شرح منسك الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب (03)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك، على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله أصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف رحمه الله تعالى: "فصل في المواقيت، ميقات أهل المدينة ذو الحليفة".
هذه المواقيت محدده بالأحاديث الصحيحة في الصحيحين وغيرهما، لا سيما المواقيت الأربعة منه -عليه الصلاة والسلام-، والميقات الخامس: ميقات أهل العراق مختلف فيه جاء ما يدل على أنه مرفوع في السنن، وجاء ما يدل على أنه موقوف من تحديد عمر- رضي الله عنه- ميقات أهل العراق أهل المشرق، ولا يمنع أن يكون وقته النبي –عليه الصلاة والسلام-، وعمر- رضي الله عنه-، وهو الخليفة الراشد له موافقات اجتهد في أشياء، وجاء النص بالموافقة عليها أو بموافقتها، وهي معلومة عند أهل العلم ومصنف فيها أجزاء نظمًا ونثرًا، وليكن هذا منها يقول: "وميقات أهل المدينة ذو الحليفة"، وهو معروف عند أهل المدينة بأبيار علي، وهو قريب من المدينة مقدار عشرة كيلو، وهو أبعد المواقيت إلى مكة قرابة أربعمائة كيلو، "ميقات أهل المدينة ذو الحليفة وأهل مصر" يعني ميقات أهل مصر "وميقات مصر والشام والمغرب الجحفة"، وهي منطقة قريبة من رابغ، وكثير من الناس الآن يحرمون من رابغ، "ودعا النبي – عليه الصلاة والسلام- لما هاجر أن ينقل حمى المدينة إلى الجحفة"، وكانت في ذلك الوقت وقت الدعوة النبوية سكنًا لليهود، "وميقات أهل اليمن يلملم" يسمونها السعدية، والجحفة يقال لها مهيعة، "وميقات أهل نجد قرن المنازل" والناس يحرمون من السيل أو من وادي محرم، المقصود أن هذه المواقيت مؤقتة منه –عليه الصلاة والسلام-.
"وميقات أهل نجد قرن المنازل"، وأخطأ فيه صاحب الصحاح حينما قال: قرن الثعالب ميقات أهل نجد، وهو غير قرن المنازل، وأيضًا أخطأ من جهة أخرى، قال: وينسب إليه أويس القرني، وهو منسوب إلى قبيلة قرَن لا إلى مكان قرْن، "وميقات أهل نجد قرن المنازل، وميقات أهل المشرق أو الشرق ذات عِرق" وقلنا: إن المواقيت الأربعة: ذو الحليفة، والجحفة، ويلملم، وقرن المنازل، كلها مؤقتة بالنص الصحيح الصريح منه –عليه الصلاة والسلام-، والخامس: ذات عرق لأهل العراق وأهل المشرق مختلف فيمن وقّته، هل هو النبي –عليه الصلاة والسلام- فيكون مرفوعًا، وبذلك جاء الحديث في السنن لا في الصحيحين أو عمر بن الخطاب وقد صح عنه ذلك، ولا مانع من أن يكون من موافقات عمر، قال: "وهي لأهلها ولمن مر عليها من غيرهم"، هذه المواقيت المكانية لأهل تلك الجهات وأهل هذه البلدان التي وقتت لها، "ولمن مر عليها من غيرهم" يعني النجدي لو جاء من طريق المدينة أحرم من ذي الحليفة، واليمني لو جاء من طريق الطائف أحرم من قرن المنزل، أو من وادي محرم كأهل نجد، "وهي لأهلها ولمن مر عليها من غيرهم" هذه مواقيت مكانية، وسبق ذكر المواقيت الزمانية التي هي أشهر الحج أشهر الحج: شوال وذو القعدة وعشرٌ من ذي الحجة هذي مواقيت زمانية ومواقيت مكانية.
"من أحرم قبل المواقيت الزمانية في الحج فإنه لا ينعقد حجه" {الحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ} [سورة البقرة: 197]، "ومن أحرم قبل المواقيت المكانية" حاج من المشرق أحرم من مكانه أو أحرم من بيت المقدس أو أحرم من جهات بعيدة أو قريبة قبل المواقيت حجه صحيح ومنعقد عند جماهير أهل العلم، وقد نقل عليه الإجماع، لكن الإجماع فيه نظر؛ لوجود المخالف وهو خلاف الأولى، قال بعضهم ببدعيته، وذكر عن علي- رضي الله عنه- في قوله- جل وعلا-: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [سورة البقرة:196] قال: إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك، يعني قبل الميقات، وإن كان بعضهم فهم من ذلك أن تنشئ الحج من دويرة أهلك لا أن تحرم به من دويرة أهلك. المقصود أن الإحرام قبل الميقات أقل ما يقال فيه: خلاف الأولى، وأطلق بعضهم الكراهة، وشدد بعضهم فقال بالبدعية على كل حال، هذا كلام أهل العلم.
"وقد أحسن من انتهى إلى ما سمع" سمعنا هذه المواقيت عنه –عليه الصلاة والسلام- بالأسانيد الصحيحة الثابتة التي لا اختلاف فيها، فننتهي عندها "وقد أحسن من انتهى إلى ما سمع، وهي لأهلها ولمن مر عليها من غيرهم" قلنا: من جاء من نجد مثلاً وله ميقات محدد، ومر على المدينة عن طريق المدينة يحرم من ذي الحليفة؛ لأنه مر بالميقات، لكن لو تجاوز ذا الحليفة بلا إحرام وقال: أنا نجدي ولنا ميقات محدد منصوص عليه أريد أن أتجاوز ميقات أهل المدينة، وأحرم من ميقاتي، الأكثر على أنه يلزمه دم؛ لأن ذا الحليفة صار ميقاتًا له؛ لقوله– عليه الصلاة والسلام- ولمن مر عليها من غيرهم والإمام مالك يقول: ما دام أحرم من ميقاته المعتبر المنصوص عليه لا شيء عليه، فإن لم تشمله الجملة الثانية شملته الجملة الأولى، وكلام الإمام مالك له وجه، وكثير من الناس يأتي عن طريق الجو من أي جهة وينزل في جدة فيقال له: ارجع إلى الميقات؛ لأن جدة ليست ميقاتًا يقول: أي ميقات؟ الميقات الذي مررت به في طريقك إلى جدة، قال: أريد أن أحرم أقرب شيء رابغ، ومر بمواقيت أخرى محددة له وهي على طريقه، على كل حال إذا كان هناك مشقة شديدة، ويصعب عليه، فالمشقة تجلب التيسير، وقول مالك فيه سعة لأمثال هؤلاء.
"ومن منزله دون هذه المواقيت يحرم منه" يعني من منزله ساكن جدة يحرم من جدة، ساكن الشرائع يحرم من الشرائع وهكذا، "من منزله دون هذه المواقيت يحرم منه، وأهل مكة ومن بها من غيرهم إذا أرادوا العمرة فمن الحل" أهل مكة قال في الحديث: «حتى أهل مكة من مكة»، اختار بعضهم أن المكي يحرم من مكة للحج والعمرة؛ لهذا الحديث الصحيح، ولكن أهل العلم حملوا الحديث على الحج دون العمرة؛ لأنه لابد من الجمع في النسك بين الحل والحرم، وفي الحج سوف يخرج إلى الحل للوقوف في عرفة؛ ليحرم من مكة، لكن في العمرة لابد أن يخرج إلى الحل، ودليلهم على ذلك «أن عائشة رضي الله عنها لما أرادت العمرة أمر النبي –عليه الصلاة والسلام- عبد الرحمن بن أبي بكر أن يعمرها من التنعيم» بمعنى أنه يخرج بها من الحرم، وجلس النبي –عليه الصلاة والسلام- ينتظر حتى تحرم من التنعيم وترجع، وكذلك حبس الصحابة ينتظرون حتى تحرم من التنعيم وترجع، ولولا وجوب ذلك لما انحبس ولما حبس أصحابه حتى تحرم من التنعيم من الحل وترجع، فدل على أن الإحرام من الحل بالنسبة للمكي ومن بمكة للعمرة حتم، وهو قول جمهور أهل العلم، وأما قوله: "وحتى أهل مكة من مكة" فالمراد به الحج، "وأهل مكة ومن بها من غيرهم إذا ارادوا العمرة فمن الحل، وإذا أرادوا الحج من مكة"، والعلة عند أهل العلم أنه لابد من الجمع في النسك بين الحل والحرم، لا مانع من أن يحرم من مكة في الحج؛ لأنه سوف يخرج إلى الحل للوقوف بعرفة، وأما بالنسبة للعمرة فلابد أن يحرم من الحل؛ ليجمع بين الحل والحرم، "ولا يحل لمسلم حر مكلف أراد دخول مكة ولو لغير النسك" له حاجة بمكة ولا ينوي حجًّا ولا عمرة، جاء لقضاء حاجة؛ لدراسة، لتجارة، أراد دخول مكة لابد أن يحرم ويطوف ويسعى ويحلق، ولا يكتب له عمرة ولا حج ولا شيء مجرد دخول مكة يحرم، فلا يدخل مكة إلا محرمًا قاصدًا النسك أو لم يقصد ولذا يقول: "ولا يحل لمسلم حر مكلف أراد دخول مكة أو أراد النسك" دخل مكة لمجرد الدخول لغير النسك أو أراد النسك لا يحل له تجاوز الميقات بلا إحرام، هذا هو المذهب عند الحنابلة، وهو قول أبي حنيفة والمالكية وبعض الشافعية، وقال بعض الشافعية والرواية الأخرى عند الحنابلة إنه لا يلزمه إذا لم يرد النسك، لا يلزمه الإحرام إذا لم يرد النسك، ولقوله –عليه الصلاة والسلام-: «هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج أو العمرة» ممن أراد الحج أو العمرة قيد، فلا يلزم من لم يرد الحج أو العمرة أن يحرم، وعرفنا أن قول الذي تبناه المؤلف ورجحه وهو قول الحنفية والمالكية وبعض الشافعية يعني بهذا الاعتبار يكون قول الأكثر أنه لابد أن يحرم النبي –عليه الصلاة والسلام- دخل مكة عام الفتح بغير إحرام، ودخوله مكة بغير إحرام هو في الساعة التي أحلت له، فهم يحملون هذا الحديث أن التحريم يشمل الدخول بغير إحرام لا القتال فقط، وأحلت له ساعة من نهار أن يدخلها بغير إحرام وأن يقاتل، وهذا من أقوى ما يستدل به أصحاب القول الأول. وأما دليل القول الثاني فهو واضح وصريح «هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج أو العمرة».
ابن عمر دخل مكة بغير إحرام، ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله-: وإن قصد مكة لتجارة أو لزيارةٍ فينبغي له أن يحرم، وفي الوجوب نزاع، قوله: ينبغي له أن يحرم يدل على أنه لا يرى الوجوب، وأشار إلى الخلاف في المسألة، على كل الحال القول المرجح أنه لا يلزم الإحرام إلا من أراد الحج أو العمرة كما جاء في الحديث المتفق عليه، قال: "ولا يحل لمسلم حر مكلف أراد دخول مكة أو النسك تجاوز الميقات بلا إحرام إلا لقتال" يعني كما حصل منه –عليه الصلاة والسلام- "إلا لقتالٍ مباح"؛ لأن دخوله بغير إحرام رخصة، والرخصة لا تتناول العاصي "إلا لقتالٍ مباح، أو حاجة تتكرر كالحطّاب" والطالب الذي يسكن الطائف مثلاً ويتردد للدراسة في الجامعة في مكة وفي غيرها كل يوم هل يقال: يلزمك الإحرام؟ حتى عندهم عند من يلزمون بالإحرام لا يلزمونه؛ لأنها حاجة تتكرر "أو حاجة تتكرر كالحطاب".
"ومن أحرم لدخول مكة لا لنسك" أحرم لمجرد الدخول لم ينوِ حجًّا ولا عمرة ماذا يصنع؟ هو أحرم، لكن ماذا يصنع بعد إحرامه، يكفي أن يحرم وإذا وصل مكة يخلع الإحرام؟! "لا لنسك طاف وسعى وحلق وحل" طيب إذا كان يفعل هذا لماذا لا ينوي العمرة؛ ليكسب أجر العمرة؟ هم يقولون: يصنع ما يصنع المعتمر سواء نوى العمرة أو لم ينوِ، ولا يحل إلا بذلك، هذا على مقتضى كلامهم وإلزامهم بالإحرام لا يعني أنه يحرم من الميقات ويحل إذا وصل مكة ما فعل شيئًا، الإحرام لا قيمة له، لكن لابد أن يطوف ويسعى ويحلق ويحل بعد ذلك ويذهب إلى حاجته، لكن من يصنع مثل هذا وهو يعرف أنه يدخل مكة ولا يريد نسكًا ولا ينويه ويلزم بالإحرام ويلزم بالطواف والسعي والحلق ولا ينوي العمرة لا شك أن مثل هذا محروم.
"فإن تجاوز الميقات غير محرم لزمه أن يرجع ليحرم منه"؛ لأن الإحرام من الميقات من واجبات الحج، الإحرام الذي هو نية الدخول في النسك ركن من أركان الحج، لكن من الميقات من واجبات الحج "لزمه أن يرجع ليحرم منه إن لم يخف فوات الحج" تعدى الميقات لم يشعر به على الطائرة، وهو كان نائمًا أو ما سمع المنبه وما أسرع ما يتجاوز الميقات، ولما هبط بجدة وما بقي على طلوع الفجر شيء، إن رجع إلى الميقات فاته الحج، قالوا: يحرم من مكانه ويذبح، "فإن تجاوز الميقات غير محرم لزمه أن يرجع ليحرم منه إن لم يخف فوات الحج أو على نفسه" قيل له: في الطريق من جدة إلى الميقات قطاع طريق، وعليك خطر إذا رجعت، إذا خاف على نفسه لا يرجع، "وإن أحرم من موضعه فعليه دم" طيب إن تجاوز الميقات فقيل له: إنك تجاوزت الميقات ولم يخف فوات الحج، ولم يخف على نفسه، هل يتعين في حقه أن يرجع؟
يرجع إلى الميقات ويحرم منه أو له أن يحرم من مكانه من موضعه ويفدي ويذبح؟ ظاهر العبارة "فإن تجاوز الميقات غير محرم لزمه أن يرجع ليحرم منه إن لم يخف فوات حج أو على نفسه" يلزمه "وإن أحرم من موضعه فعليه دم"؛ لأنه تجاوز الميقات، وعندنا أمران: الأول: إن لم يخف فوات الحج أو على نفسه ليس له أن يحرم من مكانه ويلزمه دم، أو يتعين عليه أن يرجع.
الأمر الثاني: إذا خاف فوات الحج أو خاف على نفسه وأحرم من مكانه هل مفهوم العبارة أنه ما عليه شيء؟ تأمل في العبارة.
طالب: ...................
هو يقول: "إن لم يخف فوات حج أو على نفسه" يعني يلزمه أن يرجع إلى الميقات، "وإن أحرم من موضعه فعليه دم" أحرم من موضعه بدون الخوف هذا عليه دم، هذا ما فيه إشكال، لكن إذا خاف على نفسه أو خاف فوات الحج لا يلزمه دم.
طالب: ...................
لابد أن يرجع، طيب ألا يمكن أن يقال: إن خاف على نفسه أو فوات الحج فلا يرجع ولا شيء عليه؟ شف وإن أحرم من موضعه مع الخوف، يعني مع الخوف أو مع عدم الخوف؟
طالب: ..................
لا، الاحتمال قائم، الاحتمال قائم، "وإن أحرم من موضعه فعليه دم" يعني إن لم يخف على نفسه فعليه دم، وإن خاف على نفسه ما عليه شيء، هذا احتمال، والمعنى يحتمل، اللفظ يحتمل، وعلى كل حال إن تجاوز الميقات فأحرم يلزمه أهل العلم بدم، وهذا هو القول الوسط في المسألة؛ لوجوب الإحرام من الميقات، وقال سعيد بن مسيب: إن تجاوز الميقات فلا شيء عليه، وقال سعيد بن جبير: فإن تجاوز الميقات فلا حج له، فرق بين القولين، بين من يقول: لا شيء عليه، وبين من يقول: لا حج له. فليكن القول الوسط بين القولين: الوجوب وإلزامه بالدم؛ لأنه ترك واجبًا، ومن ترك نسكًا فليرق دمًا كما قال ابن عباس.
"وأشهر الحج: شوال، وذو القعدة، وعشر من ذو الحجة" هذه المواقيت الزمانية، وعرفنا ما فيها ومن أحرم قبلها فيما تقدم.
"فصل: في الإحرام" والمراد بالإحرام نية الدخول في النسك.
طالب: .....................
للتحايل تحايل على التصريح.
طالب: .....................
الآن هو نوى من الميقات وأحرم بثيابه هذا شخص، وشخص ما نوى الدخول في النسك، ولما تجاوز التفتيش لبس ثياب الإحرام وأحرم، المسألة تفرق الذي تجاوز الميقات بدون إحرام يلزمه دم، حتم هذا، والذي أحرم بملابسه عليه فدية أذى وهو مخير، مع أنه عاصٍ على كل حال لا سيما إذا كان الحج نفلاً.
طالب: .....................
إذا كان مترددًا على أيش؟ لا هو إذا وصل الميقات ما فيه تردد، انتهى إما يحرم وإما ما يحرم.
طالب: .....................
يعني ما عزم ولا نوى الدخول في النسك حتى، يعني ما أنشأ الحج والعمرة إلا بعد تجاوز الميقات من حيث أنشأ، "سن لمريده" يعني لمريد الإحرام، ونية الدخول في النسك وهو ركن من أركان الحج، "غسل أو تيمم لعدمه" لعدم الماء، أو لعدم القدرة عليه يتيمم، هذا بناءً على أن الغسل مسنون لرفع حدث، أما إذا كان للتنظيف الاغتسال للتنظيف من أجل الإحرام، فرق بين أن يغتسل لرفع الحدث فيكون له بدل وهو التيمم، أو يغتسل للتنظيف فلا بدل له حينئذ؛ لأن التيمم لا أثر له في التنظيف.
"أو تيمم لعدمه، وسُن له تنظف وتطيب وتجرد من مخيط"؛ لأن النبي –عليه الصلاة والسلام- كانت عائشة تطيبه لإحرامه قبل أن يحرم والتنظف والتطيب مطلوب، لا سيما وأنهم في السابق يحتاجون إلى مدة طويلة، يعني من المدينة يحتاجون إلى عشرة أيام أو على حسب المشي في السابق، فلا بد أن يتنظف ويتطيب، ويزيلوا عنهم ما يبعث على الروائح الكريهة؛ لأن المدة تطول، أما الآن فبالإمكان أن يحرم من الميقات، ويدخل مكة، وينتهي من عمرته والمدة كلها لا تتجاوز الساعتين، من الإحرام والطريق وأداء العمرة، وإلا ففي السابق.. وينصون على الاغتسال للإحرام والاغتسال لدخول مكة، ينصون على هذا، وفعله النبي– عليه الصلاة والسلام- وفعله ابن عمر، على كل حال إذا عرفنا العلة فالغالب أنه يغتسل ويتطيب ويتنظف ويأخذ الزوائد في بيته ولو على مسافة ألف كيلو أو ألفين، والمسافة ساعات وهو واصل، "سن لمريده غسل أو تيمم لعدمه، وسن له تنظف وتطيب وتجرد من مخيط، وأن يحرم في إزار ورداء"، هذه السنة "أبيضين نظيفين" كما فعل النبي –عليه الصلاة والسلام- "ويجزئ في غير البياض" يعني لو أحرم في أصفر، أحمر، لكن الأحمر منهيٌ عنه بالنسبة للرجال، أصفر، أخضر، أحرم في أي لون من الألوان أجزأه، لكن البياض هو السنة، وجاء في الحديث: «البسوا من ثيابكم البياض، وكفنوا فيها موتاكم». "ويجزء في غير البياض بلا خلاف، والأفضل أن يحرم في نعلين" لابد أن يحرم في نعلين، الكلام هذا في مقابل أن يحرم حافيًا، الأفضل أن يحرم في نعلين أو يحرم حافيًا؟ الأفضلية أن يحرم في نعلين مقابل الحافي أو في مقابل الخفين؟ لأنه قال: "فإن لم يجد نعلين لبس الخفين"؛ لأن المحرم منهي أن يلبس الخفين، "ورُخص فيمن لم يجد النعلين أن يلبس الخفين" بالإطلاق كما أشار كما قال النبي-عليه الصلاة والسلام– في الموقف أو مع القطع أسفل من الخفين كما قاله في المدينة، وبكل قال جمع من أهل العلم، الذي لم يجد النعلين يلبس الخفين، لكن عليه أن يقطعهما أسفل من الخفين أو لا؟ في المدينة قال: «وليقطعهما أسفل من الكعبين» وفي الموقف قال: «يلبس خفين» ولم يشر إلى القطع، فمنهم من قال: إن ما كان في الموقف ناسخ؛ لأنه متأخر، ناسخ لأنه متأخر، وحضر الموقف من لم يحضر الخطبة الأولى في المدينة. ومنهم من يقول: يحمل المطلق على المقيد، وتم البيان في المدينة، ولا يلزم تكرار البيان، البيان تم في المدينة فيلزم القطع، لكن وهذا مؤيد بقواعد، هذا متأخر، وهذا مطلق ومقيد، ولا يحكم بالنسخ إلا إذا لم يمكن الجمع، والجمع ممكن بحمل المطلق على المقيد، لكن الذي يرجح به القول بعدم القطع أمور: منها أنه حضر الموقف أضعاف أضعاف من حضر خطبته الأولى والبيان الأول والقيد، وأيضًا النهي عن إضاعة المال وقطع الخف لا شك أنه إتلاف له، "فإن لم جد النعلين لبس الخفين" ما أشار إلى القطع؛ لأن الراجح عنده كما هو المعروف في المذهب عدم القطع.
"وأحرم عقب ركعتين نفلاً أو عقب فريضة" النبي –عليه الصلاة والسلام- خرج من المدينة عقب صلاة الظهر أو عقب صلاة الصبح وصلى الظهر ركعتين وأحرم -عليه الصلاة والسلام-، فصار إحرامه بعد ركعتين وهما فريضة، المؤلف يقول: "أحرم عقب ركعتين" لوقوع إحرامه –عليه الصلاة والسلام- عقب ركعتين وتسمى ركعتا الإحرام، ومنهم من يقول: ليس للإحرام صلاة سنة من أجله وإنما وقع هكذا اتفاقًا إن أحرم بعد فريضة أصاب موافقة النبي –عليه الصلاة والسلام-، وإن لم يكن وقت فريضة فلا سنة للإحرام، لكن عموم الحديث وفيه أن جبريل قال للنبي –عليه الصلاة والسلام-: «صل في هذا الوادي المبارك ثم قل: لبيك عمرة في حجة» صل في هذا الوادي المبارك، مما يدل على أن الصلاة في هذا المكان مقصودة، فإن لم تكن فريضة صلى ركعتين لا سيما إذا كان الوقت وقت نهي.
"ونيته شرط" تجدر الإشارة إلى أن أسماء بنت عميس خرجت من المدينة فولدت في الميقات يعني بعد مدة يسيرة عشرة كيلوات وولدت، معناه أن الطلق أخذها وهي في بيتها وحجت، وهذا من حرصهم على الخير، لأداء الفريضة من جهة، ولتمام الاقتداء به –عليه الصلاة والسلام-، وحجت مع الناس، وجهها النبي –عليه الصلاة والسلام- لتغتسل وتستثفر وتحج مع الناس، كان الناس يتحملون ويعملون ويكدون ويكدحون يعملون في الزراعة وفي غيرها من مصالحهم ومهنهم والطلق قد أخذها، وكم من امرأة ولدت في سفر، أو في طريقها من مكان إلى مكان، والآن ما الحاصل؟
إذا خرجت نتيجة التحليل قالوا فيه حمل أوصاها الطبيب ألا تتحرك على ظهرها على السرير، تأخر مثبتات وتأخذ.. كل هذا من أجل أيش؟ من أجل الترف الذي يعيشه الناس، وذكر لنا في بعض المزارع أن المرأة وهي في التاسع من حملها تجذ النخل العيادين الطوال، اعتادوا العمل، وصار ما يشق عليهم، أسماء بنت عميس خرجت مع النبي –صلى الله عليه وسلم- قد أصابها الطلق وبعد عشرة كيلوات ولدت وحجت مع الناس، ما قال: ما دام ولدتِ ارجعي للبيت، فالترف الذي أصيب به الناس بعد انفتاح الدنيا لا شك أنه أثر سلبيًّا على جميع نواحي الحياة، جميع نواحي الحياة تأثرت بهذا الترف، صار الإنسان أدنى شيء يمرضه ويقعده عن العمل؛ لأنه ما تعود ما تعود الكد والكدح، والله المستعان.
"ونيته شرط" نية الدخول في النسك شرط ويعدونه الركن الأول من أركان الحج ومعروف الفرق بين الشرط والركن، أن الركن داخل الماهية، والشرط خارج الماهية، وعلى كل حال المؤدى واحد. "فلا يصير محرمًا بمجرد الدخول في النسك بغير نيته" يعني بمجرد لبس الإحرام بمجرد التجرد والتطيب والتنظف والاغتسال ولبس الثوبين الأبيضين لا يصير محرمًا حتى ينوي الدخول في النسك، "فلا يصير محرمًا بمجرد الدخول في النسك بغير نيته" تفضل
طالب: ...............
اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك محمد.
يقول- رحمه الله تعالى-: "ويستحب قوله: اللهم إني أريد النسك الفلاني كذا" يسمي نسكه حجًّا أو عمرة، "فيسره لي وتقبله مني" والأصل في الدخول في النسك أن يلبي به، لبيك عمرة، لبيك حجًّا، لبيك حجًّا وعمرة، فيلبي به هذا الأصل فيه ولا يصرح بقوله: اللهم إني أريد، جاهرًا بنيته وإن تواطأت عليه المناسك في المذاهب، لكن الأولى أن يقتصر على ما جاء عنه –عليه الصلاة والسلام-.
"فيسره لي وتقبله مني، فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني" هذا يسمونه الاشتراط، وأصله «أن ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب عم النبي –عليه الصلاة والسلام- قالت: يا رسول الله إني أريد الحج وأجدني شاكية، فقال لها –عليه السلاة والسلام- : حجي واشترطي فإن لك على ربك ما استثنيتِ» حبسني حابس فمحلي حيث حبستني. فمن العلماء من أخذ هذا الحديث على إطلاقه ورأى أن كل حاج له أن يشترط، ومنهم من قال: إن الاشتراط خاص بهذه المرأة، فلا اشتراط للزوم الإتمام، إتمام الحج والعمرة، ومنهم من توسط وبه يقول: شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: من كانت عليه آثار المرض أو خشي أن يمرض وغلب على ظنه ذلك فله أن يشترط تطبيقًا لقصة ضباعة بنت الزبير، أما كل حاج يشترط ويكون بالخيار فهذا الحديث لا يدل عليه، الحديث أخص مما استدلوا به عليه. يقول: "فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني وحديث ضباعة بنت الزبير، مخرج في صحيح البخاري"، وبعض العلماء ممن له عناية بالدليل والتخريج حكم على أن الحديث لا يوجد في صحيح البخاري، وعزوه إلى صحيح البخاري خطأ، والسبب في ذلك أن البخاري ما رواه في كتاب الحج، ولا في كتاب الفوات والإحصار، أين رواه؟ في كتاب النكاح، لو تقلب كتاب البخاري مئة مرة ما وجدت هذا الحديث، ولذا حكم عليه أنه لم يروه البخاري، في كتاب النكاح يعني البخاري الذي يكرر الأحاديث عشرين مرة ما كرر الحديث مرتين مرة في الحج ومرة في النكاح؟ رحمه الله تعالى، لكن من مقاصده في صنيعه وإلغازه في تراجمه وفي ترتيبه في كتابه أن يهتم طالب العلم بالسنة، وبدلاً من أن يصل إلى بغيته في أقرب طريق يفتح الكتاب ويجد، يوعر عليه الطريق فيقرأ الكتاب قراءة، ما يكفي أنه يفتح الكتاب ويقف على ما يريد، قال في كتاب النكاح: باب الأكفاء في الدين، ولما روى حديث ضباعة بنت الزبير قال: وكانت تحت المقداد، والمقداد مولى وضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب عم الرسول الشقيق –عليه الصلاة والسلام- وكانت تحت المقداد، ولذلك ترجم باب الأكفاء في الدين "فمتى حبس" يعني بعد أن يشترط بمرض أو عدو { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [سورة البقرة:196]، فإذا أحصر بعدو كما فعل أو كما حصل له –عليه الصلاة والسلام- في الحديبية نحر وحل، حلق وحل، لكن هذا المشترط ماذا عليه، حل ولا شيء عليه لا دم ولا شيء يلبس ثيابه ويرجع إلى أهله؛ لأنه اشترط والاشتراط ينفعه، على الاختلاف في نفع الاشتراط لكل حاج، أو لا ينفع مطلقًا، أو ينفع من عليه آثار أو علامات المرض.
"فمتى حبس بمرض أو عدو أو ضل الطريق" ضل الطريق، ضاع، ما أكثر من يضل الطريق قبل هذه الطرق المعبدة التي فيها العلامات والأرقام، وبعض الناس يضل الطريق مع وجود هذه التسهيلات يضل، ما أكثر من يضيع لا سيما من لم يكثر التردد إلى هذه الأماكن، "فمتى حبس بمرض أو عدو أو ضل الطريق، حل ولا شيء عليه".
"والأنساك ثلاثة" أنساك الحج ثلاثة "تمتع، وإفراد، وقران، وأفضل الأنساك التمتع" الآن يوضح، يشرح هذه الأنساك الثلاثة "وأفضل الأنساك التمتع؛ لما في الصحيحين أنه –صلى الله عليه وسلم- أمر أصحابه لما طافوا وسعوا أن يجعلوها عمرة" يعني عمرة يتمتعون بها إلى الحج يحلون منها الحل كله، ثم يحرمون بالحج، وهذه حقيقة التمتع " أن يجعلوها عمرة إلا من ساق هديًا" فإنه لا يمكن أن يحل حتى يبلغ الهدي محله، والنبي –عليه الصلاة والسلام- منعه من الحل بعد أن طاف وسعى سوق الهدي، "وثبت –صلى الله عليه وسلم- على إحرامه؛ لسوقه الهدي، وتأسف بقوله: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولأحللت معكم»، وبعض العلماء يوجب التمتع لمن لم يسق الهدي، لكن النبي –عليه الصلاة والسلام- حج قارنًا ومنعه من التمتع سوق الهدي، ورجح بعضهم القران؛ لفعله –عليه الصلاة والسلام- وما كان الله ليختار لنبيه إلا الأفضل، ورجح بعضهم الإفراد؛ لأن مِن لازمه أن يؤدي النسكين بسفرتين، بدل أن يؤديهما بسفرة واحدة، ومن أراد أن يؤدي الحج بسفر مستقل والعمرة بسفر مستقل فهذا الإفراد يذكر شيخ الإسلام أنه أفضل باتفاق الأئمة الأربعة، والمسألة مفترضة فيمن أراد أن يحج مرة واحدة ويعتمر مرة واحدة، فيجعل العمرة في سفر والحج في سفر أفضل له.
وأما من أراد أن يتمتع ويعتمر بعد ذلك أو قبل ذلك ويتابع بين العمرة والعمرة، هذا لا شك أن التمتع أفضل في حقه؛ لأن النبي –عليه الصلاة والسلام- أمر أصحابه لما طافوا وسعوا أن يحلوا وأن يجعلوها عمرة.
"وصفته" أي التمتع "أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج" يعني في شوال أو في القعدة "ويفرغ منها ثم يحرم بالحج في عامه"، ولا يرجع إلى بلده، لأنه إذا اعتمر في شوال أو في القعدة ورجع إلى بلده انقطع التمتع، "ويفرغ منها ثم يحرم بالحج في عامه" لا بد أن يحرم بالحج في عامه، "ويجب على الأفقي وهو من كان مسافة قصر فأكثر من الحرم" يعني الآفاقي جاء مسافرًا ليس من أهل الحرم ولا أهل مكة ولا حاضري المسجد الحرام يجب عليه إن أحرم متمعًا أو قارنًا دم، يسمى دم المتعة والقران، {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [سورة البقرى:196] يعني يجب عليه ما استيسر من الهدي "إن أحرم متمتعًا أو قارنًا دم، ويسن أن يلبي" بخلاف المفرد لا يلزمه دم؛ لأنه ما ترفه بترك أحد السفرين كالمتمع والقارن.
"ويسن أن يلبي عقب إحرامه تلبية كتلبيته –صلى الله عليه وسلم- «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك» هذه تلبيته –عليه الصلاة والسلام- وقد لبى بالتوحيد كما في حديث جابر، بخلاف تلبية المشركين الذين لبوا بالشرك، فخالفهم النبي –عليه الصلاة والسلام- فلبى بالتوحيد «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك» بخلاف تلبية أهل الشرك الذين يقولون: لبيك لا شريك لك إلا شريكًا هو لك تملكه وما ملك، أشركوا بالله- جل وعلا- الشرك الأكبر في هذا الموطن العظيم، نسأل الله العافية، فخالفهم النبي –عليه الصلاة والسلام- «إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك».
"وإن زاد في التلبية" كما زاد ابن عمر "فلا بأس" ولزم أكثر الصحابة تلبية النبي –صلى اله عليه وسلم-، ومنهم من زاد في تلبيته وسمع فلم ينكر عليه، فابن عمر زاد: لبيك وسعديك والخير بيديك والرغباء إليك والعمل. "ويقول بعد ذلك: لبيك بعمرة في أول التلبية" لبيك يلبي بنسكه، لبيك عمرة، لبيك حجًّا، لبيك عمرة وحجًّا، "ويكثر من التلبية" وهي في وقتها أفضل من سائر الأذكار غير المقيدة بوقت، وأوجبها الحنفية، وجعلوها علامة للدخول في النسك، فمن لبى لزمه النسك. "وتتأكد التلبية إذا علا نشزًا" مرتفعًا "أو هبط واديًا" يعني تغيرت حاله، إذا تغير الحال تتأكد التلبية والإكثار منها، "أو صلى مكتوبة" يعني إذا صلى المكتوبة واستغفر ثلاثًا وسبح لبى، "أو أقبل الليل أو النهار" يعني تغير الحال بأي تغير "أو التقت الرفاق، أو سمع ملبيًّا" سمع ملبيًّا يلبي مثله يستجيب مثل من سمع التكبير في هذه الأيام يكبر، وإن كبر ابتداءً قبل غيره أخذ أجره وأجر من يسمعه الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد. "أو سمع ملبيًّا، ويدعو يسيرًا" يعني بعد نهايته من التلبية يدعو بما تيسر ويصلي على النبي –عليه الصلاة والسلام- يصوت بها الرجل، وقد كان الصحابة يصرخون بالتلبية يرفعون أصواتهم بالتلبية.
"يصوت بها الرجل، وتخفيها المرأة بقدر ما تسمع رفيقتها"؛ لأن المقرر أن صوت المرأة ما دام فتنة للرجال أنه عورة يجب إخفاؤه، على خلاف في ذلك بين أهل العلم إذا كان بقدر الحاجة من غير تكسر ومن غير قصد لفتنة، وكان بقدر الحاجة فإنه يجوز، وسمع الرجل المحتاج إليه، ولكن تخفيه بقدر الإمكان؛ لأنها في هذا الموضع تخفيها، وفي الصلاة إذا سهى الإمام الرجل يسبح، والمرأة تصفق، فلا تسبح، والأصل في التصفيق المنع، لكن أبيح في مقابل ما هو أشد منه وهو الصوت، فالقول بأن صوتها عورة الذي يسخر منه بعض الناس اليوم له وجه وله أدلته، وإن رجح القول الثاني، لكن له من يقول به وله من ينصره، وله أدلته، والأصل أن الفتنة محسومة وممنوعة، وبعض النساء صوتها الطبيعي فتنة وبعض من في قلبه مرض يفتتن بأي صوت، وما أكثرهم الآن، بعض الناس تسمعه يسخر من بعض الأقوال، وهي أقوال معتبرة عند أهل العلم، ولها من يقول بها من الكبار، ولها أدلتها، كل هذا استجابة لحقوق الإنسان والمساواة، كل هذا لا وزن له في الشرع، العبرة بالدليل.
"ويجتنب ما نهاه الله تعالى عنه في كتابه من الرفث وهو إتيان أهله" يعني يقصد به الجماع، وبعضهم يقول: مخاطبة النساء به، وابن عباس أنشد بيتًا فيه مخاطبة وفيه كلام رفث بالكلام، ولذلك قال: "وهو إتيان أهله لا مجرد الكلام"، والبيت الذي أنشده ابن عباس ما يصلح نقوله في المسجد "والفسوق، وهي المعاصي كلها" المعاصي لا شك أنها فسوق، "ومعنى هذا أنه يتغلظ الذنب في الإحرام، ويتأكد اجتنابه"، وليس معنى هذا أن هذه الأمور إذا حل من إحرامه له أن يرفث ويفسق ويزاول المعاصي ويتكلم بالخنا، ليس له ذلك، لكن له أن يأتي أهله.
"ويتأكد اجتنابه وليست المعصية في الإحرام كالمعصية في غيره" لأن المعاصي تتغلظ في الظروف والأحوال والأزمنة والأمكنة، المعصية في رمضان غير المعصية في غيره من الشهور، وإن كان كل معصية حرام، معصية في الحرم وإرادة الإلحاد في الحرم تختلف عن إرادته في غيره، على كل حال هذا مر معروف مقرر. "وليست المعصية في الإحرام كالمعصية في غيره، وكذلك الحرم ليست المعصية فيه كالمعصية في غيره".
"ويجتنب الجدال وهو مماراة صاحبك حتى يغضب" الجدال والمماحكة والمجادلة والمخاصمة التي لا تنتج فائدة، الجدال الذي يسمونه الجدال العقيم هذا يجتنب، "فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج"، أما الجدال في مناقشة مسائل علمية؛ للوصول إلى الحق والقول الصائب بدليله فهذا مطلوب في كل وقت، ولا يبعث على شحناء ولا بغضاء. "ويجتنب الجدال، وهو مماراة صاحبك حتى يغضب، ويُستحب قلة الكلام فيما لا ينفع، ويُستحب قلة الكلام فيما لا ينفع «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه»، «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه» يحرص الإنسان على أن يحفظ سمعه وبصره وجميع جوارحه، وأن يأتي بما أوجب الله عليه، ويجتنب ما نهاه عنه، قال: "واحتج أحمد بأن شُريحًا" يعني في ترك الكلام ولزوم الصمت "احتج أحمد بأن شريحًا كان إذا أحرم كأنه حية صماء" لا يتحرك ولا يتكلم، يحفظ كل جوارحه، وهذا الكلام وإن كان منسوبًا لتابعي جليل معروف صاحب علم وعمل، لكنه ليس مما يستدل به، وإنما يستأنس به، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على عبده محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.