شرح الموطأ - كتاب الجنائز (1)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لشيخنا واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للحاضرين يا ذا الجلال والإكرام.

قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:

كتاب الجنائز: باب: غسل الميت:

حدثني يحيى عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غُسل في قميص، وحدثني عن مالك عن أيوب بن أبي تميمة السختياني عن محمد بن سيرين عن أم عطية الأنصارية -رضي الله تعالى عنها- قالت: دخل علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين توفيت ابنته فقال: ((اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر، واجعلن في الآخرة كافورًا، أو شيئًا من كافور، فإذا فرغتُن فآذنني)) قالت: فلما فرغنا أذناه، فأعطانا حقوه فقال:((أشعرناها إياها)) تعني بحقوه إزاره.

وحدثني عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر -رضي الله عنه- أن أسماء بنت عميسٍ -رضي الله عنها-  غسلت أبا بكر الصديق -رضي الله تعالى عنه- حين توفي، ثم خرجت فسألت من حضرها من المهاجرين فقالت: إني صائمة، وإن هذا يوم شديد البرد فهل علي من غسلٍ فقالوا: لا.

وحدثني عن مالكٍ أنه سمع أهل العلم يقولون: إذا ماتت المرأة وليس معها نساء يغسلنها ولا من ذوي المحرم أحد يلي ذلك منها، ولا زوج يلي ذلك منها يُممت فمسح بوجهها وكفيها من الصعيد.

قال مالك -رحمه الله-: إذا هلك الرجل وليس معه أحد إلا نساء يممنه أيضًا.

قال مالك -رحمه الله-: وليس لغسل الميت عندنا شيء موصوف، وليس لذلك صفة معلومة ولكن يغسل فيطهر.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "كتاب الجنائز" جمع  جَنازة أو جِنازة  بالفتح والكسر، ويقول ابن قتيبة: الكسر أفصح، ويقال: بالكسر للنعش وهو السرير الذي يحمل عليه الميت، وبالفتح للميت نفسه، بالكسر للنعش، بالفتح للميت، وهذا جارٍ على ما ذكروه من أن الأعلى للأعلى والأسفل للأسفل. جِنازة بالكسر للنعش؛ لأنه هو الأسفل، وجَنازة بالفتح للميت؛ لأنه هو الأعلى، يعني مثل ما قالوا في دَجاجة ودِجاجة بالفتح الذكر وبالكسر الأنثى، والمايح والماتح، الماتح الذي في أعلى البئر، والمايح الذي في أسفل البئر، المقصود أنهم يذكرون لهذا نظائر وأمثلة وهذا منها.

يقول: "باب: غسل الميت"

"حدثني يحيى عن مالك عن جعفر بن محمد" جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن على بن أبي طالب، جعفر هو الصادق، وأبوه محمد هو الباقر، وجده علي بن الحسين زين العابدين، والحسين سبط رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأبوه علي بن أبي طالب -رضي الله عن الجميع-.

"عن جعفر بن محمد عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غسل في قميص" هذا الحديث مرسل أرسله رواة الموطأ إلا في رواية سعيد بن عفير فوصله عن عائشة "غُسل النبي -عليه الصلاة والسلام- في قميص" يعني غسل غير كُفن نعم هذه مسألة أخرى، يعني هل يغسل مجردًا أو وعليه قميص؟ في هذا الخبر يقول: غسل في قميص، يقول ابن عبد البر في الاستذكار: السنة المجتمع عليها تحريم النظر إلى عورة الحي والميت، وحرمة المؤمن ميتًا كحرمته حيًّا، ولا يجوز لأحد أن يغسل ميتًّا إلا وعليه ما يستره، فإن غسل في قميص فحسن، وستره كلِّه حسن، أو كلُه؟

طالب:.......

بعد فيه رأي ثالث.

الآن التوكيد (كل) لأي شيء؟ للضمير المضاف إليه، وستره كلِّه حسن، وأقل ما يلزم من الستر هو ستر العورة، هذا بالنسبة لمن بلغ سبعًا فأكثر، أما ما دون السبع فأهل العلم يرون أنه لا عورة له، لا عورة له لمن دون السبع، ويغسله النساء وإن كان ذكرًا أو الذكور وإن كان أنثى، هذا عندهم.

يقول الباجي: إن صح هذا، يعني حديث الصادق عن أبيه عن عائشة يقول: إن صح هذا فيحتمل أن يكون ذلك خاصًّا له، خاصًّا بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، يعني فغيره يجرد، هذا كلام الباجي، وقد روي عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: لما أرادوا غسل النبي -عليه الصلاة والسلام- فقالوا: والله ما ندري أنجرد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من ثيابه كما نجرد موتانا؟ هذا دليل على أنهم يجردون الموتى، والله ما ندري أنجرد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما نجرد موتانا أو نغسله وعليه ثيابه؟ فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم حتى ما منهم رجل إلا وذقنه على صدره، ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدورن منه: "اغسلوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعني في ثيابه" فقاموا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فغسلوه وعليه قميص يصبون فوق القميص، ويدلكون دون القميص بأيديهم، هذا تفرد به محمد بن إسحاق، ومحمد بن إسحاق الكلام فيه لأهل العلم طويل، الكلام هل يحتمل تفرده أو لا يحتمل؟ يعني هذا من السيرة أو من الأحكام؟ يعني في الأحكام لا يحتمل تفرده، وفي السير إمام عند أهل العلم، إمام في السير، لكن هل هذا الخبر يدخل في السير أو في الأحكام؟ يعني لما يقول أهل العلم: إنهم يتساهلون في أحاديث المغازي والسير والتفسير والفضائل وغيرها هل يقصدون بذلك السير التي هي مجرد أخبار أو عموم ما يتعلق بالسيرة ولو تضمنت حكمًا شرعيًّا؟

طالب:........

لكن هذا حكم شرعي، تضمن حكمًا شرعيًّا، يعني لما يتكلمون عن غزوة من الغزوات غزوة حنين، ويتكلمون على أحكام المغانم ضمن الغزوة، هل نقول: إن هذا يشترط له ما يشترط لرواة الأحكام؟ أو نقول: هذا داخل في السير ونتساهل في قبوله؟ مثل الحديث الذي معنا يعني هذا الأصل فيه أنه خبر عن وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وما حصل لكنه تضمن حكمًا من الأحكام إلا إذا تساهلوا في أحاديث السير فهل معناه أنهم يتساهلون بجميع ما يروى في كتب السيرة ولو تضمنت أحكامًا، أو أنه مقصور على مجرد الإخبار، تقبل الأخبار التي لا تتضمن أحكامًا ولو لم يشترط فيها رجال الأحكام؟ ويبقى أن ما تضمن حكمًا شرعيًّا يطلبه رجال الأحكام، يعني خصائص النبي -عليه الصلاة والسلام- على أساس أنها مجرد أخبار عارية عن الأحكام، المسألة هذه مهمة يا إخوان؛ لأن بعضهم يطلق التساهل في أحاديث السير والمغازي، أخبار السيرة يتساهلون فيها، ومنهم من يشدد فيطبق عليها قواعد أهل الحديث وإن كانت مجرد أخبار؛ ولذا تجدون من يصنف في صحيح السيرة يأتي بأخبار غير مترابطة فيها حلقات مفقودة؛ لأنه يقتصر على الصحيح ثم بينهما حلقة لا تنطبق عليها قواعد المحدثين يحذفها، وبعض الناس يشدد فيها نعم مجرد أخبار الحمد لله فيها سعة، نعم الأخبار التي تتضمن القدح في أحد لا بد من التثبت فيها.

لا تقبلن من التوارِخ كل ما     

 

جمع الرواة وخط كل بنانِ

هذه تثبت فيها؛ لأنه يذمون ويمدحون، تعرف المؤرخون هذا ديدنهم، فلا بد من التثبت في مثل هذا، الأخبار التي تساق للاعتبار وللتسلية وما أشبه ذلك، ولا تتضمن حكمًا شرعيًّا، عامة أهل العلم يتسامحون فيها، لكن إذا تضمنت حكمًا شرعيًّا؛ حلال وحرام وواجب، هذا لا بد من أن تطبق عليها القواعد وإلا كيف نفرق بين الأحكام والسِّير؟ وعلى هذا نقول في هذا الخبر: هل معنى هذا أنهم كانوا يجردون موتاهم فيغسل الميت متجردًا؟ الآن لو أتينا بميت في مغسلة أموات ونزعنا ثيابه، جئت بأبيك أو بأمك أو بأختك أو بزوجتك وجردوا ثيابها؛ اعتمادًا على هذا الخبر، وأنهم كانوا يجردون موتاهم، نعم؟

طالب:.......

أنت قد ترضاها مسألة نظرية، لكن تصور المسألة عملية قلت: هذا أبي وأريد أن أشارك في غسل أبي، ودخلت وإذا هم مجردون ثيابه، ما عليه شيء، نعم؟

طالب:.......

لكن هنا كما نجرد موتانا، يا أخي أنجرد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من ثيابه كما نجرد موتانا؟ نعم؟

طالب:......

لا هو إذا أطلق التجريد معروف ما هو التجريد؟

طالب:.......

سبق نقل الاتفاق، السنة المجتمع عليها، فيه كلام من عبد البر، الاتفاق موجود، لكن هذا الاتفاق يقدح في الحديث الذي ذكره ابن إسحاق، على كل حال مسألة العورة لا يجوز النظر إليها لا حي ولا ميت، لكن الكلام في مفهوم التجريد هنا، إذا اتفقنا على أنه لا يجوز النظر إلى عورة الحي ولا الميت فلا بد من حمل التجريد في هذا الخبر إن صح على أنه تجريد جزئي وليس بتجريد كلي، يعني ينزع القميص الذي يستر كامل البدن، ويبقى ما يستر العورة التي لا يجوز النظر إليها؛ ولذا السنة عند مالك وأبي حنيفة أن يجرد الميت ولا يغسل في قميصه، وقال الإمام الشافعي: يغسل في قميصه، هل مراد أبي حنيفة ومالك أنهم يجردون تجريدًا كاملاً مع ما نقل ابن عبد البر من الاتفاق على أنه لا يجوز النظر إلى عورة الميت كالحي؟ لا يظن بهم هذا.

"وحدثني عن مالك عن أيوب بن أبي تميمة السختياني عن محمد بن سيرين عن أم عطية الأنصارية" نسيبة بالتصغير، ويقال: نسيبة بالفتح، بنت كعب، ويقال: بنت الحارث "الأنصارية قالت : دخل علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين توفيت ابنته" والمشهور أنها زينب كما في صحيح مسلم، هذا هو المعروف أنها زينب، هذا في صحيح مسلم، زوج أبي العاص بن الربيع، وهي أكبر بنات النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكانت وفاتها في أول سنة ثمان، في سنن ابن ماجه عن أيوب عن بن سيرين بهذا الإسناد عن أم عطية قالت: دخل علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن نغسل ابنته أم كلثوم فقال... الحديث بلفظه، إلا أنها سميت في ابن ماجه أم كلثوم وسميت في مسلم زينب، والحديث -حديث ابن ماجه- على شرط الشيخين، فهل نقول: إن ما في الصحيح أصح، والبنت زينب؟ أو نقول: إن أم عطية حضرت غسل البنتين، وقد عرفت بتغسيل الأموات من النساء؟ وسند ابن ماجه صحيح على شرط الشيخين، ولا داعي لنوهم الرواة، والإسناد صحيح؟ أو نقول: إن ما في سنن ابن ماجه وهم والصحيح ما في صحيح مسلم لا سيما وأن اللفظ يوحي بأن القصة واحدة؟ يعني ما فيه أدني اختلاف يشم منه أن القصة واحدة، على كل حال كونها حضرت غسل البنتين قيل به، قال به بعض أهل العلم صيانة للرواة الثقات من الوهم، وليس ببعيد، لكن كون القصتين بلفظ واحد يدل على أن هناك شيء من البعد، بعضهم يقول: إنها رقية لا زينب ولا أم كلثوم، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- حضر موت وفاة رقية؟ نعم؟ كيف؟ في غزوة بدر، لم يحضرها -عليه الصلاة والسلام-.

"حين توفيت ابنته فقال: ((اغسلنها))" الأمر دليل من قال بوجوب تغسيل الميت ((اغسلنها)) ونقل النووي الإجماع على أن غسل الميت فرض كفاية، نقل الإجماع النووي على أن تغسيل الميت فرض كفاية، لكنه ذهول، ذهول شديد فإن الخلاف مشهور عند المالكية حتى أن القرطبي منهم ذكر أنه سنة، نعم الجمهور على أنه فرض كفاية ليس بفرض عين، معنى أن كل الأمة تشترك في تغسيل الميت، لا، هو فرض واجب ((اغسلنها)) الأمر فيه ثابت، لكنه لا على العيان إنما على الكفاية، والنووي -رحمه الله تعالى- متساهل كما هو معروف في نقل الإجماع، نقل الإجماع  في مسائل الخلاف فيها مشهور.

طالب:.......

لا، صاحب المفهم، شيخه أبو العباس.

((اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا)) أو هذه للتخيير أو للترتيب؟ ((اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر)) يعني سبعًا ((إن رأيتن ذلك)) يعني هل هذا مرده إلى الاختيار والتشهي أو الحاجة؟ إذًا ليس  للتخيير إنما هو للترتيب ((اغسلنها ثلاثًا)) إن كفت الثلاث بها ونعمت ((أو خمسًا)) إن لم تكفِ، إن كفت الخمس  بها ونعمت أو سبعًا إن لم تكفِ الثلاث فهو للترتيب.

طالب:.......

لا يزاد يقطع على وتر، بدليل أنه ما ذكر أربعًا، ما ذكر الأربع.

((إن رأيتن ذلك)) يعني إن رأيتن الحاجة داعية إلى ذلك، وليس مرد ذلك للتشهي والاختيار، قال ابن عبد البر: لا أعلم أحدًا قال بمجاوزة السبع، يعني ولو لم تكف السبع، ولو لم ينظف الميت بالسبع لا يزاد عليها، ((إن رأيتن ذلك بماءِ وسدر)) السدر جمع سدرة، وهو شجر النبق ((وجعلن في الآخرة كافورًا)) وهو نبت معروف طيب الريح ((كافورًا أو شيئًا من كافور)) أو هذه شك ((اجعلن في الآخرة كافورًا أو شيئًا من كافور)) لتطيب الرائحة، وتصليب البشرة، وطرد الهوام كما يقول أهل العلم؛ ولذا قال: ((اجعلن في الآخرة كافورًا)) لأنه لو كان في الأولى لذهبت ببقية الغسلات، على كال حال كافورًا ماذا تعني؟ كافورًا اجعلن نكرة في سياق الأمر، ماذا تقتضي النكرة في سياق الأمر؟ يعني النكرة هذه تصدق في أي جزء منه، فالكافور بهذا السياق أو شيء من الكافور لا فرق بينهما، إذًا أو هذه للشك ((فإذا فرغتن)) يعني من غسلها  ((فآذنني)) أعلمنني "قالت: فلما فرغنا أذناه" أعلمناه "فأعطانا حقوة" حقوة بفتح الحاء، وكسرها لغة هذيل، والأصل في الحقو معقد الإزار من البدن، الموضع الذي يعقد فيه الإزار من البدن، ويطلق هنا ويراد به الإزار، الإزار نفسه "فأعطانا حقوة فقال: ((أشعرناه إياه))" يعني اجعلنه شعارًا، والشعار الذي يقابل الدثار، الشعار الذي يلي شعر البدن مباشرة، فهو الذي يباشر الجسد، ومن فضائل الأنصار النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((الأنصار شعار)) يعني هم الذين بلون شعري وجلدي، يعني هم أقرب الناس إلي، ((أشعرنا إياه)) تعني بحقوة إزاره، نقول: هل يأخذ من إعطاء النبي -صلى الله عليه وسلم- حقوة لأم عطية لإشعاره ابتنه جواز التبرك بآثار الصالحين كما ذكر الزرقاني؟ هذا ذكره جل الشّراح، لكنه خاص بمن جعل الله فيه البركة، وهو النبي -عليه الصلاة والسلام-، أما غيره فلا؛ ولذا لا يعرف من خيار هذه الأمة أنهم فعلوه، لا أبو بكر ولا عمر ولا ابن عمر ولا أحد، ما فعلوا هذا، فدل على الخصوصية، خاص بمن جعل الله فيه البركة وهو النبي -عليه الصلاة والسلام-، والله أعلم.

 

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.