التعليق على تفسير القرطبي - سورة الشمس
سورة الشمس مكية باتفاق، وهي خمس عشرة آية، بسم الله الرحمن الرحيم، قوله تعالى:{وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا}[الشمس:1] قال مجاهد: {وَضُحَاهَا}[الشمس:1]أي ضوؤها وإشراقها، وهو قسم ثانٍ، وأضاف الضحى إلى الشمس؛ لأنه إنما يكون بارتفاع الشمس، وقال قتادة: بهاؤها. وقال السُّدي: حرها. وروى الضحاك عن ابن عباس: وضحاها قال: جعل فيها الضوء، وجعلها حارة. وقال اليزيدي: هو انبساطها. وقيل: ما ظهر بها من كل مخلوق، فيكون القسم بها وبمخلوقات الأرض كلها، حكاه الماوردي. "
الضحى الوقت المعروف، وينسب إلى الشمس؛ لظهورها فيه أشد من غيره أو أن الضحى الظهور، كما قال عبد الله بن عمر لمن دخل خيمته وهو محرم قال: إضح لمن أحرمت له، يعني ابرز واخرج، على كل حال الضحى معروف، والشمس معروفة، ما يحتاج، والواو قسم في الموضعين وفي المواضع التي تليها.
طالب: .................
لا، قبل الضحى، الشروق أول طلوع الشمس.
طالب: .................
لأنه فرق بين شروق وإشراق وضحى.
طالب: .................
ما هي بشروق، الشروق وقت نهي.
طالب: .................
الإشراق؛ لأن الشروق وقت بزوغ الشمس، والإشراق ارتفاعها، من هنا يبدأ وقت الضحى، لكن لو أخره حتى ترمض الفصال كان أولى يعني صلاة الضحى.
" حكاه الماوردي، والضحى مؤنثة يقال: ارتفعت الضحى، وهي فوق الضحو، وقد تُذكر، فمن أنث ذهب إلى أنها جمع ضحوة، ومن ذكّر ذهب إلى أنه اسم على فُعل نحو صُرد ونغر، وهو ظرف غير متمكن مثل سحر. "
غير متمكن، يعني ممنوع من الصرف.
تقول: لقيته ضحى.
لقِيته.
" تقول: لقِيتُه ضحىً وضحى إذا أردت به ضحى يومك لم تؤنثه. وقال الفراء: الضحى هو النهار كقول قتادة، والمعروف عند العرب أن الضحى إذا طلعت الشمس وبعيد ذلك قليلاً فإذا زاد فهو الضحاء بالمد، ومن قال: الضحى النهار كله، فذلك لدوام نور الشمس، ومن قال: إنه نور الشمس أو حرها فنور الشمس لا يكون إلا مع حر الشمس، وقد استدل من قال: إن الضحى حر الشمس بقوله تعالى: {وَلاَ تَضْحَى}[طه:119] أي لا يؤذيك الحر، وقال المبرد: أصل الضحى من الضح، وهو نور الشمس، والألف مقلوبة من الحاء الثانية، تقول: ضحوة وضحوات وضحى قالوا: وضحى فالواو من ضحوة مقلوبة عن الحاء الثانية، والألف في ضحى مقلوبة عن الواو. وقال أبو الهيثم: الضِّح نقيض الظل، وهو نور الشمس على وجه الأرض، وأصله الضحى فاستثقلوا الياء مع سكون الحاء فقلبوها ألفًا. "
يعني الضَّح والضُّح والضِّح هو النور وبداياته أو نهاياته، أما الضَّحى فهو شدته، ولذا يقولون في لهجة العامة: ضَحاح، ضَحاح نور الناس تقوله ماذا تنكر؟ إلى الآن يقولونه.
طالب: .................
نعم، ضَحاح النور تحسبه يدل على كبر، هذا أنت تريد أن تنكر، لا ما عليك إن شاء الله.
" قوله تعالى:{وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا}[الشمس:2] أي تبعها، وذلك إذا سقطت رئيا الهلال يقال: تلوت فلانًا إذا اتبعته. "
إذا تبعتَه.
" إذا تبعته، قال قتادة. "
القمر يلي سقوط الشمس، وإذا انتهى وقتها جاء وقت القمر يتلوها {وَلاَ اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ}[يس:40] يعني بعده.
" قال قتادة: إنما ذلك ليلة الهلال إذا سقطت الشمس رئيا الهلال، وقال ابن زيد: إذا غربت الشمس في النصف الأول من الشهر تلاها القمر بالطلوع، وفي آخر الشهر يتلوها بالغروب. قال الفراء: تلاها أخذ منها، يذهب إلى أن القمر يأخذ من ضوء الشمس، وقال قوم: والقمر إذا. "
القمر يأخذ من ضوء الشمس يقرره علماء الهيئة والفلك، ويرون أن الكسوف إنما يكون بحيلولة الأرض دون الشمس والقمر، هذا كلامهم.
" وقال قوم:{وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا}[الشمس:2] حين استوى واستدار فكان مثلها في الضياء والنور، وقال الزجاج: قوله تعالى.. "
طالب: .................
رؤيا ورئيا كلها واحد.
" قوله تعالى:{وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا}[الشمس:3]أي كشفها فقال قوم: جلا الظلمة، وإن لم يجر لها ذكر، كما تقول: أضحت باردة، تريد أضحت غداتنا باردة، وهذا قول الفراء والكلبي وغيرهما، وقال قوم: الضمير في جلاها للشمس، والمعنى أنه يبيّن بضوئه جرمها، ومنه قول قيس بن الخطيم:
تجلت لنا كالشمس تحت غمامة |
|
بدا حاجب منها وضنت بحاجب |
وقيل: جلّى ما في الأرض من حيوانها حتى ظهر لاستناره. "
لاستتاره.
" لاستتاره ليلاً وانتشاره نهارًا، وقيل: جلّى الدنيا، وقيل: جلّى الأرض وإن لم يجرِ لها ذكر، ومثله قوله تعالى:{حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَاب}[ص:32] على ما تقدم آنفًا. "
فالضمير يعود إلى الشمس، ولم يتقدم لها ذكر.
" قوله تعالى:{وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا}[الشمس:4] أي يغشى الشمس فيذهب بضوئها عند سقوطها، قاله مجاهد وغيره، وقيل: يغشى الدنيا بالظُّلم فتظلم الآفاق، فالكناية ترجع إلى غير مذكور، قوله.. "
يعني الضمير.
" قوله تعالى:{وَالسَّمَاء وَمَا بَنَاهَا}[الشمس:5] أي وبنيانها، فما مصدرية كما قال: {بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي}[يس:27] أي بغفران ربي، قاله قتادة، واختاره المبرِّد، وقيل: المعنى ومن بناها، قاله الحسن ومجاهد، وهو اختيار الطبري، أي ومن خلقها ورفعها، وهو الله تعالى. "
ما مصدرية أم موصولة؟ {وَالسَّمَاء وَمَا بَنَاهَا}[الشمس:5] أي وبنيانها أو الذي بناها هو الله - جل وعلا-؟
طالب: .................
الثاني: اختيار الطبري وبنيانها، يقسم الله - جل وعلا- بما شاء من مخلوقاته وبنيانها عظيم، أقسم بما دونه من المخلوقات.
"وحُكي عن أهل الحجاز: سبحان ما سبحت له. قوله تعالى: {وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا}[الشمس:6] أو وطحوها وقيل: ومن طحاها على ما ذكرناه آنفًا أي بسطها، كذا قال عامّة المفسرين مثل دحاها، قال الحسن ومجاهد وغيرهما: طحاها ودحاها واحد أي بسطها من كل جانب، والطحو البسط، طحا يطحو طحوًا، وطحى يطحي طحيًا، وطحيت اضطجعت، عن أبي عمرو، وعن ابن عباس:{طَحَاهَا}[الشمس:6] قسمها، وقيل: خلقها، قال الشاعر:
وما تدري جُذيمة من طحاها |
|
ولا من ساكن العرش الرفيع |
قال الماوردي: ويحتمل أنه ما خرج منها من نبات وعيون وكنوز؛ لأنه حياة لما خُلق عليها، ويقال في بعض أيمان العرب لا، والقمر الطاحي أي المشرف المشرق المرتفع، قال أبو عمرو: طحا الرجل إذا ذهب في الأرض، يقال: ما أدري أين طحا، ويقال: طحا به قلبه إذا ذهب به في كل شيء قال علقمة:
طحا بك قلب في الحسان طروب |
|
بعيد الشباب عصر حان مشيب" |
الطحو والدحو بمعنى واحد؛ لأنها كلها جاءت في سياق الأرض.
" قوله تعالى:{وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا}[الشمس:7] قيل: المعنى وتسويتها. "
كم الآن التاسع والعاشر من الأقسام؟ التاسع والعاشر؟ عدّ.
طالب: .................
{وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا}[الشمس:1]
طالب: العاشر والحادي عشر هو نفسه...
العاشر والحادي عشر؟
طالب: .................
{وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاء وَمَا بَنَاهَا * وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا}[الشمس:1-7] العاشر والحادي عشر، العاشر والحادي عشر. نعم
" {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا}[الشمس:7] قيل: المعنى وتسويتها. "
يعني على أن ما مصدرية، أو بمعنى الذي، فيكون والذي سواها وهو الله - جل وعلا-.
" فما بمعنى المصدر وقيل: المعنى ومن سواها وهو الله- عز وجل-، وفي النفس قولان: أحدهما: آدم، والثاني: كل نفس منفوسة، وسوّى بمعنى هيأ، وقال مجاهد: سواها سوى خلقها وعدّل، وهذه الأسماء كلها مجرورة على القسم، أقسم - جل ثناؤه- بخلقه لما فيه من عجائب الصنعة الدالة عليه. قوله تعالى:{فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}[الشمس:8] قوله تعالى: {فَأَلْهَمَهَا}[الشمس:8] أي عرّفها، كذا روى ابن أبي نجيح عن مجاهد أي عرفها طريق الفجور والتقوى، وقاله ابن عباس، وعن مجاهد أيضًا. "
مثل ما هداه النجدين ألهمها.. هداه النجدين عرفه طريق الخير وطريق الشر، وهنا ألهمه طريق الفجور وطريق التقوى، وركّب فيه شيئًا من الحرية والاختيار، وإن كانت مشيئة لا تخرج عن مشيئة الله، لكن بيّن له مغبة طريق الشر والآثار الناتجة من الخير عن طريق الخير، فإن أبى إلا أن يسلك طريق الشر الذي فيه ضرره فهو حر مختار.
" وعن مجاهد أيضًا: عرفها الطاعة والمعصية، وعن محمد بن كعب قال: إذا أراد الله- عز وجل- بعبده خيرًا ألهمه الخير فعمل به، وإذا أراد به السوء ألهمه الشر فعمل به. وقال الفراء: {فَأَلْهَمَهَا}[الشمس:8] قال: عرفها طريق الخير وطريق الشر كما قال:{وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْن}[البلد:10] وروى الضحاك عن ابن عباس قال: ألهم المؤمن المتقي تقواه، وألهم الفاجر فجوره. وعن سعيد عن قتادة قال: بيّن لها فجورها وتقواها، والمعنى. "
ليس لأحد على الله حجة بعد البيان الكافي الشافي الذي يفهمه كل أحد.
" والمعنى مُتقارب، وروي عن أبي هريرة قال: قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}[الشمس:8] قال: «اللهم آتِ نفسي تقواها، وزكِّها أنت خير من زكَّاها، أنت وليها ومولاها»."
مخرّج؟
طالب: .................
الدعاء ثابت، لكن يبقى ارتباطه بالآية هو محل النظر.
" ورواه جويبر عن الضحاك عن ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا قرأ هذه الآية {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}[الشمس:8] رفع صوته بها وقال: «اللهم آت نفسي تقواها، أنت وليها ومولاها، وأنت خير من زكاها». وفي صحيح مسلم عن أبي أسود الدؤلي قال: قال لي عمران بن حصين: أرأيت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون فيه أشيء قضي ومضى عليهم من قدر سبق أو فيما يستقبلون مما أتاهم به نبيهم وثبتت الحجة عليهم؟ فقلت: بل شيء قضي عليهم ومضى عليهم، قال: فقال: أفلا يكون ظُلمًا؟ قال: ففزعت من ذلك فزعًا شديدًا وقلت: كل شيء خلق الله وملك يده، فلا يُسأل عما يفعل وهم يسألون، فقال لي: يرحمك الله، إني لم أرد بما سألتك إلا لأحرّز عقلك إن رجلين من مزينة أتيا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالا: يا رسول.. "
الصحابة لما سألوا النبي -عليه الصلاة والسلام- عما كتب وقدر عليهم، هل هو فيما مضى أو فيما يستقبل قال: «المقادير كتبت قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة»، قالوا: أفلا نتكل على كتابنا؟ قال: «اعملوا فكل ميسر لما خلق له»، لا تعارض بين هذا وبين هذا.
" أتيا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالا: يا رسول الله، أرأيت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون فيه أشيء قضي عليهم ومضى فيهم من قدر قد سبق، أو فيما يستقبلون به مما أتاهم به نبيهم وثبتت الحجة عليهم؟ فقال: «لا، بل شيء قضي عليهم ومضى فيهم» وتصديق ذلك في كتاب الله- عز وجل-:{وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}[الشمس:7-8] والفجور والتقوى مصدران في موضع المفعول به. "
يعني ألهمها فجورها، الفجور والتقوى مصدران من فجر فجورًا، واتقى تقوى في موضع المفعول به، أحيانًا يكون المفعول به لا يقع عليه فعل الفاعل، المفعول به الأصل أنه من يقع عليه فعل الفاعل، لكن قد يأتي مكان محله مفعول به ويعرب مفعولًا به، لكن لم يقع عليه فعل الفاعل مثل ما قال في خلق الله السموات، حد المفعول به أنه هو الذي يقع عليه الفعل، والفاعل هو الذي يقع منه الفعل، وقد يقع الفعل به لا عليه مثل: ألهمها فجورها، وخلق السموات، الفجور ما وقع عليه فعل، والسموات ما وقع عليها فعل، وإنما وقع الفعل بها، ولذلك قال: مصدران في موضع المفعول به، ولذلك بعضهم ابن هشام وغيره يعربون السموات مصدرًا، ما يعربونها مفعولًا به؛ لأن الفعل لم يقع عليها، وإنما وقع بها.
" قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}[الشمس:9-10] قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا}[الشمس:9] هذا جواب القسم بمعنى لقد أفلح، قال الزجاج: اللام حُذفت؛ لأن الكلام طال، فصار طوله عِوضًا منها، وقيل: الجواب محذوف أي والشمس، وكذا لتبعثن قال الزمخشري: تقديره ليدمدمن الله عليهم أي على أهل مكة؛ لتكذيبهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما دمدم على ثمود؛ لأنهم كذبوا صالحًا، وأما {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا}[الشمس:9] فكلام تابع لأوله لقوله: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس: ٨] على سبيل الاستطراد، وليس من جواب القسم في شيء، وقيل: هو على التقديم والتأخير بغير حذف، والمعنى: قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها، والشمس وضحاها، أفلح: فاز من زكاها أي من زكّى اللهُ نفسَه بالطاعة."
نعم، السورة اشتملت على أخبار كثيرة، أهم هذه الأخبار هو الذي ينبغي أن يكون جوابًا لهذه الأقسام المتقدمة، فهل هو البعث المقدر لتبعثن أو الدمدمة التي فهمت من قوله {فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ}[الشمس:14] كما قال الزمخشري أو الفلاح لمن زكى نفسه؟ هذا الذي يظهر، الذي يظهر أن جواب القسم: قد أفلح، نعم لاسيما وأنه مذكور لا يحتاج إلى تقدير.
"{وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} [الشمس: ١٠] أي خسرت نفس دسها الله- عز وجل- بالمعصية، وقال ابن عباس. "
أو دسّى نفسه يعني الفاعل دساها الله بالمعصية أو دساها صاحبها بالمعصية الذي تلبس بها وباشرها، كما أن من يزكي نفسه بالطاعة يكون.. أو زكاه الله، ولا يمنع أن يكون المدسي والمزكي هو الله باعتبار أنه هو المقدِّر لهذا الفعل، أو يكون المدسي والمزكي هو الشخص الذي وفقه الله - جل وعلا- أو خذله؛ لأنه هو المباشر لذلك، فالفعل ينسب ويضاف إلى مباشره، كما أنه يضاف إلى سببه.
" وقيل.. وقال ابن عباس: طابت نفس. وقال ابن عباس: خابت نفس أضلها وأغواها. وقيل: أفلح من زكى نفسه بطاعة الله وصالح الأعمال، وخاب من دسى نفسه في المعاصي، قاله قتادة وغيره. "
وجاءت النفس مضافة إلى الشخص {فَلاَ تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ}[النجم:32] ، فدل على أن الإنسان يزكي نفسه ويدسيها، والموفِّق هو الله، والذي كتب الشقاء هو الله - جل وعلا- وهو الفاعل الحقيقي، وينسب الفعل لمباشره باعتبار أنه فعله ويتحمل مسؤوليته، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر.
" وأصل الزكاة النمو والزيادة، ومنه زكا الزرع إذا كثر ريعه، ومنه تزكية القاضي للشاهد؛ لأنه يرفعه بالتعديل، وذكر الجميل، وقد تقدم هذا المعنى في أول سورة البقرة مستوفى، فمصطنع المعروف والمبادر إلى أعمال البر شهر نفسه ورفعها، وكانت أجواد العرب تنزل الربى وارتفاع الأرض ليشتهر مكانها للمعتقين. "
للمعتفين.
تفين؟
نعم.
بالفاء.
للمعتفين، المعتفي: يقول كل طالب فضل أو رزق، يعني لمن يحتاجهم، لا شك أن صاحب الجود والكرم يبرز للناس ويتمنى أن يزورها ويستضيفه الناس، بخلاف ضده من الشحيح والبخيل تجده في الشعبان يسكن في الكهوف؛ لئلا يرى.
" ليشتهر مكانها للمعتفين، وتوقد النار في الليل للطارقين، وكانت اللئام تنزل الأولاج والأطراف والأهضام ليخفى مكانها عن الطالبين، فأولئك علّوا أنفسهم وزكوها. "
يطفئون النيران؛ لئلا يراهم المارة كما قال:
قوم إذا استنبح الأضياف كلبهم |
|
قالوا لأمهم بولي على النار . |
قالوا لأمهم.. ما لقوا إلا العجوز المسكينة، وهذا نهاية في الذم والتحقير.
" فأولئك علوا أنفسهم وزكّوها، وهؤلاء أخفوا أنفسهم ودسوها، وكذا الفاجر أبدًا خفي المكان زمر المروءة غامض الشخص ناكس الرأس بركوب المعاصي، وقيل: دساها أغواها. "
لا شك أن ذل المعصية لا يفارق العاصي مهما صحبه من ملك ومال وجاه وشرف الدنيا وولد وأبهة، فإن ذل المعصية لا يفارقه كما قال الحسن البصري- رحمه الله- فإنهم يعني العصاة وإن هملجت بهم البغال وطقطقت بهم البراذين، فإن ذل المعصية لا يفارقهم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه.
" قال:
وأنت الذي دسَّيت عمرًا فأصبحت . |
|
حلائله منه أرامل ضيعًا . |
قال أهل اللغة: والأصل دسسها من التدسيس وهو إخفاء الشيء في الشيء، فأبدلت سينه ياءً، كما يقال: قصيت أظفاري وأصله قصصت أظفاري، ومثله قولهم في تفضض. "
تقضض.
تفضى.
ما هي بقاف، قاف أم فاء؟
طالب: .................
قاف.
الثانية قاف؟
تقضض.
فاء عندي فاء.
" ومثله قولهم في تقضض: تقضَّ، وقال ابن الأعرابي {وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}[الشمس:10] أي دس نفسه في جملة الصالحين وليس منهم. "
طالب: .................
لأن المعنى على بعده يتناول؛ لأن التدسيس التخفية مثل هذا الذي يتدسس بين الناس، ويظهر نفسه في مظهر كأنه منهم، وهو في الحقيقة ليس منهم.
طالب: .................
نعم، مرائٍ.
طالب: ..... هم القوم لا يشقى بهم جليسهم..
لا لا، يختلف، فرق بين من يظهر نفسه بغير حقيقته، وبين من يوجد مع غيره، لكن حقيقته ظاهرة مثل ما جاء في حديث عمر: «فمن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها» الذي يهاجر للدنيا تضيق به الأرض، ثم ينتقل من بلد إلى بلد؛ لطلب الرزق، أو لم يجد زوجة في بلده فيبحث عنها في بلد آخر، هذا لا يذم، ولا شك أن الحديث سياقه سياق ذم، لكن إذا أظهر للناس أنه مهاجر لله ورسوله وهو في الحقيقة مهاجر للمرأة والدنيا فهذا لا شك أنه يذم، ومثل ما قلنا مثل هذا اليوم لو يأتي واحد قبل أذان المغرب بنصف ساعة، ويضع السماط والتمر وكل من دخل من الناس قال: تفضلوا، فلما أذن أكل، وهو ما صام، هل نقول: إنه أكل حرام؟ لكن أظهر للناس أنه صائم، فهذا يختلف وضعه.
طالب: ... في الحديث معهم فلان، وليس منهم...
ليس منهم، لكن مظهره ظاهر، شكله ما أخفى، ما أظهر نفسه على غير حقيقته.
طالب: .................
ماذا؟
طالب: .................
يرفعه بهذه الشهادة، يرفعه كأن وضعه غير مناسب للشهادة أو مجهول أو كذا، فرفعه بهذه التزكية.
طالب: .................
لا، القاضي إذا ثبت التزكية فكأنه زكاه.
قوله تعالى..
ولا يطلب مزكين إلا إذا خفيت عليه عدالته الباطنة. نعم
" قوله تعالى: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا}[الشمس:11] أي بطغيانها، وهو خروجها عن الحد في العصيان، قاله مجاهد وقتادة وغيرهما، وعن ابن عباس:{بِطَغْوَاهَا}[الشمس:11] أي بعذابها الذي وعدت به قال: وكان اسم العذاب الذي جاءها الطغوى؛ لأنه طغى عليهم وقال محمد كعب. "
ابن كعب محمد بن كعب القرظي.
" وقال محمد بن كعب: بطغواها بأجمعها، وقيل: هو مصدر وخُرّج على هذا المخرج بأنه أشكلُ. "
أشكلُ.
" لأنه أشكلُ الآي. "
يعني مناسب برؤوس الآيات الأخرى، زكاها دساها طغواها إلى آخره، والشمس وضحاها من أول السورة إلى آخرها، يعني لماذا اختير طغوى المصدر طغوى، ولم يختر الطغيان؟ لأنه أشبه برؤوس الآي وأشكل بها وأليق.
" وقيل: الأصل بطغياها إلا أن فعلى إذا كانت من ذوات الياء أبدلت في الاسم واوًا ليفصل بين الاسم والوصف، وقراءة العامة بفتح الطاء، وقرأ الحسن والجحدري وحمّاد بن سلمة بضم الطاء على أنه مصدر.. "
أحيانًا يُحتاج إلى إبدال الحرف خشية اللبس، مثلاً العيد أصله من عاد يعود "واو"، فالأصل أن يقال: العود، لكن خُشي أن يلتبس بواحد الأعواد من الخشب فقيل: عيد.
" على أنه مصدر كالرُّجعى والحسنى وشبههما في المصادر وقيل: هما لغتان {إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا}[الشمس:12] أي نهض أشقاها. "
يعني لغتان كالفتوى والفتيا.
" أشقاها لعقر الناقر، واسمه قدار بن سالف، وقد مضى في الأعراف بيان هذا، وهل كان واحدًا أو جماعة، وفي البخاري عن عبد الله بن زمعة أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب، وذكر الناقة، والذي عقرها فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «{إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا}[الشمس:12] انبعث لها رجل عزيز عارم منيع في رهطه مثل أبي زمعة»، وذكر الحديث خرجه مسلم أيضًا، وروى الضحاك عن علي أن النبي. "
يقول مثل أبي، عبد الله بن زمعة يقول: مثل أبي شديد وقوي وله رهط يمنعونه، وكل الصفات مجتمعة فيه، وإلا فما يمكن أن يتصدى لمثل هذا إلا شخص فيه هذه الصفات، لكن هو أمام قوة من؟ أمام قوة الجبار، ما هو أمام قوة بشر فيقول مثل أبي أبوه زمعة بهذه الصفات.
" وروى الضحاك عن علي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: «أتدري من أشقى الأولين؟» قلت: الله ورسوله أعلم، قال: «عاقر الناقة» قال: «أتدري من أشقى الآخرين؟» قلت: الله ورسوله أعلم، قال: «قاتِلك». و{قال لهم رسول الله} يعني صالحًا {ناقة الله} ناقة منصوب على.. "
حديث علي مخرّج ماذا قال؟
طالب: .................
إذًا لا يثبت.
" ناقة منصوب على التحذير كقولك: الأسد الأسد والصبي الصبي والحذار الحذار أي احذروا ناقة الله أي عقرها، وقيل: ذروا ناقة الله كما قال: {هَـذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوَءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيم}[الأعراف:73] وسقياها أي ذروها وشربها، وقد مضى في سورة الشعراء بيانه، والحمد لله، وأيضًا في سورة اقتربت الساعة. "
يعني القصة تكررت مرارًا في القرآن المفسر يتكلم عليها في كل مكان بما يناسب، ويحيل على ما تقدم كعادته.
" فإنهم لما اقترحوا الناقة وأخرجها لهم من الصخرة جعل لهم شرب يوم من بئرهم، ولها شرب يوم مكان ذلك، فشق ذلك عليهم. "
اقترحوها فلما خلقها الله - جل وعلا- من الصخرة قال: الماء نحتاجه في اليوم الثاني لها شرب يوم، ولهم شرب يوم، قالوا: هذه أخذت علينا الماء، فعوضهم الله بلبنها في اليوم الثاني، ومع ذلك هذه النعمة التي أنعم الله بها عليهم ضاقوا بها ذرعًا، وهذه عادة من كتبت عليه الشقاوة، نسأل الله العافية.
" فكذبوه أي كذبوا صالحًا- عليه السلام- في قوله لهم: إنكم تعذبون إن عقرتموها، فعقروها أي عقرها الأشقى، وأضيف إلى الكل؛ لأنهم رضوا بفعله، وقال قتادة: ذكر لنا أنه لم يعقرها حتى تابعه صغيرهم وكبيرهم وذكرهم وأنثاهم، وقال الفراء: عقرها اثنان، والعرب تقول: هذان أفضل الناس، وهذان خير الناس، وهذه المرأة أشقى القوم، فلهذا لم يقل أشقياها. قوله تعالى.. "
ما قال لا تلزم المطابقة في أفعل التفضيل، أفعل التفضيل يخبر به عن الواحد وعن المثنى وعن الجمع وعن المذكر وعن المؤنث، كما في الأمثلة: هذان أفضل الناس ما يقال: أفضلا الناس، لا، وهذان خير الناس، وهؤلاء خير الناس، وهذه المرأة أفضل أو أشقى.
" قوله تعالى {فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا}[الشمس:14] أي أهلكها وأطبق عليهم العذاب بذنبهم الذي هو الكفر. "
هذا يستدل به الفراء، هذا الكلام على أنهما اثنان، ولكن عامة المفسرين على أنه واحد الذي تولى عقرها قدار بن سالف، وتسميته أيضًا من الإسرائيليات يعني تداوله المفسرون، وما أدري هل يثبت بها خبر أم لا؟
" أي أهلكهم وأطبق عليهم العذاب بذنبهم الذي هو الكفر والتكذيب والعقر، وروى الضحاك عن ابن عباس قال: دمدم عليهم قال: دمر عليهم ربهم بذنبهم أي بجرمهم، وقال الفراء: دمدم أي أرجف، وحقيقة الدمدمة تضعيف العذاب وترديده، ويقال: دمم دممت على الشيء أي أطبقت عليه، ودمدم عليه القبر أطبقه، وناقة مدمومة ألبسها الشحم، فإذا كررت الإطباق قلت: دمدمت والدمدمة إهلاك باستئصال، قاله المؤرِج، وفي الصحاح ودمدمت الشيء إذا ألزقته بالأرض وطححته. "
وطحطحتَه.
وطحطحتُه.
إذا ألزقته بالأرض وطحطحتَه.
وضمة ضامها.
نعم، ضامها، لكن ماذا تصير بعد؟ ما هي مثل ...
" ودمدمت الشيء إذا ألزقته بالأرض وطحطحتَه. "
وتأمل تكرار الحروف، فالعرب لهم طريقة في التعبير بالحروف عن المعاني، يعني غير ما يفيده أصل الحروف تركيب الحروف ووزن الحروف له أيضًا يختلف باختلاف المعاني، الآن تجد الدمدمة عبارة عن أفعال متكررة، وجاء الفعل مناسبًا لها بحروف متكررة.
" ودمدم الله عليهم أي أهلكهم قال القشيري وقيل: دمدمت على الميت التراب أي سويت عليه، فقوله: {فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ}[الشمس:14] أي أهلكهم، فجعلهم تحت التراب،{فَسَوَّاهَا}[الشمس:14] أي سوى عليهم الأرض، وعلى الأول {فَسَوَّاهَا}[الشمس:14] أي فسوى الدمدمة والإهلاك عليهم، وذلك أن الصيحة أهلكتهم، فأتت على صغيرهم وكبيرهم، وقال ابن الأنباري: دمدم أي غضب والدمدمة الكلام الذي يزعج الرجل، وقال بعض اللغويين: الدمدمة الإدامة، تقول العرب ناقة مدمدمة أي سمينة، وقيل: {فَسَوَّاهَا}[الشمس:14] أي فسوّى الأمة في إنزال العذاب بهم صغيرهم وكبيرهم صغيرَهم وكبيرَهم وضيعهم وشريفهم ذكرهم وأنثاهم. "
كأن المعنى سوّى عليهم الأرض لما قضى عليهم وأهلكهم سفت عليهم السوافي، واستوت عليهم الأرض، فكأنهم لم يوجدوا، تلك الأمة القوية القاهرة، هذه نهايتها، فكيف بمن ليس في صفتهم من الأمم الضعيفة؟ نسأل الله اللطف.
" وقرأ ابن الزبير: فدهدم، وهما لغتان كما يقال: انتقع لونه وانْتُقع. "
طالب: .................
ماذا؟
طالب: .................
أين؟
طالب: .................
نعم، القرطبي- رحمه الله- في سورة هود ذكر أن الأمم السابقة التي عذبت ما تعذب على أصل الكفر، إنما تعذب على ذنوب خاصة يصرون عليها ويعاندون فيها أنبياءهم.
" قوله تعالى: {وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا}[الشمس:15] أي فعل الله ذلك بهم غير خائف أن تلحقه تبعة الدمدمة من أحد، قاله ابن عباس والحسن وقتادة ومجاهد، والهاء في عقباها ترجع إلى الفعلة كقوله: «من اغتسل يوم الجمعة فبها ونعمت» أي بالفعلة والخَصلة، قال السدي والضحاك والكلبي: ترجع إلى العاقر أي لم يخف الذي عقرها عقبى ما صنع، وقاله ابن عباس أيضًا، وفي الكلام تقديم وتأخير مجازه إذ انبعث أشقاها ولا يخاف عقباها. "
مجازه يعني ترتيبه بدون تقديم ولا تأخير.
" وقيل: لا يخاف رسولُ الله صالح عاقبةَ إهلاك قومه، ولا يخشى ضررًا يعود عليه من عذابهم؛ لأنه قد أنذرهم، ونجاه الله تعالى حين أهلكهم، وقرأ نافع وابن عامر: فلا بالفاء، وهو الأجود؛ لأنه يرجع إلى المعنى الأول أي فلا يخاف الله عاقبة إهلاكهم، والباقون بالواو، وهي أشبه بالمعنى الثاني، أي ولا يخاف الكافر عاقبة ما صنع، وروى ابن وهب وابن القاسم عن مالك قالا: أخرج إلينا مالك مصحفًا لجده، وزعم أنه كتبه في أيام عثمان بن عفان حين كتب المصاحف، وفيه: ولا يخاف بالواو، وكذا هي في مصاحف أهل مكة والعراقين بالواو، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم اتباعًا لمصحفهم. "
طالب: .................
أو العراقَين البصرة والكوفة.
طالب: .................
نعم، عندنا ياءان، لكن الكلام ماذا عليه على أنه.. مصاحف أهل مكة والعراقيين لا يقصد بذلك المصاحف التي بعثها عثمان الأربعة؛ لأن أهل مكة ما لهم مصاحف، ولا يقصد.. هو لا يقصد المصاحف التي بعثها عثمان- رضي الله عنه-؛ لأنه مصحف واحد إلى كل قطر مصحف واحد، ما هي مصاحف.
طالب: وزعم مالك أو جده؟ أحسن الله إليك.
طالب: وزعم أنه كتبه في أيام عثمان.
هو ينقل عن جده أنه كتبه، الضمائر تعود إلى واحد وهو الجد.
"