كتاب الطلاق من سبل السلام (1)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نعم.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

قال في البلوغ وشرحه:

"كِتَابُ الطَّلَاقِ:

هُوَ لُغَةُ: حَلِّ الْوَثَاقِ مُشْتَقٌّ مِنْ الطَّلَاقِ، وَهُوَ الْإِرْسَالُ، وَالتَّرْكُ، وَفُلَانٌ طَلْقُ الْيَدَيْنِ بِالْخَيْرِ أَيْ كَثِيرُ الْبَذْلِ وَالْإِرْسَالِ لَهُمَا بِذَلِكَ، وَفِي الشَّرْعِ حَلُّ عُقْدَةِ التَّزْوِيجِ.

قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: هُوَ لَفْظٌ جَاهِلِيٌّ وَرَدَ الْإِسْلَامُ بِتَقْرِيرِهِ.

الحديث الأول: عَنْ ابْنِ عُمَرَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إنَّ أَبْغَضُ الْحَلَالِ إلَى اللَّهِ الطَّلَاقُ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وَرَجَّحَ أَبُو حَاتِمٍ إرْسَالَهُ.

عَنْ ابْنِ عُمَرَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إنَّ أَبْغَضُ الْحَلَالِ إلَى اللَّهِ الطَّلَاقُ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وَرَجَّحَ أَبُو حَاتِمٍ إرْسَالَهُ، وَكَذَا الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ رَجَّحَا الْإِرْسَالَ.

الْحَدِيثُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ فِي الْحَلَالِ أَشْيَاءَ مَبْغُوضَةً إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّ الطَّلَاقُ أَبْغَضَهَا فَيَكُونُ مَجَازًا عَنْ كَوْنِهِ لَا ثَوَابَ فِيهِ، وَلَا قُرْبَةَ فِي فِعْلِهِ."

هنا الحديث فيه كلام كثير لأهل العلم، وكأنَّ المتوجّه ترجيح الإرسال، والمرسل من قبيل الضعيف، وعلى فرض ثبوته فإنَّ فيه إثبات صفة البغض لله- جلَّ وعلا-، وقد ثبتت بغيره من الأدلة، فالله- جلَّ وعلا- يحب ويبغض، ويمقت وهو أشد البغض.

"وَمَثَّلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْمَبْغُوضَ مِنْ الْحَلَالِ بِالصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ لِغَيْرِ عُذْرٍ، وَفِي الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَحْسُنُ تَجَنُّبُ إيقَاعِ الطَّلَاقِ مَا وَجَدَ عَنْهُ مَنْدُوحَةً، وَقَدْ قَسَّمَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الطَّلَاقَ إلَى الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ، فَالْحَرَامُ الطَّلَاقُ الْبِدْعِيُّ، وَالْمَكْرُوهُ الْوَاقِعُ بِغَيْرِ سَبَبٍ مَعَ اسْتِقَامَةِ الْحَالِ، وَهَذَا هُوَ الْقِسْمُ الْمَبْغُوضُ مَعَ حِلِّه."

أمَّا مع الحاجة إليه فهو العلاج، العلاج الشرعي للمشاكل المستعصية بين الزوجين لا حلَّ لها إلا الطلاق، ﴿وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ﴾ [سورة النساء:130].

"الحديث الثاني: وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، وَهِيَ حَائِضٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَسَأَلَ عُمَرُ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لْيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ، ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تَطْلُقَ لَهَا النِّسَاءُ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لْيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلًا»، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِلْبُخَارِيِّ: «وَحُسِبَتْ تَطْلِيقَةٌ»، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَمَّا أَنْتَ طَلَّقْتهَا وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- أَمَرَنِي أَنْ أُرَاجِعَهَا ثُمَّ أُمْسِكَهَا حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً أُخْرَى، ثُمَّ أُمْهِلَهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ أُطَلِّقَهَا قَبْلَ أَنْ أَمَسَّهَا، وَأَمَّا أَنْتَ طَلَّقْتهَا ثَلَاثًا فَقَدْ عَصَيْت رَبَّك فِيمَا أَمَرَك بِهِ مِنْ طَلَاقِ امْرَأَتِك، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: فَرَدَّهَا عَلَيَّ، وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا ، قَالَ: «إذَا طَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْ أَوْ لِيُمْسِكْ».

وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، وَهِيَ حَائِضٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَأَلَ عُمَرُ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ إنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تَطْلُقَ لَهَا النِّسَاءُ». مُتَّفِقٌ عَلَيْهِ.

فِي قَوْلِهِ: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْآمِرَ لِابْنِ عُمَرَ بِالْمُرَاجَعَةِ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَإِنَّ عُمَرَ مَأْمُورٌ بِالتَّبْلِيغِ عَنْ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلَى ابْنِهِ بِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْمُرَاجَعَةِ، فَهُوَ نَظِيرُ قَوْله تَعَالَى: ﴿قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ [سورة إبراهيم:31]، فَإِنَّهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَأْمُورٌ بِأَنْ يَأْمُرَنَا بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ، فَنَحْنُ مَأْمُورُونَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَابْنُ عُمَرَ كَذَلِكَ مَأْمُورٌ مِنْ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِنْ بَابِ مَسْأَلَةِ: هَلْ الْأَمْرُ بِالْأَمْرِ بِالشَّيْءِ أَمْرٌ بِذَلِكَ الشَّيْءِ؟".

طالب: عندي يا شيخ الآمر بالشيء، أحسن الله إليك.

لا، هل الأمر بالشيء مسألة معروفة عند العلماء، الأمر بالشيء هل هو أمر به أم لا؟

طالب: ..........

نعم، هل الأمر بالأمر بالشيء أمر به أم لا؟ معروف من أدلتها هذا، هذا الحديث، ويُقال: ليس من أدلتها، من أدلتها حديث: «مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ»، فإذا كان المأمور الثاني مكلفًا له حكم كما هنا، فالأمر مباشر، وإذا كان المأمور الثاني غير مكلف بالأمر يتجه إلى المأمور الأول لا إلى الثاني عكس ما عندنا؛ لأنَّه لا يتجه إليه الأمر.

"فَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِنْ بَابِ مَسْأَلَةِ هَلْ الْأَمْرُ بِالْأَمْرِ بِالشَّيْءِ أَمْرٌ بِذَلِكَ الشَّيْءِ؟ وَإِنَّمَا تِلْكَ الْمَسْأَلَةُ مِثْلُ قَوْلِهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ» الْحَدِيثُ لَا مِثْلُ هَذِهِ، وَإِذَا عَرَفْت أَنَّهُ مَأْمُورٌ مِنْهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْمُرَاجَعَةِ فَهَلْ الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ فَتَجِبُ الرَّجْعَةُ أَمْ لَا؟

 ذَهَبَ إلَى الْأَوَّلِ مَالِكٌ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَصَحَّحَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وُجُوبَهَا، وَهُوَ قَوْلُ دَاوُد، وَدَلِيلُهُمْ الْأَمْرُ بِهَا قَالُوا: فَإِذَا امْتَنَعَ الرَّجُلُ مِنْهَا أَدَّبَهُ الْحَاكِمُ فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى الِامْتِنَاعِ ارْتَجَعَ الْحَاكِمُ عَنْهُ، وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ فَقَطْ قَالُوا: لِأَنَّ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ لَا يَجِبُ فَاسْتِدَامَتُهُ كَذَلِكَ، فَكَانَ الْقِيَاسُ قَرِينَةً عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لِلنَّدْبِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الطَّلَاقَ لَمَّا كَانَ مُحَرَّمًا فِي الْحَيْضِ كَانَ اسْتِدَامَةُ النِّكَاحِ فِيهِ وَاجِبَةً.

وَقَوْلِهِ: «حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُطَلِّقُ إلَّا فِي الطُّهْرِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ، وَقَدْ ذَهَبَ إلَى تَحْرِيمِ الطَّلَاقِ فِيهِ مَالِكٌ، وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنَّ الِانْتِظَارَ إلَى الطُّهْرِ الثَّانِي مَنْدُوبٌ".

مندوب يعني من باب الردع له الذي استعجل الأمر قبل وقته، فيُعاقب بنقيض قصده، وإلا فالأصل أنَّه إذا طلَّق في طهر لم يُجامع فيه، فقد طلَّقها للعدة التي أمر الله بها، لكن أمره أن ينتظر إلى أن تطهر ثم تحيض ثم تطهر لا شك أنَّ هذا من باب الزجر له، والتعزير لتعجله الأمر، حيث طلَّق في الوقت الذي يحرُم فيه الطلاق.

بعض من يُعلِّق ممن يدَّعي التحقيق يُعلِّق على بعض الكتب من المرتزقة يقول: هذا الحكم لمَّا كانت العدة قبل الطلاق، يمسك حتى تحيض ثم تحيض ثانية، وما أدري ماذا تصير العدة قبل الطلاق، بمجرد ما يُطلِّقها تحل للخُطَّاب، ما تحتاج عدة؛ لأنَّها اعتدت وانتهت، والله المستعان.

"وَكَذَا عَنْ أَحْمَدَ مُسْتَدِلِّينَ بِقَوْلِهِ: وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ، أَيْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لْيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلًا»".

هذه الرواية مجملة بينتها الرواية السابقة.

"فَأَطْلَقَ الطُّهْرَ، وَلِأَنَّ التَّحْرِيمَ إنَّمَا كَانَ لِأَجْلِ الْحَيْضِ فَإِذَا زَالَ زَالَ مُوجِبُ التَّحْرِيمِ فَجَازَ طَلَاقُهَا فِي هَذَا الطُّهْرِ كَمَا جَازَ فِي الَّذِي بَعْدَهُ، وَكَمَا يَجُوزُ فِي الطُّهْرِ الَّذِي لَمْ يَتَقَدَّمْهُ طَلَاقٌ فِي حَيْضَةٍ، وَلَا يَخْفَى قُرْبُ مَا قَالُوهُ. وَفِي قَوْلِهِ: «قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا طَلَّقَ فِي الطُّهْرِ بَعْدَ الْمَسِّ فَإِنَّهُ طَلَاقٌ بِدْعِيٌّ مُحَرَّمٌ، وَبِهِ صَرَّحَ الْجُمْهُورُ، وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ: إنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الرَّجْعَةِ فِيهِ كَمَا إذَا طَلَّقَ، وَهِيَ حَائِضٌ."

لأنَّه بدعي مثل الطلاق في الحيض مادام يلزم بالرجعة في طلاق الحائض، يلزم بالرجعة في طلاق الطهر الذي جامع فيه.

"وَفِي قَوْلِهِ: «ثُمَّ تَطْهُرَ»، وَقَوْلُهُ: «طَاهِرًا» خِلَافٌ لِلْفُقَهَاءِ هَلْ الْمُرَادُ بِهِ انْقِطَاعُ الدَّمِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ الْغُسْلِ؟ فَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ، وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْغُسْلِ".

أمَّا لفظ: «ثُمَّ تَطْهُرَ» فلا يقتضي الغُسل؛ لأنَّ الغسل ثم تتطهر وليس تطهر؛ لأنَّه إذا تطهرت من الحيض صحَّ أنَّها طهُرت، لكن الطهارة غير الطهر.

"لِمَا مَرَّ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ: «فَإِذَا اغْتَسَلَتْ مِنْ حَيْضَتِهَا الْأُخْرَى فَلَا يَمَسَّهَا حَتَّى يُطَلِّقَهَا، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُمْسِكَهَا أَمْسَكَهَا»، وَهُوَ مُفَسِّرٌ لِقَوْلِهِ: «طَاهِرًا»، وَقَوْلُهُ: «ثُمَّ تَطْهُرَ»، وَقَوْلُهُ: «فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تَطْلُقَ لَهَا النِّسَاءُ» أَيْ أَذِنَ فِي قَوْلِهِ ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [سورة الطلاق:1]"

يعني هل الأمر في قوله: ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ [سورة الطلاق:1] هل هو أمر وجوب، أو استحباب، أو إباحة؟

طالب: .......

الطلاق للعدة، يعني جعلنا الكلام في الأمر الذي هو ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ﴾ بغض النظر عن المتعلق. أمَّا الطلاق للعدة فلابد منه، كونها لا تُطلَّق بغير هذه العدة هذا لا يجوز، أمَّا مُطلق الطلاق؛ لأنَّه عندنا طلاق مجرد: ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ﴾ ما المراد بالأمر هنا؟

الإباحة، لا يتعدى ذلك، ولا يرقى أن يكون مستحبًا، لكن ﴿لِعِدَّتِهِنَّ﴾ يعني إذا قيل: فاضربوهنَّ يعني النساء، فاضربوهنَّ لعصيانهنَّ، يعني بسبب عصيانهنَّ، أمَّا بدون السبب فلا، وهنا ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ﴾ لوجود العدة التي هي الوقت الذي يصح فيه الطلاق، وأمَّا مجرد الطلاق فلا يرتقي إلى الاستحباب فضلًا عن الوجوب.

طالب: ..........

كيف؟

طالب: ..........

هذا إذا صح، هذا إذا صحَّ الخبر، والمرجح إرساله عند أهل العلم.

"وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَقَرَأَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ [سورة الطلاق:1] الْآيَةَ، وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَقْرَاءَ الْأَطْهَارُ؛ لِلْأَمْرِ بِطَلَاقِهَا فِي الطُّهْرِ، وَقَوْلُهُ: ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [سورة الطلاق:1] أَيْ وَقْتَ.."

المسألة معروفة عند أهل العلم، هل المراد بالقرء الطهر أو الحيض؟ وهو من المشترك في لغة العرب يُطلق على هذا وعلى هذا، فمن أهل العلم من يرى أنَّه الحيض، القرء الحيض، والأقراء الحِيَض، ومنهم من يرى أنَّه الطهر بعد الحيض، والمسألة معروفة الأدلة في مظانها، لكن المرجح أنَّه الحيض؛ لأنَّ الأمور كلها معلقة به لا بالطهر، وبراءة الرحم إنَّما تُعرف به- بالحيض-، لا بالطهر.

"وَقَوْلُهُ: ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [سورة الطلاق:1] أَيْ وَقْتَ ابْتِدَاءِ عِدَّتِهِنَّ، وَفِي قَوْلِهِ: «أَوْ حَامِلًا» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ طَلَاقَ الْحَامِلِ سُنِّيٌّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ.

وَإِذَا عَرَفَتْ أَنَّ الطَّلَاقَ الْبِدْعِيَّ مَنْهِيٌّ عَنْهُ مُحَرَّمٌ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ يَقَعُ، وَيُعْتَدُّ بِهِ أَمْ لَا يَقَعُ؟ فَقَالَ الْجُمْهُورُ يَقَعُ مُسْتَدِلِّينَ بِقَوْلِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ.

"وَفِي أُخْرَى" أَيْ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِلْبُخَارِيِّ: «وَحُسِبَتْ تَطْلِيقَةٌ»، وَهُوَ بِضَمِّ (الْحَاءِ) الْمُهْمَلَةِ مَبْنِيٍّ لِلْمَجْهُولِ مِنْ الْحِسَابِ وَالْمُرَادُ جَعْلُهَا وَاحِدَةً مِنْ الثَّلَاثِ التَّطْلِيقَاتِ الَّتِي يَمْلِكُهَا الزَّوْجُ، لَكِنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْفَاعِلِ هُنَا، فَإِنْ كَانَ الْفَاعِلُ ابْنَ عُمَرَ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَهُوَ الْحُجَّةُ إلَّا أَنَّهُ قَدْ صَرَّحَ بِالْفَاعِلِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي مُسْنَدِ ابْنِ وَهْبٍ بِلَفْظٍ، وَزَادَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ فِي الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «وَهِيَ وَاحِدَةٌ»، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَابْنِ إِسْحَاقَ جَمِيعًا عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «هِيَ وَاحِدَةٌ»".

لا يُتصور أن يُضاف حسبانها واحدة إلا لمن يُعتد به، لا يُتصور أبدًا أن يُضاف هذا الحسبان وعدَّها واحدة إلا لمن يُعتد بحسبانه، أمَّا الذي لا يُعتد به فلا يُمكن أن يحسبها واحدة، الذي لا يعتد به لا يُمكن أن يحسب. وقد يحسبها ابن عمر بناءً على ما فهمه ممن يعتد بحسبانه فهم من النبي- عليه الصلاة والسلام- أنَّها طلقة، فحسبها، وهو صاحب القصة، وفهمه مقدم على غيره، هذا إذا قلنا: إنَّ الذي حسبها ابن عمر، وإذا قلنا: إنَّ الذي حسبها النبي- عليه الصلاة والسلام- والذي عدَّها فلا كلام لأحد؛ ولذا المرجح أنَّ طلاق الحائض يقع.

طالب: .......

نعم؟

طالب: ...........

ماذا؟

طالب: .......

تجيء إن شاء الله.

"وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ الْحَاسِبَ لَهَا هُوَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ طُرُقٍ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَيْ لَمَّا سَأَلَهُ سَائِلٌ: "أَمَّا أَنْتَ طَلَّقْتهَا وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَنِي أَنْ أُرَاجِعَهَا، ثُمَّ أُمْسِكَهَا حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً أُخْرَى".

ولا رجعة إلا بعد طلاق.

""أَمَرَنِي أَنْ أُرَاجِعَهَا ثُمَّ أُمْسِكَهَا حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً أُخْرَى" أي الحديث، "وَأَمَّا أَنْتَ طَلَّقْتهَا ثَلَاثًا فَقَدْ عَصَيْت رَبَّك فِيمَا أَمَرَك بِهِ مِنْ طَلَاقِ امْرَأَتِك" دَلَّ عَلَى تَحْرِيمِ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ.

وَقَدْ يَدُلُّ قَوْلُهُ: "أَمَرَنِي أَنْ أُرَاجِعَهَا" عَلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ إذْ الرَّجْعَةُ فَرْعُ الْوُقُوعِ، وَفِيهِ بَحْثٌ، وَخَالَفَهُ فِيهِ طَاوُسٌ، وَالْخَوَارِجُ، وَالرَّوَافِضُ، وَحَكَاهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَاقِرِ وَالصَّادِقِ وَالنَّاصِرِ وقَالُوا: لَا يَقَعُ شَيْءٌ، وَنَصَرَ هَذَا الْقَوْلَ ابْنُ حَزْمٍ، وَرَجَّحَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ وَابْنُ الْقَيِّمِ".

من أساليب التنفير عن الأقوال يعني ما ذكر في شرح التجريد عبد الله حجازي الشرقاوي في شرح أحاديث الطلاق، قال: طلاق الحائض يقع عند عامة أهل العلم، وانتصر ابن القيم لشيخه التابع للروافض والخوارج، فقال: لا يقع، أسلوب تنفير والله المستعان. يعني يوصف أهل التحقيق بمثل هذا الكلام؟ الله المستعان.

"وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ: "وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى" أَيْ لِمُسْلِمِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: "فَرَدَّهَا عَلَيَّ، وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا"، وَقَالَ: «إذَا طَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْ أَوْ لِيُمْسِكْ»، وَمِثْلُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد: "فَرَدَّهَا عَلَيَّ، وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا"، وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ."

مما يرجح به أنَّ الطلاق لا يقع أنَّه ليس عليه أمر النبي- عليه الصلاة والسلام-: «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد»، يعني من أدلتهم.

الأمر الثاني: أنَّ مثل هذا الحسبان لهذه الطلقة لا شك أنَّه سعي لتكثير طلاق المرأة، بدلًا من أن تُحسب واحدة عليها إذا طلَّقها في الطهر تحسب اثنتين، وأصل الطلاق مفضول وليس بفاضل، فكيف يُحسب المفضول وبإمكاننا أن نعتمد الفاضل؟ هذا مما يُرجِّح أنَّها لم تُحسب، ولكن حُسبت طلقة، وهذا في البخاري، ما يقدر أحد أن يتكلم وإلا فالأدلة موجودة في الطرفين، والمسألة اجتهادية، والمفتى به الآن منذ ثلاثين سنة أنَّه لا يقع طلاق الحائض.

طالب: ..........

المقصود أنَّ الحسبان واضح، واضح.

طالب: ..........

أين؟

طالب: .........

والله يعني وضوحه ظاهر، يعني مترجح عندي لا سيما وأنَّ فيه احتياطًا للفروج، يعني مع وجود هذا الخلاف القوى، وعامة أهل العلم، ثم بعد ذلك طلَّقها في حيض، ثم أُمر بالمراجعة فراجعها، ثم طلَّقها ثانية إذا طهُرت، فإذا لها ثالثة تحل أم ما تحل؟ إذا قلنا تحل فالإشكال كبير، وإذا قلنا: لا تحل، والمسألة الاحتياط للفروج مطلوب.

طالب: ..........

أين؟

طالب: ..........

على كل حال تعارض، تعارض، يعني لم ير شيئًا مانعًا من الرجعة.

طالب: ..........

ما يمنع، نعم. يعني جاء شخص مثلًا وطلَّق في الحيض وأمر بالرجعة، ثم طلَّق بعد أن طهرت، ثم طلَّق ثالثة، ويريد أن يُراجع.

طالب: .........

يراجع باعتبار أنَّ الأولى ما حُسبت، وعلى من يحسب، نعم بانت، وعلى هذا لو أراد فراقها ألبتة هل يُلزم بطلقة رابعة؟

طالب: .........

أو لا يُلزم؟

طالب: ..........

لا، أحيانًا يحصل اشتباه وشك، يعني هو طلَّقها مرتين في الطهر ومرة في الحيض، فأفتاه من أفتاه أنَّها زوجته، وأفتاه آخر بأنَّها بانت منه، ورجح عنده قول من قال: إنَّها بانت منه، والقول الثاني له حظ من النظر، وهذا أيضًا له حظ من النظر، فهل يكفي أن ينصرف عنها وتتزوج من شاءت بناءً على أنَّه اعتمد القول بأنَّها بانت، أو نقول: اقطع الشك باليقين وطلِّق؛ لتحل لمن بعدك، يعني كونها لا تحل لمن بعده قوي.

طالب: .........

المسألة علمية، والذي يترجح عنده يعمل به، لكن في بعض المسائل ما يُمكن أن تجتهد ولا تحتاط، مثلما قلنا: طلَّق في الحيض ثم رجع، طلَّق في الطهر ثم طهرت ثانية وطلَّقها، حاضت طلَّقها ثلاثة على القول بأنَّه يقع انتهت، بانت منه، وحلَّت لغيره، لكنَّه أفتي بأنَّها ما حُسبت الطلقة الأولى، فظنَّ المسألة طلقتين واستمر معها، ومشى على أنَّ الطلاق لا يقع في الحيض، وأمسكها بعد الاثنتين اللتين في الطهر، ثم سأل وجد من يثق به يقول: ما رأيك؟ يقول: والله أنا بنفسي شيء، أنا في نفسي شيء من عدم وقوع الطلاق في الحيض، فأنا طلَّقت في الحيض، ثم طلَّق في الطهر، ثم طلَّق في الطهر ثالثة، أنا في نفسي شيء، نعم أفتاني من تبرأ الذمة بتقليده، لكن النفس مازالت، النفس إذا تكرر وتردد فيها الشيء وحاك في الصدر وصارت المسألة يعني لا شك أنَّها مشكلة عنده، لا سيما وأنَّه يرى أنَّ من يقول بوقوعه عامة أهل العلم يقولون بوقوعه فتردد ترددًا كثيرًا، وقد أُفتي بأنَّه لا يقع، وعاشرها بعد الثالثة بناءً على هذه الفتوى، ثم زاد عنده الشك والوساوس، وأراد أن يحتاط لنفسه، هل نقول: انصرف عنها واتركها بناءً على قول من قال أنَّه يقع؟

طالب: ..........

نعم؟

طالب: .......

يستمر الشك، يستمر الشك في نفسه، أو نقول: طلِّق ثالثة؛ لتكون على يقين أنَّك فارقتها؟ إن أمرناه بالطلاق بعد الأمر بالطلاق فما هو بطيب، وإن تركناه واستمر في نفسه، واستمر في نفسها أيضًا هي أنَّها تتعاشر اليوم، ثم تتجهز للخُطَّاب بعد أن تعتد من غير طلاق، مثل هذا بما يُفتى؟ ما الذي يُقال له؟

طالب: .........

أين؟

طالب: .......

لا، لا، هو ما طلَّق ثالثة، هو أمسكها بعد الثالثة إلا أنَّه معتدّ بقول من يقول: إنَّه يقع، لو اعتد بقول من يقول: إنَّه يقع خلاص بانت منه بعد الثالثة، لكنَّه بعد ذلك بدأت الوساوس عنده والشكوك والأوهام، احتمال أن أعاشر بغير عقد شرعي صحيح، والمرأة قد بانت ولا سيما أنَّه قول عامة أهل العلم، هذا لا شك أنَّه يورد ريبة في النفس، يوجد ريبة في النفس، فمثل هذا نقول: يكفي أن تقتنع بالقول وتنصرف، والطلاق وقع ثلاثًا وانتهى، أو نقول: لابد أن تطلق؛ لتخرج بيقين وتحل المرأة لغيرك بيقين؟

هو الآن ترجح عنده القول بأنَّه يقع، هذه حادثة واقعة.

طالب: .........

هو اعتد بالفتوى الأولى، اعتد بها وعاشر، لكن وجد من أهل العلم من يثق به ويقول: فارقها، أنت ما تحل لك، ما ينقض فتوى، لكن الوساوس ما الذي يزيلها من النفس، يا أخي المسألة مسألة معاشرة، إمَّا على كتاب الله أو زنا، أنت اجعل من قال بأنَّه لا يقع في مقابل من قال: يقع يا أخي، أئمة الإسلام كلهم يقولون: يقع، أنت اجعل هؤلاء في كفة، وهؤلاء في كفة، ألا يوجد عنك ريبة في مثل هذا الكلام؟

فإذا وجد مثل هذه الريبة نقول: بمجرد اقتناعك بالفتوى الثانية انصرف ونقول: طلِّق، والطلقة الرابعة إذا ما نفعتك ما ضرتك، فنكون أمرناه بشيء غير مستحب شرعًا، لكن لا شك أنَّ مثل هذا يزيل ما في نفسه، يزيل ما فيه نفسه وإلا فقد اعتمد على فتوى من يُعتد به، وتبرأ ذمته بتقليده وانتهى الإشكال.

 المسألة واقعة، ومع ذلك قيل له: طلِّق، يكون ضميرك مرتاحًا، آخر ما عليك أنت وزوجتك؛ لأنَّه مشكلة بعد أن يُعاشر اليوم، ثم تعتد بدون طلاق لغيره بناءً على فتوى سابقة أو لاحقة.

طالب: ..........

يسري عليه، لكن هناك مسائل ووساوس وشكوك، وأوهام تساوره إلى آخر عمره هو وزوجته، يعني هذه ما ينقضها فتوى، ولو أفتاه من أفتاه لابد من الشك.

طالب: ..........

يا أخي المسألة مسألة معاشرة، ووقوع على امرأة، يعني افترض أنَّه مشي على القول بأنَّه لا يقع، وطلّق مرتين في الطهر كم يُحسب عليه؟ ثنتين، فهي زوجته يعاشرها، ثم رأى شخص لو وضع كل من قال يقع في كفة ووضعه بمفرده في كفة رجح عنده.

طالب: .........

لا شك أنَّ الوساوس لا بد منها في مثل هذه الصورة.

طالب: ..........

أين؟

طالب: ..........

في مثل هذه يُفارق، يُفارق إذا كان الرضاع شرعيًّا وتامًّا في الحولين يُفارق.

طالب: .......

 لا، قل نظيرها لو تبين له قول عائشة وشيخ الإسلام ورجح أن رضاع الكبير مُحرِّم، لكن لا تصل إلى مثل هذا المستوى؛ لأنَّ عامة أهل العلم على أنَّه يقع، فلابد من التردد، مثل هذا لابد منه. وعندي أنَّه يُطلِّق رابعة أيسر من كونه يستمر في جحيم هو وزوجته، لا سيما إذا قرر الانفصال، إذا قرر الانفصال وانتهى، مفارق مفارق اعتمادًا على الطلقة السابقة واللاحقة نقول: أتبعها بلاحقة؛ لأنَّه منفصل، منفصل، لا نريد أن نُفرِّق بينه وبين زوجته، لو جاء يستشير قلنا: اعمل بالفتوى السابقة، لكن قال: أنا والله عجزت أن أعيش معها، مُطلِّق مُطلَّق، فهل تكفي الطلقة التي سبقت أم أُطلِّق لأرتاح؟ نقول له: طَلِّق وترتاح، صار مفارقًا مفارقًا.

"وَمِثْلُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد: "فَرَدَّهَا عَلَيَّ، وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا"، وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فِي قَوْلِهِ: "وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا" مُنْكِرٌ لَمْ يَقُلْهُ غَيْرُ أَبِي الزُّبَيْرِ، وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ فِيمَا خَالَفَهُ فِيهِ مِثْلُهُ، فَكَيْفَ بِمَنْ هُوَ أَثْبَتُ مِنْهُ؟ وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ مَعْنَاهَا- وَاَللَّهُ أَعْلَمُ- وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا مُسْتَقِيمًا لِكَوْنِهَا لَمْ تَقَعْ عَلَى السُّنَّةِ.

 وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: قَالَ أَهْلُ الْحَدِيثِ: لَمْ يَرْوِ أَبُو الزُّبَيْرِ حَدِيثًا أَنْكَرَ مِنْ هَذَا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مَعْنَاها لَمْ يَرَهَا شَيْئًا تَحْرُمُ مَعَهُ الْمُرَاجَعَةُ أَوْ لَمْ يَرَهَا شَيْئًا جَائِزًا فِي السُّنَّةِ مَاضِيًا فِي الِاخْتِيَارِ، وَإِنْ كَانَ لَازِمًا لَهُ.

 وَنَقَلَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ ذَكَرَ رِوَايَةَ أَبِي الزُّبَيْرِ فَقَالَ: نَافِعٌ أَثْبَتُ مِنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، وَالْأَثْبَتُ مِنْ الْحَدِيثَيْنِ أَوْلَى أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ إذَا تَخَالَفَا، وَقَدْ وَافَقَ نَافِعًا غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ التَّثَبُّتِ قَالَوا: وَحُمِلَ قَوْلُهُ: "وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا" عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعُدَّهَا شَيْئًا صَوَابًا غَيْرَ خَطَأٍ، بَلْ يُؤْمَرُ صَاحِبُهُ أَلَّا يُقِيمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أمْرُه بالمراجعة".

أَمَرَه.

"لأنه أَمَرَهُ بِالْمُرَاجَعَةِ، وَلَوْ كَانَ طَلَّقَهَا طَاهِرًا لَمْ يُؤْمَرْ بِذَلِكَ فَهُوَ كَمَا يُقَالُ لِلرَّجُلِ إذَا أَخْطَأَ فِي فِعْلِهِ أَوْ أَخْطَأَ فِي جَوَابِهِ إنَّهُ لَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا أَيْ لَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا صَوَابًا، وَقَدْ أَطَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ في الهدي الْكَلَامَ عَلَى نُصْرَةِ عَدَمِ الْوُقُوعِ، وَلَكِنْ بَعْدَ ثُبُوتِ أَنَّهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَسَبَهَا تَطْلِيقَةً تُطِيحُ كُلَّ عِبَارَةٍ، وَيُضَيِّعُ كُلَّ صَنِيعٍ، وَقَدْ كُنَّا نُفْتِي بِعَدَمِ الْوُقُوعِ، وَكَتَبْنَا فِيهِ رِسَالَةً، وَتَوَقَّفْنَا مُدَّةً، ثُمَّ رَأَيْنَا وُقُوعَهُ.

تَنْبِيهٌ: ثُمَّ إنَّهُ قَوِيٌّ عِنْدِي مَا كُنْت أُفْتِي بِهِ أَوَّلًا مِنْ عَدَمِ الْوُقُوعِ لِأَدِلَّةٍ قَوِيَّةٍ سُقْتهَا فِي رِسَالَةٍ سَمَّيْنَاهَا "الدَّلِيلُ الشَّرْعِيِّ فِي عَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ الْبِدْعِيِّ"، وَمِنْ الْأَدِلَّةِ أَنَّهُ مُسَمًّى وَمَنْسُوبٌ إلَى الْبِدْعَةِ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَالضَّلَالَةُ لَا تَدْخُلُ فِي نُفُوذِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ، وَلَا يَقَعُ بِهَا، بَلْ هِيَ بَاطِلَةٌ، وَلِأَنَّ الرُّوَاةَ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُسْنَدَ مَرْفُوعٌ فِي الْحَدِيثِ غَيْرُ مَذْكُورٍ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَسَبَ تِلْكَ التَّطْلِيقَةَ عَلَى ابْنِ عُمَرَ، وَلَا قَالَ لَهُ: قَدْ وَقَعَتْ، وَلَا رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ مَرْفُوعًا، بَلْ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ وُقُوعَهَا إنَّمَا هُوَ رَأْيٌ لِابْنِ عُمَر وَأَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: "وَمَالِي لَا أَعْتَدُّ بِهَا، وَإِنْ كُنْت قَدْ عَجَزْتَ، وَاسْتَحْمَقْت"، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْلَمُ فِي ذَلِكَ نَصًّا نَبَوِيًّا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْدَهُ لَمْ يَتْرُكْ رِوَايَتَهُ، وَيَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْعِلَّةِ الْعَلِيلَةِ فَإِنَّ الْعَجْزَ وَالْحُمْقَ لَا مَدْخَلَ لَهُمَا فِي صِحَّةِ الطَّلَاقِ، وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ نَصٌّ نَبَوِيٌّ لَقَالَ: وَمَا لِي لَا أَعْتَدُّ بِهَا، وَقَدْ أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ أَعْتَدَّ بِهَا، وَقَدْ صَرَّحَ الْإِمَامُ الْكَبِيرُ محمد بْنُ إبْرَاهِيمَ الْوَزِيرُ بِأَنَّهُ قَدْ اتَّفَقَ الرُّوَاةُ عَلَى عَدَمِ رَفْعِ الْوُقُوعِ فِي الرِّوَايَةِ إلَيْهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَقَدْ سَاقَ السَّيِّدُ مُحَمَّدٌ- رحمه الله- سِتَّ عَشْرَةَ حُجَّةً عَلَى عَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ الْبِدْعِيِّ، وَلَخَّصْنَاهَا فِي رِسَالَتِنَا الْمَذْكُورَةِ، وَبَعْدَ هَذَا تَعْرِفُ رُجُوعَنَا عَمَّا هُنَا فَلْيُلْحَقْ هَذَا فِي نَسْخِ سُبُلِ السَّلَامِ."

طالب: .........

طُبع، من؟ رسالة ابن الوزير أم الصنعاني؟

طالب: .........

ما رأيتها.

"وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال عَلَى الْوُقُوعِ بِقَوْلِهِ: فَلْيُرَاجِعْهَا، وَلَا رَجْعَةَ إلَّا بَعْدَ طَلَاقٍ فَهُوَ غَيْرُ نَاهِضٍ؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ الْمُقَيَّدَةَ بِبَعْدِ الطَّلَاقِ عُرْفٌ شَرْعِيٌّ مُتَأَخِّرٌ؛ إذْ هِيَ لُغَةٌ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، وَدَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى تَحْرِيمِ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ، وَبِأَنَّ الرَّجْعَةَ يَسْتَقِلُّ بِهَا الزَّوْجُ مِنْ دُونِ رِضَا الْمَرْأَةِ وَالْوَلِيِّ؛ لِأَنَّهُ جُعِلَ ذَلِكَ إلَيْهِ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ [سورة البقرة:228]، وَبِأَنَّ الْحَامِلَ لَا تَحِيضُ؛ لِقَوْلِهِ: «طَاهِرًا أَوْ حَامِلًا»، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَا تَحِيضُ؛ لِإِطْلَاقِ الطَّلَاقِ فِيهِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ حَيْضَ الْحَامِلِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَثَرٌ فِي تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ لَمْ يُعْتَبَرْ؛ لِأَنَّ عِدَّتَهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ، وَأَنَّ الْأَقْرَاءَ فِي الْعِدَّةِ الْأَطْهَارُ. قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَيُسْتَثْنَى مِنْ تَحْرِيمِ طَلَاقِ الْحَائِضِ طَلَاقُ الْمُخَالَعَةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَسْتَفْصِلْ حَالَ امْرَأَةِ ثَابِتٍ هَلْ هِيَ طَاهِرَةٌ أَوْ حَائِضٌ مَعَ أَمْرِهِ لَهُ بِالطَّلَاقِ، وَالشَّافِعِيُّ يَذْهَبُ إلَى أَنَّ تَرْكَ الِاسْتِفْصَالِ فِي مَقَامِ الِاحْتِمَالِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ."

لاحظ أيضًا على الخلاف في الفسخ والخلع، هل هو طلاق أو ليس بطلاق؟ فإن قلنا: إنَّه طلاق وإنَّه لا بد منه، لا بد أن يكون في حال الطهر، وإذا قلنا: الحكم يختلف، اختلف توابعه.

الله المستعان.