كيف يبني طالب العلم مكتبته - الحلقة (2)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

مستمعيّ الكرام: سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، أهلًا ومرحبًا بكم إلى لقاء جديد متجدد في برنامجكم معكم على الهواء، ست دقائق تقريبًا بعد الرابعة في استديوهاتنا في إذاعة القرآن الكريم من المملكة العربية السعودية.

أهلًا بكم مستمعي الكرام في كل مكان أشكر لكم تواصلكم واتصالاتكم العديدة، بعد أن أنهينا لقاءنا السابق في برنامجكم هذا معكم على الهواء مع فضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير حول موضوع: (كيف يبني طالب العلم مكتبته).

وردتنا اتصالات عديدة تطالب بضرورة إكمال الموضوع لأهميته، واستجابة لهذه الطلبات يسرني في هذه الحلقة أن أستكمل الموضوع مع ضيفنا فضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، فأهلًا ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.

الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم وفي الأخوة المستمعين.

المقدم: كنا قد تحدثنا في اللقاء السابق عن مكتبة طالب العلم كما أشرت قبل قليل، تحدثنا في اللقاء السابق عن بداية التدوين، وعن بعض المكتبات العامة والخاصة التي اشتهرت في العالم الإسلامي في الماضي، وأشرنا أيضًا إلى جزء يسير مما يتعلق ببناء طالب العلم لمكتبته في التفسير وعلوم القرآن.

بقي لنا مواضيع عديدة حول بناء مكتبة طالب العلم، أستأذنكم بأن نبدأ فضيلة الشيخ بالحديث عن السنة النبوية، عن الحديث، كيف يبني طالب العلم مكتبته في هذا العلم المهم؟

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فعلم السنة النبوية من أهم ما ينبغي أن يعنى به طالب العلم؛ لأنها هي المبيِّنة للقرآن المفسرة له، فلتكن همة طالب العلم مصروفة لحفظ ما صح عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وفهمه بمطالعة ما اعتمد عند أهل العلم من شروح، وإلا فالشروح لا يمكن الإحاطة بها، أخذنا على سبيل المثال صحيح الإمام البخاري، شروحه بالمئات، فبمَ يعتني طالب العلم من هذه الشروح؟ وهل يغني بعضها عن بعض؟ قديمًا قيل: لا يخلو كتاب من فائدة" فإذا أمكن لطالب العلم أن يجمع أكبر قدر ممكن من هذه الشروح لتكون مراجع له عند الإعواز والحاجة، فهذا هو المطلوب، لكن قد لا يتيسر ذلك لضعف القدرة المادية مثلًا، أو ضيق المكان، أو غير ذلك من الظروف التي تضطر بعض طلاب العلم على عدم استكمال ما ينبغي استكماله من الشروح، فضلًا عن الإحاطة بجميع ما دُوّن في هذا الباب، فلا شك أن هذه الكتب إذا أردنا الاستغناء التام ببعضها عن بعض يمكن أن نقول: لا يمكن الاستغناء التام ببعضها عن بعض، بدليل أنه لا يمكن أن تستغني عن فتح الباري مثلًا أو غيره من شروح الصحيح، ولا يمكن أن تستغني عن عمدة القارئ عن غيره من الشروح، وهكذا..

المقدم: كل واحد منها في جانب؟

نعم كل كتاب من هذه الشروح له مزيّة، لا توجد في غيره، لكن إذا أراد الطالب أن يقتصر على شرح واحد ينظر له في ما يحقق الهدف في الجملة، يعني في الغالب، دون الإحاطة بجميع ما يحتاجه هذا الكتاب، فمثلًا صحيح البخاري وهو أولى ما يعنى به طالب العلم؛ لأنه أصح ما كتب في السنة، بل أصح ما دَوّنه البشر، وهو أصح كتاب بعد كتاب الله -عز وجل-، شُرح بشروح كثيرة جدًّا، ولا غرابة في أن يشرح بمئات الشروح، لا غرابة، أشرنا في الحلقة السابقة أن تفسير البيضاوي عليه أكثر من مائة وعشرين حاشية، هذا المدون المعروف، منها ما هو كامل، ومنها ما هو ناقص، ومنها ما هو مختصر، ومنها ما هو مطول، هناك حواش قلمية لا يمكن الإحاطة بها على تفسير البيضاوي، وقل مثل هذا في التفاسير الأخرى، إذًا فماذا عن صحيح الإمام البخاري؟ شُرح بمئات الشروح، والمعدود منها الآن أكثر من مائة سردًا، هذه المدونة، وهناك الشروح المطولة والمختصرة والتامة والناقصة النفيسة، وهناك شروح أيضًا فيها غث كثير، المقصود أننا اخترنا أهم هذه الشروح لتكون بين يدي طالب العلم، فمن ذلك:

أول هذه الشروح: شرح الخطابي: أبي سليمان حمد بن محمد البستي، هذا أقدم الشروح.

المقدم: ويسمى كذا (شرح الخطابي) أو له اسم يا شيخ؟

اسمه (أعلام الحديث) طبع باسم أعلام الحديث؛ لأن أكثر النسخ الخطية على هذا، وكانت شهرته عند أهل العلم (أعلام السنن) في مقابل (معالم السنن) في شرح سنن أبي داود له، هذا الكتاب مختصر جدًّا، يعني لو طبع بالحرف الذي طبع فيه فتح الباري ما جاء مجلدًا واحدًا، فهو طبع محققًا في أربعة مجلدات، لكن لو طبع على الطباعة السابقة الطباعات القديمة ما يأتي مجلدًا.

المقدم: والمحقق الموجود مخدوم خدمة....؟

رسالة علمية.

المقدم: بالاسم الذي هو أعلام الحديث؟

أيضًا طبع محققًا تحقيقًا أقل من مستوى هذا الذي أشرنا إليه، وهو لأحد الأمراء من آل سعود، طبع في جامعة أم القرى، هذا التحقيق رسالة علمية، هناك طبعة قبل هذه الرسالة في المغرب في مجلدين، لكنها نادرة، هذه الطبعة نادرة جدًّا، يمكن الاستفادة من شرح الخطابي؛ لأن الشراح ينقلون عنه كثيرًا، وإن كانت زبده أودعت في الشروح التي جاءت بعده، يعني إذا كان الطالب يعنى بالجمع فمن خير ما يقتنى هذا الكتاب، وإن كان أراد الاكتفاء فيكتفي عنه بغيره من الشروح التي تليه.

هناك أيضًا شرح الحافظ بن رجب -رحمه الله تعالى- واسمه (فتح الباري) وابن رجب -رحمه الله تعالى- كعادته يشرح السنة بالسنة، فيشرح السنة بأقوال الصحابة والتابعين، وسلف هذه الأمة، المقصود أن هذا الشرح فيه نفس السلف الصالح، عمدته كلام السلف، وهذه ميزة الحافظ ابن رجب، ويعنى بها عناية فائقة يمتاز بها عن غيره في جميع مؤلفاته.

المقدم: ومطبوع الكتاب؟

مطبوع مرتين، وعلى كل حال الكتاب ليس بكامل، فيه خروم كثيرة، هو أولًا إلى كتاب الجنائز في الجملة، وفي ما وجد منه خروم كبيرة جدًّا، يعني بين حديث النعمان بن بشير في كتاب الإيمان في الشبهات إلى الحديث الذي يليه في الطهارة، أكثر من مائتي حديث، مخروم، وكم في شرح هذه الأحاديث من علم عظيم من علم السلف؟! فالحافظ ابن رجب -رحمه الله تعالى- يعنى بعلم السلف، وبأقوال السلف، وينكب جانبًا عن أقوال المتأخرين واصطلاحاتهم، من طالع هذا الكتاب، وطالع أيضًا شرح الأربعين له، عرف قدر هذا الرجل، وله رسالة في الباب اسمها: (فضل علم السلف على الخلف) رسالة نفيسة، لا يستغني عنها طالب علم، رسالة في غاية الجودة، الكتاب مطبوع مرتين إحداهما: بتحقيق ثمانية أصدرتها دار الغرباء، طبعة جيدة في الجملة، فيها مقابلة نسخ، وفيها تعليقات، وفيها ترقيم، طبعة جيدة، أنا قرأتها كلها، الملاحظات عليها يسيرة.

طبعة ثانية وهي للشيخ طارق عوض الله، هذا من خيار طلاب العلم؛ من المجودين، لكن لا يوجد له أثر في هذا الكتاب إلا النشر، يعني لو أتحفنا بشيء من علمه في تعليقاته على هذا الكتاب فيفيد طالب العلم؛ لأن له عناية بالرواية، وله عناية بعلل الحديث، وسبق أن نشر جامع العلوم والحكم، ومثله نشره أيضًا لسبل السلام، يعني بتصحيح الكتاب، لكن لمساته في التعليقات التي تفيد طالب العلم ليست على مستوى علمه الذي نعرفه عنه، أنا قابلته شخصيًّا، عرفته من قرب، وهو من خيار من يتصدى لنشر الكتب في العصر الحديث، على كل حال أنا عنايتي بتحقيق الثمانية؛ لأنها خرجت أولًا، فوقعت موقعها وقرأتها، وراجعت طبعة الشيخ طارق جيدة في الجملة.

هناك أيضًا شرح الكرماني اسمه (الكواكب الدراري) وهذا الشرح شرح ماتع نفيس، فيه فوائد كثيرة جدًّا، وفيه لطائف وطرائف، كثير منها يتعلق بتراجم الرواة، فيذكر في ترجمة الراوي أطرف ما يذكر من أخباره، لينشط القارئ، على أوهام في الكتاب؛ لأنه يقول: إنه أخذ علم هذا الكتاب من الكتب، ومعروف أن الذي علمه من كتبه ليس علمه كمن زاحم أهل العلم، وهنا أبيات ذكرها بعضهم:

يظن الغمر أن الكتب تهدى
وما يدري الجهول بأن فيها

إذا رمت العلوم بغير شيخ

وتلتبس الأمور عليك حتى

 

أخا فهم لإدراك العلومِ
غوامض حيرت عقل الفهيمِ
ضللت عن الطريق المستقيمِ
تكون أضل من توم الحكيمِ

وقالوا عن ابن حزم: أنه أخذ علمه من الكتب؛ ولذا خف عنده الأدب بالنسبة لأهل العلم كما ينبغي، وإلا فالرجل من أهل العلم معروف، على ما عنده من خلل في العقيدة، ولسانه أرسله في بعض أفاضل هذه الأمة وخيارها، وعلى كل حال هذه من عيوبه، فيقول أهل العلم: إن وضعه الاجتماعي أيضًا بين وزارة وبين تضييق وإهانة وإحراق كتب، بعد الأبهة، وعلى كل حال، له وعليه ابن حزم، وليس هذا مجال بسط مثل هذا الكلام.

(الكواكب الدراري) هذا من أولى ما يبتدئ به طالب العلم القراءة؛ لأنه يشد الطالب، ويحفزه على القراءة، أولًا: الكتاب ليس بطويل طويلًا مملًا..

المقدم: أربع مجلدات دار الغرباء تقول يا شيخ  أو غيرها؟

نعم.

المقدم: الكواكب الدراري طبع في كم يا شيخ؟

طبع في خمسة وعشرين جزء، وهي أجزاء صغيرة جدًّا، يعني هو اثني عشر مجلد، وحروفه كبيرة، مناسب جدًّا للقراءة، على أوهام فيه، أحيانًا تقع منه الأوهام بحيث يكون رد هذه الأوهام في الكتاب المشروح، الرد في الكتاب المشروح، حتى قال الحافظ ابن حجر: "وهذا جهل بالكتاب الذي يشرحه" أحيانًا هو يفهم فهمًا ينبئ عن فهم، ويحمل الخطأ للإمام البخاري، وأحيانًا -وهذا نادر- يسيء الأدب مع الإمام البخاري، لكن هذه نادرة جدًّا، تعقبه الشراح، الشراح كلهم اعتمدوا عليه، ممن جاء بعده لم يستعنِ عنه، اعتمدوا عليه، وأفادوا منه فائدة كبيرة، وكشف لهم عن كثير من الأمور، بل فتح لهم الطريق، لكنهم تعقبوه، بعضهم يتعصب عليه، وبعضهم ينصفه، على كل حال الكتاب نافع وماتع على الأوهام التي ذكرناها فيه، فلو قدر أن تنشر هذه الأوهام، وهي عندنا مدونة على الكتاب كله، الردود عليه من الشروح الأخرى مع الكتاب؛ لأن الكتاب غاية في النفاسة، لكن الإشكال أن طالب العلم المبتدئ يقرأ الكتاب، وهو لا يعرف أن هذه أوهام، تقع منه موقع القلب الفارغ.

فعلى كل حال هذا الكتاب نفيس وماتع، ويشد القارئ، أيضًا وفق بطبعة جميلة جدًا، وحرف جميل، فالكتاب ينصح به، ويرجع إليه.

المقدم: أفضل الطبعات؟

الطبعة المصرية، المطبعة المصرية هذه طبعت مجموعة من الكتب أبدعت في طباعتها، يعني طبعت هذا الكتاب، وطبعت تفسير الرازي، وطبعت شرح النووي، وطبعت مجموعة من الكتب، لكن لو طبعوا تفسير الطبري، أو تفسير ابن كثير، وفتح الباري لكانوا وفقوا في ذلك، على كل حال هذا اهتمامهم، وأيضًا هذه الكتب فيها فوائد -إن شاء الله-.

أيضًا هناك شرح العيني (عمدة القارئ) كتاب مرتب على الفنون، لبدر الدين العيني.

المقدم: على الفنون، أم على الأحاديث؟

على الأحاديث ترتيب الإمام البخاري، لكن شرح كل حديث يرتبه، يبدأ بالمناسبة، ثم الرواة، ثم اللغة، ثم المعاني، ثم البيان والبديع، والأسئلة، المقصود ترتيبه بديع، وهذا في ربع الكتاب الأول، أما في الربع الثاني فأقل، والنصف الأخير مختصر جدًّا، وهذا كتاب في الجملة نافع يعني بترتيبه، لا تتعب في البحث عما تريده مع طول الكتاب، الكتاب مطبوع في تركيا في أحد عشر مجلدًا، كبار، ثم طبع في المطبعة المنيرية في خمسة وعشرين جزءًا، ثم طبع بعد ذلك في مطبعة الحلبي في عشرين، والطبعة المنيرية نفيسة، المطبعة التركية جيدة في الجملة، لكن التعامل معها فيه شيء من الصعوبة لتداخل المباحث، أما المنيرية فصل المباحث بعضها عن بعض، فصلوها وحرفهم في الغالب جميل، ترتيبهم بديع في الطباعة.

شرح العيني هذا اعتمد على الشروح المتقدمة، حيث كانت مقدمته مأخوذة بحروفها من مقدمة النووي على البخاري، يعني في حدود أحد عشرة أو اثني عشر صفحة بحروفها من شرح البخاري للنووي، القطعة التي شرحها، هو شرح بدء الوحي والإيمان فقط، وهذه القطعة طبعت في المطبعة المنيرية، مع مجموعة أسموها (شروح البخاري للنووي والقسطلاني وصديق لبدء الوحي والإيمان من صحيح البخاري).

هذه المقدمة استلها العيني من شرح النووي، ثم بعد ذلك أخذ يشرح الأحاديث، ويفيض في الشرح، وينقل عن الحافظ ابن حجر كثيرًا، لكنه لا يسميه، بل يبهمه فيقول: قال بعضهم، ثم يتعقبه، كثيرًا أحيانًا...

المقدم: وهو معاصر له يا شيخ؟

إيه هو من الأقران، إذا انتهى مجلد من شرح الحافظ ابن حجر استعير بعلم الحافظ ابن حجر للعيني، واطلع عليه، ونقل منه الصفحة والصفحتين، فتصدّ للرد عليه، وبينهما ما بين الأقران من المنافسة، وهناك كتاب في الباب اسمه (مبتكرات اللآلئ والدرر في المحاكمة بين العيني وابن حجر) أيضًا ابن حجر له كتاب (انتقاض الاعتراض) يذكر كلامه، ثم يذكر كلام العيني وتعقبه عليه، ثم ينقضه، وأجاب عن كثير من الإشكالات التي أوردها العيني، والتعقبات، لكنه أبقى أشياء بيض لها ولم يتيسر له إكمالها، و(مبتكرات اللآلئ والدرر) فيه محاكمات كثيرة بين الشيخين بإنصاف.

المقدم: ولمن هي؟

للبصيري، شخص معاصر، لكن أيضًا بقيت هناك أشياء ما تطرق لها لا ابن حجر نفسه، ولا البصيري في المبتكرات، بقيت، أمور تحتاج إلى محاكمة بين الشيخين، تحتاج إلى مزيد من العناية، عندنا بعض المدونات فيه شيء منها.

شرح العيني قلنا: إنه طبع ثلاث مرات، ثلاث طبعات، أعني الطبعات التي يمكن أن يستفيد منها طالب العلم، طبعة تركيا، ثم المنيرية، ثم الحلبية، أما الطبعات الأخيرة طبعات المطابع التجارية المتأخرة كما سبق أن أشرنا في الحلقة السابقة مع مداخلة الدكتور عبد المحسن عسكر، أشرنا إلى أن تولي هذه المطابع الحديثة للكتب الكبيرة التي تحتاج إلى لجان متخصصة لتصحيحها وتصويبها يقع فيها الخطأ الكثير، يقع فيها أوهام؛ ولذا من كانت عنده طبعات قديمة، أو مصورات على هذه الطبعات القديمة فليستمسك بها، لا سيما الكتب الكبيرة التي ما جمع لها نسخ واعتني بها، وقورن بين هذه النسخ، يعني الكلام السابق ليس على إطلاقه، يعني قد يتيسر يوجد نسخة صحيحة من الكتاب يعتمد المتقدمون على نسخ في المطابع القديمة، يعتمدون على نسخ حسب تيسرها لهم، وهم مع ذلك لا يشيرون إلى فروق النسخ، ثم يتيسر للمتأخر إن وقف على نسخة المؤلف أو نسخة قوبلت على نسخة المؤلف، أو لأحد تلاميذ المؤلف، أو ما قرب من عصره، وفيها عناية ومقروءة من قبل أهل العلم، ثم يطبع الكتاب عنها تكون له ميزة.

شرح الحافظ ابن حجر، واسمه (فتح الباري) كما هو معروف، وهو أشهر من نار على علم، عني به العلماء عناية فائقة، طبع في المرة الأولى في بولاق سنة (1300هـ)، ثم بعد ذلك طبعه صديق حسن خان  في الهند في ثلاثين جزءًا، وهي طبعة نفيسة ونادرة، إلا أن الاستفادة منها من قِبل أوساط المتعلمين في غاية الصعوبة؛ لعدم تعلمهم وتمرنهم على الخط الفارسي، هو باللغة العربية، لكن الخط الفارسي متعب بالنسبة لآحاد المتعلمين، ثم بعد ذلك طبع طبعات كثيرة في المطبعة الخيرية، وهي طبعة جيدة، وهي ليست مثل بولاق، لكنها طيبة ينبغي لطالب العلم أن يعتني بها إذا لم يتيسر له طبعة بولاق، ثم بعد ذلك طبع بالمطبعة البهية، ثم طبع في المطبعة السلفية، وهي عناية الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله تعالى-.

نتكلم عن الفتح...

المقدم: قبل أن نتكلم عن الفتح، عمومًا معنا اتصال إن رأيت أن نأخذ اتصال؛ لأنه قد يكون يعلق على جزئية من هذه إذا أذنت لي؟

طيب.

المقدم: معي الشيخ صالح بن مقبل العصيمي، شيخ صالح السلام عليكم.

المتصل: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

المقدم: أهلًا بك شيخ صالح، نحن نتحدث مع شيخنا الدكتور عبد الكريم الخضير حول مجموعة من كتب السنة، وجاءنا اتصالك خلال هذا الحديث.

المتصل: جزاك الله خير يا شيخ.

الشيخ: حياك الله وبارك فيك.

المتصل: كيف حالكم؟

الشيخ: بخير الله يحفظك، جزاك الله خيرًا.

المتصل: أقول: تحدثت كثيرًا عن فتح الباري وعن الإشكالية التي حدثت من خلال وضع نصوص البخاري في الفتح غير التي اعتمدها الحافظ ابن حجر، فهل هناك إمكانية، طبعًا أولًا الحافظ قد لا يكون هناك وضع النسخ أو أحاديث معينة، هو لم يضعها في الفتح، فهل هناك إمكانية أن يعاد الفتح مع نصوص الإمام البخاري، بحيث تكون النصوص موافقة للشرح؟

المقدم: هذا سؤالك شيخ صالح؟

المتصل: نعم، وفيه سؤال ثان خارج عن مسألة كتب السنة، وهي في مسألة التاريخ حيث إنه لا يوجد الآن ملخص يحكي سيرة التاريخ الإسلامي، نقول: بعد عصر الدولة الأموية، إنما هي كلها إما في تفاصيل دقيقة للأحداث، ولكن مثلًا لا يوجد مثل دولة السلاجقة أو الأتراك أو النشأة فقط، وما حقيقة هذه الدول؟ هل هناك إمكانية أو هناك كتاب معين طبع أو موجود ولكنه قد نفذت طبعاته يناقش هذه القضايا فضيلة شيخنا؟.

المقدم: طيب طيب شكرًا شيخ صالح، نعلق يا شيخ على ما تفضل به الشيخ صالح بالنسبة لنصوص البخاري التي اعتمدها ابن حجر؟

الشيخ: أما بالنسبة للتاريخ فسيأتي الحديث عنه -إن شاء الله تعالى- إن كان في الوقت بقية، أما ما يتعلق بفتح الباري فمثل ما ذكرنا طبعت الطبعة الأولى في بولاق، وهي مجردة من المتن، على ما أراد الحافظ ابن حجر، المتن وضعه الطابع في الحاشية لا علاقة له بالشرح، وهكذا جاءت الطبعة الخيرية بعدها، والهندية كلها المتن مفصول فصل تام عن الشرح، وأيضًا البهية كذلك، والحلبية وطبع في الحلبية في سبعة عشر جزءًا، المتن مفصول عن الشرح أول من أدخل المتن في الشرح محمد فؤاد عبد الباقي في الطبعة السلفية الأولى التي عني الشيخ -رحمة الله عليه- الشيخ عبد العزيز بن باز في الجزء الأول والثاني وشيء من الثالث، أدخلوا المتن في الشرح، الحافظ ابن حجر في المقدمة أشار إلى أنه سوف يدرج المتن في الشرح، سوف يذكر المتن ثم عدل عنه في مقدمة المجلد الأول، فقال: رأى أن إدخال المتن في الشرح يطيل الكتاب، والمتن معروف ومتداول ومشهور بين طلاب العلم كلهم، فلا يحتاج إليه، يعني هل يتصور شخص يكتفي بفتح الباري عن صحيح البخاري، ولو كان الصحيح في الشرح، إذًا الحافظ ابن حجر وجهة نظره أن المتن لا يُدخل في الشرح، وهذا الذي استقر عليه رأيه، ومع هذا اعتمد الحافظ ابن حجر على رواية أبي ذر، وأشار إلى ما عداها عند الحاجة.

التصرف في الكتاب من قبل من أدخل المتن في الشرح على غير مراد المصنف؛ ولذا لم يوفقوا في اختيار متن وافق الشرح، فتجد الحافظ يشرح يقول: قوله وتنظر المتن ما تجد؛ لأنه اعتمد على رواية معينة، وهذا من شؤم التصرف في كتب العلماء، المؤلف ما أراد أن يدخل المتن، تدخل المتن لماذا؟ الأمر الثاني ليتك لما أدخلت المتن تدخل متن يوافق الشرح، رواية أبي ذر.

طبع بعد ذلك في المطبعة السلفية في السلفية الأولى الطبعة عني فيها الشيخ -رحمة الله عليه- الشيخ ابن باز في المجلد الأول، قابلها على نسخ خطية وقف عليها، وجيء بها، وأحضرت لديه؛ فالمجلد الأول والثاني وعلق على المخالفات العقدية، وعلق على بعض المسائل الحديثية والاصطلاحية، لكنها قليلة، نبه على جميع المسائل العقدية التي خالف فيها ابن حجر في المجلد الأول والثاني وأوائل الثالث، ثم انشغل -رحمة الله عليه- لما تولى رئاسة الجامعة الإسلامية بالنيابة عن شيخه الشيخ محمد بن إبراهيم -رحم الله الجميع- فقال لمحب الدين الخطيب صاحب المطبعة السلفية أطبعوا على بولاق؛ لأنه من خلال المقابلة وجد أن بولاق ما فيها إشكال، طبعة نفيسة، لكن لنا أمنية في طبعة بولاق قبل أن ننسى أن يصنع بها كما صنع في صحيح الطبعة السلطانية ترقم، يوضع أمام كل حديث بداية شرحه رقمه وأطرافه ورقمه في التحفة والإحالة على الشروح الأخرى لتكن ويصور على الورق الشموع الجديد، يصير أنفس من الأصل ما المانع؟ ويتداول بين الناس كان امتلاك النسخة السلطانية من فتح الباري حلم لدى طلاب العلم، لماذا؟ لأنها مطبوعة سنة (1311هـ) الأمر الثاني كلها مكتوب عليها وقف في كل صفحة من الكتاب، وقف لله تعالى لا يباع ولا يوهب ولا يورث، في كل صفحة، الصفحة الأولى مكتوب عليها وقف لله تعالى، والتي تليها لا يوهب ولا يورث ولا يملك في كل صفحة من الكتاب، فهذا الأمر حقيقة خدم الكتاب ونشر الكتاب بين طلاب العلم، الأمنية أن تكون هذه الخدمة أيضا لفتح الباري، لماذا لا يفعل به مثل ما فعل بالصحيح؟ فترقم أحاديثه، ويحال على الأطراف وعلى الشروح الأخرى، ورقم الحديث من تغليق التعليق، وتحفة الأشراف، فيكتمل العمل، ويصور تصوير جميل بالألوان مثل الأصل، فتكون أنفس من الطبعة الأصلية، هذه أمنية فنعود إلى كلام...

المقدم: تقول: إن الشيخ قال لهم: اطبعوا على طبعة بولاق؟

نعم طبعة بولاق فيها أخطاء يسيرة جدًّا جدًّا، وقف عليها صديق حسن خان المعروف الهندي الذي تولى إمارة هناك في بوبال، فعاد طبعه عنده في الهند في ثلاثين جزءًا، ولم تسلم أيضًا الطبعة الهندية تسمى المصارية من الأخطاء، طبع بعد ذلك الكتاب طبعات كثيرة، طبع طبعات لا تعد لأهمية الكتاب وشهرته، وإفادة طلاب العلم منه، ولا تسلم من أخطاء، وبعضها أمثل من بعض كما هو معروف.

المقدم: لكن يا شيخ لما طبعوها كما ذكرت مثل طبعة الشيخ محب الدين الخطيب -رحمه الله- أدخل أيضًا المتن خلافًا لرواية أبي ذر؟

أدخل متنًا ملفقًا، ليس على رواية معينة، يعني ملفق من روايات، وهذا خلاف ما يوصي به أهل الحديث، ينبغي أن يكون كتابك على رواية واحدة.

المقدم: والآن لا يوجد كتاب على رواية أبي ذر بالنسبة لفتح الباري؟

فتح الباري ما فيه رواية أبي ذر لفتح الباري، رواية أبي ذر للصحيح، للمتن.

المقدم: أقصد ما أحد أدخل الآن رواية أبي ذر في شرح فتح الباري مطبوعًا أبدًا؟

الشيخ عبد القادر الحمد وقف على نسخة مكتبة الحرم المدني كتب عليها رواية أبي ذر، ويأتي مثلها كثير من المغرب، لهم عناية بهذه الرواية، لكن يوجد بينها وبين ما اعتمده الحافظ شيء من الاختلاف، الشيخ -وفقه الله- لمس الحاجة الماسة لرواية أبي ذر فوقف على هذه النسخة، كانت مخرومة مجلد فأكملها من الأزهر على كل حال يشكر على هذا الاهتمام، لكن يبدو أن الذين طبعوا الكتاب ما اختاروا الطبعة المناسبة من طبعة الشرح، هذه الرواية التي كتب عليها رواية أبي ذر تختلف فيها اختلاف -وإن كان يسيرًا- بين ما أعتمده الحافظ ابن حجر وبينها، لكن الذين طبعوا الكتاب ما اختاروا الطبعة الأمثل لما أرادوا أن يدخلوا المتن في الشرح، أولًا: ليت الشيخ أفرد المتن، هذا الذي وقف عليه نشره كما هو، وعني بشرح القسطلاني، وذكر فروق الروايات والطبعات القديمة للصحيح، طبعة بولاق الأولى والثانية، أعني الأولى السلطانية، والتي تليها، وإلا طبع قبل ذلك في بولاق طبعات، لكنها خالية من ذكر الروايات، أيضًا ثم ما دام الكلام في البخاري الطبعة السلطانية التي طبعها السلطان عني بها بضعة عشر من أهل العلم، طبعة صحيحة ومتقنة فيها ما يقرب من مائة خطأ، تلافاه أصحاب مطبعة بولاق الطبعة الثانية سنة (1313-1314هـ) فصححوا هذه الأخطاء، فطلعت الطبعة الثانية أصح من الأولى، لكن الذي صور الكتاب واعتنى به صحح الأخطاء.

المقدم: طبعًا المجلدات الكبيرة؟

الكبيرة، التي في دار المنهاج.

المقدم: لكن شاقة على طلبة العلم يا شيخ.

من أي جهة؟

المقدم: بهذه الكبر وهذا....

ما يضر، ما يضر -إن شاء الله- ضع كرسيًّا للكتاب إذا كنت لا تستطيع أن تحمله وعلق.

المقدم: لكنهم طبقوا ما ذكرته أنت قبل قليل من الأمنية....؟

أمنية، وعرضته على كثير من أكثر من عشر سنوات أو أكثر من خمسة عشر سنة وأنا أعرض الكتاب على المطابع ليخدموه هذه الخدمة، وكلهم يرحب بالفكرة، ويرى أهمية هذا العمل، ومع ذلك ما رأينا شيئًا، لما خرج هذا الكتاب جيء لي بنماذج من المطابع أنهم بدؤوا يشتغلون ويرتبون وكذا، على كل حال الجهود -إن شاء الله- موفقة، وما زال الناس -ولله الحمد- لهم عناية بسنة النبي -عليه الصلاة والسلام-.

بعد طبعة بولاق أخذ عنها الطبعة الميمنية، ثم بعدها الطبعة الخيرية، كلها بفروق النسخ مأخوذة من بولاق، ثم الحلبية، الحلبية هذه صورت وصور معها مقال للشيخ أحمد شاكر عن الصحيح وعناية اليونيني به، ورواية الصحيح، صور هذا المقال للشيخ أحمد شاكر، وألصق بما صور عن الطبعة الحلبية، فاشتهر بين طلاب العلم مع الأسف الشديد أن هذه طبعة الشيخ أحمد شاكر، الشيخ أحمد شاكر لا عناية له بالصحيح، يعني ظاهرة منشورة، يعني ما نشر شيئًا عن الصحيح إلا هذا المقال، استل هذا المقال فوضع مع ما صور عن الطبعة الحلبية فروج باسم طبعة الشيخ أحمد شاكر، هذا ترويج، وإلا فالشيخ أحمد شاكر لا عناية له بهذه الطبعة على أقل الأحوال التي ذكر اسمه عليها، هذا مجرد ترويج تجاري، ومع الأسف أنه انطلى على كثير من طلاب العلم، بل على بعض أهل العلم، أهل العناية بالكتب، يقول لي: طبعة الشيخ أحمد شاكر، أقول له: يا أخي الشيخ أحمد شاكر ليس له طبعة في الصحيح، الشيخ أحمد شاكر له مقال عن الصحيح ذكر فيه عناية اليونيني بالصحيح، وذكر بعض الروايات، استل هذا المقال صور بالطبعة الحلبية، فجعل مقدمة لها، وفيها هذه ورقة الشيخ أحمد شاكر.

طبع البخاري مرارًا عشرات المرات لأهميته، لكن ينبغي أن يعنى طالب العلم بهذه الطبعة التي أشرنا إليها التي هي الطبعة السلطانية التي أكملت بهذه الخدمة.

هناك أيضًا من الشروح شرح القسطلاني واسمه (إرشاد الساري) هذا يكاد أن يكون ملخصًا أمينًا من فتح الباري وعمدة القاري، مع إفادته من الشروح الأخرى، هذا الكتاب لا يغني عنه غيره، لمن أراد ضبط الصحيح، ضبط رواة الصحيح، ضبط صيغ الأداء، ضبط المتون، يعني ضبط بالحرف، فيشير إلى اختلاف جميع الروايات، ولو لم يترتب عليه فائدة، لهذا الاختلاف لو لم يترتب عليها فائدة يشير إلى القسطلاني، وهذه العناية فائقة بالكتاب، إذا نظرنا إلى معاناته عن البحث عن النسخة الأصلية اليونينية، بحث عنها مدة طويلة فلم يقف عليها، وقف على الفرع، فرع اليونينية، وقف عليها، ثم بعد ذلك قابل كتابه أكثر من ستة عشر مرة، نسخته على الفرع، وعني بها، ثم بعد ذلك وقف على المجلد الثاني من الأصل من اليونينية، وجده يباع النسخة الثاني، اشتراه وقابله عليه الفرع، فوجده مطابقًا لا يختلف بشيء، ثم وجد المجلد الأول بعد مدة طويلة فقابله كذلك؛ ولذلك تجده يقول: كذا في فرع اليونينية كهي، ما يقول: كذا في اليونينية بفرعها؛ لأنه قابل كتابه على الفرع.

المقدم: وبعدين وجد الأصل.

نعم وبعدين وجد الأصل، أقول: الكتاب له أهمية كبرى لطالب العلم يعنى بالروايات، ومن باب الإنصاف وقفنا على فروق عند الحافظ ابن رجب لا توجد عند اليونيني ولا عند القسطلاني، فروق في الروايات، يدل على طول باعه في هذا الباب، وعنايته بالصحيح -رحمه الله-، إرشاد الساري هذا المطبوع مرارًا.

المقدم: المتقدم منهم ابن رجب يا شيخ؟

إيه ابن رجب قبل ابن حجر وقبل هذا.

المقدم: قد يكون هذا لتقدمه وقربه؟

لا، عرفنا أن عناية القسطلاني يعني بالحرف، يبين الفروق، فروق الروايات، وقبله اليونيني، وهو اعتمد على اليونيني، واليونيني قبل ابن رجب، ومع ذلك ابن رجب وقف على فروق، لا توجد من اليونيني ولا على القسطلاني، فالقسطلاني هذا مطبوع مرارًا، يعني إذا عرفنا أن بولاق ما طبعت عمدة القاري، ولا طبعت الكرماني، طبعت فتح الباري مرة واحدة، طبعت القسطلاني الأولى والثانية حجم كبير جدًّا، الثالثة والرابعة حجم متوسط، بدون حواش، وبدون هوامش، الخامسة والسادسة والسابعة وعلى هامش القسطلاني شرح النووي على......

يعني كم طبع في بولاق؟ سبع مرات، طبعته المطبعة الميمنية مرتين، طبع في الهند، وطبع في غيرها من أقطار الدنيا، القسطلاني، لماذا؟ لأهميته، على أن هذه الشروح لا تسلم من المخالفات العقدية، جل الشراح على عقيدة الأشاعرة -رحمه الله-، ضاق الوقت علنا نتجاوز البخاري إلى مسلم.

المقدم: طيب هذه تعتبر هي أهم الشروح، يعني إذا استكملها طالب العلم فعنده كنـز عظيم؟

بلا شك هناك شروح متأخرة كثيرة جدًّا، هناك (فيض الباري) لأنور الكشميري، وهناك (لامع الدراري) وهناك (كوثر المعالم) شروح لا تعد ولا تحصى للمتقدمين والمتأخرين، يعني لا تحصى شروح البخاري.

المقدم: طيب نأخذ مسلمًا يا شيخ؟

نعم هنا مسلم صحيح مسلم بن الحجاج هو ثاني كتب السنة عند جمهور أهل العلم، وإن قدمه المغاربة مع أبي علي النيسابوري على صحيح البخاري، عني به المغاربة عناية كبيرة، عنوا به أكثر من صحيح البخاري يقول الحافظ العراقي:

أول من صنف في الصحيحِ
ومسلم بعدُ وبعض الغرب مع

 

محمد وخص بالترجيحِ
أبي علي فضلوا ذا لو نفع

علي النيسابوري يقول: "ما تحت أديم السماء كتاب في العلم أصح من كتاب مسلم" على أنه ينازع في كون كلمة أصح تنفي المساواة، مسألة طويلة الذيول مبحوثة في كتب علوم الحديث، فأقول: صحيح مسلم عني به أهل العلم، وشرحوه شروحًا كثيرة جدًّا، لكنها كلها لا تسلم من إعواز، قد يحتاج طالب العلم إلى ما يحل بعض الإشكالات، مع توافر الشروح، أول هذه الشروح المعلن لأبي عبد الله المازري كتاب لطيف في ثلاثة أجزاء وهو بداية باكورة، بداية.

المقدم: شرح كامل لمسلم؟

مر على مسلم كله، في الجملة يعني يفوته أشياء كثيرة جدًّا ما ينبه عليها لكنه الكتاب مختوم ...... هذا الكتاب باكورة يعني ينبغي أن يعنى به طالب العلم من هذا الباب؛ لأن القاضي عياض جاء فأكمله، ألف كتابه إكمال المعلم وهو كتاب نفيس اعتمد عليه كثير ممن جاء بعده.

المقدم: يعني أكمل ما مر عليه المازري بسرعة؟

الشيخ: نعم، أكمل الشرح الأول المعلم للمازري ثم إكمال المعلم للقاضي عياض، وهذا الكتاب فيه شيء من البسط ثم إكمال إكمال المعلم للأبُّي وهذا الكتاب فيه فوائد وطرائف وكثير مما يحتاجه طالب العلم مما يتعلق بالكتاب، وهناك أيضًا مكمل إكمال الإكمال للسلوسي، هذه الشروح سلسلة، يعني لا يغني بعضها عن بعض.

المقدم: هل طبعت مجموعة يا شيخ؟

الشيخ/ هي ما طبعت مجموعة طبع المعلم أخيرًا بعد طبع، طبع بعدها كلها، المعلم طبع متأخرًا، إكمال المعلم أيضًا طبع أخيرًا، طبع قبله إكمال إكمال المعلم للأبُّي، ومعه نفس الطبعة السلوسي مكمل إكمال الإكمال، تصور طبع إكمال إكمال المعلم والمكمل قبل المعلم وإكماله، على كل حال طالب العلم ينبغي أن يعنى بهذه الكتب الأربعة، وإذا انضم إليها شرح النووي على مسلم، وهذا لا يستغني عنه طالب علم على اختصاره كتاب مبارك فيه فوائد وقواعد وضوابط وتحريرات وتحقيقات، لا يستغني عنها طالب العلم.

المقدم: وهو كامل؟

كامل إيه، طبع مرارًا، طبع في الهند سنة (1270 و1276هـ) وطبع خمس أو ست مرات في الهند إلى سنة سبعين بعد الثلاثمائة وهو يطبع في مجلدين، طبعته المطبعة الكستلّية في خمسة مجلدات، وهي من اعتمد عليها أوائل المحققين مثل الشيخ أحمد شاكر وغيره، ثم طبع في المطبعة البهية المصرية في ثمانية عشر جزءًا، في طباعة فاخرة، وهي صحيحة في الجملة، فيها أخطاء، لا تسلم من بعض الأخطاء، كأي عمل بشري لكنها طبعة جيدة.

شرح النووي يمر في كلمات تدور كثيرة، يسأل عنها طلاب العلم، منها: (قال صاحب المطالع) (قال صاحب التحرير) ينقل بكثرة عن هذين الكتابين.

المقدم: مطالع الأنوار؟

(مطالع الأنوار) لابن قرقول، وصاحب التحرير، التحرير شرح صحيح مسلم لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل الأصفهاني.

المقدم: ينقل عنهما النووي؟

بكثرة، يقول: حكى صاحب المطالع، وقال صاحب التحرير، وقال القاضي، يعني يعتمد على من تقدم، لكن النووي له نفس في الكتاب تحريرات وتحقيقات، لا يستغني عنها طالب علم، هناك أيضًا (المفهم فيما أشكل من تلخيص مسلم) للقرطبي.

المقدم: للقرطبي؟

الملخص، التخليص للقرطبي.

المقدم: والمفهم؟

والمفهم له، اختصر صحيح مسلم، والمقصود بالقرطبي أبو العباس أحمد بن عمر القرطبي، شيخ أبي عبد الله صاحب التفسير.

من الطرائف شخص جاءني بقول نسبه لشيخ الإسلام ابن تيمية، قلت له: المصدر؟ قال: تفسير القرطبي، قلت: كيف؟ يقول: قال: شيخنا أبو العباس هذه عبارة يكررها ابن القيم كثيرًا، قال: شيخنا أبو العباس، سألت شيخنا أبا العباس، ولقد سألت شيخنا أبا العباس مرارًا، رحم الله شيخنا أبا العباس، وهكذا، فجاءني بهذا القول نسبه إلى شيخ الإسلام بأن القرطبي قال هذا، القرطبي المفسر التلميذ قبل شيخ الإسلام.

المقدم: وهو ينسبه لشيخه أبي العباس أحمد بن عمر؟

شيخه نعم صاحب المفهم، المفهم له لأبي العباس القرطبي، هذا كتاب من نوادر الكتب، فيه فوائد غزيرة جدًّا في سائر العلوم، يعني فيه قواعد وضوابط حديثية وفقهية وأصولية، ومن سائر العلوم ما شاء الله، لا يستغني عنه طالب علم، وطبع أيضًا المفهم أخيرًا أكثر من طبعة، وهو محقق في رسائل علمية، المفهم محقق في رسائل علمية، علها أن تنشر، وإن كان نشرها فيه شيء من الصعوبة؛ لأن الرسائل سبع أو ثمان رسائل وكل رسالة في ثلاثة مجلدات أو أربعة، يعني يطول الكتاب.

المقدم: عندكم في الجامعة؟

إيه نعم في قسم السنة وعلومها عندنا.

المقدم: كاملًا؟

كاملًا، والكتاب مثل ما ذكرنا كتاب نفيس، هناك أيضًا فتح الملهم لشرح صحيح مسلم لشبير أحمد العثماني هندي متأخر، من علماء الهند، لكنه لم يكمله، هو أطال فيه النفس، فيه طرائف وفوائد واستطرادات، وأشياء مفيدة تفيد طالب العلم، لا سيما بالنسبة لمسلم؛ لأن مسلم مثل ما ذكرنا هذه الشروح كلها لو صيغت في شرح واحد ما تعدى فتح الباري كلها؛ ولذا لو انبرى بارع للتنكيت على شرح النووي، يعني على صحيح مسلم وشرحه النووي، ويذكر في مؤلفات أن الحافظ ابن حجر أن له نكت على شرح النووي، والنكت يعني توضح الإشكالات، وتذكر ما أغفله صاحب الكتاب، وتناقشه في بعض قريبًا من الحواشي، إلا أن الحواشي تعرض كل شيء، بينما النكت تعنى بالمهمات، فتح الملهم هذا طبعت مقدمته في ثلاث مجلدات كبار، ثم أكمل في ستة مجلدات أخرى، أقول: لا يزال الإعواز في صحيح مسلم قائمًا، فلو اعتنى طالب علم متمكن بشرح صحيح مسلم من كل وجه، نظير شروح البخاري، أو أقل الأحوال بالتنكيت على أحد هذه الشروح، وذِكر ما أهمل، أحيانًا في صحيح مسلم يرد إشكالات كثيرة، قال: أبو أحمد، أبو أحمد.

المقدم: يقوله الإمام النووي؟

لا، لا، ما هو النووي، في المتن.

المقدم: في متن مسلم؟!

تجد تبحث عن أبي أحمد، من أبو أحمد؟ ما هذا؟! كثير من طلاب العلم لا يصل إليه؛ لأنه لا يشير إليه الشراح أبو أحمد الجلودي راوي الصحيح، راوي الصحيح ثم بعد ذلك يسوق الخبر أو بعض الإسناد من غير طريق مسلم؛ لأنه مباشرة يقول: قال أبو أحمد، تذهب إلى كتب رجال الكتب الستة فما تجد، فمثل هذه الأمور وغيرها مما اشتمل عليها الصحيح من تنبيهات ولطائف وعلل، يشير إليها الإمام مسلم، وفوائد اصطلاحية لسياق المتون والأسانيد، شيء ما يخطر على البال، يعني لو اعتنى به بارع، وتصدى له وتفرغ له، يعني يطلع عملًا جليلاً، عندنا بعض المقيدات في هذا الباب، لكن نسأل الله -جلا وعلا- أن يعين على الإتمام.

سنن أبي داود ثالث الكتب الأكثر، سنن أبي داود لسليمان بن الأشعث السجستاني أيضًا عني به أهل العلم حتى قالوا: إنه يكفي المجتهد، يكفي المجتهد في أحاديث الأحكام، نعم هو يكاد يكون فيه أحاديث أحكام، وفي أربعة آلاف وثمانمائة حديث في أحاديث الأحكام، وهي أصح ما وقف عليه أبو داود، وإن ذكر في رسالته لأهل مكة أنه ذكر الصحيح وما يشبهه ويقاربه، وما فيه من ضعف أو وهن شديد بيّنه، على كل حال كتاب لا يستغني عنه طالب علم، قلنا: إن العناية ينبغي أن تكون في الصحيحين ثم في السنن، الدهلوي له نظر آخر يقول: ينبغي أن يبدأ طالب العلم بسنن أبي داود والترمذي؛ لأن الفائدة منهما أقرب من الفائدة في الصحيحين يعني صحيح البخاري مستواه رفيع، ليس مثل سنن أبي داود فائدته قريبة، أو سنن الترمذي وإن كان في الترمذي إشارات وأشياء تحتاج إلى عناية، الدهلوي يقول: "ينبغي أن يعنى طالب العلم في البداية بسنن أبي داود والترمذي، ثم في البخاري ومسلم، ثم للنسائي وابن ماجه على هذا الترتيب" وإن كانت الأولوية عند أهل العلم البخاري ثم مسلم ثم أبي داود ثم الترمذي ثم النسائي ثم ابن ماجه.

أقول: سنن أبي داوود بهذه المثابة هو ثالث كتب عند الأكثر، عني به أهل العلم، فمن أول من شرحه أبو سليمان الخطابي في كتاب أسماه (معالم السنن)، وهذا الكتاب على أنه مختصر إلا أنه شرح مبارك، فيه فوائد وطرائف ولطائف وأشياء يحتاجها طالب العلم، ولا يستغني عنها من يعنى بسنن أبي داود.

المقدم: نفس شارح البخاري؟

نعم.

المقدم: لكن أعلام السنن، وهنا معالم السنن؟

نعم لكنه ذكرنا أنه طبع تبعًا لأكثر من نسخ ليس من أعلام الحديث، معالم السنن لأبي سليمان الخطابي طبع في حلب الطبعة الأولى في أربعة أجزاء، ثم طبع بعناية الشيخ أحمد شاكر ومحمد حامد الفقي في ثمانية أجزاء، مع المختصر للمنذري ومع التهذيب لابن القيم، فالمعالم على اختصاره كتاب ينبغي أن يعنى به طالب العلم.

هناك أيضًا شرح لابن رسلان أحمد بن الحسين الشافعي، شرح حافل مشحون بالفوائد لا سيما ما يتعلق بالفقه وأصوله وقواعده، فنسأل الله -جل وعلا- أن ييسر نشره؛ لأنه محقق، وجاهز للنشر في رسائل علمية، أما النشر العام فلم يتيسر إلى الآن، شرح العيني هو شرح جيد إلا أنه ناقص.

المقدم: العيني؟

العيني.

المقدم: شارح للبخاري؟

نعم لبدر الدين شرح البخاري لكنه ناقص، وطبع ما وجد منه في خمسة مجلدات أو ستة.

ومن هذه الشروح بل من أهمها (عون المعبود) شمس الحق العظيم أبادي، شرح متوسط، مطبوع في أربعة مجلدات كبار في الهند، هذه الطبعة جميلة ونفيسة، إلا أنها مثل ما ذكرنا عن الطبعة الهندية لفتح الباري لأن من لم يتعود على الحروف الفارسية تصعب عليه، طبع بعد ذلك في طبعات المطبعة السلفية في المدينة عن الطبعة الهندية، وطابعه لم يعرف أن يقرأ تلك الحروف الفارسية، فتصحف عليه كثير إلا أن طبعته لعون المعبود أمثل من طبعته لتحفة الأحوذي مثلًا، هنا الشخص نفسه، وطبعته لتحفة الأحوذي أمثل من طبعته للموضوعات لابن الجوزي، وطبعته للموضوعات لابن الجوزي أمثل بكثير من طبعته لفتح المغيث للسخاوي.

المقدم:.... نطلع على الطبعة الفارسية الحروف....؟

نعم هو طبع عون المعبود طبع في الهند وأخذ عنها، تحفة الأحوذي أيضا طبع في الهند وأخذ عنها، فتح المغيث للسخاوي طبع في الهند وأخذ عنها، هذا الرجل لا علاقة له بالعلم الشرعي، لكنه نشر بعض الكتب بمشورة من صاحب المكتبة السلفية، عون المعبود هذا كتاب متوسط، نفس المؤلف حديثي، لا ينحاز إلى أي مذهب من المذاهب؛ ولذا وفق لكثير من مباحثه، يُعنى بتخريجات المنذري، وتصنيفات ابن القيم، وتعديل الأحاديث، ونقل عن فتح الباري وغيره من الشروح، شرح وسط، يعني يفيد منه طالب العلم، ولا يزجره بطوله.

(بذل المجهود) للسهارنفوري كتاب مطبوع أيضًا في عشرين جزءًا، لكنه يختلف عن عون المعبود؛ عون المعبود يشرح الحديث بنَفَس أهل الحديث، لا ينحاز إلى مذهب، لكن هذا صاحب هذا المجهود ينحاز إلى مذهب أبي حنيفة، فلا شك أنه وجّه بعض الأحاديث أو كثير من الأحاديث لخدمة المذهب، والكتاب لا يخلو من فائدة، فيه فوائد كثيرة جدًّا، ولا يمكن بالنسبة لسنن أبي داود يستغني عنه طالب العلم لطوله وكثرة مباحثه.

هناك (المنهل العذب المورود) للشيخ محمود خطاب السبكي، المنهل العذب المورود في شرح سنن أبي داوود، هذا الكتاب أنجز منه مؤلفه عشرة أجزاء، وطريقته ترتيب المواد شرح على الفنون، كما فعل العيني في عمدة القاري، شرح مرتب، وفيه طول إلا أنه لم يكمل، وشرح منه عشرة أجزاء، وشرع ابنه أمين بن محمود خطاب السبكي في إكماله، وخرج للابن أيضًا ستة أجزاء، ويقال: إنه أكمله، أو قارب من إكماله.

المقدم: نستأذنك يا شيخ معنا اتصال هاتفي من فضيلة الشيخ الدكتور عبد الله البراك.

تفضل السلام عليكم.

المتصل: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

المتصل: إذا سمحت لي وسمح لي شيخنا عبد الكريم.

المقدم: تفضل يا شيخ.

المتصل: في تنبيه أثناء استعراضكم لهذه الشروح أن يعقب ويعلق على مشورة فضيلتكم.

شيخنا كما لا يخفى عليكم أن الحفاظ على التراث وحراسته من العبث والتلاعب أمر واجب ولازم، وكما لا يخفى على فضيلتكم ما أكثر أن يقول بعض الناشرين: قام بتحقيقه لجنة من العلماء بإشراف الناشر، أو يعني هناك من يستل فصلاً وينشره باسم المؤلف، ويكون هذا الفصل أو هذا المؤلف لأحد الكبار، وكما سماهم فضيلة الشيخ بكر -حفظه الله- ....... الكتب، هناك من يعبث باسم الاختصار أو الانتقاء، ويدعي تنقيح الكتب من الأحاديث الضعيفة، الأساليب تعددت والعبث واحد، أرجو من فضيلة الشيخ، وهو شيخنا في مثل هذه الأمور والمسائل، جزاه الله خيرًا، توجيه رسالة من فضيلته لطلاب العلم حول هؤلاء العابثين، وما رأي الشيخ لو جعلت لجنة لحفظ التراث من العبث، ونقد العابثين تصريحًا لا تلويحًا، بودي أن نستمتع بوقت الشيخ أولًا يعلق على هذا الكلام.

المقدم: شيخنا عبد الكريم سمعت كلام الدكتور عبد الله، لك سؤال قبل أن ننهي مكالمة الشيخ عبد الله.

كلام الشيخ عبد الله واضح ومفصل في مكانه أيضًا، وفضيلة الشيخ عبد الله على ما أبداه من ملاحظة ينبغي العناية بها.

المقدم: جزاك الله خير شيخ عبد الله.

أما بالنسبة للعبث بالتراث فحدِّث ولا حرج، بعضهم يكتب ضبط وتحقيق، وهو في الحقيقة مسخ وتحريف، والأمثلة كثيرة على هذا، بعضهم يتصدى للتحقيق وهو لا يعرف من العلم الشرعي شيئًا، يعلق على حديث ابن عمر في طلاقه لزوجته: ((مره فليراجعها حتى تطهر، ثم تحيض...)) إلخ، يقول: "هكذا كان الحكم لما كانت العدة قبل الطلاق" هلوسة، بعضهم كتب: تحقيق وتعليق، تصفحت الكتاب ما فيه ولا كلمة تعليق، إلا ترقيم لبعض الآيات، وجاء في الأخير في جدول الخطأ والصواب، هو كاتب الخطأ (تحقيق وتعليق) صواب تحقيق وشرح، هذا عبث، وضحك على الناس، فمثل هذا ينبغي أن يوجد لجنة تؤدب أمثال هؤلاء، وتحذر من صنيع هؤلاء، وتوقف هؤلاء عند حدهم.

العبث بالتراث من جهة أخرى وهي الاختصار، يعني السطو على كتب أهل العلم بالاختصار ممن لا يحسن، يعني نوصي بعض طلابنا باختصار الكتب لماذا؟ لأن الاختصار وسيلة من وسائل التحصيل، ونوصيه بذلك للانتفاع لا للنفع، يعني طال عليك فتح الباري، وصعبت عليك معلوماته، وتشتت في ذهنك، بإمكانك أن تختصر، لكن ما تخرج إلى الناس بمختصر فتح الباري كما خرجت بعض المختصرات التي أساءت إلى الكتاب، حذفت أهم مهماته الجوانب المشرقة، واختصر على ما يريده من كلام غث، وأدخل فيه ما ليس منه وغيره، المقصود أن العبث بالتراث على أشده، ولا يوجد جهة تحد من هذا العبث إلا أن يتصدى أهل العلم بالتحذير من هؤلاء في دروسهم العامة والخاصة بالتصريح.

المقدم: بالتصريح كما يقول الدكتور عبد الله.

ما المانع؟ ما فيه ما يمنع أبدًا؛ أنه إذا عرف فلان بهذا يصرح به، ورأينا من كتب في الصحف في الأيام الأخيرة من انتحل كتابًا هو لغيره موجود، المقصود أن مسألة الاختصار قد يكون الكتاب فيه حشو كثير، ويتولاه طالب علم متمكن ليقرب الفائدة من هذا الكتاب، الاختصار مسلك ونوع من أنواع التصريح بشرطه، ليس معنى هذا أنه لمجرد أن يقال: فلان له اسم يدور في المكتبات هذا مكثر من التصريح هذا غلط، هذا عبث، هذه حقيقة مرة إذا كان هذا هو الهدف، لكن إذا رأى أن هذا الكتاب الكبير فيه فوائد عظيمة لا يمكن أن يستغنى عنه، إلا أنه يحول دون الاستفادة منها طول الكتاب لا مانع، الحافظ ابن حجر اختصر كثيرًا من الكتب، ونفع الله بمختصراته، وإن كان بعض الناس يلمزه بهذا، وأنه طمس معالم الكتب، ونسبها إلى نفسه، المقصود أن له حساد، ولا شك أن شهرة الحافظ ابن حجر غطت على الأصول، يعني كتابه التلخيص الحبير لا يكاد يذكر عند أصله البدر المنير بفائدة، ومع ذلك تأخر طبع الأصل لانتشار الفرع، وشهرة الحافظ ابن حجر، وقل مثل هذا في بقية مختصراته، لكن ما يمنع أن ينبري عالم مدرك يميز بينما يحتاجه طلاب العلم، وما لا يحتاجونه بين الغث والثمين، ويهذب بعض الكتب، لكن هذا ليس على إطلاقه، ينبغي مثلما تفضل الدكتور أن تشكل لجنة لحفظ التراث من العبث، وبداية قبل تشكيل هذه اللجنة، ينبغي على أهل العلم أن ينبهوا، وما تكاد تمر مناسبة في دروسنا إذا رأينا كتاب بيد طالب من الطلاب نلاحظ على طبعته بعض الأشياء ننبه عليها في وقته في الدروس في المسجد، نقول: يا أخي ما الطبعة التي معك؟ إذا قال: كذا، ننبه عليه، بعض الكتب أعرفها من مجرد حجمها، أو من لونها، أنبه على ما فيها من خلل؛ فالتنبيه أمر في غاية الأهمية، لا سيما وأن المطابع الآن تزف إلى الناس المئات بل الآلاف من الكتب، فلا شك أنه يحير طلاب العلم، فلا بد من ترشيد هذا الأمر وصيانته.

مسألة الاستلال الأخذ من الكتب، كتاب راج في الأسواق (بداية الخلق) وما فيه أي مظهر من مظاهر التحقيق بل فيه تحريف (بداية الخلق) هذا مأخوذ من البداية والنهاية، من أول البداية والنهاية، هذا نسبه لنفسه، بداية الخلق لابن كثير عناية فلان، ليروج الكتاب، يبحثون عن بداية الخلق لابن كثير، وهو من البداية والنهاية، قصص الأنبياء للحافظ ابن كثير من البداية والنهاية، السيرة النبوية للحافظ ابن كثير من البداية والنهاية وهكذا، إن كانت هناك مزيد عناية للمستل، يعني هذا الشخص الذي استل هذه المادة من هذا الكتاب متكاملة.

المقدم: كما يفعل في فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية تستل وتحقق وتخرج بعناية جيدة.

نعم إذا كان هذا من أجل خدمة هذه المادة، وشدة حاجة الناس إليها من بين هذه الموسوعة الكبيرة، هذا هدفه صحيح، والأمور بمقاصدها، يعني بعض المحققين يقول: "لم أقف على هذه الآية الشريفة أو الكريمة في المصحف الشريف" وهو حديث قدسي قال الله تعالى، يعني هذا محقق، هؤلاء هم السراق، يعني إذا كان بعض الرواة يطعن بأنه يسرق الحديث، هذا يسرق، هذا ينتحل، هذا يتقمص.

المقدم: وهذا موجود يا شيخ الذي قال هذا؟

موجود نعم.

المقدم: ومطبوع هذا الكتاب؟

في كتاب مطبوع، ملاحظة طيبة من الدكتور عبد الله، ولفتة كريمة من أخ كريم، وقد عرفناه طالبًا، ثم زميلًا، ثم أستاذًا من النابهين فيما نحسبه.

(المنهل العذب المورود)، نعود إلى شروح سنن أبي داود، قلنا: إنه للشيخ محمود خطاب السبكي، أبدع في ترتيبه، وجمع المادة العلمية من المصادر التي يعتمد عليها في الباب، ولم يكمله، قام ابنه بإكماله، صدر من الأصل عشرة أجزاء، ومن التكملة ستة، وفي طريقه أيضًا إلى تتميمه.

هنا كتاب ليس بشرح حقيقة، لكنه لا يستغني عنه من يعاني سنن أبي داود ويعنى بسنن أبي داود هو: (تهذيب السنن لابن القيم) كلامه منصب على بيان علل الأحاديث، بنَفَس الأئمة الكبار المتقدمين، إذا عرض لحديث قيم جميع ما قيل فيه، وما فيه من علل، وكثير منها من استنباطات وإدراك للعلل وأخذها، فهو إمام في هذا الباب، يتكلم عن علل حديث واحد في عشرين ثلاثين صفحة، يسيل واديه هناك، كما يقال: حتى يملأ الخوابي، ويبلغ الروابي -رحمة الله عليه-، نقتصر على هذا في الحديث عن سنن أبي داود.

هناك حواشي على أهل السنن، مثل حاشية السيوطي (مرقاة الصعود) هناك شخص مغربي اسمه البجمعوي، السيوطي له شروح مختصرة جدًّا على الكتب الستة، فقام هذا المغربي البجمعوي فاختصر هذه الشروح، فالتوشيح على جامع الصحيح للسيوطي في مجلد على صحيح البخاري، شرح مختصر جدًّا، جاء هذا فقال: (روح التوشيح) فاختصر هذا المختصر، للسيوطي (الديباج) في جزء صغير على صحيح مسلم، جاء البجمعوي هذا فاختصره في (وشي الديباج على صحيح مسلم ابن حجاج) وهكذا (مرقاة الصعود) للسيوطي قال: (درجات مرقاة الصعود) فاختصره، وهكذا على بقية الكتب الستة، هي الحواشي على الكتب الستة مطبوعة في ستة أجزاء صغيرة.

المقدم: إذن قبل أن نترك سنن أبي داود نستأذنك في هذه المداخلة فضيلة الشيخ، معي الأستاذ خالد الشنيبر، أستاذ خالد.

المتصل: السلام عليكم ورحمة الله.

المقدم: السلام ورحمة الله وبركاته تفضل.

المتصل: حياك الله يا شيخ.

المقدم: حياكم الله تفضل.

المتصل: أنا والله أهنئ البرنامج على استضافة الشيخ عبد الكريم، نسأل الله أن ينفع به، باختصار أنا عندي ثلاث نقاط: لفت نظري خاصة بالناحية الحديثية في الزمن هذا في السنوات الأخيرة.

الأولى: لاحظنا يا شيخنا أن الكتب التي بدأت تخرج في الآونة الأخيرة، بدأت كما يسمونها موضة إطالة الحواشي في التخريج، فأصبح يخرج حتى من الأجزاء الحديثية التي لا يكاد يعرفها كثير من طلبة العلم، وأصل الحديث أصله موجود في الصحيحين، فأصبحت الكتب بدلًا أن تخرج في مجلدين مثلًا، تخرج علينا في أربعة أو ستة مجلدات، مما يثقل كاهل طالب العلم، مما أيضًا لا تكن فيه فائدة كبيرة، هذه النقطة الأولى يا شيخ.

المقدم: سواء كان رسالة علمية أو غير رسالة علمية يا أستاذ خالد؟

المتصل: لا، لا، يعني أحيانًا الرسالة العلمية لها ظروفها، لكن أحيانًا الرسالة العلمية لها دورها؛ لأن الرسالة العلمية كرسالة لها ظروفها الخاصة، لكن يبقى النشر الذي لاحظناه في الأسواق الآن الأخيرة، تركز على إطالة الحواشي مع أنها ما نستفيد منها كثيرًا، بل ربما تشتت الأفكار عن قراءة كتب الإمام التي نقرأها، هذه هي النقطة الأولى.

النقطة الثانية: يا شيخنا أيضًا: ظاهرة أخرى هي بدأت في الآونة الأخيرة، هي البحث في القصص الموجودة عن السلف من التابعين ومن بعدهم، أحيانًا لا ينبني عليها أي حكم فقهي، فتبدأ ظاهرة تضعيف هذه القصص، وليت هذا يقف عند هذا، بل جعل من يورد هذه القصص من الجهال بعلم الحديث، مع أنه أقول مرة أخرى: لا ينبني عليها حكم شرعي، بل أحيانًا هي من المرققات، ومن الأشياء التي تذكر، فهل هذا المنهج يا شيخ خاصة في الآونة الأخيرة التي ظهر هل هو منهج سليم يتبع؟ أو أنه منهج متشدد في الناحية هذه؟ فنرجو أن نسمع رأيكم في الحقيقة.

أخيرًا يا شيخ وهو رجاء لك، نشاهد إلمامك يا شيخ في كتب الحديث، وإلمامك بطباعتها، فهلا أتحفتنا بشرح أحد كتب السنة، لعل الله أن ينفع به بعد مماتك، وأنت تعرف أن هذا من الأشياء التي ينتفع بها العبد إذا مات ووسد التراب، وجزاكم الله خيرًا.

المقدم: جزاك الله خيرًا، وشكرًا للأستاذ خالد، شكرًا جزيلًا، المتصل الأخ خالد عنده أكثر من قضية تحدث عن الكتب التي تخرج في الآونة الأخيرة، وفيها إطالة الحواشي في التخريج؟

شكرًا للشيخ خالد على هذه اللفتة الكريمة، أما بالنسبة لإطالة الحواشي والتخريج بالرجوع إلى الأجزاء والمعاجم والمشيخات والكتب التي هي غير مشهورة وغير متداولة بين الناس، مع أن أصول هذه الأحاديث موجودة في الكتب المتداولة المشهورة، فنقول: قبل ذلك هذا خلل في التحصيل، فتجد بعض طلاب العلم مغرمًا بهذه الأجزاء والمعاجم والمشيخات، يحفظ زوائدها، ويخرجها، ويحققها، مع أنه من أجهل الناس بالبخاري مثلًا، لا شك أن هذا خلل، خلل في المنهجية، يعني عندنا علم عظيم في الصحيحين، يجهل كثير من طلاب العلم ما يحويه صحيح البخاري من دقائق العلوم، وصحيح البخاري كتاب الإسلام بحق بعد كتاب الله، يعني جمع أبواب الدين كلها، فتجد طالب العلم من باب الإغراب، والإغراب تميل إليه النفس.

المقدم: لكن أنتم مثلًا تهتمون في الدراسات العلمية العالية بهذا أثناء التحقيق؟

مثل ما تفضل الأخ الشيخ خالد أن هذه الرسائل العلمية لها ظروفها، فهذه ورقة اختبار، يعني بقدر اطلاع الطالب، وسعة اطلاع على هذه الكتب المشهورة وغير المشهورة ينبل ويبرع، لكن إذا تجاوز هذه المرحلة أو ما ألزم بهذه الأمور، ينبغي أن تكون الأولويات، يعنى بالصحيحين قبل كل شيء، ثم بعد ذلك في السنن، ثم المسانيد أهل العلم لهم ترتيب، يعني تصور مسند الإمام أحمد بعد سند ابن ماجه في الترتيب، مع أنه في قوة الأحاديث في مصاف سنن أبي داوود، لماذا؟ لأن لهم نظرات دقيقة يقدمون الصحيحين، ثم كتب الصحاح الأخرى التي ما ألتزم أصحابها بما اشترطوا، كصحيح ابن خزيمة وابن حبان ومستدرك الحاكم، ثم السنن، ثم بعد ذلك المسانيد.

وبعدها في رتبة ما جُعلا

 

على المسانيد فيُدعى الجفلا

نعم لماذا؟ لأن هذه المسانيد ألفَّها أصحابها على أسماء الروات على الصحابة؛ فالذي يصنف على السنن ماذا يصنع؟ يترجم بحكم شرعي، باب حكم كذا، باب جواز كذا، باب تحريم كذا، فهو إذا أراد أن يرشّح لهذا الحكم من مروياته سوف يرشّح أقوى ما عنده من رواية، بينما إذا ترجم لصحابي؛ أحاديث أبي بكر الصديق، أحاديث عمر، أحاديث عثمان إلى آخره، يأتي بجميع ما وقف عليه، أو بما وقف عليه من أحاديث هذا الصحابي، بغض النظر لأنه لا يستدل لحكم شرعي ترجم به؛ ولذلك تأخرت مرتبة المسانيد عن مرتبة السنن، هذه أولويات أولاها أهل العلم عناية فائقة، فكون الطالب يذهب إلى جزء الألف دينار مثلًا، أو مشيخة النعال، أو مشيخة فلان أو علان، وهو جاهل في صحيح البخاري هذا إغراب، هذا خلل في المنهجية.

المقدم: تكلم عن البحث عن القصص الموجودة عن السلف والتابعين ومن بعدهم؟

هناك قصص يذكرها السلف، وتذكر عنهم واعتمدوها، لا لبناء الأحكام عليها، وإنما هي من باب حفز الهمم، نعم ينقل عن السلف في العلم والعمل والعبادة والتعب والسهر في هذا الباب، مما يشحذ همة المتأخرين لمحاكاتهم، وسلوك سبيلهم، نحن بحاجة إلى أن نبحث إلى صحة هذا الخبر عن فلان أن نعتمد على هذا، لو لم يكن في الباب إلى هذا لقلنا: بدعة، لو لم نعتمد على الكتاب والسنة، فهذا لا شك أنه من المنشطات، تعدى الأمر ذلك فصاروا يبحثون في أسانيد كتب مستفيضة مشهورة عند أهل العلم، لكن لقصورهم أو تقصيرهم ما وجدوا من الأسانيد ما يثبتونه بها، فجرئوا على أن ألفوا هذه الكتب، فهذه مشكلة، تتابع أهل العلم، واستفاض النقل عنها منسوبة إلى من نسبت إليه، ثم يأتينا من يقول: هذا الكتاب لم تثبت نسبته إلى فلان، لماذا؟ ما وجد سندًا يوصله إلى فلان، يعني الاستفاضة أمر معمول به عند أهل العلم، يعني يقطع بشهادة الاستفاضة بين الناس في الأنساب، فكيف لا تثبت بها الكتب التي ينقل عنها الأئمة الثقات الأعلام أهل الخبرة والدراية المميزون بين ما يثبت وما لا يثبت؟ فتتبع مثل هذه، والتنبيه عليها لا شك أنه من الفضول، ومثل هذا لا شك أنه يعوق عن تحصيل المهمات.

أما بالنسبة لما طلبه ورجاه من شرح كتب تختص بالسنة، هذا النية موجودة، وهناك أيضًا أشرطة كثيرة لأبواب من صحيح البخاري وصحيح مسلم، ومن السنن وغيرها من كتب السنة لبلوغ المرام وغيرها من كتب الأحكام، ويحرص الطلاب على تفريغها وتصحيحها وتصويبها، لكن أنا غير مقتنع من تفريغ الأشرطة ونشرها بالكتب لأن التأليف فن.

المقدم: طيب تراجعونها يا شيخ.

لا أنا عندي التأليف ابتداءً أسهل من مراجعة ما كُتب، التأليف فن، والإلقاء فن آخر، نعم بعض الناس عنده ملكة في الإلقاء، وترتيب للمعلومات بحيث يقرب جدًّا من الكتابة مثل هذا لا بأس، الشيخ ابن عثيمين مثلًا، الشيخ صالح الفوزان -حفظه الله-، يعني إلقاؤهم قريب من التأليف، كلامهم دقيق ومرتب، معالي الشيخ صالح آل الشيخ أيضا كلامه دقيق ومرتب، لو فرغ لخرج في كتاب، أما بعض الناس أقول: أنا أتحدث عن نفسي ما يسجل عني في الدروس لا يصلح للنشر كتابة يقبل سماعه، أنا نفسي لا أقبله، ولا أطيق أن أقرأ ما يفرغ، أما مشروع التأليف والجلوس بين الكتب والتأليف هذا لا شك أنه هم.

المقدم: لكن هل بدأت في شيء منه؟

بدأت لكن الكلام على الوقت؛ لأن من تصدى للشباب، وحاول في نفعهم، يعني ما يتركون له فرصة، وإن كان باب التأليف مهم، وهو الباقي -بإذن الله عز وجل-، ونسأل الله -جل وعلا- أن يرزق الجميع الإخلاص في القول والعمل.

المقدم: سنن الترمذي يا شيخ؟

نعم نعود إلى جامع أبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي، وهو من الجوامع؛ لأن كتب السنة منها الجوامع التي تشمل أبواب الدين، ومن أهمها البخاري ومسلم والترمذي، منها: السنن، ومن أهمها سنن أبي داود والنسائي وابن ماجه، ومنها: المصنفات كمصنف ابن أبي شيبة ومصنف عبد الرزاق، وهي قريبة في مادتها وترتيبها من السنن، إلا أنها لكثرة ما فيها من آثار تختلف عن كتب السنن، منها أيضًا الموطئات، منها المعاجم، منها المسانيد إلى غير ذلك من الكتب.

جامع أبي عيسى الترمذي أحد الجوامع التي تشتمل على أبواب الدين، وعني به العلماء عناية فائقة لكثرة ما يحويه من أحاديث ومن علوم ومعارف في السنة، ومن تنبيهات اصطلاحية، ونقل لأقوال أهل العلم، وذكر شواهد الحديث المذكور، يعقب الترمذي على الحديث الذي يرويه بقوله: وفي الباب عن فلان وفلان وفلان هذه شواهد الحديث، يعنى به الشراح، ويخرجونها، ونعرض لبعض هذه الشروح.

المقدم: طيب نستأذنك قبل أن نعرض لبعض شروح سنن الترمذي معنا اتصال من الشيخ عمر المقبل.

شيخ عمر السلام عليكم.

المتصل: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

المقدم: أهلًا بك، تفضل يا شيخ.

المتصل: جزاكم الله خيرًا شيخ عبد الكريم.

الشيخ: مرحبًا الله يحييك.

المتصل: حياكم الله.

الشيخ: الله يحفظك.

المتصل: وبارك فيكم.

الشيخ: جزاك الله خيرًا.

المتصل: شكر الله لكم مثل هذا البرنامج النافع المفيد، ونأمل من فضيلتكم المزيد، وليت مثل هذا -بارك الله فيكم- يدوّن ويكتب لينتفع به الحاضر، ومن يأتي من الأجيال بإذن الله تعالى.

شيخنا الكريم إذا أذنتم لنا مثل هذه الثروة الطباعية التي تعيشها الساحة اليوم حتى لو قال قائل: أنه لو دخل المكتبة يوميًّا لوجد جديدًا، يعني أليس هناك نية على العمل على إيجاد مركز معلومات يعتني بالرصد الدقيق لما نشر قديمًا، وما ينشر حديثًا؛ بحيث يستخدم في هذا كل إمكانيات التي تراها ممكنة لخدمة الباحثين، ولعل هذا فيه معالجة لمشكلة تعرضت لها شيخنا الفاضل في الحلقة السابقة قبل أسبوعين، وهي الطبقة الحاصل من بعض طلاب العلم في تتبع الطبعات، التي قد لا يكون من جمعها كثير فائدة، وفي الوقت نفسه أيضًا تزيد حاجة المعوزين من طلاب العلم الذين لا يستطيعون شراء ما يريدون، ولعل أيضًا في إيجاد هذا المركز يكون فيه مساندة مع العمل الذي يقوم به شقيق الخلاوي في ثمرات المطابع؛ لأنكم تعلمون أن الإنترنت ليس كل الباحثين يتيسر لهم التعامل معه، بل بعضهم أيضًا وليسوا بالقليل لا يحسنون التعامل مع هذه الوسيلة.

المقدم: هل ترون أن القيام بها مؤسساتي أولى؟

المتصل: بلى، لكن في تقديري أنه إذا تنادى المهتمون بهذه الجوانب مثل شيخنا بارك الله فيه، ونفع الله به، يسعى لتبني مثل هذا، وقد تكون تحت مظلة إحدى هذه.......، يكون فيه تبادل معلوماتي قوي ودقيق، يسهل هذا بحمد لله.

بعد إذنكم في نقطة أخرى يا أبا ياسر، ما أدري مسألة توثيق نسبة الكتاب إلى مؤلفه، يعني نلاحظ هناك إغراق من بعض الباحثين أو إطالة إن صح التعبير تعنّي في ذكر ذلك، ربما يكون الكتاب مشهورًا لمؤلفه حتى لا يحتاج إلى هذا، فما أدري ما ضابط ذكر مسألة توثيق نسبة الكتاب إلى مؤلفه؟ هل هذا من الترف؟ أو أنه للحاجة في بعض المواطن وفي بعض المواطن لا؟

شكر الله لك شيخنا، وشكر الله لكم أبا ياسر، أنتم فاتحة هذه البرامج، وإدارتكم لها.

المقدم: شكرًا للشيخ عمر المقبل، تعليقكم شيخ عبد الكريم.

جزى الله أخانا الشيخ عمر على ما قدمه خيرًا، أما بالنسبة للمركز، مركز المعلومات والرصد، ونفع الباحثين، وتمييز الغث من السمين هذا مطلب لا شك أنه ملح، ويحتاجه طلاب العلم، ومثل ما تفضلتم هو ينبغي أن تتبناه جهة رسمية، لكن هذه الجهات إذا اقترح عليها تحتاج إلى من ينبهها إلى مثل هذه الأمور، ولا تتأخر -إن شاء الله تعالى-، بالنسبة لتوثيق نسبة الكتاب إلى مؤلفة، هذا لا شك أنه إذا كان الكتاب مطبوع لأول مرة، وغير مشهور، فلا بد من التوثق من نسبته إلى مؤلفه، ووجد وطبعت كتب نسبت إلى غير مؤلفيها (الفوائد المشوقة إلى علوم القرآن) هذا نسب لابن القيم، وما فيه من مادة...

المقدم: على اعتبار أن له كتاب اسمه (الفوائد) يا شيخ؟

له كتاب الفوائد بلا شك، لكن الفوائد المشوقة إلى علوم القرآن كله مبني على المجاز.

المقدم: والمجاز لا يراه ابن القيم.

صنم، سماه صنمًا، أو طاغوت، سماه طاغوت، هذا يختلف تمامًا عن نَفَس ابن القيم (أخبار النسب) نسب لابن القيم وليس لابن القيم، المقصود أن هناك كتب نسبت إلى غير مؤلفيها، كتب لمؤلفيها سميت بأسماء كتب أخرى، لا بد من التثبت، التثبت لا بد منه، لكن الزيادة التي تطغى على المقاصد هذه لا شك أنها مهمة، لكنها تطغى على المقاصد، تعوق دون تحصيل الفائدة، وتشغل حيزًا كبيرًا من الكتاب، ومجرد ما تثبت نسبة الكتاب إلى مؤلفه بالطرق المتبعة عند أهل العلم يكفي.

المقدم: جامع الترمذي نعود إليه يا شيخ.

جامع أبي عيسى الترمذي من الجوامع المعروفة المشهورة عند أهل العلم، عني به العلماء قديمًا وحديثًا، له شروح كثيرة منها: (النفح الشذي) أو قبله (عارضة الأحوذي) لابن العربي المالكي، عارضة الأحوذي هذا كتاب جيد متوسط الحجم لأبي بكر ابن العربي المالكي، يُعنى بالمسائل الفقهية وإن كان لا يغفل بعض الكلام اليسير، المختصر على لطائف الإسناد، وما أشبه ذلك، لكن سوء الطباعة، سوء طباعة الكتاب حال دون الإفادة منه، طبع بمطبعة الصاوي والتازي طباعات سيئة للغاية، وعندنا في نسختنا، يعني التصويب أكثر من الكتاب، فيه إسقاط أحاديث وشروح، فيه إدخال كلام ليس لابن العربي، فيه إقحام لكلام ليس للترمذي، الشيخ أحمد شاكر لما أرادوا طباعة الكتاب استعاروا نسخته من جامع الترمذي، الشيخ أحمد شاكر له تعليقات على نسخته، أدخلوا فيه جملة من الأحاديث أدخلوها في الكتاب، ومن هذا تعرف قيمة هذه الطبعة، الكتاب لو يبحث عن نسخ له، يعني عارضة الأحوذي يبحث عن نسخ له ويحقق ويخرج على مراد المؤلف، ويعلق على ما فيه من مخالفات عقدية يسيرة، لكان الكتاب أن يسد ثغرة، وإن كان لا يفي بالغرض التام، لكنه نافع فيه فوائد ولطائف لابن العربي، لا توجد عند غيره.

هناك أيضًا كتاب اسمه (النفح الشذي) لابن سيد الناس، وهذا من أنفع الشروح وأمتعها وأنفسها، هذا الكتاب لم يكمله ابن سيد الناس أكمله الحافظ العراقي، سعى في إكماله، ولابنه أبي زرعة تكملة، وللسخاوي له تكملة، المقصود أن هذا الكتاب أبدع فيه ابن سيد الناس، وأيضًا لا يقل دونه إبداع الحافظ العراقي.

المقدم: أكمله بنفس الاسم؟

إيه طبعًا تكملته، لكنه لم يطبع منه سوى جزأين، بتحقيق الأستاذ البارع الشيخ أحمد معبد، دكتور من خيار من عرفناهم، أهل هذا الشأن.

المقدم: كان في المملكة؟

كان عندنا في قسم السنة، نفع الله به نفعًا عظيمًا، يعني من نوادر الرجال.

المقدم: وهو يشرف الآن فيما يبدو على المكنـز الإسلامي لخدمة السنة؟

بعد ما راح حقيقة أنا قصرت في حقه، لما انتقل إلى مصر قصرت في حقه كثيرًا، المقصود أن الشيخ أخرج المجلد الأول والثاني، وأطال النفس في التعليقات، أطال النفس جدًّا، وليست من نفس التعليقات التي ترهق الكتاب، مثل تعليقات بعض الناس التي هي مجرد نقل من كتاب إلى كتاب، ينقل التهذيب إلى حاشية كتاب كذا ينقل التقريب.. المهم يفرغ كتابًا من كتاب، الشيخ له وقفات، وله لمسات، وله تحقيقات لا توجد عند غيره، وهو من أهل هذا الشأن، لكن إطالته بهذه الطريقة يعني في ترجمة الراوي يذكر سبعين صفحة لابن إسحاق مثلًا تعليق، طالب العلم بحاجة إلى أن يكون هذا الكتاب بحثًا مستقلاً عن ابن إسحاق، ومثل هذه الاستطرادات رغم أهميتها وجودتها وأهمية يعني إمامة الشيخ أحمد في هذا الباب لا شك أنها تعوق دون إخراج الكتاب، جزأن من سنين لم يخرج الثالث، وإن كانوا يقولون من سنين الثالث في الطريق، لكن ماذا عن الرابع والخامس والعاشر والحادي عشر، بهذه الطريقة يمكن يصير خمسين أو ستين مجلدًا، والله المستعان.

على كل حال الكتاب يفاد منه من شرح ابن سيد الناس لجامع الترمذي، ومقدمته أيضًا -مقدمة ابن سيد الناس- فيها لفتات واختيارات اصطلاحية لا توجد عند غيره، نقل كثير منها إلى كتب المصطلح.

أيضًا هناك (تحفة الأحوذي) للمباركفوري، تحفة الأحوذي، كثير من طلاب العلم ممن لا يُعنى بجمع كل ما كتب حول هذه الكتب، يقول: إذا أردت أن أقتني واحدًا، أقتني عارضة الأحوذي أم تحفة الأحوذي؟ نقول: تقتني تحفة الأحوذي؛ لأنه وفَّى بعناصر الشرح المطلوبة، ابن العربي قد تجد حديثًا ما شرح، قد تجد حديثًا شرحه مبتور، قد يكون مرد هذا إلى النسخة التي اعتمد عليها وسوء الطباعة، لكن على الوضع القائم تحفة الأحوذي أفضل بكثير، ويعنى أيضًا المباركفوري بتخريج الأحاديث التي أشار إليها الترمذي بقوله: "وفي الباب".

هناك أيضًا من مختصرات السيوطي على هذه الكتب يعني شروح مختصرة جدًّا (قوت المغتدي على جامع الترمذي) والمختصر الذي أشرنا إليه سابقًا (نفع قوت المغتدي).

أيضًا تعليقات الشيخ أحمد شاكر على جامع الترمذي، لا يستغني عنها طالب علم، وهي أيضًا منهج لتحقيق الكتب.

المقدم: طبعت على نفس السنن؟

مجلدين جامع الترمذي بتحقيق الشيخ أحمد شاكر، يستفيد منها طالب العلم في التصحيح، يستفيد منها أيضًا منهجية التحقيق، نعم قد نختلف مع الشيخ أحمد -رحمة الله عليه- في توثيق بعض الرواة وتضعيفهم، وثق في تعليقاته أكثر من عشرين راويًا، جماهير أهل العلم على تضعيفهم، نختلف معه في هذا، لكن لا يعني إننا لا نفيد منه، الشيخ مدرسة في التحقيق، وتحقيقه لرسالة الإمام الشافعي ينبغي أن يدرس في قاعات البحث في الدراسات العليا ليحتذى، يعني إبداع، نعم عندنا نسخة مخطوطة من الرسالة للإمام الشافعي فيها زوائد على ما ذكره، مما وقف عليه من النسخ، لكن يبقى أنه إمام في هذا الباب، في باب التحقيق العلمي الدقيق.

نأتي إلى سنن أبي عبد الرحمن النسائي، ورغم أهميته، وما فيه من كم من أحاديث الأحكام، وما فيه من علل يشير إليها في تراجم الأبواب، إلا أنه بحاجة ماسة إلى شرح متكامل يعنى بالرجال والمتون والتصحيح والتضعيف، ويعنى بالدرجة الأولى بهذه التراجم التي هي علل، ويقيني أن هذه العلل التي أشار إليها في هذه التراجم هي العائق في شرح الكتاب، هناك شروح مختصرة للسيوطي (زهر الربى على المجتبى) وحاشية للسندي، فيها إعواز كبير، يعني ما تفي بالغرض.

هناك أيضًا شرح مطول جدًّا لمعاصر اسمه (ذخيرة العقبى في شرح المجتبى) الشيخ محمد بن علي آدم أثيوبي، هذا مدرس في دار الحديث في الحرم، هذا شرح مطول جدًّا، يبلغ الأربعين مجلدًا، ذكر لي أنه عدل عن هذا الطول إلى النصف تقريبًا، هو خرج منه تسعة مجلدات بشرح مطول جدًّا، يأتي إلى الرواة فيترجم لكل واحد منهم، ويذكر جميع ما قيل فيه، هذه أمور لا تنتهي، لكن جمع مادة يعني تنفع القارئ، لا سيما مثل هذا الكتاب التي الأمة بحاجة ماسة إليه، والساحة تكاد تكون معدمة من شرح يسعف طالب العلم.

هناك أيضًا الحواشي السلفية على سنن النسائي، مطبوعة في مجلد كبير في الهند، ثم طبعت بعناية شيخ أبي الأشبال في خمسة أجزاء، فيها فوائد وطرائف ونفائس.

وكتب السنة حقيقة بحاجة إلى شروح، تجمع الشروح السابقة، وتصوغها بصياغة يفهمها طلاب العلم، وأيضًا تضيف إليها ما استجد من حوادث ونوازل تدل عليها هذه الأحاديث، يمكن أن تستنبط أدلتها من هذه الأحاديث، الله المستعان.

سادسًا: سنن ابن ماجه، وهذا هو سادس الكتب عند الأكثر، وأول من أدخله مع الأمهات أبو الفضل ابن طاهر، وإن كان ابن الأثير وقبله رزين في تجريد الأصول جعلوا بدله الموطأ، وهناك من جعل الدارمي هو سادس الكتب، لكن بعد أبي الفضل ابن طاهر كل الناس تتابعوا على جعل سنن ابن ماجه هو سادس الكتب لكثرة زوائده وفوائده.

شروح سنن ابن ماجه كثيرة، لكن الموجود منها والمطبوع قليل، منها شرح ملغطاي علاء الدين بن فليج الحنفي، هذا شرح طويل ونفيس وماتع، إلا أنه لم يشرح المقدمة، ما شرح المقدمة التي في السنن فيه أكثر من ثلاثمائة حديث تركها، بدأ من أبواب الطهارة، ثم أكمل العبادات إلى آخره.

شرح السيوطي اسمه (مصباح الزجاجة) مختصر جدًّا، وطبع مختصره (نور مصباح الزجاجة) يعني في ما يقرب من مائة صفحة، شرح لكتاب كبير في مائة صفحة.

شرح برهان الدين الحلبي سبط ابن العجمي، هذا الذي لم يطبع، حاشية ابن حسن السندي مطبوعة، وفيها فوائد ولطائف، وهناك شرح زوائد سنن ابن ماجه لسراج الدين بن الملقن، وله أيضًا زوائد النسائي، زوائد أبي داود، زوائد الترمذي، تصدى لهذه الزوائد فشرحها، شرح زوائد ابن ماجه في ثمانية مجلدات، وهو شرح مطول، إلى غير ذلك من الشروح التي لا يمكن استيعابها.

المقدم: الحقيقة أن وقت البرنامج بدأ يـ...

جزى الله فضيلة الشيخ خير الجزاء، وجعلنا الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

"