شرح العقيدة الطحاوية (05)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

هذا يقول شارح الطحاوية ما عقيدته؟

إن كان المقصود بالشارح ابن أبي العز الذي نقرأ شرحه فهو على عقيدة أهل السنة والجماعة، وجلُّ كتابه مأخوذ من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، مأخوذ من كلام الشيخين، وباقي كلامه ما فيه أدنى إشكال، الذي أذكر أن فيه ما يناقش قوله إن الخلاف بين الجمهور وبين الحنفية في مسمى الإيمان أبي حنيفة قال أن الخلاف لفظي، هذا هو الذي يمكن أن يناقش فيه، وإلا الباقي ما رأيت عليه شيئا، ويكفي أن كلامه في الجملة مأخوذ من كلام شيخ الإسلام وابن القيم.

يقول ما رأيك أن يكون درس أضواء البيان بعد المغرب بدل العصر حتى نحضر الدرس؟

والله جرت العادة من سنين طويلة جدًا أن الاثنين درس العصر ودرس العشاء والغالب أن الطلاب يصومون في يوم الاثنين فيحتاجون إلى الراحة المغرب فلا نستطيع أن نُغير هذا الوقت.

هذا طالب يبدو أنه يقول أنا طالب في المعهد العلمي ولدينا كثير من المدرسين خاصة أهل التخصصات اللغوية إذا تكلم فإنه يدخل مع الشرح شبهات وهم برعة في تزيينها يقول في سياقة المرأة- يعني قيادة المرأة- أنها ليست من أمور الدين.

ليست من أمور الدين ومآلها إلى ما يقطع به ويجزم من الشر والفساد الذريع هذا ليس من الدين؟!

ويقول في الابتعاث أنه أشرف على لجنة الابتعاث ورأى نتائج محمودة وإذا رددت عليه قلب دليلك عليك.

لا شك أن الأصل تحريم الإقامة بين ظهراني الكفار، وأن المولود هناك ومن أهل تلك البلاد تجب عليه الهجرة ولم يستثن من ذلك إلا المستضعفين الذين لا يستطيعون حيلة الذين ولا يجدون ولا ماذا الذين ... النساء: ٩٨.

طالب: النساء: ٩٨.

نعم، هؤلاء هم المستثنون وما عدا ذلك فإنه يحرم عليهم الإقامة ولو كانوا من أهل البلد، والآثار السيئة معروفة وملموسة وكثيرة جدًا من الذين جاؤوا والذين بقوا هناك، وكونه يوجد- وهذا من باب الإنصاف- يوجد شباب كانوا على غير استقامة هنا واستقاموا هناك هذا موجود ما ينكر، ويوجد شباب يعني من باب ردة الفعل حينما رأوا الكفر الصريح والقدح في الإسلام وفي الذات الإلهية وفي محمد -عليه الصلاة والسلام- من باب ردة الفعل عند المسلم وغيرته على دينه والفطرة التي فطره الله عليها رجع إلى الدين وصار لديهم اجتماعات ودروس، لكن هذا شيء نادر بالنسبة لما هو الأصل.

يقول تخاصمت مع أحد أصحابي ثم تأسفت منه فلم يقبل فهل أكون أنا متوعَّد بهذه الأحاديث «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث» «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث» إلى آخره فهل أكون أنا..

أنت إذا سلَّمت عليه ولا رد أو سلم عليك ورددت انقطع الهجر، وعلى كل حال خيرهم الذي يبدأ بالسلام، فالذي يسلم على صاحبه لا يدخل في هذه النصوص.

يقول أنا مبتدئ في طلب العلم وعمري سبعة عشر عامًا وأول كتاب أحضر شرحه هو العقيدة الطحاوية فهل هذا ينافي التدرُّج في طلب العلم؟ وجهوني...

لا شك أن الطحاوية وشرح الطحاوية للمتقدمين، فعلى طالب العلم أن يبدأ بالتدرج في العقيدة من الأصول الثلاثة، والقواعد الأربع، وكشف الشبهات، وكتاب التوحيد، الواسطية، الحموية، ثم الطحاوية، ثم التدمرية بهذه الكيفية.

كيف يحفظ الطالب الكتب الستة بأسانيدها؟ وهل يقتصر على ما عليه مدار الحديث إذا كان صحيحًا فماذا يفعل بأحاديث البخاري هل.. منقطعة.. كأنها منقطعة...

على كل حال الكتب الستة الكتب الأصلية تأتي في المرتبة بعد حفظ المتون الصغيرة والتدرج فيها، طالب العلم أول ما يبدأ بالأربعين ثم العمدة ثم البلوغ أو المحرر أو هما معًا ثم بعد ذلك يقرأ في الكتب الستة إذا كانت حافظته تسعف على حفظ المتون والأسانيد فنور على نور وإذا كان لا يستطيع ذلك فيختصر لنفسه يبدأ بالبخاري فيختصره ويحفظ هذا المختصر ويعطيه أحد المتمكنين يراجعه له لكن لا يعتمد على مختصرات غيره ثم يزيد عليه زوائد مسلم وهكذا.

يقول بحثت عن كتاب للتفسير الموضوعي وكان هدفي من ذلك أن يساعدني في التدبر في المقام الأول فما رأيك في كتاب التفسير الموضوعي لمحمد الغزالي؟

ما أعرفه والله أن محمد الغزالي ما عنده تفسير موضوعي، أنا قلت في التفسير الموضوعي لو يبدأ الإنسان بكتاب المفردات للراغب الأصفهاني في حقيقتها تفسير موضوعي لأنه يجمع الآيات التي معناها واحد ويشرحها ويفسرها هذه بداية، وإذا أراد أن يكمل من كتب التفسير إذا مر بآية في موضوع معيّن وضم إليها الآيات الأخرى وفهم كلام الراغب وأراد أن يتوسع ومراجعة كتب التفسير في هذه الآيات لا يحتاج إلى مؤلفات في هذا الباب، أمرها سهل إن شاء الله.

يقول هل حديث أسامة بن زيد الذي في صحيح البخاري بشأن القطع في العارية المخزومية التي سرقت وفي بعض الروايات كانت تستعير المتاع فتجحده وفي رواية أنها سرقت إلى آخره يقول هل هذا الحديث شاذ؟

الحديث متفق عليه.

كما حكاه النووي وغيره حيث قال خالف رواية الأكثر التي ذكروا فيها أنها سرقت.

لا منافاة أنها سرقت وكانت تستعير المتاع وتجحده وقد عُرفت بذلك، فهذا من باب التعريف بها أنها كانت تستعير المتاع وتجحده وأما القطع فهو عن السرقة.

يقول ما الدليل على أن الأوقات الثلاثة المضيقة النهي عنها لذاتها؟

الأوقات الثلاث المضيقة كما في حديث عقبة بن عامر قال: ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن أو أن نقبر فيهن موتانا ثم ذكرها: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول، وحين تتضيف الشمس للغروب حتى تغرب، معلوم أن العلة في ذلك النهي عن مشابهة الكفار وأنهم يسجدون للشمس عند طلوعها وعند غروبها، وأما النهي عن الصلاة بعد صلاة الصبح فصرّح كثير من أهل العلم أنه لئلا يتدرج ويستمر في صلاته حتى يصل إلى وقت النهي؛ ولذلك صلى النبي -عليه الصلاة والسلام- راتبة الظهر بعد العصر وكذلك من بعد الصبح إلى وقت النهي إلى بزوغ الشمس، وقد أقر من صلى راتبة الصبح بعدها، وأقر من تصدق على غيره بل حض على التصدق من يتصدق على هذا بعد صلاة الصبح، لكن إذا ضاق الوقت فلا.

سم.

أحسن الله إليك.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين، قال المؤلف رحمه الله تعالى:

ومن ذلك أنه يقرر توحيد الربوبية ويبين أنه لا خالق إلا الله وأن ذلك مستلزم ألا يعبد إلا الله فيجعل الأول دليلاً على الثاني

نعم إذا كان الله جل وعلا هو الخالق وهو الرازق فما الوجه من عقل أو نقل في إشراك غيره معه، هل من المعقول أن يُشرك شيء لا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد في خلقك ورزقك ووجودك وإحيائك وإماتتك مع من اختص بهذه الأمور، إذا كان الله هو الخالق الرازق ولا شريك له في ذلك وهذا يقر به المشركون فما وجه إشراك غيره به؟! بهذا يقرَّر توحيد الألوهية وبهذا الأسلوب الموجود في القرآن بهذه الطريقة قال: ومن ذلك أنه يقرر توحيد الربوبية ويبين أنها لا خالق إلا الله وأن ذلك مستلزم ألا يعبد إلا الله لأنه ما وجه عبادة غير معه؟ يعني هذه الحجارة مثلاً تعرف أن الله- جل وعلا- هو الذي خلقك وهو الذي رزقك وهذا حجر لا ينفع ولا يضر، هم يظنون أنه ينفع ويضر لكن ما وجه النفع وما وجه الضر؟ لكن كما قال في الأثر أين عقولنا حينما كنا نعبد التمرة فإذا جعنا أكلناها؟! قال أخذها باريها وإلا فليس هناك عقل يدعو إلى ذلك فضلاً عن النقل، العقل ينفر من هذه التصرفات لو كان هناك عقول.

فيجعل الأول دليلاً على الثاني إذا كانوا يسلمون الأول وينازعون في الثاني فيبين لهم سبحانه أنكم إذا كنتم تعلمون أنه لا خالق إلا الله وأنه هو الذي يأتي العباد بما ينفعهم ويدفع عنهم ما يضرهم لا شريك له في ذلك فلم تعبدون غيره وتجعلون معه آلهة أخرى كقوله تعالى:       ﭺﭻ ﭿ      ﮔﮕ ﮘﮙ     النمل: ٥٩ - ٦٠  يقول الله تعالى في آخر كل آية: ﮘﮙ النمل: ٦٠  أي أإله مع الله فعل هذا؟ وهذا استفهام إنكار يتضمن نفي ذلك وهم..

وليس بسؤال استعلام يستفهم هل هناك إله مع الله لا، بل هو استفهام إنكاري لكنهم كما قال الله جل وعلا بل هم قوم يعدلون يعدلون بالله غيره ويجعلونه نظيرًا له وندًا له وشبيهًا له تعالى الله عما يقولون.

وهم كانوا مقرّين بأنه لم يفعل ذلك غير الله فاحتج عليهم بذلك وليس المعنى استفهام هل مع الله إله؟ كما ظنه بعضهم لأن هذا المعنى لا يناسب سياق الكلام والقوم كانوا يجعلون مع الله آلهة أخرى كما قال تعالى: ﭭﭮ ﭱﭲ الأنعام: ١٩  وكانوا يقولون:         ﭸﭹ     ص: ٥  لكنهم ما كانوا يقولون إن معه إلهًا ﮬﮭ النمل: ٦١  بل هم مقرون بأن الله وحده فعل هذا وهكذا سائر الآيات.

الاستفهام والمراد به الاستعلام الذي قال به بعضهم في هذه الآية أإله مع الله؟! هل يناسب الذي لا تخفى عليه خافية ويعلم السر وأخفى أن يسأل؟

طالب: ...............

لا يمكن، مستحيل أن يسأل فإن كان المستفهم عنه إله حق فلا إله إلا الله، وإن كان معبود ولو بغير حق فالآلهة موجودة وهذا كل يعرفه، فلا يليق بالله جل وعلا أن ينسب إليه أن هذا استفهام استعلام، الإشكال أنه في الطبعة الأولى طبعة مكة التي طُبعت على نفقة الملك عبد العزيز وأشرف على تصحيحها الشيخ عبد الله بن حسن هي أول طبعة للكتاب، أنه قرر ما نفاه في الكتاب، وليس المعنى استفهاما، وفيها أنه استفهام، قَلْب وعكس ما يراد وهذه قيمة أو أهمية جمع النسخ الخطية لمقابلتها وتصحيحها والعناية بها، وإلا اجتمع عليها الطبعة المكية اجتمع عليها عشرة من أهل العلم صححوها لكنها على نسخة واحدة مع أن الكتاب نسخه كثيرة جدًا، مخطوطاته كثيرة، والعجيب أن الشيخ أحمد شاكر وهو من هو في باب التحقيق اعتمد على النسخة المكية ولم يجد نسخة خطية وهي مثل ما قلت نسخ كثيرة لاسيما عندنا في نجد أكثر، يمكن حدود عشر نسخ وأنا عندي نسخة أصلية فكيف تخفى على هؤلاء؟! الذي جر إلى الكلام قوله أنه استفهام اللهم إلا إذا كان جاء بأنه تقريرا للكلام السابق وأنه من باب التأكيد، وأنه ليس استعلاما وليس المعنى استفهاما، يكون المعنى وليس معنى أنه استفهام أما إذا كان مقابل الجملة وليس معنى أنه استفهام فاحتج عليهم بذلك إذا كان المراد أنه استفهام؛ لأنه هنا لم يضع أقواسا على المقابل وتراجع الطبعة المكية وتصحح.

أحسن الله إليك.

وكذلك قوله تعالى: البقرة: ٢١  وذلك قوله في سورة الأنعام.

وكذلك.

عندنا وذلك.

عندك وذلك؟

إيه.

وكذلك قوله في سورة الأنعام ﭫﭬ الأنعام: ٤٦  وأمثال ذلك، وإذا كان توحيد الربوبية الذي يجعله هؤلاء النُظَّار ومن وافقهم من الصوفية هو الغاية في التوحيد داخلاً في التوحيد الذي جاءت به الرسل عليهم السلام ونزلت به الكتب فليعلم أن دلائله متعددة كدلائل إثبات الصانع ودلائل صدق الرسول فإن العلم كلما كان الناس إليه أحوج كانت أدلته أظهر رحمة من الله بخلقه والقرآن قد ضرب الله للناس فيه من كل مثل..

وهذه حكمة إلهية أنه كلما كانت الحاجة إلى الشيء أكثر كان وجوده وتيسره أكثر، من هذا ما يحتاج إليه وما يضطر إليه من العلوم والمعارف هذا متيسر لجميع المسلمين ويعرفه الخاص والعام، ومن ذلك ما يحتاج إليه مما يعين على تحصيل العلم، الناس يحتاجون كلهم إلى المصحف موجود ومبذول بأرخص الأثمان- ولله الحمد- يحتاجون الكتب الستة رخيصة، يحتاج عامة الناس إلى مثل رياض الصالحين مبذول وبكثرة- ولله الحمد- لكن كتب لا يحتاجها الناس بأغلى الأثمان تباع كتب الرحلات مثلاً والمذكرات هذه كتب غالية جدًا والناس ليسوا بحاجة إليها، وكل ما مست الحاجة إلى شيء كان وجوده في الناس أكثر وثمنه لعموم الناس أهيأ، الآن في الأطعمة تجد أرخص شيء الماء، وما تمس إليه الحاجة ويبنى عليه الجسد والبدن ويحتاج ما فيه من مركبات قد يكون غالي له بديلا فيه نفس المركبات تجده رخيصا ليجد الغني ما تقوم به حياته ويجد المتوسط ما تقوم به ويجد الفقير ما تقوم به حياته، لطف من الله- جل وعلا- والله المستعان.

والقرآن قد ضرب الله للناس فيه من كل مثل وهي المقاييس العقلية المفيدة للمطالب الدينية لكن القرآن يبين الحق في الحكم والدليل فماذا بعد الحق إلا الضلال، وما كان من المقدمات معلومة ضرورية متفق عليها استدل بها ولم يحتج إلى الاستدلال عليها والطريقة...

المقدمات الضرورية التي تلقاها الناس كلهم وعرفوها وأتقنوها واستقرت علومهم وفهومهم عليها هذه ما تحتاج إلى دليل وهي ما يعلم من الدين بالضرورة هذه ما يحتاج أن يستدل عليها إنما يستدل بها على ما يخفى على الناس من نظائرها.

والطريقة الفصيحة في البيان أن تحذف.

ما يحتاج إلى ذكرها لأنها معلومة ومستقرة وذكرها من بيان البيِّن.

وهي طريقة القرآن بخلاف ما يدعيه الجهال الذين يظنون أن القرآن ليس فيه طريقة برهانية.

لماذا؟ لأنه حذفت المقدمة الأولى، ليس فيه طريقة برهانية لأنها حذفت المقدمة الأولى ولماذا حذفت هذه المقدمة لأنها معلومة عند الخاص والعام ما يحتاج إلى ذكرها.

بخلاف ما قد يشتبه ويقع فيه نزاع فإنه يبيّنه ويدل عليه ولما كان الشرك في الربوبية معلوم الامتناع عند الناس كلهم باعتبار إثبات خالقين متماثلين..

يعني على ما تقدم من إقرار جميع الطوائف بتوحيد الربوبية حتى المشركين أقروا به واعترفوا به ومن جحده منهم فإنما جحده ظاهرًا واستيقنوا باطنًا واستدلوا عليه وقرروه بدليل التمانع وأما الأدلة السمعية فكثيرة جدًا.

باعتبار إثبات خالقين متماثلين في الصفات والأفعال وإنما ذهب بعض المشركين إلى أن ثم خالقًا خلق بعض العالم كما يقوله الثنوية في الظلمة وكما يقوله القدرية في أفعال الحيوان وكما يقوله..

تقدم قول الثنوية والمجوس والقدرية الذين يقولون أن العبد يخلق فعله وعليه المعتزلة؛ ولذا جاء الخبر عنهم بأنهم مجوس هذه الأمة لأنهم أثبتوا مع الله خالقًا غيره.

وكما يقوله الفلاسفة الدُّهرية في حركة الأفلاك أو..

الأكثر على الفتح نسبة إلى الدهر وهو مفتوح الدال.

حركت عندي بالضم.

إيه بالفتح ويضم يعني الأصل فيه الفتح ويضم يعني قد يضم.

أحسن الله إليك.

وكما يقوله الفلاسفة الدَّهرية في حركة الأفلاك أو حركات النفوس أو الأجسام الطبيعية فإن هؤلاء يثبتون أمورًا محدثة بدون إحداث الله إياها فهم مشركون في بعض الربوبية وكثير من مشركي العرب وغيرهم قد يظن في آلهته شيئًا من نفع أو ضُر بدون أن يخلق الله ذلك.

فيكون من خلق هذه الآلهة لكنه خلق جزئي إثبات جزئي للخلق، ليس بإثبات كلي للمخلوقات لا، هم يتفقون في الجملة على إثبات الربوبية وأن الله هو الخالق الرازق لكن قد يشذون في بعض الأشياء فينسبونها إلى غير الله.

فلما كان هذا الشرك في الربوبية موجودًا في الناس بيّن القرآن بطلانه كما في قوله تعالى         ﭠﭡ         ﭫﭬ المؤمنون: ٩١  

فتأمل هذا البرهان الباهر بهذا اللفظ الوجيز الظاهر فإن الإله الحق..

الآية تثبت توحيد الألوهية وتثبت توحيد الربوبية ﭠﭡ المؤمنون: ٩١  يعني يعبد من دون الله وهذا الإله الذي يعبد من دون الله لو أُثبت         المؤمنون: ٩١  

هذا مما يناسب توحيد الربوبية.

فإن الإله الحق لا بد أن يكون خالقًا فاعلاً يوصل إلى عابده النفع ويدفع عنه الضر، فلو كان معه سبحانه إله آخر يشركه في ملكه لكان له خلق وفعل وحينئذٍ فلا يرضى تلك الشركة، بل إن قدر على قهر ذلك الشريك وتفرده بالملك والإلهية دونه فعل وإن لم يقدر على ذلك انفرد بخلقه وذهب بذلك الخلق كما ينفرد ملوك الدنيا بعضهم عن بعض بممالكه إذا لم يقدر المنفرد منهم على قهر الآخر والعلوّ عليه فلا بد من أحد ثلاثة أمور.

قد يقول قائل: إن الخلق جُبلوا على حب التفرد والتسلط، وهذا الملك عنده من القوات ما يستطيع أن يكتسح به كثير من ممالك الأرض فدولة عظمى بجوارها دولة صغيرة كيف يتصور أن تقوم هذه الدويلة الصغيرة وفي وقت يسير يمكن أن تكتسح وتضم إلى هذه الدولة الكبيرة؟! قد يقول الإنسان هذا الكلام؛ لأن الإنسان مجبول على حب الذات والتفرد والتسلط ما الذي منعه من ذلك؟ البقرة: ٢٥١  وإلا يتصور أن الجيوش الجرارة عند هذه الدولة والدولة الثانية جارته ما تكلفه شيئا ويستطيع أن يضمها في أيسر وقت وهو قادر على ذلك بما مكنه الله منه جل وعلا ابتلاءًا وامتحانًا له وبه، لماذا لا يكتسح هذه الدويلة وتصير دولة واحدة؟ كما حصل من التتار اكتسحوا كثيرا من الدول التي أمامهم حتى وصلوا إلى بلاد المسلمين، هذا سببه دفع الله الناس بعضهم ببعض، وإلا حلَّت بالناس الكوارث وما استقر لهم قرار، كل دويلة إما أن تكون موازية للدولة المجاورة وإلا مآلها إلى الذهاب، والله المتسعان، سم.

فلا بد من أحد ثلاثة أمور إما أن يذهب كل إله بخلقه وسلطانه وإما أن يعلو بعضهم على بعض وإما أن يكونوا تحت قهر ملك واحد يتصرف فيهم كيف يشاء ولا يتصرفون فيه بل يكون وحده هو الإله وهم العبيد المربوبون المقهورون من كل وجه، وانتظام أمر العالم كله وإحكام أمره من أدل دليل على أن مُدبره إله واحد وملك واحد ورب واحد لا إله للخلق غيره ولا رب لهم سواه كما قد دل دليل التمانع على أن خالق العالم واحد لا رب غيره فلا إله سواه فذلك تمانع في الفعل والإيجاد وهذا تمانع في العبادة والإلهية.

وتقدم أن المتكلمين يستدلون على دليل التمانع بقوله جل وعلا:           ﯥﯦ الأنبياء: ٢٢  قرر المؤلف- رحمه الله- أن هذا الاستدلال غير مطابق وإن دل دليل التمانع على توحيد الربوبية فالآية في توحيد الإلهية.

فكما يستحيل أن يكون للعالم ربان خالقان متكافئان كذلك يستحيل أن يكون لهم إلهان معبودان فالعلم بأن وجود العالم عن صانعين متماثلين ممتنع لذاته مستقر في الفِطَر معلوم بصريح العقل بطلانه فكذا تبطل إلهية اثنين فالآية الكريمة موافقة لما ثبت واستقر في الفِطر من توحيد الربوبية دالة مثبتة ملزمة لتوحيد الإلهية وقريب من معنى هذه الآية قوله تعالى:           ﯥﯦ الأنبياء: ٢٢  وقد ظن طوائف أن هذا دليل التمانع الذي تقدم ذكره وهو أنه لو كان للعالم صانعان إلى آخره وغفلوا عن مضمون الآية فإنه سبحانه أخبر أنه لو كان فيهما آلهة غيره ولم يقل أرباب وأيضًا فإن هذا..

فدل على أن الآية في توحيد الألوهية وهو مستلزم لتوحيد الربوبية كما أن توحيد الربوبية متضمن لتوحيد الإلهية.

وأيضًا فإن هذا إنما هو بعد وجودهما وأنه لو كان فيهما وهما موجودتان آلهة سواه لفسدتا وأيضًا فإنه قال ﯥﯦ الأنبياء: ٢٢  وهذا فساد بعد الوجود.

نعم ولو كان المراد بالآية توحيد الربوبية لكان قبل وجودها أما بعد وجودها وخلقها ما يتجه الكلام عن توحيد الربوبية         الأنبياء: ٢٢  المقصود بعد وجودهما وهذا بعد الخلق والإيجاد وما يتعلق بالخلق والإيجاد هذا توحيد الربوبية وما يتعلق بأفعال المكلفين وإخلاصها لله- جل وعلا- مع حبه وتعظيمه هذه هذا ما يتعلق بتوحيد الألوهية بعد إيجادها.

وأيضًا فإنه قال ﯥﯦ الأنبياء: ٢٢  وهذا فساد بعد الوجود ولم يقل لم يوجدا، ودلت الآية على أنه لا يجوز أن يكون فيهما آلهة متعددة بل لا يكون الإله إلا واحدًا وعلى أنه لا يجوز أن يكون هذا الإله الواحد إلا الله سبحانه وتعالى وأن فساد السموات والأرض يلزم من كون الآلهة فيهما متعددة ومن كون الإله الواحد غير الله وأنه لا صلاح لهما إلا بأن يكون الإله فيهما هو الله وحده لا غيره فلو كان للعالم إلهان معبودان لفسد نظامه كله فإن قيامه إنما هو بالعدل وبه قامت السموات والأرض وأظلم الظلم على الإطلاق الشرك وأعدل العدل التوحيد.

يعني كما ضرب الله- جل وعلا-المثل  للمشرك بالعبد الذي له أكثر من سيد وهم متشاكسون هذا يأمر وهذا ينهى هذا يقول أنت اذهب إلى جهة المغرب والثاني يقول اذهب إلى جهة المشرق، وهذا يقول قم وهذا يقول اقعد، هذا مثال للمشرك فيكون مترددًا متذبذبًا لا قرار له في حياته لأنه لا يدري من يطيع!! أحدهما يأمر والآخر ينهى فحياة المشرك كلها شقاء بخلاف حياة الموحّد الذي يعيش الطمأنينة والاستقرار والراحة النفسية مهما كان حالته في الدنيا من ضعف في بدنه أو في ماله أو في جميع متطلباته في الحياة ومع ذلكم هو سعيد، ومع الأسف أن يطرح في القنوات أين توجد السعادة فيقرر بعض المفتونين أن السعادة في الغرب لا في الشرق أين السعادة في الغرب وما عُرف الانتحار إلا عندهم أين السعادة؟! لكنهم لا يدرون حقيقة السعادة التي يعيشها المسلم الحق، وكلما كان تمسكه بدينه وقربه من ربه أشد كان نصيبه من السعادة أشد وأكثر حتى قال قائلهم وهو شيخ الإسلام: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة، كثير من الناس محروم من هذه الجنة تجده دائما يتشكى ويتذمر ويتسخط، محروم من هذه الجنة بسبب بعده عن الله وعدم ثقته به وعدم يقينه والله المستعان.

أحسن الله إليك.

وتوحيد الإلهية متضمن لتوحيد الربوبية دون العكس فمن لا يقدر على أن يخلق يكون عاجزًا والعاجز لا يصلح أن يكون إلهًا قال الله تعالى: الأعراف: ١٩١  وقال تعالى:          ﭧﭨ النحل: ١٧  وكذا قوله تعالى:    ﭿ     الإسراء: ٤٢.

الدلالات كما يقرر أهل العلم ثلاث هي دلالة ماذا؟

طالب: ...........

إيش؟

طالب: ...........

مطابقة، الثانية التضمن، والثالثة الالتزام، دلالة المطابقة كدلالة القلم على هذا تقول القلم تريد هذا دلالة ماذا؟ مطابقة، ودلالة التضمن لو فتحت جزء منه تستدل بهذا على أنها قطعة من قلم، ودلالة الالتزام أن هذا القلم لا بد له من صانع، ما صنع القلم نفسه قطعًا.

وكذا قوله تعالى:    ﭿ     الإسراء: ٤٢  وفيهما للمتأخرين قولان أحدهما لاتخذوا سبيلاً إلى مغالبته، والثاني وهو الصحيح المنقول عن السلف كقتادة.

يعني كما ادعى فرعون أنه غافر: ٣٦ - ٣٧  فيريد أن يطلع على هذه الأسباب من أجل أن يصل إلى إله موسى فما يُدرى ما يصنع؟ لكن هذا قصمه الله- جل وعلا -سبيلا إلى مغالبته، والثاني وهو الصحيح.

والثاني وهو الصحيح المنقول عن السلف كقتادة وغيره وهو الذي ذكره ابن جرير لم يذكر غيره لاتخذوا سبيلاً بالتقرب إليه كقوله تعالى: ﯷﯸ   ﯿ المزمل: ١٩  وذلك أنه قال    ﭿ     الإسراء: ٤٢ وهم لم يقولوا إن العالَم له صانعان بل جعلوا معه آلهة اتخذوهم شفعاء وقالوا    الزمر: ٣  بخلاف الآية الأولى ثم التوحيد الذي دعت إليه رسل الله ونزلت به..

على القول الثاني قال وهو الصحيح المنقول عن السلف كقتادة وغيره وهو الذي ذكره ابن جرير ولم يذكر غيره لاتخذوا سبيلاً بالتقرب إليه نرجع إلى الآية    ﭿ     الإسراء: ٤٢  إلى ما يقربهم إليه كما في قوله:         الزخرف: ٨١  يكون معنى هذه الآية مثل معنى تلك الآية؛ لأنه لو كان معه آلهة كما يقولون إذًا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلاً يقربهم إليه وإلا على المعنى الأول لو كان معه آلهة إذًا لا يصلح لأن يكون إلهًا لأنه إن أثبتنا إله مع الله أو أثبتنا ربا خالقا مع الله فلا يصلح للألوهية ولا للربوبية، إذًا لا بد من اتخاذ سبيل يغالَب يغالِبه نظيرُه، هذا على المعنى الأول وقال إن الصحيح الثاني.

ثم التوحيد الذي دعت إليه رسل الله ونزلت به كتبه نوعان توحيد في الإثبات والمعرفة وتوحيد في الطلب والقصد فالأول هو إثبات حقيقة ذات الرب تعالى وصفاته وأفعاله وأسمائه.

يدخل فيه نوعان من التوحيد على التفصيل هذا إجمال وهناك تقسيم على البسط وتقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام فيدخل فيه القسم الأول الذي هو توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات وينفرد توحيد الألوهية في توحيد القصد والطلب.

ليس كمثله شيء في ذلك كله كما أخبر به عن نفسه وكما أخبر رسوله -صلى الله عليه وسلم- وقد أفصح القرآنَ عن هذا النوع..

وقد أفصح.

وقد أفصح القرآنُ عن هذا النوع كل الإفصاح كما في أول الحديد وطه وآخر الحشر وأول الم تنزيل السجدة وأول آل عمران وسورة الإخلاص بكمالها وغير ذلك والثاني وهو توحيد الطلب.

كلها فيها الدلائل على توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات.

والثاني وهو توحيد الطلب والقصد مثلما تضمنته سورة الكافرون: ١  و   آل عمران: ٦٤  وأول سورة ...الزمر: ١. الزمر: ١.

وأول سورة الزمر: ١  وآخرها.

الزمر.

وأول سورة يونس وأوسطها وآخرها وأول سورة الأعراف وآخرها وجملة سورة الأنعام وغالب سور القرآن متضمنة لنوعي التوحيد بل كل سورة.

بل قرر ابن القيم وغيره أن كل آية من آيات القرآن مقررة للتوحيد بأنواعه.

بل كل سورة في القرآن فإن القرآن إما خبر عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله فهو التوحيد العلمي الخبري

القسم الأول.

وإما دعوة إلى عبادته وحده لا شريك له وخلع ما يعبد من دونه

خلعِ خلعِ.

أحسن الله إليك.

وخلعِ ما يعبد من دونه فهو التوحيد الإرادي الطلبي، وإما أمر ونهي وإلزام بطاعته فذلك من حقوق التوحيد ومكملاته، وإما خبر عن إكرامه لأهل توحيده وما فعل بهم في الدنيا وما يكرمهم به في الآخرة فهو جزاء توحيده، وإما خبر عن أهل الشرك وما فعل بهم في الدنيا من النكال وما يحل بهم في العقبى من العذاب فهو جزاء من خرج عن حكم التوحيد فالقرآن كله في التوحيد وحقوقه وجزائه وفي شأن الشرك وأهله وجزائهم فـ الفاتحة: ٢  توحيد الفاتحة: ٣  توحيد   الفاتحة: ٤  توحيد الفاتحة: ٥  توحيد الفاتحة: ٦.

الآيات الأولى كلها في توحيد الربوبية والأسماء والصفات والألوهية ودلالتها ظاهرة فـ الفاتحة: ٢ هذا في توحيد الربوبية الفاتحة: ٣  في الأسماء والصفات وكذلك   الفاتحة: ٤ - ٥  في الألوهية.

الفاتحة: ٦ توحيد متضمن لسؤال الهداية إلى طريق أهل التوحيد الذين أنعم الله الذين أنعم عليهم الفاتحة: ٧  الذين فارقوا التوحيد وكذلك شهد الله لنفسه بهذا التوحيد وشهدت له به ملائكته وأنبياؤه ورسله قال تعالى:       ﭯﭰ   ﭼﭽ ﭿ   ﮊﮋ آل عمران: ١٨ - ١٩  فتضمنت هذه الآية الكريمة إثبات حقيقة التوحيد والرد على جميع طوائف الضلال فتضمنت أجلّ شهادة وأعظمها وأعدلها وأصدقها من أجلّ شاهد بأجل مشهود به.

لما كان المشهود به أعظم ما يمكن أن يشهد به وهو إثبات التوحيد لله- جل وعلا- ونفي الشرك عما سواه كان الشاهد أعظم شاهد وهو الله- جل وعلا- ومن البشر أعظمهم وهم الملائكة وأولوا العلم بما فيهم الرسل وأتباعهم من أهل العلم وهذه جرت بها العادة أنها إذا كان المشهود به أمر عظيم ينتقى له من الشهود العظماء أعظم ما يمكن لعظم ما يشهد به، يعني لو لك دين على شخص مائة ريال مثلاً تريد أن تذهب لرجل كبير القدر، يعني في عصرنا مائة ريال كبير القدر عظيم الشأن إما من الوجهاء والأعيان أو من العلماء وتروح توقظه في منتصف الليل تقول تعال اشهد لي على هذه المائة أو أدنى شخص، لكن لو كان هناك بيع أو صفقة عمارة بملايين أو بمئات الملايين ما يكفيك أدنى واحد لازم تبحث لك عن شهود بمستوى هذه الصفقة، وابن القيم رحمه الله تكلم على هذه الآية وعلى هذه الشهادة والشهداء والمشهود به وعظمهم في تقرير فضل العلم وأهله من كتاب..

طالب: مفتاح دار السعادة.

مفتاح دار السعادة نعم بكلام مفصل ومطول لا تجده عند غيره رحمه الله.

وعبارات السلف في شهد تدور على الحكم  والقضاء والإعلام والبيان والإخبار وهذه الأقوال كلها حق لا تنافي بينها فإن الشهادة تتضمن كلام الشاهد وخبرِه وتتضمن..

وخبرَه وخبرَه.

فإن الشهادة تتضمن كلام الشاهد وخبرَه وتتضمن إعلامه وإخباره وبيانه فلها أربع مراتب فأول مراتبها علمٌ ومعرفة واعتقاد لصحة المشهود به وثبوته وثانيها.

لا يمكن أن يشهد شخص من غير علم حتى شاهد الزور لا يمكن أن يشهد من غير أن يعلم ما يشهد به، لا بد أن يلقن فيما يزوَّر له من كلام إذا ذهب إلى القاضي لإثبات هذه الشهادة، تشهد بأي شيء إذا قال ما أعلم لا بد أن يعلم ما يشهد به ولو كان زورا، فكيف بمن يشهد شهادة الحق؟ فأول المراتب علم ومعرفة ثم يأتي الحق اعتقادا لصحة المشهود به؛ لأن شاهد الزور لا يشهد لصحة ما يشهد به وإنما يشهد لأجل حطام هذه الدنيا أو لنفع أقوام وضرر آخرين.

وثانيها تكلمه بذلك وإن لم يعلم به غيره بل...

يعني يردده في نفسه ويعتقده في نفسه وإن لم يُعلم به غيره وإن أعلم به غيره بالمرتبة الثالثة.

بل يتكلم بها مع نفسه ويذكرها وينطق بها أو يكتبها، وثالثها أن يُعلم غيره بما يشهد به ويخبر به ويبينه له، ورابعها أن يلزمه بمضمونها ويأمره به فشهادة الله سبحانه لنفسه بالوحدانية والقيام بالقسط تضمنت هذه المراتب الأربع علمه سبحانه بذلك وتكلمه به وإعلامه وإخباره لخلقه به وأمرهم وإلزامهم به فأما مرتبة العلم فإن الشهادة تضمنتها ضرورة وإلا كان الشاهد شاهدًا بما لا علم له به قال تعالى:       الزخرف: ٨٦  وقال -صلى الله عليه وسلم- «على مثلها فاشهد» وأشار إلى الشمس وأما مرتبة..

لكن الحديث كما هو معلوم ضعيف ضعفه ابن حجر وغيره، وضعفه ظاهر وإن صححه الحاكم.

وأما مرتبة التكلم والخبر فقال تعالى: ﯖﯗ ﯙﯚ الزخرف: ١٩  فجعل ذلك منهم شهادة وإن لم يتلفظوا بلفظ الشهادة ولم يؤدوها عند غيرهم، وأما مرتبة الإعلام والإخبار فنوعان إعلام بالقول وإعلام بالفعل وهذا شأن كل معلِمٍ لغيره بأمر تارة يعلمه به بقوله وتارة بفعله ولهذا كان من جعل داره..

ولهذا بين النبي -عليه الصلاة والسلام- الدين إما بقوله أو بفعله وأعلَمهم بذلك وبلغهم رسالة ربه بقوله وهذا كثير وغالب بفعله في الأمور العملية كالصلاة والصيام والحج وهو القدوة والأسوة «وصلوا كما رأيتموني» وحجوا أو «خذوا عني مناسككم» هذا إعلام بالفعل وذاك إعلام بالقول.

أحسن الله إليك.

ولهذا كان من جعل داره مسجدًا وفتح بابها وأفرزها بطريقها وأذن للناس بالدخول والصلاة فيها مُعْلِمًا أنها وقف وإن لم يتلفظ بذلك.

إذا لم تدل قرينة على خلاف ذلك فإن دلت القرينة بأن كان فتحه لهذا المكان وإعداده مصلى وفرشه وفتحه أوقات الصلاة قد يكون مؤقتا؛ لأن هناك مسجد يعمر ويبنى في الحي وبجانبه مكان، بيت مثلاً لأحد الجيران فتحه للناس وقت الصلاة وأذن للناس يدخلون يصلون، هل معنى هذا أنه أوقفه والمسجد ينتظر يبنى؟ هذا إذا دلت القرينة على أنه ليس بوقف فالعمل على القرائن، وإلا إذا نظرنا ولي هناك شيء غير هذه البقعة وهيأها للناس وأعدها وأذن للناس أن يصلوا فيها فالذي يغلب على الظن أنها وقف مسجد ولو لم يصرِّح بذلك، وكذلك لو أنشأها، فمثلاً اشترى قطعة أرض وبناها وجعل فيها محرابا ومئذنة وأبوابا على السكك وأذن للناس بالصلاة فيها هل يقال هذا مؤقت؟ لا، ليس مؤقتا، فالقرائن تدل على هذا وعلى ذاك، كذلك لو سوّر أرضا وأذن للناس يدفنون فيها موتاهم عرفنا أنه أوقفها مقبرة ولو لم يتكلم.

وكذلك من وُجد متقرِّبًا إلى غيره بأنواع المسار يكون معْلمًا له ولغيره أنه يحبه وإن لم يتلفظ بقوله وكذلك بالعكس وكذلك شهادة الرب عز وجل وبيانه وإعلامه يكون بقوله تارة وبفعله أخرى، فالقول ما أرسل به رسله وأنزل به كتبه وأما بيانه وإعلامه بفعله فكما قال ابنُ كيسان شهد الله بتدبيره العجيب وأموره المحكمة عند خلقه أنه لا إله إلا هو وقال آخر:

وفي كل شيء له آية   

 

تدل على أنه واحد   .

ومما يدل على أن الشهادة تكون بالفعل قوله.

يختلفون في نسبة هذا البيت هل هو لأبي نواس أو لأبي العتاهية، وعلى كل حال معناه صحيح وله تتمة من جملة أبيات وهي موجودة في ديوان أبي العتاهية.

ومما يدل على أن الشهادة تكون بالفعل قوله تعالى:   ﮏﮐ التوبة: ١٧  فهذه شهادة منهم على أنفسهم بما يفعلونه والمقصود أنه سبحانه يشهد بما جعل آياته المخلوقة دالة عليه ودلالتها إنما هي بخلقه وجعله وأما مرتبة الأمر بذلك.

وكذلك تظافر دلالة الآيات المتلوة، فإذا كان الآيات المخلوقة من السموات والأرض وما فيهما وما بينهما تدل على وجود الله جل وعلا وأنه هو المتفرد بالخلق والرَّزق والتدبير والإلهية كلها تدل.

وفي كل شيء له آية    .

 

تدل على أنه واحد    .

فكذلك آياته المتلوة وهي قد تكون أوضح لأن المنطوق به يفهمه جميع الناس بخلاف المخلوقة فإنها لا يفهمها ولا ينتبه إليها إلا من وفقه الله للتدبر والتأمل والتفكر.

وأما مرتبة الأمر بذلك والإلزام به وإن مجرد الشهادة لا يستلزمه لكن الشهادة في هذا الموضع تدل عليه وتتضمنه فإنه سبحانه شهد به شهادة من حكم به وقضى وأمر وألزم عباده به كما قال تعالى:   الإسراء: ٢٣  وقال تعالى:    ﯣﯤ النحل: ٥١  وقال تعالى: ﯧﯨ التوبة: ٣١  وقال تعالى: الإسراء: ٢٢  وقال: ﮏﮐ القصص: ٨٨  والقرآن كله شاهد بذلك ووجه استلزام..

يكفي حسبك يكفي.

 

أحسن الله إليك.

"