شرح متن الورقات في أصول الفقه (10)

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فقد قال المصنف -رحمه الله تعالى-:

والمجمل: ما يفتقر إلى البيان، والبيان: إخراج الشيء من حيز الإشكال إلى حيز التجلي، والمبين: هو النص، والنص: ما لا يحتمل إلا معنىً واحداً، وقيل: ما تأويله تنزيله، وهو مشتق من منصة العروس وهو الكرسي، والظاهر: ما احتمل أمرين أحدهما أظهر من الآخر، ويؤول الظاهر بالدليل ويسمى ظاهراً بالدليل.

أجملت الشيء إذا جمعته: هذه لغة مستعملة إلى الآن، إذا قيل لك: أجمل الحساب، أيش معناه؟

اذكر جملته وهي مجموعه، تقول: أجمل الأمر أي أبهم، وفي الحديث الصحيح في تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام، ثم السؤال عن شحوم الميتة، جاء في الخبر: ((قاتل الله اليهود؛ لما حرم عليهم الشحوم جملوها)): أي: أذابوها، فجمل: أذاب، وأجمل: جمع أو أبهم، أو حصَّل، على المعاني الثلاثة المذكورة.

ما علاقة الثلاثي بالرباعي؟ جمل وأجمل، بينهما علاقة؟ جملوه أذابوه، نعم؟

طالب:.......

جملوه: أذابوه، هل يفهم من الإذابة معنى الجمع أو الإبهام أو التحصيل؟

نعم كأن التحصيل أقربها.

عرف المصنف المجمل بأنه: ما يفتقر إلى البيان: وفي مختصر التحرير: ما تردد بين محتملين فأكثر على السواء، ما تردد بين محتملين فأكثر على السواء.

إن أمكن ترجيح أحد الاحتمالات هل يكون فيه إجمال؟ نعم؟

طالب:.......

نقارن بعض الأمور ببعض من أجل أن تتضح الرؤية: إذا لم يحتمل إلا معنىً واحداً يدخل في المجمل؟ نعم؟

طالب:.......

نص، نص لا يحتمل إلا معنىً واحداً.

إذا احتمل أكثر من معنى وكانت هذه المعاني متفاوتة، الاحتمال الأقوى يسمى..؟

طالب: الظاهر.

الظاهر، والأضعف؟

طالب:.......

نعم، وإذا احتملهما على السواء: إجمال، إجمال، فما تردد بين محتملين فأكثر على السواء هذا هو المجمل، فإن أمكن ترجيح أحدهما على الآخر انتفى الإجمال، يعني: كما يقال في الحديث: إذا روي على أوجه مختلفة متساوية، نعم، فهو أيش؟ إذا روي الحديث على أوجه مختلفة متساوية نعم؟

طالب: مضطرب.

مضطرب، فإذا أمكن ترجيح بعضها على بعض انتفى الاضطراب، وهنا إذا أمكن ترجيح أحد الاحتمالات على بعض انتفى الإجمال، وحينئذ يكون الراجح هو الظاهر والمرجوح هو أيش؟ المؤول.

إذا وجدنا لفظاً أو نصاً بهذه الصفة، نص من كتاب أو سنة بهذه الصفة يحتمل أمرين على السواء، فحينئذ نعمل بأي المعنيين؟ نعم؟

طالب:.......

نتوقف؛ لأن عملنا بأحد الاحتمالين المستويين دون مرجح أيش؟ تحكم تحكم، فلا بد من المرجح، وإذا وجد المرجح انتفى الإجمال، حكم المجمل حينئذ التوقف حتى يوجد البيان الخارجي.

يقول: المجمل هو ما يفتقر إلى البيان، والبيان إخراج الشيء من حيز الإشكال إلى حيز التجلي، والمبين هو النص.

أسباب الإجمال:

ذكروا للإجمال أسباباً منها: عدم معرفة المراد؛ للاشتراك في الدلالة كالقرء؛ القرء متردد بين الطهر والحيض، وقد جاء في اللغة ما يدل على هذا وما يدل على ذاك، فنحتاج حينئذ إلى مرجح، ولذا يختلف أهل العلم في المراد بالقرء في قوله تعالى: {بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ} [(228 البقرة]: فذهب بعضهم إلى أن الأقراء المراد بها الحِيَض، وذهب آخرون إلى أن المراد الأطهار، هذا سبب من أسباب الإجمال.

السبب الثاني: عدم معرفة الصفة، كما في آية الحج وآية الزكاة والصلاة -الآيات المجملة فيها-: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ} [(43) سورة البقرة]: يعني لو لم ينزل في الصلاة إلا هذه الآية: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ}، كيف نقيم الصلاة؟ نحتاج إلى بيان؛ لأن اللفظ مجمل، وسبب ذلك عدم معرفة الصفة.

{وَآتُواْ الزَّكَاةَ} [(43) سورة البقرة]: نفس الشيء.

{وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [(97) سورة آل عمران]: كيف يحج؟ نعم هناك حج موروث قبل نزول الآية، لكن هل يجزئ حجاً شرعياً؟ نعم؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- ثبت أنه حج قبل فرض الحج عليه، نعم، بدليل؟ نعم؟

طالب:.......

نعم رؤي في عرفة، من الذي رآه؟

طالب: جبير بن مطعم

حينما أضل بعيره، وجده في عرفه وتعجب من كونه -عليه الصلاة والسلام- في عرفة وهو من الحمس، وهذا في الصحيح، وجبير بن مطعم في حجة الوداع مسلم، ما يتعجب من كون النبي -عليه الصلاة والسلام- في عرفة، فدل على أن هذه حجة قبل فرض الحج.

على كل حال حصل البيان -بيان الصلاة- بفعله -عليه الصلاة والسلام- وبقوله، حصل بيان الزكاة بقوله، ذكر الشروط وذكر الأنصبة واشتراط الحول، كل هذا حصل، وأنواع ما يزكى.

وحصل بيان الحج بفعله -عليه الصلاة والسلام- وقوله، وثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) وصلاته بيان للمجمل، حجه وأفعاله التي أداها في المناسك بيان للمجمل، وهكذا.

من أسباب الإجمال: عدم معرفة المقدار، كما في قوله تعالى: {وَآتُواْ الزَّكَاةَ} [(43) سورة البقرة] فمقادير الزكاة مجمل يحتاج إلى بيان، وقد بينه النبي -عليه الصلاة والسلام- بقوله.

يقول الناظم:

ما كان متحاجاً إلى بيان
إخراجه من حيز الإشكال
كالقرء وهو واحد الأقراء

 

فمجمل وضابط البيان
إلى التجلي واتضاح الحال
جفي الحيض والطهر من النساء

والبيان الذي يقابل الإجمال: مأخوذ من التبيين الذي هو فعل المبيِّن -بكسر التحتية- وهو الموضِّح، وبفتحها المبَيَّن وهو النص الموضَّح.

عرف المصنف البيان بقوله: إخراج الشيء من حيز الإشكال إلى حيز التجلي: يقال: في الإشكال هو الخفاء، والتجلي هو الظهور، فيقال: بان الأمر وتبين، بمعنى اتضح وانكشف.

فالبيان إخراج، البيان إخراج، المبين هو النص، ما الذي يرد على تعريف المصنف؟

طالب:.......

يرد عليه النصوص البينة التي لا تحتاج إلى بيان، هل جميع النصوص في أول الأمر مجملة تحتاج إلى بيان، أو فيها ما لا يحتاج إلى بيان؟

نعم، في أمور واضحة لا تحتاج إلى بيان، فعندنا مجمل ومبين..، أنتم معي يا إخوان وإلا..؟

فقول المصنف: البيان: إخراج الشيء من حيز الإشكال إلى حيز التجلي: أورد عليه بعضهم أنه لا يشمل التبيين ابتداءً قبل تقرير الإشكال؛ لأنه ليس فيه إخراج من حيز الإشكال إلى حيز التجلي، هذا إيراد على المؤلف، لكن هل يمكن أن يرد على المؤلف أو لا يرد؟ تأملوا.

طالب: لا يرد.

لا يرد، لماذا؟

طالب:.......

الآن هل المؤلف يعرف المبين مطلقاً، أو يعرف البيان للمجمل؟ نعم، يعرف الثاني، إذن لا إيراد؛ لأن بيان المجمل إخراج للمجمل من حيز الإشكال إلى حيز التجلي، فلا إيراد.

ثم قال: والنص ما لا يحتمل إلا معنىً واحداً، وقيل: ما تأويله تنزيله، وهو مشتق من منصة العروس وهو الكرسي: النص في اللغة: الظهور، مشتق -كما قال المؤلف- من منصة العروس، وهو الكرسي: الذي تنص عليه العروس: أي ترفع لتظهر للناظرين.

والعروس يقال للرجل والمرأة معاً، هذا عروس وذاك عروس، هذه عروس، وهذا عروس، زيد عروس ودعد عروس؛ ماداما في عرسهما، يعني في أيام العرس، كما في القاموس.

قول المؤلف: مشتق من منصة العروس: النص نوعه..، النص أيش نوعه؟ فعل وإلا اسم، اسم فاعل، اسم مفعول، صفة مشبهة، صيغة مبالغة، وأيش يصير؟

طالب:.......

نعم، مصدر، يقول: النص مشتق من منصة العروس، وإذا قررنا أنه مصدر، المصدر أصل وإلا مشتق؟ أصل، وليس بمشتق، وهنا يقرر أنه مشتق من منصة العروس، وفي قوله: مشتق من منصة العروس: مسامحة -يعني تجوز-؛ لأن المصدر لا يشتق من غيره على الصحيح بل غيره يشتق منه، فالمنصة مشتقة من النص، المنصة مشتقة من النص –العكس- والنص لغة: الرفع، فإذا ظهرت دلالة اللفظ على معناه كان ذلك في معنى رفعه على غيره.

فقوله: مشتق من منصة العروس: لم يرد به الاشتقاق الاصطلاحي؛ عرفنا أن الأصل في المشتقات كلها المصدر، ولذا يقول ابن مالك: وكونه أصلاً لهذين انتخب: يعني الفعل والمشتق، اسم الفاعل اسم المفعول- إيه، وكونه أصلاً لهذين انتخب، نعم، هذا رأي من؟

البصريين، عند الكوفيين العكس الأصل الفعل، لكن الأكثر على رأي البصريين، وعلى هذا يراد به الاشتقاق الاصطلاحي أو لا؟ لا، لم يرد به الاشتقاق الاصطلاحي، وإنما أراد مجرد الاشتراك في المادة.

نظيره قول الفقهاء في البيع: إنه مشتق من الباع؛ لأن كل واحد من المتبايعين يمد باعه، هل يريدون بهذا الاشتقاق الاصطلاحي؟ البيع مصدر، نعم، هل يريدون بهذا الاشتقاق الاصطلاحي؟

لا، إنما هذا تجوز ومسامحة، يريدون بذلك مطلق الاشتراك في أصل المادة، وإلا فالأصل أن المصدر هو أصل الجميع.

عرف المصنف النص اصطلاحاً بقوله: ما لا يحتمل إلا معنىً واحداً: هذا النص وعرفنا أن ما يحتمل معنيين على حد سواء هو المجمل، إذا ترجح أحدهما فهو أيش؟

الظاهر، والمرجوح يقال له: المؤول، وهذا نظير ما يقال في المعلوم، نعم، إما أن يحتمل النقيض أو لا، والذي لا يحتمل النقيض إما أن يكون مع احتمال مساوٍ أو راجح أو مرجوح، فالذي لا يحتمل النقيض هو العلم، والذي يحتمله مع رجحان الاحتمال يقال له: الظن، ومع المرجوحية يقال له: الوهم، والمساواة يقال لها: الشك، هذا قريب منه جداً.

ما لا يحتمل إلا معنىً واحداً: في قوله تعالى: {ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ} [(3) سورة النساء]: أيش معنى: {تَعُولُواْ}ا؟ نعم؟ من يقرأ الآية كاملة؟ هاه، نعم؟

طالب:.......

اللي قبله.

طالب:.......

{ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ}: أيش معنى: {تَعُولُواْ}؟

طالب:.......

وقيل: يكثر عيالكم.

طالب:.......

نعم، كثرة العيال، أيش المعنى الصحيح في الآية، الآية محتملة لمعنيين، المعنى الذي يراه الإمام الشافعي معناه: ألا تفتقروا بكثرة العيال، لا تتزوج إلا واحدة؛ لئلا يكثر أولادك فتفتقر، والمعنى الثاني: ألا تميلوا، المعنى الثاني هو المرجح عند أكثر أهل العلم، والأول هو المرجح عند الشافعي، فعلى كل حال الذي يظهر من نصوص الشريعة ومقاصدها أن كثرة العيال مطلوبة وإلا غير مطلوبة في الشـرع؟

مطلوبة، وهذا يرجح قول الأكثر على قول الإمام الشافعي.

ما لا يحتمل إلا معنىً واحداً، وقيل: ما تأويله تنزيله: يعني مجرد ما يسمع يُفهم، أي يفهم معناه بمجرد نزوله، ولا يتوقف فهمه على تأويله كقوله تعالى: {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [(196) سورة البقرة]: مثل بعضهم بهذا؛ هذا لا يحتمل من حيث العدد -ثلاثة زائد سبعة يساوي عشرة- في أحد يقول: احتمال يصيروا إحدى عشر أو تسعة؟! ولذا جاء بعد ذلك {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [(196) سورة البقرة]، نعم هذا لا يحتمل غير هذا العدد فهو أيش؟ نص، ليس لأحد أن يجتهد فيزيد أو ينقص -هذا بالنسبة إلى العدد- لكن هناك إشكالات حول أيش؟ حول وقت الثلاثة، صام قبل الوقوف أو بعد الوقوف ومتى؟ بعد الإحرام مباشرة؟ وهل يصوم يوم عرفة منها؟ أو ينتظر إلى أيام التشريق؟

المقصود أن فيه..، ليس فيه بيان للوقت إنما فيه إجمال للثلاثة في الحج، والسبعة إذا رجعتم، السبعة أيضاً إذا رجعتم إذا تحقق رجوعكم إلى أهليكم، أو إذا شرعتم في الرجوع؟ لأن الفعل الماضي رجع، يطلق ويراد به الفراغ من الشيء ((إذا كبر فكبروا)): إذا فرغ من التكبير كبروا، يطلق ويراد به الشروع في الشيء: ((إذا ركع فاركعوا)): ما هو معناه إذا فرغ من الركوع فاركعوا، نعم، يطلق ويراد به إرادة الشيء؛ هل معنى قوله: {إِذَا رَجَعْتُمْ}: إذا أردتم الرجوع؟ كما في قوله: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [(6) سورة المائدة]، قوله: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ} [(98) سورة النحل]، يعني إذا أردت القراءة، فهل معنى {إِذَا رَجَعْتُمْ} مثل هذا إذا أردتم الرجوع؟ نعم؟

هذا إجمال، فيمكن أن يمثل بالآية الواحدة للمجمل وللمبين، نعم، للنص وللظاهر في آن واحد مع انفكاك الجهة، ما يرد النص والظاهر والمؤول في نص واحد من جهة واحدة، لا يمكن، لماذا؟ لأنها أمور..، أيش؟ متعارضة، فلا يمكن أن تطلب في نص واحد، أو توجد في نص واحد.

يقول الناظم:

والنص عرفاً لفظ وارد
كـ(قد رأيت جعفراً) وقيل ما

 

لم يحتمل إلا لمعنىً واحد
تأويله تنزيله فليعلما

يقول: تراءى لي جعفر، رأيت جعفراً: لا تشك في شخصه ولا في اسمه، هل يقال مثلاً: إنك رأيت محمداً وإلا زيداً؟ احتمال؟ احتمال أن يكون زيد وإلا محمد؟ لا؛ أنت رأيت جعفراً.

ثم قال -رحمه الله-: والظاهر ما احتمل أمرين أحدهما أظهر من الآخر، ويؤول الظاهر بالدليل ويسمى ظاهراً بالدليل: أيش معنى هذا؟

طالب:.......

والظاهر ما احتمل أمرين أحدهما أظهر من الآخر، ويؤول الظاهر بالدليل ويسمى ظاهراً بالدليل: عرفنا أن الاحتمال الراجح من المعاني هو أيش؟ الظاهر، والمرجوح هو المؤول، وعرفنا أن ما يحتمل هو المجمل، وما لا يحتمل هو النص.

الظاهر: عرفوه في اللغة بأنه الواضح، وقال بعضهم: البيِّن الذي لا خفاء فيه، وعرفه المؤلف اصطلاحاً بأنه ما احتمل أمرين أحدهما أظهر من الآخر: عندنا الأسد، إذا قلت: رأيت أسداً، كم الاحتمالات الواردة في هذه اللفظة؟

طالب:.......

أنت إذا قلت أو قيل لك..، قال لك زميلك: رأيت أسداً، كم يحتمل؟

طالب:.......

كيف؟

طالب:.......

احتمالين، واحد يقول ثلاثة، ما فيه رابع؟

طالب:.......

قبل النظر في القرائن هذا النص ماذا يحتمل؟ وهناك احتمال راجح واحتمال مرجوح، وإذا وجدت القرينة للمرجوح صار هو الظاهر، والخالي عن القرينة يصير مؤول حينئذ، نعم؟

احتمالات ثلاثة، أظهر هذه الاحتمالات أنه أيش؟ الحيوان المفترس؛ لأن هذه حقيقته، والحقيقة أظهر من غيرها، الاحتمال الثاني أيش؟ الرجل الشجاع؛ لأن الشجاعة تظهر للناس، ويشبهون الشجاع بالأسد، الاحتمال الثالث..هاه؟

طالب:.......

كيف؟

طالب:.......

لا، لا ما هو الكلام في الرؤية، في لفظ الأسد، الاحتمالات في لفظ الأسد، نعم؟

طالب:.......

الاحتمال الأول -وهو الظاهر-: الحيوان المفترس، الثاني: الرجل الشجاع.

طالب:.......

كيف؟

طالب:.......

لا، لا لا، لا الاحتمال الثالث، مذكور ذكرناه مراراً في بعض الدروس: الأبخر، أيش معنى الأبخر؟ الرجل الذي فيه بخر، أيش هو البخر؟

نعم الرائحة الكريهة التي تنبعث من فمه، يقال له: أسد ليش؟ لأن الأسد أبخر، فيشبه به من تنبعث منه الرائحة الكريهة من هذه الحيثية، وهذا تشبيه فيه خفاء وغموض، فالتشبيه بالأسد في الشجاعة والقوة أظهر من التشبيه به في الرائحة.

فعندنا ثلاثة احتمالات، احتمال أقوى، والاحتمال الثاني: مرجوح لكنه أرجح من الاحتمال الثالث، فإن استبعدنا الاحتمال الأول، دخل رجل وقال قائل: هذا أسد، هل يحتمل أن يكون حيواناً مفترساً؟ لا يحتمل، انتهى الاحتمال الأول، يبقى عندنا احتمال راجح ومرجوح، احتمال راجح أن يكون هذا الرجل شجاعاً مثل الأسد واحتمال ثاني وهو مرجوح أيضاً أن يكون أبخراً -تنبعث منه روائح كريهة كالأسد- وهذا ما أشار إليه المؤلف بأن المؤول قد يكون ظاهراً بالدليل "ويؤول الظاهر بالدليل، ويسمى ظاهراً بالدليل": يسمى المؤول ظاهراً بالدليل.

إذن عندنا الظاهر كما قال المؤلف: هو الاحتمال الأرجح، والمؤول الاحتمال المرجوح، لكن في النصوص..، ما الواجب في تفسير النصوص؟

حملها على الظاهر، ولا يلجأ إلى الاحتمال المرجوح إلا لدليل يقتضيه، يمنع من إرادة الحقيقة -وهو الظاهر- إذا وجد دليل يمنع، فلا بأس من حمله على المعنى المرجوح، وهذا الاحتمال المرجوح هو الذي سلكه المبتدعة في تأويل الصفات، ففي مثل قوله الله -جل وعلا-: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [(10) سورة الفتح]: الاحتمال الراجح، أنها اليد الحقيقية التي تليق بالله -عز وجل- والاحتمال المرجوح أنها النعمة أو القوة، أو القدرة، هذا احتمال مرجوح، كيف سلك المبتدعة هذا الاحتمال وهو مرجوح وقدموه على الحقيقة؛ بحجة التنزيه لله -عز وجل- أن تكون له يد جارحة، لماذا؟ لأنهم توهموا أنه لا يد إلا كـ(يد) تشبه المخلوق، إلا يد تشبه يد المخلوق، فإذا قلنا: يد حقيقية كما قال -عز وجل- عن نفسه، لكنها لا تشبه المخلوق؛ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [(11) سورة الشورى]، تليق بجلاله وعظمته، جمعنا بين التفسير بالاحتمال الراجح وهو الظاهر، ولم نسلك الاحتمال المرجوح، ومع ذلكم لم نقع في المحظور.

طالب: هل يمكن أن نأخذ احتمالات..........؟

المقصود أن فيه وجه شبه من الأسد، إذا وجد فيه وجه شبه من الأسد لا بأس، نعم، ولذلك الألقاب..، الألقاب عند أهل الحديث وغيرهم من صروف العلم، يوجد في كتب التراجم بحث يقال له: الألقاب، وفي كتب مستقلة للألقاب، نزهة الألباب في الألقاب، وغيرها من الكتب، تجد الشخص يلقب بأدنى مناسبة، نعم، فيحتاج حمله على الاحتمال المرجوح إلى دليل يقتضي ذلك ويمنع من إرادة الحقيقة، فلا يصح التأويل بمجرد الاحتمال، وإذا لم يوجد دليل فالتأويل فاسد مردود؛ لأنه دعوى بلا برهان كتأويل المبتدعة نصوص الصفات.

وإذا وجد الدليل المقتضي للتأويل صار ظاهراً بسبب الدليل، ولذا قال المؤلف: "يسمى ظاهراً بالدليل"؛ لأن الظاهر نوعان، ظاهر من جهة اللفظ وظاهر من جهة الدليل، الآن إذا وجد في المسألة أكثر من قول لأهل العلم، ثم بحثت هذه المسألة بأدلتها ووجد أن بعض الأقوال أرجح من بعض بالدليل؛ ألا يعبر العلماء: وهذا هو الظاهر، أو هذا هو الأظهر؛ لقوة دليله؟ نعم، لقوة دليله.

وقد يكون من حيث اللفظ الثاني أظهر، وقد يكون من جهة اللفظ الثاني أظهر، فالمعية -مثلاً- المعية بالنسبة لله -عز وجل-.: الاحتمال الراجح هو طرد نصوص الصفات على ظاهرها مع نفي توهم التشبيه -هذه القاعدة المطردة عند السلف قاطبة في جميع الصفات- المعية قال أهل العلم: إن منها معية النصر والتأييد وهي المعية الخاصة، والمعية العامة هي معية أيش؟

العلم، {لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا} [(40) سورة التوبة]: يعني بنصره وتأييده -معية خاصة- {وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ} [(7) سورة المجادلة]: بعلمه، هذا الاحتمال الراجح وإلا المرجوح؟ طرداً للباب؟ نعم؟

طالب:.......

نقرر المسألة على أصولها: هذا الاحتمال الراجح وإلا الاحتمال المرجوح؟ في الأصل، في الأصل يعني؟ يعني إذا أولت المعية بالعلم هذا الاحتمال الراجح؟

الاحتمال المرجوح، لكن ما الذي اضطرنا أن نعدل عن الاحتمال الراجح إلى المرجوح؟

الدليل؛ إجماع السلف على هذا، السلف قاطبة قالوا: المعية هنا العلم، ولا يعرف لهم مخالف، يعني لولا وجود الإجماع من السلف لطردنا الباب، وحينئذ تكون معية حقيقية ذاتية -كما قال بعض أهل العلم- والمسألة عرفت وانتشرت واشتهرت نعم، ولولا انتشارها ووجود من يقول بذلك كان إخفائها بعد عن صغار المتعلمين أولى، نعم، أقول: الاحتمال المرجوح لجأنا إليه بالدليل، يعني هل لنا أن نفسر النصوص بتفسير يخالف ما اتفق عليه سلف هذه الأمة؟ ليس لنا ذلك، ليس لنا ذلك، نعم لنا أن نختار من أقوالهم إذا اختلفوا ما نرجحه بالدليل، أما أن نحدث تفسيراً جديداً غير ما قالوا به، ونقل عنهم وأثر عنهم ليس لنا ذلك فنقول: المراد بالمعية هنا العلم، وهو الظاهر من اللفظ بالدليل؛ لأن الظهور أحياناً يكون من جهة اللفظ، وأحياناً يكون من جهة الدليل.

يقول الناظم -رحمه الله تعالى-:

والظاهر الذي يفيد ما سمع
كالأسد اسم واحد السباع
والظاهر المذكور حيث أشكلا
وصار بعد ذلك التأويل

 

معنىً سوى المعنى الذي له وضع
وقد يرى للرجل الشجاع
 مفهومه فبالدليل أولاً
مقيداً في الاسم بالدليل

بعد هذا الأفعال.

الأفعـال:

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: فعل صاحب الشريعة: فالأفعال جمع واحدها فعل، وفعل صاحب الشريعة أحد وجوه السنن، وقسم من أقسام الحديث والسنة؛ لأن الحديث -ويرادفه السنة- ما أضيف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- من قول أو فعل أو تقرير أو وصف، والمؤلف هنا ذكر الفعل والتقرير.

جرت عادة الأصوليين جمع وجوه السنن كلها القول والفعل والتقرير..، الوصف يذكرونه في كتب الأصول وإلا ما يذكرونه؟ ما يذكرونه؛ لأنه لا يتعلق به مباحث تتعلق بالمكلفين، إنما الوصف هاه؟ الشمائل، نعم؟

وصفه -عليه الصلاة والسلام- أوصافه الذاتية، للمكلف فائدة من ذكره في أصول الفقه وإلا ما له فائدة؟

هو أحد وجوه السنن وفيه كتب الشمائل، فيه كتب الشمائل يحتاج المكلف منه ما يدخله الاختيار، دون ما هو محض إجبار، أيش معنى هذا الكلام؟

إذا ذكروا في الشمائل طول النبي -عليه الصلاة والسلام- وعرضه بعد منكبيه، كان شثن الكفين، ضليع الفم، حينما يذكر هذا هل للمكلف أن يقتدي به ويقلده في هذه الأمور؟

هذه أمور جبرية خلقية، نعم، ليس للإنسان مناص، كونه طويل، أزهر اللون، ماذا يعني المكلف من هذا؟ نعم، أوصافه تدخله في قلب السامع، بلا شك؛ لأنها أوصاف كمال بشري، نعم، يستفيد منها المكلف من هذه الحيثية، أما من حيث الاقتداء فلا، نعم أوصافه -عليه الصلاة والسلام- التي يدخلها الاختيار كث اللحية، يحتاج المكلف إلى مثل هذا، لماذا؟ لئلا يتعرض للحيته بشيء، فنحتاج من الشمائل الأنواع الجبلي الجبري، وأيضاً الاختياري، وهذا موضوعه الشمائل.

عندنا القول وهو الأصل في الباب، وهو الذي له العموم -كما قرر أهل العلم- والفعل كما قالوا: لا عموم فيه؛ لأن العموم من خواص القول، ويذكر أيضاً التقرير، فالأصوليون يبحثون في مباحث السنة القول والفعل والتقرير، وهنا المؤلف قدم الفعل والتقرير، والأصل أن تجمع وجوه السنن من قول أو فعل أو تقرير في مبحث مستقل، كما يصنعه كثير من الأصوليين.

والمؤلف هنا أردف الأفعال ذكر الأفعال وأردفها بالإقرار وكان الأولى بالمصنف جمعها كغيرها، كغيره؛ لأن التفريق تشتيت للدارس، يعني لما الطالب يدرس الأفعال والتقرير ثم تترك السنة إلى مباحث أخرى، نعم، تشتيت للدارس لا سيما المبتدئ الذي من أجله أُلِّفت هذه الورقات.

هنا يقول: فعل صاحب الشريعة: يعني النبي -عليه الصلاة والسلام- مفاده أن فيه تفصيل، مفاد كلامه أن فعل النبي فيه تفصيل؛ لأنه لا يخلو إما أن يكون فعل هذا الفعل على وجه القربة والطاعة -والقربة والطاعة بمعنى واحد- أو لا يكون -يعني فعله- على وجه القربة والطاعة؛ إن كان النبي -عليه الصلاة والسلام- فعل عملاً هذا العمل متقرباً به إلى الله -عز وجل- هذا له حكم، إذا كان فعله لا على وجه التقرب والطاعة هذا له أيضاً حكم، فإن كان على وجه القربة والطاعة، فلا يخلو إما أن يدل الدليل على كونه من خصائصه -عليه الصلاة والسلام- أو لا يدل الدليل على الاختصاص، فإن دل الدليل على كونه من الخصائص، لا بد من الدليل للحكم بالخصوصية، إن دل الدليل على كونه من الخصائص كجمعه بين أكثر من أربع نسوة، ووصاله في الصيام، حمل على ذلك، نقول: هذا خاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، وجاء في قضاء فائتة راتبة الظهر بعد صلاة العصر ما يدل على أنه من خصائصه، فإذا دل الدليل قلنا: هذا خاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام- ولا نقتدي به فيه.

يعني لو قال شخص: الرسول -عليه الصلاة والسلام- تزوج اثنا عشر، ومات عن تسع وأنا أريد أن أقتدي، نقول: لا؛ هذا من الخصائص؛ دل الدليل على أنه من الخصائص، لكن إذا كان مجرد الحكم بأنه من الخصائص، مجرد استرواح وميل ودفع تعارض بين نصوص، هل يكفي أن يحكم بأنه من الخصائص، أو لا بد أن يدل الدليل على أن هذا من الخصائص؟ فمثلاً: كشف الفخذ في الصحيح من حديث أنس: "حسر النبي -عليه الصلاة والسلام- عن فخذه"، وجاء في حديث جرهد: ((غطِّ فخذك؛ فإن الفخذ عورة)) نعم؟ قالوا: حسر الفخذ من خصائصه -عليه الصلاة والسلام- بدليل أنه أمر غيره بتغطية الفخذ، يكفي لأن يحكم بأن هذا من الخصائص؟ يكفي مثل هذا الرفع للتعارض بين النصين أن نقول: هذا من الخصائص، أو لا يكفي؟ نعم؟ طالب:.......

قال به جمع من أهل العلم، قالوا: هذا من الخصائص؛ لرفع التعارض بين النصوص.

نقول: تغطية الفخذ أكمل أو حسره أكمل -بالنسبة للبشر- أيهما أكمل؟

التغطية أكمل، الستر أكمل، كل كمال يطلب من الأمة النبي -عليه الصلاة والسلام- أولى به، لا يمكن أن يتصور أن يطلب من الأمة كمال أكمل من نبيها -عليه الصلاة والسلام- ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟

يعني حينما يقال في النهي عن استقبال الكعبة واستدبارها ببول أو غائط: جاء النهي: ((لا تستقبلوا ولا تستدبروا ولكن شرقوا أو غربوا))، فيأتي حديث ابن عمر قبل أن يقبض النبي -عليه الصلاة والسلام- بعام ويرى النبي -عليه الصلاة والسلام- يقضي حاجته مستدبراً الكعبة، يقول بعضهم: هذا من خصائصه -عليه الصلاة والسلام- والنهي للأمة وهو له أن يفعل ذلك، نقول: احترام وتعظيم شعائر الله –كالكعبة- كمال وإلا نقص؟

كمال، إذن النبي -عليه الصلاة والسلام- أولى به، وإن قال بعض أهل العلم: إن هذا من الخصائص، ظاهر وإلا ما هو بظاهر، إذن نبحث عن جمع آخر في النصين وهكذا.

وإن لم يدل الدليل على الاختصاص به -عليه الصلاة والسلام- كالتهجد وصيام النوافل وغير ذلك من أفعاله -عليه الصلاة والسلام- فالأصل الاقتداء به -عليه الصلاة والسلام- والائتساء، كما قال -جل وعلا-: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [(21) سورة الأحزاب]: أي قدوة صالحة، والإسوة والأُسوة -بكسر الهمزة وضمها- لغتان قرئ بهما في السبعة.

اختلف العلماء في مقتضى الفعل المجرد عن القول: مقتضى الفعل، النبي -عليه الصلاة والسلام- عمل عملاً -فعل فعلاً- على وجه القربة والطاعة، وقلنا: إن هذا يقتدى به -عليه الصلاة والسلام- في هذا الفعل، يقتدى به لكن على سبيل الوجوب أو على سبيل الندب؟

إذا فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- فعلاً على سبيل التقرب إلى الله -عز وجل- والطاعة عرفنا أنه يُقتدى به؛ لقول الله -جل وعلا-: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}: أما إذا فعل الفعل لا على وجه القربة والطاعة فلا يقتدى به فيه -عليه الصلاة والسلام- على ما سيأتي تفصيله في كلام الشوكاني، وإن عمله ابن عمر رضي الله تعالى عنه.

ابن عمر -رضي الله عنهما- في هذا الباب لم يتابع عليه، على فعله، فعل أفعالاً اقتدى بها في النبي -عليه الصلاة والسلام- وهي مجرد أفعال عادية، يفعله النبي -عليه الصلاة والسلام- لا على سبيل التقرب، وذكر ابن عبد البر وغيره عنه أنه كان يكفكف دابته من أجل أيش؟

طالب:.......

نعم؛ أن تطأ أقدامها على موطئ أقدام دابة النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا من شدة اقتدائه وائتسائه بالنبي -عليه الصلاة والسلام- لكنه لم يوافق على ذلك، لم يوافق على ذلك، أي مكان يبيت فيه أو يجلس فيه النبي -عليه الصلاة والسلام- يذهب إليه ويجلس فيه، وكبار الصحابة -علماؤهم فقهاؤهم سلف الأمة قاطبة- لم يفعلوا مثل هذا الفعل، فدل على أنه ليس بمحلٍ للائتساء ولا للاقتداء.

على كل حال إذا كان فعله -عليه الصلاة والسلام- على سبيل القربة والطاعة -وهو الذي يهمنا- هل اقتداؤنا به على سبيل الوجوب واللزوم، أو على سبيل الاستحباب؟

العلماء اختلفوا في مقتضى الفعل المجرد عن القول، فذهب جمع من أهل العلم إلى أنه يحمل على الوجوب في حقه -صلى الله عليه وسلم- وفي حقنا؛ لأنه الأحوط.

فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- فعلاً متقرباً به إلى الله -عز وجل- لا بد أن تفعل، إن لم تفعل أثمت، قالوا: هذا هو الأحوط في حقنا، وبذلك قال مالك وبعض الشافعية ورواية عن الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- دليلهم قوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [(7) سورة الحشر].

واستبعد إمام الحرمين هذا القول في البرهان وحملوا الآية: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} على الأمر، يعني ما أمركم به النبي -عليه الصلاة والسلام- فخذوه؛ بدليل: {وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} [(7) سورة الحشر]، {مَا آتَاكُمُ}: يعني أمركم به، ما أمركم به؛ بدليل المقابل، {وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}.

ذهب بعض العلماء إلى أنه يحمل على الندب، وهو قول أكثر الحنفية والظاهرية وبعض الشافعية ورواية عن أحمد، ورجحه إمام الحرمين في البرهان، والغزالي في المنخول، والشوكاني في إرشاد الفحول.

وذهب جمع من أهل العلم إلى التوقف؛ لعدم معرفة المراد ولتعارض الأدلة، لعدم معرفة المراد حينما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا الفعل متقرباً به إلى الله -عز وجل- ولم يأمر به، لم يأمر به، ولم يثبت لنا دليل يدل على أنه من خصائصه -عليه الصلاة والسلام- بل فعله على سبيل القربة والطاعة، وقلنا: إن هذا هو محل اقتداء وائتساء، لكن ليس فيه أمر، ولو كان واجباً لطلبه النبي -عليه الصلاة والسلام- ما اكتفى بفعله، وهذه حجة من يقول بأنه..، بأن الفعل المجرد عن القول إنما هو للندب.

وذهب بعض أهل العلم إلى التوقف؛ لعدم معرفة المراد، بعض أهل العلم يقول: نتوقف؛ لأننا لا ندري هل هو للوجوب أو للندب، وصرنا لا ندري نفعل وإلا ما نفعل، يقول: نتوقف حتى نجد دليلاً يدل أنه للوجوب، أو يدل على أنه للندب.

لكن أقل الاحتمالات أنه على الندب، والندب مطلوب الفعل أو مطلوب الترك؟

مطلوب الفعل، إذن لا وجه للتوقف هنا، ولذا يقول الشوكاني: وعندي أنه لا معنى للوقف في الفعل الذي قد ظهر فيه قصد القربة؛ فإن قصد القربة يخرجه عن الإباحة إلى ما فوقها والمتيقن مما فوقها الندب.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "وما فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- على وجه التعبد فهو عبادة يشرع التأسي به فيه، فإذا خص زماناً أو مكاناً بعبادة كان تخصيصه تلك العبادة سنة" [هذا كلام شيخ الإسلام].

وإن كان فعله -عليه الصلاة والسلام- على وجه القربة والطاعة..، على غير وجه القربة والطاعة..، انتهينا مما يقصد به التقرب من قبله -عليه الصلاة والسلام- جاء الاحتمال الثاني.

الاحتمال الثاني: وهو فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- لا على وجه القربة والطاعة، كالقيام والقعود والأكل والشرب والنوم، هذا يحمل على الإباحة في حقه وفي حقنا، ويستوي في ذلك الأفعال الجبلية -التي منها القيام والقعود والأكل والشرب وما فعله -عليه الصلاة والسلام- موافقاً للعادات، اللي يسمونها التقاليد كلباسه -عليه الصلاة والسلام- فكلها من نوع المباح؛ الآن الألبسة مما يتعبد بها أو هي راجعة إلى الأعراف والتقاليد؟

طالب:.......

ما ورد فيه النص عبادة، يعني ما ورد النص بتحديده كلونه وطوله هذا عبادة لا يجوز أن نتعداها، وما لم يرد فيه النص يرجع فيه إلى العرف، ولذا لم يغير النبي -عليه الصلاة والسلام- لباسه عن لباس قومه.

طالب:.......

لا، هو إذا لم تكن المخالفة موقعة في شهرة –مثلاً- فلا بأس؛ لأن المسألة..، الألبسة أعراف وعادات، نعم؟
طالب: إذا تبين لك أن هذا الفعل على وجه القربة......ونجعل هذا الأصل في أفعاله أم العكس؟

تعمل بالأحوط حينئذ، حينئذ تعمل بالأحوط، ما لم يوقعك هذا الاحتياط في فعل محظور أو يجر إلى محظور، أو يجرك إلى ترك مأمور، حينئذ تعمل بالأحوط، ما لم يجرك هذا الاحتياط إلى فعل محظور أو ترك مأمور، وحينئذ يكون الاحتياط في ترك هذا الاحتياط.

عُلم مما ذكره المصنف انحصار أفعاله -عليه الصلاة والسلام- في الوجوب والندب والإباحة فلا يقع منه -صلى الله عليه وسلم- محرم، لا سيما بعد البعثة؛ لأنه معصوم، ولا مكروه، ولا خلاف الأولى على خلاف في ذلك، فإن خلاف الأولى وقع وإلا ما وقع؟

يفعل خلاف الأولى لبيان الجواز، يفعله تشريعاً لبيان الجواز؛ لئلا يحمل الأمر على الوجوب، أو الفعل على ذلك.

الشوكاني قسم أفعال النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى سبعة أقسام، في إرشاد الفحول ماذا يقول؟

يقول: "البحث الرابع: في أفعاله -صلى الله عليه وسلم-: اعلم أن أفعاله -صلى الله عليه وسلم- تنقسم إلى سبعة أقسام: القسم الأول: ما كان من هواجس النفس والحركات البشرية، كتصرف الأعضاء وحركات الجسد، فهذا القسم لا يتعلق به أمر باتباع، ولا نهي عن مخالفة، وليس فيه أسوة، ولكنه يفيد أن مثل ذلك مباح".

يعني: مثل ما ذكرنا في أنه -عليه الصلاة والسلام- لا يفعل محرماً ولا مكروهاً -بل ولا خلاف الأولى- إلا لبيان الجواز.

القسم الثاني: ما لا يتعلق بالعبادات ووضح فيه أمر الجبلة، كالقيام والقعود ونحوهما، فليس فيه تأس ولا به اقتداء، ولكنه يدل على الإباحة عند الجمهور.

ثم قال بعد ذلك: وقد كان عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- يتتبع مثل هذا ويقتدي به، كما هو معروف عنه، منقول في كتب السنة.

وعرفنا أن ابن عبد البر نقل عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنه- أنه كان يكفكف دابته؛ لتقع مواطئ أقدامها على مواطئ أقدام دابة النبي عليه الصلاة والسلام.

المقصود أن هذا ليس بمحل للاقتداء، لا سيما إذا جرَّ إلى محظور، فبعض أفعال ابن عمر -رضي الله عنهما- جرت إلى بعض المحظور من غلو بعض الناس في هذه الأماكن التي جلس فيها النبي -عليه الصلاة والسلام- اتفاقاً من غير قصد ولا تعبد.

القسم الثالث: ما احتمل أن يخرج عن الجبلة إلى التشريع بمواظبته عليه على وجه معروف وهيئة مخصوصة كالأكل والشرب واللبس والنوم، فهذا القسم دون ما ظهر فيه أمر القربة وفوق ما ظهر فيه أمر الجبلة.

عرفنا أن أصل النوم والأكل والشرب، والقيام والقعود، أصلها أنها جبلية، لكن الكيفيات التي واظب عليها النبي -عليه الصلاة والسلام- وأدَّاها على هيئة مخصوصة.

النبي -عليه الصلاة والسلام- يأكل على هيئة مخصوصة، يشرب على هيئة مخصوصة، يلبس على هيئة مخصوصة، نعم، يقدم اليمين، ينام على جنبه الأيمن، وهكذا الأصل في العمل أنه جبلي، لكن لزوم هذه الهيئة المخصوصة يقربه من القربة والطاعة.

يقول: فهذا القسم دون ما ظهر فيه أمر القربة، وفوق ما ظهر فيه أمر الجبلة؛ على فرض أنه لم يثبت فيه إلا مجرد الفعل، وأما إذا وقع منه -عليه الصلاة والسلام- الإرشاد إلى بعض هذه الهيئات، كما ورد في الإرشاد إلى هيئات من هيئات الأكل والشرب واللبس والنوم فهذا خارج عن هذا القسم -خارج عن أن يكون جبلياً إلى أن يكون قربة وطاعة- يعني إذا اقترن بالفعل القول.

القسم الرابع: ما علم اختصاصه به -عليه الصلاة والسلام- كالوصال، والزيادة على أربع، فهذا خاص به لا يشاركه فيه غيره... إلى آخره.

هذا ما ذكرناه وبسطناه، وعرفنا أن هذه الخصوصيات لا بد لها من مخصص، وعرفنا أن التخصيص والخصائص لا تثبت بمجرد احتمال، وضربنا لذلك أمثلة.

القسم الخامس: في كلام طويل للشوكاني، يقول: ما يبهمه -عليه الصلاة والسلام- لانتظار الوحي، كعدم تعيين نوع الحج –مثلاً- فقيل: يقتدي به في ذلك، وقيل: لا: النبي -عليه الصلاة والسلام- في أول الأمر أحرم إحراماً مطلقاً، ثم جاءه الملك وقال له: "صلِّ في هذا الوادي المبارك وقل:.."، يقتدى به في إطلاقه، أو لا يقتدى به؟ ظاهر صنيع علي -رضي الله عنه- وأبي موسى أنه يقتدى به ولو كان مطلقاً؛ "لبيك بإحرام كإحرام النبي عليه الصلاة والسلام".

هنا يقول: فقيل: يُقتدى به في ذلك، وقيل: لا: النبي -عليه الصلاة والسلام- فعل هذا الفعل على سبيل الإبهام، كيف يفعل فعلاً على سبيل الإبهام، والقسم الخامس: ما يبهمه -صلى الله عليه وسلم- لانتظار الوحي؟

يترك..، يفعل فعلاً مبهماً، وإن شئت فقل: مجملاً يحتمل أمرين على السواء، هذا الإحرام المبهم يحتمل أن يصرف إلى الإفراد، يحتمل أن يصرف إلى القِران، يحتمل أن يصرف إلى التمتع، فأحرم في أول الأمر إحراماً مبهماً، ثم جاءه الملك وقال له: افعل كذا.

النبي -عليه الصلاة والسلام- فعل، فنقتدي به في كيفية هذا الفعل، أما إذا أبهم ولم يفعل -استمر الإبهام- صدر منه -عليه الصلاة والسلام- قول..، الآن الإبهام هل يتصور في الفعل؟ الإبهام والإجمال يتصور في الفعل؟ نعم؟ نعم؟

طالب:.......

في أول الأمر، ثم يأتي البيان، مثل ما ذكرنا في إحرامه.

هنا يقول: قال إمام الحرمين في النهاية: وهذا عندي هفوة ظاهرة –يعني الاقتداء به في هذا- فإن إبهام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- محمول على انتظار الوحي قطعاً، فلا مساغ للاقتداء به من هذه الجهة.

أيش المانع أنه لما أحرم -عليه الصلاة والسلام- بإحرام مطلق؛ ينتظر البيان من الله -عز وجل- أن يُقتدى به، فيحرم إحراماً مطلقاً –مبهماً- يُنتظر فيه البيان، فإذا حصل البيان للنبي -عليه الصلاة والسلام- حصل لمن يقتدي به؟

المقصود أن إدخال هذا القسم في الفعل يقتضي التمثيل له بما ذكرنا، وإن كان مفهوم كلامه أنه لا يقتضيه؛ لأنه قال: قال إمام الحرمين في النهاية: "وهذه عندي هفوة عظيمة ظاهرة؛ فإن إبهام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- محمول على انتظار الوحي قطعاً، فلا مساغ للاقتداء به من هذه الجهة".. كيف؟

طالب:.......

نعم، يتصور؟

طالب:.......

أو حمله على صورة قبل وقوعه، نعم، وحينئذ لا فعل؛ إذا فعل لماذا لا نقتدي به على الإجمال؟ نجمل مثل ما أجمل، نبهم مثل ما أبهم، نفعل مثل ما فعل، مثل المثال الذي ذكرناه، كيف يقول: وهذه عندي هفوة ظاهرة؛ فإن إبهام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- محمول على انتظار الوحي قطعاً؟

طالب:.......

لا، هذا كله داخل تحت الأفعال، هذا في تقسيم الأفعال.

طالب:.......

كيف؟

طالب:.......

ما مثل، لا ما مثل، هو ما مثل، المقصود أننا نحتاج..، كيف أحرم الصحابة في أول الأمر؟

طالب:.......

مثل ما صنع -عليه الصلاة والسلام- منتظراً الوحي؟

القسم السادس: ما يفعله مع غيره عقوبة له، كالتصرف في أملاك غيره؛ عقوبة له، فاختلفوا هل يقتدي به فيه أم لا؟ يعني عقوبة مانع الزكاة مثلاً -وهذه من باب التعزير بالمال- نعم؛ ((من منعها فإنا آخذوها وشطر ماله))، يعني هل لغير النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يفعل مثل هذا الفعل؟ أو نقول: هذا خاص به عليه الصلاة والسلام؟

ما يفعله مع غيره عقوبة له، كالتصرف في أملاك غيره عقوبة له فاختلفوا، هل يقتدى به فيه أم لا، فقيل: يجوز، وقيل: لا يجوز، وقيل: هو بالإجماع موقوف على معرفة السبب، وهذا هو الحق، فإن وضح لنا السبب الذي فعله لأجله كان لنا أن نفعل مثل فعله عند وجود مثل ذلك السبب، وإن لم يظهر السبب لم يجز، وأما إذا فعله بين شخصين متداعيين فهو جار مجرى القضاء، فيتعين علينا القضاء بما قضى به، نعم، نقتدي به فيما قضى به -عليه الصلاة والسلام- ولا نقول كما يقول بعضهم: هذه قضية عين.

الأصل أنه -عليه الصلاة والسلام- مشرِّع، فإذا قضى بين اثنين في قضية، حكمنا على غيرهما في نظائرها بنفس الحكم؛ هذا مقتضى الاقتداء به -عليه الصلاة والسلام-.

القسم السابع: الفعل المجرد عما سبق، فإن ورد بياناً كقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) و((خذوا عني مناسككم))، وكالقطع من الكوع – يعني من المفصل - بياناً لآية السرقة، فلا خلاف أنه دليل في حقنا، لماذا؟

لأنه بيان للواجب المأمور به في الكتاب إجمالاً، فحينئذ يكون بيان الواجب أيش؟ واجب، كما قرر أهل العلم، والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

طالب:.......

ما عنده أيش؟

طالب:.......

هو يرى، يدل..، كيف؟

طالب:.......

أقل الأحوال الاستحباب.

طالب:.......

على من توقف؟

طالب:.......

لا، من توقف، يقول: لا نعمل، لا نفعل حتى نجد مرجحاً، من توقف يقول: لا نفعل؛ هذا مقتضى التوقف، وإلا أيش معنى يتوقف في الحكم وعمله يخالف الحكم؟

طالب:.......

كلام..، يعني الترجيح بين الاستحباب؟

لا لا، نتوقف؛ يقول: الفعل لا دلالة له حتى نجد ما يأمرنا بالفعل.

طالب:.......

النبي عليه الصلاة والسلام؟

طالب:.......

هذا ما قرره أهل العلم بعد النبوة على خلاف في العصمة ومقتضياتها.

طالب:.......

قد يفعل خلاف الأولى؛ لبيان الجواز، يأمر بشيء ثمَّ يتركه لماذا؟ ليدل على..، صرفاً لهذا الأمر من الوجوب إلى الاستحباب، وقد ينهى.

طالب:.......

كيف؟

طالب:.......

يعني ما يقابل الاستحباب مكروه؟

طالب:.......

إيه.

طالب:.......

لبيان الجواز، بس منه -عليه الصلاة والسلام- ليس بمكروه منه؛ لأنه مأمور بالبيان، فهو من هذه الحيثية مطلوب منه، فكيف يجتمع ويتوارد على شيء واحد كونه مطلوباً ممنوعاً منه عليه الصلاة والسلام؟! لا .

 

اللهم صلِّ على عبدك ورسولك.

"