شرح سنن أبي داود - كتاب الطهارة (18)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلَّم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أمَّا بعد،

فيقول المؤلف الإمام أبو داود في سُننه في كتاب الطهارة، في باب صِفَةِ وُضُوءِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ" وهو القعنبي، "عَنْ مَالِكٍ" الإمام ابن أنس نجم السُنن، "عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى" ابن أبي حسن، "الْمَازِنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ" يحيى بن أبي حسن، "أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ، وَهُوَ جَدُّ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ" كذا في الموطأ وغيره، والسنن هنا فرع عن رواية الموطأ، رواية القعنبي، وحكم الحُفَّاظ على قوله: "هُوَ جَدُّ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ" حكم الحفاظ عليها بأنَّها وهم، وبعضهم يقول: إنَّه جده لأمه، وهو مردود بما في السِّيَر من أنَّ أمه ليست ببنت لعبد الله بن زيد، المقصود أنَّ الأمر سهل في هذا. (جد) الوهم في هذا وارد، فهو ليس جَدًّا له من أبيه، ولا من جهة أمه، وإن وُجد ذلك في الموطأ وما تفرَّع عنه في كتب السُّنَّة، كأبي داود وغيره.

"أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ" وهو غير عبد الله بن زيد بن عبد ربه، هذا معروف بأحاديث الوضوء، وذاك معروف بحديث الآذان، وإن اشترك معه في الاسم واسم الأب، لكن ذاك أنصاري خزرجي، وهذا مازني.

"أنَّه قال" الضمير يعود إلى عمرو بن يحيى، أو إلى أبيه يحيى بن أبي الحسن؛ لأنَّه إن قلنا إنَّ الضمير يعود لأدنى مذكور فهو الأب، وإن قلنا الضمير يعود للمذكور أصالة - الأصل عمرو- لكن القاعدة أنَّه يعود لأقرب مذكور وهو الأب، يعني مثل ما اختلفوا في عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، لكن مثل هذا مما يُختلف فيه لعدم التعدد فيما يعود عليه الضمير، كالتعدد في عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده.

المقصود: أنَّ الأب وهو يحيى بن أبي حسن المازني، قال لعبد الله بن زيد بن عاصم: "هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُرِيَنِي كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَوَضَّأُ؟" وجاء في روايات صحيحة أنَّ السائل غير الأب هذا، وجُمِع بأنَّهم كانوا في مجلس واحد، فسأل أحدهم وذُكِرَ غيره؛ لأنَّه أكبر سنًا وهو أليق.

المقصود: أنَّ مثل هذه الأمور لا يترتب عليها شيء، ويُمكن توجيهها مثلما قيل في حديث علي- رضي الله عنه- في الصحيحين قال: كنت رجلًا مذاءً، فأمرت المقداد، أن يسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: «يغسل ذكره ويتوضأ». بعض الروايات الصحيحة عن عليٍّ أنَّه سأل النبي -عليه الصلاة والسلام-، فلا يمنع أنَّه أمر المقداد، ثم سأل بعد ذلك.

وهؤلاء الذين أُضيف إليهم السؤال ينقل بعضهم سؤال بعض، ثم يتحدث عن نفسه أنَّه هو السائل، وكل من روى عن واحد منهم يصدق عمن روى عنه أنَّه سأل.

"هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُرِيَنِي كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" يعني بالفعل، وتقدم صفة وضوئه -عليه الصلاة والسلام- بأحاديث متعددة، من أشهرها وأوضحها حديث عثمان- رضي الله عنه-.

"كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَوَضَّأُ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ: نَعَمْ، فَدَعَا بِوَضُوءٍ" وهو الماء الذي يُتوضأ به بفتح (الواو) الماء الذي يتوضأ به، "فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ" من الإناء، يعني أكفأ الإناء فأفرغ على يده اليمنى وغسل بها اليسرى، "فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَ يَدَيْهِ" يعني أفرغ أمال الإناء، فصبَّ بيده اليمنى غسل بها اليسرى، "ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا" سيأتي، وتقدم أنَّه من كف واحدة، يعني يتمضمض ويستنشق من كف واحدة، وسيأتي هذا مع بيان الصور الواردة، والصور الجائزة التي أوصلها بعضهم إلى ست صور في كيفية المضمضة، والاستنشاق.

"ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا" (استنثر) يعني استنشق، يعني جذب الماء بنفسه إلى داخل أنفه، ثم نثره بالنفس أيضًا، (وتمضمض) أدخل الماء في فمه، وأداره فيه، ثم مجَّه على الخلاف كما تقدم في المَجِّ هل هو من حقيقة المضمضة؟ الاستنثار من حقيقة الاستنشاق؛ لأنَّه لا يُمكن أن يبقى الماء في الأنف، لكن المضمضة وهي إدخال الماء في الفم وإدارته فيه، ثم مجُّه كما في بعض كتب اللغة كـ ((القاموس))، فيكون المج من حقيقة المضمضة؛ وعلى هذا الذي يُدخل الماء في فمه، ويديره فيه، ثم يبتلعه يكون تمضمض أم ما تمضمض؟ نعم، على جَعْلِ المج من حقيقة المضمضة يكون ما تمضمض، هذا شرب ماءً، وعلى القول الثاني وهو أنَّ المضمضة والخضخضة والرجرجة وما كان على هذه الصيغة هي إدارة الماء؛ وعلى هذا لو ابتلعه صحَّ أنَّه يُقال: تمضمض.

"ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا" الوجه، وهو ما تحصل به المواجهة من منابت الشعر إلى الذقن، ومن الأذن إلى الأذن عرضًا، ويدخل فيه ما في حده كالفم والأنف، على خلاف بينهم في مُسمَّى الوجه، هل هو ما حُدد بهذا، وأُدخل فيه الفم والأنف تبعًا؟ أو أنَّهما عضوان مستقلان جاءت بهما النصوص، ويكون الوجه خاصًّا بما تحصل به المواجهة؟ وما تحصل به المواجهة، لا تحصل المواجهة بالفم والأنف. لو أنَّ شخصًا قابل رجلًا وهو فاغر فاه، هل هذا لائق؟ يليق؟ إذًا الفم ما تحصل به المواجهة، والأنف كذلك، فيكون المضمضة والاستنشاق ثبتت بأدلة أخرى، وهذا يعني أنَّ ثبوتهما بالسُّنَّة لا بالقرآن.

أمَّا إذا قلنا إنَّهما داخلان في حد الوجه، وهو ما تحصل به المواجهة في الجملة. نعم، كانا داخلين في الفروض المذكورة في القرآن؛ لأنَّهما تابعان للوجه. والخَطبُ سهل، على كل حال المضمضة، والاستنشاق ثابتان بالأدلة الخاصة بهما من السُّنَّة. وما جاء في الاستنشاق أكثر مما جاء في المضمضة؛ ولذا اختلف العلماء في حكم المضمضة، والاستنشاق، مع اتفاقهم على أنَّ غسل الوجه فرض، فمنهم يقول: هما من الوجه، فيكون المضمضة، والاستنشاق فرضين مثل الوجه داخلان فيه، ومنهم من يقول: إن ثبوتهما بالسُّنَّة وما جاء في الاستنشاق أكثر، «وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا»، وجاء أيضًا «إذا توضأت فمضمض».

وعلى هذا إذا قلنا إنَّ ثبوتهما بالسُّنَّة وليس بالقرآن، على قاعدة الحنفية، ماذا يكون الحكم؟ زيادة على النص، والزيادة على النص نسخ، هذه قاعدتهم، تكون الزيادة على النص نسخًا عندهم؛ فحينئذٍ والآحاد لا ينسخ المتواتر. الظني لا ينسخ القطعي. وعلى كل حال إذا صحَّ الخبر فلا كلام لأحد. إن صحَّ الحديث فلا كلام لأحد، فجاء الأمر بالمبالغة في الاستنشاق، وجاء الأمر بالمضمضة، وكل من وصف وضوءه -عليه الصلاة والسلام- ذكر المضمضة والاستنشاق. فما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- ما يُعارض بقواعد مخالفة لكثيرٍ من النصوص، ومن قعَّدها خالفها في كثير من المواضع. فمثل هذه القواعد لا تُعارض الأدلة.

"ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ" أفرغ على يديه، فغسل يديه، ثم قال: " ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ" هذا غير الأول، الأول غسل للكفين، واليد تُطلق ويُراد بها الكفان إلى المفصل، وتُطلق ويُراد بها إلى المرفقين، وتُطلق ويُراد بها إلى المنكب. فالغَسل الأول إلى الكفين، وهذا سُنَّة، ليس من فرائض الوضوء، وأوجبه بعضهم عند القيام من النوم «إذا استيقظ أحدكم من النوم فلا يُدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثًا». وبعضهم يقول: سُنَّة مؤكدة، والأمر للاستحباب.

المقصود أنَّ "غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ" هذا الفرض الذي بعد غسل الوجه وقبل مسح الرأس. واليد من أطراف الأصابع إلى المرفقين، ولا يُجزئ غسل الكفين- غسلهما في أول الوضوء- عن غسلهما في محل الفرض.

"ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ" وجاء عنه -عليه الصلاة والسلام- أنَّه توضأ مرة مرة، وتوضأ مرتين مرتين، وتوضأ ثلاثًا ثلاثًا على ما تقدم، وما سيأتي، وتوضأ مُلفَّقًا. فهنا غسل وجهه ثلاثًا، وغسل يديه مرتين مرتين، هذا وضوء يسمونه ملفَّق يعني مو على وتيرة واحدة، كله بعدد واحد، بل بأعداد متفاوتة. اليد هنا في آية الوضوء، وفي أحاديث الوضوء مقيدة بالمرافق، وفي السرقة معروف أنَّها إلى المفصل، في آية السرقة، وإن كان المقرر عند الشيعة أنَّ اليد تُطلق على الأصابع فقط، وفي ((آمالي الشريف)) نص على أنَّ القطع إلى الأصابع. هذا الكلام نستفيد منه أنَّ من يسجد على الأصابع فقط - وهذا كثير يسجدون على الأصابع - رأيت بعض طلاب العلم، لكن هذا السجود لا يُجزئ؛ لأنَّ اليد إنَّما المراد بها الكف، الراحة مع الأصابع.

"ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ" يعني كلتيهما، ما يكفي المسح بيد واحدة؛ لأنَّ اليد الواحدة لا تعم الرأس. "فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ، ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُمَا حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ" فيه كلام طويل لأهل العلم حول الجملتين "ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ" ما مقتضى الإقبال والإدبار؟ "أَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ" مقتضاه أنَّه بدأ بمؤخر الرأس. "أَقْبَلَ بِهِمَا" جاء بهما إلى مُقدم الرأس. الآن المُقبل أليس هو الجائي والمدبر هو الذاهب؟ نعم، كيف يُقبل بيديه ويُدبر؟ مو محل الاستقبال الوجه، يعني أقبل بهما إلى جهة الوجه، وأدبر. لكن قوله: "بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ" يُشكل على هذا، لكن هذه الرواية توجيهها سهل، وأنَّ (الواو) لا تقتضي الترتيب. "فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ" لا تقتضي ترتيب.

ومنهم من قال: إنَّ الإقبال والإدبار أمور نسبية، وإلى هذا جنح ابن دقيق العيد، أقبل بهما إلى قفاه، وأدبر بهما منه؛ ليتفق مع قوله "بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ"، ثم قال: "ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ"، "بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ" هذا مفسر، نعم، "ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ" هكذا، "بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ، ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُمَا حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ" هذه رواية مفسرة، وصريحة؛ فيكون أقبل وأدبر، الإقبال والإدبار نسبي كما يقول ابن دقيق العيد، فيكون الإقبال إلى القفا، والإدبار إلى الوجه. مع أنَّ هذا خلاف الظاهر، خلاف الأصل، ولولا أن يُقال إنَّ (الواو) هذه لا تقتضي ترتيبًا.

"ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ" يعني بدون عدد، وجاء التحديد بالثلاث، ودخل غسل الرجلين ثلاثًا بالإجمال. توضأ ثلاثًا ثلاثًا، وسيأتي ما يدل على أنَّه لا تحديد في غسل الرجلين، بل المطلوب تنظيف الرجلين مما عَلِقَ بهما من الأوساخ من غير عدد، وهذا سيأتي في حديث لاحق، وحديث عبد الله بن زيد هذا في الصحيحين.    

ثم قال: "حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قال: حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ" فخالد متابع للإمام مالك متابعة في روايته عن عمرو بن يحيى المازني، عن أبيه، عن عبد الله بن زيد بن عاصم "بِهَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ: فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كَفٍّ وَاحِدَةٍ، يَفْعَلُ ذَلِكَ، ثَلَاثًا، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ" يغترف بيده من الماء، ثم يتمضمض ببعض هذا الماء، ثم يستنشق بباقيه، فمن كف واحدة يتمضمض ويستنشق. "يَفْعَلُ ذَلِكَ، ثَلَاثًا" يعني يُكرر هذا الفعل ثلاث مرات. "ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ" يعني الحديث السابق، "نَحْوَهُ" يعني بمعناه. إذا قالوا: (نحوه) أو (بنحوه) فالمراد المعنى، بخلاف ما إذا قالوا: (مثله) أو (بمثله).

ثم قال -رحمه الله-:

"حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ، قال: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ" عبد الله بن وهب، "عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، أَنَّ حَبَّانَ بْنَ وَاسِعٍ" بفتح (الحاء)، "أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ الْمَازِنِيَّ، يَذْكُرُ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرَ وُضُوءَهُ، وَقَالَ: وَمَسَحَ رَأْسَهُ بِمَاءٍ غَيْرِ فَضْلِ يَدَيْهِ" وهذه القطعة من حديث عبد الله بن زيد مُخرَّجة عند مسلم، وما تقدم في الصحيحين، وهذه عند مسلم، والزيادة فيها "فَذَكَرَ وُضُوءَهُ، وَقَالَ: وَمَسَحَ رَأْسَهُ بِمَاءٍ غَيْرِ فَضْلِ يَدَيْهِ" هذا في مسلم، لماذا يأخذ ماءً جديد للرأس؟ لأنَّه فرض مستقل، وسيأتي في الأذنين أنَّه يمسحهما بما فضل من مسح رأسه؛ لأنَّهما تابعتان للرأس على خلاف بين العلماء في تبعيتهما، هل هما تابعان للرأس؟ وسيأتي في الحديث «الأذنان من الرأس»، أو تابعان للوجه، أو ما أقبل منهما تبع للوجه، وما أدبر منهما تبع للرأس. سيأتي هذا.

"وَمَسَحَ رَأْسَهُ بِمَاءٍ غَيْرِ فَضْلِ يَدَيْهِ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ" سيأتي أيضًا أنَّه مسح رأسه بما فضل من يديه، سيأتي هذا وجواب البيهقي عن هذا أنَّه محمول؛ لأنَّ روايات الصحيح كلها تنص على أنَّه يأخذ ماءً جديد للرأس، بخلاف الأذنين. والبيهقي يرى أنَّ كونه مسح رأسه بما فضل من يديه، أو في يديه أنه يأخذ ماءً، يغترف ماءً، ويصب بعضه، ويبقى بعضه؛ فحينئذٍ يصح أنَّه فَضَل في يديه. نعم، هذا جمع من أجل التوفيق بين الروايات وإلا فما في الصحيحين لا شك أنَّه أصح على ما سيأتي.

"وَمَسَحَ رَأْسَهُ بِمَاءٍ غَيْرِ فَضْلِ يَدَيْهِ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ حَتَّى أَنْقَاهُمَا"، "حَتَّى أَنْقَاهُمَا" هذا يستدل به من يقول إنَّ الرجلين تُغسلان حتى يزول ما عليهما، من غير عدد معين. وسيأتي أنَّه توضأ ثلاثًا ثلاثًا، وغسل رجليه بغير عدد، لكن العدد المحدد الوارد في الروايات الصحيحة لا شك أنَّه أولى بالترجيح.

(والإنقاء) التنظيف من الأوساخ التي تعلق بالرجل، والرجل مظنة لذلك؛ لأنَّها تُباشر الأرض.

ثم قال:

"حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، قال: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، قال: حَدَّثَنَا حَرِيزٌ" وهو ابن عثمان، "قال: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَيْسَرَةَ الْحَضْرَمِيُّ، قال: سَمِعْتُ الْمِقْدَامَ بْنَ مَعْدِي" كرب "الْكِنْدِيَّ، قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا" وهو موافق لما في حديث عبد الله بن زيد، "وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا" تكرار (ثلاثًا) ليس من باب التأكيد، وإنَّما هو من باب التوزيع، ثلاث ليد، وثلاث ليد، يعني مقابلة الشيء المثنى بالمثنى والجمع بالجمع للتوزيع.

"ثُمَّ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ ظَاهِرِهِمَا وَبَاطِنِهِمَا"، "ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ" على الصفة المتقدمة أنَّه استوعب الرأس بالمسح، وهو مقتضى المسمَّى، أو إذا أُطلِق الرأس يشمل الجميع، والصفة المتقدمة " بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ، ثُمَّ ذَهَبَ بيديه إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ". والفائدة من الذهاب باليدين، وإعادة اليدين إلى المكان المقدم من أجل ماذا؟ أن ينال المسح الشعر وجهًا وظهرًا، يعني وجوه الشعر، وظهور الشعر، فالشعر يُستوعب بالمسح؛ لأنَّ لو ذهب بهما فقط، ولم يُعدهما ما وصل المسح إلى ظهور الشعر، أو بُطون الشعر. ولو أقبل بهما دون إدبار لاقتصر المسح على بطون الشعر دون ظهوره.

"وَأُذُنَيْهِ ظَاهِرِهِمَا وَبَاطِنِهِمَا" سيأتي أنَّه أدخل أصابعه في صماخ أذنيه في الحديث الذي يليه. في صماخ أذنيه، فيُدخل السبابتين في صماخ أذنيه، ويمسح ظاهر الأذنين بإبهاميه.

قال: "حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ، وَيَعْقُوبُ بْنُ كَعْبٍ الْأَنْطَاكِيُّ - لَفْظُهُ -" يعني هذا لفظ يعقوب. وأمَّا بالنسبة لمحمود فله المعنى، وأحيانًا يقول: وفلان، وفلان المعنى، المعنى يعني: واحد. "لفظُه" بضم (الظاء) باعتبار أنَّ المقدر مبتدأ (هذا لفظه)، وضبطه بعضهم (لفظَه) على تقدير: حدثني لفظَه، وعلى كل حال الأمر سهل.

"قَالَا: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ حَرِيزِ بْنِ عُثْمَانَ" والوليد مُدَلِّس. وفي كلام أبي داود، بعد هذه الرواية قال محمود: قال أخبرني حريز، يعني: أنَّ الوليد بن مسلم صرَّح بالإخبار. الرواية التي معنا عن حريز، بالعنعنة. والوليد بن مسلم مُدلِّس، وتدليسه شديد لا تُقبل عنعنته، لكنَّه صرحَّ بالإخبار على ما سيأتي في نهاية الحديث.

"عَنْ حَرِيزِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَوَضَّأَ، فَلَمَّا بَلَغَ مَسْحَ رَأْسِهِ" يعني غسل كفيه، ثم وجهه، ثم يديه، بلغ مسح رأسه "وَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهِ، فَأَمَرَّهُمَا حَتَّى بَلَغَ الْقَفَا، ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ"، وهذا في هذه الصورة واضحة، والاحتمالات التي تقدمت في حديث عبد الله بن زيد، مفسرة بهذه الروايات والأحاديث الواضحة.

"وَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهِ، فَأَمَرَّهُمَا حَتَّى بَلَغَ الْقَفَا، ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ، قَالَ مَحْمُودٌ: قَالَ: أَخْبَرَنِي حَرِيزٌ" والفائدة من هذا تصريح الوليد بن مسلم، بالإخبار الذي لولاه لردت روايته؛ لأنَّه مُدلِّس؛ فلا تُقبل روايته بالعنعنة.

قال: "حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ، وَهِشَامُ بْنُ خَالِدٍ، الْمَعْنَى" في بعض المواضع الشُّرَّاح يقولون: المعنى واحد، يُقدِّرون واحد، فيكون المعنى مبتدأ خبره واحد. وإن لم يتفقا في اللفظ. ومنهم من يقول: حدثنا محمود بن خالد، وهشام بن خالد، حدثني بالمعنى. وماذا عن الأول؟ هل نفهم منه أنَّه حدَّث باللفظ؟ فالأوجه أن يُقال: المعنى واحد لرواية محمود، وهشام بن خالد. ولكنَّ اللفظ المذكور مع أنَّه ما ذُكِر إلا جزء من الحديث لا يُجزم بأنَّه لفظ محمود، أو لفظ هشام. وعلى كل حال إذا اتحد المعنى كفى؛ لأنَّ الرواية بالمعنى عند أهل العلم، عند عامة المحدِّثين مقبولة إذا توافر شرطها، وهو أن يكون الراوي بالمعنى عالم بمدلولات الألفاظ، عارف بما يُحيل المعاني؛ فروايته بالمعنى مقبولة عند جماهير المُحدِّثين، خلافًا لابن سيرين، ونفرٍ يسير. ولا شك أنَّ العمل عند أهل العلم على قبول الرواية بالمعنى.

في صحيح البخاري الحديث الواحد، عن صحابي واحد، يروى بألفاظ متعددة مما يدل على أنَّهم يرون الرواية بالمعنى. والإلزام بالرواية اللفظية قد تتعذر معه الرواية. ما كل راوي يستطيع أن يستحضر اللفظ الذي سمعه من شيخه في كل وقت. قد يستحضره في وقت، ثم ينساه في وقت آخر، لكن هذا مفترض في راوي يُميز، عارف بمدلولات الألفاظ، ويعلم ما يُحيل المعاني.

"قَالَا: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ" وهو ابن مسلم، "بِهَذَا الْإِسْنَادِ" الذي تقدم عن حريز، عن عبد الرحمن بن ميسرة، عن المقدام، "بِهَذَا الْإِسْنَادِ، قَالَ: وَمَسَحَ بِأُذُنَيْهِ ظَاهِرِهِمَا وَبَاطِنِهِمَا"، "بِأُذُنَيْهِ" مثل: {امْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [سورة المائدة:6]، (الباء) لو حذفت (الباء) لاحتمل أن يكون المسح باليد بدون ماء، ولكن (الباء) هذه التي هي تبعيضية من جهة الماء، يعني: ببعض، لا ببعض الرأس، (الباء) هذه تفيد الإلصاق، وتفيد أنَّ هناك ممسوحًا به، وهو الماء. ولو حُذِفت (الباء) لاحتمل أن يكون المسح باليد اليابسة، مثل: مسح رأس اليتيم. يلزم أن يكون فيها ماء؟ لا، لكن لمَّا أُدخلت (الباء) دلَّ على أنَّ هناك شيئًا ممسوحًا به، وهو الماء غير اليد.

"وَمَسَحَ بِأُذُنَيْهِ ظَاهِرِهِمَا وَبَاطِنِهِمَا" مثل ما تقدم وصفه، أنَّه أدخل أصبعيه في صماخي أذنيه وجاء أيضًا التفسير بأنَّه أدخل السباحتين في أذنيه، ومسح ظاهرهما بإبهاميه.

"زَادَ هِشَامٌ: وَأَدْخَلَ أَصَابِعَهُ فِي صِمَاخِ أُذُنَيْهِ" والصماخ هو الثقب، وسيأتي أنَّه أدخلهما في جحر أذنيه. يعني: الثقب الذي في الأذن، ومعلوم أنَّ الثقب البعيد الذي يوصل إلى محل الضرر، والتأذي لا يوصل إليه بالأصابع، وهذا من نِعم الله -جلَّ وعلا-؛ لأنَّه قد توجد حكة، وليس عند الإنسان إلا الأصبع، ولا يستطيع الوصول إلى ما يُمكن جرحه، والتأذي به، وخرق طبلة الأذن الحمد لله؛ لأنَّه أحيانًا الحكة يعني ما يرتاح الإنسان إلا إذا حكَّ المكان الذي يؤذيه. فمن نِعم الله أنَّ الأصابع ما تصل، لكن المقصود إدخال ما يُمكن إدخاله. وإدخال الأصابع مثل ما جاء عن قوم نوح: {جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ} [سورة نوح:7]، وهذا من إطلاق الكل، وإرادة البعض؛ لأنَّه لا يُمكن إدخال جميع الأصبع. "فِي صِمَاخِ أُذُنَيْهِ".

ثم قال -رحمه الله-: "حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ الْفَضْلِ الْحَرَّانِيُّ، قال: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَلَاءِ" صرَّح الوليد بن مسلم، بالتحديث، وهناك صرَّح بالإخبار، فأُمِنَ تدليسه. "قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَزْهَرِ الْمُغِيرَةُ بْنُ فَرْوَةَ، وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي مَالِكٍ، أَنَّ مُعَاوِيَةَ" ابن أبي سفيان -رضي الله عنه-، "تَوَضَّأَ لِلنَّاسِ" من أجل أن يروه، فيأخذوا عنه صفة وضوء النبي -صلى الله عليه وسلم-. "أَنَّ مُعَاوِيَةَ تَوَضَّأَ لِلنَّاسِ كَمَا رَأَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَوَضَّأُ، فَلَمَّا بَلَغَ رَأْسَهُ غَرَفَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ، فَتَلَقَّاهَا بِشِمَالِهِ حَتَّى وَضَعَهَا عَلَى وَسَطِ رَأْسِهِ حَتَّى قَطَرَ الْمَاءُ، أَوْ كَادَ يَقْطُرُ، ثُمَّ مَسَحَ مِنْ مُقَدَّمِهِ إِلَى مُؤَخَّرِهِ، وَمِنْ مُؤَخَّرِهِ إِلَى مُقَدَّمِهِ" هذا الحديث مما تفرَّد به أبو داود، لكنَّه لم يتعقبه، وليس فيه ما يُقدح به من أجله، فأقل أحواله الحُسن.

"أَنَّ مُعَاوِيَةَ تَوَضَّأَ لِلنَّاسِ كَمَا رَأَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَوَضَّأُ، فَلَمَّا بَلَغَ رَأْسَهُ" يعني غسل كفيه، ثم غسل وجهه، ثم غسل يديه إلى المرفقين، ثم بلغ الرأس الذي هو يمسح مسحًا. "غَرَفَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ" بيده اليُمنى، "فَتَلَقَّاهَا بِشِمَالِهِ حَتَّى وَضَعَهَا عَلَى وَسَطِ رَأْسِهِ حَتَّى قَطَرَ الْمَاءُ، أَوْ كَادَ يَقْطُرُ، ثُمَّ مَسَحَ مِنْ مُقَدَّمِهِ إِلَى مُؤَخَّرِهِ، وَمِنْ مُؤَخَّرِهِ إِلَى مُقَدَّمِهِ". " مِنْ مُقَدَّمِهِ إِلَى مُؤَخَّرِهِ" ذهب بالماء - بما يمسح به من الماء - ذهب به من المقدم إلى المؤخر، ثم ردَّهما إلى المقدم، وهذا موافق لما تقدم. إلا أنَّ في قوله: "وَضَعَهَا عَلَى وَسَطِ رَأْسِهِ حَتَّى قَطَرَ الْمَاءُ، أَوْ كَادَ يَقْطُرُ" الأصل أنَّ المسح بالبلل، وإذا تعدى ذلك وكثُر الماء صار غسلًا، والمنصوص عليه أنَّ الرأس يُمسح، {امْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [سورة المائدة:6]، أنَّه يُمسح ولا يُغسل، لكن "كَادَ يَقْطُرُ" يعني من كثرته التي لا تصل إلى حد الغسل، الماء الذي يتناثر من كل وجه.

قال: "حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ، قال: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ" بن مسلم، "بِهَذَا الْإِسْنَادِ" يعني السابق، "قَالَ: فَتَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ بِغَيْرِ عَدَدٍ".

"تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا" هذا متفق مع ما تقدم، وأنَّ غسل الوجه ثلاثًا، واليدين ثلاثًا، والرأس يُمسح مسحًا مرة واحدة على ما تقدم في صفة وضوئه - عليه الصلاة والسلام -. وأمَّا قوله: "وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ بِغَيْرِ عَدَدٍ" فالراوي في هذه الرواية كأنَّه لم ينتبه إلى العدد، ولم يضبط العدد الذي ضبطه غيره، فلا يُعارض بما جاءت به الروايات الصحيحة، وهو أنَّ الرجلان تُغسلان ثلاثًا ثلاثًا.

ثم قال: "حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ، قال: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ" بن مسلم، "بِهَذَا الْإِسْنَادِ، قَالَ: فَتَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ بِغَيْرِ عَدَدٍ".

ثم قال: "حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ" وهو ابن مسرهد، "قال: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ" ابن أبي طالب، وهو صدوق في حفظه شيء، وإلا فهو ثقة من حيث العدالة ما فيه إشكال عدل، لكن في حفظه شيء من الضعف؛ ولذلك بعضهم يُضعِّف رواياته، وبعضهم يُحسِّنونها. وعلى كل حال هذا الحديث حسن.

قال: "حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ" يعني: ابن أبي طالب، "عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ" صحابية، من المبايعات تحت الشجرة، "عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يَأْتِينَا فَحَدَّثَتْنَا" الراوي عنها يقول: "فَحَدَّثَتْنَا أَنَّهُ قَالَ: «اسْكُبِي لِي وَضُوءًا»" صُبي لي ماءً أتوضأ به، "«اسْكُبِي لِي وَضُوءًا»، فَذَكَرَتْ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ فِيهِ: فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا ثلاثًا" وهذا موافق لما تقدم، "وَوَضَّأَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا" يعني: غسل وجهه ثلاثًا، "وَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مَرَّةً" مرة واحدة، وتقدم فيما هو أصح من هذه الرواية بأنَّه يتمضمض ويستنشق ثلاثًا ثلاثًا. وعلى كل حال لو توضأ مرة، تمضمض مرة، واستنشق مرة الوضوء صحيح؛ لأنَّه ثبت أنَّ النبي -عليه الصلاة والسلام- توضأ مرة مرة.

"وَوَضَّأَ يَدَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا" يعني: غسل يديه ثلاثًا ثلاثًا، وهذا موافق لما تقدم، "وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّتَيْنِ بدأ بِمُؤَخَّرِ رَأْسِهِ، ثُمَّ بِمُقَدَّمِهِ" إن قلنا بالترجيح، فلا شك أنَّ ما تقدم أرجح، وإن قلنا بالتوجيه والجمع فلا مانع أن يكون معنى قوله: "وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّتَيْنِ" أن يكون الراوي اعتبر الذهاب بهما إلى القفا مرة، والرجوع مرة.

"وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّتَيْنِ، يبدأ بِمُؤَخَّرِ رَأْسِهِ، ثُمَّ بِمُقَدَّمِهِ" والروايات السابقة أنَّه يبدأ بمقدم رأسه ثم يذهب بهما إلى قفاه، ويعيدهما إلى المكان الذي بدأ منه. وإن كان المعنى الموجود في هذا الحديث محتملاً في قوله: "أقبل بهما وأدبر" وسبق توجيه ذلك.

"وَبِأُذُنَيْهِ كِلْتَيْهِمَا" يعني ومسح بأذنيه كلتيهما، "ظُهُورِهِمَا وَبُطُونِهِمَا، وَوَضَّأَ" يعني: غَسَلَ، "رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا" هذا ما جاءت به الأحاديث، حديث عثمان، وغيره. "قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَهَذَا مَعْنَى حَدِيثِ مُسَدَّدٍ" يعني: أنَّه لم يُورد لفظ حديث مسدد.

في غير مُسدد في السند حتى يُقال: إنَّه جاء بلفظه واقتصر على معنى حديث مسدد؟ ما فيه غيره، لكنَّه أراد أن يُنبِّه حينما أطلق، قال: "حدثنا مسدد" أنَّه لم يُرد اللفظ، وإنَّما أورد المعنى. والله أعلم. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد..

حديث الرُبَيِّع الذي ذكرناه فيه مثل ما قلنا: عبد الله بن محمد بن عقيل، وقد ضُعِّف من جهة حفظه، وبعضهم وثَّقه مطلقًا، ولكن القول الوسط أن يُقال: لا يصل في الضبط والإتقان إلى رواة الحديث الصحيح، وإن لم ينزل عن درجة الحسن؛ ولذا اقتصر الترمذي على تحسينه. ومع ذلك أبو داود، لم يتعقب الحديث، فمثله يُحسَّن له.

الشيخ أحمد شاكر، يعني على تساهل الترمذي -رحمه الله- قال: حديث حسن، والشيخ أحمد شاكر أشد تساهلًا من الترمذي -رحم الله الجميع-. قال: وحديث الربيع صحيح، وإنَّما اقتصر الترمذي، على تحسينه ذهابًا منه إلى أنَّه يُعارض حديث عبد الله بن زيد، ولكنَّهما عن حادثتين مختلفتين، فلا تعارض بينهما حتى يُحتاج إلى الترجيح.

وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يبدأ بمُقدم الرأس، وكان يبدأ بمؤخره، وكلٌ جائز. على كل حال مثل ما ذكرنا، عبد الله بن محمد بن عقيل رُميَ بسوء الحفظ، فلا يُعارض به ما جاء في الصحيح. وإن كان في الصحيح ما في إجماله ما يُفهم منه موافقة حديث الرُّبَيِّع، يعني: من لفظ، أي لفظ؟

طالب: ...

أي لفظ؟

طالب: ...

لا. "بدأ بمقدم رأسه" هنا نعم، يبدأ بمؤخر رأسه ثم بمقدَّمه، أمَّا الرواية الموافقة "فأقبل بهما وأدبر" التي حملها ابن دقيق العيد على أنَّ الإقبال، والإدبار نسبي؛ ليرفع التعارض الوارد في هذه الجملة. وعلى كل حال الأمر سهل، الترجيح، والعمل بما في الصحيحين لا شك أنَّه أولى مما جاء في السنن. وفيه راوٍ لا ترتقي روايته إلى درجة الصحيح.

ثم قال: "حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ" وهو ابن عيينة، "عَنِ ابْنِ عَقِيلٍ" عبد الله بن محمد بن عقيل الذي سبق ذكره، "بِهَذَا الْحَدِيثِ" يعني: بهذا الحديث الذي سيق قريبًا، "يُغَيِّرُ بَعْضَ مَعَانِي بِشْرٍ" يغير بعض المعاني، يعني: لا يتفقون في جميع جُمل الحديث، وإن كان المفهوم يعني فيه أنَّه يغير بعض الألفاظ، هذا الأصل. أمَّا إذا غيَّر المعاني فالأمر أشد. إذا غيَّر المعاني لا يدخل تحت جواز الرواية بالمعنى.

"يُغَيِّرُ بَعْضَ مَعَانِي بِشْرٍ" بن المفضل الذي تقدمت، "قَالَ فِيهِ: "وَتَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا"؛ لأنَّه هناك في حديث بشر "ومضمض واستنشق مرة" وهنا قال: "وَتَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا" ولهذا ما يشهد له، وللرواية السابقة ما يشهد لها، والأمر فيه سعة.

قال: "حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَيَزِيدُ بْنُ خَالِدٍ الْهَمْدَانِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ" وهو ابن سعد، "عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ" وهو محمد، "عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ" الذي تقدم الرواية عنه، وعرفنا حاله، "عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ ابْنِ عَفْرَاءَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَوَضَّأَ عِنْدَهَا فَمَسَحَ الرَّأْسَ كُلَّهُ" وهذا فيه رد على من يقول: إنَّ الواجب بعض الرأس، واختلفوا في القدر الواجب، فمنهم من يقول: الربع، ومنهم من يقول: تكفي الناصية، ومنهم من يقول: يكفي ما يُطلق عليه، أقل ما يُطلق عليه الرأس، والمراد الشعر- ثلاث شعرات-. على كل حال يعني: إن مسحت ثلاث شعرات هل يُقال إنَّه مسح رأسه؟ لا يُمكن.

وهذه الروايات "فَمَسَحَ الرَّأْسَ كُلَّهُ" وهو الموافق للرأس عند الإطلاق، وهو كله. "مِنْ قَرْنِ الشَّعْرِ" القرون الضفائر، "كُلِّ نَاحِيَةٍ، لِمُنْصَبِّ الشَّعْرِ" المقصود أنَّه استوعب الرأس كله، من أسفله إلى أعلاه، ومن أعلاه إلى أسفله. "لَا يُحَرِّكُ الشَّعْرَ عَنْ هَيْئَتِهِ"لا سيما إذا كان الشعر طويلاً، أو قرونًا؛ فالشعر لن يتحرك، بخلاف ما إذا كان الشعر قصيرًا، فإنَّه مع الإقبال والإدبار سوف يتحرك.

ثم قال: "حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قال: حَدَّثَنَا بَكْرٌ، يَعْنِي: ابْنَ مُضَرَ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ" الذي تقدم، "عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ" وقد تقدم أكثر من مرة، "عن أبيه، أَنَّ رُبَيِّعَ بِنْتَ مُعَوِّذٍ ابْنِ عَفْرَاءَ، أَخْبَرَتْهُ قَالَتْ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَوَضَّأُ قَالَتْ: فَمَسَحَ رَأْسَهُ وَمَسَحَ مَا أَقْبَلَ مِنْهُ وَمَا أَدْبَرَ، وَصُدْغَيْهِ وَأُذُنَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً".

"قَالَتْ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَوَضَّأُ قَالَتْ: فَمَسَحَ رَأْسَهُ وَمَسَحَ مَا أَقْبَلَ مِنْهُ وَمَا أَدْبَرَ" يعني: موافق للروايات السابقة. "وَصُدْغَيْهِ وَأُذُنَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً" الصدغ: هو ما بين الأذن والعين.

ثم قال: "حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ، قال: عَنْ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَقِيلٍ، عَنِ الرُّبَيِّعِ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَسَحَ بِرَأْسِهِ مِنْ فَضْلِ مَاءٍ كَانَ فِي يَدِهِ".

هذه الروايات التي تقدمت كلها من رواية ابن عقيل، حُكم عليها بأنَّها لا تنزل عند درجة الحسن، وهي مما ذكره أبو داود، وسكت عنه. وما سكت عنه أبو داود فهو صالح كما جاء في رسالته إلى أهل مكة. لكن في الرواية الأخيرة "مَسَحَ بِرَأْسِهِ مِنْ فَضْلِ مَاءٍ كَانَ فِي يَدِهِ" وقلنا إنَّ الرأس فرض مستقل، لا يُمسح بماء مستعمل كالأذنين؛ لأنَّ الأذنين تتبعان الرأس؛ فتُمسحان بما فضل من مائه، لكن الرأس مستقل، ما يُمسح من ماء فضل من غسل اليدين.

كنا أشرنا سابقًا إلى أنَّ الإمام البيهقي قال: لعله أخذ في يديه ماءً، وصبَّ بعضه إمَّا في الإناء، أو في الأرض فيصدق على ما بقي في يديه أنَّه فضلة من الماء الذي أُخِذ من الإناء وصُبَّ بعضه؛ فيصدق أنَّه من فضل ماء كان، يعني: باقي ماء كان في يده، وإلا فالروايات الصحيحة تدل على أنَّ الرأس يُمسح بماء جديد، لا بماء مستعمل.

ثم قال: "حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ، قال: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ" هو ابن الجراح الرؤاسي الإمام المعروف، "قال: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ" هو ابن حي، "عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ ابْنِ عَفْرَاءَ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَوَضَّأَ، فَأَدْخَلَ إِصْبَعَيْهِ فِي جحري أُذُنَيْهِ" يعني: الثقب. الأصل في الجحر أنَّه الثقب الذي في الأذن كالجحر - جحر الضب - يعني: الثقب الذي يدخل فيه الضب. ومعلوم أنَّ الأصابع لا تُدخل. الأصبع لا تدخل في الأذن، والمراد بعضها، وما يُمكن إدخاله منها. وهذا الحديث كسابقه من رواية عبد الله بن محمد بن عقيل، وقد قيل فيه ما قيل.

ثم قال: "حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، وَمُسَدَّدٌ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، يعني ابن سعيد، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ أَبِيهِ" مُصرِّف، وهو مجهول، وجده كعب بن عمرو، أو عمرو بن كعب، يُقال له صحبة، بعض المحدّثين يثبت له صحبة، وهذه الصحبة يُنكرها أهل بيته، يقول: ليس لجدنا صحبة. يعني: قد يقول قائل: المفترض العكس، لكنه الدين، والعلم، والأمانة، وإلا فالصحبة شرف، لو كانت ثابتة عندهم لجهدوا في ذكرها؛ فأهل بيته يقولون إنَّه ليس له صحبه، ولم ير النبي -عليه الصلاة والسلام-. وإن كان جمع من أهل الحديث يرون أنَّه صحابي. وعلى كل حال الحديث منكر كما سيأتي في كلام الأئمة الذي نقله أبو داود.

"عن أبيه، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَمْسَحُ رَأْسَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً حَتَّى بَلَغَ الْقَذَال" يعني نزل عن شعر الرأس إلى الرقبة. "- وَهُوَ أَوَّلُ الْقَفَا، وَقَالَ مُسَدَّدٌ: مَسَحَ رَأْسَهُ مِنْ مُقَدَّمِهِ إِلَى مُؤَخَّرِهِ حَتَّى أَخْرَجَ يَدَيْهِ مِنْ تَحْتِ أُذُنَيْهِ" يعني مبالغة في المسح، وهذه لا توجد في الأحاديث الصحيحة الثابتة في الصحيحين، وغيرهما في مسح الرأس.

قال أبو داود: "قَالَ مُسَدَّدٌ: فَحَدَّثْتُ بِهِ يَحْيَى" القطان، "فَأَنْكَرَهُ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وسَمِعْت أَحْمَدَ" يعني ابن حنبل، "يَقُولُ: إِنَّ ابْنَ عُيَيْنَةَ" يعني: يقول: "زَعَمُوا أَنَّهُ كَانَ يُنْكِرُهُ، وَيَقُولُ إِيشْ هَذَا، طَلْحَةُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ" معلوم أنَّ هناك سلاسل على هذه الصيغة، عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده. بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده. طلحة بن مصرف، عن أبيه، عن جده. لكن هذه أضعفها التي معنا؛ لأنَّ مصرِّف مجهول، لا تُعرف حاله. والجد مختلف في صحبته.

قال: "حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، قال: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قال: أَخْبَرَنَا عَبَّادُ بْن مَنْصُورٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" يعني: أنَّه رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "يَتَوَضَّأُ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ - كُلَّهُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا"، قَالَ: "وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ مَسْحَةً وَاحِدَةً". وهذا الحديث "رَأَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَوَضَّأُ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ -" بكماله، ذكر الحديث كله "ثَلَاثًا ثَلَاثًا" يعني: وإن كان عمومه يشمل الرأس؛ إلا أنَّه بُين؛ ولذا جاء في الروايات أنَّ النبي -عليه الصلاة والسلام- توضأ ثلاثًا ثلاثًا، واستدل بها من يقول: إنَّ مسح الرأس يكون ثلاثًا. هنا قال: "توضأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ مَسْحَةً وَاحِدَةً" مما يقيد به الإطلاق في الأحاديث المطلقة.

قال: "حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قال: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، ح" تحويل من إسناد إلى آخر، "قال: وَحَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، وَقُتَيْبَةُ" مسدد بن مسرهد، وقتيبة بن سعيد، "عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ" التقى الإسنادان، "عَنْ سِنَانِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، وَذَكَرَ وُضُوءَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَمْسَحُ الْمَأْقَيْنِ، قَالَ: وَقَالَ: «الْأُذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ»" الحديث في إسناده كما سمعتم شهر بن حوشب، وجمهور أهل العلم على ضعفه، والمراد ب(المأقين) بالهمز أو بالتسهيل (مأقين)، أو (ماقين)، وقد تُقال بالواو بدل الألف (موقين)، وهو طرف العين مما يلي الأنف.

قال: "وَقَالَ: «الْأُذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ»" والقول بأنَّ الأذنين من الرأس، وإن كان الحديث مُضَعَّفًا، لكن هو قول كثير من أهل العلم، وذهب.. تقدم ما يدل عليه، لكن التنصيص بهذا اللفظ «الْأُذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ»، ضعيف، واعتمده بعض أهل العلم، وقالوا بأنَّ «الْأُذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ» يعني: أنَّهما تمسحان مع الرأس مسحًا. قال بعض العلماء: هما من الوجه؛ فتُغسلان مع الوجه «سجد وجهي للذي خلقه وصوره، وشق سمعه وبصره» هذه يستدل بها من يقول إنَّ الأذنين من الوجه؛ فتُغسلان غسلًا مع الوجه. ومنهم من يقول: ما أقبل منهما فمن الوجه، وما أدبر فمن الرأس. يعني: ما أقبل يُغسل، وما أدبر يُمسح، يُغسل تبعًا للوجه، وما أدبر يُمسح تبعًا للرأس. وعلى كل حال الحديث فيه ضعف، ومسح الأذنين جاءت به الروايات الصحيحة في صفة وضوء النبي- عليه الصلاة والسلام-.

"قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ: يَقُولُهَا: أَبُو أُمَامَةَ" أبو أمامة الباهلي، اسمه صُدي بن عجلان، "قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ: يَقُولُهَا: أَبُو أُمَامَةَ، قَالَ قُتَيْبَةُ: قَالَ حَمَّادٌ: لَا أَدْرِي هُوَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" يعني: مرفوع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، "أَوْ مِنْ أَبِي أُمَامَةَ" يعني من اجتهاده، "- يَعْنِي قِصَّةَ الْأُذُنَيْنِ - قَالَ قُتَيْبَةُ: عَنْ سِنَانٍ بن أَبِي رَبِيعَةَ" المقصود أنَّ الخبر فيه كما تقدم شهر بن حوشب، والروايات الصحيحة في صفة وضوئه -عليه الصلاة والسلام- فيها المسح على الأذنين.

"قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَهُوَ ابْنُ رَبِيعَةَ" "عن سنان أبي ربيعة"، "قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَهُوَ ابْنُ رَبِيعَةَ" سنان بن ربيعة أبو ربيعة، يعني: جرت العادة أنَّ الإنسان يسمي ولده باسم أبيه.

 

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"