شرح اختصار علوم الحديث (04)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وإمام المرسلين، نبينا محمد عليه وعلى آله أفضل الصلوات وأتم التسليم، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمنا الله وإياه والمسلمين أجمعين-:

(النوع الثالث: الحديث الضعيف)

قال: وهو ما لم يجتمع فيه صفات الصحيح، ولا صفات الحسن المذكورة فيما تقدم، ثم تكلم على تعداده وتنوعه باعتبار فقده واحدة من صفات الصحة أو أكثر، أو جميعها، فينقسم حينئذٍ إلى: الموضوع، والمقلوب، والشاذ، والمعلل، والمضطرب، والمرسل، والمنقطع، والمعضل، وغير ذلك.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: النوع الثالث بعد أن تحدث في النوع الأول عن الصحيح، والثاني عن الحسن، والثالث الضعيف، وهذا هو الترتيب الطبيعي، وأما قول الحافظ العراقي:

وأهل هذا الشأن قسموا السنن

 

إلى صحيح وضعيفٍ وحسن

من أجل مراعاة النظم، وإلا فالأصل أن الضعيف متأخر عن رتبة الحسن، وإدخاله في السنن من باب تتميم القسمة وإلا فالأصل أنه لا يدخل في السنن؛ لأن الغالب على الظن عدم ثبوته.

الضعيف من الضَعف أو الضُعف، الضم لغة قريش، والفتح لغة تميم، وهو خلاف القوة والصحة، والضُعف والضَعف بالفتح والضم لغتان لمدلولٍ واحد ويستعملان للضَعف العام، سواء كان في البدن أو في العقل والرأي, وإن كان بعضهم يخص الضَعف بالفتح لضعف العقل والرأي، وبالضم لضعف الجسد، المقصود أن هاتان لغتان قرئ بهما، والضم لغة قريش، والفتح لغة تميم.

قال –يعني ابن الصلاح-: "وهو ما لم يجتمع فيه صفات الصحيح ولا صفات الحسن المذكورة فيما تقدم" لم تجتمع فيه صفات الحديث الصحيح، اختل فيه شرط من شروط الصحيح، شروط الصحيح الخمسة التي تقدمت، عدالة الرواة، تمام الضبط، اتصال السند، انتفاء الشذوذ، انتفاء العلة، إذا تخلف شرط واحد من هذه الشروط قلنا: أنه لم تجتمع فيه في هذه الصفات فهو الحديث الضعيف، ولا صفات الحديث الحسن المذكورة فيما تقدم، يختلف الحسن عن الصحيح في تمام الضبط مثلاً، فيشترط أعلاه للصحة، ويقبل ما دون الأعلى للحسن، وهذا تقدم الكلام فيه، إذا اختل شرط من هذه الشروط الخمسة وانعدم الجابر فهو الحديث الضعيف، والنقاش طويل في هذا الحد وعطف صفات الحسن على صفات الصحيح؛ لأنه إذا لم تجتمع فيه صفة الحسن فمن باب أولى لا تجتمع فيه صفات الحديث الصحيح، إذا لم تتوافر صفات الحديث الحسن وشروطه هل يمكن أن تتوافر شروط الحديث الصحيح؟ لا يمكن، فلماذا يذكر الصحيح في الحد؟ مع أنه المطلوب في الحدود أن تكون مختصرة لتحفظ، وأن تكون جامعةً مانعة، ولذا اختصر الحافظ العراقي في تعريف الضعيف على ذكر الحسن:

أما الضعيف وهو ما لم يبلغِ

 

مرتبة الحسن وإن بسطاً بغي

...الخ، فلا داعي لذكر الصحيح في الحد؛ لأنه إذا قصر عن رتبة الحسن فهو عن رتبة الصحيح أقصر، يعني إذا قلت: الطفل ما لم يبلغ سن الشباب، هل يحتاج أن تقول: ولا الشيخوخة؟ يحتاج، لا يحتاج؛ لأنه إذا قصر عن رتبة سن الشباب فهو عن سن الشيخوخة والكهولة أقصر، بعضهم يدافع عن ابن الصلاح ويقول: أن هذا لا بد منه، لماذا؟ يقول: هو نظير قولهم: الكلمة اسم وفعل وحرف، الحرف ما لا يقبل علامات الاسم ولا علامات الفعل، ما يكفي أن نقول: ما لا يقبل علامات الاسم، ولا يكفي أن نقول: ما لا يقبل علامات الفعل، لكن هذا التنظير غير مطابق، وذكر الاسم والفعل لا بد منه؛ لأنه لا يلزم من عدم قبول علامات الاسم أن يكون حرفاً، قد يكون فعلاً فإذاً لا بد من ذكر الفعل، أما هنا فعندنا مراتب، مراتب مرتب بعضها على بعض، فلا يمكن الوصول إلى الدرجة الثالثة إلا بعد المرور على الدرجة الثانية، على هذا لا نحتاج إلى ذكر الدرجة الثالثة في الحد إذا قُدّر أن الأضعف الضعيف، ثم الحسن فإذا لم يصل إلى رتبة الحسن فلن يصل إلى درجة الصحيح.

والكلام في هذا طويل ومناقشات لا يحتملها الوقت، ابن حجر خرج من هذا الكلام كله في تعريف الضعيف، قال: هو الحديث التي لم تجتمع فيه صفات القبول، والقبول يشمل الصحيح ويشمل الحسن، هو الحديث الذي لم تجتمع فيه صفات القبول، ثم تكلم يعني ابن الصلاح على تعداده وتنوعه لاعتباره فقد واحدة من صفات الصحة، أو أكثر، وأطال العلماء تقسيمه بهذه الطريقة تبعاً لتخلف أي صفةٍ من صفات القبول حتى أوصله بعضهم، أوصل بعضهم أقسامه إلى أكثر من خمسمائة صورة، وطريق استخراج هذه الصور عندنا خمسة شروط، نأتي إلى الشروط واحداً بعد الآخر يصير عندنا خمس صور، ثم نأتي إلى الأول مضموماً إلى الثاني صورة ثانية، سادسة مثلاً، الأول إلى الثالث سابعة، الأولي إلى الرابع ثامنة، وهكذا، ثم نأتي إلى الثانية ونفعل به كما فعلنا بالأول.

ابن حجر أضرب عن هذا كله، وقال: إن التقسيم بهذه الطريقة تعب ليس وراءه أَرب، كتبت الرسائل في أقسام الضعيف، لكن ما النتيجة؟ ما النتيجة أن نوصل الأقسام إلى أكثر من خمسمائة قسم، إلى خمسمائة صورة أو أكثر؟ ليس هناك فائدة، المسمى من أنواعه قليل، ولذا قال: "فينقسم جنسه إلى الموضوع والمقلوب والشاذ والمعلل والمضطرب والمرسل والمنقطع والمعضل وغير ذلك".

ويكتفى في بقية الصور أن يقال: ضعيف، أو ضعيف جداً، إن كان الهدف من هذا التقسيم أن نعرف كم يبلغ فهذه نتيجة مرّة، نتيجة نظرية لا يترتب عليها فائدة، أما الأقسام التي نطق بها العلماء فهي الأقسام المذكورة وهي التي ينبغي أن يعتنى بها، الموضوع والمقلوب والشاذ والمعلل والمضطرب والمرسل والمنقطع والمعضل وغير ذلك، وسيأتي تفصيله -إن شاء الله تعالى-.

الضعف ينشأ من أحد أمرين: إما من فقد العدالة أو فقد الضبط، والعدالة يخرمها أمور، إما بالكذب، الفسق، البدعة، الجهالة، على خلافٍ في المجهول، يأتي ذكره -إن شاء الله تعالى-، وهل الجهالة جرح أو عدم علمٍ بحال الراوي؟ تأتي الإشارة إلى ذلك -إن شاء الله تعالى-، وعدم الضبط يكون بسبب كثرة الخطأ، فحش الغلط، الوهم، مخالفة الثقات، وغير ذلك، المقصود أن الضعف يتسرب إلى الخبر بسبب هذه الأشياء، وأما العمل به فسيأتي في الفصول التالية للمقلوب حيث يشير إليه المؤلف هناك -إن شاء الله تعالى-.

(النوع الرابع: المسند)

قال الحاكم: هو ما اتصل إسناده إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقال الخطيب: هو ما اتصل إلى منتهاه، وحكى ابن عبد البر: أنه المروي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، سواء كان متصلاً أو منقطعاً، فهذه أقوال ثلاثة.

النوع الرابع المسند، وقد اختلف في حده، فالذي يراه الحاكم أنه المتصل المرفوع، ما اتصل إسناده إلى رسول الله

-صلى الله عليه وسلم-، فالمنقطع لا يسمى مسند، والموقوف لا يسمى مسند، والمقطوع لا يسمى مسند، بل لا بد من أن يكون متصل الإسناد، مرفوعاً إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، هذا رأي الحاكم، والخطيب يشترط اتصال الإسناد فقط دون الرفع، فيقول: هو ما اتصل إلى منتهاه، ومنتهاه قد يكون مرفوعاً إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقد يكون موقوفاً إلى الصحابة، وقد يكون الخبر مقطوعاً فينسب إلى تابعي أو دونه، ابن عبد البر يرى أنه المرفوع فقط ولو لم يتصل إسناد، ابن عبد البر يرى أن المسند هو المروي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سواء كان متصلاً أو منقطعاً، مالك عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مسند عند من؟ عند الجميع؛ لأنه متصل مرفوع، فهو مسند إلى الحاكم، وهو متصل مسند عند الخطيب، مروي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهو مسند عند ابن عبد البر.

مالك عن الزهري عن ابن عباس عن النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا مسند عند ابن عبد البر، لماذا؟ لأنه مرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكنه ليس بمسندٍ عند الخطيب؛ لأنه منقطع، وليس بمسندٍ عند الحاكم أيضاً.

المسند المرفوع أو ما قد وصل
والثالث الرفع مع الوصل مع

 

لو مع وقفٍ وهو في هذا يقل
شرط به الحاكم فيه قطعا

المقصود أن هذه أقوال أهل العلم، لكن إذا قالوا: أسنده فلان وأرسله فلان، يعنون أن المراد بالإسناد هنا أنه وصل إسناده، والآخر قطع إسناده ولم يصله.

(النوع الخامس: المتصل)

ويقال له: الموصول أيضاً، وهو ينفي الإرسال والانقطاع، ويشمل المرفوع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، والموقوف على الصحابي أو من دونه.

المتصل: "ويقال له: الموصول أيضاً" والمئتصل بالهمز وهي لغة الإمام الشافعي، المئتصل، لغة الإمام الشافعي كما نص على ذلك ابن الحاجب في شافيته يقول: مؤتعد مؤتزر، لغة الإمام الشافعي، وعبر بالمئتصل في الأم في مواضع، وفي الرسالة، المقصود أن هذه لغته، وهو إمام في اللغة، ويراد به ما اتصل إسناده إلى من نسب إليه الخبر، سواء كان إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- أو إلى أحدٍ من الصحابة إذا كان موقوفاً أو إلى أحدٍ من التابعين إذا كان مقطوعاً، أو إلى من دونهم، "وهو ينفي الإرسال" يعني يقابل الإرسال "والانقطاع" والإعضال، يقابل، ويقابل التعليق أيضاً؛ لأنه إذا اتصل إسناده عرفنا أنه ليس بمعلق، المعلق ما حذف من مبادئ إسناده راوٍ أو أكثر، وليس بمنقطع حذف من أثناء إسناده راوٍ أو أكثر من راوٍ في أكثر من موضع، وليس بمعضل وهو ما سقط من إسناده اثنان على ما سيأتي... الخ.

"ويشمل المرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-"، يعني إذا روينا بسندٍ روى كل واحد من رواته الحديث عن من سمعه، عمن فوقه بطريقٍ معتبر، وأضيف ذلك إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو متصل، وإن أضيف إلى من دونه فهو موقوف أو مقطوع، ولذا قال: "ويشمل المرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- والموقوف على الصحابي أو من دونه"، فعلى هذا في قوله: "والموقوف على الصحابي أو من دونه" يشمل المقطوع، يدخل فيه المقطوع، يشمل المقطوع؛ لأنه يقول: "والموقوف على الصحابي أو من دونه"، وهذا تبع فيه النووي خلافاً لابن الصلاح والعراقي حيث منعا دخول المقطوع في المتصل، ولذا يقول الحافظ العراقي -رحمه الله-:

وإن تصل بسندٍ منقولا
سواء الموقوف والمرفوعُ

 

فسمه متصلاً موصولا
ولم يروا أن يُدخل المقطوعُ

إذا روينا عن الحسن البصري بسندٍ متصل وهو مقطوع على كل حال؛ لأنه مضاف إلى التابعي، لكن هل نسميه متصل أو لا؟ على كلام الحافظ ابن كثير -رحمه الله- يسمى متصل، لكن على كلام ابن الصلاح والحافظ العراقي؟ لا، يقول: (ولم يروا أن يدخل المقطوع) لماذا؟ للتنافر اللفظي بين الكلمتين، كيف تقول متصل مقطوع؟! هناك تنافر لفظي بين الكلمتين، متصل مقطوع؟! من رأى أنه لا مانع من إدخال أو من إطلاق المتصل على المقطوع، يقول: الجهة منفكّة، متصل من حيث الإسناد مقطوع من حيث النسبة، ولا إشكال في هذا، يعني لو جاءنا شخص عمره (100) سنة مثلاً، وهو قصير القامة، فقال آخر: جاء الطويل القصير، جاء الطويل القصير، إيش معنى الطويل القصير؟ تنافر لفظي بين الكلمتين، لكن الجهة منفكة، إذا لم يكن هناك لبس إيش المانع؟ جاء الطويل القصير، طويل بالنسبة لعمره قصير بالنسبة لقامته، التنافر موجود لكن اللبس غير موجود، لكن لو جاءنا صغير في السن، وقصير القامة، قال شخص: جاء الطويل القصير، ولحظ ملحظ بعيد، وهو أن عمره طويل من حيث البركة، قد عمل في عمره القصير ما لم يعمله من طال عمره، فلحظ ملحظ بعيد مثل هذا يوقع في لبس.

والذي عندنا متصل مقطوع، لا يوقع في لبس إلا عند من يطلق المقطوع على المنقطع على ما سيأتي، بعضهم يطلق المقطوع ويريد المنقطع، حينئذٍ يقع اللبس، وإلا من يرى أن المقطوع هو قول التابعي فمن دونه ما المانع من قال: اتصل سنده وهو مقطوع؟ مقطوع النسبة، على كل حال هذه مسألة سهلة يسيرة لكن تكلموا فيها فأحببنا توضيحها.

(النوع السادس: المرفوع)

وهو ما أضيف إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قولاً أو فعلاً عنه، وسواء كان متصلاً أو منقطعاً أو مرسلاً، ونفى الخطيب أن يكون مرسلاً، فقال: هو ما أخبر فيه الصحابي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

المرفوع ما أضيف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- من قول أو فعل أو تقريب أو وصف، هذا مرفوع لفظاً إذا أضيف إليه صراحةً، وألحق بالمرفوع ما له حكم المرفوع على ما سيأتي، ويطلق المرفوع على ما أضيف إليه -عليه الصلاة والسلام- وإن كان منقطع الإسناد، ولو كان مرسلاً، رفعه التابعي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- خلافاً للخطيب، حيث قال: هو ما أخبر فيه الصحابي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلا بد من أن يكون مما رفعه الصحابي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-.

وسمّ مرفوعاً مضافاً للنبي
ومن يقابله بذي الإرسال

 

واشترط الخطيب رفع الصاحبِ
فقد عنى بذاك ذا الاتصال

على هذا لا يدخل المراسيل –مراسيل التابعين- في حد المرفوع ولو أضيفت إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- عند الخطيب، لكن الحافظ -رحمه الله- ابن حجر ينازع في كون الخطيب يشترط في ذلك، لكون الخطيب قال: "هو ما أخبر فيه الصحابي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، هل معنى هذا أنه يشترط أن يكون مما رفعه الصحابي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ بمعنى أنه لو قال الحسن، أو ابن سيرين: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إيش يسميه؟ مرفوع وإلا موقوف؟ يسميه مرفوع، لكن الغالب أن ما يضاف إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- هو ما يرفعه الصحابي إليه -عليه الصلاة والسلام-.

(النوع السابع: الموقوف)

ومطلقه يختص بالصحابي، ولا يستعمل فيمن دونه إلا مقيداً، وقد يكون إسناده متصلاً وغير متصل، وهو الذي يسميه كثير من الفقهاء والمحدثين أيضاً أثراً، وعزاه ابن الصلاح إلى الخراسانيين إنهم يسمون الموقوف أثراً، قال: وبلغنا عن أبي القاسم الفوراني أنه قال: الخبر ما كان عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والأثر ما كان عن الصحابي.

قلت: ومن هذا يسمي كثير من العلماء الكتاب الجامع لهذا وهذا بالسنين والآثار ككتابي (السنن والآثار) للطحاوي والبيهقي وغيرهما، والله أعلم.

الموقوف مطلقه إذا قيل: هذا موقوف أو هذا الخبر موقوف أو هذا الحديث موقوف يختص بالصحابي، ولا يستعمل فيما دونه، بل يقال بالنسبة لمن دونه: مقطوع، إلا مقيداً، فيقال: هذا الكلام موقوف على مالك، هذا الكلام موقوف على الحسن، هذا الكلام موقوف على ابن سيرين وهكذا.

وسم بالموقوف ما قصرته

 

بصاحبٍ وصلت أو قطعته

سواء كان إسناده متصلاً أو غير متصل، وشذ الحاكم فاشترط عدم الانقطاع، كثير من الفقهاء والمحدثين يسمون الموقوف الأثر، ويخصون الحديث بالمرفوع، والسنن بالأخبار المرفوعة أيضاً، فإذا قالوا: السنن والآثار، فالمراد بالسنن ما رفع إليه -عليه الصلاة والسلام-، والأثر ما وقف على الصحابة، وعزاه ابن الصلاح إلى الخرسانيين، قال: إنهم يسمون الموقوف أثراً، وهو محكي أيضاً عن أبي القاسم الفوراني الشافعي المتوفى سنة إحدى وستين وأربعمائة، قال: "الخبر ما كان عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والأثر ما كان عن الصحابي" والسنة ما رفع إليه -عليه الصلاة والسلام- على هذا والحديث كذلك؛ لأن إذا قابلنا الأثر بالحديث صار الحديث هو المرفوع والأثر هو الموقوف، إذا قابلنا السنن بالآثار قلنا: السنن المرفوعة والآثار الموقوفة، لكن من ينتسب إلى الأثر فيقال: الأثري، هل مقصوده ومراده الآثار الموقوف عن الصحابة؟ يعني لا علاقة له بالمرفوع، فلان بن فلان الأثري.

يقول راجي ربه المقتدرِ

 

عبد الرحيم بن الحسين الأثري

يعني ما عنده إلا موقوفات، لا يعتني بالمرفوعات، وسمي بذلك السنة، الأثر السنة يعني المأثور عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن هذا اصطلاح لبعض الفقهاء إذا قابلوا السنن الآثار، أو قابلوا الحديث بالأثر، رأوا أن الأثر ما روي عمن دون النبي -عليه الصلاة والسلام- من الصحابة والتابعين، فإذا قلنا: هذا الكتاب يشتمل على مجموعة من الأحاديث والآثار، خصصنا الحديث بالمرفوع، والأثر بالموقوف والمقطوع.

يقول الحافظ ابن كثير: "قلت: ومن هذا يسمي كثير من العلماء الكتاب الجامع لهذا وهذا بالسنن والآثار"، ككتابي السنن والآثار شرح معاني الآثار، شرح معاني الآثار للطحاوي، هل هو خاص بالموقوفات؟ لا، ليس خاص بالموقوف، بل الأصل فيه المرفوع.

وهناك كتاب: معرفة السنن والآثار للبيهقي؛ لأنه جامع للمرفوع والموقوف، لكن عرفنا أن من ينتسب إلى الأثر لا يريد بذلك الموقوف قطعاً، بل يريد بذلك الحديث، إذا انتسب إلى السنة وإلى الحديث والعناية بها والاشتغال بها والاهتمام بها قال عن نفسه: الأثري أو قيل عنه: الأثري، عبد الرحيم بن الحسين الأثري، انتسب إلى الأثر جماعة من المتقدمين والمتأخرين، فالمراد بالأثري حينئذٍ الأحاديث سواء كانت المرفوعة أو الموقوفة.

(النوع الثامن: المقطوع)

وهو الموقوف على التابعين قولاً أو فعلاً، وهو غير المنقطع، وقد وقع في عبارة الشافعي والطبراني إطلاق المقطوع على منقطع الإسناد غير الموصول.

لما ذكر المرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- والموقوف على الصحابة أردف ذلك بالمقطوع، وهو ما روي عن التابعين قولاً لهم أو فعلاً، وهل يدخل في ذلك التقرير؟ وهل يدخل التقرير أيضاً في الموقوف؟ يعني إذا عمل بحضرة الصحابي شيء وسكت هل يمكن أن ننسب هذا الأمر إلى الصحابي لأنه أقره؟

التقرير من وجوه السنن المرفوعة، إذا فعل بحضرته -عليه الصلاة والسلام- شيء ولم ينكره نسب إليه، لكن الصحابي قد يسكت من غير موافقة، لما يخشى من الأثر المترتب على المخالفة، من باب أولى التابعي قد يسكت، ولذا لا يضاف إليهم التقرير، بخلاف ما يفعل بحضرته -عليه الصلاة والسلام-.

وسم بالمقطوع قول التابعي
تعبيره به عن المنقطعِ

 

وفعله وقد رأى للشافعي
قلت: وعكسه اصطلاح البردعي

هو غير المنقطع الذي سيأتي ما لم يتصل إسناده، وقد وقع في عبارة الشافعي والطبراني والحميدي والدارقطني وجمع من أهل العلم التعبير بالمقطوع عن المنقطع، يقول: هذا الإسناد مقطوع ويريدون به أنه لم يتصل، عكس ما يستعمله الشافعي ومن ذكر معه اصطلاح البردعي يطلق المنقطع ويريد به المقطوع، يطلق لفظ المنقطع يقول: هذا خبر منقطع ويريد به أنه مروي عن تابعي فمن دونه، قلت: وعكسه اصطلاح البردعي، أبو بكر أحمد بن هارون البرديجي المشهور المعروف.

وقد تكلم الشيخ أبو عمرو هاهنا على قول الصحابي: "كنا نفعل"، أو "نقول كذا"، إن لم يُضفه إلى زمان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهو من قبيل الموقوف، وإن أضافه إلى زمان النبي -صلى الله عليه وسلم-: فقال أبو بكر البرقاني عن شيخه أبي بكر الإسماعيلي: إنه من قبيل الموقوف، وحكم الحاكم النيسابوري برفعه؛ لأنه يدل على التقرير، ورجحه ابن الصلاح، قال: ومن هذا القبيل قول الصحابي: "كنا لا نرى بأساً بكذا"، أو "كانوا يفعلون أو يقولون"، أو "يقال كذا في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-": إنه من قبيل المرفوع، وقول الصحابي: "أمرنا بكذا"، أو "نهينا عن كذا" مرفوع مسند عند أصحاب الحديث وهو قول أكثر أهل العلم، وخالف في ذلك فريق، منهم أبو بكر الإسماعيلي، وكذا الكلام على قوله: "من السنة كذا"، وقول أنس: "أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة".

قال: وما قيل من أن تفسير الصحابي في حكم المرفوع، فإنما ذلك فيما كان سبب نزول، أو نحو ذلك، أما إذا قال الراوي عن الصحابي: "يرفع الحديث" أو "ينميه" أو "يبلغ به النبي -صلى الله عليه وسلم-"، فهو عند أهل الحديث من قبيل المرفوع الصريح في الرفع، والله أعلم.

لما ذكر المرفوع صراحةً إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- أراد أن يتحدث عن المرفوع حكماً إليه -عليه الصلاة والسلام-، فقول الصحابي: كنا نفعل، أو نقول كذا، هذا فيه تفصيل، إن أضافه إلى زمان النبي -عليه الصلاة والسلام- فهذا مرفوع؛ لأنه في زمن الوحي، فلو كان مما ينكر لنزل الوحي على النبي -عليه الصلاة والسلام- لإنكاره، "كنا نعزل والقرآن ينزل" "ذبحنا فرساً على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، هذا كله من قبيل المرفوع.

وقوله: (كنا نرى) إن كان معْ

 

عصر النبي من قبيل ما رفعْ

وقيل لا...إلخ، خالف بعضهم، حتى فيما أضيف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، فقال أبو بكر البرقاني عن شيخ أبو بكر الإسماعيلي أنه من قبيل الموقوف، يعني وإن أضيف إلى زمنه -عليه الصلاة والسلام-، ما لم يعلم أنه اطلع -عليه الصلاة والسلام- وأقره، وحكم النيسابوري برفعه، يقصد به أبو عبد الله الحاكم، برفعه؛ لأنه يدل على التقرير ورجحه ابن الصلاح، ورجحه أيضاً النووي في شرح المهذب، والرازي في المحصول والآمدي في الأحكام، ففرق بين أن يضيفه إلى عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- كنا نفعل في عهده -عليه الصلاة والسلام-، كنا نقول، كنا نفاضل، وهكذا، كل هذا من قبيل المرفوع إذا أضيف إلى عصره -عليه الصلاة والسلام-.

أما إذا لم يضف إلى عصر النبي -عليه الصلاة والسلام- فإن هذا موقوف، لاحتمال أن يكونوا يفعلون ذلك بعد وفاته -عليه الصلاة والسلام- وحينئذٍ قد انقطع الوحي من السماء فقد يفعلون الخطأ، لكن إذا كان في الخبر ما يدل على أنه فعل الجميع فهو حجة وإن لم يكن مرفوعاً، تقول عائشة -رضي الله عنها-: "كانت اليد لا تقطع في الشيء التافه"، هذا حكم شرعي ويبعد أن تقول عائشة هذا الشيء أو هذا الكلام وليس عندها شيء من النبي -عليه الصلاة والسلام-.

يقول: "من هذا القبيل قول الصحابي كنا لا نرى بأساً بكذا، أو كانوا يفعلون أو يقولون، أو كان يقال كذا في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه من قبيل المرفوع"، يعني كقول جابر: "كنا نعزل على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والقرآن ينزل" هذا مخرج في الصحيحين، "وقول الصحابي: أمرنا بكذا"، كقول أم عطية: "أمرنا أن نخرج العواتق والحيض" وقولها: "نهينا عن إتباع الجنائز، ولم يعزم علينا"، كل هذا "مرفوع مسند عند أصحاب الحديث وهو قول أكثر أهل العلم، وخالف في هذا فريق -من أهل العلم- منهم أبو بكر الإسماعيلي" وبعض العلماء والحسن الكرخي أيضاً قالوا: ليس بمرفوع؛ لاحتمال أن يكون الآمر والناهي غير الرسول -عليه الصلاة والسلام-، ففي قول أم عطية: "أمرنا بإخراج العواتق والحيض وذوات الخدور إلى صلاة العيد" أمرنا، من يتصور الآمر في مثل هذه الصورة؟ مسألة شرعية، هل يتصور أن أبا بكر أو عمر يأمرون الصحابة بإخراج العواتق والحيض والنبي -عليه الصلاة والسلام- موجود بين أظهرهم؟ هل يتصور أن أحد من الصحابة ينهى عن إتباع الجنائز؟ كما قالت أم عطية: "نهينا عن إتباع الجنائز ولم يعزم علينا" ينهى النساء والرسول -عليه الصلاة والسلام- بين أظهرهم؟ لا، ولذا الراجح عند أهل العلم أن هذا من المرفوع، فلا يتصور أن يكون الآمر والناهي في المسائل الشرعية إلا الرسول -عليه الصلاة والسلام-، هذا إذا قال الصحابي: أمرنا أو نهينا، فلم يذكر الآمر ولا الناهي.

إذا قال الصحابي: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مرفوع بلا شك وبلا خلاف، لكن هل قول الصحابي: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمنزلة قوله -عليه الصلاة والسلام-: افعلوا كذا؟ يعني إذا قال الصحابي: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو نهانا عن كذا، هل يدل على الوجوب أو التحريم كقوله: افعلوا أو لا تفعلوا؟ الجمهور نعم، الحكم واحد، فإذا نقل الصحابي أمره -عليه الصلاة والسلام- سواء كان بلفظه أو عبر عنه سيان.

داود الظاهري وبعض المتكلمين قالوا: لا، حتى ينقل لنا اللفظ النبوي، احتمال أن يسمع الصحابي كلام يظنه أمر أو نهي وهو في الحقيقة ليس بأمر ولا نهي، نقول: هذا كلام مردود؛ لأن الصحابة هم أعرف الناس بمدلولات الألفاظ الشرعية، إذا لم يعرفوا هذه الألفاظ من يعرفها بعدهم؟ وهم أورع وأتقى لله -سبحانه وتعالى- من أن يزعموا شيئاً أو يعبروا عن شيءٍ لم يفهموه عنه -عليه الصلاة والسلام-، إذا قال الصحابي: "من السنة" كقول ابن عمر للحجاج: "إذا أردت السنة فهجر" ونقل الشافعي عن ابن عباس: إنهم إنما يريدون بالسنة سنة النبي -عليه الصلاة والسلام-، فإذا قال الصحابي: من السنة فلا شك أنه يريد بذلك السنة النبوية.

قول الصحابي من السنة أو
بعد النبي قاله بأعصرِ

 

نحو أمرنا حكمه الرفع ولو
على الصحيح وهو قول الأكثرِ

تفسير الصحابي يرى الحاكم أنه مرفوع، وعزاه للشيخين البخاري ومسلم في المستدرك في الجزء الثاني صفحة (258، 263) في مواضع كثيرة يزعم الحاكم أن مذهب الشيخين البخاري ومسلم أن تفسير الصحابي له حكم الرفع، إذا فسر الصحابي آيةً ولم يصرح برفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول الحاكم: هذا مرفوع، لما عرف واستفاض من التحذير من التفسير بالرأي، ولا يتصور أن الصحابة يفسرون القرآن بآرائهم، لكن أهل العلم حملوا ذلك على أسباب النزول، كقول جابر -رضي الله عنه-: "كانت اليهود تقول: من أتى امرأته من دبرها في قبلها جاء الولد أحول، فأنزل الله -عز وجل-: {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ}[(223) سورة البقرة] أما تفاسير الصحابة وفهمهم للقرآن لا سيما وأن من القرآن ما يدرك باللغة، ومنه أيضاً ما يدرك بالاجتهاد لا سيما في الأحكام، هل نقول: أن هذا كله مرفوع؟ لا.

وعُد ما فسره الصحابي

 

رفعاً فمحمول على الأسبابِ

نعم أسباب النزول إذا قال الصحابي: هذه الآية نزلت بسبب كذا له حكم الرفع لماذا؟ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- طرف في الوجود، يعني هو الذي ينزل عليه القرآن، ولذا حمل أهل العلم قول الحاكم هذا على أسباب النزول.

وعُد ما فسره الصحابي

 

رفعاً فمحمول على الأسبابِ

أما إذا قال الراوي عن الصحابي: يرفع الحديث، عن سعيد عن أبي هريرة يرفعه، ينميه، يبلغ به، رواية، فهو عند أهل الحديث من قبيل المرفوع الصحيح، الصحابي يرفع الحديث إلى من؟ هل هناك أحد غير الرسول -عليه الصلاة والسلام-؟ لا أحد، يبلغ به إيش؟ لا بد وأن يكون المرفوع إليه والمبلغ عنه هو الرسول -عليه الصلاة والسلام- فهو عند أهل الحديث من قبيل المرفوع الصريح بالرفع، يقول الحافظ العراقي -رحمه الله- تعالى:

وقولهم يرفعه يبلغ بهْ

 

روايةً ينميه رفعٌ فانتبهْ

روى الإمام مسلم عن أبي هريرة يبلغ به: ((الناس تبع لقريش)) وفي الصحيحين عنه رواية: ((تقاتلون قوماً صغار الأعين)) والأمثلة على ذلك كثيرة، ومثله لو قال التابعي: عن أبي هريرة رده إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذه صيغة من صيغ الأداء النادرة، وهي موجودة في صحيح مسلم.

إذا قال ذلك التابعي أو قيل ذلك بعد التابعي: عن ابن سيرين يرفعه، عن ابن سيرين يبلغ به، عن الحسن رواية، منهم من يقول أنه مرفوع أيضاً لكنه مرسل؛ لأنه لم يذكر فيه الصحابي الرفع عن التابعي عنه -عليه الصلاة والسلام- فهو من قبيل المرسل، ومنهم من يقول: يحتمل أن يكون رفعه إلى الصحابي فيكون موقوفاً، وعلى كل حال سواء قلنا: أنه مرفوع مرسل، أو موقوف ينظر في اتصال إسناده من طرق أخرى، أو في رفعه فيكون حينئذٍ إن وجد مرفوع صراحةً فيه تعارض الوقف مع الرفع على ما سيأتي، أو تعارض الوصل مع الإرسال، وكل ذلك سيشار إليه فيما بعد -إن شاء الله تعالى-.

طالب:.......

إيش يقول؟

طالب: يقول: أما إطلاق بعضهم أن تفسير الصحابة..... المرفوع، وأن ما يقوله الصحابة نسبي ما لم ..... بالضعف مرفوع حكم كذلك، كذلك فإنه إطلاق غير جيد؛ لأن الصحابة اجتهدوا كثيراً في تفسير القرآن فاختلفوا وأفتوا مما يرونه من علوم الشريعة تطبيقاً عن الفروع والمسائل، فيظن كثير من الناس أن هذا العلم لا مجال للخوض فيه، وأن ما يحكيه بعض الصحابة من أخبار الأمم السابقة فإنه لا يعطي حكم المرفوع أيضاً؛ لأن كثيراً منهم -رضي الله عنهم- كانوا يروون من الإسرائيليات، أو كان يروي الإسرائيليات عن أهل الكتاب، على سبيل الذكرى والموعظة لا بمعنى أنهم يعتقدون صحتها، أو يستجيزون نسبتها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حاشا وكلا.... إلخ.

لا شك أن تفسير القرآن على أوجه منها: ما لا يمكن أن يدرك بالرأي، لا يمكن أن يدرك بالرأي، الإخبار عن المغيبات سواء كانت في الماضي أو في المستقبل، والصحابي المفسر لم يعرف بالأخذ عن الإسرائيليات، ما عرف بالأخذ عن بني إسرائيل، ومثله إذا قال الصحابي قولاً لا يمكن أن يدرك بالرأي، ولو لم يتعلق بالقرآن، أكثر أهل العلم أن له حكم الرفع؛ لأن الصحابي لا يمكن أن يخبر عن غيب، لا بد له من مصدر في هذا، والمسألة مفترضة في من؟ في الصحابة الذين كلهم عدول، فلا يبحث عن عدالتهم، فإذا قلنا: أن الصحابة كلهم عدول، وذكر الصحابي قولاً لا مجال للاجتهاد فيه فإنه له حكم الرفع عند أهل العلم، لكن إذا كان مما يدرك بالاجتهاد، مما يدرك من عمومات، مما يدرك من لغة العرب، كل هذا فيه اجتهاد، أو عرف الصحابي بأخذه عن أهل الكتاب، يحتمل أنه أخذ هذا عن أهل الكتاب، يعني ثبت عن بعض الصحابة أنه قال: "الجراد نثرة حوت" يروى عنه -عليه الصلاة والسلام- لكن ضعيف؛ لكنه متلقى عن أهل الكتاب بلا شك، وإن ثبت عن بعض الصحابة؛ لكن هذا متلقى عن كعب وغيره، المقصود أن الصحابي إذا لم يعرف بالأخذ عن أهل الكتاب وقال قولاً لا مجال للرأي فيه، والمسألة مفترضة فيمن لا يفتري، صحابي، فلم يبق إلا أن يكون تحمله عن النبي -عليه الصلاة والسلام-.

(النوع التاسع: المرسل)

قال ابن الصلاح: وصورته التي لا خلاف فيها: حديث التابعي الكبير الذي قد أدرك جماعة من الصحابة وجالسهم، كعبيد الله بن عدي بن الخيار، ثم سعيد بن المسيب، وأمثالهما، إذا قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: والمشهور التسوية بين التابعين أجمعين في ذلك، وحكى ابن عبد البر عن بعضهم: أنه لا يعد إرسال صغار التابعين مرسلاً، ثم إن الحاكم يخص المرسل بالتابعين، والجمهور من الفقهاء والأصوليين يعممون التابعين وغيرهم.

قلت: كما قال أبو عمرو بن الحاجب في مختصره في أصول الفقه: المرسل قول غير الصحابي: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، هذا ما يتعلق بتصوره عند المحدثين، وأما كونه حجةً في الدين، فذلك يتعلق بعلم الأصول، وقد أشبعنا الكلام في ذلك في كتابنا (المقدمات)، وقد ذكر مسلم في مقدمة كتابه: أن المرسل في أصل قولنا وقول أهل العلم بالأخبار ليس بحجة، وكذا حكاه ابن عبد البر عن جماعة أصحاب الحديث، قال: وقال ابن الصلاح: وما ذكرناه من سقوط الاحتجاج بالمرسل والحكم بضعفه، هو الذي استقر عليه آراء جماعة حفاظ الحديث ونقاد الأثر، وتداولوه في تصانيفهم، قال: والاحتجاج به مذهب مالك وأبي حنيفة وأصحابهما في طائفة، والله أعلم.

قلت: وهو محكي عن الإمام أحمد بن حنبل في رواية، وأما الشافعي فنص على أن مرسلات سعيد بن المسيب حِسان، قالوا: لأنه تتبعها فوجدها مسندة، والله أعلم.

والذي عول عليه كلامه في الرسالة إن مراسيل كبار التابعين حجة إن جاءت من وجهٍ آخر ولو مرسلة، أو اعتضدت بقول صحابي أو أكثر العلماء، أو كان المرسل لو سمى لا يسمي إذا سمى إلا ثقة، فحينئذٍ يكون مرسله حجة، ولا ينتهض إلى رتبة المتصل، قال الشافعي، وأما مراسيل غير كبار التابعين فلا أعلم أحد قبلها، قال ابن الصلاح: وأما مراسيل الصحابة كابن عباس وأمثاله، ففي حكم الموصول؛ لأنهم إنما يروون عن الصحابة وكلهم عدول، فجهالتهم لا تضر، والله أعلم.

قلت: وقد حكى بعضهم الإجماع على قبول مراسيل الصحابة، وذكر ابن الأثير وغيره في ذلك خلافاً، ويحكى هذا المذهب عن الأستاذ أبي إسحاق الاسفرايني، لاحتمال تلقيهم عن بعض التابعين، وقد وقع رواية الأكابر عن الأصاغر، والآباء عن الأبناء، كما سيأتي -إن شاء الله تعالى-.

تنبيه: والحافظ البيهقي في كتابه (السنن الكبير) وغيره يسمي ما رواه التابعي عن رجل من الصحابة مرسلاً، فإن كان يذهب مع هذا إلى أنه ليس بحجة فيلزمه أن يكون مرسل الصحابة أيضاً ليس بحجة، والله أعلم.

المرسل: جمعه مراسل ومراسيل مثل مساند ومسانيد، ومفاتح ومفاتيح، مأخوذ من الإرسال وهو الإطلاق {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ}[(83) سورة مريم] في حديث عمر لما سمع القراءة على خلاف ما سمعها من النبي -عليه الصلاة والسلام- وقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أرسله)) يعني أطلقه، ثم أمره بالقراءة وأمر عمر أن يقرأ وقال: ((هكذا أنزل)) فهو مأخوذ من الإرسال الذي هو الإطلاق، أو من قولهم: ناقة مرسال، أي سريعة السير، أو من قولهم: جاء القوم إرسالاً يعني متفرقين، المقصود أن المرسل له عدة إطلاقات، لكنه في الاصطلاح مختلف فيه أيضاً.

يقول: "صورته التي لا خلاف فيها حديث التابعي الكبير الذي قد أدرك جماعة من الصحابة وجالسهم" حديث التابعي الكبير يعني الذي يرفعه التابعي الكبير إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا لا خلاف فيه، يعني وما عدا هذه الصورة من الصور مختلف فيه، فما رفعه التابعي الصغير إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- مختلف فيه، والانقطاع في أثناء السند يسميه بعضهم مرسل مختلف فيه، ما أبهم فيه الصحابي عن رجل صحب النبي -عليه الصلاة والسلام- كقول البيهقي مرسل مختلف فيه، لكن الصورة التي لا خلاف في إطلاق الإرسال عليها هو ما رفعه التابعي الكبير إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، كعبيد الله بن عدي بن الخيار، ثم سعيد بن المسيب وأمثالهم، فمثل هؤلاء إذا قالوا: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهو مرسل اتفاقاً، ولكن الأكثر والمشهور عند أهل العلم التسوية بين التابعين أجمعين، سواء في ذلك صغارهم وكبارهم ومتوسطيهم.

مرفوع تابعٍ على المشهورِ
أو سَقْطُ راوٍ منه ذو أقوالِ

 

مرسل أو قيده بالكبيرِ
والأول الأكثر في استعمالِ

"وحكى ابن عبد البر عن بعضهم: أنه لا يعد إرسال صغار التابعين مرسل" لا يعد إرسال صغار التابعين مرسل، إن كان القصد من حيث التسمية هذا شيء، إن كان القصد أيضاً من حيث الحكم؛ لأن إرسال كبار التابعين الذي يغلب على الظن أن هذا التابعي إنما تلقاه عن صحابي، أما الصغير يحتمل أنه سمعه من تابعي كبير، وهذا التابعي الكبير رواه عن تابعي احتمال أيضاً، كما سيأتي في بيان حكمه، فما رفعه التابعي عن النبي -عليه الصلاة والسلام- هو المرسل، والمشهور عند أهل العلم استواء الصغار والكبار في ذلك.

يقول: "ثم إن الحاكم يخص المرسل بالتابعين، والجمهور من الفقهاء والأصوليين يعمون التابعين وغيرهم" يعني ما رفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- من دون التابعي يسمى مرسل، بل بعضهم ما سقط من إسناده راوي فيعم جميع أنواع الانقطاع يسميه إرسال، لا شك أن هذا التعريف اللغوي يساعد على هذا، لكن العبرة بأهل الاصطلاح، العبرة بأهل الاصطلاح، جمهورهم على أن المرسل ما رفعه التابعي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، يقول الحافظ ابن كثير: قلت: قال أبو عمرو بن الحاجب في مختصره في أصول الفقه: المرسل قول غير الصحابي: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيشمل التابعي ومن دونه، ويشمل أيضاً من تأخر زمنه، إذا أضاف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- قولاً يسمى مرسل، على كلامه.

يقول: "هذا ما يتعلق بتصوره عند المحدثين" فالمرسل مختلف في حده، ما رفعه التابعي الكبير إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، ما رفعه التابعي مطلقاً سواء كان كبيراً أو صغيراً إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، ما سقط من أثناء إسناده أو من إسناده راوٍ أو أكثر، "وأما كونه حجةً في الدين فذلك يتعلق بعلم الأصول وقد أشبعنا الكلام في ذلك في كتابنا (المقدمات)" وهذا الكتاب لا وجود له فيما نعرف، الاحتجاج بالمرسل مسألة خلافية، طال فيها الخلاف بين أهل العلم، فمذهب مالك وأبي حنيفة الاحتجاج بالمراسيل، الشافعي اشترط لقبوله شروط على ما سيأتي، وأحمد في المشهور عنه رد المراسيل، وهكذا من جاء بعدهم، فنلاحظ التسلسل الزمني، كل ما تقادم العهد قبل المرسل، وإذا تأخر رد المرسل، حتى نقل ابن عبد البر عن التابعين بأسرهم أنهم يقبلون المراسيل، التابعين بأسرهم يقبلون المراسيل، وأنه لم يعرف الخلاف بذلك إلى رأس المائتين، يعني حتى جاء الإمام الشافعي، يعني من قبل الإمام الشافعي كلهم يقبلون المراسيل، الإمام الشافعي توسط فقبله بشروط، من جاء بعد الشافعي ردوا المراسيل.

واحتج مالك كذا النعمانُ
ورده جماهرُ النقادِ

 

به وتابعوهما ودانوا
للجهل بالساقط في الإسنادِ

يعني جماهر النقاد يعني من بعد الشافعي، أما من قبل الشافعي يعني إلى رأس المائتين فجماهير الأمة على قبول المراسيل، نقل عن سعيد أنه يرد المراسيل، وهذا في مقدمة التمهيد أيضاً، وإن كان في ثبوته من قوله فيه نظر، لكن قد يكون بفعله رد بعض الأخبار على بعض التابعين، احتمال.

ورده جماهرُ النقادِ
وصاحب التمهيد عنهم نقلهْ

 

للجهل بالساقط في الإسنادِ
ومسلم صدر الكتاب أصلهْ

قلنا: إذا كان التابعي يرفع الخبر إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- الاحتمال الأقوى أن هذا التابعي سمعه من صحابي، والصحابة كلهم عدول، فكيف نرد؟ قالوا: الاحتمال الآخر أن التابعي سمعه من تابعيٍ آخر، والتابعي سمعه من تابعيٍ ثالث، والتابعي الثالث من رابع إلى ستة، وقد وجد في إسناد حديث ستة من التابعين يروي بعضهم عن بعض، في حديث يتعلق بسورة الإخلاص مخرج في المسند وفي سنن النسائي، وهؤلاء التابعون فيهم من هو ضعيف؛ لأن التابعين ليس كلهم ثقات، بل فيهم المتكلم فيه، وإذا وجد هذا الاحتمال لم توجد غلبة الظن بثبوت الخبر، وحينئذٍ يكون من قسم الضعيف.

صاحب التمهيد عنهم نقلهْ

 

ومسلم صدر الكتاب أصلهْ

وإن كان ليس من قوله، مسلم ليس من قوله، وإنما ذكره على لسان خصمه، مسلم ذكر الكلام على لسان خصمه، ماذا يقول مسلم؟ يقول: "إن المرسل في أصل قولنا وقول أهل العلم في الأخبار ليس بحجة" هذا ليس من قول مسلم، وإنما الخصم الذي رد عليه مسلم في المقدمة قال هذا الكلام، ولم يعترض عليه.

يقول ابن الصلاح: "وما ذكرناه من سقوط الاحتجاج بالمرسل، والحكم بضعفه هو الذي استقر عليه آراء جماعة حفاظ الحديث، ونقاد الأثر، وتداولوه في تصانيفهم" نعم هو الذي استقر عليه الاصطلاح، قال:

ورده جماهرُ النقادِ

 

..................................

النقاد نقاد الحديث، صيارفته، جلهم بعد الشافعي، الإمام أحمد، البخاري، المديني، يحيى بن معين، ابن أبي حاتم، أبو زرعة، الدارقطني، كلهم بعد الشافعي، قال: "والاحتجاج به مذهب مالك وأبي حنيفة"، مقرر في كتب المالكية، في كتب الحنفية أيضاً، "وأصحابها في طائفةٍ، والله أعلم".

بل نقل ابن عبد البر عن الطبري أن التابعين بأسرهم أجمعوا على قبول المرسل، ولم يأتِ عنهم إنكاره ولا عن أحدٍ من الأئمة بعدهم إلى رأس المائتين، هذا الإجماع نقله ابن عبد البر في مقدمة التمهيد عن الطبري، ونقل ابن عبد البر أيضاً خلاف سعيد فهل يستدرك على الطبري بقول سعيد؟

الجواب: لا يستدرك على الطبري، لماذا؟ لأن الطبري يرى أن الإجماع قول الأكثر، الإجماع قول الأكثر وليس بقول الجميع، إنما قول الأكثر يعد إجماعاً، ولذا تفسيره مملوء بقوله: "اختلف القرأة في كذا" ثم يسرد القول الأول ويذكره لأكثر العلماء، ثم يذكر القول الثاني المخالف، ثم يقول بعد ذلك: "والصواب في ذلك عندنا كذا لإجماع القرأة على ذلك"، إجماع، وهو ساق الخلاف، لكن باعتبار قول الأكثر يسميه إجماع، وهذا من باب الاستطراد للفائدة.

يقول: إذا كان الساقط في المرسل هو الصحابي أليس جهالة الصحابي لا تضر؟ فلماذا لم يقبل المرسل خصوصاً إذا كان المرسل من كبار التابعين؟ هذا يقول: سؤال عاجل.

احتمال أن يكون الساقط من الصحابة، واحتمال أن يكون التابعي قد رواه عن تابعي آخر، وهذا التابعي احتمال أن يكون رواه عن تابعي ثالث، ذكرنا هذا فيما تقدم، وذكرنا أن حديث في فضل سورة الإخلاص مخرج في مسند الإمام أحمد وسنن النسائي فيه ستة من التابعين، وهذا أنزل إسناد في الدنيا ولا نظير له، ستة من التابعين يروي بعضهم عن بعض، لو قدرنا أن التابعي رفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- قلنا: مرسل، لكن فيه خمسة من التابعين سقطوا، حال هؤلاء الخمسة؟ هل نجزم أن هؤلاء الخمسة كلهم ثقات؟ لا، خمسة من التابعين يروي بعضهم عن بعض وهذا موجود، أربعة من التابعين كثير، أكثر من ذلك الثلاثة، المقصود أنه لا يتحتم أن يكون التابعي رواه عن الصحابي وأسقط الصحابي، وإلا لو جزمنا بذلك قلنا: أن جهالة الصحابي لا تضر، لكن ليس الأمر كذلك.

يقول: "قلت: وهو محكي عن الإمام أحمد في رواية" المذكورة في المسودة لآل تيمية، قبول المراسيل، "وأما الشافعي فنص على أن مرسلات سعيد بن المسيب حسان"، نعم قال: "وإرسال ابن المسيب عندنا حسن" في المختصر للمزني في الجزء الثامن من الأم، صفحة (78) "إرسال ابن المسيب عندنا حسن، قالوا: لأنها تتبعها فوجدها مسندة"، الشافعي -رحمه الله- يشترط لقبول المرسل شروط منها: ما يتعلق بالمرسِل، ومنها: ما يتعلق بالخبر المرسَل، فلا بد أن يكون المرسِل من كبار التابعين، وأن يكون ثقة، وأن يجيء الخبر المرسل من وجهٍ آخر ولو مرسل يرويه غير رجال المرسل الأول، وأن يعتضد المرسل بقول الصحابي أو أكثر العلماء يفتي به عوام أهل العلم كما نص على ذلك في الرسالة.

"أو كان المرسل إذا سمى لا يسمى إلا ثقة"، يعني لا يرسل عن كل أحد، لا يرسل إلا عن الثقات، "فحينئذٍ يكون مرسله حجةً، ولا ينتهض إلى رتبة المتصل"، فالمرسل وإن توافرت فيه هذه الشروط، واحتج به الإمام الشافعي إلا أنه دون المتصل، وإن شذّ بعضهم فرجح المرسل على المتصل، وهذا نقله ابن عبد البر وغيره عن بعضهم، لكنه شذوذ، قال الشافعي: "وأما مراسيل غير كبار التابعين فلا أعلم أحداً قبلها"، الذين أطلقوا كابن عبد البر والطبري وغيرهم أن من قبل الشافعي كلهم يقبلون المراسيل، يعني هل مالك وأبي حنيفة قيدوا هذه المراسيل بأن تكون هذه المراسيل من مراسيل كبار التابعين؟ ليقول الشافعي: "وأما مراسيل غير كبار التابعين فلا أعلم أحداً قبلها" يعني قول الإمام المطلع الكبير: لا أعلم كذا يدل على الإجماع؟ يساوي كلمة إجماع؟

طالب:.........

إيه على حسب علمه، ولذا قال الشافعي -رحمه الله-: أنه لا يعلم أحداً قال بزكاة البقر في أقل من ثلاثين مع أنه وجد من يقول بالعشر، وقول مالك: لا أعلم أحداً قال برد اليمين، مع أن قضاة عصره يقولون برد اليمين، ابن شبرمة وابن أبي ليلى يقولون برد اليمين، على كل حال هذه المسألة، قول الشافعي: "لا أعلم أحداً قبلها"، هو على حسب علمه، لا شك أنه إذا كان المرسل من كبار التابعين يغلب على الظن قلة الوسائط، بخلاف ما إذا كان المرسل من صغار التابعين.

قال ابن الصلاح: "وأما مراسيل الصحابة كابن عباس وأمثاله ففي حكم الموصول؛ لأنهم إنما يروون عن الصحابة وكلهم عدول، فجهالتهم لا تضر"، مراسيل الصحابة، الصحابي يرسل إما لصغر سنه أو لتأخر إسلامه، أو لغيبته عن شهود الحادثة، حديث بدء الوحي ترويه عائشة قبل أن تولد بدء الوحي، لكن يغلب على الظن أنها سمعته منه -عليه الصلاة والسلام-، لقوله في ذلك: ((فغطني)) أو ((فغتني)) غمني، فهي تحكي على لسانه -عليه الصلاة والسلام-، ابن عباس أكثر ما قيل فيما سمعه من النبي -عليه الصلاة والسلام- مباشرة الأربعين، حتى قيل أنها أربعة سمعها من النبي -عليه الصلاة والسلام- مباشرة، فيوجد الإرسال عند الصحابة، لكن الصحابة كلهم عدول، ولذا أجمعوا على قبول مراسيلهم، نُقل الإجماع، نقل الإجماع أكثر من واحد، السرخسي نفى الخلاف، والأسنوي والنسفي نقلوا الإجماع وغيرهم.

يحكى عن أبي إسحاق الإسفرايني أنه رد مراسيل الصحابة كمراسيل غيرهم لاحتمال أن يكونوا رووا ذلك عن التابعين؛ لأنه وجدت رواية بعض الصحابة عن بعض التابعين، كما أنه وجدت رواية النبي -عليه الصلاة والسلام- عن بعض الصحابة، فرواية الأكابر عن الأصاغر معروفة.

أما الذي أرسله الصحابي

 

فحكمه الوصل على الصوابِ

"تنبيه: والحافظ البيهقي في كتابه (السنن الكبير) وغيره يسمي ما رواه التابعي عن رجل من الصحابة مرسلاً، فإن كان يذهب مع ذلك أنه ليس بحجة، فيلزمه أن يكون مرسل الصحابي أيضاً ليس بحجة" يعني من باب أولى يعني إذا ذكر التابعي عن رجلٍ صحب النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا كان البيهقي يسمي هذا مرسل، فالمرسل الذي لا خلاف فيه من باب أولى، يعني إذا ذُكر أن هذا الصحابي رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- أو سمعه من النبي -عليه الصلاة والسلام- أو عمن صلى مع النبي -عليه الصلاة والسلام- يسميه مرسل، والجمهور على أنه ليس بمرسل، بل هو متصل في إسناده مبهم، والمبهم مجهول وجهالة الصحابة لا تضر.

ورسموا منقطعاً عن رجلِ

 

وفي الأصول نعته بالمرسلِ

يقول البرهان الحلبي:

قلت: الأصح أنه متصلُ

 

لكن في إسناده من يجهلُ

الذي في إسناده مبهم متصل، والذي في إسناده راوٍ مبهم هو من قبيل المتصل وليس من قبيل المرسل، والله أعلم.

 

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

يقول: طبعة سمير الزهيري لبلوغ المرام؟

طبعة لا بأس بها في الجملة، نعم وجد عليها ملاحظات في تصحيح بعض الأحاديث وتضعيفها، لكن هي في جملتها طيبة.

يقول: أين يوجد كلام أبي داود على الأحاديث في غير كتابه السنن؟

يوجد في السؤالات، سؤالات أبي عبيد الآجري، وفيه أيضاً أشياء وإن كانت يسيره في سؤالاته للإمام أحمد يذكر بعض الأشياء، وفي بعض الروايات ما يوجد دون بعض، يعني ذكرنا من سنن أبي داود مروي بروايات متعددة، كغيره من كتب السنة، فيوجد في روايات اللؤلؤ ما لا يوجد في رواية ابن العبد، ويوجد في رواية ابن العبد ما لا يوجد في رواية ابن داسة، فلا نجزم بأن أبا داود لم يتكلم على هذا الحديث ولم ينبه عليه، لأننا وقفنا على رواية واحدة حتى نجمع الروايات كلها.

يقول: طبعة دار العاصم لسبل السلام، تحقيق طارق عوض؟

هذه الطبعة ما رأيتها إلى الآن، وطارق عوض مظنة للتجويد.

يقول: ما أفضل الشروح للسنن الأربعة؟

الكلام في هذا يطول، والموازنة بينها يحتاج إلى وقتٍ طويل، هناك أشرطة سجلت في شروح الكتب الستة ومزاياها فليرجع إليها.

يقول: ما حد التواتر من حيث العدد القول الراجح فيه؟

القول الراجح أنه لا عدد محصور، بل إذا أفاد الخبر طمأنينة النفس والوثوق به وألزم السامع بتصديقه فقد بلغ حد التواتر، وفي هذا كلام يطول جداً من حيث لزوم الدور وعدمه يحتاج إلى وقتٍ لبسطه؛ لأن المسألة دقيقة وتحتاج إلى وقت للبسط، فتراجع الأشرطة المسجلة في شرح النخبة ونظمها.

يقول: رواية المستور الذي لم تتحقق أهليته مردودة -وهذا الكلام صحيح- يقول: فكيف يجعل ما يرويه من قبيل الحسن وعليه ينزل كلام الترمذي؟

يجعل ما يرويه من قبيل الحسن إذا توبع، إذا روي نحوه من وجهٍ آخر، كما نص على ذلك ابن الصلاح في كلامه.

يقول: يسأل عن طبعة فتح الباري دار السلام الجديدة؟

طبعوه أولاً وقالوا: إنهم طبعوه على الطبعة الأنصارية الهندية، وعلى بولاق وغيرها من الطبعات، ووجد في طبعتهم بعض الأخطاء التي لا توجد في الطبعات السابقة؛ لأن الكتاب كبير ويحتاج إلى جمع من المتأهلين لمقابلته والنظر في نسخه، وترجيح بعض الألفاظ على بعض، المقصود أنها طبعة لا بأس بها في الجملة، لكنها ليست خالية تماماً من الأخطاء، بكلامهم وقولهم أنهم قابلوها على الطبعات السابقة كلها، يوحي كلامهم أنها أفضل من الطبعات السابقة؟ لا، ليست بأفضل.
أحضرت عندنا في الدرس، ووقفنا على بعض الأخطاء التي لا توجد في غيره، وعلى كل حال طبعتهم الجديدة التي فيها التعليقات على مسائل الاعتقاد من أول الكتاب إلى آخره، ينبغي أن تقتنى ويستفاد منها هذه التعليقات.

يقول: ما دام تصحيح الترمذي وتحسينه ليس معتبراً كأحكام الشيخين، فما هي ثمرة الخلاف في قوله: حسن صحيح؟

قلت: إنما يحتاج إلى هذا الخلاف حينما نقول بتقليد المتقدمين في تصحيحهم وانقطاع التصحيح بالنسبة للمتأخرين وهو ما يراه ابن الصلاح، لكن الرأي والصواب في هذه المسألة أن المتأخر إذا تأهل للتصحيح والتضعيف أنه له ذلك، بل هو المتعيّن في حقه، على أن لا يخرج عن مجموع أحكام المتقدمين.

يقول: في الحديث الذي يتقوى بالمتابعات والشواهد، إذا كان الحديث في العقيدة، كيف يعقد المسلم عليه قلبه في أمور الاعتقاد مع أنه أصلاً لم يجزم بثبوت الحديث نفسه؟

الأحكام والعقائد والتكاليف مناطة بغلبة الظن، وإلا لو اشترطنا القطع ما ثبت لنا إلا القليل النادر، نعم يثبت، يصفو لنا القرآن وما تواتر من السنة، لكن إذا وجدت غلبة الظن في ثبوت الخبر كفت؛ لأن الأحكام مناطة بغلبة الظن، ولا يلزم أن نقطع بكل خبر نسمعه أو لا نعمل به، لا، يجب العمل به، وإن لم نقطع بثبوته، فالأحكام والعقائد مناطها غلبة الظن، ولا نقول: أنها تحتاج إلى دليل قطعي وإلا فلا، وإلا لم يثبت عندنا شيء يذكر، فعامة الأحاديث أخبار آحاد تفيد غلبة الظن إلا إذا احتفت بها قرينة على ما تقدم.