شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب الاعتكاف - 17
المقدم:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله مُحمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحياكم الله مستمعينا الكِرام إلى هذا اللقاء الجديد في شرح التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، الذي يتفضل به معالي الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخُضير- وفقه الله- عضو هيئة كبار العُلماء، وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء، فمرحبًا بكم فضيلة الشيخ وأهلًا وسهلًا.
حياكم الله وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.
المقدم: لا يزال الكلام موصولاً أيها الإخوة، في حديث عمر- رضي الله عنه-: أنه سأل النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام قال: »فأوفِ بنذرك».
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،،
ففي شرح الأحاديث يقول ابن حجر: قوله: أن عمر سأل لم يذكر مكان السؤال، نعم قال: وسيأتي في النذر من وجه آخر، أن ذلك كان بالجعرَّانة، لما رجعوا من حنين، ويستفاد منه الرد على من زعم أن اعتكاف عمر كان قبل المنع من الصيام في الليل؛ لأن غزوة حنين متأخرة عن ذلك.
المقدم: يعني هذه المسألة لها علاقة باشتراط الصيام في الاعتكاف.
نعم قال: كنت نذرت.. أن عمر سأل النبي- عليه الصلاة والسلام-، قال: كنت نذرت، فعبّر عن السؤال بصيغته، سأل النبي- عليه الصلاة والسلام-، ثم ذكر لفظ السؤال، يعني لو قال أن عمر قال: كنت نذرت من دون "سأل النبي- عليه الصلاة والسلام-"، يا رسول الله، كنت نذرت، هذه صيغة السؤال، أنه سأل النبي- عليه الصلاة والسلام-، هذه تعبير عن السؤال، يعني مثل ما يقال: أمر النبي- عليه الصلاة والسلام- تعبير عن الصيغة بلفظ الأمر.
أو يقال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- افعلوا كذا أو افعل كذا بلفظه، ويرد هذا وهذا، قال: كنت نذرت، هذه صيغة السؤال ولفظه، والنذر: إلزام المكلف نفسه بشيء لم يلزمه به الشرع، في الجاهلية يقول ابن الأثير في النهاية: هي الحال التي كانت عليها العرب قبل الإسلام، من الجهل بالله ورسوله وشرائع الدين، والمفاخرة بالأنساب والكبر والتجبر وغير ذلك.
وسيأتي في الموضع الأخير من مواضع التخريج كلام ابن حجر على المراد بالجاهلية، وأن المراد بالجاهلية جاهلية المذكور، وهو حاله قبل إسلامه، يعني هل الجاهلية أمر عام بحيث لا يطلق إلا على حقبة معينة أو أنها نسبية؟ فجاهلية كل شخص بحسب، يعني مثل ما يقال في القيامة، القيامة العامة تقوم للناس أجمعين، وكل من مات فقد قامت قيامته، هذه قيامة نسبية.
يقول ابن حجر: كنت نذرت في الجاهلية، زاد حفص بن غياث عن عبيد الله بن مسلم: فلما أسلمت سألت فيه رد على من زعم أن المراد بالجاهلية ما قبل فتح مكة، وأنه إنما نذر في الإسلام، يعني بعد إسلامه، لكن قبل فتح مكة، يعني الحد الفاصل بين الجاهلية والإسلام على هذا الفتح، يعني ما قبل الفتح جاهلية، وما بعد الفتح إسلام.
لكن قوله: "فلما أسلمت سألت" فيه رد على من زعم أن المراد بالجاهلية؛ لأنه ربط الجاهلية بما قبل إسلامه؛ لأنه قال: فلما أسلمت سألت، قال: فيه رد على من زعم أن المراد بالجاهلية: ما قبل فتح مكة، وأنه إنما نذر في الإسلام، يعني بعد إسلامه.
وأصرح من ذلك ما أخرجه الدارقطني من طريق سعيد بن بشير عن عبيد الله بلفظ: نذر عمر أن يعتكف في الشرك، يعني قبل أن يسلم.
المقدم: هل يتعارض يا شيخ قوله: ثم أسلمت أو قال: فلما أسلمت كون الحد الفاصل فتح مكة بين الجاهلية وبين الإسلام، هو إسلامه قبل الفتح.
فكيف يكون يعني.. هو مراده بذلك مراده بالجاهلية ما قبل فتح مكة، وأنه إنما نذر في الإسلام؛ لأنه يقول كيف نذر في حال كفره، فكيف يلزمه الوفاء؟ وسيأتي بحث هذه المسألة، هل الأمر على سبيل الوجوب أو على سبيل الاستحباب، يأتي بحثه إن شاء الله.
في الجاهلية هل يلزم أن يكون نذر عمر قبل الإسلام؟ يعني في الجاهلية العامة أو بعد الإسلام وقبل إسلامه هو؟ يعني بعد البعثة وقبل إسلامه هو، باعتبار أن الجاهلية نسبية، جاهليته هو، قلت: لا يلزم أن يكون النذر قبل البعثة، فالجاهلية بمعناها العام أمر نسبي، فالمشرك جاهلي وإن وجد بعد بعثة النبي- صلى الله عليه وسلم-، وإن وجد في الأزمان المتأخرة.
وأبو ذر وهو من المسلمين، من خيار الأمة، وأصدق الناس لهجة، أبو ذر قال عنه النبي- عليه الصلاة والسلام-: «إنك امرئ فيك جاهلية» أي صفة من صفاتهم، أن أعتكف ليلة.. قال ابن الملقن: ذكر فيه حديث ابن عمر أن عمر سأل النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام قال: »فأوف بنذرك»، وترجم عليه في أواخر الباب، باب من لم يرَ عليه إذا اعتكف صومًا، وزاد فيه: فاعتكف ليلة.
وترجم.. انظر ابن الملقن يقول: ذكر في حديث ابن عمر أن عمر سأل النبي- عليه الصلاة والسلام- قال: كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام. قال: »فأوف بنذرك»، وترجم عليه في أواخر الباب، باب من لم يرَ عليه إذا اعتكف صومًا نعم، وزاد فيه: فاعتكف ليلة.
الآن ما قاله ابن الملقن فيه تلفيق، بين رواية ابن عمر ورواية عمر؛ لأن قوله فاعتكف ليلة هي في حديث عمر الذي سبق أن أشرنا إليه، وليس في حديث ابن عمر، وترجم عليه أيضًا عقيبه باب إذا نذر في الجاهلية أن يعتكف ثم أسلم، وهو حديث صحيح أخرجه مسلم أيضًا، وفي رواية له: يومًا بدل الليلة.
قال ابن حبان في صحيحه: ألفاظ أخبار هذا الحديث مصرحة بأن عمر نذر اعتكاف ليلة إلا بهذا، يعني رواية مسلم في رواية له يومًا، أخرجه مسلم، وفي رواية له يومًا بدل ليلة.
يقول ابن حبان في صحيحه: ألفاظ أخبار هذا الحديث مصرحة بأن عمر نذر اعتكاف ليلة إلا بهذا، يعني بهذا اللفظ الذي ذكره مسلم يومًا بدل ليلة، فإن صحّت هذه اللفظة فيشبه أن يكون أراد باليوم مع ليلته، وبالليلة مع اليوم، حتى لا يكون بين الخبرين تضاد، فيكون حينئذٍ اقتصر على الليلة في لفظ، واقتصر على اليوم في لفظ، وجمع بينهما نعم.
يعني يوم مع ليلته، فمن روى الليلة اقتصر على البعض، ومن روى اليوم اقتصر على البعض، والعرب تعبر بذلك..
المقدم: عن اليوم بالليلة، وعن الليلة باليوم؟
يعني على اقتصار بأحدهما عن الآخر، والعرب تعبر بذلك قال الله تعالى: {فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} [الأعراف: 142] نعم يعني بدون أيام، بدون نهار لا يتصور، لكن أحيانًا ينص مكثت ثلاثين بين يومٍ وليلة، وإلا ففي حقيقتها نصف شهر، لكن نصف خمسة عشرة ونصف الثاني خمسة عشر يكون المجموع ثلاثين.
أما فتم ميقات ربه أربعين ليلة، لا شك أنها بأيامها بنهارها، وقد روى عمرو بن دينار عن ابن عمر أن عمر قال لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالجعرّانة: إني نذرت أن أعتكف يومًا وليلة، فاقتصر بعضهم على البعض، ويجوز للراوي أن ينقل بعض ما سمع، متى يجوز للراوي أن يختصر الحديث وينقل بعض ما سمع؟
المقدم: إذا كان لا يعتمد ما اختصره..
نعم إذا كان لا يكون فهم المذكور متوقفًا على المحذوف، وفي رواية لأبي داود والنسائي: فاعتكف وصم، قال ابن حزم: لا يصح؛ لأن في سنده عبد الله بن ديل، وهو مجهول، فاعتكف وصم، هذه عند أبي داود والنسائي، إن قلت: لا الكلام لابن الملقن، فقد علق له البخاري ووثِّق، لكن العبرة في تعليق البخاري، حينما يجزم بالصيغة، حينما يجزم بالمعلَّق، فيكون ضمن من ذكر.
لكن قد يعلق بصيغة التمريض عن شخص فيه كلام، نعم وإذا كان الكلام فيه شديدًا، عقّب عليه بالتضعيف، وثق نعم ذكر ابن حبان في ثقاته، ومجرد ذكر ابن حبان، له في الثقات لا يعني أنه ليس بمجهول، أو لأن ابن حبان قد يدخل بعض المجاهيل، وهو متساهل في شرطه في الثقات، نعم تفرد بزيادة الصوم كما قاله ابن عدي والدارقطني وضعّفاه، ونقل الدارقطني عن النيسابوري أنه حديث منكر؛ لأن الثقات من أصحاب عمرو لم يذكروه، يعني الصوم، منهم ابن جريج وابن عيينة وحماد بن سلمة وغيره.
ثم قال ابن حزم: ولا نعرف هذا الخبر من مسند عمرو بن دينار أصلاً، وما نعرف لعمرو بن دينار عن ابن عمر حديثًا مسندًا إلا ثلاثة ليس هذا منها، فسقط الخبر؛ لبطلان سنده، وما زال الكلام في نقل هذه الرواية.
المقدم: أحسن الله إليكم ونفع بما قلتم معالي الشيخ، أيها الإخوة المستمعون الكرام في ختام هذه الحلقة، أتقدم بالشكر الجزيل لمعالي الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير- وفقه الله- عضو هيئة كبار العلماء، وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء، شكر الله له ولكم أنتم مستمعينا الكرام نلقاكم في حلقة مقبلة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.