شرح مختصر الخرقي - كتاب الطهارة (08)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في باب السواك وسنة الوضوء, وقفنا عند تخليل اللحية؟
يقول المؤلف -رحمه الله-: وتخليل اللحية, مقتضى ذكره التخليل في هذا الفصل، وفي هذا الباب أنه من السنن, وأنه يسن تخليل اللحية, المراد باللحية هنا الكثيفة, أما اللحية الخفيفة التي تبين من خلالها البشرة فلا بد من إيصال الماء إلى البشرة؛ لأن ما ظهر مما يجب غسله فرضه الغسل, لا بد من غسل البشرة التي تظهر, فإذا كانت اللحية خفيفة تبدو من خلالها البشرة فلا بد من غسلها، أما إذا كانت كثيفة لا تبدو من ورائها البشرة فيكتفى بتخليلها، وقد جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما يدل على أنه كان يخلل لحيته؛ لأنها كثيفة لحيته -عليه الصلاة والسلام-، مقتضى ذلك أن ما ظهر من القدم أيضاً إذا كان عليه خف، أو ما في حكمه مما يمسح عليه، أن ما ظهر من القدم أيضاً فرضه الغسل, وهذا قاعدة وجادة مسلوكة عند أهل العلم، أن ما ظهر مما يجب غسله فرضه الغسل؛ ولذا لو افترضنا أن شخصاً عليه خف مخرق يبدو منه بعض المحل المفروض فإنه حينئذٍ يجب غسله، ولا يجمع، ولم يرد الجمع بين الغسل والمسح فعلى هذا لا يجوز المسح على الخف المخرق؛ لأن الجادة والقاعدة عند أهل العلم أن ما ظهر من المحل المفروض يجب غسله، وهذا هو ما يدل عليه الأدلة من الكتاب والسنة، المأمور بغسل الوجه، والمأمور بغسل الرجل وما ظهر منها داخل في المأمور به، وإذا وجد ما ينوب مناب هذا الغسل من المسح على الخف يمسح عليه، لكن من مقتضى ذلك أن يكون الخف ساتراً للمحل المفروض كله، وإلا فما الفرق بين أن يبدو ما بين الخف وبين الكعب إذا كان الخف دون الكعب، وما في أثنائه وخلاله من أسفله أو فوقه، كل ما ظهر مما يجب غسله فرضه الغسل، وعلى هذا إذا كانت اللحية خفيفة تبدو من ورائها البشرة فإنه يجب غسل ما ظهر من المحل المفروض، أما إذا كانت كثيفة فإنه يكتفى بتخليلها؛ لأن المفروض مختفي ولا يمكن إيصال الماء إليه إلا بمشقة شديدة فيكتفى بتخليلها، فيدخل أصابعه من أسفلها، ويدخل الماء من خلالها, ولا يلزم من ذلك أن يدخل الماء بين خلال كل شعرة وشعرة, إنما يجتهد في ذلك ويحتاط، ولا يلزم من ذلك إيصال الماء إلى كل شعرة بعينها.
طالب: ما معنى......؟
إذا كان تبين منه البشرة، يعني يبدو منه المفروض لا يجوز أن يجتهد في ذلك، ويحتاط، ولا يلزم من ذلك إيصال الماء إلى كل شعرة بعينها.
طالب:......
إذا كان تبين منه البشرة, يعني يبدو منه المفروض لا يجوز المسح عليه، سواء كان خفيفاً شفافاً أو مخرقاً, ويأتي في محله.
ورأي شيخ الإسلام ومن يقول بقوله هذا ليس بخفي, يعني لا يقول إنسان: شيخ الإسلام يقول كذا أو يقول كذا؛ لأن بعض الإخوان إذا أبدينا رأيا ولا قلنا بشيء قال: شيخ الإسلام، الشيخ فلان، الشيخ علان، ما لنا علاقة...، ما يبدو لنا ويترجح عندنا شيء، وفي محله يبسط الكلام -إن شاء الله تعالى-, نعم؟
طالب:.....
لم يثبت فيه شيء؛ ولذلك جعله سنة، يعني من باب الكمال لا من باب الفرضية، ولذلك جعله من السنن، ولو ثبت فيه شيء فقد ورد فيه الأمر ورد فيه الفعل، فلو ثبت الأمر ما اكتفينا بقولنا بالسنية، ويأتي في الباب الذي يليه ما استرسل من اللحية هل يجب غسله أو لا يجب؟ هل داخل في مسمى الوجه أو ليس بداخل؟ ومثله ما استرسل من الشعر من الخلف على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى- في الباب الذي يليه.
"وأخذ ماء جديد للأذنين" هذا سنة عند المؤلف، أخذ ماء جديد للأذنين ظاهرهما وباطنهما، أولاً: الأذنان مختلف فيهما بين أهل العلم, هل هما من الرأس أو من الوجه, أو مستقل لا من الرأس ولا من الوجه, أو ما والى الوجه منهما من مقدمهما من الوجه, وما والى الرأس من ظهورهما من الرأس؟ أقوال لأهل العلم، والبسط يحتاج إلى وقت، المقصود أن المعتمد أن الأذنين من الرأس يمسحان معه، وعلى هذا لا يسن أخذ ما جديد لهما، بل يمسحان بما بقي من ماء مسح الرأس، ومن قال بأخذ ماء جديد اعتمد على روايات حصل فيها الوهم، الصواب في هذه المسألة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- مسح رأسه بماء غير فضل يديه، يعني أخذ للرأس ماءً جديداً, مسح رأسه بماء غير فضل يديه، ولا إشكال في كون الرأس يمسح بماء جديد؛ لأنه فرض مستقل عن الوجه, أما بالنسبة للأذنين فهما من الرأس يمسحان بمائه، بما بقي وفضل من مائه، ووهم بعض الرواة فذكر أن الأذنين تمسحان بماء، وأخذ ماءً جديداً للأذنين، والصواب أنه أخذ ماءً جديداً غير ما فضل من ماء يديه لمسح رأسه.
كيفية مسح الأذنين بعد أن يمسح رأسه يقبل بيديه ويدبر، يمسح رأسه يقبل بهما ويدبر، يمسح بما بقي من هذا الماء أذنيه, فيدخل السبابتين في داخلهما ويمسح ظاهرهما بإبهاميه.
"وتخليل ما بين الأصابع" جاء الأمر به، ((وخلل بين الأصابع)) أما أصابع الرجلين باعتبار أن الماء قد ينبو عما بينهما، وقد يشتد تراصهم، وبعض الناس لا يصل الماء بين أصابع رجليه إلا بالتخليل، فيتجه القول بتخليل ما بين الأصابع، ومقتضى ذلك أنه سنة عند المؤلف، أما بالنسبة لمن يصعب عليه، أو يصعب دخول الماء ووصول الماء إلى ما بين الأصابع إلا بالتخليل فهذا لا شك أنه واجب، لا بد أن يخلل، لا بد أن يوصل الماء إلى المحل المفروض، هذا القول بوجوبه متعين، لكن بعض الناس فيه فرصة لئن يصل الماء إلى ما بين الأصابع من غير تخليل فهذا القول بالسنية بالنسبة له امتثالاً للأمر ((خلل بين الأصابع)) ظاهر، كتخليل أصابع اليدين، القول باستحبابه ظاهر لعموم الأمر ((خلل بين الأصابع)) لكن باعتبار أن تفريج أصابع اليدين سهل، ووصول الماء إلى المحل المفروض بينهما متيسر فلا يتجه القول بالوجوب ما دام يتأكد أن الماء يصل من غير تخليل، تخليل أصابع الرجلين قد يكون بخنصر اليد اليسرى، بدء من خنصر الرجل اليمنى إلى خنصر الرجل اليسرى، التخليل ما بين الأصابع إذا كانت الأصابع ملتصقة، يوجد مِن بعضِ الناس مَن بعضُ أصابعه ملتصقة سواء كان في يديه أو في رجليه لا بد من غسل ما بين الأصابع، لا بد من التأكد من وصول الماء إلى ما بين الأصابع، بالنسبة للخاتم الذي على الأصبع قد يكون ضيقاً بحيث لا يمكن وصول الماء إلى ما تحته هذا لا بد من تحريكه حتى يدخل الماء إلى ما تحت الخاتم، وقل مثل هذا في الساعة عند من يلبسها في يده، لا بد من تحريكها، أما إذا كانت واسعة، والخاتم واسع يصل الماء إلى ما تحته من غير حاجة إلى تحريك فهذا يكفي فيه الجزم بوصول الماء إلى المحل المفروض.
"وتخليل ما بين الأصابع، وغسل الميامن قبل المياسر" يعني اليد اليمنى تغسل قبل اليد اليسرى، والرجل اليمنى تغسل قبل الرجل اليسرى، ومقتضى صنيع المؤلف أن ذلك سنة، الله -جل وعلا- في آية الوضوء في سورة المائدة قال: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [(6) سورة المائدة] {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ} [(6) سورة المائدة] من غير تنصيص على تقديم اليمنى على اليسرى، ولذلك اكتفوا بالسنية إذا قرن ذلك مع كونه -عليه الصلاة والسلام- يعجبه التيمن، من ذلك قوله: "في طهوره" يعني في وضوئه، يعجبه التيمن، لكن لو قال قائل: هل نمسح جانب الرأس الأيمن قبل الأيسر؟ هل نغسل الجانب قبل الأيسر؟ غسل الميامن قبل المياسر، جاء في تغسيل الميت الأمر بتقديم الميامن ((ابدأن بميامنها، ومواضع الوضوء منها)) هل نستدل بهذا على وجوب غسل اليمنى قبل اليسرى في الوضوء؟ ((ابدأن بميامنها، ومواضع الوضوء منها)) هل في هذا ما يدل على الوجوب؟ غسل اليمين قبل الشمال في الوضوء؟ نعم الأصل في الأمر الوجوب، أولاً: الرازي في تفسيره نسب إلى الإمام أحمد أن غسل اليد اليمنى قبل اليسرى واجب، وغسل الرجل اليمنى قبل اليسرى واجب، نسبه إلى الإمام أحمد، ولا يعرف مصدره ومرجعه في ذلك، ولذا حكموا على قوله بأنه شاذ، ولا يعرف في المذهب هذا القول.
نأتي إلى حديث أم عطية في غسل بنت النبي -عليه الصلاة والسلام- حينما قال: ((ابدأن بميامنها، ومواضع الوضوء منها)) مقتضى الآية أن اليدين فرض واحد، والرجلين كذلك، ولذلك يقولون: فروض الوضوء -على ما سيأتي- غسل الوجه، غسل اليدين، مسح الرأس، وغسل الرجلين، ولا يقولون: غسل الوجه، وغسل اليد اليمنى، وغسل اليد اليسرى، يعني يفرقون بين اليد اليمنى واليسرى، لا، ما أحد قال بهذا، وعلى هذا فتقديم اليد اليمنى على اليسرى سنة، كل من وصف وضوء النبي -عليه الصلاة والسلام- ذكر أنه غسل اليد اليمنى قبل اليسرى، لكن في وضوء، أو في غسل الميت أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يبدأ بالميامن ومواضع الوضوء، وبين الجملتين اتحاد أو اختلاف؟ بينهما توافق أو تنافر؟
طالب:.......
توافق، كيف توافق؟ قوله: ((ابدأن بميامنها)) ألا يقتضي أن تغسل الرجل اليمنى قبل اليد اليسرى؟ ((ابدأن بميامنها)) أليس مقتضى هذه الجملة أن تغسل الرجل اليمنى قبل اليد اليسرى؟
طالب:.......
لم لا؟ ((ابدأن بميامنها)) يعني جملتين، نتعامل مع جملتين في حديث واحد، هذه جملة مستقلة مقتضى ذلك أن نغسل الرجل اليمنى قبل اليد اليسرى، مقتضى هذه الجملة، يعني لو لم يرد علينا غيرها هذا المتجه، وهذا المتعين أن نغسل الشق الأيمن، ثم نغسل الشق الأيسر ((ومواضع الوضوء منها)) مقتضى ذلك أن تغسل اليد اليسرى قبل الرجل اليمنى، فصار بين الجملتين توافق أو تنافر؟ يعني في الظاهر، الكلام في الظاهر في التعامل مع الجمل، ثم كوننا نحتاج إلى توثيق لنرفع هذا التعارض أو هذا التنافر هذا مطلوب، والمراد بمختلف الحديث والتعارض بين الأحاديث أنما هو في الظاهر، فيما يظهر للمجتهد، أما بالنسبة لحقيقة الأمر فلا يمكن أن يوجد تعارض ولا تناقض ولا اختلاف ولا تضاد بين أحاديث صحيحة، مقتضى الجملة الأولى ((ابدأن بميامنها)) أن نغسل الرجل اليمنى قبل اليد اليسرى، ومقتضى الجملة الثانية مواضع الوضوء أن نغسل اليد اليسرى قبل الرجل اليمنى، وهذا هو التعارض الظاهر، كيف نرفع هذا التعارض؟ الميامين يدخل فيها اليد اليمنى والرجل اليمنى، والمياسر يدخل فيها اليد اليسرى والرجل اليسرى.
طالب:.......
إيه لكن هل تغسيل الميت مثل غسل الحي بمعنى أن الوضوء يقدم على الغسل، أو الوضوء في أثناء الغسل؟ يعني هل يُوضأ الميت وضوءاً مستقلاً ثم بعد ذلك يعمم بدنه بالماء؟
..... تغسيل الميت في كتابك، يعني كالحي، انظر ماذا يقول هنا؟ ولا يدخل الماء في فيه ولا أنفه، فإن كان فيه أذى أزاله بخرقة، ويصب عليه الماء، فيُبدأ بميامنه، ويقلبه على جنبيه ليعم الماء سائر جسده، فيكون في كل المياه شيء من السدر، ويضرب السدر فيغسل برغوته رأسه ولحيته، ويستعمل في كل أموره الرفق، طيب قبل ذلك، نعم: ثم يوضئه وضوؤه للصلاة، ولا يدخل الماء في فيه ولا في أنفه، يعني لا يلزم في مثل هذا مضمضة ولا استنشاق، فإن كان فيه أذى أزاله بخرقة، ويصب عليه الماء فيبدأ بميامنه، يعني ابدأن بميامنها في الغسلات التي لا وضوء فيها، وابدأن بمواضع الوضوء في الوضوء في توضئتها، وفي الغسلة التي فيها الوضوء، هكذا قال أهل العلم، وبهذا يرتفع الاختلاف، نعم؟
طالب:......
هم قالوا: يبدأ بمواضع الوضوء، بالميامن في الغسلات التي لا وضوء فيها؛ لأن أولاً إذا قلنا: إن غسل الميت مثل غسل الحي يبدأ بوضوئه وحينئذٍ يبدأ بمواضع الوضوء، والغسلات التي لا وضوء فيها بعد ذلك إذا أردنا تعميم البدن بالماء من غير وضوء نعم نبدأ بالميامن كالحي يغسل الشق الأيمن ثم الأيسر، يفيض الماء على الشق الأيمن ثم الأيسر، فلا إشكال -إن شاء الله تعالى-.
من المسائل التي يختلف فيها غلام الخلال أبو بكر عبد العزيز مع المؤلف هنا أظن في هذا الباب مسألتين. اقرأ.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
قال -رحمه الله تعالى-: المسألة الثالثة: قال الخرقي: والسواك سنة، ثم عقب ذلك بغسل اليدين عند القيام من نوم الليل، وبه قال أكثرهم؛ لأنه قيام من نوم فلا يوجب غسل اليدين كالقيام من نوم النهار.
نعم لأن الأصل أن اليد طاهرة، فلا يلزم غسلها ما دامت طاهرة، والأمر الوارد في الحديث، أو النهي عن إدخالهما كراهة يعني، لا يرتقي إلى الوجوب؛ لأن اليد في الأصل طاهرة، هذا ما اختاره المؤلف على ما مضى، ولا شك أن الأصل في الأمر الوجوب، ولا صارف له، وأما كونهم يصرفون الأمر بمجرد العلة فهذا محل نظر، نعم.
وقال أبو بكر: يجب غسلهما، وهي الرواية الصحيحة لما روى أبو داود بإسناده عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا قام أحدكم من نوم الليل فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاث مرات، فإنه لا يدري أين باتت يده؟)).
مستند المؤلف الأمر في الحديث، وأن الأمر للاستحباب لا للوجوب، والصارف العلة ((فإنه لا يدري)) مستند من استدرك عليه غلام الخلال أن الأصل في الأمر الوجوب، وأن العلة لا تقوى لهذا الصرف، والأصل في الأمر الوجوب، نعم.
المسألة الرابعة: ذكر الخرقي عقيب ذلك التسمية، وأنها سنة في الطهارة، وبه قال أكثرهم؛ لأنه لما لم يجب الذكر في آخرها لم يجب في أولها كالصيام، وقال أبو بكر: التسمية واجبة، وهي الرواية الصحيحة لما روى أحمد بإسناده عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه)).
عرفنا مستند المؤلف في التسمية، أما ما يتداوله الفقهاء من الحنابلة وغيرهم باستدلالهم على عدم وجوب التسمية أنها عبادة لا يجب الذكر في آخرها فلا يجب في أولها كالصيام، مثل هذا لا يقوى على معارضة النص لو ثبت، وأما ما جاء في التسمية فلا يخلو حديث منها من ضعف، وكلام لأهل العلم، ولو قلنا بمقتضى الحديث الذي استدل به غلام الخلال على الوجوب ((لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه)) هل يكفي أن نقول بالوجوب، أو أن الصيغة صيغة شرط؟ لأن النفي إما أن يتجه إلى الحقيقة العرفية أو الحقيقة الشرعية أو الحقيقة اللغوية ((لا وضوء)) هل يمكن الاتجاه -اتجاه النفي- ((لا وضوء)) إلى الحقيقة العرفية أو اللغوية؟ هو توضأ، غسل الأعضاء كلها، توضأ وضوءاً يعني في ظاهره كامل، فكوننا ننفي الحقيقة اللغوية هذا غير متجه؛ لأن حقيقة الوضوء- وهي النظافة والنزاهة من الوضاءة- موجودة، وكذلك الحقيقة العرفية، يعني من رآه قال: توضأ، لكن الحقيقة الشرعية وهو الوضوء الشرعي يتجه إليه النفي، كما في قوله -عليه الصلاة والسلام- للمسيء: ((صل فإنك لم تصل)) يعني قوله: ((فإنك لم تصل)) هذا النفي متجه إلى الحقيقة اللغوية أو العرفية؟ لا، هو صلى قرأ وركع وسجد، هذه صلاة، لكن هل هذه صلاة شرعية أو ليست بصلاة شرعية؟ فالنفي يتجه إلى الحقيقة الشرعية في مثل هذه النصوص، فحينئذٍ لا وضوء شرعي، وإذا لم يكن هناك وضوء شرعي يصح أو لا يصح مع انتفاء الحقيقة الشرعية؟ لا يصح، إذاً التسمية شرط لو قلنا بمقتضى هذا الحديث، لكن هم من جهة أخرى يختلفون في التقدير، فإما أن يقولوا: لا وضوء صحيح، وإما أن يقولوا: لا وضوء كامل، فيكون هناك وضوء لكنه ناقص، والكمال هنا منه ما هو كمال واجب، ومنه ما هو كمال مستحب، المقصود أنه لو صح النص لا مفر من كونها شرط لصحة الوضوء، نفي الكمال، لو قلنا بنفي الكمال، الكمال منه ما هو واجب ومنه ما هو مستحب، فإن قلنا: نفي الكمال الواجب قلنا: واجبة على ما اقتضاه كلام الخلال، وإذا قلنا: نفي الكمال المستحب اتجه كلام المؤلف، يعني مقترناً باسم الله، توضأ مقترناً أو متبركاً باسم الله، ليس فيه نص بالوجوب، هنا زوائد الهداية على الخرقي زوائد أبي الخطاب، يقول -رحمه الله-: فصل في السواك وغيره، روى أبو هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)) متفق عليه، والسواك سنة مؤكدة عند الصلاة، وتغير رائحة الفم بمأكول أو نوم وغير ذلك.
معكم نسخ أو ليس معكم؟ زوائد الهداية على الخرقي؟ "وتغير رائحة الفم بمأكول أو نوم" لأنه كان المطبوع: "أو ثوم" ولكن الثوم داخل في المأكول، فالصواب: "أو نوم، وغير ذلك، ويستحب في سائر الأوقات إلا فيما بعد الزوال في حق الصائم ففي كراهيته له روايتان" وهذا تقدم الكلام فيه "ويستاك بعود ينقي الفم ولا يجرحه، ولا يتفتت فيه، ويجتنب الرياحين، والأولى عرجوناً أو زيتوناً أو عود أرآك، ويستاك عرضاً" يعني لا طولاً؛ لأن الطول يؤثر في اللثة، أما العرض فينظف الأسنان من غير تأثير في اللثة "ويكتحل وتراً، ويدهن غباً" يكتحل وترا بمعنى أنه يكتحل في كل عين مرة، أو ثلاث مرات، أو يكتحل في عين ثلاثاً، وفي الثانية ثنتين ليكون المجموع وترا، أيهما أقرب؟ يعني لو قلنا: إنه يكحل كل عين مرة وترا، قلنا: المجموع شفع، وإذا قلنا: يكتحل في كل عين ثلاثاً ثلاثاً قلنا: المجموع ست، صارت شفعا، فهل المنظور إليه هنا في الاكتحال وتر كل عين بمفردها أو المجموع يكتحل في عين ثلاثاً وفي عين اثنتين أو في عين واحدة، وفي الثانية اثنتين ليكون المجموع وترا؟ أيهما أوجه؟
طالب:.......
يعني كل عين مستقلة، نعم يعني هل هما شيء واحد أو شيئان؟
طالب:.......
لا هو مقتضى قياسه على اليدين يغسل كل يد ثلاثاً، ولو صار المجموع ستاً هو يغسلها ثلاثاً ثلاثاً، يغسل اليدين ثلاثاً، يعني كل يد تغسل ثلاث مرات، فينظر إلى كل عضو على حدة.
"ويدهن غباً" يعني يوما يدهن ويوما لا يدهن، والنظافة وخروج المسلم وظهوره بالمظهر اللائق به مطلوب، وتعاهد ما يقذر به مطلوب أيضاً، لكن من غير إسراف في ذلك، ولذلك يدهن غباً لا يدهن كل يوم، بعض الناس يهتم بمظهره -وهذا مطلوب- لكن ينبغي أن يكون بقدره، تجده يسرف على هذه الأمور أوقات طويلة، وأقول مثل هذا في تغيير الثياب وغيرها، لا يمكث في الثوب بحيث تجتمع فيه الأوساخ والروائح الكريهة، ولا يلزم أن يغير ثيابه كل يوم "ويسرح شعره، وينظر في المرآة" لأن حسن المظهر مطلوب، "ويتطيب" والنبي -عليه الصلاة والسلام- حبب إليه الطيب، قال: "ويجب الختان" أما وجوبه بالنسبة للرجال فظاهر؛ لأنه لا يتم الواجب إلا به، ومن سنن الفطرة، وجوبه بالنسبة للرجال ظاهر؛ لأنه لا يتم الواجب- وهو الأنقى في الاستنجاء- إلا به، فهو واجب بلا شك، أما بالنسبة للمرأة فهو محل خلاف بين أهل العلم، منهم من أوجبه، ومنهم من حمله على الاستحباب "ويكره القزع" وهو حلق بعض الرأس وترك بعضه، وجاء النهي عنه في الصحيح، كان ينهى عن القزعة، والأصل في النهي التحريم، وفي مسلم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((خمس من الفطرة: الختان، والاستحداد)) الختان معروف بالنسبة للرجال والنساء وهو ما يقطع من هذا ومن هذا، والختان معروف في النساء قديماً في العرب قبل الإسلام، ثم أقر بعد الإسلام، وحديث: ((إذا التقى الختانان)) يدل على أن النساء كن يختتن، وهو أيضاً بالنسبة للمرأة مكرمة ، وأحظى لها، وفيه تخفيف لشهوتها، وثارت ثائرة الكفار، وأعداء الإسلام من فعل المسلمين هذا قبل سنتين أو ثلاث، حتى تدخلوا في منعه في بعض البلدان الإسلامية، واستجاب المسلمون لذلك والله المستعان.
"والاستحداد" استعمال الحديد، يعني بمعنى الحلق، الاستحداد بالنسبة للعانة "وتقليم الأظفار" قصها "ونتف الإبط، وقص الشارب" هذا هو الأكمل في هذه الأمور، يختتن الرجل وجوباً، والمرأة استحباباً، وتستعمل الحديدة الموسى في العانة بالنسبة للذكر والأنثى، وتُقلم الأظافر بما يزيلها بما لا يستقذر به، فلا يقلم أظافره بأسنانه كما يفعله بعض الناس، وأي آلة تزيله يكتفى بها "ونتف الإبط" يعني لو استعمل النتف للعانة، أو استعمل النورة ما استعمل الاستحداد، بأي شيء زال الشعر أجزأ، لكن التوجيه في الحديث على استعمال الموسى بالنسبة للعانة، وتقليم الأظفار بما يزيلها، وأما بالنسبة للإبط فالنتف؛ لأنه يزيل أصول الشعر، وأصول الشعر يتعلق به الأوساخ والروائح من جراء العرق وغيرها.
"نتف الإبط" لكن لو أزاله بالموسى أو بالنورة كفى "وقص الشارب" لا حلقه، وإن جاء في رواية النسائي -رحمه الله تعالى- ما يدل على الحلق، وقال أنس: وقت لنا بقص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة أن لا يترك أكثر من أربعين يوماً، ولذا يتجه القول بتحريم ترك هذه الأمور أكثر من أربعين ليلة.
"ويستحب التيامن في سواكه" يعني البداءة بالشق الأيمن قبل الأيسر، وأما بالنسبة لليد فليكن الاستياك باليد اليسرى في قول عامة أهل العلم؛ لأنه من باب إزالة القذر، وشيخ الإسلام -رحمه الله- يقول: لا أعلم أحداً من الأئمة قال بالتسوك باليمين، وجده المجد يقول بذلك، لكن لعله يقصد من الأئمة المتبوعين "وسواكه ووضوئه" ومن ذلك ما تقدم غسل الميامن قبل المياسر "في سواكه ووضوئه" ليس وانتقاله؟ ماذا يقول؟
طالب:.......
أي نعم، صحيح "وانتعاله" لأنه هنا كتب "وانتقاله" في أخطاء كثيرة "وانتعاله" يعني لبس النعل اليمنى، فاليمنى في اللبس تقدم، وفي الخلع تقدم اليسرى، لتبقى اليمنى منعولة محفوظة أكثر من اليسرى؛ لأنها أكمل وأشرف، وجاء ما يدل على أنه يعجبه التيمن في تنعله -عليه الصلاة والسلام-، ودخوله المسجد، فيقدم رجله اليمنى في دخول المسجد، والعكس في الخروج يقدم اليسرى، وجاء ما يدل على ذلك، وأنه من السنة، كما عند البيهقي وغيره.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم....