هدي النبي في رمضان (18)
الحلقة الثامنة عشرة.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
أيها الإخوة المستمعون الكرام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلاً وسهلاً بكم إلى هذا اللقاء الذي يجمعنا بفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير وفقه الله نرحب بفضيلة الشيخ، فأهلاً وسهلاً بكم يا شيخ عبد الكريم.
حياكم الله وبارك فيكم.
إخوتنا المستمعين الكرام: أيام قليلة وتدخل العشر الأواخر أواخر هذا الشهر العظيم الفضيل نسأل الله -عزَّ وجل- أن يختم لنا هذا الشهر بعتق من النار وبالقبول إنه سميع مجيب، ويناسب فضيلة الشيخ لو تحدثتم في هذا اللقاء حول فضل العشر الأواخر وما ينبغي للمسلم من العمل الصالح فيها والحديث أيضًا عن ليلة القدر هذه الليلة العظيمة التي هي خير من ألف شهر.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله هذا لفظ البخاري ولفظ مسلم أحيى الليل وأيقظ أهله وشد المئزر في رواية لمسلم عنها قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره، كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يخص العشر الأواخر من رمضان بأعمال لا يعملها في بقية الشهر فمنها إحياء الليل، منها إحياء الليل ويحتمل أن المراد إحياء الليل كله لأنه يقول وأحيا ليله يحتمل أن المراد إحياء الليل كله ففي المسند عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخلط العشرين بصلاة ونوم فإذا كان العشر يعني الأخير شمّر وشد المئزر ويحتمل أن يريد بإحياء الليل إحياء غالبه ويؤيده ما في صحيح مسلم عن عائشة -رضي الله عنها- قالت ما أعلمه -صلى الله عليه وسلم- قام ليلة حتى الصباح قام ليلة حتى الصباح.
يعني ليلة كاملة.
من أولها إلى آخرها، فما جاء في حديث عائشة في المسند كان يخلط العشرين -عليه الصلاة والسلام- بصلاة ونوم فإذا كان العشر يعني الأخير شمّر وشد المئزر شمر وشد المئزر، وهنا في حديث عائشة -رضي الله عنها- أيضًا وهو في صحيح مسلم ما أعلمه أنه -صلى الله عليه وسلم- قام ليلة حتى الصباح، وهذا في حد علمها لا يمنع أنه قام حتى الصباح وهي لا تعلم ويحتمل أنها حدثت بذلك في أواخر عمرها لأنها عمرت بعده -عليه الصلاة والسلام- طويلاً ويحتمل أنه في هذه العشر وهي لظرف ظرف عظمة هذه الليالي ولكونه فيها ليلة القدر لا شك أنها جديرة بالإحياء كلها جديرة بالإحياء كلها، أما ما يذكر عن بعض أو ما يذكره بعض الشافعية عن ابن عباس أن إحيائها يحصل بأن يصلي العشاء في جماعة ويعزم على أن يصلي الصبح في جماعة وقال مالك في الموطأ بلغني أن ابن المسيب قال من شهد العشاء ليلة القدر يعني في جماعة فقد أخذ بحظه منها هذا لا شك أنه جاء في الحديث الصحيح «أن من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما قالم الليل كله» فكأنما هذا تشبيه والتشبيه لا يلزم فيه أن يكون المشبه مساوٍ للمشبه به من كل وجه بدليل أن قراءة سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن وليس معنى هذا أنها في أن أجر من قرأ سورة الإخلاص فقط أو قرأها ثلاثًا كمن قرأ القرآن كاملاً نعم من وجه باعتبار أنها مشتملة على التوحيد على توحيد الألوهية على مشتملة على التوحيد والتوحيد ثلث ما في الكتاب من المطالب؛ لأن القرآن عقائد وأوامر ونواهي وقصص ومواعظ وأخبار هذا توجيه أهل العلم، على كل حال فضل سورة الإخلاص لا إشكال فيه لكن لا يعني أن من قرأ سورة الإخلاص ثلاث مرات كان له من الأجر كمن قرأ القرآن كاملاً فالتشبيه التشبيه من وجه التشيبه لا يعني التشبيه من كل الوجوه كما جاء تشبيه رؤية الباري -عزَّ وجل- برؤية القمر ليلة البدر لا يعني هذا التشبيه، يقول ابن القيم -رحمه الله تعالى- في الكتاب الذي بين أيدينا زاد المعاد، يقول: ومن ذلك تفضيل شهر رمضان على سائر الشهور وتفضيل عشره الأخير على سائر الليالي، وتفضيل ليلة القدر على ألف شهر، فإن قلت أي العشرين أفضل أي العشرين أفضل عشر أي العَشرين أفضل عشر ذي الحجة أو العشر الأخير من رمضان؟ وأي الليلتين أفضل ليلة القدر أو ليلة الإسراء، يقول -رحمه الله تعالى-: قلت أما السؤال الأول أي العشرين أفضل؟ فالصواب أن يقال ليالي العشر الأخير من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة وأيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام عشر رمضان وبهذا التفصيل يزول الاشتباه، ويدل عليه أن ليالي العشر من رمضان إنما فضلت باعتبار ليلة القدر وهي من الليالي وعشر ذي الحجة إنما فضلت باعتبار أيامه إذ فيه يوم النحر ويوم عرفة ويوم التروية وأما السؤال الثاني التفضيل المفاضلة بين ليلة القدر وليلة الإسراء فقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- عن رجل قال ليلة الإسراء أفضل من ليلة القدر وقال آخر بل ليلة القدر أفضل فأيهما المصيب؟ فأجاب الحمد لله أما القائل بأن ليلة الإسراء أفضل من ليلة القدر فإن أراد أن تكون الليلة التي أسري فيها بالنبي -صلى الله عليه وسلم- ونظائرها من كل عام أفضل لأمة محمد -صلى الله عليه وسلم- من ليلة القدر بحيث يكون قيامها والدعاء فيها أفضل منه في ليلة القدر فهذا باطل لم يقله أحد من المسلمين وهو معلوم الفساد بالاطراد من دين الإسلام هذا إن كانت ليلة الإسراء تعرف عينها فكيف ولم يقم دليل معلوم لا على شهرها ولا على عشرها ولا على عينها بل النقول في ذلك منقطعة مختلفة ليس فيها ما يقطع به ولا شرع للمسلمين تخصيص الليلة التي يظن أنها ليلة الإسراء بقيام ولا غيره بخلاف ليلة القدر فإنه قد ثبت في الصحيحين عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال «تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان» وفي الصحيحين عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» وقد أخبر الله سبحانه وتعالى أنها خير من ألف شهر وأنه أنزل فيها القرآن وإن أراد أن الليلة المعينة التي أسري فيها بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وحصل فيها ما لم يحصل له في غيرها من غير أن يشرع تخصيصها بقيام ولا عبادة فهذا صحيح وليس إذا أعطى الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- فضيلة في مكان أو زمان يجب أن يكون ذلك الزمان والمكان أفضل من جميع الأمكنة والأزمنة هذا إذا قدِّر أنه قام دليل على أن إنعام الله تعالى على نبيه ليلة الإسراء كان أعظم من إنعامه عليه بإنزال القرآن ليلة القدر وغير ذلك من النعم التي أنعم عليه بها سميت ليلة القدر.
فضيلة الشيخ لو يعني سمحتم لي قبل الدخول في التسمية عدم تعيين ليلة الإسراء هنا وقفة الحقيقة مهمة جدًا كثير من المسلمين قد يعني يلبس عليه ما يلبس فيحيي هذه الليلة إذًا هي ليست معينة ولا يثبت تعيينها في ليلة معينة.
كما قال كما قال شيخ الإسلام -رحمه الله- لم يثبت تعيين الشهر ولا العشر ولا الليلة بعينها.
وهل لو ثبت على فرض ثبوت أو تعيين هذه الليلة ومعرفتها هل فيه فضل في إحيائها فضيلة الشيخ؟
لو كان فيه فضل لو كان في إحيائها فضل أو صيام يومها فضل لسبقنا إليه سلف الأمة وخيارها، لسبق إليه الصحابة وهم أحرص الناس على الخير، ولما لم يفعلوا دل على أنه لا فضل في ذلك زائد، نعم حصل فيها ما حصل للنبي -عليه الصلاة والسلام- من التشريف والتعظيم، وحصل فيها فرض الصلوات الخمس لكن لا يعني هذا أنها لها عبادة معينة تخص بها.
أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ ماذا عن تسمية ليلة القدر فضيلة الشيخ بهذا الاسم؟
سميت ليلة القدر بذلك؛ لأنها ذات قدر لنزول القرآن فيها أو لما يقع فيها من تنزل الملائكة، أو لما ينزل فيها من البركة والرحمة والمغفرة أو أن الذي يحييها يصير ذا قدر وقيل القدر هنا بمعنى القدَر بفتح الدال الذي هو مؤاخي القضاء والمعنى أنه يقدر فيها أحكام تلك السنة لقوله تعالى: { فِيهَا يُفۡرَقُ كُلُّ أَمۡرٍ حَكِيمٍ } الدخان: ٤ وبه صدّر النووي كلامه فقال قال العلماء سميت ليلة القدر لما تكتب لما تكتب فيها الملائكة من الأقدار لقوله تعالى { فِيهَا يُفۡرَقُ كُلُّ أَمۡرٍ حَكِيمٍ } الدخان: ٤ يقول ابن عباس في قوله تعالى: { فِيهَا يُفۡرَقُ كُلُّ أَمۡرٍ حَكِيمٍ } الدخان: ٤ يكتب من أم الكتاب ليلة القدر ما هو كائن في السنة من الخير والشر والأرزاق والآجال حتى الحاجّ وإنك لترى الرجل يمشي في الأسواق وقد وقع اسمه في الموتى، قال ابن الجوزي في زاد المسير، روي عن عكرمة أن ذلك ليلة النصف من شعبان والرواية عنه بذلك مضطربة فقد خولف الراوي لها فروي عن عكرمة أنه قال في ليلة القدر وعلى هذا المفسرون، قال ابن كثير -رحمه الله تعالى-: والحديث الذي رواه عبد الله بن صالح عن الليث عن عقيل عن الزهري أخبرني عثمان بن محمد بن المغيرة بن الأخنس قال إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان حتى إن الرجل لينكح ويولد له وقد أخرج اسمه في الموتى» يقول هذا حديث مرسل ومثله لا تعارض به النصوص وعلى هذا فليس لليلة النصف من شعبان مزية على غيرها من الليالي وما رواه ابن ماجه عن علي عن النبي -عليه الصلاة والسلام- «أنه إذا كان إذا كان ليلة النصف من شعبان قال إذا كان ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها فإن الله تعالى ينزل فيها بغروب الشمس إلى سماء الدنيا فيقول ألا مستغفر فأغفر له ألا مسترزق فأرزقه ألا مبتلى فأعافيه ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر» لكنه هذا حديث ضعيف هذا حديث ضعيف وجمهور أهل العلم على تضعيف جميع ما ورد في فضل ليلة النصف من شعبان، قال الحافظ ابن رجب -رحمه الله- في لطائف المعارف أنكر ذلك أكثر علماء الحجاز منهم عطاء وابن أبي مليكة ونقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن فقهاء أهل المدينة وهو قول أصحاب مالك وغيرهم وقالوا ذلك كله بدعة، لكن من صام يوم النصف من شعبان لا لأنه يوم النصف من شعبان بل لأنه من جملة الأيام البيض وقد اعتاد ذلك فإنه حينئذٍ لا بأس به إذا صام قبله الثالث عشر والرابع عشر ثم صام الخامس عشر على أنه..، على كل حال، على أنه من البيض لا لأنه النصف من شعبان فلا بأس حينئذٍ والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، شكر الله لكم فضيلة الشيخ هذا الاستعراض، نسأل الله تبارك وتعالى أن ينفع به إخوتنا المستمعين الكرام، بهذا نصل إلى ختام هذه الحلقة نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
"