شرح العقيدة الواسطية (42)

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في تتمة الكلام السابق في الصحابة -رضوان الله عليهم-: ويمسكون، يعني: أهل السنة والجماعة، يمسكون يكفون ويحجمون ولا يقدمون على ذكر ما شجر بين الصحابة من اختلاف وقتال ونزاع لما لهم من الفضائل، ولما لهم من الحق على الأمة، لا يجوز أن يُجعلوا فاكهة للمجالس، يُتحدث بمثالبهم وما حصل منهم، يقول -رحمه الله-: ويمسكون عما شجر وما بدر وما بدا من الصحابة، ويقولون: إن هذه الآثار المروية المدونة في كتب التواريخ وكتب الأدب في مساوئهم منها ما هو كذب وهذا كثير جدًّا، منها ما هو كذب، وهذا أكثر ما يذكر عن الصحابة، وفي كتب الأدب من ذلك الشيء الكثير، وكذلك في كتب التواريخ؛ لأن هؤلاء المؤلفين لا يسلمون من هوى، فالنواصب وضعوا وكذبوا في مثالب أهل البيت، وعكسهم الروافض وضعوا وأسرفوا وأكثروا في مثالب الصحابة، فالكثير من ذلك كذب.

لا تقبلن من التوارخ كل ما

 

جمع الرواة وخط كل بنان.

أكثر التواريخ تحتاج إلى إعادة نظر، تحتاج إلى إعادة نظر، وأن تدرس الأخبار والآثار على منهج أهل الحديث في النقد، وإذا حصل ذلك بان الواقع وارتحنا من كثير من هذه الأخبار، تجد كتب التواريخ مشحونة بمثالب الصحابة وما شجر بينهم، لا سيما تلك الكتب التي كتبها من تلبس ببدعة نصرًا لمذهبه وحطًّا على مخالفه، وأما بالنسبة لما جاء في كتب الأدب في تشويه صور الأبرياء من الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم حتى من الخلفاء والله المستعان، فلا تقبل هذه الأخبار إلا بعد نقدها وتمحيصها، وظهر حديثًا كتاب يدرس أخبار تاريخ الطبري يبين الصحيح منه والضعيف، هذا جهد طيب لو صُنع في هذه الكتب لا سيما المبنية على الأسانيد، أما ما لا إسناد له مما يوجد في كتب التواريخ وكتب الأدب فهذا يرد مباشرة؛ لأن المعوّل على الثبوت، والثبوت مبناه على الإسناد، مبناه على الإسناد، ما لا يذكر فيه إسناد فلا قيمة له، وإذا كان صاحب العقد الفريد وهو أفضل بكثير وأنظف بكثير من الأغاني وغيره من كتب الأدب لما طُولب -ذكر عن بعضهم- أنه لما طولب بإسناد أخذ بمجامع ثوبه وأسنده إلى الحائط، وقال: هذه أسانيدنا، وكم من خبر يذكر في هذه الكتب ومداره على وضّاع، فهذه المروية، هذه الآثار المروية في مساوئهم ومثالبهم منها ما هو كذب وهذا كثير جدًّا، والقبول مداره على الثبوت، نعم أهل العلم يتساهلون في أخبار المغازي والسير يتساهلون في قبولها، لكن هذا فيما لا يترتب عليه حق، مجرد الأخبار وسرد الأخبار التاريخية التي لا يُفهم منها ما يترتب عليه حكم شرعي هذا يتسامحون فيه؛ لأن القصد منه التسلية والاستجمام، وقد يذكر للاعتبار شريطة ألا يتعرض لأحد؛ لأن الكلام في الأشخاص محرَّم، والمحرم من أحكام الشرع، فيطلب له ما يطلب لأخبار الأحكام، ولا يقبل إلا بسند صحيح، هذا إذا ترتب على ذكره فائدة، ومع الأسف أن المسألة مازالت إلى يومنا هذا، وبعض الناس فاكهته الكلام والقيل والقال في الأخيار، فضلاً عن الأشرار، وقد يسلم كثير من الأشرار من لسانه ويتصدى للأخيار، هذا خذلان ونتيجته الحرمان من العلم والعمل؛ ولذا لا تجد في هؤلاء الكتبة من الأدباء الذين يذكرون هذه المثالب ويأتون بها على أنها أخبار مسليّة وفيها الدسائس، لا تجد فيهم من هو حقيق وجدير بالعلم والعمل، مثل هذا يحرم؛ فإذا كان المسعودي وهو من أوائلهم وهو فيه تشيع ومؤرخ، وإذا كان صاحب الأغاني كذلك فيه تشيع وهو أيضًا شُعوبي ناقم على العرب، فمثل هؤلاء كيف يعتمد على أخبارهم؟ كيف تقبل أقوالهم؟ كيف تصدق نقولهم؟ هؤلاء لا يؤمَنون من تركيب الأسانيد ولو ذكروا الخبر بأصح الأسانيد لا يؤمنون من تركيب الأسانيد، فهؤلاء ليسوا بثقات، ومثلهم كثير؛ ولذا يقول القحطاني -رحمه الله-:

لا تقبلن من التوارخ كل ما 

 

جمع الرواة وخط كل بنان

تثبت، لا سيما الذي يترتب عليه انتهاك عرض، أعراض المسلمين حفرة من حفر النار -يقول ابن دقيق العيد-: وقف على شفيرها العلماء والحكام، فلا بد من التحري والتثبت لا سيما ما يتعلق بالعلماء وما يتعلق بالحكام، ووقوفهم على شفيرها يدفعون من يتكلم في أعراضهم بغير حق، والتأويل الآخر أنهم يحتاجون إلى الكلام في الناس وقد يزلون فيتكلمون فيمن لا يستحق الكلام؛ ولذا عاب بعضهم على المحدثين أنه يتكلم في الرواة فلان ضعيف وفلان كذاب وفلان كذا، وقد يكون هذا الراوي الذي يتكلمون فيه قد حط رحله في الجنة، لكن كلام العلماء في الرواة إنما هو لمحض النصيحة، وهذا واجب من واجبات الدين، فالدين النصيحة؛ لأن العلماء لو تركوا هذا المجال لما عرفنا صحيح الحديث من سقيمه، فلا بد من الكلام في الرواة، لكن الكلام في شخص لا يترتب على الكلام فيه شيء احفظ لسانك، ولن تسأل عنه يوم القيامة، والله المستعان.

منها ما هو كاذب ومنها ما قد زيد فيه ونقص، يعني يكون له أصل، القصة لها أصل، لكن زيد فيها أو نقص منها، ولا شك أن الزيادة والنقص مؤثران في القصة، فإذا زيد فيها على الواقع ردت، وإذا نقص منها عن واقعها فإنها ترد؛ لأن الزيادة والنقص قد يكون مُخِلاًّ بالأصل، وهذا أيضًا كسابقه ينبغي يجب أن يرد؛ إنما يؤخذ الثابت فقط من غير زيادة ولا نقصان، مع أن الثابت من ذلك هم معذورون فيه؛ لأنهم مجتهدون كما يقرره الشيخ -رحمه الله-، ومنها ما قد زيد فيه ونُقص وغير عن وجهه، غير عن وجهه، تجد الصحابي الجليل فعل هذا الفعل لقرائن احتفت به، ونزَّله سائق الخبر على غير ما سيق من أجله، فالخبر قد يكون مقبولاً في حال ومردودًا في حال، ويصدر عن الصحابي في الحال التي هي محل القبول فيصرفه ويجعل الحال التي من أجلها حصل هذا الأمر في الحال المردودة، ولا شك أن الأحوال لها تأثير في الأخبار، لها تأثير في الأخبار، النبي -عليه الصلاة والسلام- لما قال: «ما بين المشرق والمغرب قبلة» معروف أن النبي -عليه الصلاة والسلام- خاطب به أهل المدينة، لكن هل يقبل أن يخاطب به أهل نجد أو أهل مصر؟ لا يقبل، لا يمكن أن يقبل، فهو مقبول في حال دون حال، وهذا في كلام من لا ينطق عن الهوى، فكيف بكلام غيره؟ كيف بكلام غيره؟ والله المستعان.

والصحيح منه يعني الثابت عن هؤلاء الأخيار هم فيه معذورون، هم فيه معذورون، إما مجتهدون مصيبون وإما مجتهدون مخطئون، هم معذورون بالاجتهاد، فإذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ له أجر، لكن شريطة أن يكون من أهل الاجتهاد، أما غير أهل الاجتهاد لا يجوز لهم أن يجتهدوا في مثل هذه الأمور ولا في غيرها من أمور الدين؛ ولذا لا يجوز أن يتولى القضاء أو الولاية عامّي لا يصلح للاجتهاد، ثم بعد ذلك يقول: إنه اجتهد سواء أصاب أو أخطأ مأجور، لا يمكن هذا، لا بد أن يكون من أهل الاجتهاد.

والصحيح منه هم فيه معذورون؛ لأنهم مجتهدون، فمن أصاب الحق له أجران ومن أخطأه بعد استفراغ وسعه وبذل جهده في النظر مأجور أجر واحد، وإن أخطأ كما جاء في الحديث، وهم مع ذلك -يعني أهل السنة والجماعة- لا يعتقدون أن كل واحد من الصحابة معصوم من كبائر الإثم أو صغائره، أهل السنة لا يدعون العصمة لأحد إلا للأنبياء، أما من دونهم فليس بمعصوم، تجري منه الذنوب، ويجوز عليه الصغائر والكبائر، وقد حصل من بعضهم ما حصل في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- منهم من سرق، ومنهم من زنى، ومنهم من شرب، حصل منهم هذا، لكن كم نسبة من حصلت منه، هذه الهفوات بالنسبة لغيرهم ممن لم يحصل منه وقائع الزنا، خمس لا تزيد، ونحن نرى ونقرأ ونسمع من يقول: إن المجتمعات لا بد أن يقع فيها ما يقع، وهذا عصر النبوة لم يسلم، نعم لم يسلم، لكن كم نسبة من وقع منه هذا الخطأ؟ السرقة كم سرق من الصحابة؟ كم زنا منهم؟ الزنا خمس وقائع فقط، كم شرب؟ إذا قسنا هذا بمن جاء بعدهم من العصور يعني في القرن الثاني كثر وتضاعف أضعاف كثيرة، والذي يليه أشد، ولا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه، ويبرر بعضهم يقول: إن عشرة بالمائة ليست بظاهرة، أمر طبيعي عشرة بالمائة، يعني إذا كان الرياض خمسة ملايين، خمسمائة ألف سهل، يعني أمر طبيعي عادي لا تحتاج إلى علاج؛ لأنها ليست ظاهرة. الله المستعان، يعني هذا يجعل..، يخدر الناس ويوطئ للإباحية، مثل هذا الكلام فلا يجوز مثل هذا الكلام بحال، يعني خمس قضايا في جيل كامل يقال: لا مانع أن يقع عشر بالمية، يعني هل الصحابة خمسون رجلاً ليقال عشرة بالمائة، الرسول -عليه الصلاة والسلام- توفي عن أكثر من مائة ألف، كم نسبة خمسة لمائة ألف؟ لا شيء، لا شيء، والله المستعان.

طالب: .................

إيه من كل عشرين ألف واحد.

طالب: .................

لا على عهد الرسول -عليه الصلاة والسلام-.

وهم مع ذلك لا يعتقدون أن كل واحد من الصحابة معصوم عن كبائر الإثم وصغائره، بينما أهل البدع يدّعون العصمة لكبرائهم ورؤسائهم ومتبوعيهم يرون أنهم معصومون، وإذا كانوا معصومين فكل ما ينطقون به فهو شرع، وهذا سبب ضلالهم إن صح ما ينسبونه إليهم، وغالبه ليس بصحيح، غالبه ليس بصحيح، قوم بُهت أهل كذب -نسأل الله السلامة والعافية- بل يجوز عليهم الذنوب في الجملة، تجوز الذنوب على غير المعصوم، غير المعصوم يجوز عليه أن يرتكب الذنب، بل يجوز عليهم الذنوب في الجملة، أهل العلم يفرقون بين قولهم في الجملة وبين قولهم بالجملة، في الجملة وبالجملة، في الجملة يعني: في غالب الأحوال لا في جميع الأحوال ولا في جميع الأشخاص، وأما بالجملة فهذه يشمل جميع الأحوال وجميع الأشخاص، والتجويز لا يعني الوقوع، التجويز لا يعني الوقوع، بل يجوز عليهم الذنوب في الجملة، ولهم من السوابق -يعني مما يختصون به في مقابل ما يقع منهم من هفوات- لهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر عنهم إن صدر، لهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر عنهم إن صدر، يعني على سبيل المثال قول النبي -عليه الصلاة والسلام- في أهل بدر: «وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم» هذه سابقة تستوجب المغفرة، هذا إن صدر عن بدري ما صدر، مع أنه صدر من حاطب ما صدر من إخباره أو من إرساله للمشركين بخبر النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا شك أن هذه هفوة وزلة عظيمة، زلة عظيمة، لكنها وقعت من بدري، فالسبب قائم، لكن المانع قائم من إطلاق الحكم عليه، لكن لو وقع هذا من غير بدري لكان الشأن غير هذا، يعني غير بدري في هذه الحالة يستحق ضرب العنق، لكن الذي درأ عنه هذا مع وجود السبب وجود المانع، وهو كونه بدريًّا.

لهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر عنهم إن صدر، حتى إنهم يغفر لهم من السيئات ما لا يغفر لمن بعدهم؛ لأنهم اختصوا؛ خصَّهم الله -جلَّ وعلا- لصحبة نبيه -عليه الصلاة والسلام- ونصرته وحمل دينه وتبليغه إلى الآفاق مما لا يكون لغيرهم إلا بواسطتهم، يقول: لأن لهم من الحسنات التي تمحو السيئات مما ليس لمن بعدهم؛ لأن لهم من الحسنات التي تمحو السيئات مما ليس لمن بعدهم {إن الحسنات يذهبن السيئات} فهذه الهفوات -كما سيأتي- مغمورة في بحار الحسنات، عكس ما يقال لمن جاء بعدهم من بعض الناس: إن حسناته مغمورة في بحار سيئاته، ومع ذلك يتكلم فيهم، يعني مثل الحجاج عنده من السيئات ما يغمر فيها حسناته، نعم له حسنات، له كلمة التوحيد وله العناية بالقرآن، لكن لهم من السيئات من الظلم وامتهان وإذلال الصحابة -رضوان الله عليهم- ما حصل منه؛ ولذا يقول الذهبي وغيره: وله حسنات مغمورة في بحار سيئاته -نسأل الله العافية -، ومع ذلك يتكلم في الأخيار وعلى مر العصور يوجد له نظائر وأمثال، ولسنا بحاجة إلى التمثيل؛ لأن لهم من الحسنات التي تمحو السيئات مما ليس لمن بعدهم، وقد ثبت بقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إنهم خير القرون» إذا ثبت أن الحسنات تمحو السيئات وتذهب السيئات، وهذا نص قرآني لا يحتمل التأويل ونص محكم، فماذا عن السيئات هل تمحو الحسنات أو لا؟ أما بالنسبة للسيئة الكبرى التي هي الكفر، الشرك، الردة، فهذا لا إشكال في ذلك {لئن أشركت ليحبطن عملك}، ولكن ما دون ذلك من كبائر الذنوب لا تحبط الأعمال، عند المعتزلة ويسمون الإحباطية يقولون: تحبط، كذلك الخوارج؛ لأنهم يخرجون مرتكب الكبيرة من الإيمان بالكلية، وعند أهل العلم عند أهل السنة مسألة الموازنة بين الحسنات والسيئات، وقد تأتي هذه السيئات في المقاصة على جميع الحسنات، وليس هذا من باب الإحباط؛ إنما هو من باب المقاصة كما جاء في حديث المفلس، لكنه مع ذلك عنده كلمة التوحيد لا تحبط بمجرد الذنوب خلافًا للإحباطية الذين هم المعتزلة، {لئن أشركت ليحبطن عملك} الردة هل تحبط العمل بإطلاق أو لا بد أن يموت على الردة؟ {من يرتد منكم فيمت وهو كافر} هذا قيد، هذا قيد، فهل يشترط للإحباط أن يموت وهو كافر، أو بمجرد الردة يحبط عمله؟ {لئن أشركت ليحبطن عملك} والمسألة فيها آيتان إحداهما مطلقة والأخرى مقيدة، وتظهر الفائدة -فائدة الخلاف- في الحج إذا ارتد ثم عاد إلى الإسلام وقد حج حجة الإسلام قبل ردته، هل يؤمر بإعادتها أو لا يؤمر؟ من يقول: إنه يحبط عمله بمجرد الردة، هذا لا بد من الإعادة، يحج حجة الإسلام؛ لأن الأولى قد حبطت كغيرها من أعماله الصالحة، ومن يقول باشتراط أن يموت على ردته {فيمت وهو كافر} يقول: هذا لا يحتاج أن يعيد حجة الإسلام؛ لأنه سبق أن حج وعاد إلى الإسلام، والشرط بل القيد غير موجود، وقد ثبت بقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنهم خير القرون «خير الناس قرني»، خير القرون خير القرون بالنسبة لهذه الأمة التي هي التي هي خير أمة أخرجت للناس، من لازم ذلك أن يكونوا خير البشر باستثناء الأنبياء، إذا كانوا هم خير الناس وخير القرون، خير القرون بالنسبة لهذه الأمة، ومن باب أولى الأمم السابقة؛ لأن هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس، وأن المد من أحدهم إذا تصدق به كان أفضل من جبل أحد ذهبًا ممن بعدهم، وقد تقدم الكلام في هذا الحديث في بيان فضلهم «ولو أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه»، المد ما يملأ كفي الرجل المعتدل، هذا مد لا يوازي جبل أحد بالنسبة لنفقة الصحابة.

طالب: ...............

والله مقتضى القيد {فيمت وهو كافر} أنه لا بد أن يموت على ردته، وإلا عمله باق موقوف إلى أن يموت.

طالب: ....................

إذا عاد إلى الإسلام على الخلاف من يقول: إن مجرد الردة محبطة للعمل، يقول: يلزمه أن يحج، وإذا قال: إن العمل موقوف على الموت، فإن مات على عمله بطل حجه على ردته، بطل حجه، وإن عاد إلى الإسلام فحجه محفوظ له، فيمت وهو كافر، وهذا القيد معتبر، وأن المد من أحدهم إذا تصدق به كان أفضل من جبل أحد ذهبًا ممن بعدهم، ثم إذا كان قد صدر من أحدهم ذنب فيكون قد تاب منه، يعني يوفق للتوبة، إذا صدر من أحدهم ذنب وُفِّق للتوبة، وكثير منهم يقدِّم نفسه يأتي تائبًا منيبًا نادمًا، ويقدم نفسه للإزهاق لإقامة الحد، وأي توبة أعظم من أن يقدم مهجته لإقامة الحد عليها، ويصرف عن ذلك ويصر، فيكون قد تاب منه، هذه حال لبعضهم، أو أتى بحسنات تمحوه، تمحو هذا الذنب الذي وقع منه وصدر منه، والحسنات -كما تقدم- يذهبن السيئات، أو غُفِر له بفضل سابقته؛ لأن هذه الذنوب لجميع الأمة من أولها إلى آخرها ما دون الشرك تحت المشيئة، تحت المشيئة، فهؤلاء بفضل سابقتهم تغفر لهم وتمحى هذا الذنوب وأثرها، وهم أولى الناس بهذا أو بشفاعة محمد -صلى الله عليه وسلم- التي ثبتت في حق العصاة مما يثبته أهل السنة والجماعة وينكرها الخوارج والمعتزلة، أو بشفاعة محمد -صلى الله عليه وسلم- الذين هم أحق الناس بشفاعته، هم أحق الناس صحابته -عليه الصلاة والسلام- الذين نصروه ونصروا دعوته وأحاطوه بما يحيطون به أنفسهم وأهليهم وذراريهم، هؤلاء هم أحق الناس بهذه الشفاعة، أو ابتلي ببلاء في الدنيا كُفر به عنه وهذا لا يختص بهم، بل ما من مسلم يصيبه هم أو غم أو حزن أو أذى إلا كُفر به من خطاياه، والمصائب تحتّ الذنوب كما تحتّ الرياح ورق الشجر، فإذا ابتلي ببلاء في الدنيا كفر به عنه، وهذا ليس خاصًّا بهم، فإذا كان هذا في الذنوب المحققة، هذه الاحتمالات كلها في الذنوب المحققة الثابتة عنهم بالأسانيد الصحيحة، كما ثبت الزنا عن ماعز أو الغامدية أو العسيف، هذه ذنوب محققة ثابتة، هؤلاء كُفِّرت عنهم هذه الذنوب بإقامة الحد؛ لأن الحدود كفارات، لو قدر أنه وجد ممن لم يقم عليه الحد مثل هذه الذنوب فلهم من السابقة ولهم من الحسنات ولهم من شرف الصحبة الذي لا يتطاول عليه أحد جاء بعدهم، وشفاعة النبي -عليه الصلاة والسلام- هم أولى بها، وكذلك نصيبهم من الابتلاء كما هو شأن غيرهم في تكفير الذنوب وتحات الخطايا عمن فعل هذه الذنوب الخطايا كما هو معلوم، فإذا كان هذا في الذنوب المحققة، فكيف الأمور التي كانوا فيها مجتهدين، فإن أصابوا فلهم أجران -كما تقدم- وإن أخطئوا فلهم أجر واحد، والخطأ مغفور، يعني حصل من الصحابة ما حصل فيما بينهم، فالفتنة أو الفتن بدأت بقتل عمر -رضي الله عنه-، ثم بقتل عثمان، بعد قتل عثمان، حصل من الصحابة ما حصل، فحصل بين علي -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- مع عائشة وطلحة والزبير -خيار الأمة- حصل منهم ما حصل، هم في ذلك مجتهدون، هل يتصور من عائشة -رضي الله تعالى عنها- أن تكون قاصدة للمخالفة الشرعية في حق علي -رضي الله تعالى عنه- وهي أم المؤمنين وزوج النبي -عليه الصلاة والسلام- في الدنيا والآخرة، وتشير من يستشيرها بمن يبايع بعلي -رضي الله تعالى عنه- وأرضاه لو كان لهوى في نفسها تتبعه من غير اجتهاد ما حصل منها ما أشارت به من الأصل، كانت تستشار فيمن يبايع بعد عثمان فتشير بعلي -رضي الله عنه- وأرضاه، مع أنها في نفسها شيء يسير على علي -رضي الله عنه-؛ ولذلك لا تصرح باسمه، خرج النبي -عليه الصلاة والسلام- بين عباس وآخر..، والآخر هو علي -رضي الله عنه-، والسبب في ذلك أن النبي -عليه الصلاة والسلام- استشاره في حادثة الإفك، فقال: النساء غيرها كثير، يعني هذا أثر في نفسها، ومع ذلك من استشارها أشارت بعلي -رضي الله تعالى عنه- ما يدل على تجردهم للحق، حينما خرجت يوم الجمل على علي -رضي الله تعالى عنه- مجتهدة، كذلك طلحة والزبير كل هؤلاء أهل للاجتهاد، ومع ذلك لا يلزم أن تكون الإصابة في جانبهم، وأما ما حصل بين علي -رضي الله تعالى عنه- وبين معاوية فهم كذلك كلهم صحابة، وقد دخل مع الفريقين ممن جاء بعد الصحابة، لكن العبرة بعلي ومن معه من الصحابة ومعاوية ومن معه من الصحابة، كلهم مجتهدون وأولى الطائفتين بالحق طائفة علي -رضي الله عنه- فهم الذين أصابوا، ولهم على ذلك أجران، بينما مقابلهم اجتهدوا فأخطؤوا ولهم أجر واحد، وهذا هو الذي يترجح؛ لأن جاء في الحديث الصحيح في عمار «تقتله الفئة الباغية»، وقد خرج مع علي -رضي الله عنه- فقتله من قتله من حزب معاوية -رضي الله عنه- فهذه باغية، لكن الباغي آثم على كل حال، أو نقول: إن بغى بغير تأويل وبغير اجتهاد وليس أهل للاجتهاد فهو آثم، وإن كان بغيه عن اجتهاد كما حصل من الفئة الثانية المرجوحة وكان أهلاً للاجتهاد فإنه يؤجر على اجتهاده، وخطؤه مغفور، نعم، الآثار المترتبة على مثل هذا البغي آثار عظيمة، لكن عموم حديث: «إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد» يشمل مثل هذه القضايا الكبرى؛ لأنه يشمل الكبير والصغير، يعني إذا اجتهد في قضية في دراهم معدودة أصاب له أجران، أخطأ له أجر واحد، في قضية كبرى لا بد فيها من الاجتهاد، لا بد من حسمها، فأصاب له أجران، وإن أخطأ فله أجر؛ ولذا القضاء على هذا سواء كان المقضي فيه مليار أو درهم، المصيب له أجران والمخطئ له أجر واحد، ما يقال: ما ترتب على هذا الاجتهاد إراقة دماء...

الآن مثل هذه الأمور تكفُّ الألسن عنها، وهذا الأصل، الأصل الإمساك عما شجر بينهم؛ لأن هذه القضايا قضايا كبرى؛ لأنه لو حصل أن خرج على الإمام من خرج وبتأويل سائغ، الإمام عنده مخالفات كبيرة جدًّا لم يحتملها بعض من لديه غيرة، فخرج على الإمام المنصوب بحق لا يخلع إلا بحق فهو الأصل، فمهما خرج أو وقف في وجهه من وقف وقد تمت له البيعة ولم يأت بكفر بواح، ومع ذلك هو يصلي، يعني الغاية التي ذكرها النبي -عليه الصلاة والسلام- الخروج لا ما صلوا، لا، ما لم تروا كفرًا بواحًا، ما رأى هذين الأمرين ولو كان عندهم ما عندهم من مخالفات لا يجوز الخروج عليه بحال، لكن لو وجد ناس من أهل الغيرة وعندهم كذا وكذا، وقال: والله ما نصبر على هذه الطوام وخرجوا، هم بغاة على كل حال، هم بغاة، والله المستعان.

يقول: فكيف الأمور التي كانوا فيها مجتهدين؛ فإن أصابوا فلهم أجران وإن أخطؤوا فلهم أجر واحد، والخطأ مغفور، والخطأ مغفور، ثم القدر الذي يُنكر من فعل بعضهم قليل نزر، قليل نزر، مغمور، وفي بعض النسخ مغفور، قليل نزر مغمور في جنب فضائل القوم..، يعني شخص له قدم وله سابقة في الإسلام، عرف بنصر الدين، وعرف بالعلم والعمل والاستقامة والغيرة على دين الله وعلى محارم الله، حصلت منه هفوة أو زلة، هذه لا شك أنها مغمورة في بحار حسناته وهم أولى الناس بذلك، ثم القدر الذين ينكر من فعل بعضهم قليل نزر يسير مغمور أو مغفور في جنب فضائل القوم ومحاسنهم على ما ذكره الشيخ...

طالب: ..................

لا ما هم سبعين مع كل ألف سبعين ألفًا، إيه معروف هذا، لكن اللي فيه كلام مع كل واحد سبعين ألفًا.

طالب: ..................

إيه صحيح، هذا الكلام مسألة فيها كلام طويل لأهل العلم، فهل مثل هذا الفعل من غير اعتقاد مخرج من الملة ودرئ عن حاطب شفع له كونه من أهل بدر، وهذا المانع لا يوجد في غيره أو أن هذا لا بد فيه من اعتقاد مسألة كثير الكلام فيها، ولو راجعت كلام أئمة الدعوة كالشيخ عبداللطيف وغيره تكلموا في هذا في الدرر السنية.

يقول: ورد في تفسير الشيخ عبدالرحمن السعدي -رحمه الله- في قوله: {يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى} قال: كما أن الحسنات يذهبن السيئات، فكذلك السيئات تبطل الحسنات؟

نعم قد يقترن بالعمل ما يبطله، قد يقترن بالعمل ما يبطله، وليس هذا جاريًا، ليس هذا بجارٍ على مذهب الإحباطية، يعني العمل إذا عمله المسلم بشروطه وأركانه وواجباته ثم فرغ منه وثبت أجره له وكتب له هذا لا يحبط، يبقى له أجره، لكن إن اقترن به ما يقتضي البطلان، سائر الأعمال على هذا، إذا أتى بما يضاده ويناقضه انتهى، وليس معنى هذا أن السيئات بإطلاق تبطل الحسنات، فيه خطب للمخضوبي كانت مشهورة قبل سنين، وكان أكثر المساجد وأئمتها ممن لم يؤهل لتحضير الخطب يكتفون بهذه الخطب ويقرؤونها على المنابر، بل بعضهم يترك الكتاب في المنبر وهي مرتبة على الأشهر، وعلى الخطبة الأولى لشهر الله المحرم الثانية الثالثة الرابعة الأولى لصفر وهكذا، وفيها خطب للمناسبات هي خطب مسجوعة وفيها شيء مما يرق القلوب، وإذا كان القارئ لهذه الخطبة -إذا كان بعد- صوته ندي أثر في السامع، لكنها مكررة مكرورة يعني على مر السنين تكرر هكذا، ففي الخطبة الأولى لشهر شوال فيها فكما أن الحسنات يذهبن السيئات فكذلك السيئات يذهبن صالح الأعمال، هذا موجود ويردده الخطباء في كل سنة في الخطبة الأولى من شهر شوال، وكلام الشيخ الآن يقول: فكذلك السيئات تبطل الحسنات، هذا ليس على إطلاقه، يعني هل إذا زنى أو سرق تبطل صلاته أو يبطل صيامه؟ لا، لكن لو أتى بمبطل للصلاة، نعم تبطل، أتى بمبطل للصيام يبطل، أتى بمبطل للصدقة من مَنٍّ أو أذى هذا أتى بمبطل يضاد هذه العبادة، فليس هذا مما يوافق مذهب الإحباطية.

طالب: ..............

من عليه؛ لأنه أتى بما يناقضها، الأصل في الصدقة الإحسان ثم أتى بإساءة قد تكون بقدر هذا الإحسان وقد تكون دونه وقد تكون فوقه، قد يكون المن أشد من أثر هذه الصدقة.

يقول: ثم القدر الذي ينكر من فعل بعضهم قليل، نزر مغمور في جنب فضائل القوم ومحاسنهم، ثم فصل (مِنْ) هذه بيانية من الإيمان بالله ورسوله، من الإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيله والهجرة والنصرة والعلم النافع والعمل الصالح، يعني لهم من هذه الأمور القِدْح المعلا، لهم من الإيمان بالله ورسوله فما وقر في قلوبهم مما لا تزحزحه الشبهات ولا الشهوات، بل هو كأمثال الرواسي من الجبال، وقر في قلوبهم من الإيمان بالله ورسوله ما يحفظه ويعرفه كل من قرأ في سيرهم، ومع الأسف أن كثير من طلاب العلم لا يلتفت إلى مثل هذه السير، يعني يبخل ويشح بالوقت على مثل هذا تجده يُعنى بالأحكام، يعنى بالحديث وتكون عنايته بالقرآن وما يخدم القرآن أقل من عنايته بالحديث، وعنايته بالحديث أقل من عنايته بالأحكام العملية وهكذا، ومعرفة العقيدة أيضًا لها نصيب ولله الحمد من الدروس واهتمام العلماء والمتعلمين، لكن القراءة في السير بما في ذلك سيرة القدوة -عليه الصلاة والسلام- النصيب أقل، فلا بد من النظر في سير القوم؛ لأن هذا مما يقوي الإيمان ويثبته في النفس، كيف يتم الاقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام- وحياته العملية تخفى على كثير من طلاب العلم، ولعل من الفوائد التي حصلت بسبب النيل منه -عليه الصلاة والسلام- ما جعل بعض الناس يقرأ في سيرته وخصائصه ومعجزاته وشمائله، فما يحصل من هذه الأمور وإن كان لا شك أنه يؤثر في نفس المسلم ويحز فيها إلا أنه ليس بشر محض، الكلام في عرضه -عليه الصلاة والسلام- وهو أسوأ، الله -جلَّ وعلا- يقول: {لا تحسبوه شرًا لكم بل هو خير} فمثل هذه الأمور تلفت المسلمين إلى أن يقرؤوا، وقد حصل هذا من كثير من البيوت لا يعرفون عن النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا الاسم، ثم هذه الأحداث جعلتهم يطّلعون على سيرته وعلى شمائله -عليه الصلاة والسلام- ومعجزاته ودلائل نبوته، هذا مطلوب وهذا من أولى ما تصرف فيه الأوقات، فمثل هذا إذا اطلعنا على سير السلف الصالح لا شك أننا نعرف لهم أقدارهم، نعرف لهم أقدارهم، يعني لو لم نطلع على شيء من فضائل أبي بكر ما الذي يرجحه عندنا على غيره؟ يكون فيه شك، يعني من الأحاديث التي جاءت في فضله، لكن إذا اطلعنا في سيرته قرنا العلم بالعمل، ورأينا أن أبا بكر؛ لأن بعض الناس وبعض الكتاب -مع الأسف- يقف حيران حينما يسمع في فضائل أبي بكر وينظر في عمله، وينظر في فضائل عمر وينظر في عمله، يحصل عنده شيء من الخلل في التصور يعني عمر أفعاله العملية حاضرة في مناسبات كثيرة، بينما أبو بكر يعني سبب تفضيله يعني ما وقر في قلبه من الإيمان، وهذا من أعظم الأسباب التي يرجح بها الشخص، ثم بعد ذلك الآثار المترتبة على الإيمان، فالإيمان هو الأصل، وبهذا فاق أبو بكر غيره من الأمة؛ ولذلك بعض الكتّاب يعني يتردد يقول: كيف يفضل أبو بكر وعمر؟ في المناسبات كلها حاضر، ودعني أضرب عنق فلان، يعني غيرة هذه لا شك، لكن هل هذه أعظم من غيرة أبي بكر؟ يعني حينما يقول عمر: دعني أضرب عنق هذا المنافق، ويقول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: «اتركه» أيهم أشد غيرة، هل نقول: إن عمر أشد غيرة من النبي -عليه الصلاة والسلام- ما هو بصحيح هذا، فإذا نظرنا في سير القوم بدقة وحددنا فيها وتأملنا فيها وجدنا التفضيل على حقيقته.

ومن الإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيله، يعني لو نظرنا في المغازي وجدنا أنهم ضحوا بأنفسهم، ضحوا بأنفسهم وأموالهم وأولادهم بين يدي النبي -عليه الصلاة والسلام-، سابقوا وسارعوا ونافسوا في هذه الميادين مما لم يحصل لغيرهم ممن أتى بعدهم، والجهاد في سبيله والهجرة، الهجرة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- ليست كالهجرة بعد وفاته -عليه الصلاة والسلام- الهجرة واجبة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وبقي حكمها إلى قيام الساعة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام، وأما الهجرة إليه -عليه الصلاة والسلام- فهي شرط يشترطه النبي -عليه الصلاة والسلام- على من يريد بيعته فيختلف أمر الهجرة؛ ولذلك ينص عليها، والهجرة والنصرة نصروا النبي -عليه الصلاة والسلام- أنت لا تستطيع أن تنصر النبي -عليه الصلاة والسلام- بذاته؛ لأنه -عليه الصلاة والسلام- قد مات، لكن بيدك نصرة النبي -عليه الصلاة والسلام- تنصر سنته، تنصر دينه، ويحصل لك من ذلك النصيب الوافر -إن شاء الله تعالى-.

والعلم النافع والعمل الصالح، العلم النافع علم الصحابة علم السلف، والعمل الصالح فهم سباقون في ميادين العلم والعمل، قد يقول قائل: إننا لا نرى علمهم إلا شيئًا يسيرًا، جُمل يسيرة تُروى عن أبي بكر، وجُمل يسيرة تروى عن عمر وعن أكابر الصحابة، بينما نجد من جاء بعدهم من ألّف مئات المجلدات، كيف يفوقون في العلم؟ علم السلف يختلف جذريًّا عن علم الخلف، علم السلف قليل مبارك وعلم الخلف كثير؛ تجد السالف من هذه الأمة يفتي في مسألة بجملة والمتأخر من هذه الأمة يكتب فيها مجلد، وليس هذا دليل على أن هذا أمتن علمًا، وأكثر علمًا من ذاك، لا، والحافظ ابن رجب في فضل علم السلف على الخلف بين هذا وجلاه، وقال -رحمه الله-: من فضل عالمًا على آخر بمجرد كثرة الكلام فقد أزرى بسلف هذه الأمة؛ لأن كثرة الكلام ليس ممدحة باستمرار، نعم قد تدعو إليه الحاجة كما هو شأن شيخ الإسلام، شيخ الإسلام ابتلي بمخالفين وصار يرد عليهم، وأسقط الواجب بهذه الردود، فله أجره، هذا جهاد، لكن إذا أمكن إجابة الموافق بأقل كلام وبأوضح كلام وبأوجز عبارة فهو الأصل، بخلاف المخالف الذي يحتاج إلى إيراد الأدلة وبسط الكلام ما لا يحتاجه الموافق، العمل الصالح هم أهل العلم وهم أهل العمل، وينصح كل طالب علم أن ينظر في كتاب فضل علم السلف على الخلف للإمام الحافظ ابن رجب -رحمه الله- يقول: ومن نظر في سيرة القوم بعلم وبصيرة وتجرد، تنظر في سير القوم وهي مدونة في سير أعلام النبلاء، وفي الحلية لأبي نعيم وغيرها من الكتب، من نظر في سيرهم بعلم وبصيرة، بصيرة ثاقبة يميز بين الفاضل والمفضول من الأعمال، وما منّ الله عليهم به من الفضائل علم يقينًا جزم يقينًا أنهم خير الخلق بعد الأنبياء؛ لأنهم خير قرون هذه الأمة، وهذه الأمة خير الأمم، إذًا هم خير الأمم حاشا الأنبياء، قال: علم يقينا أنهم خير الخلق بعد الأنبياء، لا كان ولا يكون، لا كان ولا يكون مثلهم، يعني ولا وجد في السابق ولا يوجد في اللاحق مثلهم، وأنهم الصفوة من قرون هذه الأمة «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم» القرن الجيل، وانتهى قرن الجيل -الأجيال الثلاثة- على رأي شيخ الإسلام بنهاية الدولة الأُمَويَّة، فكأنه يرى أن القرن يعادل أربعين سنة، مائة وعشرين، يعني بعد وفاته -عليه الصلاة والسلام- فهذا هو المعدل لا يقال: إن الناس يعيشون أكثر، لا، لكن فيه تداخل، تجد عشرين من القرن في القرن الماضي، ثم أربعين في القرن الذي يليه، يعني فيه تداخل بين هذه القرون، الحافظ ابن حجر يرى أن القرون المفضلة تنتهي بسنة مائتين وعشرين؛ لأن فيها آخر أتباع التابعين الذين هم القرن الثالث، وأنهم الصفوة من قرون هذه الأمة التي هي خير الأمم، التي هي خير الأمم وأكرمها على الله -عزَّ وجل-، ومضى الكلام في خيرية الصحابة على هذه الأمة، وخيرية الأمة هذه على سائر الأمم {كنتم خير أمة أخرجت للناس} بأي شيء؟ {تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر} هذا هو سبب خيرية هذه الأمة، وتركه سبب لعن بني إسرائيل، فالمزية التي ميزت هذه الأمة على غيرها من الأمم {تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} أُخِّر الإيمان عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع أنه شرط لصحة الأمر والنهي وقبوله، فتأخيره عنه يدل على أهمية الأمر والنهي، وأما بالنسبة للإيمان بالله فليس بسبب لتفضيل هذه الأمة على غيرها من الأمم؛ لأنهم آمنوا بالله يعني ما اتبع الأنبياء منهم آمن بالله، فليس لنا ميزة عليهم في الإيمان بالله؛ لأن من تبع الرسل والأنبياء آمنوا بالله؛ إنما الميزة والتي هي سبب خيرية هذه الأمة {تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر} فمتى حافظنا على سبب هذه الخيرية استمرت هذه الخيرية، إذا أضعناها حل بنا ما حل ببني إسرائيل -نسأل الله السلامة والعافية-.

اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

هذا يسأل وهو سؤال مهم يقول: كيف نجمع بين كون الصحابة -رضي الله عنهم- أفضل الخلق بعد الأنبياء، وبين ما ثبت مرفوعًا: «أن الصابر في زمن الغربة له أجر خمسين من الصحابة»؟

أيام الصبر التي أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- في حديث حسنه جمع من أهل العلم عند أحمد وأبي داود وغيرهما «أن العامل في آخر الزمان له أجر خمسين»، يعني المتمسك بالسنة العامل بها له أجر خمسين قيل: منهم، قال: «لا، منكم» وهذا يرجع إلى ذات العمل، يعني هذا العمل أفضل من العمل في وقت ما يوجد فيه من الإهانة؛ لأن زمن الغربة الإنسان يضيق عليه بسبب عمله فيحصل له من الأجور أجر خمسين من الصحابة في هذا العمل، أما أجر الصحبة وشرف الصحبة لن يناله أحد مهما بذل؛ لأن المُد «لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» هل هذا نسبته خمسين بالمائة خمسين من واحد إلى خمسين؟ لا، ولا إلى خمسة ملايين في فضل الصحابة -رضوان الله عليهم- أما هذا بالنسبة لهذا العمل الخاص وكون الشيء يفضل من وجه لا يعني التفضيل المطلق، والله أعلم.

 

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.