الدروس المهمة لعامة الأمة (3)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، وأمينه على وحيه، وصفيه من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
الآداب الإسلامية:
هنا الآداب الإسلامية، الآداب الإسلامية، في الدرس السادس عشر، منها:
"السلام" السلام، بذل السلام للعَالم من المسلمين، على من تعرف ومن لا تعرف، وجاء ما يدل على أن السلام في آخر الزمان يكون حسب المعرفة، والله تعرفه السلام عليكم، ما تعرفه..، هذا ما ينبغي، الأجر رتب على إفشاء السلام، إذا قلت: السلام عليكم عشر حسنات، تعرفه ولا ما تعرفه، وكل ما زدت زاد الأجر، ورحمة الله عشر ثانية، وبركاته عشر، ثلاثين حسنة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ثلاثين حسنة، تضرك؟! مر عليك واحد، اثنين، ثلاثة تسلم عليهم، ما يضر، لا يكلف شيئًا، ولا محسوب عليك شيء، فتبذل السلام ((ألا أخبركم بأمر إذا فعلتموه تحاببتم)) أو كما جاء في الحديث، قالوا: بلى، قال: ((أفشوا السلام بينكم)) وآكد من السلام رده، فإذا سلمت كتب لك الثواب، وإذا سُلِّم عليك لزمك الجواب، وعليك أن ترد السلام، ترد التحية بمثلها، أو أفضل منها، فإذا قيل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ترد مثلها على أقل الأحوال، أو تزيد عليها، تقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته مرحباً، كما أجاب النبي -عليه الصلاة والسلام- أم هانئ، قال: مرحباً بأم هانئ، فإذا زاد حصل له من الأجر أكثر.
"البشاشة" البشاشة في وجه أخيك المسلم أمر مطلوب، نعم المتزندق والمبتدع والكافر ما تبش في وجهه إلا بغرض الدعوة، إذا كان غرضك صحيحًا، وبششت في وجهه من أن يقبل الدعوة، ويهديه الله بك ((فلأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)) وإلا فالأصل:
لا تلقِ مبتدعاً ولا متزندقاً |
|
إلا بعبسة مالك الغضبانِ |
لا بد من المصارمة، لا بد من المنافرة بينك وبين عدوك، لكن إذا ترتب على هذه البشاشة وهذا اللين مع العدو مصلحة من أجل الدعوة فلا بأس، وأما فالمسلم فلا يجوز أن تعبّس في وجهه، وجاء العتاب للنبي -عليه الصلاة والسلام- بسورة {عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَن جَاءهُ الْأَعْمَى} [(2) سورة عبس] عوتب النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإن كان مشتغلاً بالدعوة، بأمر يرى أنه أهم من ذلك، يبقى أن المسلم له حق، وهو أولى من غيره بالتقدير والاحترام ورعاية الحقوق.
"والآداب الشرعية عند دخول المسجد أو المنـزل والخروج منهما" الآداب الشرعية عند دخول المسجد تقدم الرجل اليمنى، وكذلك المسجد والخروج منه وتقدم اليسرى، وإذا أردت دخول الدورة تقدم اليسرى، وإذا خرجت تقدم اليمنى، وهكذا..، كل هذه آداب تنبغي مراعاتها.
"وعند السفر" تقول ما ورد عند دخول المسجد، وعند دخول المنـزل، وعندما تخرج منهما، وعند دخول الخلاء، وعندما تخرج منه، وعند إرادة السفر، وعند الركوب، وأثناء السفر، كل هذه لها أذكار خاصة ألِّفت فيها كتب الأذكار، على المسلم أن يعتني بهذه الأذكار، وهي لا تكلف شيئًا، لا تكلف شيئاً، أمرها يسير لكن على من يسرها الله عليه، بعض الناس عنده استعداد يقرأ جرائد الدنيا ولا يقول: سبحان الله وبحمده مرة واحدة، سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم (( كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم)) ((من قال في يوم: سبحان الله وبحمده مائة مرة حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر)) كم تأخذ؟ ساعتين وإلا ثلاث؟ دقيقة ونصف ((سبحان الله وبحمده مائة مرة)) دقيقة ونصف ((حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر)) فعلينا أن نعتني بهذا الباب، بهذا الجانب، حرز من الشيطان أن تقول إذا أصبحت: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير مائة مرة)) يكتب له مائة حسنة، ويحط لك عنك مائة خطيئة، وهي حرز لك من الشيطان.
الإحسان مع الوالدين، يعني بر الوالدين واجب شرعي، صلة الأقارب والأرحام، والإحسان إلى الجيران، والكبار والصغار، تحسن إلى الرجل الكبير من المسلمين، وتعطف على الصغير، ولا تكون فظاً غليظاً من رآك هابك وخافك ((شر الناس من تركه الناس اتقاء شره)) فبر الوالدين أمر واجب، كذلك صلة الأرحامِ، والتأدب مع الجيران والكبار، والعطف على الصغار، والإحسان إلى المحتاجين، كل هذه آداب إسلامية مطلوبة، جاءت نصوص الكتاب والسنة تحث عليها، وتؤكد هذه الحقوق ((من سره أن يُنسأ له في أثره، ويُبسط له في رزقه فليصل رحمه)) والعقوق موبقة من الموبقات، كبيرة من كبائر الذنوب، قطيعة الأرحام أيضاً كبيرة، فلا بد من العناية بهذا الباب، والله المستعان.
"التهنئة بالمولود" التهنئة بما يسُرّ أخاك المسلم، جاءه مولود تهنئه، وتدعو له، وتدعو لولده، حصل له ما يسره تهنئه أيضاً، تبارك له في ذلك، وتدعو له، كل هذا يزرع المودة والمحبة بين المسلمين، ويزيل البغضاء والشحناء بينهم.
"والتعزية في المصاب" إن مات له أحد سواء كان من أقاربك أو من غيرهم تعزيه، وتواسيه، بما فقده من حبيب، وغير ذلك من الآداب الإسلامية التي مظنتها كتب الآداب الشرعية.
الدرس السابع عشر: التحذير من الشرك وأنواع المعاصي:
"الدرس السابع عشر: التحذير من الشرك وأنواع المعاصي" الشرك هو أعظم ما عصي الله به -سبحانه وتعالى-، وهذا هو الظلم العظيم {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [(13) سورة لقمان] وهو أعظم الموبقات، المهلكات السبع، ومن صوره السحر، والسحر ملازم للشرك غالباً، وأفرد للاهتمام بشأنه، كثير من الناس يتساهل بأمره وهو عظيم، هو شرك.
"وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق" قتل النفس عمداً عدواناً {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ} [(93) سورة النساء] نسأل الله العافية، حتى ذكر عن ابن عباس أن توبته لا تقبل، توبة القاتل العمد وإن كان جمهور العلماء على أنه تقبل توبته.
"أكل مال اليتيم" أكل أموال الناس بالباطل كله حرام، لكن اليتيم الذي ليس له من يدافع عنه أشد، ولذا جاءت النصوص في التشديد في مال اليتيم.
"أكل الربا" {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [(275) سورة البقرة] جمع من المفسرين يقولون: إن آكل الربا يبعث مجنوناً يوم القيامة، يبعث مجنوناً يوم القيامة، وهو محارب لله ورسوله {فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ} [(279) سورة البقرة] هل له يدان بمحاربة الله؟ العبد الضعيف المسكين؟! حمله الطمع والجشع على أن يرابي، هل يستطيع أن يحارب الله؟ الله المستعان.
"التولي يوم الزحف" يعني إذا التقى الصفان في الجهاد فيهرب واحد، هذه كبيرة، موبقة من كبائر الذنوب، قبل أن يحضر إلى الصف أمره أسهل، لكن إذا حضر يفتح بابًا لغيره، فالتولي يوم الزحف كبيرة وموبقة من كبائر الذنوب، ويقصد بذلك الهرب عند التقاء الصفين في القتال، الجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله.
"قذف المحصنات الغافلات المؤمنات" رمي المرأة العفيفة بالزنا، نسأل الله العافية، هذا موبقة من الموبقات، وقد جاء في بعض الأخبار أن قذف محصنة يحبط عبادة ستين سنة، الأمر ليس بالسهل ولا بالهين، أن ترمي المحصنة الغافلة العفيفة بالزنا، ومن ذلكم الزوجات؛ لأن بعض الناس يتساهل ويقذف زوجته نسأل الله العافية هذا أمره عظيم، فإذا قذفها إما أن يجلد الحد ثمانين جلدة، أو يلاعن ليدرأ عنه الحد.
"من الكبائر عقوق الوالدين" عقوق الوالدين قطيعة الأرحام سبق الحديث عنهما.
"شهادة الزور" ((ألا وشهادة الزور، ألا وشهادة الزور..)) ما زال يكررها ((ألا وقول الزور)) تشهد لزيد من الناس بأن له حق على فلان، والأمر على خلاف ذلك، أو تشهد أن هذه الأرض لفلان وهي ليست له، هذه شهادة الزور، ((والمتشبع بما لم يعطَ كلابس ثوبي زور)) الذي يزعم أن عنده وعنده وعنده وفعل وترك كلابس ثوبي زور، لكن شهادة الزور أمرها عظيم، ما زال النبي -صلى الله عليه وسلم- يكررها حتى قالوا: "ليته سكت".
"الأيمان الكاذبة" {وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ} [(224) سورة البقرة] هذا في حال الصدق، في كل عمل أو في كل مقال تذكره تقول: والله وبلى والله وتالله، لكن إذا كان اليمين كاذبًا فالأمر أشد، إذا ترتب على هذه اليمين الكاذبة اقتطاع حق امرئ مسلم فالأمر أعظم، هذه اليمين الغموس، إذا حلف على السلعة لينفقها من أجل أن تدرج أيضاً هذا أمره ليس بالهين.
"وإيذاء الجار" تقدم الإلماح إلى ما للجار من حق، وأن الشرع اعتنى به، وأكد على حقه، وظلم الناس في الدماء والأموال والأعراض وغير ذلك كل هذا حرام، في حديث أبي ذر الإلهي القدسي: ((يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا)) الله -سبحانه وتعالى- حرم الظلم على نفسه، والظلم: وضع الشيء في غير موضعه، والاعتداء على الناس إما على دمائهم أو أعراضهم أو أموالهم، قل ذلك أو كثر، كله ظلم، نسأل الله العافية، وغير ذلك مما نهى الله عنه أو رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
طالب:.......
أما بالنسبة للصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- جاء الأمر بها في الكتاب والسنة {إيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [(56) سورة الأحزاب] فلا بد أن يُصلى عليه ويُسلم، ولا يتم امتثال هذا الأمر إلا بالصلاة والسلام، يعني ما تكفي عليه الصلاة، أو عليه السلام فقط، لكن إذا جمعت بينهما تارة وأفردت السلام تارة لا بأس، أما أن تلتزم الصلاة فقط، أو السلام فقط، لا يتم امتثالك للأمر الوارد في قوله تعالى: {إيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [(56) سورة الأحزاب] لا بد من الصلاة عليه والسلام.
امتثال الأمر واجب، هذا الأصل في الأمر، {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} [(63) سورة النــور] فامتثال الأمر واجب، لكن كل ما ذكر -عليه الصلاة والسلام- يصلى عليه استحباباً عند أكثر العلماء، وإن قال بعضهم بوجوبه، تجب الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- في مواطن مثل: التشهد الأخير على ما تقدم، وما عدا ذلك سنة.
الدرس الثامن عشر: في تجهيز الميت والصلاة عليه:
ومع الدرس الثامن عشر: في تجهيز الميت والصلاة عليه، وهو آخر الدروس.
الموت نهاية كل حي، فلا بد أن يمر على كل مخلوق ذي روح؛ ولذا وجب على المتعلمين تعلمه، والمعلمين تعليمه؛ لأن ما يتعلق بالموت من فروض الكفايات، من تجهيز الميت وتغسيله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه، وغير ذلك مما يتعلق به.
يقول: "وإليك تفصيل ذلك" تجهيز الميت "إذا تيقن الموت أغمضت عيناه، وشد لحياه"، لا بد من تيقن خروج الروح، ولا يكفي موت الدماغ، وإن قرر الأطباء أنه في حكم الميت، لكنه ليس بميت، حتى تخرج روحه، وعلى هذا لا يجوز أن يفعل به أي شيء مما يتعلق بالأموات، أو يتسبب في موته، ما دامت الروح باقية، ولو قرر الأطباء أنه قد مات دماغياً، فإذا تيقن الموت بخروج الروح والعلامات ظاهرة، يعرفها من زاولها.
يقول: "إذا تيقن الموت أغمضت عيناه" لأن العين إذا خرجت الروح تتبع الروح، فإذا خرجت الروح تبعها البصر وشخص، وحينئذ تغمض عيناه، ليكون شكله مقبولاً، ولئلا يدخل في هذه العين شيء من الهوام، "وشد لحياه" لئلا ينفتح فمه، وهذا كله من حُرمة المسلم؛ ليكون شكله بعد وفاته مقبولاً كشكله حال حياته، وعند تغسيله "تستر عورته" وجوباً، لا يجوز أن تكشف عورة الميت؛ لأن حرمة الميت كحرمة الحي، لا يجوز أن تكشف العورة، بل على غاسله أن يستر عورته ولا يباشر شيئاً منها، "ثم يرفع قليلاً" لكي يخرج ما في بطنه، "ويعصر بطنه عصراً رفيقاً" لا بشدة وقوة، بل يكون برفق، لكي يخرج ما يمكن خروجه من بطنه، "ثم يلف الغاسل على يده خرقة أو نحوها فينجيه بها" ينجيه يزيل ما على مخرجه، أو ما علق، أو ما في مخرجه من نجاسة، هذا الاستنجاء، إزالة أثر النجاسة من المخرج، "ثم يوضئه وضوء الصلاة" يوضئه وضوء الصلاة، وقد جاء في حديث أم عطية أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال لهن -وهن بصدد غسل ابنته زينب-: ((ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها)) فيوضأ الميت وضوء الصلاة، كما يفعل الحي إذا أراد الاغتسال المشروع، يتوضأ وضوءاً كاملاً ثم يغتسل، "ثم يغسل رأسه ولحيته بماء وسدر أو نحوه" السدر ينظف البدن، يقوم مقامه المنظفات الأخرى مما يزيل الأوساخ كالصابون والأشنان، والشامبو وما أشبه ذلك، المقصود التنظيف، "ثم يغسل شقه الأيمن" ((ابدأن بميامنها)) "ثم الأيسر، ثم يغسله كذلك مرة ثانية وثالثة" يغسل الميت أولى وثانية وثالثة، فإن رأى الغاسل الزيادة على ذلك فلا بأس إلى السبع، للحاجة ((إن رأيتن ذلك)) ((اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً إن رأيتن ذلك)) وليس مرد هذه الرؤية إلى التشهي، إن كان قريباً يزاد في غسله ليزداد التنظيف، لا، إن كانت الحاجة داعية إلى الزيادة على ثلاث فليزاد عليها، وليقطع على وتر.
"يمر في كل مرة يده على بطنه، فإن خرج منه شيء غسله وسد المحل بقطن" يعني إذا انتهى من هذه الغسلات "سد المحل بقطن أو نحوه، فإن لم يستمسك" بالقطن خرج مع وجود القطن "فبطين حر" طين حر، أو ما يقوم مقامه.
يقول: "أو بوسائل الطب الحديثة كاللزق ونحوه" وهناك أمور يسد بها هذا المخرج لئلا يخرج منه شيء، وموجود في المستشفيات والصيدليات وغيرها، فلا يلزم أن يكون بالطين، كان هذا معمول به عند المتقدمين ما عندهم إلا طين أو شبهه، الطين الحر: يعني يشبه الأسمنت في قوته وتماسكه "ويعيد وضوءه" يعني إن خرج منه شيء؛ لأنه في حكم المنتقض، "وإن لم ينقَّ بثلاث زيد إلى خمس أو إلى سبع" كما سمعنا في حديث أم عطية: ((اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً إن رأيتن ذلك)) يعني إن كانت الحاجة داعية إلى سبع "ثم ينشف بثوب، ويجعل الطيب في مغابنه، ومواضع سجوده" ((اجعلن في الآخرة كافوراً أو شيئاً من كافور)) الكافور: طيب، نوع من الطيب، فيه خاصية أيضاً يطرد الهوام، ويصلب الجسد، الكافور يقوم مقامه الأطياب الأخرى، سواء كانت سائلة أو بخور، "يجعل الطيب في مغابنه" يعني الأماكن التي يغطي بعضها بعضاً، هذه المغابن، "ومواضع سجوده" لشرفها، "وإن طيبه كله كان حسناً" يعني إذا كان الطيب يستوعب البطن كله أفضل، "ويجمر أكفانه بالبخور، وإن كان شاربه أو أظافره طويلة أخذ منها... ولا يسرح شعره" لئلا يسقط منه شيء، فيبقى الشعر كما هو، والمرأة يضفر شعرها ثلاثة قرون، ويستل من ورائها، يجعل شعر المرأة ثلاث ضفائر، ثلاث ضفائر تجعل خلف المرأة، ثلاث، كما جاء في حديث أم عطية.
ثم بعد ذلكم تكفين الميت.
يقول: "الأفضل أن يكفن الرجل في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة" كما ثبت في الصحيح من حديث عائشة: "أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كفن بثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة" هذا ما فعله الصحابة بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، وما كان الله ليختار لنبيه إلا الأفضل، وبعضهم يرى أنه لا بأس أن يكفن في قميص، بل الأفضل أن يكفن بالقميص؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- كفن ابن أُبي بالقميص، ولا يفعل النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا الأفضل، النبي -عليه الصلاة والسلام- كما في الصحيح كُفن بثلاثة أثواب، وجاء النص على أنه ليس فيها قميص ولا عمامة، فكيف يقال: إنه يكفن في القميص أفضل؟ نعم النبي -عليه الصلاة والسلام- كفن ابن أُبي في قميصه مكافئة له، لما أعطى العباس قميصاً كافأه النبي -عليه الصلاة والسلام- فكفنه بقميصه، وجبراً لخاطر ولده، "يدرج فيه إدراجاً" يعني لف لف، "وإن كُفن في قميص وإزار ولفافة فلا بأس" المقصود أن يستر البدن، لكن الأفضل أن تكون ثلاثة أثواب، إيش معنى أثواب؟ لها أكمام ولها أزار وإلا لا؟ نعم، لا، ثلاث قطع من القماش، فالقطعة يقال لها: ثوب.
يقول: "وإن كفن في قميص وإزار ولفافة فلا بأس" يجوز ذلك، لكن الأفضل أن تكون ثلاثة أثواب ليس فيها قميص ولا عمامة، "والمرأة تكفن في خمسة أثواب" لأن المرأة بحاجة إلى الستر أكثر من الرجل، فيزاد في كفنها، فتكفن في خمسة أثواب في "درع وخمار وإزار ولفافتين، ويكفن الصبي في ثوب واحد إلى ثلاثة أثواب، وتكفن الصغيرة في قميص ولفافتين" يعني الصبي الذي لم يكلف، أمره أخف من المكلف، فإذا كان الرجل المكلف يكفن في ثلاثة أثواب فالصبي من الذكور في ثواب واحد إن احتيج إلى ثاني لا بأس، إن احتيج إلى ثالث فلا بأس، لكن الأصل واحد، وتكفن الصغيرة في قميص ولفافتين، بدل من أن تكفن المكلفة بخمسة أثواب.
من أحق الناس بغسل الميت؟
أحق الناس بغسل الميت –يعني عند المشاحة– ما هو إذا جيء الميت إلى مغسلة يقال: لا، لا تغسله، انتظر حتى يأتي الوصي، يأتي الأب، يأتي الابن، يأتي القريب، لا، يغسل في المغاسل، لكن عند المشاحة، إذا قال: أنا وصاني الميت، أو فلان يشهد وفلان أن الميت قال: لا يغسلني إلا فلان، فهو أولى من غيره، وهذا عند المشاحة كما هو معروف.
"أحق الناس بغسله والصلاة عليه ودفنه وصيه في ذلك" يعني إذا قال الميت قبل وفاته: يغسلني فلان، ويصلي عليّ فلان، ويدفنني فلان، فهو أولى الناس بذلك، "ثم الأب ثم الجد" يعني بحثوا عن الوصي ما وجدوا، ينتظر حتى يأتي الوصي؟ لا، يقال للأب: أنت لك المرتبة الثانية بعد الوصي غسل ابنك، "ثم الجد، ثم الأقرب فالأقرب من العصبات" الأخ والعم وابن الأخ وما أشبه ذلك.
"والأولى بغسل المرأة وصيتها" يعني من النساء، الأول وصيه من الرجال، والأولى بغسل المرأة وصيتها يعني من النساء، لو أوصت بأن يغسلها ولدها أو أبوها تنفذ الوصية وإلا لا؟ لا، لا تنفذ الوصية؛ لأن الرجال ليس لهم أن يغسلوا النساء، ليس للرجال أن يغسلوا النساء، ولا العكس، إلا الزوجين، يجوز أن يغسل أحدهما الآخر، وما عدا ذلك فلا، هذا بالنسبة إذا كان الميت تجاوز السبع من الرجال أو النساء، "ثم الأم -بعد الوصية- ثم الجدة" يعني مثلما قيل: الوصي، ثم الأب، ثم الجدة، "ثم الأقرب فالأقرب من نسائها" وهناك الأقرب فالأقرب من الرجال العصبات، وهنا الأقرب فالأقرب من نسائها.
"وللزوجين أن يغسل أحدهما الآخر" لأن الصديق -رضي الله عنه- غسلته زوجته، زوجته من؟ اسمها إيش؟ أسماء بنت عميس غسلت أبا بكر الصديق -رضي الله عنه-؛ ولأن علياً -رضي الله عنه- غسل زوجته فاطمة -رضي الله عنها-، فيجوز للزوج أن يغسل زوجته، وللزوجة أن تغسل زوجها.
الصلاة على الميت:
أما الصلاة على الميت فيكبر الإمام "ويقرأ بعد -التكبيرة- الأولى الفاتحة"، دون دعاء للاستفتاح، فيقول: الله أكبر، ثم يتعوذ، ويسمي، ويبسمل، ثم يقرأ الفاتحة، "إن قرأ معها سورة قصيرة أو آية فلا بأس" لا بأس بذلك، وإن لم يقرأ كفت الفاتحة، "للحديث الوارد في ذلك عن ابن عباس -رضي الله عنهما-" في قراءة الفاتحة وسورة، "ثم يكبر الثانية فيصلي على النبي كصلاته عليه في التشهد" فيقول: اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، يعني كما يقول في التشهد، "ثم يكبر الثالثة -فيدعو للميت- فيقول: اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا" إنك تعلم منقلبنا ومثوانا، "اللهم من أحيته منا فأحييه على الإسلام، ومن توفيته فتوفه على الإيمان".. إلى آخر الدعاء المشهور وذكره الشيخ -رحمه الله-.
يقول: اللهم اغفر له وارحمه، وعافه، واعف عنه، وأكرم نزله، وأوسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وجازه بالحسنات إحساناً، وبالسيئات عفواً ورضواناً.." المقصود أنه يدعو للميت، ويخلص الدعاء له، يخلص الدعاء له، وهذا من حق المسلم على المسلم، والصلاة على الميت فرض كفاية، إذا حصل من يكفي سقط الإثم عن الباقين.
للإنسان إذا قام الواجب بغيره ألا يصلي، لكن كونه لا يصلي حرمان؛ لأن له بكل صلاة على جنازة قيراط، وهنا التفريط في القراريط، القيراط ليس أمره بالسهل، القيراط من الذهب كم؟ خمسة ريال أو ستة؟ القيراط بأربعين، بأربعين، الجنيه كان بأربعين، ثم صار القيراط بأربعين، الله المستعان.
القيراط مثل جبل أحد من الحسنات، فمن ترك الصلاة على الجنازة فهو محروم لا سيما مع يسرها وقربها منه، إذا عرفنا هذا الأجر، والثواب العظيم المرتب على الصلاة على الجنازة فعلينا أن نقصدها للصلاة عليها، وإذا كان هناك أكثر من جنازة أحياناً خمس جنائز ست، خمسة قراريط ستة قراريط في ثلاث دقائق، يعني ما يعوق الإنسان من مصالحه، فالمحروم من حرم، من حرم التوفيق، وليس هذه علامة توفيق أن يزهد الإنسان في مثل هذه الأمور فضلاً عن أن يسعى في قراريط السيئات، وأن ينقص من أجره كل يوم قيراط، كما يقتني الكلب {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [(4) سورة الليل] بعض الناس يقصد المساجد التي يصلى فيها على الجنائز ليحصل هذه القراريط، ومن الناس من يبتلى بكلب ينقص من أجره كل يوم قيراط، لا شك أن الناس يتفاوتون تفاوتاً بيناً، ونرى بعض الناس يُصلى على ميت وهو جالس، تنتهي الصلاة وهو جالس، ما عنده شيء وليست فيه علة، لكن الحرمان، الحرمان لا نهاية له، هذا مشاهد لا سيما في بلاد الحرمين، يمل بعض الناس إذا قيل الصلاة الميت قام فصلى ثم مرة ثانية خلاص صلينا يا أخي إيش تدور؟ استكثروا فالله أكثر، كل صلاة فيها قيراط، كل ميت له قيراط، وفضل الله لا يحد، لكن الإنسان.. ((كل الناس يدخلون الجنة إلا من أبى؟)) قالوا: كيف يأبى يا سول الله؟! قال: ((من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى)) يُتصور الإنسان يقال له: تعال إلى الجنة فيقول: لا؟ يعني عقلاً ما يتصور، لكن حقيقة وواقع الناس كثر، يقال لهم: هلموا إلى الجنة فيقولون: لا، ((من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى)) فكيف بمن تقام صلاة الجنازة وهو جالس؟! لا يهتم لذلك، ويعرف أن الصلاة فيها قيراط، وقد تكون جنائز في آن واحد، ولكل واحدة قيراط.
"اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وأدخله الجنة، وأعذه من عذاب القبر وعذاب النار، وافسح له في قبره، ونور له فيه.."، وإن زاد على ذلك مما جاء في السنن: "اللهم أنت ربه، وأنت خلقته، وأنت هديته للإسلام جئناك شفعاء فشفعنا فيه، اللهم إنه في ذمتك وحبل جوارك، فَقِهِ فتنة القبر وعذاب النار" كل هذا لا بأس به.
ثم بعد التكبيرة الرابعة إن قال: "اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، واغفر لنا وله فحسن" وإن قال ذلك تبعاً للدعاء بعد الثالثة فلا بأس، "ثم يكبر الرابعة ويسلم تسليمة واحدة عن يمينه" والتكبيرات أربع، والخلاف موجود بين الصحابة والتابعين في عدد التكبيرات، من ثلاث إلى تسع، فإذا كبر على ميت ثلاث، وعلى آخر خمس وسبع وتسع هذا الخلاف موجود بين أهل العلم، لكنه استقر قول جماهير أهل العلم على الأربع، على أربع تكبيرات، بل نقل بعضهم الاتفاق على ذلك، فلا ينبغي أن يزاد على الأربع.
"ويستحب أن يرفع يديه مع كل تكبيرة" يقول: الله أكبر، يعني مثلما يرفع في الصلاة، وفي ذلك الخبر الثابت عن ابن عمر موقوفاً عليه خرجه البخاري معلقاً مجزوماً به، وفيه خبر مرفوع، لكنه ضعيف، صح عن ابن عمر أنه كان يرفع يديه، وجاء خبر عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يرفع يديه، لكنه ضعيف، فلذا المتجه رفع اليدين في تكبيرات الجنازة.
ولذا يقول الشيخ -رحمه الله-: "ويستحب أن يرفع يديه مع كل تكبيرة، وإذا كان الميت امرأة يقول: اللهم اغفر لها" هناك: اللهم اغفر له وارحمه، بناء على أنه ذكر، وإذا كان الميت امرأة قال: اللهم اغفر لها وارحمها، وعافها واعف عنها؛ لأن الرجل له ضمير والمرأة لها ضمير، ولكل ما يخص من الضمائر، لكن إذا أشكل عليه الأمر، جاؤوا والناس يصلون ما يدري هو ذكر أو امرأة؟ وقال: اللهم اغفر له يقصد الميت لا بأس، والميت يحتمل أن يكون ذكرًا، ويحتمل أن يكون أثنى، أو اغفر لها: يعني الجنازة، سواء كانت ذكراً أو أنثى فلا بأس.
وإذا كانا اثنين قال: اللهم اغفر لهما وارحمهما وعافهما واعف عنهما..، وإذا كانوا جماعة قال: اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعف عنهم، فيكيف الضمير على حسب مقتضى الحال، "وإذا كانت الجنائز اثنتين يقال: اللهم اغفر لهما" وبالجمع إذا كانت أكثر.
"أما إذا كان فرطاً صغيراً، فيقال بدل الدعاء بالمغفرة" ما يقال: اللهم اغفره له وارحمه، وعافه واعف عنه، ليس له ذنوب لتطلب له المغفرة، ليس عنده ذنوب، ولم يجر عليه قلم التكليف، لتطلب له المغفرة والرحمة، فليس بحاجة إلى ذلك، بل يقال: "اللهم اجعله فرطاً -يعني متقدماً- وذخراً لوالديه، وشفيعاً مجاباً، اللهم ثقل به موازينهما، وأعظم به أجورهما، وألحقه بصالح المؤمنين، واجعله في كفالة إبراهيم، وقه برحمتك عذاب الجحيم".
يقول -رحمه الله-: "والسنة أن يقف الإمام حذاء رأس الرجل، ووسط المرأة" هذه السنة بالنسبة للرجل يقف الإمام مقابل رأسه، والمرأة يقف في وسطها، ولذا ينبغي عند صف الجنائز أن يكون وسط المرأة بإزاء رأس الرجل، فإذا قدر أن هذا رجل وهذه امرأة وهذا وسط المرأة يكون هكذا، بإزاء رأس الرجل، ليقف الإمام هنا، موازياً لرأس الرجل ووسط المرأة، "وأن يكون الرجل مما يلي الإمام" الرجل هو الذي يلي الإمام، هو الأقرب إلى الإمام، يعني إذا كان هناك أكثر من جنازة، رجال ونساء، فالرجال هم المقربون للإمام، تليهم النساء.
يقول: "وأن يكون الرجل مما يلي الإمام إن اجتمعت الجنائز، والمرأة مما يلي القبلة، وإن كان معهم أطفال قدم الصبي على المرأة" يجعل الصبي هنا بين الرجل والمرأة، والطفلة تجعل بعد المرأة "ثم المرأة ثم الطفلة"
الرجل ثم الطفل ثم المرأة ثم الطفلة، وإذا اجتمع رجال، افترضنا أن هذين رجلان من نقدم؟ نقدم الأحفظ لكتاب الله، الأحفظ لكتاب الله هو المقدم، يقدم الأحفظ لكتاب الله؛ لأنه أحق، فأهل القرآن هم أهل الله وخاصته.
"ويكون رأس الصبي حيال رأس الرجل -الصبي حيال رأس الرجل- ووسط الطفلة حيال وسط المرأة، ووسط المرأة حيال رأس الرجل وهكذا الطفلة يكون رأسها حيال رأس المرأة، ويكون وسطها حيال رأس الرجل، ويكون المصلون جميعاً خلف الإمام" المصلون كلهم خلف الإمام، وينبغي أن تكثر الصفوف ولو لم تكمل؛ لأنه ورد فيمن صلى عليه ثلاثة صفوف فأكثر، ورد من صلى عليه أربعون فأكثر، ورد من صلى عليه مائة من المسلمين شفعوا فيه، فنحرص على تطبيق هذه السنن لننال من ذلك الأجر الجزيل من الله -سبحانه وتعالى-.
"ويكون المصلون جميعهم خلف الإمام إلا أن يكون واحداً لم يجد مكاناً خلف الإمام فإنه يقف عن يمينه" وهذا يحصل كثيراً أهل الميت إذا قاموا ليحضروا الميت إلى الإمام أو إلى موضع الإمام، يجيء الناس يصفون في أماكنهم، يتقدمون الناس في أماكنهم، وحينئذ لا يكون لهم مكان يصلون فيه، يصلون بجوار الإمام، إما عن يمينه كلهم، أو خلفه مباشرة، بينه وبين الصف، أو بعضهم عن يمينه وبعضهم عن شماله، إن أمكنهم أن يصلوا خلفه ولو ضاقت المسافة فلا بأس؛ لأنهم لا يحتاجون إلى بعد المسافة لركوع ولا سجود.
"إلا أن يكون واحداً لم يجد مكاناً خلف الإمام فإنه يقف عن يمينه".
يقول -رحمه الله تعالى-: "صفة الدفن: المشروع تعميق القبر إلى وسط الرَّجل" يعني إلى سرة الرجل، لماذا؟ لئلا تنبعث روائح منه، إذا أعمق القبر مهما طال الزمن لا تنبعث منه روائح من جهة، ولئلا تجرفه السيول والرياح مع الوقت ينكشف الميت، والمقصود ستره، فيسن تعميقه إلى نصف قامة رجل "وأن يكون فيه لحد من جهة القبلة" فاللحد أفضل من الشق إذا تيسر، أما إذا كانت الأرض هيار ما يمكن التلحيد فيها فالشق يكفي، "وأن يكون فيه لحد من جهة القبلة" يعني حفرة داخل القبر إلى جهة القبلة.
طالب:.......
إيش فيه؟
طالب:.......
لا هم قالوا عند الحاجة، إذا لم يتيسر اللحد، إذا كان كلما لحدوه انهار القبر؛ لأن بعض الأماكن ما يمكن تلحيده، وإلا لا شك أن اللحد أفضل.
"وأن يوضع الميت في اللحد على جنبه الأيمن" ليكون مستقبلاً القبلة، كما جاءت السنة بذلك في الموتة الصغرى، التي هي النوم، النوم موت {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} [(42) سورة الزمر] نعم، المقصود أن النوم موت، شبه الموت، فينبغي أن ينام على جنبه الأيمن مستقبل القبلة، ومن باب أولى إذا مات يوضع في اللحد على جنبه الأيمن.
"وتحل عقد الكفن" تحل عقد الكفن، وتبقى في مكانها، ما تسحب و"لا تنـزع، بل تترك، ولا يكشف وجهه، سواء كان الميت رجلاً أو امرأة" ولا يكشف وجه الميت سواء كان رجلاً أو امرأة.
من العجب أنه حضر شخص جنازة امرأة من عامة الناس، ونسب إلى بعض أهل العلم من العلماء المشهورين المعروفين عندنا قال: إن الشيخ فلان يقول: اجعلوها مستلقية على ظهرها واكشفوا وجهها، واجعلوها مستلقية تنظر إلى السماء، هذا جهل مركب، وافتراء على هذا الشيخ، على كل حال ما أطاعوه، يعرفون أن هذا كله خطأ، فطرةً هذا خطأ.
"ولا يكشف وجهه سواء كان الميت رجلاً أو امرأة، ثم ينصب عليه اللبن" ما هو بعليه بحيث يضغط على الميت، لا، إنما إذا تصورنا أن اللحد فتحة في القبر هكذا فينصب اللبن -وقد رأيتموه يعني كثيراً- هكذا، والميت داخل في اللحد، داخل في اللحد هنا، بحيث لا يضغطه اللبن، يُجعل فيه فرصة لئلا يُساء إلى الميت، ثم ينصب عليه اللبن "ويطين حتى يثبت" يعني يجعل بين اللبنات طين لكي تثبت هذه اللبنات، ولا يكثر ماؤها، ولا تكون لينة بحيث تؤثر على اللبن فينهار على الميت؛ لأنه إذا أكثر الماء في الطين أثر على اللبن، ثم بعد ذلكم انهار على الميت "ويقيه التراب" يقيه التراب، لأن لو لم نجعل الطين بين اللبنات لانهال عليه التراب، والمقصود أن يحمى من هذا التراب.
"فإن لم يتيسر اللبن فبغير ذلك من ألواح" خشب، إذا ما وُجد لبن، لكن إذا وجد لبن فهو متعين، لكن إن لم يتيسر، ما وجد لبن لا بأس خشب، نعم؟ كيف؟
طالب:.......
لا، لا، مما مسته النار أو تبي تمسه النار؟ أنت تبي تقول: الخشب يمكن تمسه النار؟
طالب:......
حتى مسته النار، هذا كان آخر...
طالب:......
بس هذا ما مسته النار، الخشب تمسه النار؟
طالب:......
تمسه النار؟
طالب:......
لا، لا.
يقول: "فبغير ذلك من ألواح أو أحجاز أو خشب يقيه التراب، ثم يهال عليه التراب، ويستحب أن يقال عند ذلك: بسم الله، وعلى ملة رسول الله، ويرفع القبر قدر شبر" فقط، لا يزاد على الشبر عن الأرض؛ لأنه إذا أشرف وزاد على ذلك فقد أمرنا بتسويته، قد أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- علي بن أبي طالب ألا يرى قبراً مشرفاً إلا سواه "ويوضع عليه حصباء إن تيسر ذلك" لأنها تحفظ التراب من أن تذروه الرياح "ويرش" بالماء لكي يثبت.
"ويشرع للمشيعين أن يقفوا عند القبر، ويدعو للميت -يدعون له بالتثبيت- لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه" لا سيما إن كان من الصالحين، فيتأكد في حقه أن يقف عند القبر، ويدعو للميت "وقال: ((استغفروا لأخيكم، واسألوا له التثبيت، فإنه الآن يسأل))".
ثم قال الشيخ -رحمه الله تعالى-: "تاسعاً: ويشرع لمن لم يصلَّ عليه أن يصلي عليه بعد الدفن؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- فعل ذلك، على أن يكون ذلك في حدود شهر فأقل" النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى على القبر بعد شهر، فأخذ منه أهل العلم الحد إلى شهر؛ لكن هل في هذا ما يدل على أنه لا يصلى عليه بعد ذلك؟ هذا وقع من النبي -عليه الصلاة والسلام- اتفاقاً، وليس فيه ما يدل على أنه لا يزاد على ذلك.
يقول: "لأنه لم ينقل عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه صلى على قبر بعد شهر من دفن الميت" يعني كونه فعل بعد شهر لا يعني أنه لا يزاد على الشهر، وإن اقتصر على الشهر كما اختاره الشيخ -رحمه الله- فلا بأس.
"عاشراً: لا يجوز لأهل الميت أن يصنعوا طعاماً للناس، لقول جرير بن عبد الله البجلي الصحابي الجليل -رضي الله عنه-: "كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت، وصنعة الطعام بعد الدفن من النياحة" رواه الإمام أحمد بسند حسن".
أما صنع الطعام لهم يعني كون غيرهم يصنع الطعام لهم، ولو شاركهم بعض الوافدين عليهم لا بأس، ما لم يكن الطعام من الميت، أو من مال الميت أو من أهله.
"أما صنع الطعام لهم أو لضيوفهم فلا بأس، ويشرع لأقاربه وجيرانه أن يصنعوا لهم الطعام؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لما جاءه الخبر بموت جعفر بن أبي طالب في الشام أمر أهله أن يصنعوا طعاماً لأهل جعفر، وقال: ((إنه أتاهم ما يشغلهم))" وهذه السنة معمول بها، من مات له ميت صنع له الناس من الأقارب والجيران الطعام؛ لأنهم في الحقيقة شغلوا.
يقول: "ولا حرج على أهل الميت أن يدعوا جيرانهم أو غيرهم للأكل من الطعام المهدى إليهم" ليس هذا من مظاهر الولائم، لكنه باعتبار أنه طعام أهدي إليهم فمن باب إكرام الجيران والأقارب؛ ولأنه طعام فيه قدر زائد على الحاجة، فلا بأس.
يقول: "وليس لذلك وقت محدود فيما نعلم من الشرع" يعني ليس له يوم، يومان، ثلاثة، ما له وقت محدود.
"الحادي عشر: لا يجوز للمرأة الإحداد على ميت أكثر من ثلاثة أيام إلا على زوجها، فإنه يجب عليها أن تحد أربعة أشهر وعشراً، إلا أن تكون حاملاً فإلى وضع الحمل، لثبوت السنة الصحيحة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بذلك" فالحامل تخرج من العدة والإحداد بوضع الحمل، سواء كان لحظة يوم أو أقل من يوم، أو تسعة أشهر كاملة، إذا لم تكن حاملاً فبمضي أربعة أشهر وعشر ليال تخرج من الإحداد.
"أما الرجل فلا يجوز له أن يحد على أحد من الأقارب أو غيرهم" المرأة تحد على أبيها على ولدها، ثلاثة أيام فأقل، وأما على الزوج فأربعة أشهر وعشراً.
"الثاني عشر: يشرع للرجال زيارة القبور بين وقت وآخر للدعاء لهم، والترحم عليهم، وتذكر الموت وما بعده" للإحسان إلى الميت، والدعاء له، وللإحسان إلى النفس بالتذكر والاعتبار والاتعاظ، هذه الزيادة المشروعة، لا للتبرك ولا للطواف، ولا لمزاولة عبادة في المقبرة، كل هذا منهي عنه "لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة))" خرجه الإمام مسلم في صحيحه ((كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزورها)) وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: ((السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا -إن شاء الله- بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين)).
"أما النساء فليس لهن زيارة القبور؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لعن زائرات القبور" واللعن يقتضي التحريم، والعلة في ذلك ما يخشى من الفتنة، في زيارة القبور وقلة الصبر، وإذا منعت النساء فالمنع يشمل الكبار والصغار من النساء، نعم الصغيرة ليست مكلفة فلا يتجه إليها نهي، لكن النهي يتجه على وليها، كما يمنع الصبي مما يمنع منه الرجال كلبس الذهب والحرير، الأمر متجه إلى وليه، وكذلك الصبية تمنع من دخول المقبرة لا لأنها مؤاخذة ومعاقبة على دخولها، لكن التكليف متجه إلى وليها "وهكذا لا يجوز لهن اتباع الجنائز إلى المقبرة؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- نهاهن عن ذلك".
"أما الصلاة على الميت في المسجد أو في المصلى فهي مشروعة للرجال والنساء جميعاً" القيراط يحصل للرجل، ويحصل للمرأة، إذا صلت على الجنائز، فالنساء شقائق الرجال، النساء شقائق الرجال، لهن من الأجر في الصلاة على الميت مثلما للرجال، لكن لا يجوز لهن أن يتبعن الجنازة، ولا أن يدخلن المقبرة، ولا يزرن القبور.
الصلاة على الميت في المسجد يكرهه بعض العلماء؛ لأنه يخشى أن يلوث المسجد، لكن ثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى على ابني بيضاء في المسجد، وأبو بكر صُلي عليه في المسجد، عمر صُلي عليه في المسجد، وهكذا..، فلا وجه لمنع الصلاة على الميت في المسجد، نعم أكثر ما تكون الصلوات في مصلى الجنائز، الجنائز لهن مصلى خاص، والصلاة في المسجد جائزة، لا إشكال فيها.
أما تخصيص يوم الجمعة فليس فيه إلا خبر ضعيف ((من زار أبويه يوم الجمعة كتب براً)) وهذا ضعيف، لكن من خصص يوم الجمعة لأنه تكثر فيه الجنائز ليشارك في الدفن مثلاً، فلا بأس، هذا مقصد صحيح، أما تخصيصه لأنه يوم الجمعة فلا، فيوم الجمعة لا يخص لا بصيام ولا بقيام ولا بغيره.
أما توزيع الماء إن كانت الحاجة قائمة إليه، الناس يعطشون، وقت حار، فأحسن إليهم أحد بتوزيع الماء على أن لا يكون عادة مطردة يعرف هذا به لا بأس؛ لأن هذه حاجة قائمة.
طالب:......
المحرم ويش فيه؟
طالب:......
لا يخمر رأسه إذا كان رجل، لا يخمر رأسه.
طالب:......
لأنه يبعث يوم القيامة ملبياً، كما جاء في الحديث الصحيح في الرجل الذي وقصته دآبته، ((كفنوه في ثوبيه، ولا تخمروا رأسه)) وفي رواية: ((ولا وجهه)) لأنه يبعث يوم القيامة ملبياً.
طالب:......
كيف؟
طالب:......
هو يبعث ملبيًّا، يبعث في هيئة الملبي، أما كون الناس يبعثون كلهم عراة، وأول من يكسى يوم القيامة إبراهيم فهذا لا إشكال فيه، الشهيد أيضاً يدفن في ثيابه التي قتل فيها، ومع ذلك يبعث عاريًا.
طالب:......
الخارج الفاحش النجس كالدم مثلاً، نعم؟
طالب:......
القيء نجس عند جماهير أهل العلم، والدم كذلك، ونقل عليه الإجماع، وبعضهم يرى أنه طاهر لعدم الدليل على نجاسته، وأن عمر -رضي الله عنه- صلى وجرحه يثعب وما أشبه ذلك، لكن أجابوا عن ذلك بأنه صلى وجرحه يجري، دمه من باب الضرورة كالمستحاضة، كمن حدثه دائم، لا يستطيع أن يسده، ما هناك شيء تخاط به الجروح، وما أشبهه في وقتهم، أما دم الحيض فهو نجس اتفاقاً، هم يقولون: لا فرق بين دم الحيض وغيره، نعم؟
طالب:......
الحجامة إذا خرج من البدن دم كثير فهو نجس.
طالب:......
على القول بأن خروج الفاحش النجس من البدن، وعلى القول بنجاسته فإنه ينقض الوضوء، لا فرق، نعم.
طالب:......
لا، الشرك بالله أعظم، وإن كان ختمت الآية {وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [(33) سورة الأعراف] والآية فيها التدرج، لكن حمل هذا على القول على الله بغير علم، بإثبات الولد له، وهو نوع من الكفر، نسأل الله العافية.
طالب:......
ويش غيرهن؟ يعني المضمضة والاستنشاق؟ نعم، نقول: واردة في الآية {فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ} [(6) سورة المائدة] منه الفم والأنف، إضافة إلى ما جاء في النصوص الأخرى من الأحاديث.
طالب:......
ألبان الإبل لا شيء فيها، ما فيها شيء، الكلام على اللحم، جاء في الترمذي: ((توضئوا من اللبن، فإن له دسماً)) المقصود به المضمضة، دسم تمضمض منه.
طالب:......
نعم صحيح، ينصح أخاه في الحياء، قال: ((دعه فإن الحياء لا يأتي إلا بخير)).
طالب:......
كيف؟
طالب:......
هو يستحي، يستحي يقابل الناس، يستحي كذا، يقول له: لا تستحِ يا أخي، لا تستحِ، الحياء لا يأتي إلا بخير، يقول: (دعه).
طالب:......
كيفية التوبة؟ لا بد أن تتوافر شروط التوبة، الإقلاع والندم، والعزم على ألا يعود، وإن كان تضمنت المعصية حق لآدمي لا بد من رده، وأن تكون في زمن الإمكان قبل الغرغرة، وقبل طلوع الشمس من مغربها، وأن يخلص في ذلك لله -سبحانه وتعالى-، إذا توافرت هذه الأمور صحت التوبة -إن شاء الله تعالى-، وصارت نصوح.
والحمد لله وحده، والصلاة والسلام على نبيه محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
وبهذا نكون قد أنهينا توضيح هذا الكتاب المختصر النافع المفيد، فرحمة الله على مؤلفه، رحمه الله رحمة واسعة، وجمعنا به في رحمته ومستقر جنته.
"هذا آخر ما تيسر جمعه" يقوله رحمه الله، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.