بلوغ المرام - كتاب البيوع (07)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

سم.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني -رحمه الله تعالى- في كتابه بلوغ المرام:

باب: الخيار

عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أقال مسلماً بيعته أقال الله عثرته)) رواه أبو داود وابن ماجه, وصححه ابن حبان والحاكم.

هذا الحديث تابع للباب السابق، الخيار أوله حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-، نعم.

أحسن الله إليك.

وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا، وكانا جميعا, أو يخير أحدهما الآخر, فإن خير أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع, وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع)) متفق عليه, واللفظ لمسلم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

باب: الخيار

الباب مضى التعريف به مراراً، وأنه في الأصل وضع لما يدخل ويخرج منه، ثم اصطلح أهل العلم وتعارفوا على جعله عنواناً لما يضم فصولاً ومسائل غالباً، والخيار اسم مصدر من خيّر، أو اختار، خير يخير تخييراً، هذا المصدر، واسمه -اسم المصدر منه- خياراً، أو اختار يختار اختياراً، هذا المصدر، واسم المصدر منه خياراً.

والخيار في اصطلاح أهل العلم: طلب خير الأمرين من إمضاء البيع أو فسخه، طلب خير الأمرين من إمضاء البيع أو فسخه، والخيرية تكون بالنسبة لمن طلبه، فهو خير له فيما يبدو له، ولولا ذلك لما اختار الإمضاء أو الفسخ، والخيار أنواع ذكر منها المؤلف -رحمه الله تعالى- خيار المجلس، وخيار الشرط، وخيار الغبن، ومنها أيضاً خيار العيب، وخيار الخلف في الصفة، وخيار التدليس، وأنواع أخرى ذكرها أهل العلم تفصيلها في كتب الفروع.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا تبايع الرجلان)) تبايعا: تفاعلا، والمفاعلة والتفاعل إنما تكون بين طرفين، تبايعا، والعقود لا تكون إلا بين اثنين، لا تكون إلا بين اثنين، بين عاقدين، وهنا بائع ومشتري، وإطلاق التبايع على الطرفين حقيقة فيهما، أو يقال: هو بالنسبة للبائع حقيقة، وبالنسبة للمشتري فيه شيء من التجوز، وإن أطلق في بعض النصوص على المشتري أنه بائع، وهو في الحقيقة بائع؛ لأن البيع مبادلة مال بمال، البيع في حقيقته مبادلة مال بمال على ما تقدم تعريفه في أول كتاب البيوع، فكل منهما معطي الآخر ما بيده، فالبائع للمشتري السلعة، والمشتري الذي هو بائع أيضاً من هذه الحيثية معطيٍ لما معه من الثمن للبائع، فكل منهما بائع وكل منهما مشتري، من هذه الحيثية قال: ((إذا تبايع الرجلان)) الرجلان وفي حكم ذلك الرجل مع المرأة، أو المرأتان، فإذا تبايع المرأتان ثبت لهما هذا الحكم، أو تبايع رجل مع امرأة فالحكم كذلك، وينص على الرجال كثيراً في هذا الباب؛ لأن الرجال هم الأصل في هذا الباب، وأما بالنسبة للنساء يحصل منهن ما يحصل من عقود، وتصح عقودهن؛ لأنهن يملكن، والمال الذي بيد المرأة ملكها، وتتصدق منه بما شاءت بغير أذن زوجها؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لما خص النساء بخطبة خاصة في يوم العيد وحثهن على الصدقة تصدقن من غير إذن أزواجهن، وعلى أنه جاء في سنن أبي داود بإسناد لا بأس به على أن المرأة لا تتصرف إلا بإذن زوجها، فالمرأة تملك وتتعامل بالمعاملات المباحة كالرجل إلا أنه ينص على الرجل كثير في هذه الأبواب؛ لأنه هو الأصل، ولو قيل: إن امرأة ما عقدت عقداً منذ أن ولدت إلى أن ماتت ما بعد، وصار إجراءً طبيعياً ما تلام؛ لأنها مكفية، والرجال قوامون على النساء، وتقضى حاجتها وهي في بيتها، وهو الأصل، إتباع للأمر بالقرار في البيوت، خلاف ما إذا كانت المرأة خراجة ولاجة كما هو شأن كثير من النساء مع الأسف الشديد في هذه الأزمان، كثير من الرجال يترك الأمر للمرأة ويدعها تذهب وترجع إلى الأسواق، في كل يوم، وتشتري حاجات البيت التي هي الأصل على عاتقه، وقد يكلفها بشراء ما يختص به دونها، وقد يستحي الرجل عن شراء بعض الأمور ويكلف المرأة بها، مع أن الأصل في المسألة العكس، المرأة هي التي تستحي، وعادي أن تقف المرأة عند محل تجاري تريد كذا مما يستحي الرجال أحياناً من ذكره، أو عند صيدلية أو غيره، يكلفها الرجل، حجة الرجل مثلاً أن المرأة متحجبة، والحياء في العيون، الحياء في العيون، لكن ليست بحجة، هذه ليست بحجة، كون المرأة تطلب شيئاً يستحي منه الرجال، وقد تستحي من زوجها أن تكلفه بهذا الأمر، أو من ولدها وتذهب هي بنفسها تشتري، وهذا قلب في التصور، وخلل في الفطر، فالأصل المرأة أن تقر في البيت، وأن تقضى حاجتها، والرجال قوامون على النساء، وتكفى المؤنة، وعليها مهمة عظمى وهي القيام بحقوق الزوج والأولاد وتربيتهم.

((إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار)) البائع والمشتري، المبايِع والمبايَع كل منهما بالخيار، إن شاء أمضى البيع وإن شاء فسخه، ما لم يتفرقا، وفي بعض الراويات: ((ما لم يفترقا وكانا جميعاً)) يعني في الأصل كان جميعاً، فإذا كان جميعاً وافترقا وكان جميعاً يعني نفترض أن المتبايعين في مكان واحد، وداخل أسوار مكان واحد، ما لم يتفرقا عن هذا المكان، وكان جميعاً فيه، لكن لو قدر أنهما ليسا جميعاً، كما يحصل بوسائل الاتصال الآن، هل نقول: إنهما جميعاً؟ يعني يتصور قبل هذه الوسائل أن المتبايعين لا بد أن يكونا جميعاً، ما لم يكن أحدهما وكيل عن غيره، والحكم حينئذٍ للوكيل، إذا تفرق البائع مع الوكيل عن المشتري أو العكس ثبت البيع؛ لأنه يقوم مقامه، ويأخذ حكمه.

((وكانا جميعاً)) افترض أنهما ليسا جميعاً واحد في الشرقية والآخر في الغربية وبالهاتف تبايعا، كيف ينتهي خيار المجلس؟ النص على أنهما كان جميعاً، نعم؟ هل له مفهوم؟ وكان جميعاً هذا مفهومه أنه إذا لم يكونا جميعاً يعني في مكان واحد فلا خيار للمجلس؛ لأنه لا حقيقة للمجلس، ولا مجلس يضم الاثنين، يعني هل يكون التفرق بالكلام بمجرد الإيجاب والقبول؟ أو بمفارقة كل واحد منهما مجلسه؟ أو يكون هذا هو مجلس البيع حكماً، لكن قوله: ((وكانا جميعاً)) يدل على أنه يحصل التفرق بمجرد انعقاد الصفقة، وهذه فائدة قوله: ((وكانا جميعاً)) وأما ما يتم بالوكالة فالوكيل له حكم موكله.

((ما لم يتفرقا)) ظاهر الحديث.. وفي أخره قال: ((وإن تفرقا بعد أن تبايعا)) ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع، يعني ظاهر اللفظ يدل التفرق بالأبدان، ((وكان جميعاً)) جميعاً بالأبدان أو بالأقوال؟ بالأبدان، وإن تفرقا بعد أن تبايعا, لا يتم التبايع، وإذا تبايعا لا يتم هذا إلا بعد التفرق بالأقوال، ويبقى الخيار إلى التفرق بالأبدان، والنص كالصريح في هذا، وبهذا يقول الشافعي وأحمد والصحابة بحيث لا يعرف من الصحابة من قال بخلافه، ومن تبعهم، فالمراد بالتفرق التفرق بالأبدان، ومذهب أبي حنيفة ومالك أن التفرق بالأقوال، ((إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا)) بالأقوال ولو لبثا في مجلسهما، خلاص قال: بعتك هذه الدابة أو هذه الدار بألف، وقال: اشتريت تفرقا بالأقوال، وعلى هذا يلزم البيع عندهما، ولو مكثا في المجلس، ولو طلبا أحدهما الفسخ، لا يتمكن من ذلك، فقد وجب البيع؛ لأن التفرق عندهما وعند من يقول بقولهما إنما هو التفرق بالأقوال.

ما الذي دعاهم إلى مثل هذا الكلام والحديث كالصريح في المراد بالتفرق بالأبدان، وصنيع الراوي ابن عمر يدل على هذا الفهم؛ لأن ابن عمر إذا عقد بيعاً مشى خطوات من أجل أن يلزم البيع، وقد جاء النهي عن ذلك، لكن ابن عمر لعله أن يبلغه النهي، المقصود أن هذا فهم الصحابي راوي الحديث، يمشي خطوات من أجل أن يلزم البيع، وما الذي دعا من يقول بأن التفرق بالأقوال لا بالأبدان إلى أن يقول ما قال مع أنه احتمال ضعيف جداً؟ وهؤلاء أئمة، يعني كلامهم ما جاء من فراغ، نعم فيه راجح ومرجوح، لكن هل يظن بأبي حنيفة أنه يخفى عليه المعنى الظاهر من هذا الحديث، ويلجأ إلى المعنى المرجوح؟ أو على مالك نجم السنن وقد روى هذا الحديث عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بسنده الصحيح عن نافع عن ابن عمر؟ مالك -رحمه الله- من أعمدة رواة هذا الحديث، فكيف لا يقول بخيار المجلس؟ حتى قال ابن أبي ذئب: "ينبغي أن يستتاب مالك لمخالفته هذا النص"، قال: وهذا النص يحتمل معنيين هو التفرق بالأبدان وهو الظاهر، والتفرق بالأقوال وهو معنى يحتمله الحديث، وهو مرجوح، لكن قد يلجأ إلى المرجوح إذا وجد ما يرجحه، يعني الظاهر والمؤول متى نعمد إلى المؤول الذي هو المرجوح؟ نعم؟ إذا وجد ما يدل على أنه هو المراد في هذا الموضع، إنما البيع عن تراض، {إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ} [(29) سورة النساء] وتراضوا وتم البيع خلاص انتهى، صار بيع، وأيضاً {وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [(282) سورة البقرة] في المجلس حضر البائع والمشتري والشهود، وقال البائع: بعتك كذا بكذا، وقال المشتري: قبلت ورضيت، وتمت الصفقة وشهد الشهود على ذلك، ومكثا في المجلس، الآن الشهادة لزمت وإلا ما لزمت؟ نعم؟ الأصل أن الشهادة لزمت، وكيف تلزم الشهادة على ما يمكن فصله؟ هذه من أدلتهم، نفترض أن الشهود شهدوا وانصرفوا والبائع والمشتري باقيان في المجلس، وبعد ما انصرف الشهود، قال المشتري: والله أنا رجعت خلاص أنا لا أريد البيع، أو قال البائع: أنا رجعت، على مقتضى الحديث له أن يرجع، لكن ماذا عن شهادة الشهود التي لزمت وانصرفوا بعدها؟ يقولون: يخالف مثل هذا، لكن كل عقد العبرة بنهايته، كل عقد العبرة بثبوته ونهايته، يعني لو حصل الخيار يبلغ الشهود بأن الصفقة ما تمت، وهناك أجوبة وردود ومقاولات بين الفريقين يطول المقام بذكرها، وعلى كل حال المرجح في هذا قول الحنابلة والشافعية من ثبوت خيار المجلس؛ لأنه هو الذي يدل عليه الحديث، وقبل التفرق بالكلام لا بيع، يعني هل يكون هناك بيع قبل أن يقول المشتري: اشتريت، لا بيع، وفي الحديث: ((إذا تبايع الرجلان)) وفي الرواية الأخرى: ((البيعان بالخيار)) هل يسمى بيع قبل أن يقول: اشتريت؟ هل هناك تبايع من الطرفين قبل أن يقول المشتري: قبلت؟ ما في بيع أصلاً، فكيف يثبت الخيار فيما لم يثبت؟ يعني نثبت الخيار قبل إبرام العقد؟ يثبت؟ له قيمة الخيار قبل إبرام العقد؟ الأصل الخيار طلب خير الأمرين من إمضاء البيع أو فسخه، الآن ما في بيع أصلاً لنطلب خير الأمرين، لكن أحياناً يتوهم أمور ومن أئمة يعني لا نقدح في هذا ولا نطعن في فهمهم، فمثلاً حديث: "أعتق النبي -عليه الصلاة والسلام- صفية وجعل عتقها صداقها" العتق يكفي عن الصداق، يقول أئمة كبار مثل أبي حنيفة وغيره: لا يصح أن يكون العتق صداقاً، أعتقها وجعل عتقها صداقها، قالوا: لا يخلو إما أن يكون النكاح قبل العتق أو بعده، لا يخلو إما أن يكون النكاح قبل العتق أو بعده، فإن كان قبل العتق فهي أمة ولا يجوز نكاح الأمة إلا مع العجز عن طول الحرة، فتبقى ملك يمين ما صار نكاح، وإذا كانت ملك يمين ما تحتاج إلى مهر أصلاً، وإن كان النكاح بعد العتق فيه أملك لأمرها إن شاءت قبلته وإن شاءت ردته، ويكون لها حينئذٍ مهر مثلها، فلا يصح العتق أن يكون صداقاً، يعني مثل هذه الأمور، وهذه التحليلات من أهل العلم التي تأتي على بعض النصوص بالبطلان تطبل مفاد النص، يعني مثل القول بأن التفرق المراد به التفرق بالأقوال؟ يلغي فائدة الخبر، ما يجعل للخبر قيمة، يجعله لغو من الكلام؛ لأنه لا بائع ولا مشتري، الآن ما تم شيء من أجل أن نقول: لهم الخيار، ومثله قولهم في: "جعل عتقها صداقها" وهذه وعود تنبني عليها العقود يعدها بأن يعتقها، ويعدها بأن يكون العتق هو الصداق، ولو قيل: بأنه جعل قيمتها صداقها ما بعد من حيث المعنى، جعل قيمتها، يعني باعها على نفسها، فجعل هذه القيمة هي صداقها وإلا فالصداق لا بد منه، الآن حينما يقولون: في العتق والصداق يقولون: حصل النكاح قبل العتق فليست بزوجة، هي ملك يمين، وإن كانت زوجة فلا بد أن يكون عاجزاً عن طول الحرة، وعلى هذا يكون العتق نافذاً وإلا غير نافذ؟ لأنه عتق مشروط بالنكاح، هو نكاح مترتب على العتق، فهم لا يجيزون بعض النصوص كلما يدقق فيها بما فيها من الاحتمالات العقلية المجردة، نعم؟ نأتي عليها بالنقض، الشخص الذي خرج بسيارته وقال: سيارتي قيمتها خمسون ألفاً، أنا أبيع السيارة بخمسين ألفاً، ثم جاء شخص وقال: لا يا أخي سيارتك ما تجئ بخمسين ألفاً، قال: أنزل لك عشرة آلاف، تصير بأربعين، على متقضى كلامهم أنه تنازل عن العشرة قبل أن يملكها بالعقد، فلا يصح التنازل فتعود إلى الخمسين، ترى هذا متقضى كلامهم، ظاهر وإلا مو بظاهر؟ يعني شخص تنازل عن شيء لا يملكه؛ لأن ملكه للخمسين إنما هو بالعقد، وتنازل عن عشرة قبل أن يملكها بالعقد، فلا يصح هذا التنازل، لكن هل هذا يمكن أن يقول به أبو حنيفة وغيره؟ يمكن أن يقول بهذا؟ ما يكمن أن يقول بهذا، وقل مثل هذا فيمن يقول: بالزوج الذي يكون فيه شيء من التنازل من قبل المرأة مثلاً، أو من قبل الرجل؛ لأن المسألة عرض وطلب، إذا ارتفعت أسهم الرجل ضغط عن المرأة فجعلها تتنازل عن بعض حقوقها أو العكس؛ لأن بعض النساء تشترط على بعض الأزواج شروط لولا أنه أقل من مستواها ما اشترطت عليه، فإذا قال: لا قسم ولا نفقة ورضيت، بعضهم يقول: لا يصح النكاح، لماذا؟ لأنها تنازلت عن هذه الأمور قبل أن تملكها، نقول: هذا الكلام مثلما يتنازل صاحب السيارة من الخمسين إلى الأربعين قبل أن يملكها، والمماكسة في البيع معروفة، فمثل هذه الأمور والاحتجاج بها والاستدلال بها تأتي أحياناً على النصوص بالإبطال، فقولهم: إذا قلنا: إن الشاهد إنما يشهد قبل التفرق أو نلزمه بالبقاء إلى التفرق حتى يلزم العقد؟ ولا ملزم له، ما يستطيع أحد يلزم الشاهد أن يقول: ابق معنا حتى نتفرق، ولو قام أحدهما من أجل أن يثبت البيع لوقع في النهي، وعلى كل حال المرجح في هذه المسألة قول الشافعية والحنابلة، ولو لم يكن في النص إلا قوله: ((إذا تبايعا الرجلان)) وقبل العقد بالإيجاب والقبول لا تبايع أصلاً، ولا بيع ولا بيّع.

((أو يخير أحدهما الآخر)) بأن يشترط أحدهما الخيار مدة زائدة على المجلس، فيقول: لي الخيار أو لك الخيار ثلاثة أيام مثلاً، أو يتفقا على إسقاط خيار المجلس، أو يخير أحدهما الآخر، أو يقول: لزمك البيع من غير خيار، لا مجلس ولا غيره، أو يقول: لي خيار الشرط، فإذا اتفقا على شيء من هذا فالمسلمون على شروطهم، وإلا فقد وجب البيع، ((فإن خير أحدهما الأخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع)) إذا خير أحدهما الآخر بأن قال: لا خيار لك، لا خيار مجلس ولا شرط وجب البيع بالنسبة له، وإذا كان هذا بالنسبة للطرفين فقد وجب البيع لهما.

((وإن تفرقا بعد أن تبايعا)) والبيع لا يكون إلا بعد الإيجاب والقبول، وحمل البيع على السوم -مجرد سوم- خلاف الظاهر؛ لأنه قال: ((وأن تفرقا بعد أن تبايعا -يعني تساوما- ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع)) إيش لون؟ ((وأن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع)) متفق عليه, البيعان أو إذا تبايعا يعني تساوم الرجلان عند الحنفية والمالكية، وإطلاق البائع والبيع والتبايع على السوم خلاف الظاهر، وعرفنا أن فهم ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- للتفرق أنه التفرق بالأبدان، ويدل على ذلك صنيعه، وأنه كان يمشي خطوات من أجل أن يلزم البيع، ولو لم يكن في القول الثاني إلا أنه إلغاء للحديث، وإبطال لفائدته، نعم.

وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده -رضي الله تعالى عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((البائع والمبتاع بالخيار حتى يتفرقا, إلا أن تكون صفقة خيار, ولا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله)) رواه الخمسة إلا ابن ماجه, ورواه الدارقطني وابن خزيمة وابن الجارود. وفي رواية: ((حتى يتفرقا من مكانهما)).

هذا الحديث يقول المؤلف:

"وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده" ومضى مراراً الكلام في هذه السلسلة، وأقوال أهل العلم، وخلاف في الاحتجاج بها فمنهم من يحتج بها ويجعلها من قسم الصحيح، ومنهم من يردها ويضعفها بسبب الخلاف في عود الضمير في قوله: "عن جده" هل يعود لعمرو أو شعيب، والمسألة مضى بحثها مراراً، وأعدل الأقوال عند أئمة التحقيق أنه إذا صح السند إلى عمرو فالحديث من قبيل الحسن، وهذا الحديث كذلك، حسنه جمع من أهل العلم.

"وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده -رضي الله تعالى عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((البائع والمبتاع))" البائع صاحب السلعة، والمبتاع المشتري الذي يدفع الثمن بالخيار حتى يتفرقا، حتى يتفرقا متى نسمي صاحب السلعة بائع وصاحب القيمة مبتاع؟ نسميهما بائع ومبتاع إذا ثبت البيع بالإيجاب والقبول، يعني هل نستطيع أن نسمي شخصاً ما قال قبلت نسميه مبتاع؟ نعم؟ ما قال: قبلت هل نستطيع أن نسميه مبتاع؟ وهل نستطيع أن نسمي شخصاً عرض سلعته ولم يذكر لها ثمناً، أو ذكر لها ثمناً ولم يتفق عليه هل نسميه بائع؟ هناك ما يسمى باعتبار المستقبل، باعتبار ما سيكون، لكن ليس مراداً هنا، نسميه مبتاع إذا كان ذلك في المستقبل، وإذا تحقق وقوعه قلنا: مبتاع، إذا كان هذا الأمر مما يغلب على الظن أو يتحقق وقوعه نسميه مبتاع، كما يقال في الوعد الجازم بأن يزوج فلان فلانةً فلاناً، يزوجه ابنته، وجزم بذلك وتواطؤا على هذا ممكن أن نقول: هذا زوج فلانة باعتبار ما سيكون، لكن هل نثبت له من الأحكام شيء؟ هو مجرد إطلاق، لكن لا يثبت له من الأحكام إلا بعد تحقق الوقوع، وهنا لا نقول: بائع ولا مبتاع ونرتب عليه أحكام قد نتجوز ونقول: هذا بائع وهذا مبتاع باعتبار أن الصفقة ستتم من باب التجوز، لكن لا ترتب الأحكام عليه إلا إذا تحقق الوقوع.

((بالخيار حتى يتفرقا -والتفرق بالأبدان على ما تقدم- إلا أن تكون صفقة خيار)) يعني مثلما تقدم، يُخير أحدهما الآخر ((ولا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله)) يعني من أجل أن يلزم البيع يقوم فيخطو خطوات ويخرج من المكان من أجل أن يلزم البيع، بهذه النية، لا، لكن إذا انتهى المقصود، ورأى أن الجلوس لا فائدة منه، أو كان وراءه عمل آخر ينتظره وتفرقوا من أجل ذلك لم يدخل في النهي، لكن النهي منصب على إذا كان الباعث خشية أن يستقيله، وابن عمر -رضي الله عنهما- نقل عنه أنه كان يفعله، ولعله لم يبلغه هذا النهي ((ولا يحل)) وإذا انتقى الحل ثبتت الحرمة، ومنهم من يقول بالكراهية فقط، الكراهة؛ لأن فعل الصحابي يجعلونه صارف لما في الخبر ((لا يحل له)) إذا انتفى أو نفي الحل ثبتت الحرمة هذا هو الأصل، وما دام ثبت عن ابن عمر راوي الحديث، وأنه كان يفعل فكأنه حمله على الكراهة، هذا إذا قلنا: إنه بلغه الخبر، ولا يظن بابن عمر أنه يبلغه مثل هذا الخبر ويخالفه.

((خشية أن يستقيله)) السين والتاء للطلب، يعني يطلب إقالته، نعم.

وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: ذكر رجل للنبي -صلى الله عليه وسلم- أنه يخدع في البيوع فقال: ((إذا بايعت فقل: لا خلابة)) متفق عليه.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: ذَكر" أو ذُكر، وضبط بهذا وهذا، وآخر الحديث يدل على أنه ذكر، ذكر رجل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن نفسه أنه يخدع في البيوع، يغلب، مسترسل إذا رأى سلعة يريدها لا يسأل عن ثمنها، ولا يتحرى في ذلك، ولا يعرف المماكسة، يُخدع في البيوع، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا بايعت فقل: لا خلابة)) يعني لا خديعة ولا غبن، وهذا الرجل هو حبان بن منقذ، رجل أصابه ضربة على رأسه فصار فيه شيء من التغفيل بسببها، وأثرت أيضاً على لسانه، فيقول: لا خذابة بالذال، والأصل أن الخلابة الخديعة والخيانة والغش، فإذا اشترط أنه لا خلابة ولا خيانة ولا خش ولا غبن صار له الخيار، وطالع عمره إلى ولاية عثمان -رضي الله عنه- فكان إذا بائع أحداً وأراد الرد أتى بمن يشهد له من الصحابة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال له: ((إذا بايعت فقل: لا خلابة)) وكان يقولها فيثبت له الخيار، وهذا ما يسمى عند أهل العلم بخيار الغبن، والغبن يقول به جمع من أهل العلم، وهو معروف عند الحنابلة أنه إذا وجد في ثمن السلعة غبن وزيادة تقدر بالثلث أخذاً من قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((الثلث كثير)) في حديث الوصية، فقدروا ذلك بالثلث، وإلا فالأصل أن ما في تقدير، وأكثر أهل العلم على عدم إثبات هذا النوع من الخيار، وأن الإنسان إذا فرط ولم يحتط لنفسه لم يثبت له هذا النوع من الخيار، ومنهم من يقول: الدنيا كلها لا غبن فيها، ولو بيعت السلعة بعشرة أضعاف لا غبن فيها، والغبن إنما يكون في القيامة {ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} [(9) سورة التغابن] أما الدنيا فكلها ما فيها ما يستحق أن يسمى غبن، اللهم إلا فيما يضر بالآخرة، أو لا ينفع ولا يفيد في الآخرة هذا هو الغبن، ومنه الحديث الصحيح: ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ)) مغبون دل على أن هناك غابن ومغبون، لكن في ترك ما ينفع في الآخرة، أو ارتكاب ما يضر، هذا المغبون، عدم استغلال الصحة والفراغ فيما يقرب إلى الله -جل وعلا- غبن، وأي غبن يعني أنت إذا افترضت أن شخصاً نام الضحى وفاته ما كسبه غيره من أمور الدنيا بأن يكون زيد من الناس خرج إلى السوق، وربح ألف في الضحى، والثاني: نام ولا ربح شيء، صلوا الظهر جميعاً هذا في جيبه ألف ريال، وذالك ما في جيبه شيء، نقول: هذا مغبون؟ على هذا الحديث ليس بمغبون، لكن لو افترضنا أن شخصاً نام الضحى لمدة أربع أو خمس ساعات، والثاني: قرأ في هذه الخمس الساعات نصف القرآن، هذا غابن وإلا مغبون؟ هذا الغابن حقيقة؛ لأنه أدرك ما فات على غيره مما يوصله ويقربه إلى الله -عز وجل-، ومتى يبين هذا؟ يبين في يوم التغابن، يبين الفرق، ولهذا أكثر أهل العلم على عدم إثبات خيار الغبن، وإثبات خيار الغبن معروف عند الحنابلة وجمع من أهل العلم، ويحدون هذا بالثلث، لكن في أسواق المسلمين اليوم تغابن كثير تجد سلعة تباع مثلاً بألف في مكان، ونفس السلعة تباع في مكان آخر بمائة، وهذا يفعله كثير من التجار بناءً على أنهم لو نزلوا في سعارها ما انباعت، ما جاء من يشتريها؛ لأن الناس اعتادوا أن الجودة تابعة للقيمة من غير إعمال نظر ولا فكر، وشخص يبيع المتر من القماش بمائة وخمسين وجاره يبعه بخمسة عشر ريالاً، والناس مقبلون على الغالي، ويتركون السعر المنخفض؛ لأنهم يتصورون أن السعر المنخفض دلالة على رداءة السلعة، ويصرحون يصرح بعضهم أنه لو خفض من سعرها ما مشت، والنساء في الغالب وأشباه النساء هذا مقياسهم، وعلى هذا معولهم، يعلون على القيمة، لكن هل في هذا ما يبرر رفع الأقيام إلى أضعاف؟ ليس ما فيه ما يبرر، نقول: والله إذا ما رفعنا السعر كسدت البضاعة، خلها تكسد، تربح ربحاً قليلاً يبارك لك فيه خير من أن تربح الأموال الطائلة التي تجتمع عليك بهذه الأسباب، هذا غش للمشتري، وفي النهاية تذهب عليك سداً، لا استفدت منها لا في دينك ولا دنياك، قليل مبارك خير كثير منزوع البركة، وهذا أمر مشاهد، الذي يرفق بالمسلمين وينصحهم هذا يبارك له، وجاء في الحديث الصحيح ((أنهما إن بينا وصدقا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما محقت بركة بيعهما)) فالتحديد بالثلث الذي يقول به الحنابلة، إذا كان سبب الزيادة تكاليف، والتكاليف تتفاوت من محل إلى آخر، شخص استأجر محلاً بمائة ألف، وآخر استأجر بعشرة آلاف، وهذا يجد وهذا يجد، ثم هذا رفع الأقيام إلى النصف؛ لأن تكاليف الأجرة أعظم من تكاليف ذاك، يلام أو لا يلام؟ استأجر بمائة ألف يقول: من أين أطلع الإيجار؟ لازم أرفع الأسعار، يعني قيمة السلعة الحقيقية عليه بتكاليفها، في أحد بيقول للبائع: ليش تحسب علي أجرة الدكان أو أجرة العامل أو مصاريف الكهرباء، أو التلفون أو شيء من هذا، يعني لو جاءت السلعة قيمتها مثلاً بالصين، أو باليابان أو بغيرهما بمبلغ كذا، لكنه صرف عن هذه السلع حتى وصلت صرف عليها مكالمات، صرف عليها سمسرة ووسائط إلى تضاعفت تكاليفها، تكاليفهما بما يحف بها، فهذا الذي استأجر الدكان بمائة ألف هل نقول: لازم تبيع مثل يبيع الذي استأجر بعشرة آلاف؟ لا، أقول: ملاحظة الطرفين البائع والمشتري أمر لا بد منه، فلا نلاحظ حال المشتري على حساب البائع أو العكس، لكن على المشتري أن يحتاط لنفسه، إذا احتاط لنفسه وسعر السلعة من أكثر من محل، وأخذ بأقلها لا يلام، لكن إذا استرسل واشترى من أول محل، وبعض الناس يؤثر أن يتشري السلعة الغالية طلباً للراحة، يقول: عندنا في الحي تباع بألف، وهي موجودة في وسط البلد بخمسمائة، ليش أكلف نفسي وأروح وأجي وأضيع وقتي على شان هذا الفارق؟ نقول: مثل هذا ورد على بينة ولا خيار له، والخلاصة أنه إذا كانت الزيادة مما تحتملها أسواق المسلمين فلا خيار، وكون الإنسان يغلب بناء على تفريطه يتحمل، أما إذا كانت الزيادة مما لا يتداول مثله في أسواق المسلمين شخص اشترى سلعة ولبس على الناس فيها وعرضها عرضاً يجعلها تباع بأضعاف قيمتها، لا شك أن هذه خديعة، وغش وخيانة للناس مثل هذا يعزر بردها، نعم.

باب: الربا

عن جابر -رضي الله تعالى عنه- قال: "لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه" وقال: ((هم سواء)) رواه مسلم.

وللبخاري نحوه من حديث أبي جحيفة -رضي الله تعالى عنه-.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

باب: الربا

الربا: مقصور، وقد يُمد من ربا يربو إذا زاد، فالربا الزيادة، ومن ذلك قول الله -عز وجل-: {اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} [(5) سورة الحـج] يعني زادت، والربا من كبائر الذنوب، وحرب لله ولرسوله، {بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ} [(279) سورة البقرة] والمرابي في قول جمع من أهل العلم يبعث يوم القيامة مجنوناً، أخذاً من قول الله -جل وعلا-: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [(275) سورة البقرة] الربا ولو قلت نسبته إذا ثبت أنه ربا فهذا مآله، وهذا مصيره {فأذنوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ} [(279) سورة البقرة] حرب، نسأل الله السلامة والعافية، ومن يقدر ومن يثبت لحرب الله ورسوله، كثير من الناس تساهل في أمر الشبهات، واسترسل فيها، وحام حول الحمى، ثم وقع فيه، واستمرأه، وصار لا يهتم به، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كما في حديث جابر: لعن آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه، آكل الربا الذي يأخذه وهو حقيق وجدير وخليق بذلك؛ لأنه هو المستفيد من الربا، وموكله الذي يدفع الربا؛ لأنه يتعاون مع المرابي آكل الربا، وكاتبه وشاهديه ممن علم بالصفقة، وأنها صفقة محرمة، شريك لهما في الإثم، وداخل في اللعن، نسأل الله السلامة والعافية، اللعن هو الطرد والإبعاد من رحمة الله -عز وجل-، فآكل الربا مجرم، نسأل الله السلامة والعافية، محارب لله ورسوله، وموكله الذي يمكن الآكل منه، الطرف الثاني في العقد شريك له، وكاتبه وشاهداه متعاونان معه على الإثم والعدوان، فالحكم واحد بالنسبة للجميع، وقال: ((هم سواء)) إثمهم واحد، ولو لم يجد المرابي من يشهد له، ولا من يكتب له، ما رابا؛ لأنه يخشى أن ينكره الطرف الآخر، وهو مظنة لذلك، يعني إذا باع البائع مبلغاً من المال بأكثر منه إلى أجل، أو باع ربوياً بجنسه مع التفاضل أو عدم التقابض ربا، على آخر قد يكون الآخر محتاج، لكنه متعاون مع المرابي آكل الربا، والكاتب هو الذي يثبت هذا العقد، إذ لولا كتابة هذا الكاتب، وشهادة هذا الشاهد لأنكر المحتاج، الذي يعقد عقد ربا الإنكار أسهل من الربا، والربا وإن كان في الظاهر أخذ المال على طريق التراضي لكن لا يكفي في هذا التراضي، بل لا بد أن يكون العقد على مراد الله -جل وعلا-، وعلى ضوء ما جاء على نبيه -عليه الصلاة والسلام-، وإلا فقد يكون الربا أعظم من السرقة والغصب والنهب، وإن كان الكل حرام، لكن جاءت نصوص الوعيد في الربا أكثر، وحينئذٍ لا يكفي التراضي حتى يكون العقد على مقتضى النظر الشرعي، آكل الربا قد يقول قائل: أنا لا آكل، يتعامل بالربا، ويشتري بيت أو يشتري سيارة، يقول: أنا أكل ما آكل، أعرف أن الجسد الذي ينبت على الحرام سحت، سحت النار أولى به، لكن يقول: أنا أبني بيت وإلا أرابي من أجل أن أشتري سيارة أو أتزوج، لكن ما آكل، والنص في الآكل، التنصيص على الآكل لأنه أبلغ وجوه الانتفاع، ولا ينفي ما عداه، الشرب مثله، وقل مثل هذا في أكل مال اليتيم، الشرب مثل الأكل، سائر الاستعمالات مثل الأكل لكن التنصيص على الأكل لأنه أظهر وجوه الانتفاع.

"آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه" وقال: ((هم سواء))" وعلى كل حال فالحديث دليل على أن الربا من كبائر الذنوب؛ لأنه لعن صاحبه، وجاء في ذلك ما هو أشد من مجرد اللعن، جاءت نصوص على الحديث الذي سيأتي بعد هذا حديث ابن مسعود يدل على أن الربا من عظائم الأمور، ولا يقال: هذه نسبة ضعيفة، الربا يقدم الإنسان على الربا ويقول: نسبة ضعيفة، واحد بالمائة، اثنين بالمائة هذه ما تشكل شيء، ولا تؤثر في المشتري، أقول: الإقدام على العقد المحرم حرام، ولا يكفي في هذا التخلص منه، يقدم على عقد يلعن من أجله ثم بعد ذلك يتخلص منه! لا يكفي، نظير من يقدم على الزنا ثم يعقد يصحح، ما يكفي، فالأمر جد خطير، والربا قليله وكثيره في النصوص سوء، وإذا سمع المرابي مثل هذا الكلام كلام النبي -عليه الصلاة والسلام- وما جاء عن الله -جل وعلا- ولم يتب فالغالب أن قلبه ممسوخ نسأل الله السلامة والعافية، ممسوخ، يحتاج إلى علاج قلبه ليعود ويفيق، وعلى هذا {فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ} [(275) سورة البقرة] له ما سلف، فإذا تاب المرابي بعد أن عمل في الربا سنين، وتاب قبل مدة، قبل سنين، عشر سنين أو أكثر، شخص من أعمدة البنوك والربا، وقد بدأ التجارة بعشرين ريال، وتاب عن مليارات، قد تبلغ المائة، فله ما سلف {وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ} [(279) سورة البقرة] والخلاف في المراد برأس المال، هل هو رأس ماله وقت دخوله في التجارة الأولى، أو رأس ماله وقت التوبة؟ والتوبة تجب ما قبلها، أو تهدم ما كان قبلها، فهذا صاحب العشرين ريال الذي دخل في التجارة قبل ستين سنة ثم تاب عن المليارات هل يقال له: ما لك إلا عشرين ريال، وتخلص من البقية؟ أو نقول: لك رأس مالك وقت التوبة؟ يعني هذا أنك إذا وجد ربا لم تقبضه لا يجوز لك أن تأخذه، ليس لك منه إلا رأس مالك؟

طالب:.......

هاه؟

طالب:.......

وكل بيدخل في الزنا ثم يتوب، كل يشرك ويتوب، ومن تاب تاب الله عليه، صح وإلا لا؟ يعني أنت تمنع المشرك الذي عاش سبعين سنة في الشرك ثم تاب؟ يعني أي ذنب الذي رابا عشر سنين أو عشرين أو ستين سنة، أو أشرك سبعين سنة ثم أسلم، والكلام الذي يوجه لمثل هذا أن هذا فيه تسهيل للاستمرار في الربا، مثل تسهيل أمر الزنا وأمر الشرك إذا فتحنا لهم أبواب التوبة، هل معنى هذا أننا نسهل عليهم؟ هل يوفق للتوبة وهذه نيته؟ هل يقول: أبي استأنس وانبسط لي عشرين ثلاثين سنة ثم أتوب؟ مثل هذا من يضمن له أن يعيش إلى أن يتوب؟ هذا الحكم واحد، الذنوب واحدة، ليس في هذا تسهيل أبداً، لكن في هذا حث على التوبة، يعني لما نقول للشخص الذي يملك المليارات بعد عشرات السنين: ما لك إلا عشرين ريال، هل هذا نحثه على التوبة أو نصرفه عن التوبة؟ نعم؟ نصرفه عن التوبة، ومن المحال يعني على طريقة شيخ الإسلام -رحمه الله- يكرر مثل هذا الكلام في مواضع: من المحال في العقل والدين أن الله -جل وعلا- يحث على التوبة، ويأمر بها، ويوجبها على الناس، ويحب التائب، ويحب التوابين، ويفرح بتوبة عبده، ثم يصده عنها، يعني لو أن مغني مثلاً، مغني خمسين سنة يغني، ويأخذ الأموال من الناس، وعمر البيت، وتزوج، وأولاد وأسرة، نقول: اطلع البيت؟ تخلص من البيت؟ أو نقول: التوبة تهدم ما كان قبلها، والله غفور رحيم لنرغبه في التوبة؟

طالب:.......

وين؟

طالب:.......

إذا تاب وتاب الله عليه انتهى الإشكال، مثلما الطيب ينصرف إلى الخبث، الحمير كان طيبة فصارت خبيثة، ويش يصير؟ الكلام مع الدليل وجوداً وعدماً، ما دل الدليل على حله فهو طيب، ما دل الدليل على تحريمه فهو خبيث، الخمرة كانت طيبة فصارت خبيثة، لما كانت مباحة نقول: خبيثة؟ لما كانت مباحة؟ إذاً هذه أوصاف معنوية تنتقل مع الدليل، شوف الحديث الثاني، حديث ابن مسعود.

وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الربا ثلاثة وسبعون باباً، أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه, وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم)) رواه ابن ماجه مختصراً, والحاكم بتمامه وصححه.

هذا الحديث حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- في التهويل من شأن الربا، "عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الربا ثلاثة وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه))" هذا للتنفير من الربا، والحديث يعني بمفرداته قد لا يصل إلى درجة الصحيح، لكن له شواهد من أقواها حديث أبي هريرة عند ابن ماجه أيضاً، والحديث مصحح من قبل جمع من أهل العلم، لكن هل معنى هذا أن الربا اليسير أيسره مثل أن ينكح الرجل أمه، وفي رواية: ((علانية)) النفوس تتقزز من مثل هذا، يعني النفوس السوية والفطر السليمة تنفر من مثل هذا بمجرد سماعه، فضلاً عن رؤيته، فضلاً عن مزاولته، والربا قد يتساهل الناس فيه؛ لأن الناس يتصورون بعض الأمور بحسب تأثيرها عليهم، فكثير من الناس لا يدرك خطورة الشرك بينما يستنكر ما هو دونها من الذنوب، يعني قد ينكر أشد الإنكار على امرأة متبرجة مثلاً، ومعه حق في هذا، لكن لا ينكر من يقول: يا فلان، لا ينكر على من يقول: يا فلان، يقول: ذنبه على جنبه، ليش؟ لأنه نظر إلى أثر المعصية عليه، ولذا تجد الناس يتفاوتون في تقدير التبرج، ويتفاوتون في تقدير أثره؛ لأنه حسب تأثيره عليهم، شخص شديد التعلق بالنساء، شديد التأثر برؤيتهن يرى أن أدنى شيء تبرج، ويقع في نفسه من خلال هذه النظرة ما يقع من عظم الأمر عليه فتجده ينكر هذا المنكر أشد مما ينكره زيد من الناس، يعني فرق بين شخص يرى هذه جريمة ومنكر عظيم، وأنه لا بد من تغييره؛ لأنه أثر في نفسه، الأخر ما أثر في نفسه، يقول: المسألة خلافية، والأمر سهل، ما يوجد مثل هذا؟ لكن يتفقون، عامة الناس يتفون على أن نكاح الأم أمر شنيع وخطير، ولذا التمثيل به بالزنا حصل من قبل شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-، فجاء بمثال وقال: إن امرأة صاحت ثم بعد ذلك تبين أن رجل دخل عليها البيت، وفجر بها، ففزع الناس أين هذا الرجل؟ كيف فعل؟ وكيف صنع؟ ثم لما صار من الغد قال: لا الأمر غير هذا، إنها لما..، المقصود أن المسألة شركية فيها شرك، في ذبح ديك أو شيء من هذا، أو أنها أصيبت مثلاً بجن فصاحت، ثم قيل لها: اذبحي كذا فتشفين فذبحت، فتساهلوا هذا الأمر بالنسبة للزنا، فالزنا تنفر منه النفوس، وحق لها أن تنفر منه؛ لأنه من الموبقات، نسأل الله السلامة، من كبائر الذنوب، من عظائمها، لكن أين الزنا بالنسبة للشرك الأكبر الذي لا يغفر؟! فيضرب المثل بالزنا لنفرة الناس عنه، ولتقرر أحكامه في نفوس؛ ولأنه يعلم حرمته الخاص والعام، شخص يتلفظ بلفظ شرك، ثم يقول له صاحبه: هذه الكلمة شرك، نسأل الله السلامة والعافية، قال: لا، شيوخنا يقولون هذا، قال: لكن الله -جل وعلا- يقول كذا، قال: هذا لا يفهمه إلا العلماء، وشيوخنا يقولون كذا، لو هو شرك ما قالوه، ثم بعد ذلك وهم في المجلس دخلت بنت لهذا الرجل وسيمة، لكنها صغيرة، قال له صاحبه الذي يحاوره قال: لماذا لا تتزوج هذه البنت؟ أقل الأحوال اعقد عليها ما تفوتك، قال: بنتي، قال: وبعدين لو صارت بنتك؟ المهم لا تفوتك، قال: بنتي حرام، قال: ويش يدريك أنها حرام؟ قال: الله -جل وعلا- يقول: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} [(23) سورة النساء] قال: أنت تفهم هذا ولا تفهم الشرك وهو أعظم؟! الزنا أمر متفق عليه مغروس في النفوس أنه منفور منه، كل يعرف تحريمه، ولذا قال: ((أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه)) والناس يردون في التمثيل إلى ما يعرفونه ويتفقون عليه، كثير من الناس يقول: وبعدين ريال بريالين ويش صار؟ مات؟ ما صار شيء، الناس يبذرون العشرات بل المئات، ما هو بمسألة ريال زاد وإلا نقص، هو محتاج إلى أن يصرف عشرة بتسعة، أي واحد يقضي حاجته، نقول: يا أخي هذا ربا، جريمة عظمى، محاربة لله ورسوله، يقول: ريال إيش الريال؟ ترى لسان حال كثير من الناس يقول هذا، يقول هذا كثير من الناس بلسان مقاله لا بلسان حاله، ويتساهلون في هذا الأمر، ويقولون: إذا كانت النسبة يسيرة أمرها يسير ويمكن التخلص منها، فالإقدام على الحرام حرام، نعم الذي يرد عليك من غير عمداً ولا قصد عقدت عقداً مباحاً ظاهر الإباحة، ثم من آثار هذا العقد ظهر عليك ما يشوبه، الآن تخلص يا أخي، لك أن تتخلص، أما أن تقدم على العقد المحرم وتقول: أتخلص لا يمكن، هذا كلام ليس بصحيح، وجاء التغليظ في شأن الربا، يقول: ((الربا ثلاثة وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه)) والآن الشيء اليسير يختلفون فيه، منهم من يقول: واحد اثنين بالمائة يسير، هذا أمر لا يمكن أن ينفك منه، إلا ينفك منه، خمسة بالمائة يسير طيب عشرة؟ أحد يقول: كثير؟ يقول: لا، سهل؛ لأن ما في حد، الأمور التي لا حكم لها يرجع إليه بالنص الصحيح من الشرع إذا فتح بابه ما ينتهي الناس، إلى أن يصلوا إلى حد الثلث، والثلث كثير، فما دونه يسير، وعلى هذا جميع صور الربا الموجودة في البنوك يسيرة؛ لأنهم يعطوك أربعة بالمائة، خمسة بالمائة، فعلى هذا ما في ربا، وهذا -نسأل الله العافية- تيسير وتسهيل لأمر هذه الجريمة العظمى، ولو أوصد الباب وسد الباب عن الناس لما وجدت مخالفة، لكن ييسر على الناس، ويسهل عليهم أمر الربا، ويبون الناس يتوبون، أو يبون البنوك تقلع، كثير من البنوك الآن بصدد تغيير معاملاتها إلى ما يتفق مع الشريعة نظراً لأن الناس هجروها، والناس عموم الناس فيهم خير، ولولا بعض البنوك المتساهلة لما وجدت بنك يتعامل بغير ما يبيح الله -جل وعلا-، وفي بنوك لبنان ظهرت تقارير للعام المنصرم فوجد أن البنوك كلها أرباحها تتراوح بين واحد إلى واحد ونصف بالمائة إلا واحد عشرين بالمائة ربحه، فإذا به يتعامل معاملات شرعية، والناس يتدافعون عليه المسلمون عمومهم فيهم خير، ولو ضيق هذا الباب لنقطع دابر الربا، الآن يوم صار في إعلان عن الشركات، وأن بعضها نضيف وبعضها فيه دخن، وفيه كذا، سارعت الشركات إلى تصحيح عقودها، وهذا نعمة، وسبق لمن يخرج مثل هذه البيانات، جزاهم الله خيراً، صار يتسابقون لتصحيح عقودهم، فلو ضيقت الدائرة على الربا والمرابين انقطع دابره بإذن الله تعالى، وأما قولنا: يسير، سهل، إيش يسير؟ في شيء محرم اسمه يسير؟ نعم المحرمات تتفاوت، لكن ربا صريح ولو كانت نسبته يسيرة، يبقى أنه ربا، والإجماع قائم على أن قوله: {أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً} [(130) سورة آل عمران] مفهومه ليس بمقصود، وليس بمراد، بل لا مفهوم له عند أهل العلم، فالربا يسيره وكثيره كله محرم، أيسرها يعني أسهلها في نظر الناس، يعني يجلس واحد يصرف للناس وهو عائش على الصدقات، يجلس ويصرف العشرة بتسعة، هذا الربا، يقول: المسألة ريال ويش ريال؟ يعني ما يضر، الناس يبذرون يعطون البزران عشرات، المقصود أن هذا ليس له ما يبرره.

((أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه)) وهذا لا زال الناس -ولله الحمد- يستقذرونه ويستقبحونه بشدة، وإن وجد شذاذ يحصل ما حصل منهم مع المحارم، نسأل الله السلامة والعافية، بعد أن مسخت بعض الفطر بسبب ما دخل على بيوت المسلمين من الشر المستطير بواسطة هذه القنوات.

((وإن أربى الربا -أشد الربا- عرض الرجل المسلم)) وهذا يدلنا على أن سياق الحديث سياق التنفير، وأنه لا تراد حقيقته، والزنا عند جمع من أهل العلم أعظم من الربا، فسياق الحديث سياق التنفيذ، والتهويل من شأن الربا، بدليل أن أيسر الربا مثل أن ينكح الرجل أمه، وأربى الربا أشد الربا عرض الرجل المسلم الذي هو الغيبة، من أجل التنفير من الربا والغيبة؛ لأنهما بصدد أن يتساهل الناس في أمرهما، الربا مثلما ذكرنا يتساهل الناس فيه، والغيبة أشد تساهلاً، توجد الغيبة في المجالس بكثرة، وقد توجد بين من ظاهره الصلاح، وقد يستدرج الإنسان، المقصود أن هذا تهويل من شأن الغيبة، وعلى كل حال لوجود مثل هذا، وأن الربا أعظم من الزنا، أعظم من نكاح الأم، أيسره أعظم من الزنا بالأم، وأعظمه أيسر من الغيبة، والنصوص دلت على خلاف هذا، مما جعل بعض أهل العلم يضعف الحديث، وصححه بعضهم بشواهده، وقال: إن المراد به التهويل، والتخويف من شأن الربا والغيبة، نعم؟

طالب: والصحيح -رعاك الله- أن الربا أعظم من الزنا؟

هذا عن جمع من أهل العلم، لكن....

طالب: للحديث الذي في المسند -رعاك الله- النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((درهم ربا يأكله ابن آدم أشد من ستة وثلاثين زنية)).

إيه معروف، هذا أيضاً مختلف فيه، مختلف في صحته، وجمع من أهل العلم على أن الزنا أعظم، لكن هذا النص وما يأتي في معناه الربا أعظم، لكن هل نقول: إن أيسر أبواب الربا يعني إذا أردنا حقيقة الكلام أعظم من نكاح الأم؟ وفي بعض الروايات: ((علانية)) إنما يكون سياق الخبر سياق التنفير والتشديد، نعم.

طالب: أحسن الله إليك.

وإذا نظرنا إلى أن أيسر الربا أعظم من أن ينكح، وأربا الربا الذي هو أشده أيسر من الغيبة، فعلى هذا الغيبة أعظم من الزنا، والزنا أعظم من...، الغيبة، نأتي إلى الغيبة، الغيبة أعظم من الربا، والربا أعظم من أن ينكح الرجل أمه، هذا لا شك أنه سياق تأويل وتشديد وتنفير، نعم.

وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل, ولا تشفوا بعضها على بعض, ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلاً بمثل, ولا تشفوا بعضها على بعض, ولا تبيعوا منها غائباً بناجز)) متفق عليه.

نعم، يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل))" وزناً بوزن، بحيث لا يزيد أحدهما على الآخر، لا قليل ولا كثير، لا بد من التماثل، والجهل به كالعلم بالتفاضل، الجهل بالتماثل كالعلم بالتفاضل.

((لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثل بمثل ولا تشفوا)) يعني: لا تفضلوا ولا تزيدوا بعضها على بعض, لا تزيدوا، ولو حصل الرضا، فلا تجوز الزيادة حينئذٍ، إذا جاء الإنسان إلى صاحب المحل من الذهب، ومعه ذهب مستعمل، وأراد نوعاً جديداً، ورضي أن يعطيه الجديد، وإن كان أقل في الوزن، لا يكفي الرضا، بل لا بد أن يبيع المستعمل ويشتري الجديد، على ما سيأتي في التمر، يبيع القديم بالدراهم، ويقبض القيمة، ثم يشتري بها ذهباً جديداً بقيمته.

((الذهب بالذهب وزناً بوزن مثلاً بمثل)) لا بد من التساوي ((والفضة بالفضة وزناً بوزن)) مثله، لا يجوز التفاضل، إذا بيع الذهب بالذهب أياً كان نوعه أو صياغته أو صناعته فلا بد من التماثل والتقابض، وقل مثل هذا في الفضة، الفضة بالفضة وزناً بوزن، يعني سواء كانت مصنوعة أو ورق عمله، أو خام ما صنعت، لا بد أن تكون مثل بمثل، ((فمن زاد)) زاد غيره، ((أو استزاد)) يعني طلب الزيادة من غيره ((فهو ربا)) يعني إذا بيع الذهب متفاضلاً، أو بيعت الفضة متفاضلة فهي الربا، وقل مثل هذا إذا بيعت من غير تسليم.

((لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل, ولا تشفوا بعضها على بعض)) يعني لا تفضلوا بعضها على بعض لا تفضلوا المبيع على المبيع عليه ولا العكس شيئاً، ولو كان أمراً يسيراً، ((ولا تبيعوا الورق)) الذي هو الفضة مضروبة كانت أو غير مضروبة ((إلا مثلاً بمثل، ولا تشفوا)) يعني: لا تزيدوا، ولا تفضلوا ((بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائباً بناجز)) لا بد من التساوي والتقابض، لا بد من التساوي في الوزن، ولا بد من التقابض في المجلس، أما إذا اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد، ذهب بفضة التفاضل لا بأس به، تشتري عشرة دراهم بدينار واحد، وهذا يسمى صرف، لكن لا بد من التقابض، ((ولا تبيعوا منها غائباً بناجز)) وهذا يشمل ما إذا كان من جنس واحد، أو من أجناس، فإذا اختلفت الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد، ويحل محل الذهب والفضة عند عامة أهل العلم ما يستعمل بديلاً عنها قيماً للسلع، من المضروبات، النقود، العملات، المسكوكات كلها تقوم مقامها، إذا كانت من جنس واحد لا يجوز الزيادة بعضها على بعض، ولا بد من التقابض، وإذا كانت عملات مختلفة فلا مانع من الزيادة على أن يتم ذلك في المجلس، فإذا بعنا ريال بدولار لا مانع أن يباع الدولار برلين، أو ثلاثة أو خمسة أو عشرة أو بريال واحد التفاضل لا بأس به، لكن لا بد من التقابض، والشيكات لا تغني عن التقابض، وتحويل المبلغ من حساب إلى حساب لا يغني عن التقابض؛ لأنه لا يتم فوراً، والذين يحولون الدراهم إلى بلدانهم، يحولون النقود إلى بلدانهم يقعون في حرج عظيم، يريد أن يحول أولاً إلى عملته، ثم بعد ذلك تقبض في بلده، لو أن مصرياً مثلاً يعمل في هذه البلاد، وتوفر لديه مبلغ من المال، ولنقل: خمسة آلاف مثلاً، توفرت لديه خلال سنة، وأراد تحويلها بالجنيه المصري، هم يقولون: نحول لك..، تستلم هناك في مصر بالجنيه المصري، كم في هذا من محظور؟ في محظور عدم التقابض؛ لأنها تقبض هناك، وعلى هذا يلزم بأن يصرفها قبل تحويلها، أو تحول ريالات وتصرف هناك، يقبضها الوكيل في وقتها، يصرفها الوكيل في وقتها، لكن هم يتضررون بهذا طرداً وعكساً، إن صرفوها هنا فالريال أغلى من الجنيه، وإن صرفوها هناك ماذا يصير؟ كيف يتضررون لو حولت ريالات هناك وصرفت جنيهات؟ نعم؟ يعني هل الأفضل للمصري مثلاً أو غير المصري أن يحول الريال إلى بلده ثم يصرف هناك؟ يصرفه وكيله الذي يقبضه عنه؟ أو الأفضل أن يصرفها هنا؟ نعم؟ ثم بعد ذلك تحول بعملته؟ كثير منهم من يسأل يقول: يتضررون بهذا لو صرفوها قبل التحويل، تحويلها بعد صرفها أولى، لكن على هذا لا بد من التقابض، إذا صرفت لا بد من التقابض، يقبض الجنيه المصري ثم يحوله، هاه؟ في أحد يشكل عليه هذا من الإخوان الذين يعانون مثل هذا الأمر؟ من أي جنسية كانت؟

طالب: هم اللي يحولون الخادمات وإلا السائقين أقول: ليس بالضرورة أن يكون هناك... يعني....

وين؟

طالب: يعني بجي يحول مثلاً الخادمة اللي عنده، أراد أن يحول مالها هناك يأتي للبنك فيقول: حول مثلاً العملة الاندونيسية مثلاً وإلا....

مثل هذا يعطيه شيك مصدق بالمبلغ الذي يريد يصرفه فوراً، يعطيه البنك شيك مصدق وكأنه أقبضه ثم يحول له هذا المبلغ.

طالب: لا، ما في الشيء هذا.

طالب:.......

نعم؟

طالب:.......

الآن هذا شيك مصدق من قبل البنك، لو قلت: لا أعطني الدراهم الآن؟ نعم؟ أنت الآن على البنك ما هو بيحول لك بنك ما تدري متى يصرف لك؟

طالب:.......

طيب والبنك الآن في حوزته وفي خزينته هذا المبلغ كامل ويخيرك أن تقبض أو لا؟ الأحوط أن تقبض، لكن الشيك المصدق الذي يمكن صرفه فوراً لا يحولك على بنك ثاني، يقول لك: غداً أو بعد غد، أو انتهى الدوام أو شيء من ذلك.

طالب:.......

الآن عندنا عمليتين، عندنا صرف يحتاج إلى تقابض، وعندنا تحويل بنفس العملة، فأنت إذا حولت الريالات إلى جنيهات مصرية أو دولارات، وقال: هذا درهمك، هذه دولاراتك، ودراهمك الأولى معك بيدك، بحيث يكون يداً بيد، هذا لا إشكال فيه البتة، هذا هو الأصل، لكن لو قال لك البنك: والله الدراهم موجودة، تبي دراهم وإلا أصدر لك شيك مصدق؟

طالب:.......

طيب؟

طالب:.......

لا المسألة مسألة تحويل بواسطة البنك نفسه، لكن فرق بين أن يعطيك شيك مصدق والمبلغ في خزينته الآن بحيث لو طلبته أعطاك إياه، وبين أن يكون المبلغ كبير ما عنده شيء هو، نعم ما عنده، لكن يؤمنه لك، يعطيك هذا الشيك المصدق باعتبار أنه يستطيع أن يؤمنه في أي وقت تريده، هذا لا إذا لم يكن في خزينته فهو ما هو حكم المقبوض.

طالب:.......

 لا ما صار يداً بيد، لو قلنا: إنه تحويل في آن واحد، لا بد من التقابض في المجلس في المكان، ثم بعد ذلك يحول، هذا لا إشكال فيه إذا تم الصرف في المكان وقبض كل منهما ما يخصه، ثم تم التحويل ما في إشكال، لكن الإشكال في أن يتم الصرف كلام، ويحول المبلغ إلى بلد ثاني قبل التقابض، هذا ما حصل التقابض.

طالب:.......

شوف الآن هل البنك الآن في خزينته ما يسدد هذا الشيك؟

طالب: ربما عنده أنا ما أدري....

طالب: أكيد.

هو بيقل لك: بالخيار، خذ شيك وإلا خذ دراهم؟ تأخذ جنيهات، لكن أحياناً البنك يكون الصرف كبير جداً، ما عنده، نعم؟

طالب:.......

ما في خزينته ما يغطي هذا المبلغ، يعني تقول له: والله حول لي مليون ليرات لبنانية، هل في البنك ما يعادل مليون من الليرات اللبنانية في خزينته؟ ما عنده، مستحيل أن يكون في بنك ما يعادل مليون ريال من الليرات اللبنانية أو التركية أو غيرها من العملات الهابطة، يقولون: خذ شيك مصدق، نقول: لا يا أخي ما في تقابض، الشيك هذا ما عندك ما يقابله، لكن لو كان في الخزينة ما يخيرك بين هذا الشيك المصدق وبين هذا المبلغ المتوفر، لكن أنت نظراً لعظم أو كبر حجم هذا المبلغ تأخذ الشيك مصدق في مقابله هذا فيه مقابضة حكماً، ما هو مثل الشيك العادي أو يحولك على بنك ثاني بشيك ثاني، حتى لو حولك بشيك مصدق على بنك ثاني بيقول: والله فرعنا مثلاً في كذا فيه هذا المبلغ، روح اقبض منه، نقول: ما هو بقابضه؛ لأنك احتمال تذهب إلى البنك الثاني يقول لك: والله انتهى الدوام، ائت يوم السبت، ما يجي؟

طالب:.......

أنت الآن عندك الشيك المصدق مال، هذا مال الآن ما يستطيع أحد يتصرف فيه، وحجز في وقته؛ لأنك بنفس البنك الأصلي الذي أعطاك الشيك المصدق فهو حجز المبلغ اللحظة هذه، الآن مكنت الصراف لو يقول لك: حولناه إلى حسابك يتم تحويله فوراً وإلا تنتظر؟

طالب:.......

لا ما هو بفوراً، البنك اللي أنت قائم عليه الآن فوراً، لكن لو مثلاً من مكينة صراف ما يجيء.

طالب:.......

إيه؟

طالب:.......

والله ما أدري، هاه؟

طالب:.......

ما هو بفوراً، ما يجي، لا، لا، ما يجي فوراً، لا، لا.

طالب:.......

لا، لا، شوف، ما يجي فوراً يا أخي، هو يحجز المبلغ من صاحبه الأول، لكن ما يأتي إلى الثاني إلا بعد مدة، وهذه حيل منهم؛ لأن الساعة تنفعهم، البنوك بقاء المال عندهم ساعة تنفعهم، كم يباع فيها من سهم، ويشترى من سهم في هذه اللحظة؟! المقصود أن هذه الأمور تحتاج إلى مزيد احتياط، ومن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، وأمر الربا شأن خطير جداً، فلا بد من أن يحتاط، من أراد الصرف قال: هات الجنيهات وخذ الريالات، مثل ما نقول: بع القديم واشترِ جديد، بع القديم واقبض الدراهم؛ لأنه يقول لك: أبيع القديم مثلاً جئت لصاحب الدكان هذه قطعة من الذهب قديمة مستعملة بكم؟ والله أشتريها بألفين، طيب خذها بألفين، ما أعطاه الدراهم، اشترِ بالألفين من عندي، هذه فيه تقابض؟ ما فيه تقابض، لا بد أن يقبض القيمة ثم يشتري بها الذهب الجديد، فعلى هذا... نعم؟

طالب:.........

ما في بأس، ما في بأس، أنت ما طلعت إلا تبي تشتري.

طالب: نعم؟

أقول: أنت ما طلعت إلى سوق الذهب إلا تبي تشتري، حتى في حديث -على ما سيأتي- في تمر خيبر النية مبيتة أنه يبي يشتري من النوع الجيد، نعم؟

طالب:.......

إيه، إيه هذا الذي يشكو منه كثير من الإخوان، يقولون: إنه ما يتم الصرف..، يقولون: مستحيل أن يعطيك جنيهات مصرية ويحولها لك جنيهات مصرية، فهم متضررون على الحالين، فالمسألة مشكلة، لكن بإمكانه أن يصرف الآن، ويودعها عندهم، ويأخذ الشيك مصدق ويرسل الشيك، يصرفها عندهم بالجنيهات المصرية وبالعملات الأخرى، ويودعها عندهم، ويأخذ بدلها شيك مصدق ويرسل الشيك، ما في غير هذا.

طالب:.......

إيه شيك، ما في أوضح منه.

((ولا تبيعوا منها غائباً بناجز)) لا بد أن يكون يداً بيد حقيقة لا حكماً، لا بد من أن يكون الأخذ والإعطاء في آن واحد حقيقة، حكماً زيد مدين لعمرو بألف ريال، وزيد عنده محل ذهب، فجاء عمرو واشترى من الذهب بألف ريال بقدر الدين الذي له، وقال: ادفع ألف، قال: والله الألف بذمتك، عندك لي ألف، فيه يداً بيد وإلا ما فيه؟ نعم؟ إذاً لا بد قبل ذلك أن يستوفي الألف ثم يشتري به ذهباً، هذا حقيقة، معنا يا الإخوان؟ أقول: زيد مدين لعمرو بألف ريال، وزيد عنده محل ذهب، جاء عمرو أشترى ذهب بألف ريال، قال: ادفع، لا بد يداً بيد، قال: لا اللي بذمتك، يكفي وإلا ما يكفي؟ وإلا نقول مثل بيع الذهب بالذهب، لا بد أن يبيع ويشتري، لا بد أن يبيع التمر ويشتري بقيمته، فيه قبض حكمي، هذا قابض؛ لأنه في ذمته له، فهو في حكم القابض، لكن كون النص يدل على القبض حقيقة يداً بيد تأكيد بألفاظ كلها تدل على أنها اليد لها دور يد الآخذ ويد المعطي كلها حاضرة في الحال في مجلس العقد، نعم؟

طالب:.......

ما يصلح مقاصة، نعم.

طالب: وعن عبادة بن الصامت -رضي الله تعالى عنه- قال....

هاه؟

طالب:.......

إيش؟

طالب:.......

دين؟

طالب:.......

لا، لا، لا بد نقد، لا يستدين بغير ذلك، لا ولا بدراهم، لا ما يجوز إلا بالوكالة يبيعه سمسار وكيل عنه، أما يشتري منه ولا ينقده الثمن لا، ويش إحنا نتكلم من اليوم؟ نعم.

وعن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الذهب بالذهب, والفضة بالفضة, والبر بالبر, والشعير بالشعير, والتمر بالتمر, والملح بالملح, مثلاً بمثل, سواء بسواء, يداً بيد, فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد)) رواه مسلم.

والذي بعده؟

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الذهب بالذهب وزناً بوزن، مثلاً بمثل، والفضة بالفضة وزناً بوزن، مثلاً بمثل, فمن زاد أو استزاد فهو ربا)) رواه مسلم.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"وعن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الذهب بالذهب, والفضة بالفضة, والبر بالبر, والشعير بالشعير, والتمر بالتمر, والملح بالملح))" الذهب والفضة والبر والشعر والتمر والملح ستة، كلها ((مثلاً بمثل، سواء بسواء يداً بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد)) هذه الربويات الستة المجمع عليها، وما عداها مما يشاركها في العلة فتحريمه بالإلحاق، بالقياس عند الجمهور، والظاهرية لا ربا إلا في هذه الستة، عند الظاهرية لا ربا إلا في هذه الستة، وعند الجمهور يلحق بها ما يشاركها في العلة، فيلحق بالذهب والفضة ما يتعامل به من النقود، ويكون قيماً للمبيعات، ويلحق بالبر والشعير والتمر ما يشاركها في العلة من المطعومات مما يكال ويدخر ويقتات، ((مثلاً بمثل، سواء بسواء، يداً بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم)) اختلفت هذه الأصناف المذكورة بعضها مع بعض؟ أو هي مع غيرها مما يشاركها في العلة أو مما يختلف معها؟ ننظر إلى الموجود، الذهب صنف، والفضة صنف، إذا اختلف المبيع مع المبيع معه صار صرف ذهب بفضة كيف شئتم، من حيث الوزن، كيف شئتم من حيث الوزن، إذا كان يداً بيد، هذا الذهب مع الفضة، نأتي إلى الذهب مع البر، فبيعوا اختلفت الذهب جنس أو صنف والبر صنف، اختلفت هذه ((فبيعوا كيف شئتم)) إذا كان يداً بيد يشترط هذا وإلا ما يشترط؟ يعني ما يجوز أن تشتري البر نسيئة، تشتريه بقيمة، ولولا هذا لما أبيح البيع إلى أجل في الربويات، ما يمكن...... البيع بأجل إذا كان يداً بيد، لكن استثنوا القيم، نأتي إلى الأنواع الأخرى: بر بشعير، صنف واحد وإلا أصناف؟ بر بشعير هل نقول: إنه اختلفت هذه الأصناف نشتري صاعين شعير بصاع بر وإلا ما نشتري؟ إذا كان يداً بيد؟ نعم؟ سيأتي في حديث النهي عن بيع الطعام "كنت أسمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((الطعام بالطعام مثلاً بمثل)) وكان طعامنا يومئذٍ الشعير" وسيأتي الخلاف في أن البر مع الشعير صنف واحد أو صنفين، والجمهور على أنهما صنفان، وسيأتي قول مالك: إنهما صنف واحد ولا يجوز إلا مثلاً بمثل يداً بيد.

((والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر)) بر بتمر صاع بصاعين يجوز وإلا ما يجوز؟ يجوز، لكن إذا كان يداً بيد، اختلفت الأصناف، يعني الخلاف في البر والشعير هل هما صنفان أو صنف واحد سيأتي، والأكثر على أنهما صنفان، فتشتري صاع بر بصاعين شعير لا بأس إذا كان يداً بيد، وعلى قول مالك: إنهما صنف واحد؟ لا يجوز إلا مثلاً بمثل، يداً بيد.

((والتمر بالتمر، والملح بالملح)) بر بملح يجوز التفاضل وإلا ما يجوز؟ يجوز، تمر بملح يجوز وإلا ما يجوز؟ تمر بشعير يجوز إذا كان يداً بيد.

والحديث الذي يليه: حديث أبي هريرة:

"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الذهب بالذهب وزناً بوزن)) لا بد من التماثل في الوزن ((مثلاً بمثل، والفضة بالفضة وزناً بوزن مثلاً بمثل, فمن زاد -فأعطى الزيادة- أو استزاد -يعني طلبها- فهو ربا)) نسأل الله السلامة والعافية، وهذا تقدم شرحه في الحديث الذي قبله.

((الذهب بالذهب والفضة)) هذا وزن، ذهب بذهب وزن بوزن، والفضة وزن بوزن، وما بعدها من البر والشعير والتمر والملح وزن وإلا كيل؟ كيل، هل يجوز كيل الموزون أو وزن المكيل؟ هل يجوز بيع الذهب والفضة بالكيل؟ صاع فضة بصاع فضة؟ أو نقول: هذا لا بد فيه من الوزن؟ لا بد فيه من الوزن، والبر نشتري عشرة كيلو بر بعشرة كيلو؟ أو نقول: لا بد أن نشتري صاعين أو ثلاثة بصاعين أو ثلاثة؟ نعم؟ سيأتي تحقيقه -إن شاء الله تعالى-، والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

بقيت الإشارة إلى أن الربا نوعان:

ربا الفضل، وربا النسيئة، والمقصود بربا الفضل: ربا الزيادة، وربا النسيئة ربا التأخير وعدم التقابض، وكل منهما محرم، وأما ربا النسيئة فالإجماع قائم على تحريمه، وجاء فيه الحديث الصحيح ((لا ربا إلا في النسيئة)) وعلى هذا يذكر عن ابن عباس أنه يجيز ربا الفضل، مع أنه ثبت عنه أنه يحرمه، وعامة أهل العلم على تحريمه، وأما الحديث ثابت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: ((لا ربا إلا في النسيئة)) لكن لا ربا أعظم من ربا النسيئة، لا ربا أعظم منه إلا في النسيئة، يعني ربا النسيئة أعظم من ربا الفضل، على أنه لا يتصور ربا نسيئة إلا بفضل، لا يتصور لا سيما في المعاملات الدائرة اليوم إلا مع النسيئة، ما في أحد يقول: هات ألف وأعطيك ألف ومائة حالة، أو أخذ عليك مكسب أربعة في المائة يداً بيد، ما يمكن، إلا أن مع ربا الفضل ربا النسيئة، نعم في الأنواع الأخرى التي يتصور فيها الجودة والرداءة يتصور فيها ربا الفضل دون ربا النسيئة، تمر رديء بتمر جيد يداً بيد، يتصور فيها ربا الفضل فقط، أو الشعير أو غيرها من الأنواع، وهذا أيضاً انعقد الإجماع على تحريمه بعد أن ذُكر الخلاف الأول وارتفع، والله أعلم.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.