تنقيح الأنظار في معرفة علوم الآثار (21)
هذا يقول ألا يكون معنى قوله يسمر مع أبي بكر أي في منزله؟
هذا هو الحاصل وفي منزل أبي بكر، وعند أبي بكر لكن العندية لا تعني المعية المقتضية للتبعية.
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف- رحمه الله تعالى- قول الصحابي كنا نفعل إذا قال الصحابي كنا نفعل كذا فإما أن يقيده بزمان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كقول جابر كنا نعزل على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعني والقرآن ينزل فلو كان مما ينهى عنه لنهى عنه القرآن متفق عليه قال فالذي اختاره المنصور بالله في الصفوة وقطع به الحاكم وغيره من أهل الحديث أن ذلك من قبيل المرفوع وصححه الأصوليون مثل الشيخ أحمد في الجوهرة، والفقيه علي بن عبد الله وغيرمها والرازي والآمدي وأتباعهم" يعني إذا قال كنا نفعل في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- فلا شك في رفعه، وأما إذا قال ذلك دون إضافة إلى العصر النبوي فإن هذا محل خلاف بين أهل العلم، "قال ابن الصلاح وهو الذي عليه الاعتماد لأن ظاهر ذلك مشعر بأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اطلع على ذلك وقررهم عليه وتقريره أحد وجوه السنن المرفوعة فإنها أقواله وأفعاله وتقريراته وسكوته عن الإنكار بعد اطلاعه" سكوته عن الإنكار هو التقرير ووجه من وجوه السنن، "قال وبلغني عن البرقاني أنه سأل الإسماعيلي عن ذلك فأنكر كونه من المرفوع" لأنه احتمال أن يكونوا كانوا يفعلون ذلك في عهد أبي بكر أو في عهد عمر أو غيرهما، "قال وبلغني عن البرقاني أنه سأل الإسماعيلي عن ذلك فأنكر كونه من المرفوع" وكلام الإسماعيلي يشمل حتى صورة الإضافة إلى عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- ما لم يبين أن النبي -عليه الصلاة والسلام- اطلع عليه، لكن الفعل إذا فُعل من مجموعة وقت نزول القرآن فإن القرآن لا يقرهم على مثل هذا بل لا بد أن ينبَّه النبي -عليه الصلاة والسلام- على ما حصل، لكن كونه يقع من فرد كنت أفعل في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يعني هذا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- اطلع عليه، فالمخالفات بعضها وجد في عهد النبي في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- ومنها ما نُبِّه عليه -عليه الصلاة والسلام- وما بُلِّغ به ومنها ما لم ينبَّه عليه "قال زين الدين أما إذا كان في القصة اطلاعه -عليه الصلاة والسلام- فحكمه الرفع إجماعا" لأنه لا يمكن أن يقر أحدا على مثل هذا الخطأ "وأما إذا لم يكن ذلك مقيدا بوقت النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكر المنصور بالله أن ذلك ليس بمرفوع ولكنه يفيد الإجماع فيكون حجه" يعني إذا أراد بقوله كنا نفعل يعني جميع الصحابة فإن هذا يكون حجة باعتبار أنه صورة من صور الإجماع "قال وكذا قال صاحب الجوهرة وقال أيضا أن قولهم كانوا يفعلون مثل هذا في إفادة الرفع في زمانه والإجماع من بعده وقال أهل الحديث ليس في حكم المرفوع قال زين الدين وجزم به الخطيب وابن الصلاح وجعلوه وجعلاه موقوفا ومقتضى كلام البيضاوي" يعني إذا لم يضفه إلى الزمن النبوي قال كنا نفعل من غير أن يقول في زمن النبي -عليه الصلاة والسلام- "وخالف كثير من الأصوليين ومنهم الرازي والجويني والسيف الآمدي وقال به أيضا كثير من الفقهاء كما قاله النووي في شرح المهذب قال وهو قوي من حيث المعنى وقال ابن الصباغ في العدة إنه الظاهر ومثله بقول عائشة كانت اليد لا تقطع في الشيء التافه واختلفوا في قول المغيرة بن شعبة كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرعون بابه بالأظافير فقال الحاكم هذا يتوهمه من ليس من أهل الصنعة مسندا لذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيه وليس بمسند بل هو موقوف" هو من فعل الصحابة كانوا يقرعون بابه بالأظافير، لكن كونه طرف يسمع مثل هذا القرع ولا يقول زيدوا في الضرب أو اقصروا عنه يدل على إقرارهم على ذلك، فكونه -عليه الصلاة والسلام- طرف في الموضوع يدل على أن له حكم الرفع كما قالوا نظيره في أسباب النزول، قالوا أسباب النزول إذا سيقت من قبل الصحابي فلها حكم الرفع لأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- طرف في هذه القصة، "وذكر الخطيب في الجامع بين آداب الراوي والسامع مثل ذلك قال ابن الصلاح بل هو مرفوع وهو بذلك أحرى لكونه أحرى باطلاعه -صلى الله عليه وسلم- قال والحاكم معترِف بأن ذلك من قبيل المرفوع يقول المؤلف قلت الصوب ما ذكره الحاكم والخطيب وقد وهم ابن الصلاح في إلزام الحاكم فإنه إنما جعل قول الصحابي كنا نفعل مرفوعا لأنه ظاهر في قصد الصحابي إلى الاحتجاج بذلك والظن بالصحابي أنه لا يعتقد أن ذلك حجة إلا أن يطلع عليه الرسول -عليه الصلاة والسلام- والظن به أنه لا يوهم الغير ذلك وليس بصحيح فيكون قد غر من سمعه من المسلمين في أمور الدين وأما قرع الصحابة لباب النبي -صلى الله عليه وسلم- بالأظافير فليس فيه تعليق لذلك بالنبي -عليه الصلاة والسلام- يعني هل يقرعون بابه -عليه الصلاة والسلام- بالأظافير حال وجوده أو حال غيابه؟ حال وجوده، فكونهم يقرعون الباب بالأظافير النبي -عليه الصلاة والسلام- يسمع؛ لأن الباب قريب من موقعه -عليه الصلاة والسلام- فالبيوت صغيرة، يسمع إذا قرعوا الباب بالأظافير سمعوه ولم ينكر عليهم أن يزيدوا، اقرعوه باليد الكاملة أو بالرجل أو بحجر أو ما أشبه ذلك، مما يدل على أنه يحصل المقصود بما يحصل به التنبيه، المقصود يحصل بما يحصل به التنبيه، فإذا عرفنا أن من في داخل البيت يسمع بقرعة واحدة تكفي يا أخي الإزعاج ما له داعي، وبعض الناس إذا وصل إلى الباب علق الجرس وأمسكه حتى يُفتح له وبعض الأجراس مثل أجراس المدارس يزعج الحي، وبعض الناس يضرب الأبواب حتى يزعج من في البيت ويوقظ النائم يزعج الصبيان هذا ليس من السنة، السنة أن يقرع الباب بما يتحقق به المقصود، نعم إذا عرفنا أن البيت كبير وأهله في أقصاه مثلا قرعناه بما يتحقق به المقصود، قال "وأما الظن لاطلاعه على ذلك وتقريره عليه فيدل على جواز قرع أبواب المسلمين بغير إذن منهم" هذا يحتاج إلى شيء من التفصيل إن كان لحاجة فلا مانع من القرع حينئذ، وهذا مما تعارف الناس عليه ولو كانت لحاجة الطارق وليست من حاجة صاحب البيت، لا يمنع أن تقرع البيت وأنت تعرف أنه ليس البيت الذي تريده، فتقول يا فلان أو يا أبا فلان دلني على بيت فلان لا مانع، ومثل هذا لا يلام عليه، لكن بعض الناس من الشباب يمر على الحي فيضرب باب هذا ويقرع باب هذا ويرن جرس هذا، هذا لا يجوز بحال، هذا إزعاج ولا يترتب عليه مصلحة، فالأمور إنما تكون بحسب ما يترتب عليها من مصالح ومفاسد، "فيدل على جواز قرع أبواب المسلمين بغير إذن منهم فلا يؤخذ من مجرد هذا الحديث لأنه قرع بالأظافير خفي الصوت فإن اتفق مرات يسيرة فيحتمل ألا يسمعه لإقباله على مهم من أمور الدين أو نومه أو غير ذلك بل ليس في الحديث أنهم كانوا يفعلون ذلك وهو في البيت فلعلهم كانوا يخفون القرع أدبا مع نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- وإن كان حاضرا استأذنوا فقد كان أنس رضي الله عنه يخدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويستأذن لمن أراد أن يدخل عليه بل يحتمل أن ذلك فُعل في غيبة النبي -صلى الله عليه وسلم- عن المدينة، وإنما يظن اطلاعه وتقريره لو كان ذلك مستمرا" على كل حال قرعه وهو ليس بحاضر غيبته عن المدينة لا تخفى عن الصحابة، فالذي يغلب على الظن أنهم يقرعونه للاستئذان عليه -عليه الصلاة والسلام- "وإنما يظن اطلاعه وتقريره لو كان ذلك مستمرا وكان الدق قويا بحيث أن العادة تقضي برجحان سماعه لبعد أن يستمر اتفاق ذلك وهو غائب فبعد أن يتفق ذلك كثيرا وهو في البيت ولا يسمع فقد كان بيته -صلى الله عليه وسلم- صغيرا في نفسه وإن كان كبيرا في قدره ولفظة كان لا تقتضي ذلك فقد يطلق على التكرار اليسير الذي لا يحصل معه الظن مع أن الحديث صحيح المعنى لمن أراد الاحتجاج به على مثل ذلك لموافقته لإجماع المسلمين المعلوم والله أعلم" هنا مسألة يحتاجها كثير من الناس بعض الناس يكون مدعوا من قِبَل شخص ثم يأتي فيقف عند الباب والباب مفتوح والضيوف في المجلس، ثم يستأذن السلام عليكم أأدخل فلا يسمع، السلام عليكم أأدخل فلا يسمع، ثم يستأذن الثالثة في مثل هذه الحالة ينصرف وهو مدعو إلى هذا المكان والناس اجتمعوا والباب مفتوح، ويقول استأذنت، الاستئذان الشرعي ثلاثا فلا بد أن أرجع كما في حدث أبي موسى وأبي سعيد، أو نقول ما دمت مدعوا والباب مفتوح والضيوف متوافرون موجودون فمثل هذا الاستئذان قد لا تكون الحاجة داعية له، إنما جعل الاستئذان من أجل البصر، يعني إذا كانوا في كلام مختلط وجلبت أصوات في المجلس لا يسمعون الذي يستأذن فهل يرجع؟ وإذا قابله من الغد لماذا لم تحضر يا فلان وأنا دعوتك وإجابة المسلم من حقه على أخيه، والله جئت واستأذنت ثلاثا ما أذن لي، طيب الباب مفتوح والضيوف موجودون لا شك أن العرف يقتضي أن له أن يدخل ولو لم يستأذن مادام الباب مفتوحا والضيوف متوافرون والبيت ليس في طريقه من يستأذن من أجله، فمثل هذا إذا كان مدعوا ليس له أن ينصرف، استأذن ثلاثا فأذن له صبي مميز، قال له الصبي سبع سنوات ثمان سنوات تفضل يدخل أو ما يدخل؟ عند الحنابلة والشافعية أن الصبي يملك الإذن لاسيما إذا كان على اتفاق مع صاحب البيت
يقول المؤلف "قلت وقد ذكر بعض أصحابنا أن قول الصحابي كنا نفعل ظاهر في دعوى الإجماع أيضا وذكره في الجوهرة وغيرها؛ لأنه يقتضي بمفهومه أنهم فعلوا ذلك كلهم أو فعله بعضهم على وجه يعلمه الباقون أو ينكروا وليس بجيد؛ لأن هذه العبارة قد تطلق كثيرا إذا فعل ذلك كثير منهم وسكت الباقون وإن سكتوا عن غير علم بذلك وأما إذا قال الصحابي أوجب علينا أو حضر علينا أو نحوهما فلم يذكرها أهل الحديث وذكرها أصحابنا في خواص الصحابة وقالوا إنها تُحمل على الرفع إلا أن المنصور بالله شرط في ذلك أن يكون مما لا يساغ فيها للاجتهاد حكاه عنه في الجوهرة" قوله لم يذكرها هذا هذا الكلام ليس بصحيح، وإنما ذكروها في كتب المصطلح أوجب علينا، أو حضر علينا، أو أباح لنا ذكروها عند حديث «من خرج من المسجد بعد الأذان فقد عصى أبا القاسم» "وعدوها من قبيل المرفوع". تفسير الصحابي، يقول المؤلف "اختلف أهل العلم في تفسير الصحابي فذكر زين الدين وابن الصلاح أنه إن كان في ذكر أسباب النزول فحكمه حكم المرفوع وذلك لما قلنا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- طرف في أسباب النزول" لأن سبب النزول قصة بحضوره -عليه الصلاة والسلام- "ولذا أنزل في شأن هذه القصة ما أنزل من القرآن فكونه مرفوعا هذا لا إشكال فيه لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- طرف فيه" لكن قد يقول قائل أنهم يذكرون أسبابا متعددة لنازل واحد فبعضها قد يُلحق بالسبب فيظن أنه سبب، يعني تكون هذه الحادثة أو هذا السبب يشتمل صورا منها يشمل أو يحتوي أو يشمل صورا منها هذه الصورة فتنزل عليها، وقد يتعدد سبب النزول لنازل واحد والعكس، واختلفوا في سبب نزول آيات اللعان هل هو هلال بن أمية أو عويمر العجلاني وفي كل من قصتيهما قال فنزل قوله تعالى ولعله الأول منهما قذف امرأته ثم جاء الثاني فقذفها ثم نزل في حقهما معا ما نزل، "وجعل هذا هو القول المعتمد وأشار ابن الصلاح إلى الخلاف ولم يعين القائل بأن مطلق تفسير الصحابي مرفوع قال زين الدين وهو قول الحاكم في مستدركه وعزاه إلى الشيخين" إلى البخاري ومسلم "قال ابن الصلاح إنما ذلك في تفسير متعلق بسبب النزول بسبب نزول آية يخبر به الصحابي أو نحو ذلك" إذا قال الصحابي قال قال، إذا قال التابعي محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال قال، يعني كرر قال مرتين، "قال ما رواه أهل البصرة عن أبي هريرة قال قال ثم ساق كلاما بعد هذا ولم يذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- وإنما ذكر لفظ قال بعد ذكر أبي هريرة فإن الخطيب روى في الكفاية عن موسى بن هارون وهو الحمال أنه إذا قال حماد بن زيد والبصريون قال قال فهو مرفوع لماذا؟ لأن فاعل قال الأولى الصحابي وفاعل قال الثانية يعني من بعد الصحابي الرسول -عليه الصلاة والسلام- "قال الخطيب قلت للبرقاني أحسب أن موسى عنى بهذا القول أحاديث ابن سيرين خاصة قال كذا يجب قال كذا يجب" لأن ابن سيرين صرح بذلك "قلت إذا قلت قال عن أبي هريرة قال قال فالمراد به -عليه الصلاة والسلام- "قال الخطيب وتحقق قول موسى ما قال محمد بن سيرين كل حديث عن أبي هريرة فهو مرفوع قال زين الدين ووقع في الصحيح من ذلك ما رواه البخاري في المناقب قال حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد عن أيوب عن محمد عن أبي هريرة قال قال أسلم غفار الحديث وهو عند مسلم برواية ابن علية عن أيوب مصرفا فيه بالرفع ووقف من ذلك في سنن النسائي الكبرى من رواة ابن علية عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال قال «الملائكة تصلي على أحدكم مادام في مصلاه» ورواه الخطيب في الكفاية من طريق موسى بن هارون وهو الحمال بسنده إلى حماد بن زيد عن أيوب فإذا قال ابن سيرين عن أبي هريرة قال قال عرفنا أن قال الأولى فاعلها ضمير مستتر يعود إلى أبي هريرة وفاعل قال الثانية ضمير مستتر يعود إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- ولو لم يذكر للعلم به -عليه الصلاة والسلام- كما في قوله جل وعلا: { حَتَّىٰ تَوَارَتۡ بِٱلۡحِجَابِ } ص: ٣٢ الضمير يعود إلى الشمس ولو لم تذكر لأنها لا تخفى على المخاطب، فإذا قال التابعي عن الصحابي قال قال هذا لا يخفى أن المراد النبي -عليه الصلاة والسلام-.
والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
"