التعليق على تفسير سورة ق من تفسير الجلالين (01)

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

ففي هذا المكان الطيب المبارك من بيوت الله -جل وعلا- نتذاكر معاً تفسير سورة من أعظم السور، طالما كررها النبي -عليه الصلاة والسلام- ورددها على صحابته من خلال منبر الجمعة، وفي هذا تقول الصحابية الجليلة أم هشام: "ما حفظت ق والقرآن المجيد إلا من فيِّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأها على المنبر كل جمعة" فلعظمها وعظم ما اشتملت عليه من مسائل المبدأ والمعاد والبعث والنشور والحساب والجزاء فهي سورة وعظ وتذكير بما لله -جل وعلا- على عباده، ولذا ختمها الله -جل وعلا- بقوله: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} [(45) سورة ق] وابن القيم -رحمه الله تعالى- رسم منهجاً لتدبر القرآن، والإفادة من معانيه وحكمه وعبره، افتتح كتابه الفوائد بهذه الفائدة العظيمة وهي الإفادة من كتاب الله -جل وعلا-، ولا يكون ذلك إلا بقراءته على الوجه المأمور به، وانطلق في كلامه كله وجعل محور كلامه ينطلق من هذه السورة العظيمة، ولعلنا في ختام السورة غداً -إن شاء الله تعالى- نجمع أطراف كلامه -رحمه الله- لأن أكثر كلام ابن القيم منصب على أواخر السورة، ونظراً لطول السورة وكثرة مطالبها، وعظم فوائدها فإننا لن نستطيع أن نأتي بكل ما نريد، وما يتوقعه طالب العلم في مثل هذه الدروس المختصرة، قليلة في وقتها، لكن نسأل الله -جل وعلا- أن يعننا على إبداء الأهم من هذه المطالب.

هذه السورة أعني سورة (ق) هي بداية المفصل عند أكثر العلماء، وإن كان منهم من يرى أن بداية المفصل الحجرات، ولا وجه لمن قال: إن المفصل يبدأ من الجزء الأخير من عم يتساءلون، هذا قول شاذ لم يقل به أحد ممن يعتد بقوله، كما ذكر ذلك الحافظ ابن كثير، إنما الأكثر على أنه يبدأ من (ق)، ومنهم من يقول: إنه من الحجرات، وعلى كل حال إذا نظرنا إلى تحزيب القرآن عند الصحابة كما في سنن أبي داود، كانوا يحزبون القرآن إلى سبعة أحزاب، سبعة أسباع، على عدد أيام الأسبوع، امتثالاً لقوله -عليه الصلاة والسلام- لعبد الله بن عمرو: ((اقرأ القرآن في سبع)) فإذا اعتمد طالب العلم هذه الطريقة وقرأ القرآن في سبع امتثالاً لهذه الوصية المباركة التي وجد أثرها على ملتزمها من غير أن تعوقه عن أي عمل ينفعه في دينه أو دنياه، هذا التحزيب تقسيم، تقسيم القرآن إلى سبعة أحزاب يدل على أن المفصل يبدأ من (ق) كيف ذلكم؟ يقول الصحابي: كانوا يقرءون في اليوم الأول ثلاث، يعني ثلاث سور، وفي الثاني خمس، وفي الثالث سبع، وفي الرابع تسع، وفي الخامس إحدى عشرة وفي السادس ثلاثة عشرة، وفي السابع المفصل، فإذا قرأ في الستة الأيام ثمان وأربعين سورة وقف على (ق) فإذا اعتبرنا الثلاث في اليوم الأول: البقرة وآل عمران والنساء، ثم الخمس التي تليها إلى آخر براءة، ثم من يونس إلى الإسراء سورة بني إسرائيل في اليوم الثالث، ثم الرابع من الإسراء إلى آخر الفرقان، والخامس من الشعراء إلى الصافات، ثم من الصافات إلى (ق) هذا ثلاث، ثم خمس، ثم سبع، ثم تسع.. إلى آخره، الذي يقول: إن أول المفصل يبدأ من الحجرات يعتمد هذا التقسيم لكنه يدخل الفاتحة في الثلاث، فإذا أدخلنا الفاتحة وقف التقسيم في اليوم السابع على الحجرات، وهذا بيناه بياناً شافياً -إن شاء الله تعالى- في أول تفسير سورة الحجرات، وهي موجودة ومتداولة في شريطين، لا نحتاج إلى شيء من البسط في هذه المسألة بعد أن ذكرناها هناك.

هذه السورة ننبه على أننا نعتمد في تفسيرنا غالباً على تفسير الجلالين، وذلكم لأنه متن متين متقن محرر، يمكن أن يربى عليه طالب علم في التفسير، إلا أنه في مسائل الاعتقاد له مخالفات في التأويل في الصفات وغيرها ينبه عليها، والسبب في ذلك أن الاعتماد على هذا التفسير أولاً: لأنه تفسير متين، كالمتن، يمكن أن يربى عليه طالب علم، بخلاف تربية طلاب العلم على كتب المعاصرين ومختصرات المعاصرين؛ لأن مختصرات المعاصرين مناسبة لطلاب الوقت، لكنهم يقرءونها بأنفسهم ما يحتاجون إلى أن تشرح في دروس أو دورات، فطالب العلم يربى على المتون المتينة، كون الإنسان يعتمد كتاباً ينطلق منه ويشرح، هذا لا سيما بالنسبة لي أنا أفضل من كونه يفسر تفسيراً مرسلاً لا يرجع فيه إلى كتاب معين، وذلكم لأن الاستطرادات قد تذهب بالشارح يميناً وشمالاً تنسيه المقصود، تنسيه المقصود، فكون الإنسان له قاعدة ينطلق منها كهذا التفسير يكون أضبط لتفسيره، ولا يبعد عن المقصود بحيث ينسى أهم المهمات ويستطرد في أمور قد يظنها بعض طلاب العلم أن فائدتها أقل، وإن كان كثير من طلاب العلم يفرح بهذه الاستطرادات ويأنس بها، ويطلب المزيد منها؛ لأن هذه الاستطرادات ما جاءت من فراغ، أو من..، إنما جاءت من كلام أهل العلم، وقد لا توجد في الكتب التي خصصت لتفسير هذه السورة مثلاً، إنما جمعت من قراءات متفرقة، لكن نظراً لضيق الوقت، يعني الدورة كلها لا تزيد يعني عن ثلاث ساعات أربع ساعات ما تحتمل هذا البسط وهذا التفصيل.

على كل حال نعتمد تفسير الجلالين ونقرأ فيه، ونعلق عليه بما تيسير، ونرجو أن يكون في ذلك فائدة للإخوان.

يقول -رحمه الله تعالى-...

أولاً: هذا التفسير مؤلف من شيخين جليلين، ولا يعني هذا أن هذه تزكية أو تبرئة لهذين الشيخين من كل وجه، لا، لكن دلالة الكتاب على محلهما من العلم والدقة تدعو إلى هذا، وإلا فعندهم شيء من التأويل، تأويل الصفات، وهما يجريان في الغالب على مذهب الأشعرية التي هي عقيدة زمنهما ومكانهما، الكتاب ألف من قبل جلال الدين المحلي من سورة الكهف إلى آخر القرآن ثم رجع إلى أوله ففسر الفاتحة وانتهى تفسيره عند هذا، وأكمله الجلال السيوطي من البقرة إلى آخر الإسراء، بنفس الطريقة ونفس النفس، أكمله في أربعين يوماً السيوطي.

وبينهما بين الرجلين من المناقضات العجيبة ما يثير الدهشة، السيوطي معروف بالحفظ، ويذكر عن نفسه أنه حفظ مائتي ألف حديث، ولو وجد غير هذه العدة لحفظه، معروف بالحفظ، وكثرة التصانيف، والمحلي على العكس، الحافظة عنده ضعيفة جداً، حتى أنه حاول جاهداً أن يحفظ ورقة من التنبيه، التنبيه لأبي إسحاق الشيرازي من كتب الشافعية المعتمدة عندهم، يقول: فارتفعت حرارته وظهر فيه من أثرها بثور وحبوب، عجز يحفظ هذه الورقة، والآخر يحفظ مائتي ألف حديث، وهذا يجعل طالب العلم لا ييأس؛ لأن بعض طلاب العلم يكون عنده ضعف في الحافظة، وقد يكون الضعف شديداً، ثم يقول: ما دام ما أحفظ شيء ليش أتعب نفسي؟ قد تنال الإمامة وأنت حافظتك ضعيفة، نعم العلم الشرعي علم الوحيين مبني على الحفظ، لكن لا تيأس، اسلك الطريق ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة)) وذكرنا في مناسبات كثيرة كيفية التحصيل لضعيف الحافظة، بعض الناس يقول: أنا أقرأ تفسير ابن كثير مرتين وثلاث لو تسألني عن شيء ما أجبتك، نقول: أنت عندك ضعف في الحافظة، وقد يكون فهمك قوياً، وهذا كثير أن من عندهم ضعف في الحافظة تجد الله -جل وعلا- يعوضه بالفهم، وهكذا كان الجلال المحلي، قالوا: إن فهمه يثقب الفلواذ، قوي الفهم، نقول: طالب العلم هذا الذي عنده ضعف في الحافظة له ما يعينه على تثبيت العلم، تقول: عجزت أن أستوعب تفسير ابن كثير نقول: خذ القلم والورق واختصر تفسير ابن كثير، إذا انتهيت من الاختصار يكون عندك من الإحاطة والعلم بتفسير ابن كثير ما لا يدركه كثير من الحفاظ؛ لأن العلم بالمعاناة يثبت، وهذه طريقة مجربة، اختصار الكتب من أنفع وسائل التحصيل، ولا يعني هذا أنك تختصر هذا الكتاب لتنشره تبيعه على الناس، لا، أول من يستفيد منه أنت، ثم بعد ذلك إذا رأيت أن الناس بحاجة إليه لا مانع.

وقد يقول قائل: إنك ذكرت في مناسبات كثيرة أن الاعتماد على المختصرات مضر بطالب العلم، نقول: نعم كذلك فهل في هذا تناقض؟ لا، ليس فيه تناقض، كونك تعتمد على مختصرات غيرك هذا مضر بتحصيلك، كونك تختصر أنت هذا معين لك على التحصيل، كيف؟ اعتمادك على مختصرات غيرك يجعلك تكتفي بما ذكر، ولعل فيما حذف المختصر أهم مما ذكر بالنسبة إليك، لكن إذا اختصرت أنت كان علمك بما حذفت كعلمك بما أثبت، وهذا بسطناه في مناسبات كثيرة، يعني لنا أشرطة في هذا الموضوع يعني يمكن وصلتكم في هذه المنطقة، فلا نحتاج إلى الإفاضة بمثل هذا، وهذا أيضاً مثال لما ذكرته أولاً من أن عدم الاعتماد على الكتاب يجعل الإنسان يستطرد ويسترسل وينسى الموضوع، والله المستعان.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"سورة (ق) يقول: "مكية" مكية يعني: أنها نزلت بمكة، وعلى التعبير الأدق عند أهل العلم: أن المكي ما نزل قبل الهجرة، ما نزل قبل الهجرة ولو كان خارج مكة، والمدني ما نزل بعد الهجرة ولو نزل بمكة، في عام الفتح وحجة الوداع، ومنهم من يقول: المكي ما نزل بمكة، والمدني ما نزل بالمدينة، لكن هذا يرد عليه أن ما نزل خارج مكة والمدينة ماذا يسمى؟ نعم من القرآن السفري والحضري، لكن ضبط هذه الأمور ما يمكن أن يتم بهذه الطريقة؛ لأن الفائدة من معرفة المكي والمدني معرفة المتقدم من المتأخر؛ ليعرف الناسخ من المنسوخ، فإذا قلنا: إن ما نزل قبل الهجرة وما نزل بعدها مدني عرفنا المتقدم من المتأخر، يعني ولو نزل عام الفتح بمكة شيء قلنا: مدني، ولو نزل في حجة الوداع آيات: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [(3) سورة المائدة] هذه الآية مدنية ولو نزلت في الموقف بمكة، ليتحرر التقسيم وينضبط وتترتب عليه فائدته وهي معرفة الناسخ والمنسوخ، فالقول المعتمد عند أهل العلم: أن المكي ما نزل قبل الهجرة والمدني ما نزل بعد الهجرة.

"مكية إلا: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ} [(38) سورة ق] هذه الآية مدنية، هذه الآية مدنية، وأما بقية السورة مكية، يعني آية مدنية تدخل بين آيات مكية؟! هذا يدل على أن الترتيب، ترتيب الآيات توقيفي، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- إذا نزلت الآية قال: ((اكتبوها في موضع كذا)) كهذه الآية، ووضعت بين آيات مكية، هذه الآية المدنية وضعت بين آيات مكية، وهذا يدلنا دلالة واضحة قطعية على أن ترتيب الآيات توقيفي من النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولذا لا يجوز التقديم والتأخير فيها، لا يجوز التقديم والتأخير في ترتيب هذه الآيات لمخالفته لهذا الأمر التوقيفي، ولمخالفته ما أجمع عليه الصحابة -رضوان الله عليهم- في كتابة المصحف في عهد عثمان -رضي الله عنه وأرضاه-.

ترتيب السور يختلفون فيه، والأكثر على أنه أيضاً توقيفي، لا سيما وقد أجمع عليه الصحابة حينما كتب عثمان المصاحف وأرسلها إلى الأمصار على هذه الكيفية وعلى هذا الترتيب، ولذا يخطئ من قدم وأخر ورتب السور على حسب النزول، هذا مخطئ، يوجد أكثر من تفسير على هذه الطريقة، ترتيب السور على النزول، (التفسير الحديث) لمحمد عزة دروزة، هذا رتبه على السور، بدأ بـ(اقرأ) وانتهى بـ(الكوثر) هل هذا الكلام مقبول؟ هل هذا الصنيع معقول؟ أبداً، أولاً: يخالف ما أجمع عليه الصحابة، ولا شك أن هذه هفوة وزلة عظيمة، هناك أيضاً تفسير اسمه: (البيان) لسوري يقال له: عبد العزيز ملا حويش، مطبوع في سبعة مجلدات، والأول في اثني عشر جزءاً، كلها رتبت على التنزيل، لكن إذا أمكن ترتيب السور على التنزيل كيف يمكن ترتيب الآيات؟ يعني إذا وضعت (ق) في السور المدنية في أوائل الترتيب، كيف تضع هذه الآية وهي مدنية؟ أو تخرج هذه الآية من هذه السورة المكية ليتسنى لك الترتيب هذا لا يمكن، دون هذا خرط القتاد، فمع أنه مخالفة صريحة واضحة لما أجمع عليه الصحابة إلا أنه لا يمكن تطبيقه، لا يمكن تطبيقه؛ لأنه إذا أمكن في السور لا يمكن في الآيات، فيبقى المصحف كما رتبه الصحابة -رضوان الله عليهم-، وكما أجمعوا عليه فلا يجوز التعرض له بتقديم ولا تأخير لا سيما والقرآن محفوظ مصون، لا يجوز..، {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [(9) سورة الحجر] نعم وجد مثل هذه التصرفات، وهي ليس فيها زيادة ولا نقصان في القرآن، لكنها إعادة لترتيب القرآن، مخالفة لما أجمع عليه الصحابة -رضوان الله عليهم-، ودرجت عليه الأمة وتلقوه جيلاً عن جيل، حتى تواتر تواتراً قطعياً على هذا الترتيب، وعلى هذا النمط، فلا شك أن هذا الترتيب الجديد غير ترتيب الصحابة زلة وهفوة عظيمة، وحينما ينبه على مثل هذا يذكر طلاب العلم بأن مثل هذين التفسيرين وقد يوجد غيرهما مما لم يطلع عليه، لكن هذا لا يجوز بحال.

هناك نوع من التفسير فيه شيء من الترف ولا يليق بعظمة كتاب الله -جل وعلا-، وهذا سلكه بعضهم بتفسير القرآن بالحروف المهملة، يعني ما في ولا حرف منقوط، هل هذا مقصد وهذه غاية؟ أبداً والله، إنما يظهر فيه في كثير من مواضعه التعسف، تحتاج إلى تفسير آية فتأتي إلى..، تأتي بكلمات لا نقط فيها ولا إعجام، فتضطر إلى كلمات غريبة، أو كلمات وحشية أيضاً، وأسلوب قد يكون ركيكاً، وهذا لا يعرف عند أئمة الإسلام ولا سلفهم، سلف الأمة، أيضاً بعض المفسرين، أو كثير من المفسرين شان تفسيره بما حشاه فيه من البدع المغلظة أحياناً والمخففة والمتوسطة، وهذا كثير في التفاسير، فليحذر طالب العلم من هذه التفاسير المملوءة بالبدع، تفسير الزمخشري، تفسير الرازي، تفسير ابن عربي، تفسير المهايمي، تفاسير كثيرة، تفاسير للمعتزلة، تفاسير للأشعرية، تفاسير للخوارج، هذا موجود، كلها موجودة، وتفاسير للصوفية، تفاسير إشارية، باطنية، كل هذه تفاسير يتقيها طالب العلم، وعليه بتفاسير أهل العلم الموثوقين؛ لأن معاناة كتاب الله -جل وعلا- عبادة، والعبادة يرجى ثوابها من الله -جل وعلا- فكيف نرجو ونطلب ما عند الله بسخطه؟ هذا لا يمكن، بعض المعاصرين حشا تفسيره بنظريات عصرية وعلوم بعيدة كل البعد عن مراد الله -جل وعلا- في كلامه، وهناك تفاسير مملوءة بالصور، صور ذوات الأرواح، وهي أشبه إلى كتب العلوم من الكيمياء والفيزياء وغيرها من أن تكون بياناً وشرحاً لكتاب الله -جل وعلا-، إذا كان التفسير بالرأي جاء ذمه والتشديد فيه، فدخول مثل هذه التفاسير في هذا المذموم دخولاً أولياً.

يقول: "مكية إلا: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [(38) سورة ق].. الآية فمدنية، خمس وأربعون آية" خمس وأربعون آية.

بسم الله الرحمن الرحيم.

البسملة يختلف أهل العلم في كونها آية من السورة يعني من جميع السور، أو آية من الفاتحة فقط؟ أو آية واحدة في القرآن كله نزلت للفصل بين السور، بعد إجماعهم على أنها بعض آية في سورة النمل في أثنائها هذا محل إجماع, وعلى أنها ليست بآية في أول براءة، والخلاف فيما عدا ذلك، هل هي آية من الفاتحة؟ من أهل العلم من يقول: إنها آية من الفاتحة، ويوجبون قراءتها في الصلاة، ويجهرون بها فيما تجهر فيه الفاتحة، والمرجح أنها ليست بآية من أي سورة من السور إلا أنها نزلت آية واحدة نزلت للفصل بين السور، وحديث: ((قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين)) صريح في أن البسملة ليست من الفاتحة، يعني ((فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم قال: أثنى علي عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدين، قال: مجدني عبدي، ثم إذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين، قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل)) ثم ذكر الآيات الثلاث بعدها، فهي سبع آيات، وهذا الموضوع ذكرناه في تفسير الفاتحة وأطلنا فيه وذكرنا الأقوال في عدد آي الفاتحة، وعامة أهل العلم على أنها سبع، وإن قال بعضهم: إنها ثمان، وشذ بعضهم فقال: ست، لكن ليس هذا محل البسط.

بسم الله الرحمن الرحيم

لا نحتاج إلى إعادة تفسير البسملة أو إعراب البسملة هذا نكتفي بما ذكرناه في تفسير الفاتحة.

يقول -رحمه الله تعالى- في قوله -جل وعلا-: {ق..} [(1) سورة ق] يقول: "الله أعلم بمراده به" الله أعلم بمراده به، وسلك المفسران الجلالان في تفسيرهما هذا المختصر هذه الجملة: "الله أعلم بمراده به" في جميع السور المفتتحة بالحروف المقطعة، فخرجوا من خلاف طويل بسطه أهل العلم في المطولات، فنأتي إلى (ق) (ق) يقول المؤلف: "الله أعلم بمراده به".

منهم من يقول ويري في ذلك خبراً مطولاً: أن (ق) جبل محيط بالأرض، محيط بالأرض من ياقوت، وبالغوا في صفته وعظمته، وذكروا أشياء لا يقبلها عقل، ولم يرد بها نقل، حتى قال الحافظ ابن كثير: إنه من وضع زنادقة أهل الكتاب، من وضع زنادقة أهل الكتاب، وتتابع المفسرون على ذكره اعتماداً على قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج)) ((حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج)) وهذا في الصحيح، وفي رواية البزار: ((فإن فيهم الأعاجيب)) بعض الناس مغرم بذكر هذه الإسرائيليات وترديدها بناءً على أن فيها شيء لم يسمعه من قبل، وفي الغالب أن الأشياء التي لا تنفع ينساق وراءها الناس، النفوس ترتاح إليها؛ لأنها في الغالب ليس فيها شيء من التكليف، هي مجرد قصص، فتجد الناس يغرمون بمثل التفاسير المملوءة من الإسرائيليات، وتبعاً لذلك تجد كثير من طلاب العلم يصعب عليه قراءة كتب العلم المتينة مما يخدم الوحيين من التفاسير وشروح الأحاديث، كتب العقائد، كتب الأحكام، هذه صعبة على النفوس؛ لأنها تخالف ما تشتهيه النفوس، لكن تجده يقرأ في كتب الأدب؛ لأن فيها أخبار وسواليف ويقل وقال ويقرأ في كتب التواريخ، القراءة في كتب التواريخ والأدب فيها راحة، فيها استجمام، فيها متعة، فيها عبرة أحياناً، فيها عظة، لكن الاسترسال وراءها بحيث تكون على حساب النصوص وما يخدم النصوص هذا لا يليق بطالب العلم، أيضاً الانسياق وراء هذه القصص التي جاء الإذن بقراءتها ((حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج)) هذا إذن مطلق لكنه ينبغي أن يكون مقيداً بما لم يرد شرعنا بخلافه، فإذا ورد شرعنا بخلافه فإنه لا يجوز أن يحدث به، ولا يعتمد عليه، وإنما يذكر لبيان مخالفته.

تجد بعض طلاب العلم مغرم بكتب الرحلات؛ لأنها سواليف، تسهل على النفس قراءتها وتلقيها والتحدث بها سهل، تجده إذا كان مدعو إلى جلسة وإلا شيء، نظر في بعض هذه الكتب ليتحدث به في المجلس، أو يكون ديدنه ذلك، بعضهم مغرم بقراءة الذكريات، وهذه الرحلات والذكريات أغلى ما يباع في الأسواق على الإطلاق الآن، أغلى من كتب التفسير وشروح الحديث والعقائد والفقه والعلوم النافعة؛ لأن الناس اتجهوا إليها، تجد هذه الإسرائيليات التي منها أن (ق) جبل محيط بالأرض وصفته كذا وكذا، المقصود أنهم هولوا من شأنه بشيء لا يقبله عقل، لا يمكن أن يدخل في عقل، ولم يرد به نقل، بل وردت النقول بخلافه، حشيت كتب التفاسير بمثل هذه الإسرائيليات، حتى أن واحد من طلاب العلم، ممن ينتسب إلى طلب العلم عتب على من اختصروا تفسير ابن كثير وجردوه عن ذكر هذه الإسرائيليات، مع أن الإمام الحافظ ابن كثير ناقد، إذا أورد هذه الأخبار ينقدها ولا يسكت عليها، وهو الذي قال في هذا الجبل إنه من وضع زنادقة أهل الكتاب، فلا يلام من ذكرها للنقد.

القرطبي في تفسيره الجامع ذكر في مقدمة كتابه أنه لا يذكر الأخبار الإسرائيلية، ويكتفي بذكر الأحكام ومعاني الآيات من حيث اللغة والمنقول، ويفيض في الأحكام، لكنه مع ذلك ذكر من الأخبار الإسرائيلية؛ لأن بعض الأمور تفرض نفسها، إذا كانت جميع المراجع التي بين يديه فيها ذكر هذه الإسرائيليات، قد ينساق الإنسان وراءها من حيث يشعر أو لا يشعر، وعلى كل حال تفسير القرطبي من أنظف الكتب بالنسبة للإسرائيليات، وإن وجدت فيه، تفسير الخازن الذي صار ديدناً لكثير من طلاب العلم في بعض الأقطار، الرجل صوفي، ومغرم بالإسرائيليات، وهو في الأصل مختصر من تفسير البغوي، لكنه أفاض في ذكر هذه الإسرائيليات، فصار الناس يتتبعونه تبعاً لهذه الإسرائيليات التي تروح عن قلوبهم على حسب ما يزعمون.

منهم من يقول: إن (ق) اسم السورة، وأنتم ترون أنها وضعت في المصحف: (سورة ق) كونها اسم للسورة ما في أدنى إشكال باعتبار أن السورة قد تسمى بجزء منها، كما قيل: سورة البقرة مثلاً، وقد يكون للسورة الواحدة أكثر من اسم كما هو معروف، فمثل هذا أمره سهل، منهم من يقول: إن (ق) افتتاح الأسماء الحسنى المفتتحة بالقاف قدير، قاهر، قهار، قابض، منهم من يقول هذا، وهذا موجود في كتب التفسير، لكن الاقتصار على حرف وحذف الباقي مع عدم وجود ما يدل عليه، هذا فهي ما فيه، لا يوجد ما يسنده من لغة العرب، ولم يرد به أثر، وإن نسب إلى بعض الصحابة، منهم من يقول: إن (ق) معناها: قضي الأمر، وهذا مثل سابقه، يعني لو قلنا: (ق) أول الاسم القدير لله -جل وعلا-، أو القاهر، أو القهار، يعني لا يوجد ما يدل على أن (ق) معناها قضي الأمر، لا يوجد ما يدل عليها، والحذف لا يسوغ إلا مع وجود ما يدل عليه، هم يقولون: يوجد الحذف في لغة العرب:

قلت لها: قفي فقالت: قاف

 

...................................

يعني وقفت، قالت: وقفت، هذا الحذف يوجد ما يدل عليه من قوله: قفي، فقولها: قاف يعني وقفت لوجود ما يدل عليه، لكن عندنا في قضي الأمر من (ق) هل يستطيع إنسان مهما بلغ من الذكاء والنبوغ أن يعرف أن (ق) معناها قضي الأمر من هذا الحرف فقط؟ ما يمكن مستحيل، ما في ما يدل عليه.

أقوال أهل العلم في الحروف المقطعة كثيرة مثل (ق)، مثل (ص)، مثل (ن)، مثل: (آلم)، (ألمر)، (طس)، (طسم)، (كهيعص)، (حم)، (عسق)، هذه حروف مقطعة، من أهل العلم من يرى أنها إنما أنزلت لتحدي من نزل عليهم القرآن، وتعجيزهم، ولذلك في الغالب يذكر بعد هذه الحروف القرآن؛ للدلالة على أن القرآن مركب من هذه الحروف، وأنتم تعرفونها وتحفظونها، الحروف حروف المعجم يوجد من لا يحفظ حروف المعجم؟ الحروف المقطعة من ألف إلى الياء، يوجد طفل ما يحفظها؟ إلا شخص غير مميز، يعني من سن التمييز تحفظ هذه الحروف، والعرب يعرفونها، سواءً كانت على حروف ترتيبها على التهجي ألف باء تاء ثاء.. إلى آخره، أو على الأبجد، على كل حال هي معروفة ويستخدمها العرب في التاريخ، يعني أمر معروف عندهم، فإذا كان القرآن مركب من حروف تعرفونها كالقاف مثلاً أو الصاد أو الألف أو اللام، أو الميم، أو ما أشبه ذلك، فأتونا بمثله وأنتم أهل الفصاحة والبيان، والله -جل وعلا- تحدى العرب أن يأتوا بمثله، وتحداهم أن يأتوا بعشر سور، وتحداهم أن يأتوا بسورة، لكن هل تحداهم أن يأتوا بآية؟ نعم؟ تحداهم أن يأتوا بآية؟ لا، سورة، نعم آية بقدر سورة، بقدر أقصر السور لا يمكن أن يأتوا بها، لكن آية وجدت في القرآن العربي لا يعجز أن يقول: {ثُمَّ نَظَرَ} [(21) سورة المدثر] هل يعجز العربي أن يقول: {ثُمَّ نَظَرَ} [(21) سورة المدثر]؟ هذه آية، ما حصل التحدي بآية، لكن آية أطول من هذه يتحدى بها، بقدر سورة الكوثر يمكن أن يتحدى به، أيضاً: {ثُمَّ نَظَرَ} [(21) سورة المدثر] و{مُدْهَامَّتَانِ} [(64) سورة الرحمن] وهما آيتان في سياقهما لا يمكن أن يؤتى بمثل هذه الدقة، في هذا المقام، فهو معجز من هذه الحيثية، لكن التحدي بالآية بمفردها ما حصل.

{وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [(1) سورة ق] الواو معروف أنها واو القسم، و(ق) الوقوف عليها بالسكون، هذا عامة القراء عليه، ومنهم من يقول: تنطق مكسورة (قِ والقرآن) لأن الكسر يقوم مقام السكون، نعم يقوم مقام السكون متى؟ إذا وليه ساكن، لكن الذي ولي (ق) ساكن وإلا متحرك؟ {يَرْفَعِ اللَّهُ} [(11) سورة المجادلة] الأصل ساكن، لكن حرك بالكسر لالتقاء الساكنين، وهنا في التقاء ساكنين؟ لا، ليس في التقاء ساكنين، فلا مبرر للكسر.

ومنهم من يقول: إن (ق) كلمة والأصل في الكلمة إذا تصدرت الكلام تكون مرفوعة فيقول: (قُ والقرآن) ومنهم من يقول: أخف الحركات الفتحة فتفتح، وعلى كل حال عامة القراء على أنها ساكنة.

{وَالْقُرْآنِ} [(1) سورة ق] الواو واو القسم، وحروف القسم الثلاثة معروفة الواو والباء والتاء، القرآن: والمراد به المقروء المنزل من عند الله -جل وعلا- المتلو المكتوب المسموع، هو كلام الله -جل وعلا- تكلم به وسمعه منه جبريل، ونزل به على محمد -عليه الصلاة والسلام- منه بدأ وإليه يعود، فهو منزل غير مخلوق كما تقول المعتزلة، ومن يضاهيهم ويشابه قولهم من وجه كالأشعرية والماتريدية.

{وَالْقُرْآنِ} [(1) سورة ق] مجرور؛ لأن حروف القسم من حروف الجر، حروف القسم من حروف الجر، القرآن: مقسم به مجرور، وجواب القسم؛ لأنه يقول هنا: {وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [(1) سورة ق] ما آمن كفار مكة بمحمد بل عجبوا" كأنه يرى أن جواب القسم محذوف تقديره: ما آمن كفار مكة بمحمد -صلى الله عليه وسلم- بل عجبوا" ومنهم من يقول: الجواب: {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ} [(4) سورة ق] وحذفت اللام الواقعة في جواب القسم لطول الكلام، لوجود الفاصل بين المقسم به وجوابه، ومنهم من يقول: إن جواب القسم: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى} [(37) سورة ق] وقيل: الجواب: {مَا يَلْفِظُ} [(18) سورة ق] وقيل: جوابه: {بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءهُمْ مُنذِرٌ مِّنْهُمْ} [(2) سورة ق] لكن هذا الإضراب يقتضي أن يتقدمه كلام يضرب عنه، وهو ما قدره المفسر الجلال: "ما آمن كفار مكة بل عجبوا"، فقولهم في جوابه: بل عجبوا لا بد من التقدير الذي ذكره المؤلف.

يقول الأخفش: جوابه محذوف، الأخفش معروف أن الأخافش من النحاة من اللغويين بضعة عشر، لكن أشهرهم إذا أطلق الأوسط، سعيد بن مسعدة المجاشعي، هذا الأخفش الأوسط هو أشهرهم بحيث ينصرف إليه اللقب عند الإطلاق.

يقول الأخفش: جوابه محذوف تقديره لتبعثن، {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [(1) سورة ق] لتبعثن، يدل عليه قوله: {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ} [(3) سورة ق] الحافظ ابن كثير -رحمه الله- يقول: جواب القسم مضمون الكلام الآتي كله، مضمون الكلام الآتي من إثبات النبوة والمعاد وما يتبع ذلك، هذا كلام الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى-.

{الْمَجِيدِ} [(1) سورة ق] يقول المفسر: "الكريم" والمراد به الرفيع القدر، الكريم كما قال المفسر أو الرفيع القدر، وقيل: الكبير، وقيل: الكثير، المقصود أن المجد صفة لهذا القرآن الكريم، كما أنها صفة للمتكلم به، وهو الله -جل وعلا-، وصفة للعامل به، فهي من الصفات المشتركة اسم من أسماء الله، وصفة لبعض خلقه ممن اعتنى بهذا الكتاب لا شك أنه يعظم قدره ويرتفع شأنه، وقد جاء في الحديث الصحيح: ((إن الله يرفع بهذا القرآن أقواماً، ويضع به آخرين)) فالمجد منزلة مرتفعة ينالها من كانت له عناية بهذا القرآن المجيد.

{بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءهُمْ مُنذِرٌ مِّنْهُمْ} [(2) سورة ق] "رسول من أنفسهم يخوفهم بالنار بعد البعث"، {بَلْ عَجِبُوا} [(2) سورة ق] الضمير يعود إلى الكفار، ولم يجر لهم ذكر، لكن قد يحذف الشيء لعدم وجود اللبس {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} [(32) سورة ص] ما هي التي توارت بالحجاب؟ الشمس أحد يشك في هذا؟ أحد يختلف في هذا؟ فلا يحتاج إلى وجود ما يدل عليه، {بَلْ عَجِبُوا} [(2) سورة ق] من الذي يعجب من مجيء النبي -عليه الصلاة والسلام- وكونه منهم؟ هل المؤمن يعجب؟ إنما الذي يعجب من ذلك هو الكافر، بدليل ما يتلوه من الكلام {بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءهُمْ مُنذِرٌ مِّنْهُمْ} [(2) سورة ق] "رسول من أنفسهم يخوفهم بالنار بعد البعث" {فَقَالَ الْكَافِرُونَ} [(2) سورة ق] لماذا أعيد لفظ الكفار ما اكتفى بالضمير بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقالوا: هذا شيء عجيب؟ لماذا أعيد الكفار باللفظ مع أنهم ذكروا بالضمير؟ فالأولى أن يذكروا هنا بالضمير أو يصرح بهم في الموضع الأول بل عجب الكفار أن جاءهم منذر منهم فقالوا: هذا شيء عجيب، الآن العكس الموضع الأول بالضمير والثاني بالتصريح، ذكروا ولم يقل فقالوا، تقبيحاً لحالهم، تقبيحاً لحالهم، ووصفهم بالكفر، ووصفهم بالكفر.

ومنهم من يقول: {بَلْ عَجِبُوا} [(2) سورة ق] يعود إلى الجميع، إلى جميع من أرسل إليهم النبي -عليه الصلاة والسلام-، من آمن ومن لم يؤمن، ثم بعد ذلك ميز الكفار بقولهم: {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا} [(3) سورة ق] لكن السياق كما في سورة (ص) يدل على أن المراد بقوله: {بَلْ عَجِبُوا} [(2) سورة ق] هم الكفار.

{بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءهُمْ مُنذِرٌ مِّنْهُمْ} [(2) سورة ق] أي: "رسول من أنفسهم لا من غيرهم يخوفهم بالنار بعد البعث" {فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا} [(2) سورة ق] يعني هذا الإرسال، أو هذا الإنذار كما يقول المؤلف {شَيْءٌ عَجِيبٌ} وبيان عجبه هذا الإنذار بالبعث يقول: {شَيْءٌ عَجِيبٌ} لماذا صار عجيباً؟ الموت هل ينكره أحد؟ هل يوجد من ينكر الموت؟ ما يوجد، لماذا؟ لأنه محسوس كل يراه، الأب بين أولاده وبين أفراد أسرته اليوم وغداً في المقبرة، والولد كذلك والأم كذلك، ما في أحد ينكر الموت إلا من في عقله شيء، نعم هناك من يقول بالتناسخ، يقول: لو مات رجع ثانية، أو حلت روحه في كذا ما انتهت، ما انقطع، لكن هذا هلوسة، المقصود أنهم لا ينكرون الموت، إنما يتعجبون من الإحياء بعد الموت، يعني ما عرف بينهم أن واحد مات ودفن ثم رجع إليهم، فهم يستبعدون البعث من هذه الحيثية، فتعجبوا {أَئِذَا مِتْنَا} [(3) سورة ق] قالوا: {هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ} [(2) سورة ق] بيان ذلك قولهم: {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا} [(3) سورة ق] نبعث ونرجع؟ {هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ} [(2) سورة ق] عندهم.

{أَئِذَا} [(3) سورة ق] يقول المؤلف: "بتحقيق الهمزتين -أئ أئذا- وبتسهيل الثانية -أيذا- وإدخال ألف بينهما على الوجهين وتركه" فتكون الوجوه أربعة، الوجوه أربعة بتحقيق الهمزتين، وتسهيل الثانية، وإدخال ألف بينهما على الوجهين المذكورين، وتركه، فتكون الوجوه أربعة، {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا} [(3) سورة ق] "نرجع" ونعود إلى الدنيا بعد أن فارقت أرواحنا أجسادنا، وطمرنا بالتراب، ودفنا في الأرض؟! {ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ} [(3) سورة ق] "في غاية البعد" يستبعدون هذا، غاية البعد، {ذَلِكَ رَجْعٌ} [(3) سورة ق] أي: رد بعيد، والرجع هو الرد، وبعده يعني استحالته عندهم، يعني محال أن يرجع؛ لأنهم ما عهدوا أن ميتاً حيا من جديد، ولا يؤمنون بالأخبار، إذا كانوا لم يروا ولم يشاهدوا بحواسهم أن هناك من رجع بعد دفنه، وهم لا يصدقون بالأخبار عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام-، إذن ما في وسيلة للإثبات، هل في وسيلة لإثبات الرجوع؟ ما دام ينكرون الأخبار، وما رأوا بحواسهم أحداً رجع، إذن هذا بعيد، بل محال.

{قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ} [(4) سورة ق] يعني ما تأكله منهم، وما يتحلل وما يتفتت وما يذوب، وما يفنى من أجسامهم.

{قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ} [(4) سورة ق] أي: ما تأكله من أجسامهم، فلا يضل عنا شيء، ولا يغيب عن قدرتنا شيء، وإذا كان الرجل الذي شك في القدرة الإلهية، وحديثه وقصته في الصحيح، قال: ((لئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً ما عذبه أحد، لكن إذا أنا مت -يوصي أهله- فأحرقوني ثم ذروني في يوم شديد الرياح)) يظن أن اجتماع هذه الأجزاء تصعب على الله -جل وعلا- فشك في قدرته، وما عمل خيراً قط، في بعض الروايات: "إلا التوحيد" في المسند: "إلا كلمة التوحيد" هو مفرط تارك للأوامر، مرتكب النواهي، ومع ذلك معه التوحيد، وشك في القدرة، والذي يشك في قدرة الله -جل وعلا- يكفر وإلا ما يكفر؟ يكفر، لكنه لما جمعت أجزاءه قيل له: ما الذي حملك على هذا؟ فذكر الخوف الشديد من الله -جل وعلا-، فمن أهل العلم من يقول: إنه عذر بجهله، ومنهم من يقول: إنه بلغ به الخوف مبلغاً غطى عقله، ورفع عنه التكليف في تلك اللحظة، والمغلوب غير مكلف، المغلوب غير مكلف.

كلام أهل العلم في هذه المسألة كثير، لكن فيها دلالة على القدرة الإلهية بجمع ما تفرق من أجزاء البدن في الأرض، من أكلته السباع، من أحرق بالنار، وما أشبه ذلك كله يجمع ويبعث مع الناس كما كان -والله المستعان- كاملاً حتى ما أخذ منه في حياته يرد إليه، حفاة عراة غرلاً بهماً، يعني كما خلقوا.

في الصحيح: ((كل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب)) ((كل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب، منه خلق، ومنه يركب)) عجب الذنب الذي يسمونه نعم العصعص، هذا لا يأكله التراب، وهو من أحد الثمانية التي لا تفنى.

ثمانية حكم البقاء يعمها
هي العرش والكرسي نار وجنة

 

من الخلق والباقون في حيز العدم
وعجب وأرواح كذا اللوح والقلم

الأنبياء والشهداء لا تأكل الأرض أجسادهم، الله -جل وعلا- حرم على الأنبياء أن تأكلهم، حرم على الأرض أن تأكل أجسادهم، وكذلك الشهداء؛ لأنهم أحياء، يعايا برجل لا تأكل جسده الأرض ليس بنبي ولا شهيد بل ولا صالح، وهو الرجل الذي خسف به فهو يتجلجل في 

الأرض إلى يوم القيامة، هذا تأكله الأرض وإلا ما تأكله؟ نعم، إذا كانت حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء، والشهداء أحياء عند ربهم يرزقون، طيب هذا الرجل الذي خسف به، نعم؟

طالب:......

نعم المقصود أنه مما يعايا به، فيقال: رجل لا تأكل جسده الأرض، ليس بنبي ولا شهيد، بل ولا صالح، هذا خسف به الأرض، يتجلجل فيها إلى يوم القيامة.

{قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ} [(4) سورة ق] أي: "تأكل" {مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ} وعندنا كتاب حفيظ هو اللوح المحفوظ، فيه جميع الأشياء المقدرة، فيه جميع الأشياء المقدرة، فهو محفوظ، وهو أيضاً حافظ، حافظ لأفعال العباد، ما يند عنه شيء، وهو محفوظ من التغيير والتبديل، ومحفوظ فيه كل شيء، وحافظ أيضاً هو لكل شيء، فيه جميع الأشياء المقدرة.

{بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ} [(5) سورة ق] يعني: القرآن، ومنهم من يقول: الإسلام، ومنهم من يقول: محمد -عليه الصلاة والسلام-، القرآن والإسلام ومحمد -عليه الصلاة والسلام-، وهذا من اختلاف التضاد وإلا التنوع؟ التنوع؛ لأنه لو قيل: المراد به كل هذه الأمور لما بعد، بين -سبحانه وتعالى- سبب كفرهم وعنادهم واستبعادهم ما ليس ببعيد، وهذا حال كل من خرج عن الحق، {بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ} [(5) سورة ق] أي: "بالقرآن" {لَمَّا جَاءهُمْ فَهُمْ} [(5) سورة ق] هؤلاء المكذبون الكفار في شأن النبي -صلى الله عليه وسلم-، "في شأن النبي -صلى الله عليه وسلم- والقرآن" {فِي أَمْرٍ مَّرِيجٍ} يعني: مختلط، مضطرب، حيث قالوا مرة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-: إنه ساحر، وقالوا عن القرآن: سحر، ومرة قالوا: شاعر، ومرة قالوا عن القرآن: إنه شعر، ومرة قالوا عن النبي -عليه الصلاة والسلام-: كاهن، وقالوا عن القرآن: كهانة، فأمرهم مضطرب مختلط، ملتبس {فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَّرِيجٍ} [(5) سورة ق] وقيل: فاسد، فكل شيء مرج فقد فسد، ومنه قيل للبيض إيش؟ مارج يعني: فاسد، وفي آخر الزمان من يأتي ممن مرجت عهودهم وفسدت.

{أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء} [(6) سورة ق] لم ينظروا معطوف بالفاء على أمر مقدر على شيء مقدر، يعني أغفلوا فلم ينظروا، أغفلوا فلم ينظروا نظر اعتبار، ونظر تفكر، {أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء} [(6) سورة ق] "أفلم ينظروا بعيونهم معتبرين بعقولهم حين أنكروا البعث" {إِلَى السَّمَاء} [(6) سورة ق] كائنة فوقهم، الظرف فوقهم متعلق بكائن أو مستقر كائنة أو مستقرة {فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا} [(6) سورة ق] نظر اعتبار، ونظر تفكر، {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ} [(190-191) سورة آل عمران] هؤلاء هم الذين يوفقون في النظر في هذه الآيات، والنظر في الآيات سواءً كانت الكونية أو الآيات الشرعية من أقوى أو من أعظم ما يزيد الإيمان، من أعظم ما يزيد الإيمان، "أفلم ينظروا بعيونهم معتبرين بعقولهم حين أنكروا البعث" {إِلَى السَّمَاء} [(6) سورة ق] كائنة فوقهم، {كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ} [(6) سورة ق] القادر على خلق هذه السماء وعلى سعتها هل يعجز عن إعادتهم؟ القادر على خلقهم هل يعجز عن إعادتهم؟ لا، الإعادة أسهل من البدء؛ لأن الإيجاد من لا شيء أعظم من الإيجاد من شيء، وكل ذلك على الله يسير، وكله بالنسبة له مستوٍ {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [(82) سورة يــس].

يقول: "كيف بنيناها بلا عمد" كيف بنيناها بلا عمد، يعني لو أن إنساناً أراد أن يبني سقفاً عشرة في عشرة اضطر أن يضع عمود، أو يضع احتياطات كبيرة جداً؛ لئلا يسقط السقف، فكيف إذا زادت المسافة عن هذا؟ فكيف بالسماوات التي خلقت بلا عمد؟ الله -جل وعلا- يقول: {اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} [(2) سورة الرعد] بغير عمد ترونها، الجملة وصف للعمد، فهل لهذه الجملة مفهوم أو ليس لها مفهوم؟ لها مفهوم وإلا لا مفهوم لها؟ نعم؟ يعني هل مفهومهما معتبر أو مفهومها ملغى؟ وما الفرق بينهما؟ خلق السماوات بغير عمد ترونها، إذا قلنا: لا مفهوم له قلنا: ليس لها عمد أصلاً، إذا قلنا: إن الجملة لا مفهوم لها، وألغينا المفهوم، وقد يلغى المفهوم لا سيما إذا عورض بما هو أقوى منه كالمنطوق، فهل يوجد ما يعارض هذا المفهوم؟ هل نقول: إن القدرة لا تتم إلا إذا كانت بغير عمد؛ لنقول: إن هذا معارض فنلغي المفهوم؟ أو نقول: المفهوم معتبر وأن السماوات على عمد لكنها لا ترى؟ نعم يا الإخوان هل نقول: إن السماوات بغير عمد وقوله: لا ترونها هذا لا مفهوم له والتعبير صادق على أنها ليس لها عمد أصلاً؟ أو نقول: إن لها عمد ومفهوم الجملة معتبر لكن هذه العمد لا ترى؟ وأيهما أدخل في القدرة وأقوى أن تبنى بغير عمد أو تبنى بعمد لا ترى؟ نعم؟

طالب:.....

ما نحتاج إلى أن نقول: لا ترى، إذا قلنا: بدون عمد ما في عمد من أجل أن ترى أو لا ترى، فما الداعي ما الحاجة إلى قوله: {بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} [(2) سورة الرعد]؟ بغير عمد ترونها المفهوم ملغى، إذن هي ليست على عمد أصلاً، قبة على الأرضين بغير عمد، ولا شك أن في هذا ما فيه من بيان عظمة الخالق -جل وعلا-، لكن إذا قال: إنها بغير عمد ترونها المفهوم معتبر وهي مبنية على عمد لكنها لا ترى، أليس هذا من أعجب العجب أن يوجد عمد تحمل هذه السماوات، هذه الأجرام العظيمة ولا ترى بالعين المجردة؟ هذا أيضاً فيه بيان عظمة، يعني هناك يستطيع بعض المهرة أن يبنوا على أشياء، أو يصورا أشياء مخفية، لكن هل يمكن أن يجعلوا عمد مخفية؟ ما يمكن أن يوجد عمد مخفية، في قدرة البشر لا يمكن.

فإذا قلنا: إن السماوات مبنية على عمد لكنها لا ترى، هذا أيضاً فيه بيان لعظمة الله -جل وعلا- مما يذهل ويدهش العقول، قالوا: {بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} [(2) سورة الرعد] وهو صادق ألا عمد لها أصلاً، فلا مفهوم للجملة، وقيل: لها مفهوم وأنها بنيت على عمد لكنها لا ترى، والذي اعتمده المؤلف: "فوقهم كيف بنيناها بلا عمد".

{وَزَيَّنَّاهَا} [(6) سورة ق] زيناها بالكواكب والنجوم، فالنجوم لها حكم، من حكمها أنها زينة للسماء {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ} [(5) سورة الملك] وزيناها بالكواكب {وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ} [(6) سورة ق] الفروج: هي الشقوق والفتوق، لا شك أن الفروج والشقوق تعيبها، لكنها لا يوجد فيها هذا العيب.

{وَالْأَرْضَ} [(7) سورة ق] "معطوف على موضع (إلى السماء){أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء} [(6) سورة ق] ولم ينظروا إلى الأرض كيف مددناها إذا عطفنا على اللفظ، وإذا عطفنا على المعنى نصبنا، ولذا قال: {وَالْأَرْضَ} [(7) سورة ق] "معطوف على موضع (إلى السماء){أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء} [(6) سورة ق] السماء لفظها مجرور، مجرور بإيش؟ بـ(إلى) بالحرف، والأرض: منصوب، منصوب على إيش؟ على موضع السماء؛ لأن الأمر بالنظر إلى السماء، والأصل أن الفعل يتعدى بنفسه، أفلم ينظروا السماء فعدي بالحرف، وما عطف عليه يجوز فيه الجر والنصب، الجر على اللفظ، والنصب على المعنى، الجر على اللفظ والنصب على المعنى.

يقول: {وَالْأَرْضَ} [(7) سورة ق] "معطوف على موضع (إلى السماء)"، "كيف مددناها: دحوناها على وجه الماء" ووسعناها وبسطناها، كيف مددناها فهي ممدودة مبسوطة {وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ} [(7) سورة ق] يعني: "جبال تثبتها" {وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا} [(32) سورة النازعات] فلولا هذه الجبال لمادت بأهلها، لمادت بأهلها، وأكثر ما يخشى مما يخشى من عمليات إزالة الجبال والآن في بعض البلدان العمل جار على أشده، يعني تنظرون في مكة مثلاً العمل جاري ليل ونهار على إزالة هذه الجبال، ولا شك أن هذه الجبال لها هذه المصلحة العظيمة؛ لئلا تميد بأهلها، فهم يزيلونها، لكنهم يقولون: إننا نزيل الجبال ونضع مكانها أبنية شاهقة، تقوم مقامها، لكن هل هذه الأبنية على ارتفاعها وسعتها وطولها وعرضها تقوم مقام الجبال؟ لماذا؟ لأن الجبال صماء ما فيها تجاويف، والأبنية فيها تجاويف، فلن تقوم مقامها، والحكمة الإلهية من وجود الجبال تقتضي ألا يتعرض لها بشيء.

{وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ} [(7) سورة ق] "جبالاً تثبتها" {وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ} [(7) سورة ق] "صنف" من كل زوج: صنف، من أصناف النباتات {بَهِيجٍ} [(7) سورة ق] يبهج أو "يُبهج به لحسنه" فهو حسن نظر، فهو حسن نظر.

{تَبْصِرَةً} [(8) سورة ق] "مفعول له" مفعول لأجله، يعني من أجل التبصرة، "فعلنا ذلك" تبصرة، يعني من أجل التبصرة، فهو "مفعول له أي: فعلنا ذلك تبصيراً منا" {وَذِكْرَى} [(8) سورة ق] تذكيراً {لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ} [(8) سورة ق] رجاع، تواب، أواب "رجاع إلى طاعتنا" ولا شك أن هذا النظر مما يقوي الإيمان.

تبصرة لمن؟ وتذكرة لمن؟ تبصرة للجاهل، وتذكرة للناسي، تبصرة للجاهل، وتذكرة للناسي الغافل تذكره، {لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ} [(8) سورة ق] يعني: رجاع إلى طاعة الله -جل وعلا- بعد أن غفل عنها، يرجع عنها، فتجده كل ما غفل رجع، كل ما أذنب تاب واستغفر وهكذا.

ألفية العراقي سماها التبصرة والتذكرة؛ لأنه يقول في أوائلها:

نظمتها تبصرة للمبتدئ

 

تذكرة للمنتهي والمسندي

فهي تبصرة للمبتدئ الجاهل، وهي تذكرة أيضاً للمنتهي الذي أخذ من هذا العلم بنصيب وغفل عن بعضه يتذكر بهذا الكتاب.

والله -جل وعلا- فعل ما فعل من خلق السماوات والأرض وزين السماء، وأنزل من السماء ماءاً، وألقى في الأرض رواسي وهكذا، لماذا؟ تبصرة: من أجل تبصرة هذا الجاهل، أي فعلنا ذلك تبصيراً منا، وذكرى: تذكيراً لكل عبد منيب: رجاع إلى طاعتنا، ولعلنا نكتفي بهذا ليرتاح الإخوان قليلاً إلى درس المغرب، والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.