شرح الموطأ - كتاب صلاة الجماعة (1)

كتاب: صلاة الجماعة: باب: فضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ:

عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة)).

عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلاة الجماعة أفضل من صلاة أحدكم وحده بخمسة وعشرين جزءًا)).

عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلًا فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم، والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عظمًا سمينًا أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء)).

عن مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن بسر بن سعيد أن زيد بن ثابت -رضي الله تعالى عنه- قال: ((أفضل الصلاة صلاتكم في بيوتكم إلا صلاة المكتوبة)).

يقول -رحمه الله تعالى-: "كتاب صلاة الجماعة" والكتاب -الترجمة الكبرى- غير موجودة في جل النسخ، وسبق أن أشرنا إلى أن المحقق يتبع في إثباته ونفيه المعجم، خدمة لطلاب العلم، يتبع المعجم المفهرس؛ لكي تنفعه هذه الأرقام.

صلاة الجماعة: شرعت لحكم ومصالح، إذ لو لم تشرع هذه الصلاة جماعة في المساجد هذه الشعيرة العظيمة من شعائر الإسلام هي أعظم شعائر الإسلام الظاهرة، لو لم تشرع وقيل للناس: صلوا في بيوتكم، كل واحد يصلي مفردًا في بيته ما صار هناك فرق بين بلاد المسلمين وغيرها، وهذه الجماعة شرعت لمصالح منها: ما يعود إلى المصلي نفسه، ومنها: ما يعود إلى المجتمع كاملًا، فيها الصلة والتواصل، وفيها تحسس أخبار المسلمين، وفيها أيضًا الاقتداء بالإمام، وفيها الاصطفاف خلف الإمام كصفوف الملائكة، حكم كثيرة لمشروعية صلاة الجماعة.

يقول: "باب: فضل صلاة الجماعة" يعني الزيادة في الأجر "على صلاة الفذ" المنفرد، يقال: فذ الرجل من أصحابه إذا بقي منفردًا وحده.

"حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة))" وفي بعض الروايات: ((كلهن مثل صلاته)) يعني كأن صلاة الجماعة عن سبعٍ وعشرين صلاة للمنفرد، تفضل تزيد على صلاة الفذ المنفرد بسبعٍ وعشرين درجة، وفي حديث أبي هريرة اللاحق بخمسة وعشرين جزءًا، يقول الترمذي: عامة من رواه قالوا: خمسًا وعشرين إلا ابن عمر فإنه قال: سبعًا وعشرين، وعلى كل حال روايته في الصحيحين وغيرهما، لا مجال للتردد في روايته، ولا التشكيك في قبولها.

"وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب" في البخاري: وأبي سلمة أيضًا "عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلاة الجماعة أفضل من صلاة أحدكم وحده بخمسة وعشرين جزءًا))" الجزء والدرجة بمعنىً واحد، اختلفوا في هذا الاختلاف في حديثين صحيحين متفق عليهما، فقال بعضهم: الراجحة الخمسة والعشرون؛ لأن عامة من روى الحديث قال: خمسًا وعشرين، تبقى رواية: عبد الله بن عمر وإن كان في الصحيح إلا أنها مرجوحة، وفي الصحيح كما يقول جمعٌ من أهل العلم: صحيح وأصح، وقيل: المرجح السبع؛ لأنها زيادة والزيادة من الثقة مقبولة، ومنهم من قال: العدد لا مفهوم له، لكن الأصل أن العدد له مفهوم ما لم يعارض مفهومه بمنطوق أقوى منه، أما إذا عورض فلا عبرة بالمفهوم؛ لأن المنطوق أقوى من المفهوم.

هناك من جمع بين هذه الروايات وهذه الأحاديث فحمل السبعة والعشرين على أحوال، والخمسة والعشرين على أحوال، قال بعضهم: لعله أخبر بالخمس أولًا، ثم زيدت زيادة درجتين تفضل من الله -جل وعلا-، ومنهم من قال: السبع للأعلم الأخشع في صلاته، والخمس لمن كانت حاله بضد ذلك، منهم من يقول: السبع لمدرك الصلاة كلها مع الجماعة، والخمس لمدرك بعضها، وقيل: السبع لجماعة المسجد والخمس للجماعة في غير المسجد، وقيل: السبع الصلاة الجهرية والخمس الصلاة السرية، المقصود أن اللفظين ثابتان عن النبي -عليه الصلاة والسلام- السبع والخمس، وإذا أمكن الجمع تعين، منهم من يقول: السبع للبعيد عن المسجد والخمس للقريب منه، المقصود أن أهل العلم أبدوا وجوهًا من الجمع كلها تدل على أن من فضّل في هذه الوجوه لا شك أنه أفضل، الأعلم الأخشع، صلاته أكثر أجرًا من ضده، مدرك الصلاة من أولها أكثر أجرًا من مدرك بعضها وهكذا، البعيد من المسجد كثرة الخطا أفضل من القريب منه، والحديث يستدل به من يرى عدم وجوب صلاة الجماعة؛ لأن (أفضل) صيغة تفضيل، وأفعل التفضيل تقتضي أن هناك شيئين اشتركا في شيء وهو هنا الفضل، اشتركا في الفضل، لكن زاد أحدهما فيه على الآخر، فصلاة الجماعة فاضلة وصلاة الفذ فاضلة إلا أن فضل صلاة الجماعة أكثر من فضل صلاة الفذ المنفرد، هذه حجة من يقول بأن صلاة الجماعة ليست بواجبة، لكن هذا يرد على قول من يقول: صلاة الجماعة شرط، أما من يقول: واجبة، مسقطة للطلب ترتب عليها آثارها من الأجور الموعود بها، لكن لا يمنع أن يأثم بترك الجماعة؛ لأن الجهة منفكة للأدلة الأخرى.

أقول: هذا الكلام الذي أبداه من يقول بعدم وجوب صلاة الجماعة إنما يرد على قول من يقول: إن صلاة الجماعة شرط؛ لأنها إذا كانت شرط فصلاة الفذ باطلة ليس فيها فضل البتة، لكن الذي يقول: هي واجبة يأثم بتركها، وإذا صلاها منفردًا أجزأته، أسقطت الطلب، وترتبت عليها آثارها من الأجور الموعود عليها، لكن أجرها أقل من أجر الصلاة في جماعة، ولا يمنع أن يكون أيضًا مع هذه الأجور آثم؛ لأنه يكون مأجورًا من وجه، وآثمًا من وجه، يعني صلاة من صلى وفي يده خاتم ذهب صلاته صحيحة ومسقطة للطلب، وأجرها ثابت، لكن يبقى أنه آثم بسبب ما ارتكبه من المحظور، وهنا آثم بسبب ما أخل به من المأمور الواجب، فلا يرد مثل هذا على من يقول بالوجوب عند من لا يبطلها، الذي يرى أن الجهة منفكة الذي لا يبطلها؛ لأن معروف الخلاف فيها قوي.

الحديث الذي يليه: "وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((والذي نفسي بيده))" هذا قسم من النبي -عليه الصلاة والسلام-، فيجوز الحلف على الأمور المهمة من غير استحلاف، من غير طلب لليمين إذا كان الأمر مهمًّا يحتاج إلى تأكيد ((والذي نفسي بيده)) ((نفسي)) معناها: روحي، و((بيده)) فيها إثبات اليد لله -عز وجل- على ما يليق بجلاله وعظمته، وأكثر الشراح يقولون: "روحي في تصرفه" ولا شك أن أرواح العباد في تصرف الله -جل وعلا-، لكن بعضهم يقول ذلك فرارًا من إثبات اليد لله -عز وجل-، وهي ثابتةٌ بنصوص الكتاب والسنة القطعية، لا مجال لنفيها، على ما يليق بجلاله وعظمته.

((لقد هممت)) (اللام) واقعة في جواب القسم ((لقد هممت)) الهم مرتبة من مراتب القصد.

مراتب القصد خمسٌ هاجسٌ ذكروا
يليه همٌ فعزمٌ كلها رفعت

 

فخاطرٌ فحديثُ النفس فاستمعا
إلا الأخير ففيها الأخذ قد وقعا

قد يقول قائل: هذا هم، ولو كان حتمًا لازمًا لنفذ النبي -عليه الصلاة والسلام-، يقال: النبي لا يهمُّ إلا بما يجوز له فعله، لا يهمُّ النبي بارتكاب محظور؛ لأن التحريق محظور في الأصل، ولولا أنه يجوز له فعله لما همَّ به، وعدل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن التنفيذ لولا ما في البيوت من النساء والذرية، فالأمر ليس بالسهل.

((لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب –في روايةً: يحتطب- ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلًا فيؤم الناس ثم أخالف إلى رجال فأحرق –أخالف: آتيهم من خلفهم- فأحرق -بالتشديد للتكثير- عليهم بيوتهم)) وهذا مخصص لما جاء من النهي عن التعذيب بالنار ((أحرق عليهم بيوتهم)) وفيها أيضًا العقوبة بالمال، ((والذي نفسي بيده)) قسمٌ آخر ((لو يعلم أحدهم)) يعني أحد المتخلفين عن هذه الصلاة ((أنه يجد عظمًا سمينًا)) في البخاري: ((عرقًا سمينًا)) والعرق: هو العظم الذي عليه لحم ((أو مرماتين حسنتين)) مرماتين قال الخليل: "هما ما بين ظلفي الشاة" لكن ظلفي الشاة ماذا بينهن؟ بينهن شيء؟ ويمكن أن توصف بالحسن؟ بين الظلفين شيء يمكن أكله؟ ما بينهن شيء، هذا كلام الخليل، لكن حكاه أبو عبيد عنه وقال: لا أدري ما وجهه، لكن هذا من عندي لو قال: ضلعي الشاة، ما بين ضلعي الشاة، بدل ظلفي، بينهن شيء؟ بينهن، وحسن أيضًا بعد، نعم.

طالب:......

هو كلام الخليل ما فيه رواية، تفسير للمرماتين.

طالب:......

أين؟

طالب:......

هو تشكيك أبو عبيد يقول: كذا قال، ولا أدري ما وجهه، والواقع يشهد أنه ما له وجه، ما بين ظلفي الشاة شيء، فضلًا عن كونه يستيقظ من النوم ولا يدفعه إلا ما بين ظلفي الشيء، ما فيه من حسن أبدًا، يعني لا يراد به حقيقة ما بين الظلفين، لكن إذا أمكن توجيهه، لماذا أربط نفسي بالظلفين؟ والتصحيف محتمل بين ظلفي وضلعي، يعني المسألة يسيرة.

بعضهم يقول: المرماتين لعبة كانوا يلعبون بها، يلعبونها، ويبعد ذلك للتثنية، لو أراد ذلك قال: مرماةً حسنة تصير لعبة، صحيح، لكن مرماتين لعبتين؟! ما الفائدة من التثنية؟.

((لشهد العشاء)) يعني مع الجماعة، هذا فيه تهديد لمن ترك صلاة الجماعة، والتحريق عليهم بالنار ليس بالسهل، والعدول عن هذا التحريق لا يعني أنه نسخٌ له، وإنما هو معلل ((لولا ما في البيوت من النساء والذرية)) هؤلاء ما لهم ذنب، كيف تحرق البيوت؟ فدل على وجوب صلاة الجماعة، وتأكد الوجوب والاهتمام بشأنها.

الإمام البخاري ترجم: "باب: وجوب صلاة الجماعة، وقال الحسن: إن منعته أمه عن العشاء في الجماعة شفقةً لم يطعها" تخاف على ولدها، لا تصورون أن الشوارع الآن في الليل مثل النهار، لا، هناك مصابيح، العشاء والفجر مخيف، الوضع مخيف للصغار وبعض الكبار، ما يختص بالصغار، لكن لو قالت له أمه: إني أخاف عليك يطيعها أم لا يطيعها وهي أمه؟ فكيف يطيع غيرها؟ لا يطيعها، لكن هو إذا خشي على نفسه أن يجن مثلًا؛ لأن الظلام بعض الناس من شدة الخوف قد يصاب بشيء، نقول: هذا عذر له في ترك الجماعة؟ هو ما فيه شك أن المخوف مظنون وليس بمقطوعٍ به، إذا خشي أن يتعرض لسبع مثلًا، هنا مستجدات الآن إذا قالت الأم أو قال الأب: لا يطلع الولد، ليس بلازم أن يصلي بالمسجد؛ لأن هناك رفقة سوء يريدون أن يجتالوه في الشارع، لا سيما وقد لوحظ أنه يتخلف مع كل فرض نصف ساعة، أين يذهب؟ نقول: هذا مبرر لترك صلاة الجماعة؟ لا تظن أنت أن الناس كلهم على حدٍ سواء يصلون في المساجد، الذي يشرق ويغرب، ما يلزم أن يكون في نفس المسجد، ولا شك أن الوضع في هذا الزمان، التربية في غاية الصعوبة، فهل له أن يمنع ولده من الخروج لصلاة الجماعة ارتكابًا لأخف الضررين؟ لأن هذا يغلب على الظن،....الشباب ما هم تاركينه، تعرفون وضع الناس اليوم، الإنسان يحرص أن يربي أولاده وبيته نظيف ما فيه شيء، لكن الجيران عندهم ما عندهم، ومن أيسر الأمور أن يقول له زميله في المدرسة: أنت الآن كبرت يا أخي، إلى متى يتصرفون بك؟ صحيح، وقليلا قليلا يذهب للبقالة، يذهب إلى كذا، يمينًا، يسارًا الله المستعان.

يعني لوحظ بعض الأشياء من هذه، فهل هذا مبرر لترك الجماعة؟ يعني من باب ارتكاب أخف الضررين، إن كان شفقة عليه، على بدنه، لا ليس مبررًا أبدًا، وإن كانت شفقة الأم قد تصل إلى هذا الحد كما في الأثر الذي ذكره البخاري، أما والله خوف على دينه وخوف على سلوكه وعلى كذا، لا سيما إذا لم يبلغ حد التكليف، إذا غلب على الظن أنه....... يقال: صلِّ في البيت، والله المستعان.

طالب:......

هين القول بأنها سنة، كثير، ويستدلون بالحديث السابق، وهو المعروف عند الحنفية والمالكية، الشافعية يقولون: فرض كفاية، أما الحنابلة يقولون بوجوبها، وابن عباس وجمعٌ من أهل العلم يرون أنها أشد من ذلك، شرط، الظاهرية وشيخ الإسلام يقولون: شرط لصحة الصلاة، ورواية عن أحمد.

وعلى كل حال شأنها عظيم، وما ورد في التشديد فيها شيء يجعل الإنسان لا يتردد في إثم من تركها.

"وحدثني عن مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن بسر بن سعيد أن زيد بن ثابت قال: "أفضل الصلاة صلاتكم في بيوتكم إلا صلاة المكتوبة" يعني: الصلاة في البيت للنافلة ((أفضل الصلوات صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة)) وظاهره يشمل جميع النوافل بما في ذلك التراويح، وقد مضى في خبر عمر في الصحيح أنه مرَّ بهم وهم يصلون، فالمظنون به أنه يصلي في بيته في آخر الليل، وظاهر هذا يشمل جميع النوافل؛ لأن المراد بالمكتوبة المفروضة، فيبقى ما عداها داخلٌ في عموم هذا الحديث، لكنه محمولٌ على ما إذا لم تشرع، أو ما لم يشرع فيه التجميع كصلاة الكسوف مثلًا، صلاة الكسوف ومثلها التراويح؛ لأنها سنة عمر -رضي الله عنه- الخليفة الراشد، وهو مقتدٍ بفعله -عليه الصلاة والسلام-، ومثلها أيضًا الاستسقاء كل ما شرع له الجماعة مخصوصٌ من هذا الحديث، يعني من باب أولى، أو ما يتصور في خلاف ركعتي المسجد؟ جمهور أهل العلم على أنها نافلة، جماهير أهل العلم على أنها نافلة، ونقل عليها الاتفاق، يعني هل تدخل في هذا الحديث: ((إلا المكتوبة))؟ هي ليست مكتوبة، والبيت أفضل إذًا صلِّ تحية المسجد في البيت، يتصور هذا؟ يا أخي عموم الحديث مخصوص بأمور من أوضحها تحية المسجد.

طالب:......

ماذا فيها؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- قاله في المدينة.

طالب:......

تفضيل الصلاة في البيت لحِكم ومصالح، يعني النوافل هي أخفى وأبعد عن الرياء، وفيها أيضًا تعليم للنساء والصبيان كيفية الصلاة، فينبغي أن يهتم الإنسان لصلاته في بيته؛ لأن بعض الناس إذا كان في المسجد قد يحسن صلاته أكثر من إحسانه وتحسينه إياها في بيته، ومعروف أن الإنسان إذا دخل البيت طرح الكلفة من كل شيء، نقول: لا يا أخي في الصلاة أنت ماثلٌ بين يدي الله -عز وجل-، سواءً كنت في بيتك، في مسجدك، في مكتبك، في أي مكان، حيث ينادى بها، الأصل حيث ينادى بها، لكن إذا ترتب على ترك العمل..، في مدرسة وطلعوا المدرسين كلهم والشباب من الذي يرجعهم، أو مصالح تفوت، أو يخشى عليها من تحريف وتزوير ومشكلة يعني، الحراسة عندهم نصوا على أنها في أقل من هذه الأمور، عذر، أما إذا كان مسجد بمعالمه، بمحرابه، بمنارته، بسوره هذا ولو لم يصلَّ فيه إلا بالسنة مرة واحدة، كنمرة مسجد نمرة مسجد، لكن كونه يصلى فيها الصلوات الخمس أو مرة في اليوم أو مرتين هذا ما له دخل، المقصود أنه مسجد، والله المستعان.

سم.

"باب: ما جاء في العتمة والصبح:

عن مالك عن عبد الرحمن بن حرملة الأسلمي عن سعيد بن المسيب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((بيننا وبين المنافقين شهود العشاء والصبح، لا يستطيعونهما)) أو نحو هذا.

عن مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي صالح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((بينما رجل يمشي بطريق إذ وجد غصن شوك على الطريق فأخره فشكر الله له فغفر له)) وقال: ((الشهداء خمسة: المطعون والمبطون والغرق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله)) وقال: ((لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا)).

عن مالك عن ابن شهاب عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة أن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- فقد سليمان بن أبي حثمة في صلاة الصبح، وأن عمر بن الخطاب غدا إلى السوق ومسكن سليمان بين السوق والمسجد النبوي، فمر على الشفاء أم سليمان فقال لها: لم أر سليمان في الصبح، فقالت: إنه بات يصلي فغلبته عيناه، فقال عمر -رضي الله عنه-: لأن أشهد صلاة الصبح في الجماعة أحب إلى من أن أقوم ليلة.

عن مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري أنه قال: جاء عثمان بن عفان -رضي الله تعالى عنه- إلى صلاة العشاء، فرأى أهل المسجد قليلًا فأضطجع في مؤخر المسجد ينتظر الناس أن يكثروا، فأتاه ابن أبي عمرة فجلس إليه فسأله من هو؟ فأخبره،، فقال: ما معك من القرآن؟ فأخبره، فقال له عثمان: من شهد العشاء فكأنما قام نصف ليلة، ومن شهد الصبح فكأنما قام ليلة"

يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في العتمة" التي هي العشاء "والصبح" الفجر يعني من مزيد الفضل والتأكيد.

"حدثني يحيى عن مالك عن عبد الرحمن بن حرملة -بن عمر- الأسلمي -المدني- عن سعيد بن المسيب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((بيننا وبين المنافقين شهود العشاء والصبح))" وجاء أيضًا: ((أثقل الصلاة على المنافقين العشاء والصبح)) ((بيننا وبين المنافقين)) علامة، علامة فارقة بين المخلص والمنافق، وهي شهود العشاء والصبح، لما فيهما من المشقة؛ لأنهم يقومون إلى الصلاة كسالى، وإذا وجدت المشقة امتنع القيام إليها مع الكسل، لكن من يقوم بهمة وعزيمة ونشاط لا تعوقه هذه المشقة ((لا يستطيعونهما))؛ لأن المسألة فيها تعارض قيام مع ضعف ومشقة، تعارض بين هذا القيام مع الضعف {لاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى} [(54) سورة التوبة] مع وجود المشقة، فإذا تعارض هذا القيام الضعيف مع وجود المشقة ترجحت المشقة، وتركوا الصلاة، لكن القيام بهمة وعزيمة لمن قلبه معلق بالمساجد، أو لمن يرى أنه يرتاح بالصلاة.

"وحدثني عن مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن -بن الحارث بن هشام- عن أبي صالح -ذكوان السمان- عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((بينما)) بالميم، وأصلها بين فأشبعت بالنون وزيدت الميم ((بينما رجل يمشي بطريق إذ وجد غصن شوك على الطريق فأخره -أزاله نحاه عن الطريق- فشكر الله له)) شكر أثنى عليه رضًا بفعله، وإزالة الأذى عن الطريق صدقة، وهي أيضًا شعبة من شعب الإيمان، إزالة الأذى عن الطريق ((فغفر له)) جازاه بالمغفرة بعد أن أثنى عليه بصنيعه، ورضي عن فعله جازاه بالمغفرة "وقال" يعني من تتمة الخبر: ((الشهداء خمسة: المطعون والمبطون والغرق)) المطعون الميت بالطاعون، والمبطون الذي علته سبب موته في بطنه، والغرق من مات في الماء، ((وصاحب الهدم)) من مات تحت الأنقاض ((والشهيد في سبيل الله)) وهو من قاتل لإعلاء كلمة الله، صاحب الهدم بعضهم يلحق حوادث السيارات بالهدم، يعني كأن السيارة تهدمت عليه، ولا شك أنه إذا لم يفرط وحصل له مثل الحادث الذي يموت بسببه لا سيما إذا كانت السيارة انطبقت عليه، أو ما أشبه ذلك فهو مثل الهدم، في معناه ((وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله)) يعني من قاتل لإعلاء كلمة الله، وكلهم شهداء، لكن الشهيد أو الشهداء أنواع، فمنهم شهيد الدنيا، ومنهم شهيد الآخرة، ومنهم شهيد الدنيا والآخرة، فشهيد الدنيا تجرى عليه الأحكام في الدنيا، فلا يغسل، يدفن بثيابه، لكن ليس له ما وعد به الشهداء من الأجر؛ لكونه ارتكب مخالفًا، لكونه غل أو..، ارتكب مخالف، الشهيد في الآخرة مثل هؤلاء: المطعون والمبطون والغرق وصاحب الهدم، يغسلون ويكفنون ويصلى عليهم كغيرهم من الأموات، شهيد الدنيا والآخرة من مات في سبيل الله لإعلاء كلمة الله.

وجاء في فضل الشهادة في سبيل الله أحاديث، وأنها تكفر كل شيء إلا الدين، وجاء في الترغيب في تقديم النفس والمهجة لله -عز وجل- ما جاء من النصوص من نصوص الكتاب والسنة ما لا يخفى.

"وقال: ((لو يعلم الناس ما في النداء))" الذي هو الأذان، يعني عند المشاحة، أو عند استواء الأوصاف كما تقدم ((والصف الأول)) يعني لو دخل اثنان دفعة مثلًا، وفي فرجة تسع واحد ((ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا -يقترعوا- عليه لاستهموا)) اقترعوا، تصير القرعة مرجحًا ((ولو يعلمون ما في التهجير -البدار والمبادرة إلى الصلاة- لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح -أي العشاء والفجر- لأتوهما ولو حبوا)) على اليدين والركبتين، كما يفعل الصبي، وقد أدركنا أناسًا كبار السن ليس عندهم من يخدمهم، وليست هناك آلات تيسر عليهم وصولهم إلى المسجد يجيئون إلى المسجد حبوًا، والآن الإنسان ممتع بكامل القوى، منعم بأنواع النعم، ويتأخر عن الصلاة، وكثرت الشكاوى عن ترك الصلاة من النساء المتزوجات، أسئلة لا يكاد يمر يوم وإلا وامرأة تشتكي أن زوجها لا يصلي.

ذكرنا مرارًا أن شخصًا من علماء المغرب يقول: إن الخلاف في حكم تارك الصلاة مسألة نظرية، لا واقع لها، وقال: مثل ما يقول أهل الفرائض: مات شخص عن مائة جدة وألف جدة يعني لتمرين الطلاب عليها فقط، والله المستعان.

"وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة أن عمر بن الخطاب فقد -أباه- سليمان بن أبي حثمة في صلاة الصبح، وأن عمر بن الخطاب غدا إلى السوق ومسكن سليمان بين السوق والمسجد النبوي" يعني قريب جدًّا، قريب جدًّا المسجد، فقده في صلاة الصبح، يعني ما يقال: هذا بعيد، احتمال أنه راح يمينًا، يسارًا صلى بمسجد آخر، لا، هذا قريب من المسجد "فمر" عمر "على الشفاء" بنت عبد الله بنت عبد شمس العدوية "أم سليمان" المذكور "فقال لها: لم أر سليمان في الصبح" فيه أن الإمام يتفقد الرعية، وليس هذا ببدعة كما يقول بعضهم يتفقد الرعية، المتخلف يزار، وينظر في سبب تخلفه، ولو سلكت هذه السنة لخف الأمر إلى حدٍّ كبير؛ لأن معرفة المتخلف لا تمكن إلا بالعدد أحيانًا مع كثرة العدد "فقال لها: لم أر سليمان في الصبح، فقالت: إنه بات يصلي" بات يصلي كل الليل أو جل الليل فتعب "فغلبته عيناه، فقال عمر -رضي الله عنه-: لأن أشهد صلاة الصبح في الجماعة أحب إلى من أن أقوم ليلة" لماذا؟ لأن القيام سنة والجماعة واجبة، ولا مفاضلة بين السنة والواجب.

"وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد –الأنصاري- عن محمد بن إبراهيم -بن الحارث التيمي- عن عبد الرحمن بن أبي عمرة -بشير- الأنصاري -الخزرجي- أنه قال: جاء عثمان بن عفان إلى صلاة العشاء فرأى أهل المسجد قليلًا -ما اكتملوا- فأضطجع في مؤخر المسجد ينتظر الناس أن يكثروا" رفقًا بهم؛ لئلا يفوتهم هذا الفضل العظيم، فعلى الإمام أن يلحظ حال الجماعة إذا اكتملوا أقيمت الصلاة، إذا لم يجتمعوا انتظر، لكن لا يكون هذا دافعًا لبعضهم على التخلف إذا عرف من حالهم الحرص، أما إذا تأخر هذا اليوم ينتظرهم وتأخروا مرة ثانية من الغد وبعده زادوا في التأخر وهم يتبعون هذه الإقامة، هذه إعانة لهم على الكسل، وصنيع عثمان -رضي الله عنهم- رفقًا بهم خشية أن تفوتهم صلاة الجماعة فيفوتهم ثوابها.

"فأتاه ابن أبي عمرة فجلس إليه فسأله" فأتاه ابن أبي عمرة الأصل أن يقول: فأتيتُ إليه لأنه هو المتحدث، هو الراوي، فهذا فيه التفات، وقد يقال: فيه تجريد، يعني جرد من نفسه شخصًا تحدث عنه، يسمونه تجريد، "فجلس إليه فسأله من هو فأخبره، فقال: ما معك من القرآن؟" أيضًا هذا تفقد لأفراد الرعية، حث على حفظ القرآن، وهذا أولى ما ينبغي السؤال عنه "ما معك من القرآن؟ فأخبره" بما معه "فقال له عثمان: من شهد" يعني صلى العشاء، وإلا أنت حين حضرت لصلاة العشاء فأبشر فإن من شهد العشاء "فكأنما قام نصف ليلة، ومن صلى الصبح" يعني في جماعة والعشاء في جماعة "فكأنما قام ليلة" وهو مرفوع أيضًا في الصحيح، في صحيح مسلم وغيره، والله المستعان، والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.