شرح نخبة الفكر (08)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

بم يعرف الوضع؟

عرفنا الخبر الموضوع، المكذوب، الملصق، المنسوب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- زوراً وبهتاناً، وعرفنا الأسباب الأسباب الحاملة لمن اقترف هذه الجريمة إلى ما صنع، والآن نعرض إلى شيء يعرف به الحديث الموضوع:

ذكر ابن القيم -رحمه الله تعالى- في المنار المنيف أن من تضلع في معرفة السنن الصحيحة، واختلطت بلحمه ودمه، وصار له فيها ملكة، وله اختصاص شديد بمعرفة السنن والآثار، ومعرفة سيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهديه، فيما يأمر به وينهى عنه، ويخبر عنه، ويدعو إليه ويحبه ويكرهه، ويشرعه للأمة بحيث يصير كأنه مخالط للرسول -صلى الله عليه وسلم- كواحد من أصحابه، فمثل هذا يعرف من أحوال الرسول -عليه الصلاة والسلام- وهديه وكلامه، وما يجوز أن يخبر به وما لا يجوز ما لا يعرفه غيره، يقول: وهذا شأن كل متبع مع متبوعه، فإن للأخص به الحريص على تتبع أقواله وأفعاله من العلم بها والتمييز بين ما يصح أن ينسب إليه وما لا يصح، ما ليس لمن لا يكون كذلك، وهذا شأن المقلدين مع أئمتهم يعرفون أقوالهم ونصوصهم ومذاهبهم.

هذا ظاهر لو أن شخصاً أحضر آخر ليخدمه بالأجرة ولزمه في الخدمة أكثر الوقت فإنه لا يحتاج إلى وقت طويل حتى يعرف ما يحب هذا الرجل وما يكره، وما يأكل وما يمنع منه إلى غير ذلك، ويعرف أن مثل هذا القول يمكن أن يصدر عنه، إذا درس وضعه ونفسيته وما لا يمكن أن ينسب إليه، وهذا إدراكه سهل بالنسبة للمتبوعين مع من يتبعون، والعلماء الفقهاء التابعون للمذاهب يعرفون ما يمكن أن ينسب إلى إمامهم وما لا ينسب، فلو جاء شخص نسب إلى الإمام أحمد قولاً لا يجري على قواعده وأصوله لبادر الحنابلة بتكذيبه، وهكذا بقيت المذاهب، وذلك لأنهم عرفوا ما يعجب الإمام أحمد وما لا يعجبه، وعرفوا أصوله وفروعه، كذلكم من اعتنى بسنة النبي -عليه الصلاة والسلام- فإنه مع العناية والتحري وطول المذاكرة والمدارسة يعرف ما يمكن أن يضاف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وما لا يمكن أن يضاف إليه.

يقول السراج البلقيني: إن لأئمة الحديث علامات يعرفون بها الموضوع، وشاهد ذلك أن إنساناً لو خدم إنساناً سنين وعرف ما يحب وما يكره فجاء إنسان وادعى أنه يكره شيئاً يعلم ذلك أنه يحبه فبمجرد سماعه يبادر إلى تكذيب من قال: إنه يكرهه، وعلى ضوء تلك المعرفة من قبل هؤلاء النقاد مع خشيتهم من التباس الأمر على من يأتي بعدهم، هبوا لوضع علامات يعرف بها الموضوع، ويميز بها بين الصحيح من غيره، من هذه العلامات وإن لم تكن علامة إلا أنها يعرف بها أن الخبر موضوع:

إقرار الواضع: بأن يقر الواضع أنه وضع الحديث بعينه، كإقرار عمر بن صبح بأنه وضع خطبة نسبها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إقرار الواضع، يعني إذا قال الواضع: إنه كذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- فوضع هذا الحديث، هل يكفي إقراره للحكم على الخبر بأنه موضوع؟ نقول: نعم يكفي إذا لم يعرف إلا من طريقه، نحكم عليه بأنه موضوع، إذا لم نعرفه إلا من طريقه، أما إذا ورد من طرق أخرى يثبت بها فلا.

ابن دقيق العيد قال: وهذا" يعني إقرار الواضع يعني أن إقرار الواضع "كاف في تركه "وهذا -يعني إقرار الواضع- كاف في تركه، لكنه ليس بقاطع في كونه موضعاً لجواز أن يكون كاذباً في هذا الإقرار" كاذباً في هذا الإقرار، متى يتصور أنه كاذب؟ إذا أراد أن يفوت على الأمة العمل بهذا الخبر، فلو افترضنا أن جهمياً قال: أنا وضعت حديث ينسبه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- يذم الجهمية، يذم به الجهمية، أو يذم به القدرية، لو قال معتزلي: إنه هو الذي وضع حديث: ((القدرية مجوس هذه الأمة)) يصدق؟ نعم؟

طالب:......
لماذا؟ هو يريد أن يبطل العمل بهذا الحديث أو يريد أن يقوي العمل بهذا الحديث، نعم؟ لو جاء شخص مثلاً حنفي إلى حديث يستدل به المالكية على مسألة يختلفون فيها مع الحنفية، فقال الحنفي: إنه هو الذي وضع هذا الحديث من أجل أن يبطل العمل به على المالكية، ما يصدق في إقراره، ومثله لو حصل الخلاف بين سني ومعتزلي فقال المعتزلي: أنه هو الذي وضع الحديث الذي يحتج به السني أو العكس، لا يقبل إقراره؛ لأنه يريد أن يفوت العمل بهذا الحديث الذي هو حجة عليه، يقول ابن حجر: "وقد فهم منعه –يعني كلام ابن دقيق العيد- بعضهم أنه لا يعمل بذلك الإقرار أصلاً، وليس ذلك مراده، وإنما نفى القطع بذلك، ولا يلزم من نفي القطع نفي الحكم؛ لأن الحكم يقع بالظن الغالب وهو هنا كذلك" الحكم معلق بالظن، حينما أقر أنه وضع هذا الخبر يغلب على الظن أن الخبر موضوع، لكن من هذا الطريق، من طريقه يغلب على الظن أنه موضوع، لكن لو ثبت لنا من طريق غيره نعم عملنا به، وكون الحديث يروى من طرق صحيحة ويأتي من طريق كذاب لا يضره، يقول: "ولولا ذلك لما ساغ قتل المقر بالقتل، ولا رجم المعترف بالزنا لاحتمال أن يكونا كاذبين فيما اعترفا به".

لو وجد قتيل لا يعلم قاتله، فجاء شخص يريد أن ينتحر فقال: بدلاً من أن ينتحر بدون مقابل لعله يكون سبب في إنقاذ القاتل الحقيقي وقدم نفسه وقال: إنه هو القاتل، أو قدم نفسه وقال: إنه زنى وهو محصن ليرجم، وبدلاً من أن ينتحر بنفسه يتخلص من هذه الحياة على حد زعمه، وينقذ القاتل الحقيقي، يؤاخذ بإقراره، يؤاخذ بإقراره؛ لأن إقراره يورث غلبة ظن، وإلا لو قلنا: إنه احتمال أن يكون كاذباً لما اعتمد شيء من الإقرارات، والإقرار كما هو معروف أقوى من البينات.

الأمر الثاني: ما يتنزل منزلة إقراره كأن يحدث بحديث عن شيخ ثم يسأل عن مولده فيذكر تاريخاً يعلم وفاة ذلك الشيخ قبله، ولا يوجد ذلك الحديث إلا عنده، فهذا لم يعترف بوضعه، ولكن اعترافه بوقت مولده يتنزل منزلة إقراره في الوضع، يعني لو روى حديث عن شخص قلنا: متى مات هذا الشخص؟ قال: سنة مائة، وأنت متى ولدت؟ قال: سنة مائة وعشر كيف تروي عنه؟ هذا ينزل منزلة الإقرار، هو ما أقر بالوضع، لكنه في حكم الواضع.

الأمر الثالث: ما يؤخذ من حال الراوي بحيث تقوم قرينة من حاله تدل على أن ذلك المروي موضوع، من أمثلته ما أخرجه الحاكم عن سيف بن عمر التميمي أنه قال: كنا عند سعد بن طريف فجاءه ابنه يبكي فقال: ما لك؟ قال: ضربني المعلم، قال: لأخزينهم اليوم، هذه قرينة لأخزينهم اليوم، حدثني عكرمة عن ابن عباس مرفوعاً: "معلمو صبيانكم شراركم، أقلهم رحمة لليتيم، وأغلظهم على المساكين"، الظرف الذي قيل فيه هذا الكلام قرينة على أنه كاذب لأخزينهم اليوم.

الأمر الرابع: ما يؤخذ من حال المروي، وله عدة وجوه، منها: ركاكة معنى الحديث، سواءً ضم إليها ركاكة لفظه أم لا، أما ركاكة اللفظ وحدها فلا تكفي دليلاً على الوضع عند جمهور المحدثين الذين جوزوا الرواية بالمعنى؛ لأن هذه الركاكة يحتمل أن تكون من تصرف الرواة، لا سيما والرواية بالمعنى جائزة عند الجمهور.

كون الحديث مناقضاً لما جاء به القرآن الكريم أو السنة الصحيحة الصريحة مناقضة بينة، فكل حديث يشتمل على فساد، أو ظلم، أو مدح باطل، أو ذم حق، أو نحو ذلك فرسول الله -صلى الله عليه وسلم- منه بريء.

مخالفة الحديث لصريح العقل، في هذا يقول ابن الجوزي: "كل حديث رأيته يخالف المعقول أو يناقض الأصول فاعلم أنه موضوع فلا تتكلف اعتباره"، لكن أي عقل يعتبر في مخالفة مثل هذه الأحاديث؟ الكلام على العقل الصريح، السليم، الذي لم تجتله الشياطين بالشهوات والشبهات، وليس في هذا مدخل لمن يسمي نفسه بالعقلاني، أو العقلانيين أن يعارضوا السنن بعقولهم المفتونة الضالة، كمن يعترض على حديث الذباب، يقول: لا أعتقد أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول هذا الكلام في حال كونه مبلغاً عن الله، وإلا فمن أين للذباب أن يدرك الجناح الذي فيه الداء والجناح الذي فيه الدواء؟ بعقله يرد الحديث الصحيح، هذا الكلام باطل لا شك أن لمثل هذه الحشرات والحيوانات قوى مدركة، وإلا فمن أين للنملة إذا أدخلت قوتها أن تقسم الحبة إلى نصفين لئلا تنبت؟ المقصود بالعقل الذي ينظر في الخبر الذي يخالفه العقل الصريح، فالعقل الصريح السليم من الأهواء، الباقي على الفطرة المستقيمة مثل هذا ينظر إليه، ولا يوجد خبر صحيح يناقض العقل الصريح.

لشيخ الإسلام -رحمه الله- كتاب عظيم اسمه: (درء معارضة العقل للنقل) ما يمكن أن يعارض العقل الصريح النقل الصحيح، واسم الكتاب كما في بعض النسخ: (موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول).

مخالفة الحديث للحس والمشاهدة وحقائق التاريخ: نعم إذا تضمن الحديث مخالفة للحس والمشاهدة لا شك أنه علامة على أنه غير ثابت، وهذه الأحاديث التي يحكم عليها بهذه القواعد هي الأحاديث التي لا تثبت بالأسانيد، أم الأحاديث التي تصح أسانيدها فإنها لا تعارض بمثل هذا، بل ينظر في الحس، أي حس وأي مشاهدة، وإلا قال بعضهم في حديث مخرج في صحيح البخاري: ((لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)) قالوا: هذا مخالف للواقع، ((لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)) يقول بعض المفتونين: هذا مخالف للواقع كيف؟ ((لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)) وغاندي حكمت الهنود سنين وأفلحوا، وتاتشر حكمت الانجليز وأفلحوا، وجلدمائير حكمت اليهود وهزمت العرب، إذاً الحديث هذا غير صحيح؛ لأنه مخالف للواقع والحس، نقول: أي واقع تعيشه أيها المسكين، تعارض حديث في صحيح البخاري بمثل هذه الفاجرات العاهرات، نسأل الله العافية، العبرة بالمسلمين الذين للرجال على النساء القوامة، أما بالنسبة للكفار مع أن عموم الحديث يتناولهم فكثير منهم أقل مرتبة من النساء؛ لأنهم في أحكام الحيوانات بل هم أضل، إذا مسخت الفطر قالت مثل هذا الكلام، نسأل الله السلامة والعافية.

من الأمارات كون المروي خبراً عن أمر جسيم تتوافر الدواعي على نقله ثم لا يرويه إلا واحد، فإن انفرد هذا الواحد برواية هذا الحديث مع جسامة موضوعه وعظيم شأنه دل على أن هذا الواحد مختلق كذاب.

ونكرر ونعيد أنه إذا لم يوجد الحديث في دواوين السنة المعتبرة بالأسانيد الصحيحة فإنا نجري عليه هذه القواعد، وإلا فأي أمر جسيم أعظم من النية المشترطة لجميع العبادات، ولم ينقلها عن النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا عمر بن الخطاب، وقد خطب به عمر بن الخطاب على المنبر فلم ينقله عنه إلا علقمة بن وقاص الليثي، ولم ينقله عن علقمة إلا محمد بن إبراهيم التيمي، ولم ينقله عنه إلا يحيى بن سعيد الأنصاري، هذا شرط لكل عبادة، هذه أمر جسيم، وتتوافر الدواعي على نقله وما نقله إلا هؤلاء، والحديث صحيح مجمع على صحته، لماذا؟ لأنه ثابت الأسانيد في الصحيح في دواوين الإسلام المعتبرة، لكن لو وقفنا على حديث لا يوجد في دواوين الإسلام إما في كتاب تاريخ أو في كتاب أدب أو ما أشبه ذلك، أو يتناقله الناس نعرضه على هذه القواعد، ونحكم عليه بذلك، يعني كون الخطيب يقتل على المنبر ولا ينقل الخبر من الحاضرين إلا واحد لا شك أن هذه أمارة على أنه كذب، لكن هذا الكلام لا يطرد في الأحاديث التي تروى بالأسانيد الصحيحة.

أن يكون المروي قد تضمن الإفراط بالوعيد الشديد على الأمر الهين اليسير، ومثاله: ((من أكل الثوم ليلة الجمعة فليهوِ في النار سبعين خريفاً)) يعني إذا رتب الوعيد الشديد على أمر هين يسير إذا كان هذا الوعيد جاء بسند صحيح وفي ديوان معتبر من دواوين السنة ما المانع؟ {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} [(23) سورة الأنبياء] ((وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً)) كلمة، لكنها من سخط الله، أمر هين يسير، لكنه لا يلقي لها بالاً ((فيهوي فيها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب)) هذا في صحيح البخاري، هل نقول: إن هذا شيء عظيم على عمل يسير؟ ما نقول مثل هذا أبداً، قد يخلد الشخص في النار بسبب كلمة يكفر بها، وهي كلمة أمر يسير.

بالمناسبة الثوم الوارد في الخبر الموضوع السابق لما سئل عنه النبي -عليه الصلاة والسلام- كما في صحيح مسلم أحرام هو؟ قال: ((لا أحرم ما أحل الله))، وهنا يقول: ((من أكل الثوم ليلة الجمعة فليهوِ في النار سبعين خريفاً)) هذه أمارة على وضعه، لكن ((إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً تكون من سخط الله يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب)) هذا في البخاري، هل يستطيع أحد أن يطبق عليه مثل هذه القاعدة؟ لا، فهذه القواعد لأحاديث لا تروى بأسانيد ولا توجد في دواوين الإسلام.

أو يتضمن الإفراط بالوعد العظيم على الفعل القليل، ومثاله: ((من صلى الضحى كذا وكذا أعطي ثواب سبعين نبياً)) مثل هذا الكلام يمكن أن يصدر من النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ وأن العبد لو عُمِّر عمر الدنيا ومكث ساجداً وقلنا: إن هذا مشروع بالنسبة له هل يساوي ثواب نبي واحد؟ لا يمكن، والله المستعان.

ليس من هذا ما يروى بالأسانيد الصحيحة في كتب السنة في الصحيحين وغيرهما: ((من قال في يوم مائة مرة: سبحان الله وبحمده حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر)) سبحان الله وبحمد في دقيقة ونصف تقال مائة مرة، هذا ثواب عظيم على أمر يسير، لكن ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، كم من محروم يسمع مثل هذا الكلام ولا يقوله، وليس من ذلك: ((من صلى الصبح ثم جلس في مجلسه يذكر الله حتى إذا طلعت الشمس صلى ركعتين كان له أجر حجة تامة)) ليس من هذا، والحديث قابل للتحسين.

من السهل اليسير على الناس أن يذهب إلى مكة ويأخذ عمرة أو يأخذ حجة سهل ميسر على نفسه، لكن من يجلس بعد صلاة الصبح إلى أن تنتشر الشمس؟ هذا من أشق الأمور على النفس، لا سيما من لم يتعود ذلك ويمرن نفسه على ذلك، من السهولة بمكان أن تركب السيارة وتنتقل من بلد إلى بلد، لكن من الصعوبة أن تقوم من فراشك إذا بقي على صلاة الصبح ساعة وتصلي ما كتب لك، أعمال يسيرة لكنها بالنسبة لمن يسرها الله عليه، وإلا فالجنة حفت بالمكاره كما هو معلوم.

المقصود أن مثل هذه القواعد لا تطبق على الأحاديث التي تروى بأسانيد ثابتة في الكتب المعتبرة مهما تضمنت من الوعد أو من الوعيد.

من الأمارات الدالة على وضع الحديث: عدم وجود الحديث في بطون الأسفار بعد تدوين السنن، فإذا فتشت هذه الأسفار وهذه الكتب المعتمدة عند أهل العلم، ولم يظفر به فيها، فإنه يعلم كذبه، لعلمنا أن الأخبار قد دونت، ما نقله ابن الصلاح عن البيهقي، يعني إذا سمعنا حديث وبحثنا عنه في الكتب ما وجدناه، من أين جاء به صاحبه؟ لا بد أن يكون موضوعاً؛ لأن السنة دونت.

ولا يقول قائل: إن الأئمة يحفظون مئات الألوف من الأحاديث ولا وصلنا إلا عشر ذلك، نقول: لا، الأمة معصومة من أن تفرط بشيء من دينها، بل الدين كله محفوظ، ما فرط بشيء منه، لكن الأئمة يحفظون الأحاديث بأسانيدها، فرب حديث يروى من مائة طريق يعدونه مائة حديث، ولا يتصور أن الأمة بكاملها فرطت بشيء من دينها، فإذا نقل الحديث من تقوم به الحجة اكتفوا به عن غيره، وغير ذلك من العلامات التي نصبها الأئمة دلائل على وضع الحديث وليس معنى ذلك أن هذه العلامات يسيرة معلومة لكل إنسان، وإنما ذلك لجهابذة الحديث فقط، فهم الذين لديهم الأدوات الصحيحة التي يميزون بها صحيح حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من غيره تمييزاً دقيقاً، ليس لكل أحد أن يقول: أنا أعرف من خلال هذه العلامات أن أطبق على الأحاديث التي تمر علي، يأتي إلى حديث في السنن؟ نقول: لا، هذا حديث تضمن وعد عظيم على عمل يسير، أو وعيد، أو مخالف للحس والمشاهدة، أي حس؟ مخالف للمعقول أي عقل؟ هذا للأئمة.

حكم رواية الحديث الموضوع: اتفق العلماء على تحريم رواية الأحاديث الموضوعة مع العلم بوضعها، سواءً كانت في الأحكام، أم في القصص والترغيب والترهيب ونحوها، إلا مع بيان وضعها، فمن بين فهو مثاب على صنيعه فإنه ينفي الزغل عن سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأما من يرويه من غير أن يبين حاله فهو آثم شديد الإثم لحديث: ((من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبَين)) ((أو الكاذبِين)) رواه مسلم في مقدمة الصحيح، وبهذا نعلم خطأ من أورد الموضوعات من المفسرين كالنقاش والثعلبي والواحدي والزمخشري والبيضاوي، وإسماعيل حقي وغيرهم، هؤلاء أوردوا أحاديث موضوعة في فضائل السور، النقاش والثعلبي والواحدي والزمخشري والبيضاوي، هؤلاء أوردوها وسكتوا، أما إسماعيل حقي فأوردها وجاء بالحجة السخيفة التي احتج بها من يقول: إننا لا نكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- بل نكذب له، قال: إن كانت ثابتة فبها ونعمت وإن لم تكن ثابتة فقد قال الأول: إننا لم نكذب على النبي وإنما كذبنا له، وهذا جهل، جهل شديد، الدين ليس بحاجة إلى دعاية أبداً، الدين كامل شامل، ليس بحاجة إلى ترويج بالأقوال الباطلة المزيفة، وكذلك من أوردها من الفقهاء والمؤرخين والأدباء وغيرهم، كثير في كتب هؤلاء، كتب الفقه كتب التاريخ، الأدب، فيها موضوعات كثيرة، فلا يجوز أن تروى هذه الأحاديث الموضوعة إلا مقرونة ببيان كذبها، ولا يجوز للخطيب أن يلقي على الناس في خطبة الجمعة أحاديث لا يعرف حكمها، لعموم حديث: ((من حدث عني بحديث يرى -ما يلزم أن يرى هو لو رآه بعض السامعين- يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبِين)) لا بد أن يتأكد مما يلقي، إذا روى حديثاً موضوعاً لتحذير الناس منه لا بد أن يبين أنه موضوع، في السابق كان الأئمة يكتفون بذكر الإسناد؛ لأن الناس يعرفون من خلال الإسناد يعرفون درجة الحديث، ثم بعد ذلكم لما حذفت الأسانيد واختصرت، صار الناس يكتفون بقولهم: هذا حديث صحيح، هذا حديث ضعيف، هذا حديث موضوع، لكن آل الأمر إلى أن لا تعرف هذه الاصطلاحات، يعني ما يكفي أن يؤتى بحديث موضوع على المنبر ويقول الخطيب: هذا حديث موضوع، عامة الناس لا يعرفون موضوع، الموضوع، إيش الموضوع؟ لا بد أن يقول: هذا مكذوب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، يأتي بكلام يفهمه المخاطب.

وقد حصل أن الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى- سئل عن حديث فقال: "هذا حديث مكذوب لا أصل له"، فقام إليه شخص ممن ينتسب إلى العلم من الأعاجم، فقال: "كيف تقول يا شيخ: هذا مكذوب وهو موجود في كتب السنة بالأسانيد يروى بالأسانيد؟ فأحضره من الموضوعات لابن الجوزي، فتعجبوا من كونه لا يعرف موضوع الموضوع، والآن عامة الناس بل كثير من المثقفين ما يعرف معنى كلمة موضوع، فعلى هذا لا بد من البيان، والله المستعان.

المتروك:

قال الحافظ: "والثاني: المتروك" الثاني يعني حديث المتهم بالكذب يسمى المتروك، وهو في اللغة: اسم مفعول من الترك يقال: تركه يتركه تركاً وتركاناً، واتركه كافتعله، والتريكة كسفينة البيضة بعد أن يخرج منها الفرخ، والتريك العنقود إذا أكل ما عليه، فهي فعيل بمعنى مفعول، فكل هذه متروكة، فالعنقود إذا أكل ما عليه، البيضة إذا خرج منها الفرخ كلها متروكة؛ لأنها لا فائدة فيها، فالمتروك ما لا فائدة فيه.

واصطلاحاً: هو الحديث الذي في إسناده راوٍ متهم بالكذب، وعرفنا متى يتهم الراوي بالكذب؟ إذا روى حديثاً مخالف للقواعد بحيث لا يروى إلا من طريقه يتهم بالكذب، إذا كان مشتهراً بالكذب في كلامه مع الناس، في كلامه العادي، ولم يعرف عنه الكذب في حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- مثل هذا يتهم بالكذب.

وهذا النوع مستقل ذكره الحافظ، وإن لم يذكره قبله ابن الصلاح ولا النووي، ومثاله: ما رواه ابن ماجه عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يرمي الجمار إذا زالت الشمس قدر ما إذا فرغ من رميه صلى الظهر، فهذا الحديث متروك؛ لأنه من رواية إبراهيم بن عثمان العبسي، وهو متروك الحديث كما في التقريب وغيره.

رتبة الحديث المتروك: تقدم أن شر الأحاديث الموضوع، وعرفنا ما نوقش به الخطابي وابن الصلاح في إضافتهم الموضوع إلى الأحاديث، شر الأحاديث الموضوع، وقلنا: إنه يراد بالأحاديث هنا أعم من المرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، بل يشمل ما يتحدث به، ويليه المتروك، يلي الموضوع المتروك، ولذا جعله الحافظ ابن حجر -رحمة الله عليه- بعد الموضوع، جعل المتهم بالكذب بعد الكاذب أو الكذاب، وجعل المتروك بعد الموضوع، يليه المتروك ثم المنكر، ثم المعلل، ثم المدرج، ثم المقلوب، ثم المضطرب، وسيأتي بيانها -إن شاء الله تعالى-، لذا يرى العلماء أن المتروك لا يصلح للاعتبار، يعني لو وجدنا حديث متروك وآخر متروك وثالث متروك، وعاشر متروك، هل ترتقي هذه الأحاديث بمجموعها إلى الحسن لغيره؟ لا، الحديث المتروك لا يصلح للاعتبار؛ لأن وجوده كعدمه، ودليل ذلك أن الترمذي لم يعتبر رواية الحسن بن دينار عن ابن سيرين؛ لأن الحسن متروك الحديث، ولذلك قال -أي الترمذي- بعد رواية حديث: ((أحبب حبيبك هوناً ما، عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما، عسى أن يكون حبيبك يوماً ما)) قال: هذا حديث غريب لا نعرفه بإسناد إلا من هذا الوجه، وقد أوضح السيوطي عبارة الترمذي هذه بقوله: "أي من وجه يثبت، وإلا فقد رواه الحسن بن دينار عن ابن سيرين، والحسن متروك لا يصلح للمتابعات" يعني وجوده مثل عدمه.

المنكر:

"والثالث: المنكر على رأي"، الثالث بعد المتهم بالكذب، فاحش الغلط، "وكذا الرابع والخامس"، الغفلة والفسق، يعني أن الوجه الثالث من أوجه الطعن في الراوي وهو فحش الغلط حديثه يسمى المنكر، على رأي من لا يشترط قيد المخالفة.

تقدم لنا في المنكر أنه ما يرويه الضعيف مخالفاً فيه الثقات على ما تقدم، "فإن خولف بأرجح" يعني الثقة "فالراجح المحفوظ" والمرجوح الشاذ، ومع الضعف فالراجح المعروف، والمرجوح المنكر، هذا مع قيد المخالفة فيما قرره الحافظ فيما تقدم، ولذا قال هنا: "المنكر على رأي"، على رأي من لا يشترط قيد المخالفة، وكذا الوجهان الرابع والخامس وهما كثرة الغفلة والفسق، فإن حديث كثير الغفلة المغفل والفاسق يسمى المنكر، وقد تقدم الكلام على المنكر.

المعلل:

يقول الحافظ: "ثم الوهم" "ثم الوهم إن اطلع عليه بالقرائن وجمع الطرق فالمعلل"، يعني إذا قامت القرائن على وهم الراوي من وصل مرسل أو منقطع أو إدخال حديث في حديث أو نحو ذلك من القوادح فإنه يسمى المعلل، والمعلل اسم مفعول ولا يوجد في كتب اللغة علل إلا بمعنى ألهى بالشيء وشغله به، من تعليل الصبي بالطعام، وأما معلول فهو موجود في كلام كثير من اللغويين والمحدثين، ولم يرتضيها كثير من أهل العلم، قال ابن الصلاح: إنه مرذول، يعني إذا قيل: هذا حديث معلول، هو موجود في كلام أهل العلم لكنه من حيث اللغة مرذول، وقال النووي: لحن، وقال الحريري: لا وجه لهذا الكلام البتة، والأولى في تسمية هذا النوع أن يقال: معل، بلام واحدة، رجحه الحافظ العراقي، وهو اسم مفعول من عل يعل واعتل وأعله الله فهو معل بلام واحدة، وهو الأكثر عند اللغويين والمحدثين؛ لأنهم يقولون: أعله فلان بكذا فهو معل.

واصطلاحاً: هو الحديث الذي اطلع فيه على علة تقدح في صحته، مع أن ظاهره السلامة منها، والعلة: عبارة عن سبب خفي غامض يقدح في الحديث، سبب خفي غامض يقدح في صحة الحديث الذي ظاهره السلامة، وعلل الحديث من أغمض أنواع علوم الحديث وأدقها وأشرفها، حتى قال ابن مهدي: "لأن أعرف علة حديث واحد أحب إلي من أن أكتب عشرين حديثاً ليست عندي" أعرف علة حديث واحد أحب إلي من أن أكتب عشرين حديثاً ليست عندي، من يقول هذا الكلام؟ ابن مهدي، لكن هذا بالنسبة لابن مهدي ومن في حكم ابن مهدي، أما طالب العلم المبتدئ يكتب عشرين حديث من الأحاديث الصحيحة ويفهم ما اشتملت عليه من أحكام وآداب أفضل له من أن يعرف علة حديث واحد بل أحاديث، إذا أتقن الأحاديث الصحيحة وتفقه عليها وعرف كيف يعمل بها؟ يتجه إلى الأحاديث المعلة، فالمعل من أغمض أنواع علوم الحديث لا ينوء به إلا الأئمة الكبار، ومن تصدى لهذا العلم وأفرغ نفسه لهذا نعم، هذه مرحلة متقدمة، ولذا لو قال طالب: إنه يريد أن يبدأ بالإلزامات والتتبع للدارقطني، أو يبدأ بعلل ابن أبي حاتم، أو يبدأ بعلل الدار قطني قبل الصحيحين، قلنا له: لا، هذا المنهج ليس بسليم، نقول: ابدأ بالصحيحين واحفظ ما تستطيع حفظه من أحاديثهما، وافهم هذه الأحاديث واستنبط واعمل، ثم بعد ذلك إذا تأهلت لمعرفة العلل وفهمها، هذا فرق، ثم يأتي يكون حكمك ما قاله ابن مهدي: "لأن أعرف علة حديث واحد أحب إلي من أن أكتب عشرين حديثاً ليست عندي"، أما شخص فارغ من الأحاديث ما يحفظ شيء ولا يفهم شيء يأتي إلى العلل، نقول: لا، ولا يقوم بهذا النوع إلا من رزقه الله تعالى فهماً ثاقباً، وحفظاً واسعاً، ومعرفة تامة بمراتب الرواة، وملكة قوية بالأسانيد والمتون، ولهذا لم يتكلم فيه إلا القليل من أهل هذا الشأن كعلي بن المديني وأحمد بن حنبل، والبخاري، ويعقوب بن شيبة، وأبي حاتم وأبي زرعة والدار قطني وغيرهم.

أجناس العلل:

أجناس العلل: للعلل أجناس كثيرة ذكر الحاكم في معرفة علوم الحديث عشرة منها على سبيل التمثيل لا الحصر، أي لا يمكن حصرها لدقة هذا النوع من أنواع علوم الحديث وخفائه، بل مجرد ما يشتمل الحديث على سبب يخرجه من حال الصحة إلى حال الضعف فإنهم يسمونه معلاً، ولذا نجد في كتب علل الحديث الكثير من الجرح بالكذب والغفلة وسوء الحفظ والجهالة وغيرها، هذه علل تقدح في صحة الأحاديث، لكنها علل ظاهرة وليست خفية، وقد أطلق بعضهم اسم العلة على ما ليس بقادح من وجوه الخلاف نحو إرسال من أرسل الحديث الذي أسنده الثقة الضابط، قال أبو يعلى الخليلي: من أقسام الصحيح ما هو صحيح معلول، هناك علل لكنها ليست قادحة، يعني إذا جاء الحديث عن سفيان، ولم نستطع أن نميز سفيان هل هو ابن عيينة أو الثوري؟ هذا لا يقدح في الحديث لكنه علة، يعني ما استطعنا أن نميز، إذا جاء من طريق حماد هل هو ابن سلمة أو حماد بن زيد ولم نستطع نقول: هذه علة لكنها ليست بقادحة، ولذا قيدوا العلل المشترط انتفاؤها لصحة الخبر بكونها قادحة.

فالأول المتصل الإسنادِ
عن مثله من غير ما شذوذِ

 

بنقل عدل ضابط الفؤادِ
وعلة قادحة فتوذي

أما العلل غير القادحة فإنها لا تؤثر، سمى الترمذي النسخ علة من علل الحديث، سمى الترمذي النسخ علة من علل الحديث، في علل الجامع لما ذكر حديث: ((الماء من الماء)) قال: "وقد بينا علته في الكتاب"، بينا علته في الكتاب، وهو في الكتاب في جامعه ذكر أن الحديث منسوخ، فهذه علة الحديث، فالترمذي يسمي النسخ علة، لا شك أنه علة بالنسبة للعمل، وأما بالنسبة للصحة فالحديث صحيح.

أقسام المعل: ينقسم المعل بحسب موقع العلة إلى ثلاثة أقسام:

الأول: المعل في السند، ومثاله: ما روى ابن جريج عن موسى بن عقبة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من جلس مجلساً فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد ألا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك)) فهذا الحديث ظاهره الصحة، حتى اغتر به غير واحد من الحفاظ كالترمذي وغيره فصححوه، لكن فيه علة خفية قادحة، والصواب فيه ما رواه وهيب بن خالد الباهلي عن سهيل عن عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، هنا قال: عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة، والصواب: عن سهيل عن عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وسبب تصويب هذه الرواية قول البخاري: "لا أعلم لموسى سماعاً من سهيل" لا أعلم لموسى سماعاً من سهيل؛ لأنه إذا لم يكن معروفاً بالأخذ عنه وجاءت عنه رواية خالف راويها من هو أكثر ملازمة لموسى بن عقبة منه رجحت رواية الملازم، فبهذا يوجه تعليل البخاري، وأما من صححه فإنه لا يرى هذا الاختلاف علة قادحة بل يجوز أنه عند موسى بن عقبة على وجهين، ولا شك أن مثل هذا الكلام في غاية الدقة، ما المانع أن يصحح الحديث من الوجهين؟ ويكون موسى بن عقبة ثبت سماعه لسهيل خلافاً لما يقوله البخاري هذا رأي البخاري، لكن رأي غيره أن موسى سمع من سهيل، ويكون الحديث مروي على الوجهين: من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة، ومن طريق سهيل عن عون إلى آخره.

الثاني: المعل في المتن، ومثاله: ما روى معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا وقعت الفأرة في السمن فإن كان جامداً فألقوها وما حولها، وإن كان مائعاً فلا تقربوه)) فلما كان ظاهر هذا الإسناد في غاية الصحة معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة كلهم أئمة ثقات، لما كان ظاهر هذا الإسناد في غاية الصحة صحح الحديث جماعة وقالوا: هو على شرط الشيخين؛ لأن الشيخين قد أخرجا لرجاله، أخرجا عن معمر وعن الزهري وعن سعيد وعن أبي هريرة، فهو على شرط الشيخين إذا نظرنا إلى الإسناد، لكن أئمة الحديث طعنوا فيه ولم يروه صحيحاً بل رأوه خطأً محضاً، والثقة الضابط قد يخطئ، قال الترمذي: "هذا خطأ أخطأ فيه معمر، والصحيح حديث الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس عن ميمونة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سئل عن فارة سقطت في سمن فقال: ((ألقوها وما حولها، فاطرحوه وكلوا سمنكم)) يعني من غير تفريق بين المائع والجامد، رواه البخاري.

الثالث: المعل في السند والمتن معاً، ومثاله: حديث بقية عن يونس عن الزهري عن سالم عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أدرك ركعة من صلاة الجمعة وغيرها فقد أدرك)) قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن هذا الحديث فقال: "هذا خطأ في المتن والإسناد، إنما هو الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة" يعني وليس الزهري عن سالم عن أبيه، الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((من أدرك من صلاة ركعة فقد أدركها))((من أدرك من صلاة ركعة فقد أدركها)) فعلة الإسناد كونه قيل: عن الزهري عن سالم عن أبيه، وحقيقته إنما هو عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وعلة المتن كونه (من أدرك ركعة من صلاة الجمعة) وصوابه الركعة مطلقة من أي صلاة كانت، ((من أدرك من صلاة -أي صلاة كانت- ركعة فقد أدركها)) وأما قوله: ((من صلاة الجمعة)) فليس هذا في الحديث فوهم في كليهما في السند والمتن، ونقل ابن الجوزي عن ابن حبان أن هذا الحديث خطأ إنما الخبر: ((من أدرك من الصلاة ركعة)) وذكر الجمعة أربعة أنفس عن الزهري عن أبي سلمة كلهم ضعفاء.

بم تعرف العلة؟

تعرف العلة في الحديث بأمور منها: الإلهام من الله -سبحانه وتعالى-، الإلهام من الله -سبحانه وتعالى-، لكن هذه الدعوى قد يدعيها الجهال يقول: هو ملهم، أنا أدرك لهذا الحديث علة، ولا أستطيع التعبير عنها، كما يقوله الأئمة الكبار، يعلون الحديث يقولون: هذا خطأ، لكن تسأله لماذا خطأ؟ ما يعرف، الله أعلم، فالأئمة الكبار هم محل هذا الإلهام، أما الجهال ليسو بأهل لمثل هذا الإلهام، وأسوأ منهم من يصحح ويضعف بطريق الكشف، يزعم أنه رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال له: حديث كذا..... كذا، وحديث كذا كذا، اعمل بكذا، واترك كذا، هذا لا شك أنه من تلبيس الشيطان، والدين كامل، والرؤيا رؤيا النبي -عليه الصلاة والسلام- حق، لكنها لا يثبت بها شرع، لا يثبت بها شرع، فبموته -عليه الصلاة والسلام- كمل الدين، وانقطع الوحي، فنقول: الإلهام من الله -سبحانه وتعالى- الناشئ عن الإخلاص لله -عز وجل- فبه يستطيع المحدث -بهذا القيد- التمييز بين صحيح الحديث من عليله، وقد لا يستطيع المحدث التعبير عن إقامة حجة على دعواه، قال عبد الرحمن بن مهدي: "معرفة علل الحديث إلهام، فلو قلت للعالم بعلل الحديث: من أين قلت هذا؟ لم يكن له حجة"، كثير من الناس يجزم بأن هذا الكلام خطأ، لكن كيف خطأ؟ لا يستطيع أن يعبر، لا يستطيع أن يعبر، "فلو قلت للعالم بعلل الحديث: من أين قلت هذا؟ لم يكن له حجة، وكم من شخص لا يهتدي لذلك" لكن يكفي أن تذهب إلى ابن مهدي فيقول لك: الحديث معلول، تسأله عن الحجة لا يعطيك، تذهب للإمام أحمد فيقول لك: الحديث معلول، تذهب للقطان يقول لك: معلول، ابن معين يقول: معلول وهكذا، لكن كلهم يتفقون على أنه معلول لكن الحجة في ذلك قد تخفى، كثرة الممارسة للحديث ومعرفة رجاله، وأحاديث كل واحد منهم يتوصل به إلى معرفة أن هذا الحديث يشبه حديث فلان، ولا يشبه حديث فلان، فيعلون الأحاديث بذلك، نعم.

طالب:.......

إذا لم يعارض يكتفى به، لكن إذا عورض ينظر من قبل إمام آخر.

ثالثاً: جمع طرق الحديث والنظر في اختلاف رواته والاعتبار بمكانتهم من الحفظ، ومنزلتهم في الإتقان والضبط، قال علي بن المديني: "الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطأه".

رابعاً: النص على علة الحديث أو القدح فيه أنه معل من قبل إمام من أئمة الحديث المعروفين بالغوص في هذا الشأن، فإنهم الأطباء الخبيرون بهذه الأمور الدقيقة، فعلم العلل ليس بالشيء السهل الهين الذي يتصدى له آحاد الطلبة، فعلى المبتدئ أن يتجه إلى الأحاديث الصحيحة والأحاديث العملية فيعمل بها، فإذا عمل بالأحاديث الصحيحة بحث عن الأحاديث الضعيفة، وبحث عن عللها؛ ليتم له الذب عن سنة النبي -عليه الصلاة والسلام-، أما شخص يتجه إلى العلل ويترك الأحاديث الصحيحة ويقول: الأحاديث الصحيحة مدركة لكل أحد وأنا أقوم بهذا؟ نقول: لا، لا يمكن حتى تتأهل، والله المستعان.

المدرج:

قال الحافظ: "ثم المخالفة إن كانت بتغيير السياق -مخالفة الثقات- إن كانت بتغيير السياق فمدرج الإسناد، أو بدمج موقوف بمرفوع فمدرج المتن".

الحافظ -رحمه الله تعالى- يقصد أن مخالفة الراوي لغيره من الرواة الثقات وهي الوجه السابع من أوجه الطعن في الراوي إن كانت بتغيير سياق الإسناد فالواقع فيه ذلك التغيير مدرج الإسناد، وإن كانت المخالفة بدمج موقوف من كلام صحابي أو من دونه بمرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فهذا ما يسمى بمدرج المتن.

والمدرج في اللغة: اسم مفعول من الإدراج، يقال: أدرجت الشيء في الشيء إذا أدخلته فيه وضمنته إياه، ويقال: أدرجت الكتاب في الكتاب إذا جعلته في درجه أي طيه، وأدرج فلان في أكفانه إذا أدخل فيها.

واصطلاحاً: هو ما غير سياق إسناده أو أدخل في متنه كلاماً ليس منه، ومن خلال التعريف يتضح أن المدرج قسمان: مدرج الإسناد ومدرج المتن، فمدرج الإسناد ما غير سياق إسناده سمي بذلك؛ لأن المغير له أدخل الخلل في إسناد الحديث.

صور الإدراج في الإسناد:

ولمدرج الإسناد أربع صور ذكرها الحافظ في النزهة وهي:

الصورة الأولى: أن يروي الحديث جماعة بأسانيد مختلفة، أن يروي الحديث جماعة بأسانيد مختلفة فيرويه عنهم راوٍ فيجمع الكل على إسناد واحد من تلك الأسانيد، ولا يبين الاختلاف، الحديث مروي من قبل جماعة من الرواة بأسانيد مختلفة، فيرويه عنهم راوٍ واحد فيجمع الكل على الإسناد، على إسناد واحد يختصر هذه الأسانيد بإسناد واحد ولا يبين الاختلاف، حديث الإفك مخرج في صحيح البخاري عن جمع كل واحد منهم حدث ببعضه، ولم يميز البخاري روية بعضهم من بعض، لكن كلهم ثقات، ومثل هذا لا يقدح؛ لأنه سواء كان نصفه الأول أو ربعه الأول من طريق واحد من هؤلاء، وربعه الثاني من طريق الثاني، وربعه الثالث من طريق الثالث، والرابع من طريق الرابع، أو العكس، يؤثر أو لا يؤثر؟ كلهم ثقات، لا يؤثر، لكن إذا روى البخاري عن ثقة، عن شخص ثقة وقال: حدثني بنصف الحديث، النصف الثاني عن من؟ وما النصف الذي حدثه به هذا الراوي والنصف الذي لم يحدثه به؟ وهذا موجود في كتاب الرقاق من صحيح البخاري: "حدثني فلان بنصفه" طيب النصف الثاني من حدثه به؟ لم يذكر، غاية ما هنالك أن النصف الثاني معلق، والنصف الأول موصول، لكن من الذي يميز النصف الأول من النصف الثاني؟ على كل حال النصف الأول موجود موصول عند البخاري، والنصف الثاني موجود موصول عند البخاري، ولا إشكال في صحة الخبر، لكن قد يشبه ما عندنا من الإدراج، مثال ذلك: ما روى أبو داود عن علي -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((فإذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم)) الحديث، فهذا الحديث قد أدرج فيه إسناد آخر، وبيان ذلك أن عاصم بن ضمرة رواه موقوفاً على علي، والحارث الأعور رواه مرفوعاً، فجاء جرير بن حزم وجعله مرفوعاً من روايتهما، هو مرفوع من رواية الحارث الأعور وهو ضعيف، وهو موقوف على علي من رواية عاصم بن ضمرة، جاء جرير بن حازم وجعله مرفوع من رواية عاصم والحارث، هذا إدراج، مع أن أبا داود ذكر أن شعبة وسفيان وغيرهما رووا هذا الحديث عن أبي إسحاق عن عاصم عن علي ولم يرفعوه، فعلمنا أن جريراً قد أدرج رواية عاصم مع رواية الحارث فجعل الحديث مرفوعاً من طريقهما.

الصورة الثانية: أن يكون المتن عند راوٍ بإسناد واحد، أن يكون المتن عند راوٍ بإسناد واحد، إلا طرفاً منه فإنه عنده بإسناد آخر فيرويه راوٍ عنده تاماً بالإسناد الأول ويحذف الإسناد الثاني، ومثال ذلك: ما روى أبو داود عن زائدة بن قدامة عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر في صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفي آخره أنه جاء بعد ذلك في زمان فيه برد شديد، فرأى الناس عليهم جُل الثياب، تحرك أيديهم تحت الثياب، والصواب رواية من روى عن عاصم بن كليب بهذا الإسناد صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- فقط، من دون مجيئه بعد ذلك، من دون مجيئه بعد ذلك في زمان البرد، وفصل ذكر رفع الأيدي عنه فرواه عن عاصم عن عبد الجبار بن وائل عن بعض أهله عن وائل بن حجر.

ويلتحق بهذه الصورة ما إذا سمع الراوي من شيخه حديثاً بلا واسطة إلا طرفاً منه فيسمعه عن شيخه بواسطة فيرويه عنه تاماً بحذف الواسطة مع أنه لم يسمع الطرف إلا بواسطة، يروي نصف الحديث بغير واسطة عن شيخه، ويروي النصف الثاني عن هذا الشيخ بواسطة، فيأتي بالحديث كامل مع حذف الواسطة التي بها روى نصف الحديث الثاني عن ذلك الشيخ.

الصورة الثالثة: أن يكون عند الراوي حديثان مختلفان بإسنادين مختلفين، أن يكون عند الراوي حديثان مختلفان بإسنادين مختلفين فيرويهما عنه راوٍ مقتصراً على أحد الإسنادين، أو يروي أحد الحديثين بإسناده الخاص به لكن يزيد فيه من المتن الآخر ما ليس منه، أن يكون عند الراوي حديثان مختلفان بإسنادين مختلفين فيرويهما عنه راوٍ مقتصراً على أحد الإسنادين، أو يروي أحد الحديثين بإسناده الخاص به، لكن يزيد فيه من المتن الآخر ما ليس منه، أنا أقول: هذه الصور تحتاج إلى شيء من البسط في سبورة أو في وسيلة إيضاح، لكن من معه الشرح يمكن يتابع، مثال ذلك: ما روى سعيد بن أبي مريم عن مالك عن الزهري عن أنس بن مالك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تنافسوا)) الحديث متفق عليه، فقوله: ((لا تنافسوا)) مزيدة في هذا الحديث من حديث آخر لمالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا، ولا تحسسوا، ولا تنافسوا)) فهذه الجملة لا توجد في الحديث السابق لكنها مروية بإسناد آخر صحيح فأضيفت إلى الحديث الأول.

الصورة الرابعة: أن يسوق الراوي الإسناد فيعرض له عارض، يسوق إسناد حديث فيعرض له عارض فيتكلم بكلام من تلقاء نفسه مناسب لهذا العارض، فيظن السامع أن هذا الكلام هو متن ذلك الإسناد، أن يسوق الراوي الإسناد فيعرض له عارض فيقول كلاماً من قبل نفسه فيظن من سمعه أن ذلك الكلام هو متن ذلك الإسناد فيرويه عنه كذلك، ومثال ذلك: ما وقع لثابت بن موسى الزاهد أنه دخل على شريك القاضي وهو يقول: حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-..، شريك بن عبد الله بن أبي نمر القاضي يحدث يقول: حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-..، فدخل ثابت، ثابت بن موسى الزاهد، وثابت بن موسى الزاهد صاحب صيام وقيام، وجهه كأنه مذهبة، عليه النور والبهاء، فلما ساق شريك القاضي الإسناد السابق ودخل هذا الرجل الذي يتلألأ وجهه قال: "من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار" هو يقصد ثابت الذي دخل، السامع -الذين سمعوا- قالوا: إن هذا المتن هو لذلك الإسناد الذي ساقه، وثابت أيضاً ممن ظن هذا الظن، فظن أن هذا المتن لذلك الإسناد، فدخل ثابت عليه فلما نظر إلى ثابت قال: "من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار"، يريد بذلك ثابتاً، فظن ثابت أن ذلك سند الحديث فكان يحدث به بهذا الإسناد، هذا ليس بحديث، وثابت زاهد عابد، وعرفنا أن الزهاد والعباد الذين غفلوا عن معرفة السنن وقعوا في شيء من الوضع، ومثل بعضهم لهذا النوع وجعله من الموضوع، وليس بحديث، رُفع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- عن طريق الخطأ، والله المستعان.

لكن هل يضير ثابت؟ هل يأثم ثابت في هذا الصنيع؟ أخطأ بلا شك، وغفل لكنه بصدد ما هو مقبل عليه من عبادة وزهد وانصراف عن الدنيا، نعم، هو مفضول بالنسبة لمن أنصرف إلى العلم؛ فالعلم أفضل من العبادة، العلم أفضل من جميع نوافل العبادات، والله المستعان.

مدرج المتن:

القسم الثاني: مدرج المتن:

تعريفه: أن يدخل في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيء من كلام بعض الرواة من غير فصل، وحاصله: أن يذكر الراوي صحابياً أو غيره كلاماً لنفسه أو لغيره فيرويه من بعده متصلاً بالحديث، إما أن يعقب على الحديث ببيان معناه من غير فصل ثم يأتي من يرويه كاملاً، الحديث المرفوع مع تفسير هذا الراوي.

حاصله: أن يذكر الراوي كلاماً لنفسه أو لغيره فيرويه من بعده متصلاً بالحديث من غير فصل يميزه عن الحديث فيتوهم من لا يعرف حقيقة الحال أنه من الحديث، والفرق بينه وبين الصورة الرابعة مدرج الإسناد هنا: "((إن أمتي يبعثون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء)) "فمن استطاع منكم أن يطيل غرته وتحجيله فليفعل" من استطاع.. إلى آخره من كلام أبي هريرة -رضي الله عنه-، ما الفرق بينه وبين كلام ثابت بن موسى الزاهد الذي تقدم: "من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار"؟ الفرق بينه وبين الصورة الرابعة من مدرج الإسناد أن مدرج الإسناد يكون بتمامه مما يظن أنه حديث مستقل، وأما مدرج المتن فيظن أنه جزء من الحديث.

أقسام مدرج المتن ثلاثة:

وأقسام مدرج المتن ثلاثة: مدرج في أول المتن، مثاله حديث: "أسبغوا الوضوء ((ويل للأعقاب من النار)) ((ويل للأعقاب من النار)) هذا حديث ثابت في الصحيحين وغيرهما لكن "أسبغوا الوضوء" مدرج من قول أبي هريرة -رضي الله عنه-، يدل على الإدراج ما رواه البخاري عن أبي هريرة أنه قال: "أسبغوا الوضوء، فإن أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ويل للأعقاب من النار)) وهذا القسم نادر جداً –الإدراج في أول المتن-.

والثاني: المدرج في أثناء المتن، ومثاله: ما رواه الدارقطني عن بسرة بنت صفوان قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((من مس ذكره أو أنثييه أو رُفْغَيه فليتوضأ)) الأصل: ((من مس ذكره فليتوضأ)) فأدرج في الخبر: "أو أنثييه أو رفغيه"، فقوله: "أو أنثييه أو رفغيه" مدرج من قول عروة غير مرفوع، رواه الدارقطني وهو في السنن الأربعة بدونها، ومن أمثلة المدرج في أثناء المتن تفسير التحنث بالتعبد في حديث بدء الوحي "فكان يتحنث -وهو التعبد-" فهو مدرج، الأكثر على أنه من قول الزهري.

الثالث: مدرج في آخر المتن وهو الأكثر، ومثاله: حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين من آثار لوضوء)) "فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل" قوله: "فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل" مدرج من كلام أبي هريرة، قال الحافظ ابن حجر: "لم أرَ هذه الجملة في رواية أحد ممن روى هذا الحديث من الصحابة وهم عشرة، ولا ممن رواه عن أبي هريرة غير رواية نعيم هذه"، كذا قال وهو في مسند الإمام أحمد وفيه هذه الزيادة من رواية ليث عن كعب عن أبي هريرة، فكعب تابع نعيماً على رواية هذه الزيادة عن أبي هريرة.

وينشأ الإدراج في المتن عن عدة أسباب منها:

أن يقصد الراوي تفسير كلمة غريبة كتفسير التحنث بالتعبد، أو يقصد بيان تمام عمل، ومثاله: حديث ابن مسعود في التشهد وفي آخره: "فإذا قلت ذلك فقد قضيت صلاتك إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد" يريد ابن مسعود أن يبين أن الصلاة تمت بهذا.

بم يعرف الإدراج؟

ويعرف الإدراج بأمور منها:

النص عليه من الراوي كما تقدم: "أسبغوا الوضوء فإن أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم- قال" هذا نص الراوي، وميز بين قوله من قول النبي -عليه الصلاة والسلام-.

ورود اللفظ المدرج منفصلاً في رواية أخرى.

الثالثة: استحالة صدور الكلام المدرج من النبي -عليه الصلاة والسلام- كقول أبي هريرة -رضي الله عنه- في حديث: "للعبد المملوك الصالح أجران، للعبد المملوك الصالح أجران، والذي نفسي بيده لولا الجهاد في سبيل الله وبر أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك" هل يمكن أن يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: "لولا الجهاد في سبيل الله وبر أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك؟" لا يمكن، وجه استحالته أن أمه -عليه الصلاة والسلام- قد ماتت وهو صغير قبل البعثة.

حكم الإدراج:

وأما حكم الإدراج: فلا يخلو: إما أن يكون عن خطأ أو عن عمد، فإن كان عن خطأ فلا حرج على المخطئ، إلا أن كثرة الخطأ تقدح في ضبطه وإتقانه، وإن كان عن عمد فإنه حينئذ يكون حراماً، لما يتضمن من التلبيس والتدليس ومن عزو القول إلى غير قائله إلا أن يكون الإدراج لتفسير شيء في الحديث ففيه بعض التسامح، والأولى أن ينص الراوي على بيانه.

من هذا من الإدراج وهو مما ينبغي العناية به ويقع فيه الكثير، ونحن ونحن نقرر هذا الكلام نقع فيه كثيراً، كيف؟ ننقل كلام لبعض أهل العلم ونعقبه بكلام لنا من غير فصل، السامع إذا سمعك تقول: قال شيخ الإسلام، تنقل كلام شيخ الإسلام وتتبعه بكلام لك من غير فصل هذا إدراج، والأولى أن يقال: انتهى كلامه -رحمه الله-، قلت، كما يقوله الأئمة، يفصل كلام المنقول عنه من كلام الناقل، هذا الأولى لكن أحياناً يغفل الإنسان، نعم، ويطرأ عليه كلام يخشى أن ينساه فيقحمه أحياناً في أثناء النقل، وأحياناً يعقبه به من غير فصل، والله المستعان، لكن يتجاوز هذا في الكلام العادي لكن في المكتوب ينبغي أن ينص على كل شيء.

 المقلوب:

ثم قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: "أو بتقديم أو تأخير فالمقلوب"، أو بتقديم أو تأخير فالمقلوب، يقصد الحافظ -رحمه الله تعالى- أن مخالفة الراوي لغيره من الرواة إن كانت بتقديم أو تأخير في أسماء رجال الإسناد أو في متن الحديث فهذا النوع يسمى المقلوب، وهو في اللغة: اسم مفعول من القلب، تقول: قلبته قلباً من باب ضرب، حولته عن وجهه، وكلام مقلوب مصروف عن وجهه، وقلب بالتشديد مبالغة وتكثير، وفي التنزيل: {وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ} [(48) سورة التوبة] فالمقلوب المصروف عن وجهه.

اصطلاحاً: هو الحديث الذي تُصرف في سنده أو متنه بتقديم أو تأخير ونحوه عمداً أو سهواً.

أنواع القلب:

أنواع القلب: القلب في الحديث على ثلاثة أنواع: القلب في الإسناد وله صورتان: الأولى: أن يكون الحديث مشهوراً براوٍ فيجعل مكانه آخر في طبقته، نحو حديث مشهور عن سالم فيجعله الراوي عن نافع، يكون قلب الحديث قلب الإسناد، هو عن سالم فيجعله عن نافع أو العكس.

الثانية: أن يكون القلب بالتقديم والتأخير في رجال الإسناد كأن يقول: كعب بن مرة بدل مرة بن كعب، نصر بن علي بدل علي بن نصر.

القلب في المتن، ومثاله: ما رواه مسلم من حديث أبي هريرة في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وفي الحديث: ((ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمنيه ما تنفق شماله)) كذا وقع في صحيح مسلم، والصحيح المعروف ((حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)) كما في البخاري وغيره، والصدقة تكون باليمين وإلا بالشمال؟ باليمين، ((حتى لا تعلم يمنيه ما تنفق شماله)) على هذا كانت النفقة بالشمال، والذي في البخاري: ((حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)) لكن الرواية في صحيح مسلم، كيف نصون الصحيح عن مثل هذا الخطأ؟ جاء في الحديث الصحيح في صحيح البخاري وبغيره: ((ما يسرني أن لي مثل أحد ذهباً تأتي علي ثالثة –يعني ليلة ثالثة- وعندي منه دينار))، وفي رواية: "((وعندي منه شيء إلا أن أقول به هكذا وهكذا وهكذا وهكذا)) عن يمنيه وعن شماله ومن أمامه ومن خلفه" فلكثرة الإنفاق قد ينفق الإنسان بيمينه وقد ينفق بشماله، وقد ينفق من أمامه ومن خلفه، فعلى هذا يمكن أن يتأول أو تتأول هذه الرواية بأنه لكثرة إنفاقه نعم، إنه أحياناً ينفق عن جهة اليمين، وأحياناً عن جهة الشمال، وبهذا نكون نصون الصحيح من الخطأ، يمكن وإلا ما يمكن؟ له وجه وإلا ما له وجه؟ نعم، له وجه، ونسلك مثل هذا الكلام صيانة للصحيح لئلا يتطاول الجهال على مثل هذه الكتب، وإلا كل من شرح الحديث قال: إنه مقلوب، وصوابه: أنه لا تعلم شماله ما تنفق يمينه؛ لأن الإنفاق يكون باليمين، نقول: هذا الرجل الذي يظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله كثير الإنفاق جداً، ويبينه حديث: "((ما يسرني أن لي مثل أحد ذهباً تأتي علي ثالثة وعندي منه شيء إلا شيء أرصده لدين إلا أن أقول به هكذا وهكذا وهكذا وهكذا)) عن يمنيه وعن شماله.." فيمكن الإنفاق من جهة الشمال.

الثالث: القلب في السند والمتن معاً، وهو أن يؤخذ إسناد متن فيجعل على متن آخر وبالعكس، من أمثلة المقلوب: حديث البروك قال بعضهم: إنه انقلب على راويه: ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه)) قال بعضهم: إنه انقلب الحديث وإلا فالأصل: "وليضع ركبتيه قبل يديه" لماذا؟ لأن البروك يقدم يديه قبل ركبتيه، هذا الكلام صحيح وإلا ليس بصحيح؟ مقلوب وإلا ليس بمقلوب؟

طالب:......

ممن قال به ابن القيم، وقلده كثير من أهل العلم، ورجحوا الحديث الثاني حديث أبي هريرة عليه أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان إذا سجد يضع ركبتيه قبل يديه، والصواب أن حديث البروك أرجح من هذا وأصوب وأصح، وهذا نص عليه الحافظ ابن حجر وغيره، وهو أقوى من حديث أبي هريرة فإن له شاهد من حديث ابن عمر، حديث البروك أقوى من الحديث الثاني، كيف يكون أقوى وهو مقلوب؟ يعني إذا قلنا: إنه مقلوب والأصل: "وليضع ركبتيه قبل يديه" هل يمكن أن يرجح على الحديث الثاني؟ يمكن أن يرجح عليه؟ ما يمكن، لأن معناهما واحد، متى نرجح هذا الحديث على الحديث الذي يليه؟ إذا قلنا: أنّ ما في قلب سليم "وليضع يديه قبل ركبتيه" وليضع يديه قبل ركبتيه ولا في قلب ولا إشكال، وحينئذ يكون أرجح من حديث: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه".

بقي علينا كيف نوفق بين أول الحديث وآخره؟ كيف يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه)) إذا وضع يديه قبل ركبتيه شابه البعير صح وإلا لا؟ كيف نقول: إنه أصح من حديث أبي هريرة ونقول: إنه مقلوب؟ هو في معنى حديث أبي هريرة، إذا قلنا: إنه مقلوب فلا اختلاف بينه وبين حديث أبي هريرة، هذا من قوله وهذا من فعله -عليه الصلاة والسلام- ومعناهما واحد، إذا قلنا: هو أرجح وليس فيه قلب، الحديث صحيح وهو أصح من حديث أبي هريرة ((وليضع يديه قبل ركبتيه)) والسنة أن يضع المصلي يديه قبل ركبتيه، كيف نوفق بين أول الحديث وبين آخره؟ ما معنى بروك البعير؟

طالب:.......

لا هو إذا قدم يديه قبل ركبتيه البعير يقدم يديه قبل ركبتيه، لكن ما معنى بروك البعير؟ بروك البعير يقال: برك البعير وحصحص البعير إذا أثار الغبار وفرق الحصى، إذا ألقى الإنسان بيديه بقوة على الأرض برك مثل ما يبرك البعير، لكن إذا وضع يديه على الأرض مجرد وضع امتثل الأمر ((وليضع يديه قبل ركبتيه)) ولا أشبه البعير في بروكه، فرق بين أن يضع الإنسان يديه وبين أن يبرك كما يبرك البعير، فبروك البعير هو إلقاؤه بقوة على الأرض، وأنتم تسمعون إذا قيل: إنسان مريض أو كبير في السن ثم أراد أن يجلس وقع على الأرض بقوة يقال: برك، نعم، والبعير بقوة ينزل على الأرض، فإذا نزل مقدماً يديه قبل ركبتيه بقوة أشبه البعير، إذا كان مجرد وضع امتثل الأمر ولم يشبه بروك البعير، لكنه إذا قدم ركبتيه قبل يديه بقوة أشبه الحمار بعد، نعم، يشبه الحمار، وعلى هذا لا يكون فيه قلب، معناه صحيح وأوله يشهد لآخره، وآخره مناسبة لأوله، وليس فيه قلب، ومجرد الوضع يختلف عن الرمي والإلقاء والطرح، ولذا يجيز أهل العلم وضع المصحف على الأرض، تضع المصحف على الأرض جائز، لكن ترمي بالمصحف على الأرض يجوز وإلا لا؟ لا، لا، هذا خطر عظيم، هذا استهتار واستخفاف بالقرآن، بكلام الله -عز وجل-، وعلى هذا يكون الراجح حديث البروك، لكن إيش معنى البروك؟ نقف عند معنى البروك، ولا قلب في الحديث.

طالب:.......

اشتبه عليه التبس عليه كيف يقدم يديه ولا يشبه بعير؟ حقيقةً التنصيص على مثل هذا نادر عند أهل العلم، ما ينص عليه، لكن كيف يصحح الحديث مع فهم ابن القيم؟ ما يمكن أن يصحح، والأئمة صححوا الحديث، كيف يصحح الحديث مع اختلاف أوله مع آخره؟ إلا أن معنى الأول يختلف عن معنى الآخر، والله المستعان.

القلب في السند والمتن معاً: وهو أن يؤخذ إسناد متن فيجعل على متن آخر وبالعكس، وهذا النوع قد يقصد به الإغراب فيكون كالوضع، وقد يفعل اختباراً لحفظ المحدث كما وقع للإمام البخاري لما ورد بغداد فيما رواه ابن عدي وغيره، فعمد أصحاب الحديث إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها، ودفعوها إلى عشرة، لكل واحد منهم عشرة أحاديث، إلى آخر القصة.

علماء بغداد سمعوا بالبخاري ولما قدم اجتمع عليه وجوه الناس فأرادوا أن يختبروه، فعمدوا إلى مائة حديث وأعطوا كل واحد منهم عشرة، كل رجل أعطوه عشرة أحاديث، وجعلوا سند الحديث الأول للثاني، وسند الثالث للرابع، والخامس والسابع إلى آخر المائة، وألقوا العشرة عليه مقلوبة، فألقاها الأول العشرة والبخاري ساكت على القلب، ثم جاء الثاني فألقى العشرة على الإمام وهو ساكت، الثالث، الرابع، العاشر، لما انتهى التفت إلى الأول قال: حديثك الأول قلت فيه كذا وصوابه كذا، الثاني قلت فيه كذا وصوابه كذا، يعني كون البخاري يحفظ الصواب ما هو بغريب، لكن الغريب كونه يحفظ الخطأ، ثم يرده إلى الصواب إلى تمام المائة.

وهذه القصة يقدح فيها بعضهم؛ لأن ابن عدي يرويها عن عدة من شيوخه ولم يسم واحداً منهم، فقالوا: هذه القصة جاءت..، ذكرها ابن عدي عن مجاهيل، لكن هؤلاء المجاهيل هم من شيوخ ابن عدي، وهم عدد، ليسوا بواحد ولا اثنين ولا ثلاثة، حدثني عدة من شيوخنا، وبعضهم يجبر بعضاً، وحينئذ تكون القصة ثابتة، نعم هم مجاهيل، لكن مجهول مع مجهول مع مجهول يتقوى بلا شك، والإمام البخاري أهل لمثل هذا.

وفي آخر القصة: "فرد متن كل حديث إلى إسناده، وكل إسناد إلى متنه، فأقر له الناس بالحفظ وأذعنوا له بالفضل" وبالنسبة لحكم القلب لا يخلو القلب إما أن يكون عن قصد أو عن غفلة وعن غير قصد، فإن كان عن قصد فلا يخلو: إما أن يكون للإغراب فلا شك في أنه لا يجوز، إذا كان هدف الذي قلب ليقال أن عنده حديث لا يوجد إسناده عند غيره، إن كان القصد منه الإغراب فلا شك في أنه لا يجوز، وأما إن كان للاختبار فقد فعله كثير من المحدثين مما يدل على جوازه، شريطة ألا يستمر عليه، بل ينتهي بانتهاء الحاجة، وإن كان القلب من غير قصد فلا شك أن فاعله معذور؛ لأنه لم يقصد إليه إلا أنه إذا كثر يجعل المحدث ضعيفاً لضعف حفظه وضبطه.

المزيد في متصل الأسانيد:

قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: "أو بزيادة راوٍ فالمزيد في متصل الأسانيد"، فالمزيد في متصل الأسانيد، ويقصد الحافظ -رحمه الله تعالى- أن مخالفة الراوي لغيره من الرواة إن كان بزيادة راوٍ في أثناء الإسناد، ومن لم يروها أتقن ممن زادها، من لم يزد هذه الزيادة أتقن ممن زادها فهذا النوع يسمى المزيد في متصل الأسانيد.

وعرفه الحافظ ابن كثير بقوله: هو أن يزيد راوي في الإسناد رجلاً لم يذكره غيره، وفي شرح الملا علي قاري على النزهة: هو أن يزيد الراوي في إسناد حديث رجل أو أكثر وهماً منه وغلطاً، وشرطه كما قال الحافظ في النزهة: أن يقع التصريح بالسماع في موضع الزيادة، وإلا فمتى كان معنعناً ترجحت الزيادة، ومثاله: حديث أبي مرثد الغنوي قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها)) مثاله: حديث أبي مرثد الغنوي قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها)) رواه مسلم، قال ابن أبي حاتم: "سألت أبي عن حديث رواه ابن المبارك عن ابن جابر عن بسر بن عبيد الله عن أبي إدريس عن واثلة عن أبي مرثد، فقال: يريدون أن ابن المبارك وهم في هذا الحديث، أدخل أبا إدريس الخولاني بين بشر بن عبيد الله وبين واثلة".

وقال الترمذي: "الصحيح أنه ليس فيه عن أبي إدريس، وقد صرح بسر بالسماع من وثلة كما في رواية أبي داود"، وأيضاً في إسناده زيادة أخرى وهي ذكر سفيان بين ابن المبارك وابن جابر، وهي وهم ممن دون ابن المبارك؛ لأن جماعة من الثقات رووه عن ابن المبارك عن ابن جابر نفسه، ومنهم من صرح فيه بلفظ الإخبار بينهما.

وهذا النوع وهو المزيد في متصل الأسانيد، تجد حديث رباعي وتجد هذا الحديث مروي من طريق هؤلاء الأربعة، بين الثاني والثالث زيادة راوي فيكون خماسي، والسند الرباعي بين الثالث والرابع حدثنا فلان، اللي هو مكان الزيادة في السند الثاني.

يروي زيد عن عمرو عن سعيد عن خالد عن بكر، زيد عن عمرو عن خالد، يأتي شخص راوي ثاني فيقول: زيد عن عمرو عن سعيد عن خالد عن بكر، فيزيد راوي وهو سعيد، السند الأول رباعي، والثاني خماسي، إذا كان عمرو صرح بالسماع عن خالد، قال: عن عمرو سمعت خالداً يحدث عن بكر، أو لا يعرف بتدليس وقال: (عن) فالسند متصل بدون سعيد، لكن هل سعيد خطأ وإلا ليس بخطأ؟ ذكر سعيد زيادة لا وجه لها؟ أو يحتمل أن عمراً مرة سمعه من سعيد عن خالد ثم لقي خالد فسمعه منه من غير واسطة؟ احتمال، نعم، وعلى هذا فالحكم للقرائن، إن رجحت القرائن أن عمراً سمعه مباشرة من خالد وسعيد لا وجود له في الرواية فهو من المزيد في متصل الأسانيد، وإن كانت القرائن ترجح احتمال أن عمرو سمعه عن خالد بواسطة سعيد ثم أنه لقي خالد مرة ثانية فسمعه منه فهذا ليس بمزيد، بل يكون عمرو سمع الحديث على الوجهين، مرة سمعه عن سعيد عن خالد، ومرة لقي خالداً وسمعه منه من غير واسطة، فإذا رجحت القرائن أن سعيد ليس له علاقة وصرح عمرو بالسماع من خالد فهو المزيد في متصل الأسانيد، والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

طالب:.......

متى كان معنعناً؟

طالب:.......

معروف يعني إذا كان في مثالنا يرويه عمرو عن خالد، ومرة قال: عن عمرو عن سعيد عن خالد، احتمال أن يكون عمرو أسقط سعيد، نعم، ورواه عن خالد مباشرة؛ لأن (عن) تحتمل السماع، صيغة محتملة، لكن إذا افترضنا أن عمرو غير معروف بتدليس فهي محمولة على الاتصال مثل (سمعت)، نعم، إذا كان معنعن وعمرو معروف بالتدليس تترجح الزيادة بلا شك، أما إذا كان غير معروف بالتدليس فكأنه صرّح بالسماع، والله أعلم.

 

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"