شرح منسك الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب (01)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
ففي هذه الليالي المباركة، من هذا الشهر المبارك، في هذا البلد المبارك، نقرأ في سلسلة المناسك التي تشرح في هذه المناسبة العظيمة منسكًا للشيخ عبدالله بن الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب، وشرحنا منسَك الشيخ محمد في العام قبل الماضي، ونثني بمنسك ابن الشيخ، عبدالله بن محمد، وقرأنا في مناسبات قبلها منسك الشيخ سليمان بن علي جد الشيخ محمد بن عبدالوهاب، فالجد له منسك، وهو أطول هذه المناسك، ثم الشيخ محمد -رحمه الله ورحم الله الجميع- له منسك مختصر، وهو أخصر من منسك جده، بل أخصر من منسك ابنه عبدالله بن محمد الذي نتصدى لشرحه، وللشيخ سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب منسك مختصر أيضًا، فالمناسك الحج- ولله الحمد- فيها كثرة وفيها وفرة، فلا يشكل على أحد شيء من مناسك حجه أو عمرته، ولا زال التأليف يتتابع في بيان هذه الشعيرة العظيمة والركن الأعظم أو العظيم من أركان الإسلام.
ففيه أُلف عشرات بل مئات المناسك للمتقدمين والمتأخرين، ومع هذه الثورة العلمية العارمة في أنحاء العالم الإسلامي أُثيرت هذه المناسك، وشرحت بشروح كثيرة منها المكتوب المؤلف، ومنها المسموع المشروح المقرر المدرس، وكل هذا متوفر ومتيسر وفي متناول الجميع، وفي الأزمان المتأخرة في الأيام التي نعيشها حصل التيسير- ولله الحمد- من كل جانب، يعني والإنسان في بيته يستطيع أن يطلع على الكتاب الذي ليس في مكتبه بواسطة هذه الآلات وهذه الأجهزة، وهذا من نعم الله- جل وعلا- أن يسر سبل العلم وطرق تحصيله، لكن يبقى أنه كل ما تيسر العلم صعب مناله، وأنه لا يستطاع العلم براحة الجسم كما قال يحيى بن أبي كثير، فلذا يتوقع أن يكون العلماء أكثر وأكثر استيعابًا وأكثر إحاطة وشمولًا بالعلم من المتقدمين الذين يتعبون على التحصيل، ويسهرون الليالي، ويضربون الفيافي والقفار، ويسافر أحدهم ويرحل لطلب حديث واحد، أما الآن وأنت على أريكتك في بيتك فبإمكانك أن تتطلع على عشرات الألوف من الأحاديث من غير تعب ولا عناء، لكن على الإنسان أن يبذل أولاً، يؤصل ويؤسس العلم في نفسه بالتعب والعناء وبذل الجهد بالحفظ والمدارسة والمراجعة والسؤال عما يشكل، ثم بعد ذلك يكمل من خلال هذه الآلات، على كل حال الكلام في الموضوع كثير وطويل، وتعرضنا له في مناسبات كثيرة، والذي يهمنا الآن أنه بإمكانك الآن وأنت جالس تتطلع على الكتاب وهو ليس بين يديك من خلال الجوال.
هذا الكتاب للشيخ عبدالله بن الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب بن سليمان بن علي التميمي إمام الدعوة السلفية المجدد لدين الإسلام في العصور الأخيرة.
الشيخ عبدالله ولد في الدرعية سنة خمس وستين ومئة وألف، وتوفي بمصر سنة اثنتين وأربعين ومئتين وألف، لما سطا الباشا على الدرعية خربها وهدمها، رحل بمن بقي من أئمة الدعوة وأولاد الشيخ معه إلى مصر، وأما ابنه سليمان فقتل في المقبرة مقبرة الدرعية، خرجوا به وأسمعوه ما يغضبه من الأغاني ثم قتلوه رميًا بالرصاص، رحمة الله على الجميع.
الشيخ عبدالله له مؤلفات منها هذا المنسك، ومنها فتاوى موجودة متفرقة في الدرر السنية وغيرها، وله الكلمات النافعة في المكفرات الواقعة، وله أيضًا رد على الروافض، وكلها مطبوعة ومعروفة، وله رسالة إلى أهل مكة لما سئل عن دعوة أبيه أجاب برسالة مفصلة، وأن الشيخ محمد لم يأت بدين جديد، وإنهم في الفروع في الأصل على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، وفي العقيدة على مذهب السلف الصالح من الصحابة والتابعين والأئمة، وذكر المنهج فيما يقرأ من الكتب، وأنهم يعنون بكتاب الله وبسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- في الكتب الستة في الصحيحين وغيرهما، ويقرؤون الشروح، ويقرؤون التفاسير التي تعينهم على فهم كتاب الله، ويعنون بتفسير الطبري والبغوي وابن كثير، ويقرؤون في التفاسير الأخرى عند الحاجة، ويقرؤون أيضًا في شروح الحديث مثل فتح الباري، وذكروا كتبًا، ذكر الشيخ كتبًا في بعض الفنون.
وذكر الشيخ أنهم يصلون خلف الشافعي الذي يقنت في صلاة الصبح، ولا يصلون خلف الحنفي الذي لا يطمئن في صلاته، الفرق بيّن؛ نعم لأن ترك الطمأنينة مخل بالصلاة، والقنوت في صلاة الصبح جاء فيه ما جاء، وإن كان ليس هو القول الراجح عند أهل العلم.
المقصود أنهم في المخالفة اليسيرة يتابعون عليها، التي لا تخل بالصلاة، بخلاف المخالفة التي تخل بالصلاة المقصود أن الشيخ- رحمة الله عليه- له مؤلفات، وله جهود في الدعوة مع الأئمة من آل سعود ومقرب إليهم، ويفيدهم بالدعوة والتعليم، ويجاهد معهم، وعرف- رحمة الله عليه- بالشجاعة والمشاركة في الحروب، وقاوم الجيش الغازي للدرعية، ونفع الله به في هذا المجال، المقصود أن ترجمة الشيخ موجودة ومبذولة، ومؤلفاته مطبوعة ومعروفة، وله كتاب في السيرة النبوية، وهو من أفضل ما ألف من الكتب المتوسطة ليست المطولات ولا المختصرات سيرة الشيخ محمد مختصرة، لكن فيها نفع عظيم، وفيها إشارات إلى مسائل ودروس تؤخذ من السيرة لا سيما في باب العقيدة، والشيخ عبدالله سيرته أكثر من ضعفي سيرة الشيخ محمد، وهي مطبوعة متداولة.
هذا المنسك الذي نقرأه في هذه الليالي ابتدأه- رحمه الله- بمقدمة قال فيها: "بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين".
ابتدأه بالبسملة والاستعانة بالله- عز وجل-، ثم افتتحه بالحمد ابتداءً بالقرآن المبدوء بالبسملة، والحمد لله، وثنى بالصلاة والسلام على النبي –عليه الصلاة والسلام-؛ امتثالاً للأمر بذلك في قوله- جل وعلا-: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [سورة الأحزاب: 56]، إضافة إلى ما جاء من الأحاديث التي فيها مقال: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم هو أبتر» ومثله: «كل الأمر يباد لا يبدأ فيه الحمد لله رب العالمين فهو أقطع» وفي رواية: «الحمد لله والصلاة والسلام علي». الحديث في مجموع طرقه وألفاظه مضعفة عند أهل العلم، ولفظ الحمد بالذات حسّنه النووي وابن الصلاح وجمع من أهل العلم.
ثم قال- رحمه الله-: "اعلم رحمك الله" وهذا أسلوب الشيخ الإمام المجدد في مؤلفاته، ينبه الطالب ويأمره ويدعو له بالرحمة قال: "اعلم رحمك الله أنه يُستحب لمن أراد الحج، وكان حجه تطوعًا أن يبدأ بالاستخارة" ماذا عن الفريضة، ما يستخير؟ الفرائض لا يُستخار فيها، إنما يستخار فيما يقع فيه التردد، أنه يفعل أو لا يفعل، الفريضة لا تردد فيها، بل لابد أن تُفعل "أن يبدأ بالاستخارة، فيستخير الله هل يحج هذا العام" والحج سواء كان فريضة أو تطوعًا كله خير، الخير فيه راجح، والأصل في الاستخارة ما يقع فيه التردد، والتردد هنا بينه الشيخ "فيستخير الله هل يحج هذا العام أو غيرَه" يعني من العام القادم والذي بعدَهُ.
"وإن كان فرضًا استخار أيضًا هل يخرج من هذا الوقت أو يتأخر"، وليست الاستخارة في أصل العمل في الحج سواء كان فرضًا أو تطوعًا. "وإن كان فرضًا استخار هل يخرج من هذا الوقت أو غيرِه، وهل يرافق هؤلاء أو غيرَهم" يعني يستخير هل يحج مع هذه الرفقة أو لا في وقتنا مع هذه الحملة؟ أو مع هذه الحملة الفلانية؟ يستخير، وهل يسير من هذا الوجه أو غيرِه؟ يعني هل يسلك طريق الطائف أم يسلك طريق المدينة أو يسلك الطريق الثالث أو الرابع؟ يستخير في هذا كله.
"ونحو ذلك من الوجوه التي لا يعلم وجه المصلحة في أحدها" من الوجوه التي لا يعلم وجه المصلحة في أحدها بعينه" يعني ما عنده راجح. "ويشرع في ركعتيها" ركعتي الاستخارة قبل الاستخارة.
"ويقرأ قل يا أيها الكافرون، وسورة الإخلاص" يقرأ في الأولى "قل يا أيها الكافرون"، وفي الركعة الثانية بسورة الإخلاص.
قال: "لما تضمنت السورتان من التوحيد العلمي والعملي" توحيد الربوبية والأسماء والصفات توحيد علمي، والتوحيد العملي توحيد الألوهية.
"وقد صح عنه -صلى الله عليه وسلم- «أنه كان يعلمهم الاستخارة كما يعلمهم السورة من القرآن في الأمور كلها» الآن الناس يكسلون، تجده بحاجة إلى أن يدعو ربه ثم يكسل، بحاجة إلى أن يرقي نفسه يكسل عن ذلك، بحاجة إلى أن يستخير تجده يضعف عن ذلك.
"كما يعلمهم السورة من القرآن في الأمور كلها، فيقول إذا همّ أحدكم بأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة" يعني ما يصلي صلاة الصبح ثم يقول دعاء الاستخارة، إنما يصلي ركعتين نفلًا، يقرأ في الأولى بـ قل يا أيها الكافرون وفي الثانية بـ قل هو الله أحد، فهي نافلة لو أدخلها في ركعتي الصبح الراتبة أو ركعتي المغرب هذه الأمور عبادات من جنس واحد صفتها واحدة قد يقال بالتداخل على القاعدة من أهل العلم، ولو قيل: إن هذه لها ما يدعو إليها وهي متأكدة أعني ركعتي الصبح أو ركعتي المغرب، هذه سنن الرواتب مطلوبة لذاتها، وهذه سنة طارئة لأمر من الأمور مطلوب لذاته، فلا تداخل عند بعضهم لهذا الأمر.
"إذا همَّ أحدكم بأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: إني أستخيرك بعلمك" أطلب خير الأمرين الإمضاء أو الرد أو الأمرين المتردد فيهما، أستخيرك: أطلب خير الأمرين، أطلب أن توجهني بعلمك بالعواقب خير الأمرين.
"وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر" الله- جل وعلا- هو القوي المتين والعبد هو العبد المسكين، "فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم"، الله- جل وعلا- علام الغيوب يعلم السر وأخفى، والعبد لا يعلم إلا ما علمه الله إياه، ومهما بلغ من العلم والفطنة والذكاء فإنه عبد ضعيف عبد جهول ظلوم، ما أوتي مع غيره من المخلوقين، ما أوتي من العلم إلا قليلاً.
"وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر" يسميه بعينه هذا الأمر، هذا الحج هذا العام هو تطوع أو سلوك هذا الطريق أو صحبة هذه الرفقة. "إن كنت تعلم أن هذا الأمر يسميه أو تسميه بعينه" يعني المستخير يخاطب المستخير تسميه بعينه "خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاقدره لي ويسره لي، ثم بارك لي فيه" فاقدره لي: يعني اجعله مكتوبًا مقدرًا لي، مكني منه ويسره لي، ثم بارك لي فيه، "وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاصرفه عني واصرفني عنه" إن كان هذا الأمر الذي سماه سابقًا، "وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم أرضني به مع العافية" رواه البخاري، حديث متفق عليه "إن كنت تعلم" إنْ كنتَ تعلم هذا الأسلوب هل يفهم منه أن المستخير متردد في كون الله يعلم؟ ماذا؟
الطالب : .................
إنْ ليست للشك، إذاً ماذا يكون معناها؟
الطالب : .................
هي شرطية، وهي إذا جزمت صارت للشك.
أَنَا إِنْ شَكَكْتُ وَجَدْتُمُونِي جَازِمًا ... وإذَا جَزَمْتُ فَإنَّنِي لمْ أجْزم
وعلى كل حال هذه ليست للشك، بل هي للتحقق في معنى إنَّ التي هي للتأكيد، وإن كانت داخلة على الفعل والقواعد عمومًا لها ما يخرج عنها قواعد أغلبية، فتأتي قد الأصل فيها إذا دخلت على المضارع تكون لأي شيء؟ للتقليل، لكن {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ} [سورة الأحزاب:18] هذا للتقليل أم للتحقيق؟ للتحقيق، ربما هذه ربما أيضًا للتقليل وتجيء للتحقيق أيضًا، فكل قاعدة لها ما يخرج عنها، رواه البخاري، قال الشيخ تقي الدين: يدعو قبل السلام أفضل؛ لأن القاعدة عنده أن الأدعية كلها في الصلاة تكون قبل السلام، ومن ذلكم «اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك» قبل السلام، لكن نص الحديث «إذا هم أحدكم بأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل» ثم هذه: للتراخي، مما يدل على أن الدعاء بعد السلام، «ثم يستشير» يعني مع الاستخارة استشارة، ما ندم من استخار «فما ندم من استخار، ولا خاب من استشار»، فإذا جمع بين الأمرين؛ لأن في الناس من هو أعرف منك، ولديه من الخبرة والاطلاع ما ليس عندك، وقد يكون أقرب عهد أو بلغه ما لم يبلغك عما تريد فالاستشارة مكملة.
يقول: "فإذا ظهرت المصلحة في شيء فعله" يعني إذا وجّه إلى أحد الأمرين الذين تردد فيهما يفعله، وهذا نتيجة الاستخارة، بعض الناس يقول: استخير مرة ولا أوجه مرتين، فلا أوجه ثلاث جاء ما يدل على أنه يستخير إلى سبع يكرر الاستخارة إلى سبع مرات.
"فإذا ظهرت المصلحة في شيء فعله، فإذا عزم على الحج فليكن أعظم ما يهتم به الإخلاص لله تعالى، {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين}، فالإخلاص شرط للقبول مع المتابعة للنبي –عليه الصلاة والسلام-.
"ولا يكون له شيء من المقاصد سوى ذلك أي يكون مخلصًا في عمله لله- جل وعلا-، مبتعًا أو متابعًا للنبي –عليه الصلاة والسلام- مقتديًا به" في الحج وغيره، "فهما شرطان لقبول جميع الأعمال" الإخلاص والمتابعة، "ولا يكون له شيء من المقاصد سوى ذلك" الأصل في سفر الحج، لكن قد يتبعه ولا يكون ناهزًا له ما يكون الأصل فيه غير ذلك لا مانع من أن يزاول شيئًا من التجارة، أو يحقق بعض المطالب التي يريدها بأن يطلب العلم مثلاً أو حتى التجارة أو غيرها من أمور الدنيا، لكن الأصل في الناهز له من بلده من الحج القصد الصحيح والنية الصالحة الخالصة لله- عز وجل-؛ لقوله –صلى الله عليه وسلم- : «إنما الأعمال بالنيات» الحديث؛ لأن بعض الناس يكون ظاهر عمله أنه صالح، يحج مع الناس، والناس يرونه ركب مع الناس، ولا يدرون عما في قلبه، وهو في نيته إما أن يكون من أجل الدنيا المحضة، وليست تبعًا لأمر الآخرة، أو يكون كما جاء في حديث «إنما الأعمال بالنيات فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه».
طيب إذا كانت هجرته إلى الله ورسوله، وأيضًا تبعًا لذلك يتزوج أو صارت هجرته محضة للزواج أو طلب الدنيا! لا تسمى هجرة لا تسمى هجرة، لكنها انتقال من بلد إلى بلد من أجل التجارة، يلام على ذلك؟ السياق سياق ذم في الحديث، لكنه.. المذموم أن يظهر للناس أنه هاجر إلى الله ورسوله، وفي حقيقة الأمر هاجر من أجل الدنيا أو المرأة.
ولو أن شخصًا في مثل هذا اليوم الاثنين قبل أذان المغرب بنصف ساعة جاء، ووضع السماط، ووضع التمر والماء قبل أذان المغرب بنصف ساعة، وكل من دخل قال: تفضل يا أخي، تفضل، هو بفعله يوحي بأنه صائم، وهو ليس بصائم، أصل الفعل مباح، يأكل بالمسجد، يأكل أشياء مباحة، والأكل في المسجد ما فيه إشكال، لكنه حينما أوحى وأظهر للناس بفعله ولو لم يقل إني صائم، لكن هذا فعل الصائمين يذم من هذه الحيثية، وإلا فالأصل الأكل مباح، الأكل في هذا المكان مباح، ما فيه شيء، فمتى يُذم إذا هاجر للدنيا أو المرأة يتزوجها إذا أظهر للناس أنه مهاجر لله ورسوله.
ثم قال- رحمه الله-: "فصل إذا أراد سفر الحج سُن له أن يجتهد في أمور منها أن يكتب وصيته"، وجاء في الصحيحين «ما من مسلم –من حديث ابن عمر - له شيء يوصي به أو ماله يوصي به يبيت ليلة أو ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه»، "والوصية سنة" إذا كان لا له أو عليه سنة "إلا لمن عليه دين"؛ لأنه لابد له من إبراء ذمته، وإذا مات ضاع الدين، وثبت في ذمته، واستمر فيها "إلا لمن عليه دين أو عنده وديعة أو عليه حق لأحد يوصي بإيصاله إياه، فالوصية واجبة في حقه، ويشهد على وصيته، ويسن أن يستحل ممن بينه وبينه معاملة أو صحبة"؛ لأنه لابد أن يحصل منه خطأ أو غلط أو ظلم ولو لم يكن مقصودًا ظلم الآدمي، إذا كان له معاملة مع فلان أو صحبة أو صداقة فإنه لابد أن يحصل منه ما يأثم بسببه، فيذهب إليه فيستحله، يطلب منه أن يبيحه ويحلله مما بدر منه، "ويسترضي والديه" إذا كان الحج نفلًا، ورفض والداه أن يحج فلا يجوز له أن يحج كالجهاد، "ويسترضي والديه وشيوخه ومن ندب إلى بره واستعطافه" مثل هؤلاء يتفاوتون في الاسترضاء، يعني من باب الأدب يسترضي من له حق، وكالمعلم "ومن ندب إلى بره واستعطافه من قريب أو جار" هذا من حسن التعامل بين المسلمين وإلا فالمطلوب استرضاء الوالدين ومن له حق مثل عم الرجل صنو أبيه أو الخالة بمنزلة الأم وهكذا..
"ويتوبَ إلى الله- جل وعلا- ويتوبَ إلى الله تعالى من جميع الذنوب والمخالفات"؛ لأنه سفر، والسفر مظنة للموت لاسيما في الأزمنة السابقة قطاع طريق ومفاوز ومهالك، وقد يبحث عن الماء فلا يجد، ويبحث عن الطعام فلا يستطيع الوصول إليه، فيهلك بسبب ذلك، بخلاف المقيم.
والتوبة مطلوبة، وهي واجبة من جميع الذنوب جميع الأوقات.
"ويجب عليه أن يخرج من جميع المظالم، وأن ينزع بالتوبة من جميع المعاصي الظاهرة والباطنة، ويقضي ديونه" عليه أن يبادر بإبراء ذمته بسداد ما عليه من ديون وما عليه من حقوق.
"ويقضي ديونه، ويعد نفقة من يلزم نفقته ذهابًا ورجوعًا" لا يحج ويترك من يمون ويعول، يتركهم بدون نفقة يضيعهم، «وكفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يمون».
"ويوصي في أهله وماله بما يكون موصيًا به عند الموت" يوصي الأولاد الكبار مثلاً بالصغار، والذكور بالنساء وما أشبه ذلك، كأنه مستعد للرحيل إلى الآخرة، ويتذكر ما سلف من ذنوبه، يستحضر هذه الذنوب؛ ليتوب منها، ويتوب إلى الله من جميع ما أسلفه الذنوب، فإن التوبة من ذلك واجبة على الفور، وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون، فإن التوبة من ذلك واجبة على الفور {وتوبوا إلى الله جميعًا أيه المؤمنون}، فإن التوبة من ذلك واجبة على الفور. ويطلب من الله سبحانه المعونة على سفره، فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله.
ويجتهد في تعلم ما يحتاج إليه في سفره من آداب السفر، يتعلم من آداب السفر، ويتعلم ما يخفى عليه من مناسك الحج؛ لتكون عبادته على وفق ما جاء به النبي –عليه الصلاة والسلام- وإن صحب طالب علم كان أنفع له من غيره وإن صحب كتابًا سهلاً ميسراً فيه أحكام السفر وأحكام المناسك كان أفضل بلا شك من أن يفرط ويغامر ويحج من دون معرفة بالمناسك ولا يسأل ولا يقرأ مثل هذا معرض عبادته للنقص أو للبطلان أحيانًا .
"ويستحب له عند إرادة الخروج أن يصلي ركعتين" هذا كلام الشيخ- رحمه الله- يستحب له عند إرادة الخروج أن يصلي ركعتين؛ لما في الطبراني من حديث المطعم بن المقدام وأن النبي –صلى الله عليه وسلم- كان يفعل ذلك، لكن المطعم من أتباع التابعين، فالحديث معضل، يعني سقط منه اثنان، سقط منه التابعي والصحابي، فهو معضل، والمعضل من قسم الضعيف.
"أن يصلي ركعتين في بيته ويقول بعد حمد الله والصلاة والسلام على رسوله –صلى الله عليه وسلم-: اللهم بك أستعين، وعليك أتوكل، اللهم ذلل لي صعوبة أمري، وسهل علي مشقة سفري، وارزقني من الخير كله أكثر مما أطلب، واصرف عني كل شر، رب اشرح لي صدري، ونور قلبي، ويسر لي أمري، اللهم إني أستحفظك وأستودعك نفسي وديني وأهلي وأقاربي وكل ما أنعمت علي وعليهم من أمر الآخرة والدنيا فاحفظنا من كل سوء" هذا ذكره النووي في الأذكار ولم يعزه لأحد يعني كأنه دعاء مطلق غير مقيد ليس بمرفوع يعني لا يتعبد به على أنه وارد عن النبي –عليه الصلاة والسلام-، وإنما هو دعاء مطلق.
"ويختم بالحمد والصلاة والسلام على رسول الله –صلى الله عليه وسلم-" كسائر الأدعية يعني تبدأ بالتمجيد والصلاة على النبي –عليه الصلاة والسلام-، ثم تختم بذلك، وهذا ثابت، كون الدعاء يُختم بالحمد والصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-، فقد دعا رجل والنبي–صلى الله عليه وسلم- ثم انتهى ولم يصلِّ على النبي –عليه الصلاة والسلام- قال: «عجل هذا».
"وإذا نهض من جلوسه فليقل ما ورد عنه –صلى الله عليه وسلم- أنه لم يرد سفرًا إلا قيل حين ينهض من جلوسه: «اللهم إليك توجهت، وبك اعتصمت، اكفني ما أهمني وما لا أهتم به، اللهم زودني التقوى، واغفر لي ذنبي، ووجهني للخير أينما توجهت»" الحديث أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة، وابن عَدِي في الكامل، وقال ابن حجر: هذا حديث غريب.
"فإذا خرج من بيته فليقل ما ورد عند الخروج منه: بسم الله، آمنت بالله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم ليقل لمن خلفه: أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، أو لا يضيّع ودائعَه" الحديث السابق إذا خرج من بيته فليقل ما ورد عند الخروج منه: بسم الله آمنت بالله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، هذا الحديث أخرجه أحمد في المسند وغيره من حديث عثمان، وفي إسناده اختلاف، وأصح طرقه فيها راوٍ مبهم لم يُسم، على كل حال الحديث فيه ضعف، لكن له طرق.
"ثم ليقل لمن خلفه: أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعُه" أخرجه الطبراني بإسناد ضعيف، قال ابن حجر: تفرد بصيغة الأمر ثم ليقل، تفرد بصيغة الأمر رشدين بن سعد وهو ضعيف، ورواه أحمد والنسائي من غير الأمر بإسناد حسن، كما قال ابن حجر.
"فإذا ركب دابته فليقل: بسم الله مرة" يعني مرة واحدة بسم الله، "الحمد لله ثلاثًا" يعني يكررها الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله، ما يقول: بسم الله مرة، والحمد لله ثلاثًا، كما يقوله بعض الناس إذا أراد أن يذبح. بعض الناس يسمع الأحكام الشرعية ويقولها بحروفها، والمطلوب قولها بلسانه يسمع الخطيب يقول: وإذا ذبح فليقل: بسم الله وجوبًا، والحمد لله استحبابًا، فتجده يقول هذا الكلام أثناء الذبح يذكر الحكم الشرعي؛ لأنه يسمع الخطيب يقول هذا، وهنا يقول: بسم الله مرة، والحمد لله ثلاثًا، ليس المقصود أن يقول: بسم الله مرة يعني لا يكررها، المقصود أنه لا يكررها، والحمد لله ثلاثًا يعني يكررها ثلاث مرات .
"سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون، اللهم اغفر لي ذنبي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت" أخرجه الترمذي وأبو داوود والنسائي، وقال الترمذي: حسن صحيح، وصححه أيضًا ابن حبان.
"ويواظب على هذه كله كلما ركب ويقول: اللهم إني أسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرَنا، واطوِ عنا بعده، اللهم هون علينا سفرَنا، واطو عنا بعده" يعني يسره علينا وبدل ما تكون المسافة طويلة جدًّا خففها حتى تكون كالقصيرة وسُمع من يقول: طوعنا بعده، طوعنا بعده، يعني اجعلنا مطيعين لك متبعين لنبيك يعني نفعل الطاعات، وإن كان المعنى له وجه وحظ من النظر، لكن الرواية على خلاف ذلك اطو عنا بعده.
"اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل والمال والولد، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب" أخرجه مسلم.
"ومن الحور بعد الكور"، لكن الذي في مسلم الكون بالنون، "اللهم اطو لنا الأرض" هذا ليس من الحديث الذي رواه مسلم.
"وإذا استعصت الدابة فليقرأ بإذنها: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} [سورة آل عمران:83] أخرجه ابن السني، وقال ابن حجر: مقطوع، يعني ليس بمرفوع إلى النبي –عليه الصلاة والسلام- ولا من قول الصحابي، بل هو من قول تابعي، هذه حقيقة المقطوع، المقطوع الذي يضاف إلى التابعي، وهو غير المنقطع الذي سقط من إسناده راوٍ أو أكثر.
"ويكثر من الدعاء في السفر"، وجاء في الحديث: «ثلاث دعوات مستجابات؛ دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده».
"ويكثر من الدعاء في السفر لاسيما الأدعية والتعوذات النبوية التي يحترس بها من شيطان الإنس والجن، وينبغي له الرفق بالدابة، والتخفيف عنها بقدر الإمكان"؛ لأنها تتألم وتحس وتتأذى إذا جير عليها، أو حمل عليها أكثر مما تطيق، أو ضربت ضربًا يضر بها..– اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد- .
-----
قال- رحمه الله-: "وينبغي له الرفق بالدابةِ والتخفيف عنها" مثل ما قلنا؛ لأن لها نفسًا تحس وتتألم، وجاء الإحسان إليها وعدم الجور عليها، ولا بأس بركوب ثلاثة على الدابة إذا أطاقته، ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه أردف، وجمع ابن منده أسماء من أردفهم النبي– صلى الله عليه وسلم- فبلغوا ثلاثين، لكن لا يظن ظانٌّ أن الثلاثين ركبوا دفعة واحدة، أهل العلم يقررون أنه لا بأس بالإرداف على الدابة إن كانت تطيق ذلك، وليس العبرة بالعدد، العبرة بالوزن، يمكن واحد يعدل ثلاثة، هذا موجود، والمؤلف يقول: "ولا بأس بركوب ثلاثة على الدابة إذا أطاقته" بهذا الشرط، ما يجيء ثلاثة وزنهم أكثر من مئة، الواحد وزنه أكثر من مئة، ويركبون على دابة. هذا ظلم لها، فلابد أن تطيق ذلك، ولا شك أن الحمل على الدابة أكثر مما تطيق ظلم لها، وأيضًا إتلاف، قد يكون إتلافًا لها وهي مال، وبهذا تشاركها السيارة، السيارة حمولتها طن واحد، يُحمل عليها اثنان أو ثلاثة، هذا فيه إتلاف للسيارة وللطرق تجب ملاحظة ذلك، والدابة أشد.
"وإذا عثرت فليقل: بسم الله، وإذا علا نشزًا من الأرض كبّر ثلاثًا، وإذا هبط واديًا ونحوه سبح الله"، رواه البخاري من حديث جابر وغيره، الحديث في البخاري من حديث جابر: «كنا إذا صعدنا كبرنا، وإذا هبطنا سبحنا» وهذا حتى موجود الآن وأنت في سيارتك على جسر تكبر، وفي نفق تسبح، لكن الناس في غفلة من هذه السنن.
قد يقول قائل: أكثر الأحاديث التي مرت في الأدعية والأذكار أكثرها ضعيف، العلماء يتساهلون في هذا الباب؛ لأنه من باب الفضائل، والجمهور على أن الضعيف يقبل في الفضائل وإن كان القول المرجح أنه لا يتعبد إلا بما ثبت عن النبي –عليه الصلاة والسلام-المقصود أنه قد يلاحظ أحد أن الشيخ المؤلف وغير الشيخ من المؤلفين في المناسك وغيرها يكثرون من الأحاديث الضعيفة في هذا المجال الذي هو الفضائل، والأئمة الإمام أحمد وغيره يقول: كنا إذا روينا في الأحكام شددنا، وإذا روينا في الفضائل تساهلنا، هذا السبب الذي يجعلهم يتساهلون في الأحاديث، والله المستعان؛ لأن بعض طلاب العلم قد يتطاول على أهل العلم، فيرميهم بالجهل، يقول: كتب الائمة مشحونة ومملوءة بالأحاديث الضعيفة، هم ينظرون إلى الموضوع موضوع الحديث، وعندهم قواعد وضوابط، لذلك تجدهم إذا رووا في الأحكام والعقائد يشددون، وإذا رووا في الفضائل والمغازي وأيضًا التفسير وفي موضوعات أخرى تجدهم يتساهلون ويتسامحون.
قال: "فصل في آداب المنزل، فصل في آداب المنزل" يقول: "إذا نزل منزلاً فليجتنب الطريق لا سيما في الليل" قارعة الطريق تُجتنب؛ لئلا يدهس إما بدابة، والآن السيارات أشد، وأيضًا الناس ينزلون على قارعة الطريق للأمور الخفيفة لا للنوم، أما لأكل الشيء ويرمى بقية الأكل فتكثر الهوام على قارعة الطريق، فيخشى من ضررها. إذا نزل منزلاً فليجتنب الطريق لا سيما في الليل فإن النبي – صلى الله عليه وسلم- نهى عن ذلك.
"واشتغل بالتسبيح إذا حطت عن الرحال فإذا نزل منزلاً فليقل: «أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ثلاثًا، فإنه لا يضره شيء حتى يرتحل من منزله فإنه لا يضره شيء حتى يرتحل من منزلهِ».
"قاله النبي –صلى الله عليه وسلم- يعني فيما رواه الإمام مسلم من حديث خولة بنت حكيم: «وإذا جن عليه الليل قال: يا أرض ربي وربك الله، أعوذ بالله من شرك وشر ما فيك وشر ما خلق فيك وشر ما خلق عليك وشر ما يدب عليك، أعوذ بالله من شر أسدٍ وأسود وحية وعقرب، ومن شر ساكن البلد ووالد وما ولد» أخرجه أبو داوود والنسائي وأحمد وحسنه ابن حجر، هذا الدعاء أخرجه أبو داوود والنسائي وأحمد وحسنه ابن حجر.
"فإذا رأى قرية يريد دخولها فليقل: "اللهم رب السموات السبع وما أظللن، ورب الأراضين السبع وما أقللن" أظللن: صرن كالمظلة عليه، وأقللن: أقللنه يعني رفعنه وحملنه.
"ورب الشياطين وما أضللن" أضللن: من الضلال ضد الهدى.
"ورب الرياح ورب الرياح وما ذرين" الرياح: إذا هب الريح قال: اللهم اجلعها رياحًا ولا تجعلها ريحًا، اللهم إني أسألك من خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، ونعوذ بك من شرها وشر ما أرسلت به، اللهم اجعلها رياحًا ولا تجعلها ريحًا، أسألك خير هذه القرية وخير أهلها، وأعوذ بك من شر هذه القرية وشر أهلها وشر ما فيها" أخرجه النسائي والطبراني وحسنه ابن حجر. وله شواهد يعني من دون آخرها، اللهم ارزقني مودة خيارهم واصرف عني شر شرارهم.
ثم قال: "وينبغي أن يحافظ على أوراد الصباح والمساء" في كل حال وفي كل مكان في سفره وحضره في حله وترحاله وفي حال إقامته.
"ينبغي أن يحافظ على أوراد الصباح والمساء، وإذا خاف قومًا قال: "اللهم إنا نجعلك في نحورهم" في رواية: "ندرأ بك في نحورهم" يعني ندفع، "ونعوذ بك من شرورهم" أخرجه أبو داوود وأحمد والنسائي، وصححه بعضهم".
ويقول عند الكرب: لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات السبع ورب العرش الكريم" متفق عليه. والزيادة: "يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، ويداوم على الاستغفار" هذه الزيادة أخرجها الترمذي وقال: غريب، وابن السني، وإسناده ضعيف، وله شاهد من حديث ابن مسعود.
"وينبغي ألا يسير سير الغافلين" هذا تنبيه من المؤلف في غاية الأهمية يقول: (ينبغي ألا يسير سير الغافلين الذين ذمهم الله تعالى بقوله: {وَكَأَيِّن مِّنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} [سورة يوسف:105]، بل يسيرون سير الأكياس، الذين يهمهم ما ينفعهم في دنياهم وأخراهم، بخلاف أهل الغفلة، أهل الحذق، أهل النباهة، «والكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت»، وأن يسير سير الأكياس الذين يتفكرون في خلق السموات والأرض، الذين يتفكرون في خلق السموات والأرض وعجائب خلق الله، يقول ابن القيم: من أعظم ما يزيد في الإيمان التفكر في آيات الله، أعظم ما يزيد الإيمان التفكر في آيات الله المتلوة يعني القرآن، والمرئية في الآفاق، فإن السفر مظنة رؤية العجائب. الناس في البلدان تحجبهم المنازل عن رؤية هذه العجائب، فيقوى بذلك إيمانه، ذكرنا أن ابن القيم في الجواب الكافي ذكر أن أعظم ما يقوي الإيمان التفكر في آيات الله، وذلك يشمل المقروءة من آيات القرآن، والمرئية في الآفاق، ويستدل على عظمة ربه مما يرى من خلق السموات والأرض ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر آيات عظيمة لو تفكرنا فيها واستحضرنا عظمة خالقها اختلف وضعنا عما فيه من الغفلة، وعلماء الهيئة يذكرون من عظم هذه المخلوقات شيئًا مذهلًا قد لا يدركه الإنسان بنفسه، لكنه يدرك عظمة الله -جل وعلا- بنفسه وما كتبوه من أحجام هذه المخلوقات لا شك أنه يفيد في زيادة التفكر فيها.
"ويستدل على عظمة ربه، ويعتبر بآثار الماضين" وهو سائر في طريقه يمر على البلد الثاني يتذكر من سكنه من الأمم السابقة؟ وما آلوا إليه؟ وما مصيرهم؟ وما الذي أوصلهم إلى هذا المصير؟ "ويعتبر بآثار الماضين، فقد قيل: تفكر ساعة خير من عبادة سنة، تفكر ساعة خير من عبادة سنة"؛ لأن الإنسان قد يتعبد السنين مع قلب غافل لا يستحضر شيئًا من آيات الله وآلائه ولا نعمة، لا تنفعه هذه العبادة، ولا تنفع قلبه نفعًا كبيرًا، وإن كانت في ميزان حسناته، لكن يبقى أن الانتفاع بالعبادة إنما هو مع الاستحضار، وليس للمرء من صلاته إلا ما عقل، يعني مع الغفلة الأجر المرتب على العبادة قد يكون قليلاً جدًّا فمن المصلين من ينصرف بنصف صلاته، ومنهم من ينصرف بالربع صلاته، ومنهم من ينصرف بالعشر، يتفاوتون بحسب الاستحضار وعقل هذه العبادة وغيره من العبادات، وهي مفتاح كل خير، يعني تجد الإنسان يصلي الركعات الكثيرة، لكن قلبه غافل، وقد يقرأ من القرآن الأجزاء، ويمر عليها ويخرج من قراءته بمثل ما دخل مثل ما قال بعضهم: أتردد على القبور للاعتبار والتذكر، ثم أخرج ما أدري ما فعلت.
ومع الوقت أشوف هذه الحفرة كأنها حفرة غيار زيت، هذا قاله بعضهم، وسببه الغفلة، سببه الغفلة وإلا فكثير من المسلمين من يخرج من المسجد مثل ما دخل، وصلاته لا تنهاه لا عن فحشاء ولا عن منكر، وصيامه لا يقوده إلى التقوى، وحجه كذلك؛ لأنه يتعبد ببدنه دون قلبه.
كم باقٍ؟ انتهى؟
والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.