنف فيه بعض شيوخ القاضي أبي يعلى بن الفراء، نعم من المهم معرفة سبب ورود الحديث، وهو نضير معرفة أسباب النزول بالنسبة للقرآن الكريم، فإن معرفة السبب مما يعين على فهم الحديث وفقهه، وإن كانت العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ما لم يعارض العموم بما هو أقوى منه، أهل العلم يطلقون العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، لكن قد يحتاج إلى خصوص السبب فتكون العبرة حينئذ بخصوص السبب، عندنا حديث: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) وقول النبي -عليه الصلاة والسلام- لعمران بن حصين: ((صلِ قائماً فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب)) حديث عمران بن حصين يشمل الفريضة والنافلة، ((صلِ قائماً فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب)) فحديث عمران بن حصين يدل على أن صلاة القاعد لا تصح ولا تجوز ممن يستطيع القيام سواءً كانت في الفريضة أو في النافلة عمومه يقتضي ذلك، الحديث الثاني: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) يدل على صحة الصلاة من القاعد لكن أجره نصف صلاة القائم، وهذا يشمل الفريضة والنافلة، صح وإلا لا؟ بينهم تعارض وإلا ما بينهم تعارض؟ بينهم تعارض ظاهر، فإذا نظرنا إلى سبب ورود الحديث حديث: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل المسجد والمدينة محمة فوجدهم يصلون من قعود، فقال لهم -عليه الصلاة والسلام-: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) فتجشموا الصلاة قياماً، سبب ورود هذا الحديث أنهم كانوا يصلون قبل حضوره -صلى الله عليه وسلم- من قعود فدل على أن هذا في النافلة؛ لأنهم لا يمكن أن يصلوا الفريضة قبل حضوره -عليه الصلاة والسلام-، ودل على أنه بالنسبة للمستطيع لمن يستطيع القيام في النافلة له نصف أجر صلاة القائم، للإنسان أن يصلي وهو مستطيع قاعد وله نصف الأجر، هذا بالنسبة للنافلة بدليل سبب الورود، وهو أيضاً بالنسبة للمستطيع، أما غير المستطيع يصلي النافلة قاعد على النصف، أو أجره كامل؟ أجره كامل، وعلى هذا رجعنا إلى سبب الورود وقصرنا الحديث على سببه، لماذا؟ لأن عمومه معارض بعموم أقوى منه وهو حديث عمران بن حصين، وصنف فيه أبو حفص العكبري شيخ القاضي أبي يعلى المشار إليه في المتن، وصنف فيه أيضاً السيوطي، وابن حمزة الحصيني وغيرهم، قال الحافظ: "وقد ذكر الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد أن بعض أهل عصره شرع في جمع ذلك"، قال الحافظ: "وصنفوا في غالب هذه الأنواع، وهي نقل محض ظاهرة التعريف، مستغنية عن التمثيل، فلتراجع لها مبسوطاتها" لأن هذا الكتاب مختصر لا يحتمل بسط كل شيء، وصنف علماء الحديث وأئمة هذا الشأن في غالب هذه الأنواع ما أشير إليه في أثناء الشرح غالباً، وسبق في أول الشرح أنه قلما فن من فنون الحديث إلا وقد صنف فيه الخطيب البغدادي كتاباً مفرداً، وتقدم قول الحافظ أبي بكر بن نقطة: "كل من أنصف علم أن المحدثين بعد الخطيب عيال على كتبه".

وهي -أي هذه الأنواع- كثيرة في هذه الخاتمة التي سردها الحافظ، وهي نقل محض لا مجال للاجتهاد فيها، ظاهرة التعريف، واضحة جلية، مستغنية عن التمثيل، وحصرها كما قال الحافظ: متعسر، فلتراجع لها مبسوطاتها ليحصل الوقوف على حقائقها، والله أعلم.

 

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"
نسمع كثيراً أن الراوي فلان حصل له اختلاط السؤال: هل اختلاط هؤلاء المحدثين يحصل معهم تجاوزات شرعية سواءً في القول أو الفعل؟

نعرف أن الاختلاط اختلال في العقل يصحبه اختلال في التصرفات، اختلال في العقل ويصحبه اختلال في التصرفات، قد يكون اختلال في الضبط أو نسيان أو ذهول، ومع ذلكم أيضاً يحصل شيء من الإخلال ببعض الواجبات نسياناً، والاختلاط أحياناً يصاحبه شيء من اختلاط العقل فيصحبه شيء من التجاوزات في القول أو الفعل، كما نرى من الذين يختلطون في هذه الأزمان من عامة الناس، لا شك أن بعض من يختلط يصحب اختلاطه شيء من التصرفات والتجاوزات في الأقوال والأفعال، والله أعلم.