كتاب الجنايات من سبل السلام (3)
نعم.
"أحسن الله إليك، قال في البلوغ وشرحه في كتاب الجنايات في الحديث الثاني عشر:
"وَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الرُّبَيِّعَ بِضَمِّ الرَّاءِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْمَفْتُوحَةِ فَمُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ مُشَدَّدَةٍ مَكْسُورَةٍ أُخْتَ أَنَسٍ بِنْتِ النَّضْرِ عَمَّتَهُ أَيْ عَمَّةَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَهِيَ غَيْرُ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ، وَوَقَعَ فِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ بِنْتُ مُعَوِّذٍ، قَالَ: الْمُصَنِّفُ وهو غَلَطٌ".
المصنف يراد به مصنف الأصل البلوغ الحافظ ابن حجر -رحمه الله-.
"«كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ» أَيْ شَابَّةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ كَمَا فِي رِوَايَةٍ".
لا، جارية يعني مملوكة، إنما صغيرة من بنات الأنصار وفيها القصاص، ولو كانت مملوكة لما كان هناك قصاص.
"«فَطَلَبُوا» أَيْ قَرَابَةُ الرُّبَيِّعِ «إلَيْهَا» أَيْ إلَى الْجَارِيَةِ الْعَفْوَ فَأَبَوْا، فَعَرَضُوا الْأَرْشَ فَأَبَوْا، فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَبَوْا إلَّا الْقِصَاصَ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْقِصَاصِ، فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبَيِّعِ؟ لَا، وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ لَا تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا أَنَسُ كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ» فَرَضِيَ الْقَوْمُ فَعَفَوْا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «إنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ".
ومثل هذا التصرف حقيقة قد يخفى أمره على كثير من طلاب العلم؛ لأن الحلف هذا والقسم على ألا تُكسَر، ولا يُقتص من الجاني، والله لا تُكسر ثنية الرُبيِّع، بعض الناس يفهم منه أنه اعتراض على الحكم الشرعي، ما يمكن أن يكون اعتراضًا على الحكم الشرعي، أو هو إقسامٌ على الله -جل وعلا- بما عرفه الإنسان من نفسه من معاملة بينه وبين ربه يطمع في إجابته، وعدم حنثه في يمينةز
نعم من الناس من لو أقسم على الله لأبره، يعني أصلح الناس وأتقاهم وأورعهم لو وقع في مأزق فهل يسوغ له أن يجرب عمله، ويجرب إخلاصه، أو نقول: هذا فيه تزكية للنفس؟ مثل هذه الأماكن تضيق فيها الأنظار؛ لأن فيها نصوصًا قد تلتبس على بعض أو على كثير من طلاب العلم، يعني حينما حلفت ألا تُكسر تخبر أو تنشيء؟ هي تخبر عما سيكون، أو أنها تعبر عن رفضها للحكم تؤكد الرفض باليمين؟ يعني إذا قال الولد لوالده: أعطني كذا، قال: والله لا أعطيك، هذا يؤكد الرفض باليمي،ن ومثل هذا لا يمكن أن يحصل من هذا الصحابي، والله لا تُكسر، والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها، يعني هل هو رفض مؤكد باليمين أو إقسامٌ على الله ألا تُكسر؟
لأنه قد يلتبس.
طالب: .......
على ماذا؟
طالب: .......
في الكلام في بدايته قبل أن يُطلع على حقيقة الحال، المعاملة معاملة الظاهر، ولذلك قال له: «يا أنس، كتاب الله القصاص»، تقسم أو ما تقسم ما فيه إلا القصاص، هذا الحكم الظاهر والتعامل يجب أن يكون على هذا الأساس، لكن إذا عفوا تبين أن الله -جل وعلا- أبرّ المقسِم، وإلا فالمسألة فيها مشادة، يعني لو جاء الإنسان يطلب بلين وخضوع، يطلب من المجني عليه أن يتنازل، وهذه حال النازل كلهم، أما أن يقسم والله ما تكسر فيقسم الثاني والله لتكسر، مثل هذا الموقف يدعو إلى شيء من الإصرار والعناد، لكن ما الذي حصل؟ أصروا، ورفضوا العفو، ورفضوا الأرش، الدية، ثم أقسم ومع ذلك تنازلوا، هذا يدل على أن الأمر من عندهم أم من عند الله -جل وعلا-؟
من عند الله -جل وعلا-، ولذلك قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره»، لكن ينبغي أنه .. الآن هل الأفضل للإنسان أن يمتحن عمله؟ الناس الآن جالسون، مجموعة جالسة فقال واحد منهم: اللهم إن كنت تعلم، إن كنت أتعلم أني مخلص في عملي فاقبضني الآن، ما مصلحته من هذا الكلام؟ ما قُبِض، الناس ماذا يجول بخاطرهم في هذا الوقت؟ أكيد أنه غير مخلص، ما الذي يستفيده من مثل هذا الكلام؟
الإنسان ليس عليه أن يقحم نفسه في ابتلاء، في محنة، في اختبار، لكن مثل هذا إذا حصلت حصلت ضائقة، فإما أن يتوسل بعمله الصالح، وإما أن يقسم لا سيما إذا كان الأمر ليس من مصلحته هو، يعني داعية من الدعاة ذهب إلى بلدٍ أهله كفار، فدعاهم إلى الإسلام فقالوا: بيننا وبينك المطر، نحن في جدب منذ سنين، استسقِ ربك إن سقانا أسلمنا، يعني ماذا عما لو استسقى فلم يسقوا؟ ماذا تصير النتيجة؟ عكسية، تصير النتيجة عكسية. فالحقيقة إقحام النفس في مثل هذه الأمور فيه ما فيه، يحتاج إلى يقين صادق، معاملة مع الله -جل وعلا- لم يطلع عليها أحد؛ لأنها هي التي تنفع في المضائق، والله المستعان.
طالب:...
هذه الغيرة، هذه الغيرة، هذا سببه الغيرة، ما يُنكر عليه، لا، ليس اعتراضًا على الحكم.
"قال: فِيهِ مَسَائِلُ:
الْأُولَى: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الِاقْتِصَاصِ فِي السِّنِّ، فَإِنْ كَانَتْ بِكَمَالِهَا، فَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} [المائدة: 45]، وَقَدْ ثَبَتَ الْإِجْمَاعُ عَلَى قَلْعِ السِّنِّ بِالسِّنِّ بالْعَمْدِ. وَأَمَّا كَسْرُ السِّنِّ، فَقَدْ دَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى الْقِصَاصِ فِيهِ أَيْضًا، قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَذَلِكَ إذَا عُرِفَتْ الْمُمَاثَلَةُ وَأَمْكَنَ ذَلِكَ مِنْ دُونِ سِرَايَةٍ إلَى غَيْرِ الْوَاجِبِ، قَالَ أَبُو دَاوُد: قُلْت لِأَحْمَدَ - يُرِيدُ ابْنَ حَنْبَلٍ - كَيْفَ فِي السِّنِّ؟ قَالَ تُبْرَدُ أَيْ يُبْرَدُ مِنْ سِنِّ الْجَانِي بِقَدْرِ مَا كُسِرَ مِنْ سِنِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ".
يعني لو عومل بمثل ما فعل بالكسر لا يمكن أن ينضبط، ما يمكن أن يكسر من السن بقدر ما كسر.
"قال بعضهم: الْحَدِيثَ مَحْمُولٌ عَلَى الْقَلْعِ، وَأَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: كسرَتْ قلَعتْ، وَهُوَ بَعِيدٌ.
وَأَمَّا الْعَظْمُ غَيْرُ السِّنِّ، فَقَدْ قَامَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِي الْعَظْمِ الَّذِي يُخَافُ مِنْهُ ذَهَابُ النَّفْسِ إذَا لَمْ تَتَأَتَّ فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ بِأَنْ لَا يُوقَفَ عَلَى قَدْرِ الذَّاهِبِ، وَقَالَ اللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ وَالْحَنَفِيَّةُ: لَا قِصَاصَ فِي الْعَظْمِ غَيْر السِّنِّ؛ لِأَنَّ دُونَ الْعَظْمِ حَائِلًا مِنْ جِلْدٍ وَلَحْمٍ وَعَصَبٍ فَيَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْمُمَاثَلَةُ، فَلَوْ أَمْكَنَتْ لَزم بِالْقِصَاصِ، وَلَكِنْ لَا نَصِلُ إلَى الْعَظْمِ حَتَّى يَنَالَه مَا دُونَهُ مِمَّا لَا يُعْرَفُ قَدْرُهُ".
حتى ننال. فلو أمكنت لحكمنا بالقصاص، هناك فروق بينها.
طالب: في الحاشية: كذا، ولعلها ننال.
ماذا؟
طالب: في الحاشية قال: كذا، ولعلها ننال، فيعني لا نصير للعظم حتى ننال.
ننال ننال نعم، هذا الذي عندنا.
"المسألة الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: "أَتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبَيِّعِ" ظَاهِرُ الِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارُ، وَقَدْ تُؤُوّلَ بِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْحُكْمَ وَالْمُعَارَضَةَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ أَنْ يُؤَكِّدَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَلَبَ الشَّفَاعَةِ مِنْهُمْ، وَأَكَّدَ طَلَبَهُ مِنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْقَسَمِ، وَقِيلَ: بَلْ قَالَهُ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْقِصَاصَ حَتْمٌ وَظَنَّ أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدِّيَةِ، أَوْ الْعَفْوِ وَيُرْشِدُ إلَيْهِ قَوْلُهُ فِي جَوَابِهِ: «يَا أَنَسُ كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ»، وَقِيلَ: إنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْإِنْكَارَ، بَلْ قَالَهُ تَوَقُّعًا وَرَجَاءً مِنْ فَضْلِ اللَّهِ أَنْ يُلْهِمَ الْخُصُومَ الرِّضَا حَتَّى يَعْفُوا، أَوْ يَقْبَلُوا الْأَرْشَ، وَقَدْ وَقَعَ الْأَمْرُ عَلَى مَا أَرَادَ.
وَفِي إلْهَامِهِمْ الْعَفْوَ وفِي تَقْدريرِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْحَلِفِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الْحَلِفُ فِيمَا يُظَنُّ وُقُوعُهُ".
نعم الحلف على غلبة الظن، الحلف على غلبة الظن، كقول المجامع في نهار رمضان: والله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر من بيتنا، يعني هل عرف ذلك بالاستقراء، وتتبع تام للبيوت بأن بحث فيها، ووجد أنه لا يوجد أفقر منهم، أو أن ذلك غلب على ظنه؟ أهل العلم يقولون: هذا غلبة ظن، والحلف على غلبة الظن جائز.
"المسألة الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ» الْمَشْهُور فيهُ الرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ، وَيَجُوزُ النَّصْبُ فِي الْأَوَّلِ عَلَى الْمَصْدَرِ، وَفِعْلُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ كَتَبَ كِتَابَ اللَّهِ. وَفِي الثَّانِي عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ لِلْكِتَابِ أَوْ لِلْفِعْلِ الْمُقَدَّرِ وَيَحْتَمِلُ وُجُوهًا أُخَرَ قِيلَ: أَرَادَ بِالْكِتَابِ الْحُكْمَ أَيْ حُكْمُ اللَّهِ الْقِصَاصُ".
حكم الله القصاص.
"أَيْ حُكْمُ اللَّهِ الْقِصَاصُ وَقِيل: أَشَارَ إلَى قَوْله تَعَالَى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45]، أَوْ إلَى: {فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126]، أَوْ إلَى: {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} [المائدة: 45]. وَفِي قَوْلِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ» إلَى آخِرِهِ تَعَجُّبٌ مِنْهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِوُقُوعِ مِثْلِ هَذَا مِنْ حَلِفِ أَنَسٍ عَلَى نَفْيِ فِعْلِ الْغَيْرِ، وَإِصْرَارِ الْغَيْرِ عَلَى إيقَاعِ ذَلِكَ الْفِعْلِ، وَكَانَ قَضِيَّةُ ذلك في الْعَادَةِ أَنْ يَحْنَثَ فِي يَمِينِهِ، فَأَلْهَمَ اللَّهُ تَعَالَى الْغَيْرَ الْعَفْوَ، فَبَرَّ قَسَمَ أَنَسٍ، وَأَنَّ هَذَا الِاتِّفَاقَ وَاقعٌ إكْرَامًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَسٍ لِيَبَرَّ فِي يَمِينِهِ، وَأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ عِبَادِ اللَّهِ الَّذِي يُعْطِيهِمْ اللَّهُ تَعَالَى أَرَبَهُمْ، وَيُجِيبُ دُعَاءَهُمْ.
وَفِيهِ جَوَازُ الثَّنَاءِ عَلَى مَنْ وَقَعَ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ عِنْدَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ عَلَيْهِ".
وفي قوله: «إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره» لا شك أن هذا أسلوب مدح وثناء على هذا الذي أقسم برّ الله قسمه، لكن هذا حينما تؤمن الفتنة عليه.
"وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ قُتِلَ فِي عِميًّا»".
عِمِيّا.
"«مَنْ قُتِلَ فِي عِمِّيّا» بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ وِالْقَصْرِ فعِّيلَى مِنْ الْعَمَاءِ".
فِعِّيلَى.
"فعِّيلَى مِنْ الْعَمَاء، وَقَوْلُهُ: أَوْ رِمِّيًّا".
رِمِّيًّا مثلها.
"أَوْ رِمِّيًّا بِزِنَته مَصْدَرٍ يُرَادُ بِهِ الْمُبَالَغَةُ «بِحَجَرٍ، أَوْ سَوْطٍ، أَوْ عَصًا فَعَلَيْهِ عَقْلُ الْخَطَإِ، وَمَنْ قُتِلَ عَمْدًا، فَهُوَ قَوَدٌ، وَمَنْ حَالَ دُونَهُ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ». أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ.
قَالَ فِي النِّهَايَةِ فِي تَفْسِيرِ اللَّفْظَيْنِ: الْمَعْنَى أَنْ يُوجَدَ بَيْنَهُمْ قَتِيلٌ يُعْمَّى أَمْرُهُ، وَلَا يَتَبَيَّنُ قَاتِلُهُ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ قَتِيلِ الْخَطَإِ تَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ.
الْحَدِيثُ فِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْأُولَى: أَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يُعْرَفْ قَاتِلُهُ، فَإِنَّهَا تَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ، وَتَكُونُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، فظَاهِرُهُ مِنْ غَيْرِ أَيْمَانِ قَسَامَةٍ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَتْ الْهَادَوِيَّةُ: إنْ كَانَ الْحَاضِرُونَ الَّذِينَ وَقَعَ بَيْنَهُمْ الْقَتْلُ مُنْحَصِرِينَ لَزِمَتْ الْقَسَامَةُ، وَجَرَى فِيهَا حُكْمُهَا مِنْ الْأَيْمَانِ وَالدِّيَةِ، وَإِنْ كَانُوا غَيْرَ مُنْحَصِرِينَ لَزِمَتْ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وقَالَ الْخَطَّابِيُّ اُخْتُلِفَ هَلْ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ لَا".
يعني كما ودى النبي -عليه الصلاة والسلام- عبد الرحمن بن سهل حينما وُجد قتيلاً بين اليهود.
طالب:...
الهادوية فرقة من فرق الزيدية، وعلى وقت المؤلف هم غالب سكان اليمن، على عهد المؤلف، لكنهم الآن قلّ عددهم.
طالب:...
لا لا، ما يلزم إذا وجد لوث، يعني قرينة تدل على أنهم مظنة لأن يقتلوه بأن وجدت عداوة سابقة بينه وبينهم وإلا فما عليهم منه. إذا وجد لوث، اليهود مظنة لأن يقتلوا المسلم إذا تفردوا به في عداوة.
"قَالَ إِسْحَاقُ بِالْوُجُوبِ وَتَوْجِيهُهُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى أَنَّهُ مُسْلِمٌ مَاتَ بِفِعْلِ قَوْمٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَوَجَبَتْ دِيَتُهُ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَذَهَبَ الْحَسَنُ إلَى أَنَّ دِيَتَهُ تَجِبُ عَلَى جَمِيعِ مَنْ حضر؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مَاتَ بِفِعْلِهِمْ، فَلَا تَتَعَدَّاهُمْ إلَى غَيْرِهِمْ، وَقَالَ مَالِكٌ إنَّهُ يُهْدَرُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ قَاتِلُهُ بِعَيْنِهِ اسْتَحَالَ أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ أَحَدٌ. وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ إنَّهُ يُقَالُ لِوَلِيِّهِ: اُدْعُ عَلَى مَنْ شِئْت، وَاحْلِفْ، فَإِنْ حَلَفَ اسْتَحَقَّ الدِّيَةَ، وَإِنْ نَكَلَ حلفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى النَّفْيِ، وَسَقَطَتْ الْمُطَالَبَةُ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الدَّمَ لَا يَجِبُ إلَّا بِالطَّلَبِ.
وَإِذَا عَرَفْت هَذَا الِاخْتِلَافَ وَعَدَمَ الْمُسْتَنَدِ الْقَوِيِّ فِي أَيِّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ، وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ سَنَدَ الْحَدِيثِ قَوِيٌّ، كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، عَلِمْت أَنَّ الْقَوْلَ بِهِ أَقوى الْأَقْوَالِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي قَوْلِهِ: «وَمَنْ قُتِلَ عَمْدًا، فَهُوَ قَوَدٌ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الَّذِي".
خلاصة القول الأخير الذي رجحه المؤلف قال مالك: إنه يهدر؛ لأنه إذا لم يوجد قاتله بعينه استحال أن يؤخذ به أحد، وللشافعي قول أن يقال لوليه: ادع على من شئت، ادع على من شئت، وليس هذا معنى أنه يجوز له أن يدعي على من شاء فيبهت به مسلمًا، لا يجوز له ذلك، إلا إذا وُجدت قرينة أو غلبة ظن أو بينة لا يثبت بها الحكم، أو بعلمه مثلاً أن هذا هو القاتل يدعي عليه، ولو لم تكن البينة تامة يثبت بها الحكم، وقال مالك، وللشافعي قول أنه يقال لوليه: ادع على من شئت واحلفن، فإن حلف استحق الدية، وإن نكل حلف المدعى عليه، حلف المدعى عليه، الأصل أن عليه هو البينة، لكن المسألة مفترضة فيما لا بينة فيه، يعني قاعدة الدعاوى أن تُرد اليمين على المدعى عليه، فإن نكل أُعيدت على المُدعي هذا ما يُعرف بردّ اليمين، بردّ اليمين، وردّ اليمين أمر مختلف فيه عند أهل العلم، فإن حلف استحق الدية، وإن نكل حلف المدعى عليه.
طيب لو حلف المُدعي وقال المدعى عليه: أنا أحلف أيضًا، والأصل أن اليمين إنما تتجه على المدعى عليه، لا على المدعي، يعني جادة الدعاوى المبنية على الأصول الشرعية أن البينة على المدعي. أنت ادعيت على فلان، هات بينتك، إن جاء بالبينة وإلا قيل للمدعى عليه: احلف. اليمين على من أنكر، إن حلف برأ، وإن لم يحلف تُرد على المدعي، لا أنه يُبدأ بالمدعي فتكون اليمين بمثابة البينة، وإن نكل حلف المدعى عليه على النفي، وسقطت المطالبة، وذلك أن الدم لا يجب إلا بالطلب.
"وَإِذَا عَرَفْت هَذَا الِاخْتِلَافَ وَعَدَمَ الْمُسْتَنَدِ الْقَوِيِّ فِي أَيِّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ، وَعَرَفْتَ أَنَّ سَنَدَ الْحَدِيثِ قَوِيٌّ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ عَلِمْت أَنَّ الْقَوْلَ بِهِ أولى الْأَقْوَالِ" يعني قُتل، ولا يُعرف قاتله في عمِّية أو رمية فعقله عقل الخطأ، ومن قتل عمدًا فهو قود، ومن حال دونه فعليه لعنة الله، قتل عمدًا لا مسألة عِميّة، خطأ عليه فيه الدية والكفارة، كما هو معلوم، ومن قُتِل عمدًا فهو قود، هل هو تفسير لما ذُكر من عميِّة أو رميّة أو كلام مستأنف؟
طالب: كلام مستأنف.
يقول: «مَنْ قُتِلَ فِي عِمِّيّة أَوْ رمْية بِحَجَرٍ، أَوْ سَوْطٍ، أَوْ عَصًا، فَعَقْلُهُ عَقْلُ الْخَطَإِ» تفريعية على الكلام السابق، «وَمَنْ قُتِلَ عَمْدًا، فَهُوَ قَوَدٌ».
طالب: استئناف يا شيخ.
نعم، ومن قتل الواو استئنافية فهو قود، يعني لا ارتباط له في العمية أو الرمية؛ لأننا لا نعرف القاتل لنعرف هل أخطأ هل قتله خطأً أو عمدًا.
"الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي قَوْلِهِ: «وَمَنْ قُتِلَ عَمْدًا، فَهُوَ قَوَدٌ»، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الَّذِي يُوجِبُهُ الْقَتْلُ".
على أنه على مقتضى الحديث.
طالب:...
وإذا لم يعرف القاتل فلا بد أن يكون من بيت المال.
"الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي قَوْلِهِ: «وَمَنْ قُتِلَ عَمْدًا، فَهُوَ قَوَدٌ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الَّذِي يُوجِبُهُ الْقَتْلُ عَمْدًا هُوَ الْقَوَدُ عَيْنًا.
وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّهُ يَجِبُ الْقَوَدُ عَيْنًا، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجَمَاعَةٌ، وَيَدُلُّ لَهُ قَوْله تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} [البقرة: 178]، وَحَدِيثُ: «كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ» قَالُوا: وَأَمَّا الدِّيَةُ، فَلَا تَجِبُ إلَّا إذَا رَضِيَ الْجَانِي، وَلَا يُجْبَرُ الْجَانِي عَلَى تَسْلِيمِهَا".
يعني قُتل شخص عمدًا، فالنفس بالنفس، الأصل القصاص، لكن إذا تنازل أولياء المقتول عن القصاص إلى الدية فهل يُلزم القاتل بدفع الدية، أو لا يلزم؟ يقول: يلزمني القصاص اقتلوني، أنا ما عندي استعداد أدفع مالًا، اقتلوني، يُلزم بدفع الدية أو لا يُلزم؟
يقول: في قوله: «وَمَنْ قُتِلَ عَمْدًا، فَهُوَ قَوَدٌ» "دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الَّذِي يُوجِبُهُ الْقَتْلُ عَمْدًا هُوَ الْقَوَدُ عَيْنًا" ما فيه بديل، وفي المسألة قولان: الْأَوَّلُ: "أَنَّهُ يَجِبُ الْقَوَدُ عَيْنًا، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجَمَاعَةٌ، وَيَدُلُّ لَهُ قَوْله تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} [البقرة: 178]، وَحَدِيثُ: «كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ» قَالُوا: وَأَمَّا الدِّيَةُ، فَلَا تَجِبُ إلَّا إذَا رَضِيَ الْجَانِي" ببذلها، إذا رضي، إذا لم يرض فما فيه إلا القود أو العفو، "وَلَا يُجْبَرُ الْجَانِي عَلَى تَسْلِيمِهَا". والقول الثاني؟
"القول َالثَّانِي لِلْهَادَوِيَّةِ وَأَحْمَدَ وَمَالِكٍ وَغَيْرِهِمْ وَقَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَجِبُ بِالْقَتْلِ عَمْدًا أَحَدُ أَمْرَيْنِ الْقِصَاصُ، أَوْ الدِّيَةُ؛ لِقَوْلِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ، فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إمَّا أَنْ يقِيدَ وَإِمَّا أَنْ يدي». أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمْ.
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْحَدِيثِ أَنَّ وَلِيَّ الْمَقْتُولِ مُخَيَّرٌ بِشَرْطِ أَنْ يَرْضَى الْجَانِي أَنْ يَغْرَمَ الدِّيَةَ، قَالُوا: وَفِي هَذَا التَّأْوِيلِ جَمْعٌ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ.
قُلْنَا: الِاقْتِصَارُ فِي الْآيَةِ وَفِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ عَلَى بَعْضٍ مَا يَجِبُ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ غَيْرُهُ مِمَّا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِهِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنْ أُصِيبَ بِدَمٍ، أَوْ خَبْلٍ – وَالْخَبْلُ الجرح".
جراح جراح، نعم.
"«وَالْخَبْلُ الْجِرَاحُ- فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ إحْدَى ثَلَاثٍ: إمَّا أَنْ يَقْتَصَّ، أَوْ يَأْخُذَ الْعَقْلَ، أَوْ يَعْفُوَ، فَإِنْ أَرَادَ الرَّابِعَةَ فَخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ، فَإِنْ قَبِلَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ عَدَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَهُ النَّارَ».
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- عَنْ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إذَا أَمْسَكَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ وَقَتَلَهُ الْآخَرُ يُقْتَلُ الَّذِي قَتَلَ، وَيُحْبَسُ الَّذِي أَمْسَكَ». رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مَوْصُولاً، وَمُرْسَلاً".
لأن كل واحد منهما يعاقب بمثل ما فعل، قاتل يُقتل، والممسك يُمسَك، والممسك يُمسك، ولكن الحديث فيه مقال، وكلاهما اشترك في قتله، فلولا الإمساك لما حصل القتل، فهو شريكٌ في القتل، فكلاهما يُقتل به.
طالب:...
نعم.
طالب:...
قود أو العفو.
طالب:...
القول الثاني القود أو الدية.
"رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مَوْصُولاً وَمُرْسَلاً وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ إلَّا أَنَّ الْبَيْهَقِيَّ رَجَّحَ الْمُرْسَلَ، قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي الْإِرْشَادِ: وَهَذَا الْإِسْنَادُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. قُلْت: إشَارَةٌ إلَى إسْنَادِ الدَّارَقُطْنِيِّ، فَإِنَّهُ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي دَاوُد الْحَفْرِيِّ عَنْ الثَّوْرِيِّ".
الحفَري، عندك؟
طالب: .......
مضبوط؟
طالب: عندي الحفْري يا شيخ.
مُسكنة؟
طالب: بدون تشكيل.
ماذا عندكم؟
طالب: .......
ماذا؟
طالب:...
حَفَري، حَفَري نعم.
"مِنْ حَدِيثِ أَبِي دَاوُد الْحَفَرِيِّ عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. .. الْحَدِيثَ، ثُمَّ قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: مَا رَوَاهُ غَيرَ أَبِي دَاوُد".
غيرُ أبي داود.
"ما رواه غيرُ أبي داود الْحَفَرِيِّ عَنْ الثَّوْرِيِّ وَغَيْرُهُ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ مُرْسَلاً، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، ثم قال ابن كثير: وهو كما قال، الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْمُمْسِكِ سِوَى حَبْسِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ قَدْرَ مُدَّتِهِ فَهِيَ رَاجِعَةٌ إلَى نَظَرِ الْحَاكِمِ، وَأَنَّ الْقَوَدَ، أَوْ الدِّيَةَ عَلَى الْقَاتِلِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ لِلْحَدِيثِ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194].
وَذَهَبَ مَالِكٌ وَالنَّخَعِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى إلَى أَنَّهُمَا يُقْتَلَانِ جَمِيعًا؛ إذْ هُمَا مُشْتَرِكَانِ فِي قَتْلِهِ، فَإِنَّهُ لَوْلَا الْإِمْسَاكُ مَا قُتِلَ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ النَّصَّ مَنَعَ الْإِلْحَاقَ، فَإِنَّ حُكْمَ ذَلِكَ حُكْمُ الْحَافِرِ لِلْبِئْرِ وَالْمُرْدِي إلَيْهَا، فَإِنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْمُرْدِي دُونَ الْحَافِرِ اتِّفَاقًا، وَلَكِنَّ الْحَدِيثَ السادس عشر لِلْأَوَّلِينَ".
دليلٌ. دليل للأولين.
"ولكن الحديث السادس عشر دليل للأولين كما سيأتي".
فرق بين المسألتين، هذا أمسكه حتى قُتِل، أمسكه حتى قُتِل، فهو مباشرٌ لشيء مؤثر في القتل، في وقته، بخلاف من حفر بئرًا، وتسبب في سقوط أحدٍ فيها، ثم جاء من يباشر الإسقاط، جاء من يباشر، والمباشرة تقضي على أثر التسبب.
لو قُدِّر أن شخصًا حفر بئرًا في طريق الناس، وغطاها بما لا يمنع من الوقوع فيها، وضع عليها من الورق المقوى ما لا يستطيع حمل الإنسان، وذرّ عليها شيئًا من التراب، قاتل أم ليس بقاتل؟ طالب: .......
قاتل وقاصد للقتل هذا، لكن من حفر بئرًا، ووضع عليها علامات؛ لئلا يُسقَط فيها، ووضع كافة الاحتياطات، ثم جاء شخص فدفع فيها شخصًا آخر، فالقاتل هو الذي دفع، القاتل هو الذي دفع، يرِد هذا كثيرًا في حوادث السيارات بأن يأتي صاحب سيارة مسرعة، ثم بعد ذلك يأتي من الشباب الذين أثرت فيهم النِعم والفراغ والجِدَة مع السِن، يدفع بعضهم بعضًا من باب المزح، وبعضهم يقولون: يهوِّز بالسيارة، يميل السيارة يمينًا وشمالًا على الناس، وحصل من ذلك كوارث، هذا ما قصد القتل، وإنما قصد التهويز، ومثله ما قصد الدفع إلى السيارة، وإنما قصد الإخافة، لكنه قاتل، قاتل.
يعني من القضايا التي حصلت في حوادث السيارات أنه هنا على طريق الخرج قبل كم سنة حصل حادث سيارة، شخص من الركاب أصيب بشيءٍ من التعب، وقالوا: نرجع به إلى الرياض بدل ما يروح إلى الخرج وفي ذهابه من الخرج يُرجع به إلى الرياض إلى المستشفى؛ من أجل أن يُكشف عليه، حمله اثنان من المحسنين إلى الطريق الراجع؛ من أجل أن يكون أيسر لوقوف سيارة ترجع تذهب إلى الرياض؛ لأن الطريق الذاهب صعب أن يُحمل شخص يذهب إلى الخرج ليس بذاهب للرياض، لكن شخصًا جاءٍ من الخرج للرياض ممكن، سهل، حملاه، فجاءت سيارة مسرعة فألقياه، فدهسته السيارة، يعني هربا بأنفسهما، الرجل ما فيه إلا شيء من الإرهاق، يعني قد لا يحتاج إلى شيء من الإسعاف أصلاً، يحتاج إلى راحة، ويحتاج إلى كذا. فماذا عليهما؟ يعني بدل أن تدهس السيارة الثلاثة قالوا: ينجون، ودهسته ومات.
طالب:...
ماذا؟
طالب:...
الدية ما فيها إشكال، لكن هل الدية عليهما أو على صاحب السيارة؟
طالب:...
ماذا؟
طالب:...
لا، هما تركاه رعايةً لسلامتهما، هو الأصل الباعث لحمله رعاية مصلحته هو، ثم بعد ذلك تركاه ليدهس؛ رعاية لسلامتهما، وهل يجوز للإنسان أن يفدي نفسه بغيره؟
طالب:...
لا يجوز، لا يجوز أن يفدي، لكن الآن لو لم يتركاه لدُهِس الثلاثة، هذا الغالب على الظن.
طالب:...
ما يدريك أنهم لو ما تركوه نجوا، احتمال، يعني المسألة قد يكون من هول الموقف تركاه، يمكن، هيا يا شيخ محمد، سمعت المسألة؟
طالب:...
نعم.
طالب:...
طالب ومطلوب، طالب ومطلوب.
هذه مسألة واقعة، حصل حادث، يعني الركاب ثلاثة، اثنان ما فيهما شيء، الثالث كأنه أصيب بشيء من الدوخة والتعب فوقف اثنان من المحسنين وقالوا: نذهب به للرياض، يعني يمكن مستشفيات الرياض يوجد فيها ما يسعفه بسرعة، جاءت سيارة مسرعة، وغلب على ظنهم أنهم يتلفون هم وإياه، فألقوه وهربوا، نجوا بأنفسهم، فهل القاتل صاحب السيارة أو القاتل من ألقاه في طريق السيارة؟
لا شك أن المباشِر صاحب السيارة، وهذان متسببان، وبسببٍ قريبٍ من المباشرة، بسبب قريب جدًّا من المباشرة، قد يكون المباشِر لا دخل له في القضية، يعني أقبلت سيارة مسرعة السرعة المسموح بها، ثم جاء شخص فدفع آخر، الدافع متسبب، لكنه تسبب قريب من المباشرة.
يعني المثال الذي يمثلون به في هذا الباب لو أن رجلاً ألقى آخر من شاهق يغلب على الظن أنه يموت به، بهذا الإلقاء، فتلقاه شخص بسيف فقتله قبل أن يصل إلى الأرض، قالوا: القاتل صاحب السيف، وذاك متسبب؛ لأنه احتمال أن ينجو، لكن في صورتنا التي معنا ومثلها لو دفعاه إلى السيارة، وهذا يحصل في المزح بين الشباب، إذا أقبلت سيارة دفعوا واحدًا منهم، المزح من النوع الثقيل هذا، بعض الناس يرتبك من شدة الموقف، ويقصد هذا الشخص، لا يستطيع أن يتصرف تصرفًا سليمًا، فهذه لا بد فيها من الاجتهاد في وقته، والنظر التام في كل قضية بعينها، لكن مسألتنا واضحة، مسألة الإسعاف.
طالب:...
الذين تردوا في البئر؟
طالب: .......
ستجيء.
ماذا عند الشيخ؟
طالب: .......
ماذا تقولون؟
طالب:...
نعم، تخلي، لو خلوه على الرصيف.
طالب:...
هو اجتهد.
طالب:...
لكن يمكن أنه اجتهد قال: أخف الضررين، هو أسهل منهما.
طالب:...
وينظر أيضًا في السرعة، السرعة إذا كانت في حدود المتاح فهو قد يسلم، وإذا كانت سرعته زائدة فهذا أيضًا له حكم.
طالب:...
والتفريط أيضًا، التفريط إذا أمكنه تلافي الحادث.
طالب:...
منتصف.
طالب:...
هما وقفا في منتصف الطريق الذي فيه السيارات.
طالب: هذا خطأ ظاهر.
طالب: متى الوقت؟
العصر. العصر. مثل هذا الوقت، الرؤية واضحة، يعني غير طريق مسألة ما بين الأحساء وجهة ثانية، ما تذكرون مسألة شخص يمشي مئة وستين، في خطٍ واحد مزدوج للرائح والجاي، وفي ليل، فاصطدم بدابة، ببعير، فمات معه أناس، هو متعدٍّ بلا شك، ومفرط، وتجاوز الحد، وصاحب الدابة أيضًا عليه حمايتها بالليل، فالخطأ مشترك بينهما، وهذه القصة قد تكون من المشترك.
"وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ، بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ اللَّامِ ضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ، فَلَا يُحْتَجُّ بِمَا انْفَرَدَ بِهِ إذَا وُصِلَ فَكَيْفَ إذَا أُرْسِلَ فَكَيْفَ إذَا خَالَفَ".
ضعفه جماعة، والجمهور على تضعيفه.
"وَفِيهِ إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي لَيْلَى ضَعِيفٌ أَنَّ «النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَتَلَ مُسْلِمًا بِمُعَاهَدٍ، وَقَالَ: أَنَا أَوْلَى مَنْ وَفَى بِذِمَّتِهِ». أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ هَكَذَا مُرْسَلاً، وَصَلَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِذِكْرِ ابْنِ عُمَرَ فِيهِ، وَإِسْنَادُ الْمَوْصُولِ وَاهٍ. تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الْحَدِيثِ قَرِيبًا".
على كل حال الخبر ضعيف سواء كان المرسل والموصول كلاهما ضعيف، ومعارض بما هو أقوى منه من أنه لا يقتل مسلم بكافر.
والله أعلم.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه.