شرح منسك شيخ الإسلام ابن تيمية (11)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- فصلٌ ثم يرجع إلى منى فيبيت بها، ويرمي الجمرات الثلاث، كل يوم بعد الزوال، يبتدئ بالجمرة الأولى التي هي أقرب إلى مسجد الخيف. ويستحب أن يمشي إليها فيرميها بسبع حصيات. ويستحب له أن يكبر مع كل حصاة، وإن شاء قال: اللهم اجعله حجًا مبرورًا، وسعيًا مشكورًا، وذنبًا مغفورًا. ويستحب له إذا رماها أن يتقدم قليلاً إلى موضع لا يصيبه الحصى، فيدعو اللّه –تعالى-، مستقبل القبلة، رافعًا يديه بقدر سورة البقرة، ثم يذهب إلى الجمرة الثانية فيرميها كذلك، فيتقدم عن يساره يدعو مثل مافعل عند الأولى، ثم يرمي الثالثة، وهي جمرة العقبة، فيرميها بسبع حصيات أيضًا ولا يقف عندها، ثم يرمي في اليوم الثاني من أيام منى مثل ما رمى في الأول، ثم إن شاء رمى في اليوم الثالث، وهو الأفضل، وإن شاء تعجل في اليوم الثاني بنفسه قبل غروب الشمس، كما قال –تعالى-: (( فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى)) البقرة: ٢٠٣ فإذا غربت الشمس وهو بمنى أقام حتى يرمي مع الناس في اليوم الثالث، ولا ينفر الإمام الذي يقيم للناس المناسك، بل السنة أن يقيم إلى اليوم الثالث، والسنة للإمام أن يصلي بالناس بمنى، ويصلي خلفه أهل الموسم، ويستحب ألا يدع الصلاة في مسجد منى -وهو مسجد الخيف- مع الإمام، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبا بكر وعمر كانوا يصلون بالناس قصرًا بلا جمع بمنى، ويقصر الناس كلهم خلفهم أهل مكة، وغير أهل مكة، وإنما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «يا أهل مكة، أتموا صلاتكم، فإنا قوم سفر» لما صلى بهم بمكة نفسها، فإن لم يكن للناس إمام عام صلى الرجل بأصحابه، والمسجد بني بعد النبي -صلى الله عليه وسلم-، لم يكن على عهده.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فلما انتهى المؤلف --رحمه الله تعالى- من أعمال يوم النحر، رمي جمرة العقبة، ونحر الهدي، والحلق أو التقصير، ثم الطواف والسعي، وبهذا تكون قد انتهت أعمال يوم النحر، تكلم -رحمه الله- فيما يلي عن أعمال أيام التشريق بدءًا من ليلة الحادي عشر التي فيها المبيت بمنى وهو واجب من واجبات الحج، وجوبه بفعله -عليه الصلاة والسلام- وقوله: "خذوا عني مناسككم" وترخصيهم للرعاة والسقاة بترك المبيت، ولو كان ركنا ما رخص فيه، ولو كان سنة مندوبًا لا إثم فيه لما احتاج إلى ترخيص، وهذه قاعدة الواجبات فالذي لا ترخيص فيه هو الركن، والذي لا يحتاج إلى ترخيص هذا هو السنة، وما عدا ذلك عزيمة لكنه يصح الحج بدونه ويأثم تاركه، والخلاف بين أهل العلم هل يلزمه دم يجبر به هذا النقص أو لا يلزمه؟ كل على مذهبه في حديث ابن عباس ودلالته على لزوم من ترك نسكًا، هل يلزمه دم أو لا يلزمه؟ الجمهور على أنه يلزمه بتركه دم؛ لأنه ترك واجبًا، ومادام من فعل المحظور بحلق الرأس يلزمه الدم فبترك المأمور يلزمه الدم لا سيما على قول من يرى أن ترك المأمور أعظم من فعل المحظور، وهذه مسألة معروفة عند أهل العلم، جمهور أهل العلم يقررون أن فعل المحظور أعظم من ترك المأمور لحديث إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، يعني الأمر فيه تعليق على الاستطاعة وأما بالنسبة لفعل المحظور ليس فيه تعليق باستطاعة، وإن روي الحديث مقلوبًا لكن هذا صوابه، فالجمهور على أن فعل المحظور أعظم من ترك المأمور؛ لأن فعل المأمور معلق بالاستطاعة ففيه شيء من التخفيف، هذه قاعدة عند أهل العلم، وشيخ الإسلام يرى العكس، يرى أن ترك المأمور أعظم من فعل المحظور، وحجته في ذلك أن معصية آدم كانت بفعل محظور ومعصية إبليس كانت بترك مأمور، وعلى كل حال لا يحكم في هذا بحكم عام مطرد، لكن هذا هو الأصل، بل ينظر إلى قدر هذا المأمور المتروك مع قدر هذا المحظور المفعول، يعني فرق بين أن يترك الجماعة؛ لأن في طريقه منكرا لا يستطيع تغييره وبين من يترك صلاة الجماعة في المسجد؛ لأن في طريقه بغي وعلى رأسها ظالم يلزم من جاء إلى الصلاة بالوقوع عليها، نقول اترك المأمور في الصورة الثانية، وفي الصورة الأولى لا تترك المأمور، يقول أنا لا أستطيع أن أغيِّر، فرق بين هذا وهذا، هناك مفاضلة إذا أكره الإنسان على شيئين أحدهما مأمور والثاني محظور هذا يترك وهذا يفعل، إما أن تفعل هذا أو تترك هذا، الموازنة لا بد منها والمحظورات متفاوتة والمأمورات متفاوتة فإذا كان المأمور شأنه عظيم في الشرع كترك الصلاة بالكلية -مثلاً- فإنه يرتكب المحظور من باب ارتكاب أخف الضررين، وإذا كان المحظور أمره في الشرع عظيم فإنه يرتكب ما يقابله من ترك للمأمور، ولا بد من النظر في الأمرين معًا حال ارتكاب أحدهما، فصلٌ قال -رحمه الله-"فصل ثم يرجع إلى منى يرجع" إلى منى بعد أن أفاض وطاف بالبيت طواف الزيارة، طواف الإفاضة، ركن الحج ثم سعى بعده إن لم يكن سعى بعد طواف القدوم بالنسبة للمفرد والقارن، وسعى على كل حال إذا كان متمتعًا على ما تقدم تقريره، يقول: ثم يرجع إلى منى بعض الناس إذا تحدث عن شخص قال سافر من مكة إلى المدينة، ثم سافر من المدينة إلى مكة، نعم هذا سفر لكن الدقة في التعبير تقتضي أن يقال: رجع من المدينة إلى مكة، رجع ما يقال سافر؛ إنما يقال رجع من المدينة إلى مكة ولا يعني هذا أن هذا اللفظ يؤثر في الحكم المرتب على السفر، لكن المسألة مسألة أسلوب وتعبير، ولذا يقول "ثم يرجع إلى منى فيبيت بها"يبيت بها ليلة الحادي العشر الأول من أيام التشريق، يبيت بمنى وجوبًا، وكذلك ليلة الثاني عشر، والثالث عشر إن لم يتعجل، فيبيت بها يعني يمكث فيها؛ لأن بعض الناس يقول أنا أخرج إلى منى من مكة وأمكث فيها هل يلزمني أن أنام، الأصل في المبيت النوم، فهل يلزمني أن أنام أو أمكث في منى ولو لم أنم؟ نقول يكفيك أن تمكث لكن السنة أن تنام هذا الأصل، أن تنام بالليل وتستقبل الأعمال بالنهار، لكن من ابتلي بالسهر ورأى أن السهر على ما ينفعه لا على ما يضره أفضل له من النوم بالليل والعمل بالنهار، نقول أنت خالفت السنة الإلهية لكن على حسب ما يترتب على ذلك من مصالح، إذا كان الليل أنشط له لطلب العلم والعبادة، أو -مثلاً- صلة أقارب له لا يستطيع الحصول عليهم بالنهار ممن يسهر بالليل، مثل هذا إذا ترتب عليه أجر وفضل شرعي قد يعرض للمفوق ما يجعله فائقًا عند أهل العلم، قال "ويرمي الجمرات الثلاث" المقصود بالمبيت أن يبيت غالب الليل لا يلزم أن يمكث فيها من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، غالب الليل يكفي، ولكن لو صد عنها كمن نزل أو ذهب إلى مكة وطاف وسعى ثم أراد الرجوع إلى منى فلم يتمكن من الوصول إليها إلا بعد طلوع الفجر فلا يلزمه شيء لأنه ليس باختياره هذا،"ويرمي الجمرات الثلاث كل يوم بعد الزوال" يرمي الجمرات الثلاث بعد الزوال، هكذا فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- وكانوا يتحينون الزوال، وكان يحبس أصحابه حتى تزول الشمس، ويقول: "خذوا عني مناسككم"، ولو كان الرمي قبل الزوال جائزًا لما حبسهم ولا جعل لهم من سعة الوقت ما يخفف عليهم، المقصود أن الرمي بعد الزوال لا بد منه، والرمي قبله لا يجوز عند جماهير أهل العلم، وهو مقتضى فعله -عليه الصلاة والسلام-،"كل يوم بعد الزوال يبتدئ بالجمرة الأولى" بالجمرة الأولى "التي هي أقرب إلى مسجد الخيف"، التي هي أقرب إلى مسجد الخيف، وتكون الأخيرة هي جمرة العقبة التي رماها بالأمس،"يبتدئ بالجمرة الأولى التي هي أقرب إلى مسجد الخيف"، قال:"ويستحب أن يمشي إليها" يستحب أن يمشي إليها لكن إن احتاج إلى ركوب فلا بأس "فيرميها بسبع حصيات"على ما تقدم نظيره في رمي جمرة العقبة يوم العيد، بسبع حصيات وصفتها على ما تقدم فوق الحمص ودون البندق يكبر مع كل حصاة "يستحب له أن يكبر مع كل حصاة" يعني لو رماها من غير تكبير أجزأت، لكن يستحب له أن يكبر كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-،"ويستحب له أن يكبر مع كل حصاة وإن شاء قال اللهم اجعله حجًا مبرورًا وسعيًا مشكورا وذنبًا مغفورًا" على ما تقدم في رمي جمرة العقبة، واستُشكل قول شيخ الإسلام "وإن شاء قال"؛ لأن ما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يرد إلى المشيئة وما لم يثبت لا يقال ما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يرد إلى مشيئة الفاعل بل يجزم باستحبابه كما جزم باستحباب التكبير، وما لم يثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فإنه لا يقال، فماذا عن هذا الذكر وهذا الدعاء؟ جاء فيه عن ابن عمر وابن عباس موقوفًا ومرفوعًا لكن هما ضعيفان لا يثبت واحد منهما لا المرفوع ولا الموقوف، إذًا كيف يقول شيخ الإسلام "وإن شاء قال" مع علمنا أن الشيخ -رحمه الله- ممن لا يرى العمل بالضعيف مطلقًا، لا يرى العمل بالضعيف مطلقًا، لكن الإنسان قد يستروح ويميل إلى شيء وإن كان على خلاف تقريره وتقعيده في الجملة، وهذا ذكر وعلى مذهب الجمهور لا إشكال فيه، الذكر من الفضائل، ويحتج بالضعيف في هذا الباب عند جمهور أهل العلم، لكن المعروف عن شيخ الإسلام أنه لا يرى العمل بالضعيف مطلقًا، فكيف يقول وإن شاء قال اللهم اجعله حجًا مبرورًا وسعيًا مشكورًا وذنبًا مغفورًا؟
طالب: .....................
لا ما يحتمل، ضعيف ما احتمله شيخ الإسلام ولا غيره، ولو احتمل تحسينه ما تردد وما قال إن شاء.
طالب: أقصد ربما تكون وجهة نظر الشيخ.
لا، يا أخي: بعض المشايخ ممن يرى عدم العمل بالضعيف تجده في بعض المواطن يمر عليه بعض الأذكار التي لا شك أنها مؤثرة في نفسه وإن تركها، وجمهور أهل العلم يعملون بها حز في نفسه، فتجده يقولها مع علمه أنها لا تثبت بخبر ملزِم، فالمسألة بين التطبيق وبين التقعيد فيها مجال ومساحة للنظر، نعم هذه هي القاعدة لكن قد يخرج عن هذه القاعدة أشياء، على كل حال هذا كلامه -رحمه الله- والخبر في ذلك المرفوع والموقوف كلاهما ضعيف، قال: وإن شاء قال اللهم اجعله حجًامبرورًا وسعيًا مشكورًا وذنبًا مغفورًا، نسمع من يطوف بالبيت طواف نفل ويقول مثل هذا الكلام، طواف نفل، أو طواف عمرة، العمرة حج أصغر، يعني قد يحتمل فيها مثل هذا، لكن إذا كان طواف نفل ويطوف بالبيت ويقول: اللهم اجعله حجًا مبرورًا وسعيًا مشكورًا، لماذا؟ لأنه يقرأ في هذه الأجزاء التي دونت فيها هذه الأذكار وهذه الأدعية من غير نظر ولا رويَّة.
طالب: ......................
التكبير التكبير.
طالب: غير التكبير.
ما فيه شيء.
طالب: ......................
بعد الرمي نعم.
طالب: ......................
الحج المبرور الذي لا يخالطه إثم، وعلامته أن تكون حاله بعده خيرًا من حاله قبله، وهناك محاضرة عن الحج المبرور، اللهم اجعله حجًا مبرورًا وسعيًا مشكورًا وذنبًا مغفورًا، يعني المراد بالحج عموم أفعاله، الحج بجملته، قوله وسعيًا مشكورًا هل يراد به بين الصفا و المروة أو العموم أيضًا؟ المقصود به العمل؛ لأن العمل سعي، وكسب العمل سعي وكسب، وأن ليس للإنسان إلا ما سعى يعني ما اكتسب، وإن أولادكم من كسبكم، وسعيًا مشكورا وذنبًا مغفورًا، يعني الإنسان لا يجزم بأن حجه مبرور ليرجع من حجه كيوم ولدته أمه مغفورًا له؛ ولذلك يدعو بالمغفرة ومع ذلك لو حرص أشد الحرص على أن يكون حجه مبرورًا لا بد أن يدعو لنفسه بالمغفرة،"ويستحب إذا رماها"يعني الجمرة الأولى إذا رماها أن يتقدم قليلاً إلى موضع لا يصيبه الحصى، الجمرة الثانية يتقدم عن يساره، الجمرة الأولى يتقدم عن يمينًا فيسهل ويبتعد عن موطن الزحام بحيث لا يصيبه الحصى ولا يتأذى بزحام الناس ويؤذي ثم "ويستحب له إذا رماها أن يتقدم قليلاً إلى موضع لا يصيبه الحصى،فيدعو الله تعالى مستقبل القبلة" أن يجعل الجمرة وراء ظهره "ويدعو الله –تعالى- مستقبل القبلة" وهذه هي السنة في الدعاء أن تستقبل به القبلة "رافعًا يديه"، وهذا أيضًا من مواطن رفع اليدين في الدعاء، وهو الأصل، فالأصل في الدعاء أن ترفع فيه اليدان، وجاء في ذلك أحاديث تبلغ المائة، وللسيوطي رسالة أسماها فض الوعاء فيما ورد في رفع اليدين في الدعاء،"رافعًا يديه بقدر سورة..،""بقدر" قراءة "سورة البقرة" بقدر قراءة سورة البقرة، سورة البقرة جزئان ونصف، وأقل وقت تقرأ فيه سورة البقرة نصف ساعة، ومع التدبر والترتيل تحتاج إلى أكثر، ضعف ذلك، فمن يقف يدعو ساعة أو نصف ساعة أو ربع ساعة؟ الناس لا يحتملون مثل هذا في زماننا، مع أننا قد نجد من أهل التحري من يفعل شيئًا من ذلك، لكن هل يوجد من عامة الناس وطلاب العلم بل وأهل العلم من يقف ساعة بعد رمي الجمرة أو نصف ساعة؟! هذه سنن تكاد تندرس، نعم يوجد أصلها بكثرة ولله الحمد، يوجد من يدعو يرفع يديه ويدعو لكن لا يصل إلى هذا الحد بل ولا نصيفه.
طالب: .................
يبتعد قليلا ويقف.
طالب: الزحام شديد.
ولو يبتعد لأن المحافظة على أصل العبادة أولى من المحافظة على مكانها وزمانها ما لم يكن ذلك شرطا.
طالب: .................
ابعد حتى تجد مكانا مريحا.
طالب: .................
الذي جاء بيانه في رمي جمرة العقبة أن يستقبلها ويجعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه، وهنا حيثما تيسر له يرمي "ثم يذهب إلى الجمرة الثانية"، الجمرة الثانية تسمى جمرة؛ لأنها مجتمع الجمار التي هي الحصى، الجمرة الثانية وهي الوسطى "فيرميها كذلك"يرميها بسبع حصيات على الصفة المذكورة سابقًا يكبر مع كل حصاة وإن شاء قال كما تقدم، قال "فيرميها كذلك فيتقدم عن يساره"، يأخذ جهة اليسار "يدعو مثلما فعل عند الأولى"، يدعو مثلما فعل عند الأولى، يعني يدعو بمثل دعائه أو بمقداره كما فعل بعد الجمرة الأولى، بقدر سورة البقرة، قال -رحمه الله-:"ثم يرمي الثالثة الجمرة الثالثة وهي جمرة العقبة الأقرب إلى مكة فيرميها بسبع حصيات أيضًا"،والعدد السبع لا بد منه لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- رمى كذلك، وقال: "خذوا عني مناسككم" وجاء عن بعض السلف أنه رخص في الحصاة والحصاتين، وعلى كل حال الأصل الاقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام- لم يحصل منه أن رمى بدون ذلك، "ولا يقف عندها" ولا يقف عندها، القاعدة عند شيخ الإسلام أنه لا دعاء بعد الفراغ من العبادة، بل الدعاء في أثنائها والآن الذي يرمي الجمرات قد فرغ من العبادة ولذا تجدون شيخ الإسلام ومن يقول بقوله في حديث معاذ "إني أحبك فلا تدع أن تقول في دبر كل صلاة اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك" طردًا لهذه القاعدة يقولون دبر الصلاة قبل السلام وهو محتمل لغة أن يكون ملاصقًا وأن يكون منفصلاً هو محتمل لأن الدبر الأصل أنه ملاصق دبر الدابة ملاصق لها معها في جملتها، لكن ماذا عن تكبرون وتسبحون، تسبحون وتحمدون وتكبرون دبر كل صلاة هل يمكن أن يقول أحد أنها قبل السلام؟ لا يمكن أن يقول أحد إنها قبل السلام بل بعده منفصلاً عنها كما بينت ذلك السنةً، لكنه ذكر، وشيخ الإسلام يرى أن الذكر يكون بعد الصلاة لكن الدعاء قبل السلام، وجاء في صحيح مسلم من الدعاء: "رب قني عذابك يوم تبعث عبادك"، وهذا يقال بعد الانصراف، فهذا يرد على ما قرره الشيخ -رحمه الله-، فالمسألة مسألة اتباع، فما جاء من الأدعية في أثناء العبادة يقال في أثناء العبادة وما جاء في من الأدعية بعد الفراغ منها يقال بعد الفراغ منها، والدعاء بعد الفريضة جاء ما يدل عليه، على كل حال هذا تقريره وله وجه في كثير من المواطن لكنه ليس بمطرد.
طالب: ...................
الأصل أن يرمي متتابعًا إلا إذا وجد حاجة يعني زُحم بغير طوعه واختياره وأُبعد عن المكان ثم رجع هذا لا إشكال.
طالب: ...................
لكن الاستغفار بعد الفريضة دعاء، الاستغفار طلب المغفرة، فهل يقول: أستغفر الله أستغفر الله أستغفر الله قبل السلام؟.
طالب: ...................
تُرفع فيه اليدان لكنه ليس بمطرد أيضًا لا يتخذ عادة؛ لأنه لم يثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يتخذه عادة وإن حثَّ عليه، قال "ولا يقف عندها يعني عند جمرة العقبة ثم يرمي في اليوم الثاني من أيام منى مثل ما رمى في اليوم الأول"، يعني لا يحتاج إلى إعادة يطبق نفس ما فعله بالأمس مثل ما رمى في اليوم الأول "ثم إن شاء رمى في اليوم الثالث وهو الأفضل وإن شاء تعجل"، إن شاء رمى في اليوم الثالث وهو الأفضل، كلام الشيخ -رحمه الله- هنا عليه ما عليه؛ لأن التخيير ليس في الرمي، التخيير في المبيت والرمي تابع له، إن شاء رمى في اليوم الثالث، يرد عليه أن شخصًا تعجل وخرج من منى وأراد أن يرمي هذا مخير أو غير مخير؟ تعجل، هل نقول أن الرمي تابع للمبيت بمعنى أنه لا يشرع الرمي إلا لمن بات أو نقول هو عبادة مستقلة بات أو لم يبت؟ هو معلق بالمبيت؛ ولذا قال الشيخ ثم إن شاء رمى في اليوم الثالث، المشيئة إنما هي للمبيت امتثالاً لقوله -جلَّ وعلا- فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه، الكلام في المبيت وبعد ذلك تتبعه الأعمال، والشيخ ما تكلم عن المبيت إلا بعد الكلام على الرمي، والرمي فرع عن المبيت، قال: ثم إن شاء رمى في اليوم الثالث وهو الأفضل ، لكن قد يذكر الشيء بمتعلقه فكأن الشيخ نص على المبيت؛ لأنه من لوازم الرمي، يعني مثل من أدرك سجدة، السجدة لا يمكن أن تدرك بدون ركعة، من أدرك سجدة قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر، لا يمكن أن تدرك من غير إدراك ركعة، ومن غير إدراك قيام وقراءة، فتوجيه كلام الشيخ على هذا يمشي، لكن الأصل أن يقرر مسألة المبيت والرمي تابع له؛ ولذلك قال ثم إن شاء رمى في اليوم الثالث وهو الأفضل، من أين نأخذ كون التأخر أفضل ؟
طالب: ..................
هو فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- وفعله أكمل، وما كان الله ليختار لنبيه إلا الأفضل، وأما بالنسبة للآية فالتعجل والتأخر على حد سواء ما فيها تفضيل للتأخير؛ لأن: "لمن اتقى" تعود على الأمرين، فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه لمن اتقى ومقتضى ذلك أنه يرتفع عنه الإثم إذا اتقى، سواء تعجل أو تأخر فيكون الحديث مفسرا للآية، الحديث: "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيومَ ولدته أمه"، يعني رجع لا إثم عليه سواء تعجل في يومين أو تأخر شريطة أن يكون قد اتقى الله –تعالى- في حجه، هو الأفضل "وإن شاء تعجل في اليوم الثاني"وإن شاء تعجل في اليوم الثاني "بنفسه" عندكم بنفسه؟
طالب: .................
ما معنى بنفسه؟
طالب: .................
وإن شاء تعجل في اليوم الثاني بنفسه، يعني لا يكفي أن يعجل رحله لا بد أن يتعجل ببدنه بنفسه ويخرج من منى "قبل غروب الشمس" بنفسه لا يقول والله أنا أخرجت المتاع والأثاث وأنا أبقى فأنا متعجل، هذا الذي أفهمه من كلام الشيخ -رحمه الله-،"قبل غروب الشمس" فإذا غربت عليه الشمس لزمه المبيت والرمي من الغد "كما قال تعالى:( فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى)" أظن هذا سقط عندكم عندك أنت أولا. "فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى فإذا غربت الشمس وهو بمنى يعني بنفسه بمنى أقام حتى يرمي مع الناس في اليوم الثالث"، إذا بعث رحله وبقي وغربت عليه الشمس يلزمه المبيت لكن العكس، إذا خرج بنفسه وبقي رحله قال يا فلان ويا فلان الحقونا بالرحل مقتضى قول الشيخ بنفسه أنه تعجل ولا يلزمه المبيت "فإذا غربت الشمس وهو بمنى أقام حتى يرمي مع الناس في اليوم الثالث" حتى يرمي مع الناس ، هل يتصور أن يرمي وحده؟ قد يتصور، فما فائدة قوله مع الناس؟
طالب: .....................
المقصود بعد الزوال مثل ما ذكر في عمل اليوم الثاني عشر والحادي عشر، قال -رحمه الله-"ولا ينفر الإمام الذي يقيم للناس المناسك" لا بد من تعيين من يحج بالناس ويشرف على حجهم وهذا في الأصل هو الإمام الأعظم أو من ينيبه؛ ولذلك تجدون في تواريخ البداية والنهاية وغيرها وحج بالناس في هذا العام فلان يعني ممن أنابه ولي الأمر، ولا ينفر الإمام الذي يقيم للناس المناسك يعني يتبعونه في الانصراف ويتبعونه في إقامة الشعائر، الذي يقيم للناس المناسك لا ينفر في اليوم الثاني عشر "بل السنة أن يقيم إلى اليوم الثالث"عشر؛ لأنه قد يطرأ للحاج ما يقتضي وجوده؛ لأنه ما كلف من قبل ولي الأمر إلا ليحج بالناس ويراعي مصالح الناس، وإذا حصل إشكال أو حصل شيء يستدعي ولي الأمر ينوب عنه في هذا، وعلى هذا عليه أن يتأخر ولا ينفر الإمام.
طالب: ....نفر قبل الزوال ثم ذكر حاجة له أو استوجب رجوعه إلى منى.
يعني شيء طارئ فرجع، المهم أنه نفر قبل غروب الشمس ثم قال نسيت كذا -مثلاً- ورجع ليأخذه هذا ما رجع بنية الإقامة ولا أدركه المبيت.
طالب: ........................
الرمي بعد الزوال.
طالب: ........................
في آخر يوم، ينتهي بغروب الشمس اليوم الثالث عشر وما قبله يجوز الرمي ليلاً، رميت بعدما أمسيت قال افعل ولا حرج.
طالب: ........................
ماذا لو خالف؟
طالب: ........................
يلزمه الرمي.
طالب: إذًا ينفصل.
ما ينفصل حكمًا، يعني المخالف لا اعتبار ولا حكم له، ما يمكن، قال:"ولا ينفر الإمام الذي يقيم للناس المناسك بل السنة أن يقيم إلى اليوم الثالث والسنة للإمام أن يصلي بالناس بمنى ويصلي خلفه أهل الموسم" من وظائف السلطان والإمام أو من ينيبه أن يصلي بالناس، كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يفعله وخلفاؤه من بعده، قال:"ويستحب ألا يدع الصلاة في مسجد منى ومسجد الخَيْف" وسيأتي أن المسجد بُني بعد النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يكن على عهده، ولما سئل أين يقيم قال بخيف بني كنانة حيث تعاقد أهل الكفر هناك يعني لما تعاقدوا على مقاطعته -عليه الصلاة والسلام-،"ويستحب ألا يدع الصلاة في مسجد منى ومسجد الخيف مع الإمام فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبا بكر وعمر كانوا يصلون بالناس قصرًا،كانوا يصلون بالناس قصرًا بلا جمع" يعني كل صلاة في وقتها ويصلون الرباعية ركعتين، الظهر والعصر والعشاء وأما بالنسبة للصبح والمغرب فلا قصر ومع ذلك يصلون كل صلاة في وقتها.
طالب: .....................
لا ليس في منى جمع، حتى ورود منى قبل التعريف ليس فيه جمع.
طالب: .....................
منى زائدة نبهنا عليها،"ويقصر الناس كلهم خلفهم" يعني خلف النبي -عليه الصلاة والسلام- وأبي بكر وعمر "أهل مكة وغير أهل مكة"كلهم يجمعون ويقصرون الصلاة ويترخصون، وذكرنا أن هذا مما يشكل على مذهب الجمهور الذين يحددون بالمدة والمسافة، ويشكل أيضًا على من يقول إنه نسك لإننا إذا قلنا إنه نسك فمن تلبس بالنسك من أهل مكة يقصرون الصلاة في بيوتهم، يعني من حج من أهل مكة وكان في بيته نهارا هل هناك ما يمنعه من الترخص؟ ليس هناك ما يمنع، إذا بات بمنى ولو جلس النهار في بيته، إذا قلنا إن الترخص نسك قلنا يقصر وهو في بيته ولا قائل بذلك.
طالب: ....................
على كل حال يلزمه المبيت ، وأهل العلم يقولون لا يسافر مسافة قصر، لكن لو قال أنا ما وجدت مكان بمنى؟
طالب: ....................
على كل حال أكثر أهل العلم على أنه لا يسافر مسافة قصر، وجدة الآن أقل من مسافة القصر قربت من مكة، قال "وإنما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال « يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سَفْر» لما صلى بهم في مكة نفسها فإن لم يكن للناس" لما صلى بمكة كما تقدم قال أتموا فإنا قوم سفر، ولذلك لما صلى بهم في المشاعر ما قال أتموا، ما حفظ عنه ذلك، وذكرنا أن هذا مما يمكن أن يجاب عنه على مذهب الجمهور بأن هذا أمر تقرر عندهم، وقيل لهم أتموا في موطن ولا يُلزم أن يكرر القول بأتموا في كل موطن، ونظير ذلك على ما ذكرنا سابقًا ولا مانع من تكراره؛ لأن فيه نوع خفاء، وأنا ما وجدت من أشار إليه، نظير ذلك لما خطب بالمدينة وأمر أو أذن لمن لم يجد النعلين أن يلبس الخفين وأمر بقطعهما، ثم خطب بعرفة وقال: من لم يجد النعلين فليلبس الخفين ولم يذكر قطعا، منهم من يقول هذا نسخ؛ لأنه حضر في هذا الموقف من لم يحضر الخطبة الأولى وهذا يحتاج إلى بيان، وتأخير البيان لا يجوز عن وقت الحاجة، ومنهم من يقول يكفي مادام نبه على القيد في موضع لا يلزم التنبيه في كل موضع وألزم بالقطع، والقول بالقطع قول الأكثر قالوا لا يلزم أن ينبه في كل موضع حصل التنبيه وهذا قيد، والمطلق يحمل على المقيد، والقول الثاني أنه لا يلزم القطع لأن الخطبة الثانية ناسخة للأولى لأنه حضرها من لم يحضر الخطبة الأولى، وحينئذٍ لا بد من البيان وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، بهذا يمكن أن يجاب عن قول الجمهور.
طالب: .....................
ما ذُكر عنه أنه قال.
طالب: .....................
هذا يوم الفتح.
طالب: .....................
يوم فتح مكة أتموا فإنا قوم سفر هذا في فتح مكة.
طالب: .....................
ما يظهر أنها ما نقلت، لكن كونه قالها أو ما قالها وكررنا مرارًا أن عدم النقل لا يعني نقل العدم.
طالب: .....................
أتموا فيه كلام لأهل العلم مضعف مع ذلك.
طالب: .....................
على كل حال هو فيه كلام لأهل العلم واستدلال العلماء به مستفيض.
طالب: .....................
إذا انتفت الخلوة فلا بأس؛ لأن المحرم إنما يشترط للسفر وما دون السفر لا بد من انتفاء الخلوة.
طالب: هل يقال الآن أن الصلاة في المسجد هي السنة أو يصلي الإنسان في مكانه.
والله لو فعل الأرفق به المسجد هو الأصل وحيث ينادى بها هو الأصل، لكن إذا كان هناك مشقة على الحاج ففي مكانه، فيه سعة، قال "فإن لم يكن للناس إمام عام صلى الرجل بأصحابه"فإن لم يكن للناس إمام عام صلى الرجل بأصحابه يعني في مكان إقامته "والمسجد بني بعد النبي -صلى الله عليه وسلم-لم يكن على عهده" لم يكن على عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- وإنما بني في مكان النبي -عليه الصلاة والسلام- ولم يكن هناك مسجد.
ثم إذا نفر الناس من منى فإن بات بالمحصب -وهو الأبطح، وهو ما بين الجبلين إلى المقبرة- ثم نفر بعد ذلك فحسن؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- بات به، وخرج. ولم يقم بمكة بعد صدوره من منى، لكنه ودّع البيت، وقال: «لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت» فلا يخرج الحاج حتى يودع البيت، فيطوف طواف الوداع، حتى يكون آخر عهده بالبيت، ومن أقام بمكة فلا وداع عليه، وهذا الطواف يؤخره الصادر من مكة حتى يكون بعد جميع أموره، فلا يشتغل بعده بتجارة ونحوها، لكن إن قضى حاجته، أو اشترى شيئًا في طريقه بعد الوداع، أو دخل إلى المنزل الذي هو فيه ليحمل المتاع على دابته، ونحو ذلك، مما هو من أسباب الرحيل، فلا إعادة عليه، وإن أقام بعد الوداع أعاده، وهذا الطواف واجب عند الجمهور، لكن يسقط عن الحائض.
يقول -رحمه الله تعالى-:"ثم إذا نفر من منى، خرج منها فإن بات بالمُحَصَّب وهو الأَبْطَح" الذي بات به النبي -عليه الصلاة والسلام- وأصحابه فحسن، وهل مبيته -عليه الصلاة والسلام- بهذا المكان من باب الاختيار والتفضيل أو أنه من باب الاتفاق؟ يعني حصل له المبيت اتفاقًا من غير نظر إلى فضيلته، على كل حال الحرص على مثل هذا يؤجر الإنسان على قدر اقتدائه بالنبي -عليه الصلاة والسلام- من غير تعلق بالمكان نفسه، لكن إن تعلق بالمكان ورأى أن هذه البقعة لها فضل ومزية على غيرها بحيث يتردد إليها في كل وقت لا شك أن هذا ابتداع، يعني لو أن إنسانا ذهب إلى مكة في غير وقت المناسك ثم قال أنا أنزل بالمحصب؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- نزل به، هل نزول النبي -عليه الصلاة والسلام- بالمحصب من باب الاتفاق؛ لأنه كان على طريقه أو أنه اختاره ولو لم يكن على طريقه، وعلى هذا لو قال شخص أنا أذهب إلى مكة في غير موسم الحج وأسكن بعرفة أو أسكن بمنى أو أسكن بمزدلفة لأنها مشاعر وأذكر الله في تلك المشاعر نقول ابتدعت، لكن إذا ذهب إلى مكة وما وجد مكانا مناسبا يضرب فيه قبته في غير الموسم إلا هذا، مكان مهيأ ونظيف ومستوي مثل اللي في الصيف -مثلاً- يذهبون إلى مكة ويطيلون المكث هناك شهرا، تجدهم بالليل يخرجون إلى المشاعر للنزهة لا للتعبد هذا ما فيه إشكال، يعني يخرجون من أجل أن يروحوا عن أنفسهم، هناك أيضًا أماكن معدة لهذا الأمر، هذا لا يتعلق به عبادة ولا يتعلق به حكم شرعي، لكن لو قال: عرفة مشعر، مزدلفة مشعر، وهذه أماكن فاضلة وأسكن فيها في غير أوقات المناسك نقول ابتدعت، على كل حال يقول: ثم إذا نفر من منى فإن بات بالمحصب لا سيما إذا كان على طريقه "وهو الأبطح وهو ما بين الجبلين إلى المقبرة ثم نفر بعد ذلك فحسن"، يعني إذا نزل هناك ليرتاح؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- بات تلك الليلة بالأبطح ليرتاح ومنها أمر عبدالرحمن بن أبي بكر أن يعمر أخته عائشة من التنعيم من هذا المكان "فإن النبي -عليه الصلاة والسلام- بات به وخرج ولم يقم بمكة" يعني بعد الحج بعد تمام المناسك ما أقام بمكة؛ لأنها بلد تركها لله ولا يجوز للمهاجر أن يقيم بمكة أكثر من ثلاث ليال، وليس معنى أنه إذا كان لا يجوز له أن يقيم أكثر من ثلاث، يستحب له أن يقيم ليلة أوليلتين لا، على كل حال هذا كلام الشيخ -رحمه الله-، قال:"ولم يقم بمكة بعد صدوره من منى لكنه ودع البيت وقال لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت"، بالبيت الذي هو الكعبة لا يقول أنا آخر عهدي بالمسجد لا يكفي لا بد أن يكون آخر عهده بالبيت، ومعنى هذا أنه لا بد أن يكون الوداع بالطواف، وجاء التنصيص على الطواف في بعض الروايات وإلا لو قال قائل: أنا آخر عهدي بالبيت فقد صليت بالمسجد سأخرج، نقول لا، هذا آخر عهدك بالمسجد وليس هذا آخر عهدك بالبيت، قال "فلا يخرج الحاج حتى يودع البيت فيطوف طواف الوداع حتى يكون آخر عهده بالبيت" إلى آخره، ثم قال في الآخر طواف الوداع واجب عند الجمهور لكن يسقط عن الحائض، فلا يخرج الحاج حتى يودع البيت، فيطوف طواف الوداع حتى يكون آخر عهده بالبيت إلى آخر كلامه -رحمه الله-، لا بد أن لا يبقى شيء من متعلقات الحج، يعني لا يقول أنزل أطوف للوداع ثم على طريقي أرمي الجمرة وأمشي، هذا ما كان آخر عهده بالبيت وطوافه غير صحيح لا بد أن يعيده وداعًا، لكن ماذا لو أخر طواف الإفاضة وسعى بعده ثم خرج، هل كان آخر عهده بالبيت وحتى كان آخر عهده بالمسجد؟ لا، لا بالبيت ولا بالمسجد؛ لأن المسعى خارج المسجد، هل يجزئ طوافًا للوداع مثل هذا الطواف، طواف الإفاضة الذي عقبه بالسعي الأصل أن يؤمر بإعادة الطواف، لكن لوجود المشقة العظيمة وقرب العهد بالبيت وجد من يفتي بأنه يجزئ ويكفي، يطوف ثم يسعى وإذاوجد المشقة العظيمة في الطواف لا يعيده وجد من يفتيه بهذا، وإلا فالأصل أنه لا بد أن يطوف للوداع لأنه حينئذٍ لا بد أن يكون آخر عهده بالبيت، وعلى هذا لو قال قائل أنا أقدم السعي كما جاء في الحديث: سعيت قبل أن أطوف قال افعل ولا حرج، نقول تقديم السعي خاص بيوم النحر؛ لأنه من أعمال يوم النحر، فما سئل في ذلك اليوم عن شيء قدم ولا أخر إلا قال افعل ولا حرج، الجمهور يشترطون لصحة السعي أن يكون مسبوقا بطواف ولو مسنونًا، الذي سعى بعد طواف القدوم وأخر طواف الوداع إلى وقت خروجه هذا ما عنده مشكلة، هذا يطوف طواف الإفاضة ويخرج ويدخل فيه طواف الوداع لكن إذا طاف بنية الوداع وغفل عن طواف الإفاضة، أخر طواف الإفاضة مفردا أو قارنا أو سعى بعد طواف القدوم وأخر طواف الإفاضة إلى وقت خروجه، فعزبت عنه نية طواف الإفاضة وطاف للوداع ومشى يعني مع الزحام ومع الاستعجال أحيانًا يفعل هذا كثيرًا ما يُسأل عنه، هل نقول إنه وقع موقع طواف الإفاضة أو نقول إنما لكل امرئ ما نوى وهذا ما نوى فلا يصح طوافه؟ هل نقول أن طواف الإفاضة الذي طِيف بنية الوداع يقع عن طواف الإفاضة لأن الذمة مشغولة به؟ يعني كمن حج عن غيره ولم يحج عن نفسه ماذا يقول أهل العلم؟ أنه يقع عن نفسه لأن الذمة مشغولة بالفرض وبهذا قال الشافعية يقولون إذا طاف بنية الوداع يقع عن الإفاضة، وجمع من أهل العلم يقولون إنما لكل امرئ ما نوى هذا ما نوى، ولا يجزئ عن طواف الإفاضة لا بد أن ينويه، كما لو كبر للركوع ولم ينو تكبيرة الإحرام لا تجزئه تكبيرة الركوع، ما المتوجه من القولين حديث عمر صريح في عدم الإجزاء، وإنما لكل امرئ ما نوى، لكن أعمال الحج في الجملة فيها ما يخرج عن هذا الحديث، يعني تغيير النية، نوى الحج مفردًا أو قارنًا ثم بعد ذلك قلب النية وغير من نسك إلى نسك، هذا أمر به النبي -عليه الصلاة والسلام- هل نقول: إنما لكل امرئ ما نوى ليس لك إلا ما نويت عند عقد الإحرام مثل تكبيرة الإحرام، أنت نويت صلاة فريضة يصح أن تقلبها نفلا إذا كنت منفردًا في الوقت المتسِع، فيجوز أن تقلبها نفلا طلبًا للكمال لهذه الفريضة، لكن لو أحرمت بنفل، كبرت تبكيرة بنفل ثم قلبتها فرضا لا يصح وهنا.
طالب: .......................
نعم من أركان الحج نية الدخول في النسك مثل تكبيرة الإحرام هذا الأصل في نية الدخول مثل تكبيرة الإحرام لها أثرها على هذه العبادة، فماذا عمن طاف للوداع ولم يطف للإفاضة، هل نقول أن الطواف وقع للإفاضة؛ لأن الذمة مشغولة به أو نقول أنه وقع طوافا لا يصلح للوداع ولا للإفاضة؟
طالب: ..................
يجب استصحاب الحكم، يجب استصحاب حكم النية، لكن لا يجب استصحاب ذكر النية، استصحاب الحكم لا بد منه، بأن لا يغير هذه النية إلى شيء آخر، إذا غيرها بطلت هذه النية.
طالب: .................
بلا شك إنما الأعمال بالنيات.
طالب: .................
يعني إذا قلنا بتداخل العبادات.
طالب: .................
ما تحفظ كلام الفقهاء ومن نوى غسلاً مسنونًا أجزأ عن واجب، على كل حال المسألة مثل ما ذكرنا الخلاف بين الشافعية وغيرهم، وإذا كان المسألة مفترضة في شخص رجل أو امرأة جاء من بلاد بعيدة ورجع إليها وهو يترقب هذه الحجة منذ أن كلف إلى أن بلغ السبعين، هل يؤمر بالرجوع ليطوف طواف الإفاضة أو يقال مذهب الشافعية يسعه وله حظ من النظر، أما من أمكنه الرجوع فلا بد من الرجوع.
طالب: ..................
ثم يطوف هذا الأصل لكن إن كانت هناك مشقة عظيمة كما هو حاصل الآن فبعض أهل العلم يفتي بأنه يكفيه.
طالب: ..................
العمرة ليس لها وداع، اعتمر النبي -عليه الصلاة والسلام- أربع عمر ما وادع ولا أمر به. هنا مسألة يعني يتنبه لها وهي أن عائشة -رضي الله عنها- لما اعتمرت بعد حجها ما حفظ أنها وادعت ، فإما أن يقال: هذه العمرة تعقبت حجا يحتاج إلى وداع فإما أن يقال: أن العمرة لا وداع لها وهذا جاري ماشي عند عامة أهل العلم، أو يقال إن السعي بعد الطواف لا يؤثر، يعني عائشة -رضي الله عنها- لما أعمرها أخوها عبدالرحمن من التنعيم طافت وسعت وحلت ومشت، هل نقول هذا لأن العمرة لا وداع لها والحكم للمتأخر، هي حاجة ثم اعتمرت الحكم للمتأخر، يعني لو أن حاجا لما انتهى من جميع أعمال الحج خرج إلى الحل وأتى بعمرة، هل نقول يلزمه طواف وداع أو ما يلزمه؟ هل الحكم للحج أو للعمرة التي تعقبته؟ يعني إما أن نقول أن المعتمر لا يلزمه وداع في مثل هذه الحالة في قصة عائشة، أو نقول إن السعي بعد الطواف لا يؤثر، وله وجه.
طالب: ..............
لا، الكلام على رفع الحدث المؤثر في العبادة، نوى غسلا مسنونا اغتسل للجمعة وخرج ولمَّا جلس يسمع الخطيب تذكر، وقال علي جنابة، نقول: اخرج واغتسل للجنابة أو يكفيك هذا؟
طالب: ..............
ليست بنجاسة هذا غسل جمعة، اغتسل للجمعة وليس في نيته رفع الحدث الذي هو الجنابة.
طالب: .............
ليست بنجاسة الحدث وصف حكمي، غسل فرجه وما يلوثه وما بقي للحدث أثر؛ إنما وصف حكمي على أن المسألة التي ذكرت ليس متفقًا عليها يعني من نوى غسلاً مسنونًا أجزأ عنه، ليس متفقا عليه والمتجه أنه لا يجزئ عندي،لا، يا إخوان المسألة حينما تقرر بنظائرها لا يؤخذ حكم مسلم وإنما نحن نأتي بالنظائر من أجل توضيح المسائل، قال "فلا يخرج الحاج حتى يودع البيت فيطوف طواف الوداع حتى يكون آخر عهده بالبيت ومن أقام بمكة فلا وداع عليه"فلا وداع عليه؛ لأن الوداع إنما هو في حق من أراد الانتقال، كمن أراد أن يسافر من بلد إلى بلد يوادع ويودَّع لكن من أراد الإقامة لا يودع، قال "ومن أقام بمكة فلا وداع عليه وهذا الطواف يؤخره الصادر من مكة حتى يكون بعد جميع أموره فلا يشتغل بعده بتجارة" لأنه ما صار آخر عهده بالبيت فلا تشتغل "بتجارة ونحوها ولكن إن قضى حاجته أو اشترى شيئًا في طريقه بعد الوداع" يعني من لوازم السفر أو مما يحتاجه أو أهله في بلده "أو دخل إلى المنزل الذي هو فيه ليحمل المتاع على دابته ونحو ذلك مما هو من أسباب الرحيل فلا إعادة عليه"لا يحتاج إلى أن يعيد الوداع "وإن أقام بعد الوداع أعاده"، الشيخ يذكر مثل هذه الأمور لأن منهم من قال إذا دخل المنزل يلزمه أن يعيد، من اشترى شيئًا يلزمه أن يعيد الوداع لأنه ما صار آخر عهده بالبيت هذه أمور من أسباب السفر، يعني حمل المتاع يعني نفترض أن شخص طاف للوداع وافتقد بعض الرفقة وجلس ينتظرهم فنام على عمود من أعمدة الحرم نام ساعة ساعتين حتى جاء رفقته هل هذا أقام نوى إقامة؟ لا هذا مضطر لهذا الأمر كما لو حبسه السير عن الخروج عن مكة ساعة ساعتين ثلاث، قد يحبس ساعات فهذا ما نوى إقامة فلا إعادة عليه، وإن أقام بعد الوداع أعاده "وهذا الطواف واجب عند الجمهور"ومعلوم أنه عند المالكية سنة"واجب عند الجمهور لكن يسقط عن الحائض" وهذه رخصة شرعية، هذه رخصة شرعية بينما الترخص بمذهب مالك لأن بعض الناس يأتي إلى ما خُصت بها هذه الأمة من اليسر والسهولة فيتنصل من الواجبات بالنظر في المذاهب، فيأخذ من كل مذهب أسهل ما فيه أو في كل مسألة أسهل ما قيل فيها، هذا ليس بيسر ولا تسهيل هذا خروج عن التكاليف، هذا تحايل للخروج عن التكاليف، وابن الجوزي -رحمه الله- له كلام في غاية النفاسة في صيد الخاطر من يتتبع مثل هذه الأمور في كل مسألة يأخذ أيسر الأقوال، هذا لا شك أنه على خطر عظيم أن يخرج من الدين بالكلية؛ لأنه ما من مسألة وما من حكم إلا وفيه أشد وفيه أخف، قال: وهذا الطواف واجب عند الجمهور "لكن يسقط عن الحائض" هذه رخصة شرعية، أما الأخذ برأي مالك وترك رأي الجمهور؛ لأنه أسهل لا شك أن هذا ليس من اليسر الذي قامت عليه هذه الشريعة؛ إنما هو تنصل وخروج عما أوجب الله -جلَّ وعلا-، وتقديم لآراء الرجال على النصوص، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"