شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (200)
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم: شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، مع بداية هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا بكم فضيلة الدكتور.
حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.
المقدم: قال المصنف -رحمه الله-: وعنه -رضي الله عنه- أن النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ أَوْ الْقَتْلَ وَسُلِّطَ عَلَيْهِمْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْمُؤْمِنونَ، أَلَا فَإِنَّهَا لَا تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَا تَحِلَّ لِأَحَدٍ بَعْدِي، أَلَا وَإِنَّهَا حَلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، أَلَا وَإِنَّهَا سَاعَتِي هَذِهِ حَرَامٌ لَا يُخْتَلَى شَوْكُهَا وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا وَلَا تُلْتَقَطُ سَاقِطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ، فَمَنْ قُتِلَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إِمَّا أَنْ يُعْقَلَ وَإِمَّا أَنْ يُقَادَ أَهْلُ الْقَتِيلِ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ: اكْتُبْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: اكْتُبُوا لِأَبِي فُلَانٍ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ: إِلَّا الْإِذْخِرَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَإِنَّا نَجْعَلُهُ فِي بُيُوتِنَا وَقُبُورِنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ: -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَّا الْإِذْخِرَ».
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد،
فراوي الحديث هو راوي الحديث الذي قبله، قبله في المُخْتَصر لا في الأصل.
المقدم: أبو هريرة.
لأن الذي قبله في الأصل حذفه المُخْتَصر؛ لأنه ليس بمرفوع، ولِذا كَنَّى عنه المؤلف بالضمير قال: وعنه، كعادة أهل المختصرات، وراويه أبو هريرة؛ عبد الرحمن بن صخر الدوسي، من بين أكثر من ثلاثين قولًا في اسمه واسم أبيه، وهو حافظ الأمة على الإطلاق، تقدم ذكره مرارًا.
هذا الحديث ترجم عليه الإمام البخاري بقوله: "باب كتابة العلم"، "باب كتابة العلم"، والبغوي ترجم عليه "باب كِتْبَة العلم" والكتابة والكِتْبَة بِمَعنىً كلاهما مصادر، قال ابن حجر: "طريقة البخاري في الأحكام التي يقع فيها الاختلاف، ألا يجزم فيها بشيء، بل يُورِدُهَا على الاحتمال، وهذه الترجمة من ذلك".
"باب كتابة العلم" لم يقل: باب جواز، ولا كراهة، ولا استحباب، ولا منع، ولا وجوب، لم يَقْرِنْها بحكم شرعي، يقول ابن حجر: "طريقة البخاري في الأحكام التي يقع فيها الاختلاف ألا يجزم ما فيها بشيء، بل يُورِدُهَا على الاحتمال، وهذه الترجمة من ذلك؛ لأن السلف اختلفوا في ذلك عملًا وتركًا، وإن كان الأمر استقر والإجماع انعقد على جواز الكتابة.
المقدم: بالنسبة للحديث.
أين؟
المقدم: كتابة الحديث.
عمومًا.
المقدم: كتابة العلم عمومًا.
كيف؟
المقدم: الآن الذي كان فيه اختلاف ثم استقر بالموافقة هو كتابة الحديث أم كتابة العلم؟
ما يستثنى من ذلك إلا القرآن، مما ينطق به النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن الذي ينطق به النبي -عليه الصلاة والسلام- هو الحديث وهو العلم.
المقدم: نعم.
فترادفا، ما فيه علم من غير طريقه -عليه الصلاة والسلام-، قال: لأن السلف اختلفوا في ذلك عملًا وتركًا، وإن كان الأمر استقر، والإجماع انعقد على جواز كتابة العلم؛ لأن الترجمة باب كتابة العلم، بل على الاستحباب، بل لا يبعُد الوجوب على من خشي النسيان، ممن يتعين عليه تبليغ العلم، لماذا؟ لأنَّه إذا قلنا: إن التبليغ واجب على فلان من الناس، أو على هذه الطائفة، أو هذه الفئة..
المقدم: والكتابة وسيلة لهذا الواجب.
ولا يتم الواجب إلا بها بالكتابة.
المقدم: نعم.
الكتابة، إذا كان.. يَخْشَى النسيان، فإنه لا يتم الواجب إلا بالكتابة.
المقدم: نعم.
وما لا يتم الواجب إلا به..
المقدم: فهو واجب.
فهو واجب، وقال العيني: "هذا الباب فيه اختلاف بين السلف في العمل والترك، مع إجماعهم على الجواز، مع إجماعهم على الجواز، بل على استحبابه؛ بل لا يبعُد وجوبه في هذا الزمان؛ لقلة اهتمام الناس بالحفظ، ولو لم يكتب يخاف عليه من الضياع والاندراس".
أما بالنسبة لما أشار إليه من الاختلاف بين السلف، فمرده..
المقدم: اختلاف الأحاديث.
لاختلاف الأحاديث، فمنها حديث الباب «اكْتُبُوا لِأَبِي فُلَانٍ».
المقدم: نعم.
وإقرار عبد الله بن عمرو بن العاص.
المقدم: كان يكتب.
للكتابة، كما في الصحيح: «أَنَه كَانَ يَكْتُبُ بَيْنَ يَدَيّ النَّبِي -عليه الصلاة والسلام- وَقاَلَ لَه: اكْتُبْ فَوَالله مَا خَرَجَ مِنْه إِلَا حَق».
المقدم: وكتابة عمرو للحديث.
المقصود أن الكتابة جاء ما يدل على جوازها، وجاء الأمر بها، وفي المقابل..
المقدم: النهي.
جاء النهي عنها؛ حديث أبي سعيد.
المقدم: من كان كتب شيئًا..
حديث أبي سعيد عند مسلم: «لَا تَكْتُبُوا عَنِي شَيْئًا سِوَى القُرْآن، لَا تَكْتُبُوا عَنِي شَيْئًا سِوَى القُرْآن، وَمَنْ كَتَبَ عَنِي شيئًا غير القُرْآن فَلْيَمْحُه».
المقدم: فَلْيَمْحُه.
موضوع الكتابة وحكمها ومنعها، ثُمَّ إجازتها يأتي الكلام فيه بعد الكلام على مفردات الحديث، أقول: أما الخلاف في المسألة فهو قديم، وسبب الاختلاف ما ورد في هذه المسألة من الأمر بالكتابة والنهي عنها على ما سيأتي تقريره إن شاء الله تعالى، وبسطه، وأما كون الاختلاف هو سبب عدم جزم البخاري، هو سبب عدم جزم البخاري بالحكم..
المقدم: لأنه قال: "باب كتابة العلم".
"باب كتابة العلم" يقول: طريقة في الأحكام التي لا يجزم فيها بشيء.
المقدم: نعم.
يعني هل البخاري لم يجزم بالحكم؛ لوجود الخلاف؟ على كلام ابن حجر: نعم، نعود إلى كلام ابن حجر يقول: "طريقة البخاري في الأحكام التي يقع فيها الاختلاف ألا يجزم فيها بشيء، بل يُورِدُهَا على الاحتمال، وهذه المسألة مما اختلف فيها السلف، أقول: أما كون الاختلاف هو سبب عدم جزم البخاري بالحكم فعندي أن فيه نظرًا؛ بل نظر ظاهر.
المقدم: لأنه كتب الحديث.
كيف؟
المقدم: أو أنه على اعتبار أن المتأخر هو كتب.
مَنْ؟
المقدم: البخاري.
لا؛ الترجمة "باب كتابة الحديث" لماذا لم يقل البخاري: باب استحباب كتابة الحديث؟
المقدم: لأنه يرى الخلاف.
أو يقول باب جواز، أو باب وجوب.
المقدم: وجوب.
إلى غير ذلك من الأحكام.
المقدم: لأنه يعرف أن فيه اختلافًا.
ابن حجر يقول: لوجود الخلاف في هذه المسألة.
المقدم: طيب وأنا أقول: ليس هذا هو السبب أيضًا، أصلاً هو لم يترجم لها، وقد كتب الحديث مما يدل على أنه لم يرَ أن هذا الاختلاف مانعًا لكتابة الحديث.
لماذا؟ لم يقل: باب جواز كتابة الحديث، أو باب استحباب كتابة الحديث؟
المقدم: هذا هو موضوعنا.
هذا هو موضوع البحث، ابن حجر يقول: "طريقة البخاري في الأحكام التي يقع فيها الاختلاف ألا يجزم فيها بشيء، بل يُورِدُهَا على الاحتمال، أورد الترجمة على الاحتمال ما جزم بحكم، ماذا تفهم من قول البخاري باب كتابة الحديث.
المقدم: ما جزم بحكم.
ما جزم بحكم، يقول ابن حجر: لوجود الاختلاف.
أنا أقول: في هذا نظر؛ لماذا؟ لأن البخاري -رحمه الله تعالى- جزم بأحكام في تراجم كتابه، مما فيها خلاف.
المقدم: أقوى.
أقوى من هذه المسألة، جزم.
المقدم: صحيح.
والخلاف فيها أقوى من الخلاف في هذه المسألة، بل المُتَّجِه عندي أن سبب تركه الجزم بالحكم ظهور الحكم، مثل هذا ما يحتاج إلى أن يجزم فيه بحكم؛ لأنه انعقد الإجماع عليه، فلا نحتاج إلى أن يقول البخاري: باب استحباب كتابة الحديث، أو باب جواز كتابة الحديث، أقول: السبب الحقيقي في تركه الجزم بالحكم: ظهوره؛ لاسيما بعد انعقاد الإجماع عليه، فمثل هذا عندي لا يحتاج إلى جزم، محسوم بالإجماع، وأما كونه ترك الحكم وأورده بصيغة محتملة لوجود الخلاف، نقول جزم بحكم في مسائل في تراجم كتابه، بمسائل الخلاف فيها..
المقدم: أقوى.
أقوى من هذه.
يقول العيني: وجه المناسبة بين البابين من حيث إن الباب السابق، أي باب..
المقدم: باب إثم من كذب على النَّبِي - عليه الصلاة والسلام-.
باب إثم من كذب على النَّبِي - عليه الصلاة والسلام-، أن في الباب السابق حثًّا على الاحتراز عن الكذب في النقل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي هذا الباب أيضًا حثٌّ على الاحتراز عن ضياع كلام الرسول -عليه الصلاة والسلام-، ولاسيما من أهل هذا الزمان، لقصورهم في الضبط وتقصيرهم في النقل". واضح كلامه؟
المقدم: نعم.
كلامه يقول الباب الأول السابق إثم من كذب على النَّبِي - عليه الصلاة والسلام-، فيه حث على الاحتراز عن الكذب في النقل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي هذا الباب أيضًا حث على الاحتراز عن ضياع كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولاسيما من أهل هذا الزمان؛ لقصورهم في الضبط وتقصيرهم في النقل".
الآن هذا ربط أم ما هو بربط؟ الربط، الآن الباب الأول "إثم من كذب" وهنا "كتابة" وليس في كلام العيني ما يصرح بالارتباط؛ هو ربط على وجه لم يتضح، لا يتضح للقارئ، لكن كيف نربط الربط الحقيقي بين الترجمتين؟ أن من لم يكتب مع ضعف حافظته، يضطر أن يقع في الخطأ والنسيان والوهم، وهذا كذب؛ لأنه يقول على النَّبِي -عليه الصلاة والسلام- ما لم يقل، هذا الربط.
المقدم: وهذا تشريع لتأييدكم بالنسبة للترجمة للبخاري، يعني هذا يقوي.
نعم بلا شك.
المقدم: صحيح
فهذا هو الرابط الحقيقي؛ كونه في الباب الأول "إثم مَنْ كذب" والثاني "كتابة العلم"، وفيه الاحتراز عن ضياع كلام الرسول، يعني: ضياع كلام الرسول -عليه الصلاة والسلام- بالنسبة لمن لم يكتب، كمن لم يطلب العلم ولم يحفظ من الأصل، لكن الإشكال فيمَنْ لم يكتب مع ضعف الحافظة عنده لا بد أن يقع في الكذب، شاء أم أَبَى؛ ولاسيما إذا حدث، إذا ضعفت حافظته واحتاج إلى إيراد حديث لا بد أن يقول على النَّبِي -عليه الصلاة والسلام- ما لم يقل، وهذا منصوص عليه في الترجمة السابقة.
يقول: ومطابقة الحديث للترجمة - كما قال العيني في قوله: «اكْتُبُوا لِأَبِي فُلَانٍ»، «اكْتُبُوا لِأَبِي فُلَانٍ» وكل ما يُكْتَب من النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- فهو علم، وكل ما يُكْتَب عن النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- فهو علم.
العلم قال الله قال رسوله
وكل ما ينطق به النَّبِي -عليه الصلاة والسلام- وحْي سواءً كان من القرآن، أو من حديثه -عليه الصلاة والسلام- {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3،4].
وهذا الحديث اختصره المُخْتَصِر، وسبب الحديث ما ذكره البخاري في صحيحه، عن أبي هريرة «أَنَّ خُزَاعَةَ قَتَلُوا رَجُلًا مِنْ بَنِي لَيْثٍ عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ بِقَتِيلٍ مِنْهُمْ قَتَلُوهُ فَأُخْبِرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِذَلِكَ فَرَكِبَ رَاحِلَتَهُ فَخَطَبَ فَقَالَ الحديث: إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْقَتْلَ - أَوْ الْفِيلَ»، وفي متن الصحيح قال أبو عبد الله: «إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْقَتْلَ أَو الْفِيلَ» شك أبو عبد الله، وهذه الرواية من روايات الصحيح تدل على أن الشك ممَنْ؟
المقدم: من البخاري.
البخاري نفسه، قال القَسْطَلَّاني: "شك أبو عبد الله، أي البخاري، وسقط قوله: شك أبو عبد الله، عند أبي ذر وابن عساكر، وللأربعة قال أبو عبد الله: كذا قال أبو نعيم، كذا قال أبو نعيم.
المقدم: نعم.
وأبو نعيم هو شيخه الفضل بن دكين.
المقدم: وعلى هذا يكون الشك.
الشك من شيخه أبي نعيم، وغيره هذا أيضًا في بعض روايات الصحيح، وغيره: يعني غير أبي نعيم ممن رواه عن الشيباني رفيقًا لأبي نعيم، يقول: «الْفِيلَ» بالفاء من غير شك، بالفاء من غير شك.
والمراد بالحبس هنا: المنع، والمراد بالفيل: أهل الفيل، الذين غزوا مكة من الحبشة، فمنعها الله تعالى منهم وحبسهم عنها، كما أشار الله تعالى إليه في سورة الفيل.
المقدم: الفيل.
فسلط عليهم الطير الأبابيل مع كون أهل مكة إذ ذاك كانوا كفارًا، مَنَعَ الفيل وأهل الفيل عن مكة وأهلها كانوا كفارًا؛ فلأن يُمْنَع الاعتداء على أهلها بعد أن كانوا مسلمين من باب..
المقدم: أولى.
أولى، فحرمة أهليها بعد الإسلام آكَد، لكن غزو النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- إياها مخصوص بالنَّبِي -عليه الصلاة والسلام- كما في هذا الحديث وغيره، في حديث أبي شريح السابق.
في هذا الحديث يقول: «وَسُلِّطَ عَلَيْهِمْ»، يقول في هذا الحديث: «وَسُلِّطَ عَلَيْهِمْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْمُؤْمِنونَ» «وَسُلِّطَ» بالبناء للمفعول، «عَلَيْهِمْ» يعني على أهل مكة، والتسليط كما في القاموس: التغليب وإطلاق القهر والقدرة، التسليط كما قال صاحب القاموس، التغليب وإطلاق القهر والقدرة، سلط الله عليهم نبِيه -عليه الصلاة والسلام- سُلِطَ عليهم، الآن الفعل مبني للمجهول، والفاعل الحقيقي هو الله -جل وعلا-.
المقدم: والمُسَلَّط هو النبي -صلى الله عليه وسلم-.
والمُسَلَّط الذي صار نائب فاعل بعد بنائه للمجهول: الرسول -عليه الصلاة والسلام-. «وَالْمُؤْمِنونَ» معطوف عليه، سلط الله رسوله عليهم، يعني هل يقال، بدلًا من أن يقال: قدر الله كذا عليّ، يقال: سلط الله عليّ، يعني قدر الله له حادثًا أو مرضًا؛ يقال: سلط الله عليه كذا؟ في قصة وقعت بين يدي أحد الشيوخ الكبار وأنا حضرتها، "قام سائل بعد الصلاة فقال: إنه سلط الله عليه الأمراض وكذا والمصائب، فأنكر عليه الشيخ بقوة ونهره، وقال: قل قدَّر الله عليِّ، لكن مع هذا النص سلط الله الرسول -عليه الصلاة والسلام- غلبهم وقهرهم، قتل من قتل منهم، والتسليط كما في القاموس ذكرانه التغليب وإطلاق القهر والقدرة، فهل لهذا الإنكار محل مع وجود هذا النص؟ الله -جل وعلا- سلط رسوله والمؤمنين، على أهل مكة فغلبوهم وقهروهم، المسألة كل شيء بقدر، كل شيء بقدر، والقدر معروف، والله -جل وعلا- يقدر على الإنسان ما يشاء من خيرٍ أو شر، وإن كانت إضافة الشر إلى الله -جل وعلا- بمفردها لا، من الأدب أن لا تضاف؛ «وَالشَّرُ لَيْسَ إِلَيْك».
المقدم: «وَالشَّرُ لَيْسَ إِلَيْك».
لكن هل لهذا الإنكار محل؟ أو نقول: إنه من باب التأدب في العبارة؟ وإلا من حيث المعنى ما فيه إشكال، يعني سلط عليه الأمراض مثل ما سلط النَّبِي -عليه الصلاة والسلام- على أهل مكة، الأمراض التي غلبته وقهرته، مثل ما سلط الله -جل وعلا- رسوله والمؤمنين على أهل مكة، لا شك إن كان المراد بذلك الأدب في العبارة فله وجه، لكن مع وجود مثل هذا النص، يكون له وجه أم ما يكون؟ ما يظهر له وجه إلا من باب الأدب.
«رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْمُؤْمِنونَ» رسول: مرفوع نائب الفاعل، والمؤمنون: معطوف عليه.
«أَلَا» بفتح الهمزة وتخفيف اللام للتنبيه، فتدل على تحقق ما بعدها، تدل على تحقق ما بعدها، «أَلَا» فإنها...
المقدم: عفوًا يا شيخ، نرجع للمسألة الأولى، ما يمكن أن يقال: إن التسليط يصح أن يُطلَق إذا كان المسلِّط قادرًا حيًّا، حاضرًا، مثل البشر، أمَّا الأمراض وغيرها فلا نقول بالتسليط؟
الله -جل وعلا- هو الذي سلّط في الحالين.
المقدم: بلا شك.
يعني ما يُنسب إلى المُسَلَّط فعل هنا إلا بتقدير الله -جل وعلا-، وأمره وتسليطه.
المقدم: نعم.
فالفاعل الحقيقي في الأمرين..
المقدم: الله -جل وعلا-.
الله -جل وعلا-.
المقدم: لكن هنا فعل أيضًا للمخلوق، يعني يتعدى هذا التسليط إلى أن يتدخل أيضًا المخلوق بفعل، فيكون فيه معنًى متضمن في هذا التسليط بخلاف الأمراض والآفات والعاهات وغيرها.
على كل حال الفاعل هو الله -جل وعلا- في الحالين، الفاعل هو الله -جل وعلا- في الحالين، وقد يكون تأثير الأمراض أشد من تأثير المخلوق. نقول: «أَلَا» بفتح الهمزة وتخفيف اللام للتنبيه، فتدل على تحقق ما بعدها «وَإِنَّهَا» ولأبي ذر: «فَإِنَّهَا» بالفاء، قال العيني: "معطوف على مقدر؛ لأن «أَلَا» لها صدر الكلام، والمقتضى أن يقال: ألا إنها، بدون الواو، كما في قوله تعالى: {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ}[البقرة:12].
المقدم: بدون الواو أم بدون الفاء الأولى؟
وإنها فإنها، أكثر الروايات «وَإِنَّهَا» ولأبي ذر: «فَإِنَّهَا»، فعلى كل حال الفاء أو الواو عاطفة على مقدر، والأصل أن تكون بدون واو ولا فاء؛ لأن الله -جل وعلا- يقول: {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ}[البقرة:12] ما قال: وإنهم، إلا لو كان يراد عطف ما ذكر على محذوف تقديره: ألا إن الله حبس عنها الفيل، وإنها لم تحل لأحد قبلي.
«وَلَا تَحِلُّ» بضم اللام، إلى آخره، ألا إن الله حبس. عندك..؟
المقدم: بالواو عندنا الأولى «أَلَا فَإِنَّهَا لَا تَحِلّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَا تَحِلّ لِأَحَدٍ بَعْدِي، أَلَا وَإِنَّهَا حَلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ».
هو الأصل أن «أَلَا» حرف التنبيه هذا يكون له صدر الكلام، فمقتضى ذلك أن تدخل «أَلَا» على «إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ»، «إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ»، ولذلك قال العيني التقدير: "ألا إن الله حبس عنها الفيل، «وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَا تَحِلُّ» بضم اللام، وفي رواية الكُشْميهَني، «وَلَمْ تَحِلَّ» «وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ بَعْدِي»، «َلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ بَعْدِي» هذا فيه إشكال أم ما فيه إشكال؟ الآن الذي بعده مستقبل أم ماضٍ؟
المقدم: مستقبل المفروض أن يقول: ولن.
أو «لَا» لكن الإتيان بـ«لَمْ» في رواية الكُشْميهَني لا شك أنه مشكل، وجه الإشكال: أن «لَمْ» تقلب الفعل المضارع ماضيًا، فكيف يكون بعده وهو ماضٍ؟
المقدم: صحيح
أجاب القُسْطَلَّاني، وقبله الكرماني: "بأن المعنى لم يحكم الله في الماضي بالحل في المستقبل"، تأمل «وَلَمْ تَحِلَّ» (لم) معروف أنها حرف نفي وجزم وقلب.
المقدم: صحيح.
ما معنى قلب؟ أنها تقلب الفعل المضارع...
المقدم: ماضيًا.
ماضيًا، إذا قلت: لم يحضر، يحضر الأصل أنه مضارع في الحال أو الاستقبال، لكن إذا قلت: لم يحضر..
المقدم: في الماضي.
معناه أنه قبل هذا الكلام، صار ماضيًا من حيث المعنى، وَلِبَعْدِ مستقبل.
المقدم: وهي رواية أبي ذر يا شيخ؟
لا رواية الكُشْميهَني.
المقدم: والمثبتة في الصحيح؟
«وَلَا تَحِلّ» على كل حال الاستشكال هذا أجاب عنه القُسْطَلَّاني وقبله مأخوذ من كلام الكرماني، أجيب بأن المعنى: لم يحكم الله في الماضي أن تحل لأحد في المستقبل بعده -عليه الصلاة والسلام-، «أَلَا» كسابقتها، «وَإِنَّهَا» معطوف على مقدر كالسابق، «أُحِلَّت لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ» وتقدم في حديث أبي شريح الخزاعي قبل أربعة أحاديث.
المقدم: نعم.
نعم «وَإِنَّمَا أَذِنَ.
المقدم: أُذن للرسول ولم يأذن لكم.
«وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ»، في حديث أبي شريح قبله بأربعة أحاديث «وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ»، ثم عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس.
المقدم: بالأمس.
وتقدم شرح ذلك والمراد به في حديث أبي شريح.
«أَلَا» كسابقتيها، يعني كم جاءت «أَلَا» من مرة؟
المقدم: الأولى «أَلَا فَإِنَّهَا لَا تَحِلَّ».
والثانية.
المقدم: «أَلَا وَإِنَّهَا حَلَّتْ»، والثالثة «أَلَا وَإِنَّهَا سَاعَتِي هَذِهِ».
يعني «أَلَا» الثالثة كسابقتيها، وأنها أيضًا كاسم معطوف على مقدر كما تقدم في المرتين الأوليين، «سَاعَتِي هَذِهِ» أي: في الساعة هذه التي أتكلم فيها بعد الفتح، الساعة التي يشير إليها الحاضرة، التي أتكلم فيها بعد الفتح.
المقدم: نعم، أحسن الله إليكم، نكتفي بهذا على أن نستكمل بإذن الله ما تبقى في الحلقة القادمة من ألفاظ هذا الحديث وأحكامه. أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة من شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح. يتجدد بكم اللقاء إن شاء الله في حلقة قادمة، شكرًا لطيب متابعتكم، سلام الله عليكم ورحمة وبركاته.
"