كتاب الجهاد والسير من المحرر في الحديث - 02

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نعم.

بسم الله، والحمد لله، وأصلي وأسلم على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين.

 قال الإمام ابن عبد الهادي في محرره:

وعن كعب بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان إذا أراد غزوة ورى بغيرها.

 وعن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «الحرب خدعة»، متفق عليهما.

 وعن عبد الله بن أبي أوفى -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان في بعض أيامه التي لقي فيها العدو ينتظر حتى إذا مالت الشمس قام فيهم فقال: «يا أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف»، ثم قام النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: «اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم»، متفق عليه، واللفظ لمسلم.

 وعن قيس بن عبَّاد -رضي الله عنه-.."

عُبَاد عُبَاد.

"وعن قيس بن عُبَاد -رضي الله عنه- قال: كان أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يكرهون الصوت عند القتال.

 وعن أبي بردة عن أبيه -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بمثل ذلك، رواهما أبو داود والحاكم وقال: على شرطهما.

 وعن معقل بن يسار أن عمر -رضي الله عنه- استعمل النعمان بن مقْرِن.."

مقَرِّن.

"ابن مقَرِّن قال- يعني النعمان-: شهدت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فكان إذا لم يقاتل أول النهار أخّر القتال حتى تزول الشمس، وتهب الريح، وينزل النصر، رواه أحمد وأبو داود.

 وعنده عن معقل بن يسار أن النعمان بن مقرِّن قال: شهدت النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكره، ورواه النسائي والترمذي وصححه والحاكم وقال: على شرط مسلم."

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن ابن عَوْن قال: كتبت إلى نافع أسأله عن الدعاء قبل القتال"، وعن ابن عَوْن قال: كتبت إلى نافع هذه الرواية بالمكاتبة، وهي طريق صحيح من طرق التحمل تحمل الحديث، وروي بها جملة من الأحاديث الصحيحة، فالصحابي يكتب إلى التابعي، والتابعي يكتب إلى من دونه بالحديث، وقد تحصل المكاتبة من الطرفين.

 وعلى كل حال هي طريق من طرق التحمل الصحيحة بشروطها، مع أمن عدم التزوير فيها، ومع ختمها وشدها.

 "كتبت إلى نافع أسأله عن الدعاء قبل القتال قال: فكتب إليَّ" هذه مكاتبة بين طرفين، "فكتب إليَّ: إنما كان ذلك في أول الإسلام" أسأله عن الدعاء قبل القتال، الدعاء قبل القتال، المراد به دعوة من يراد قتاله إلى الإسلام، دعوة من يراد قتاله إلى الإسلام، فهل يُبدَأ بالدعوة، أو يُبدَأ بالقتال من غير دعوة إلى الإسلام؟

 ظاهر الخبر أنه يُبدَأ بالقتال، وأن البداءة بالدعوة إلى الإسلام ليست بواجبة مطلقًا، والحديث الذي يلي هذا الحديث يشير إلى أنهم يدعَون إلى الإسلام قبل القتال، فإن أجابوا كُفَّ عنهم، وإن لم يجيبوا تأتي الخصال التي يوصي بها النبي -عليه الصلاة والسلام- من يؤمره على جيش، لكن أولها الدعوة إلى الإسلام، وفي حديث ابن عَوْن هذا قال: "كتبت إلى نافع أسأله عن الدعاء قبل القتال قال: فكتب إليَّ إنما ذلك في أول الإسلام، إنما كان ذلك في أول الإسلام" لماذا؟ لأن أمر الإسلام يخفى في أول الأمر، ثم بعد ذلك ما كان يخفى، ما كان أمر الإسلام يخفى على أحد، فالذي لا يستجيب قبل القتال يقاتَل، وظاهر الخبر أنه دون إنذار ولا دعوة، قال: إنما كان ذلك في أول الإسلام، ثم استدل على ما ادعائه بقوله: قد أغار النبي -صلى الله عليه وسلم-، "قد أغار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على بني المصطلِق وهم غارُّون"، يعني وهم غافلون، أغار على بني المصطلِق وهم غارُّون، يعني غافلون.

 "وأنعامهم تسقى على الماء، فقَتَل مقاتِلَتَهم، وسبى سَبْيَهم" فالحديث دليل على أن القتال لا يلزم أن يتقدمه دعوة إلى الإسلام، وهذا قال به جمع من أهل العلم مطلقًا استدلالاً بهذا الحديث، والحديث الذي يليه يدل على أنهم يدعَوْن إلى الإسلام مطلقًا، ومن أهل العلم من يجمع بين الحديثين، وهو القول الوسط في المسألة، وهو أنه إن كان قد سَبقت دعوتهم إلى الإسلام فلا يلزم أن تكرر هذه الدعوة، وإنما يقاتَلون وهم غارّون كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- بالنسبة لبني المصطلِق، وأما إذا لم يسبق لهم دعوة إلى الإسلام فإنهم يدعَون قبل القتال على ما سيأتي في حديث بريدة إن شاء الله تعالى.

 "قد أغار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على بني المصطلِق وهم غارّون، وأنعامهم تسقى على الماء، فقتل مقاتلتهم، وسبى سبيهم".

 معلوم أن بني المصطلِق من العرب، ويستدل بهذا الحديث من يقول بجواز سبي العرب، وأنهم يُسْبَون، والحديث دليل صريح في ذلك، وهو صحيح متفق عليه، وكان من السبي جويرية أم المؤمنين جويرية بنت الحارث المصطلقية.

 "وأصاب يومئذ جويرية بنت الحارث قال: وحدثني هذا الحديث عبد الله"، قال نافع: "وحدثني هذا الحديث عبد الله بن عمر، وكان في ذلك الجيش"، وفائدة مثل هذا التنصيص على أنه كان في ذلك الجيش أنه تلقاه بدون واسطة، تلقى الخبر بدون واسطة، ما سمعه من أحد ثم رواه عنه نافع، لا، إنما تلقاه بدون واسطة، فالحديث ظاهره البداءة بالقتال قبل الدعوة إلى الإسلام، وإن كان معارَضًا بالحديث الذي يليه، وظاهره أيضًا جواز سبي العرب، وأنهم يسترقُّون إذا أسروا في الجهاد.

 "متفق عليه، واللفظ لمسلم.

 وعن سليمان بن بريدة عن أبيه -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أمّر أميرًا على جيش"، على جيش كامل، "أو على سرية" قطعة من الجيش تغير على العدو وترجع إلى الجيش، هذه هي السرية، "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أمّر أميرًا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله".

 وتقوى الله خير ما يستعان به في جميع الأمور، وتقوى الله هي التي تعين على النصر والإخلال بالتقوى بترك بعض الأوامر أو فعل بعض المحرمات، هذا أعظم، أو من أعظم ما يعين العدو على المسلم.

 "أوصاه بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرًا" يعني وأوصاه بمن معه من المسلمين خيرًا بأن يرفق بهم ولا يشق عليهم، وأن يمحضهم النصيحة.

 "ثم قال: «اغزوا بسم الله في سبيل الله»" يعني بادئين بسم الله، والذي لا يُبدَأ ببسم الله تنزع منه البركة، والذي يُبدَأ ببسم الله تصاحبه البركة، فكونهم يبدؤون بسم الله «في سبيل الله» لإعلاء كلمة الله «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله»، «قاتلوا من كفر بالله، قاتلوا من كفر بالله»، {جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [سورة التوبة:73]، {قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ} [سورة التوبة:123]، فالقتال إنما يكون لمن كفر بالله -جل وعلا-، «اغزوا» كرر الأمر بالغزو تأكيدًا.

 «اغزوا ولا تغلّوا»، والغلول هو الخيانة، والأخذ من الغنيمة قبل أن تقسم الأخذ من الغنيمة، قبل أن تقسم.

 «ولا تغدروا» والغدر والخيانة بمعنى، فمن أُعطِيَ عهدًا لا يجوز غدرهم، وجاء في وصفه -عليه الصلاة والسلام- في حديث ابن عباس في قصة هرقل، فهل يغدر؟ قال: لا، وهذه شهادة من أبي سفيان حال كفره، قال: وكذلك الأنبياء لا تغدر، لكن أبا سفيان استغل كلمة أدخلها في ثنايا كلامه لا يمكن أن تؤخذ عليه ويكذَّب بسببها؛ لأنها خبر عن مستقبل قال: ونحن معه في مدة ما ندري ما هو صانع فيها، يعني احتمال، لكن الوصف الثابت له -عليه الصلاة والسلام- أنه لا يغدر، وكذلك أتباعه.

 «ولا تغدروا ولا تمثّلوا» لا تمثّلوا بالقتلى بأن تقطعوا منهم أجزاءً وأوصالًا، يقطع الأنف، أو تقطع الأذن، يجدع الأنف، أو تقطع الأذن، أو يقطع يد أو رجل، هذا تمثيل لا يجوز بحال.

 «ولا تمثِّلُوا» فالتمثيل والمثلة حرام، والإسلام دين عدل وإنصاف، ودين رحمة ورأفة، حتى في العدو الذي يخرج يقاتل لا يفعل به هذا، قد يقول قائل: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر بالعرنيين أن تُسمَل أعينهم، قالوا: هذا مُثْلَة، وأجاز بعضهم مثل هذا النوع من المثلة، لكن الصواب أن هذا مماثلة؛ لأنهم فعلوا ذلك بالراعي والمماثلة غير المثلة، {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [سورة الشورى:40]، {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به}.

 «ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدًا» الوليد لا يقتل، وكذلك المرأة لا تُقتل، والشيخ الكبير لا يُقتَل، هؤلاء لا يُقتَلون إلا من شارك بجسده أو برأيه، فقد قتل دريد بن الصمة وهو شيخ كبير؛ لأنه له رأي في غزوة حنين.

 على كل حال الأصل أنه لا يقتل وليد، وجاء النهي عنه، وجاء النهي عن قتل النساء والذراري، وجاء النهي عن قتل الشيوخ، النهي عن قتل النساء عمومه يشمل جميع صور القتل وجميع الأسباب الموجِبَة لهذا القتل النهي عن قتل النساء مع قوله -عليه الصلاة والسلام-: «من بدل دينه فاقتلوه، من بدل دينه فاقتلوه» يدخل في هذا النساء أو لا يدخل؟ «من بدل دينه فاقتلوه» مَن مِن صيغ العموم، يشمل الرجال، ويشمل النساء، وجاء النهي عن قتل النساء، يعني في الجهاد لا إشكال، لا تُقتَل النساء إذا لم يشارِكْن، في غير الجهاد عموم النهي عن قتل النساء يشمل المرتدة، ويشمل الكافرة الأصلية النهي عن قتل النساء، وعموم قوله: «مَن بدل دينه فاقتلوه» يشمل الرجال والنساء، وهنا التعارض مثل التعارض الذي ذكرناه بين ذوات الأسباب وأوقات النهي من باب العموم والخصوص الوجهي، فقوله: «من بدل دينه فاقتلوه» يشمل الرجال والنساء، والنهي عن قتل النساء يشمل الكافرات الأصليات والمرتدات، عموم «من بدل دينه فاقتلوه»، وعموم النهي عن قتل النساء، «من بدل دينه فاقتلوه» هذا عمومه محفوظ، والنهي عن قتل النساء دخله مخصصات كثيرة، فالقاتلة من النساء يُنهى عن قتلها؟

تُقتَل، المحصنة من النساء إذا زنت تُرجَم، فدخل العموم بعض المخصِّصَات، فضعف عمومه، فالجمهور يقولون: إن المرتدة تقتل خلافًا للحنفية في المسألة، والمرجَّح كما هو على ضوء القواعد التي ذكرناها هو قول الجمهور؛ لأن عموم «من بدل دينه فاقتلوه» محفوظ، وعموم النهي عن قتل النساء غير محفوظ.

 «ولا تقتلوا وليدًا، وإذا لقيت عدوك من المشركين» إذا لقيت العدو، «فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال»، وهما بمعنى واحد، وإيرادهما في الحديث دليل على دقة أهل الحديث وإلا فلا يترتب على ذلك اختلاف في المعنى ولا في الحكم.

 «فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال، فأيتهن ما أجابوك»، وما هذه زائدة يعني فأيتهن أجابوك إليها، «فاقبل منهم، فاقبل منهم، وكف عنهم، ثم ادعهم إلى الإسلام»، يعني بعد هذا الإجمال التفصيل، «فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال»، ثم هذه للتفصيل، وهي قائمة مقام الفاء التفريعية نائبة ومضمنة معنى الفاء، كأنه قال: فادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم، وكف عنهم، فالدعوة إلى الإسلام لا بد أن تتقدم القتال، لاسيما بالنسبة لمن لم تبلغه الدعوة، أما من بلغته الدعوة ففيه الخلاف السابق.

 «ثم ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم، وكف عنهم»؛ لأنه لا يجوز قتال المسلم، فالذي يجيب إلى الإسلام، ويدخل فيه، ويعلن الشهادة هذا يجب الكف عنه؛ «أمرت أن أقاتل حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوا ذلك فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم».

 «ثم ادعهم» الخصلة الثانية «إلى التحوُّل» يعني إذا أجابوا إلى الإسلام فـ«ادعهم إلى التحوُّل من دارهم إلى دار المهاجرين»، ووجوب الهجرة في زمنه -عليه الصلاة والسلام- لازمة لكل من دخل في الإسلام، وكان هذا قبل الفتح، أما بعد الفتح فإنه لا هجرة بعد الفتح، لا هجرة بعد الفتح، يعني من مكة إلى غيرها إلى المدينة؛ لأنها صارت دار إسلام.

 «ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين» يعني من الحقوق، «وعليهم ما على المهاجرين» من الواجبات، «فإن أبوا أن يتحولوا فأخبرهم» يعني يقبل منهم الإسلام، ويكف عن قتالهم، لكنهم يكون حكمهم حكم الأعراب، وليس حكم المهاجرين، «فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين، يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين، ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء»، الغنيمة ما يُحصَل عليه من مال العدو بالقتال، والفيء ما يحصل عليه من مال العدو من دون إيجاف خيل ولا ركاب، يعني بغير قتال، «إلا أن يجاهدوا مع المسلمين»، بقوا ما هاجروا، لكنهم شاركوا في القتال، لهم نصيبهم من الغنيمة كسائر المشاركين.

 «إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا، فإن هم أبوا» يعني أبوا الدخول في الإسلام، «فإن هم أبوا» يعني أبوا الدخول في الإسلام، وليس أبوا الهجرة، إن دخلوا في الإسلام وأبوا الهجرة فإنهم يكونون كأعراب المسلمين، لكن إن أبوا أن يدخلوا في الإسلام، «فسلهم الجزية»، وهذه هي الخصلة الثانية، «فسلهم الجزية»، وهذا عام في جميع طوائف الكفر من أهل الكتاب والمجوس وغيرهم على خلاف بين أهل العلم: هل تؤخذ الجزية من غير أهل الكتاب، كما جاء في آية المائدة التي سياقها في أهل الكتاب {حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [سورة التوبة:29]، أو لجميع أو بالنسبة لجميع الكفار الذين يحل قتالهم تؤخذ منهم الجزية، فإن بذلوها كف عنهم؟

 والحديث دليل على أنها تؤخذ من كل كافر، فإذا دفعها كف عنه، وكون الجزية تساق في آية المائدة في سياق أهل الكتاب لا يعني أنها لا تتناول غيرهم، فالتنصيص على أهل الكتاب لا يمنع دخول غيرهم فيها؛ لأن التنصيص على بعض الأفراد بحكم موافق لا يقتضي التخصيص. «فسلهم الجزية، فإن أجابوك فاقبل منهم، وكُفَّ عنهم»، يعني دفعوا الجزية، أدَّوا الجزية عن يد وهم صاغرون كُفَّ عنهم، لا تقاتلهم.

 «فإن أجابوك فاقبل منهم، وكف عنهم، فإن أبوا» رفضوا الدخول في الإسلام، ورفضوا دفع الجزية، «فاستعن بالله وقاتلهم، فاستعن بالله وقاتلهم».

 فالخصال ثلاث: الدعاء إلى الإسلام، إن أجاب هؤلاء يكف عنهم عن قتالهم، ويدعون إلى الهجرة، وهذا داخل في الخصلة الأولى، إن رفضوا وأبوا الدخول إلى الإسلام يدعون إلى الجزية، تطلب منهم الجزية «فسلهم الجزية»، «فإن أبوا ذلك فاستعن بالله وقاتلهم، فاستعن بالله وقاتلهم. وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه فلا تجعل لهم ذمة الله ولا ذمة نبيه»؛ لأنك قد تخفر هذه النية، «وإنما اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك»، لماذا؟

«فإنكم إن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله»، لا شك أن العقد على ذمة الله وعلى ذمة رسوله أمره عظيم، قد يضطرون إلى خفر هذه الذمة لمصلحة راجحة بعد أن ينذروا من عاهدوهم، فإذا كانوا أعطوهم ذمة الله وذمة نبيه فالأمر أشد، وإن أعطوهم ذممهم وذمم أصحابهم فالأمر أسهل.

 «أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله. وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزل على حكم الله فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك»، لماذا؟

لأنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا؛ لأن المسألة قد يكون فيها نص من كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- فهذه الأمر فيها سهل، لكن قد يتطلب الأمر ما وراء ذلك من اجتهاد أو قياس يعتريه الخطأ والصواب، «فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم» فقد تجتهد، وتبذل الوسع، وتبذل الجهد، وتستفرغ الوسع في تنزيل المسألة على أصولها وقواعدها، لكنك لا تصيب، وأنت مأجور على كل حال، فإذا أنزلتهم على حكم الله فلا بد في ذلك من الإصابة، وإذا أنزلتهم على حكمك الناشئ عن اجتهادك المبني على الأصول والقواعد والنصوص الشرعية فهذا ولو أخطأت فأنت مأجور.

 وكثيرا ما نسمع من يقول: ما حكم الشرع في كذا؟ ما حكم الله في كذا؟ والجواب قد يكون اجتهاديًّا، فمثل تصدير السؤال بحكم الله أو بحكم الشرع هذا إذا لم يكن الجواب بنص فقد يتخلَّف حكم الشرع وحكم الله وحكم رسوله لخطأ في الاجتهاد، أو خطأ من المجتهِد، فالسائل يسأل عن حكم كذا، فيُجَاب بما يحضر المفتي من دليل أو قول راجح مبني على أدلة راجحة، أو باجتهاد يعتريه الصواب والخطأ، وهو مأجور على كل حال.

 شخص ألف كتابًا أنت تسأل والإسلام يجيب، أنت تسأل والإسلام يجيب، فإذا نظرت في هذه الأجوبة وجدت أن منها ما هو ناشئ عن اجتهاد قد يوافَق عليه، وقد يخالف فيه، فهذا أوقع نفسه في حرج عظيم، أشير إليه في هذا الحديث، «فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك، فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا»، فالإنسان إذا كان أهلاً للفتوى، واجتهد ونظر في النصوص، ونظر فيما يعارضها من نصوص أخرى، ونظر في القواعد وفي الأدلة الأخرى المعتبرة عند أهل العلم، ثم رجح قولًا من الأقوال، أو قال بحكم مال إليه واستروح إليه بدليله وتعليله فإنه مأجور على كل حال؛ شريطة أن يكون أهلًا لهذا الأمر.

 "قال عبد الرحمن هو ابن مهدي هذا أو نحوه، رواه مسلم.

 وعن كعب بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعن كعب بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان إذا أراد غزوة ورَّى بغيرها".

 إذا أراد غزوة كتم أمره -عليه الصلاة والسلام-، وورَّى بغيرها، إذا كانت في جهة الجنوب سأل عن جهة الشمال من غير كذب، هذه تورية وتعريض، وفي المعاريض مندوحة عن الكذب، ومثل هذا يسلَك حينما تترجح فيه المصلحة. ورَّى بغيرها يسأل عن جهة الشمال، والغزوة المرادة في جهة الجنوب، أو العكس، ولا يدخل هذا في الكذب؛ لأن هذا من التعريض المباح، وهكذا فعل في جميع غزواته إلا ما كان من غزوة تبوك فإنه أخبرهم بها؛ لأن المسافة بعيدة، والوقت شديد، في شدة حر؛ ليتأهبوا ويستعدوا لهذه المسافة الطويلة، ويأخذوا حذرهم من شدة الحر، والعدو بعيد، قد لا يصله الخبر، بخلاف ما إذا كان العدو قريبًا، وهذا من السياسة الشرعية في الجهاد. نعم.

 قال: "وعن جابر -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «الحرب»" إيش؟ بضم الخاء؟

طالب: .......

بالاتفاق؟ مضمومة الخاء عندك؟

طالب: .......

ما عليها شيء.. كلها بضم الخاء؟

طالب: .......

بالفتح..

في سنن أبي داود الفتح لغة النبي -صلى الله عليه وسلم- «الحرب خَدعة»، ما الفرق بين الخُدعة والخَدعة؟

طالب: .........

على كل حال هما لغتان في اللفظ، لغة النبي -صلى الله عليه وسلم- التي هي لغة قريش الفتح، ولغة غيرهم وبعض الناس يتحاشى أن تتعدد اللغات في لغة واحدة، ويعبِّر باللهجات اللغة واحدة واللهجات متعددة، ولا مانع من إطلاق اللغة في داخل لغة، فيقال: هذه لغة قريش، وهذه لغة تميم، وهذه لغة هذيل، وهكذا، فلغة قريش خَدعة بالفتح، وهي لغة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وغيره من العرب يقول: خُدعة، ونظير ذلك الفعل: استحيى يستحيي لغة قريش بياءين، ولغة تميم بياء واحدة، {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي} [سورة البقرة:26] لغة قريش، {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي} [سورة البقرة:26].

 «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي فاصنع ما شئت» فهو بياءين، حذفت إحداهما؛ للجزم، وبقيت الأخرى، وعلى لغة تميم «إذا لم تستحِ» بكسرة بدون ياء، «فاصنع ما شئت». وفي البخاري الترجمة على لغة تميم، ورواية الحديث على لغة قريش، وكثيرًا ما يقال في كتب النحو كتب العربية إذا كان القائل أو القبيلة القائلة بهذا الضبط قليلة جدًّا أو القائل منهم بهذا اللفظ قليل يقولون: هذه لُغَيَّة، هذه لُغَيَّة، يعني لغة نفر يسير، وليست بلغة قبيلة كبيرة.

 قال: «الحرب خُدعة أو خَدعة»، الخِداع والمخادَعة وإظهار غير الباطن إذا تُوُصِّل إليه بطريق صحيح لا يشتمل على كذب بحيلة، توصل إلى فعل واجب أو ترك محظور فهي حيلة شرعية، فهي حيلة شرعية، إذا أراد الإنسان أن يتوصَّل إلى فعل الواجب، مُنِع من واجب، فتحايل على هذا المنع، وخادع أو خدع من منعه فلا شك أن مثل هذا شرعي، وكذلك إذا اضطر إلى ارتكاب محظور فتوصل إليه بحيلة أو بخَدعة؛ للتنصل من هذا المحظور فهذا مسلك شرعي، وجاء في الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام من أجل التوصل إلى هذا الواجب، أبيحت الحيلة؛ {لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً} [سورة النساء:98].

 أما إذا كانت المخادعة أو الحيلة من أجل ارتكاب محظور أو ترك مأمور فهي التي جاء النهي عنها، وهي حيل اليهود، «لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود، فتستحلوا ما حرم الله بأدنى الحيل»، فالحيلة والخُدعة أو الخَدعة إذا لم تشتمل على محرم، وتوصل بها إلى فعل واجب أو ترك محظور فهي شرعية، والحرب من هذا النوع، يتوصل بها إلى تحقيق الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام، ويتوصل بها إلى حفظ أرواح المسلمين، وهذا من أوجب الواجبات.

 "متفق عليهما.

 وعن عبد الله بن أبي أوفى -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم-، أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان في بعض أيامه، أيامه" تطلق الأيام ويراد بها الغزوات، يراد بها الغزوات، ومنها هذا.

 "أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان في بعض أيامه التي لقي فيها العدو ينتظر حتى إذا مالت الشمس قام فيهم فقال: «يا أيها الناس، لا تتمنوا لقاء العدو»" حتى إذا مالت الشمس زالت، زالت؛ لأن وقت الزوال والشمس في كبد السماء وقت شدة الحر، والنبي -عليه الصلاة والسلام- إذا لم يغز في أول النهار أخر الغزو إلى أن تميل الشمس، "ينتظر حتى إذا مالت الشمس قام فيهم فقال: «يا أيها الناس، لا تتمنوا لقاء العدو»"، لا تتمنوا لقاء العدو؛ لأن العافية والسلامة لا يعدلها شيء، وما تدري ما الذي ينتابك ويؤول إليه أمرك إذا لقيت العدو، احتمال أن تفر من الزحف، احتمال أن تفر من الزحف، فتقع في موبقة من الموبقات، فلا تتمنَّ لقاء العدو.

 «واسألوا الله العافية»؛ لأن العافية فيها السلامة، والسلامة لا يعدلها شيء، «وإذا لقيتموهم فاصبروا، وإذا لقيتموهم فاصبروا»، ما فيه مندوحة، وهذا أو هذه من الصور التي يتعين فيها الجهاد، يكون فيها الجهاد فرض عين إذا لقي العدو وحضر الصف لا يجوز له أن يفر، كما أنه إذا دهم العدوُّ البلد تعين الجهاد، وإذا استنفره الإمام تعيّن عليه الجهاد.

 «وإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف» الجنة تحت ظلال السيوف؛ لأن الجهاد ينشأ عنه القتل في سبيل الله، ينشأ عنه إما القتل في سبيل الله، وهذا شهادة تكفِّر كل شيء، وفي بعض الروايات تكفر كل شيء إلا الدين على ما تقدم في أول الباب، وعلى ما جاء في الحديث الثاني أن الغرق يكفر كل شيء حتى الدين، وعرفنا ما في هذا الحديث من ضعف. على كل حال «وإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف»؛ لأنه ينشأ عن السيوف القتل، والقتل شهادة، والشهادة طريق إلى الجنة، طريق إلى الجنة.

 ثم قال: "ثم قام النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: «اللهم منزل الكتاب»" مُنْزِل أو مُنَزِّل {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ} [سورة يوسف:2] فهو منزِل ومنزّل الكتاب منزَل {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ} [سورة الفرقان:1] فهو منزَّل، وحينئذ يجوز التشديد والتخفيف «اللهم منزِل الكتاب» يعني يا منزل الكتاب، هذا دعاء، «ومجري السحاب» من الذي يجري السحاب؟ من الذي أنزل الكتاب؟ هو الله -جل وعلا- {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ} [سورة الفرقان:1]، {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ} [سورة يوسف:2]، فالذي أنزله هو الله بواسطة جبريل -عليه السلام- على النبي -عليه الصلاة والسلام-، «ومجري السحاب» من الذي يجري السحاب؟ هو الله سبحانه وتعالى، وأما من يزعم أنه يصرف هذه السحاب، ويغير مسارها من جهة إلى أخرى فهذا لا شك أنه لن يدرك شيئًا مهما بذل لا يستطيع أن يغير مسار هذه السحب، ولا يستطيع أن ينزل ما فيها من مطر، كل هذا بيد الله -جل وعلا-، {أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ = 69  لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً} [سورة الواقعة:69-70]، مثل هذا ما يحتاج إلى تأكيد؛ لأن الذي يدعيه لا برهان معه لا حسي لا عقلي ولا نقلي، ولذا ما احتاج إلى تأكيد، بخلاف الزرع {لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً} [سورة الواقعة:65]؛ لأن الإنسان له سبب في الزرع، يحرث، ويبذر، ويضع البذر، ويحصد، لو قال: أنا الذي زرعت صار لوجهه لقوله قبول عند الناس؛ لأنهم يرونه زرع، لكن الزارع في الحقيقة هو الله -جل وعلا-، فلما كان لابن آدم سبب مقبول يصدِّقه به بعض الناس جاء التأكيد {لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً} [سورة الواقعة:65].

 لكن لما كان إنزال المطر من السحب من السماء لا يمكن أن يدعيها إنسان، ولو ادعاها ما صدقه أحد، ما احتيج إلى التأكيد {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ} [سورة الواقعة:70]، ما قال: لجعلناه أجاجًا، وهنا يقول: «ومجري السحاب» الذي يجري السحاب هو الله سبحانه وتعالى.

 «وهازم الأحزاب» الأحزاب لما اجتمعوا تحزبوا من جميع القبائل، وحاصروا المدينة، من الذي هزمهم؟ هل هزمهم المسلمون بقوتهم؟ هزمهم الله بجنود ورياح، «وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم»، فالنصر بيد الله -جل وعلا-، وله أسباب، {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ} [سورة الحـج:40]، وسمعنا مع الأسف بعض من ينتسب إلى الإسلام من الكُتَّاب وغيرهم ممن يجعل النصر كله بسبب الآلات، بسبب الآلات، نعم أمرنا بإعداد العدة {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم} [سورة الأنفال:60]، لكنه سبب، والسبب عند أهل السنة مؤثر، لكنه لا يؤثر بنفسه كما تقول المعتزلة، إنما هو مؤثر بتأثير الله، بجعل الله -جل وعلا- له فيه الأثر، سمعنا- نسأل الله العافية- في بعض الظروف التي مضت من الشدائد التي أحاطت ببعض أقطار المسلمين من يقول: العدو يضرب بالصواريخ والدبابات والقنابل، ونحن نردد {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً} [سورة البقرة:249]، نسأل الله السلامة والعافية، هذا يشكك في كلام الله -جل وعلا-. «وهازم الأحزاب»، طيب الذي هزم الأحزاب بغير سبب بذلوه، نعم حفروا الخندق، وهذا من الأسباب، لكن هل تفرقوا بسبب الخندق أو بسبب الجنود والرياح؟ لا شك أنه بسبب الجنود والرياح، فإذا ارتبط المسلم بربه -جل وعلا-، ووثق به، وتوكل عليه، وبذل ما استطاعه من الأسباب من باب {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} [سورة الأنفال:60] حصل النصر بإذن الله «اهزمهم، وانصرنا عليهم».

 "متفق عليه، واللفظ لمسلم.

 وعن قيس بن عُبَاد -رضي الله عنه- قال: كان أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يكرهون الصوت عند القتال، يكرهون الصوت عند القتال".

 الجلبة والأصوات هذه لا تغني شيئًا، بل قد توقع الرعب والخوف ببعض المسلمين ممن يلي هذا المصوِّت، النبي -عليه الصلاة والسلام- لما بعث عليًّا إلى خيبر قال: «انفذ على رسلك»، يعني برفق ولين وتؤدة.

 كان أصحاب النبي -عليه الصلاة والسلام- يكرهون الصوت عند القتال إلا ما جاء من ذكر الله -جل وعلا-، والتكبير، وما أشبه ذلك، وأما ارتفاع الأصوات، ويا فلان ويا علان من أمور لا يحتاج إليها فهذه أمور مكروهة، وقد يكون العدو غافلًا عن المسلمين الذين يريدون أن يأخذوهم على غرة، ثم ينتبهوا بسبب هذه الأصوات، فيترتب عليها أمور تنبه العدو، وقد تخيف بعض الضعاف من المسلمين هذه الأصوات.

 "وعن أبي بردة، عن أبيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بمثل ذلك" يعني مرفوعًا: كان أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يكرهون الصوت عند القتال، هذا موقوف على الصحابة، وإذا قال الصحابي: كانوا يفعلون إن أضافه إلى عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- فهذا له حكم الرفع، وإن لم يضفه فهو خلاف بين أهل العلم هل له حكم الرفع أو لا، لكنه في حديث أبي موسى عن أبي بردة عن أبيه عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بمثل ذلك، يعني مرفوعًا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-.

 "رواهما أبو داود والحاكم وقال: على شرطهما" يعني على شرط الشيخين، وتقدم ذكر المراد بشرط الشيخين، وأنه رجالهما، رجال الشيخين، وشرحنا هذا بما لا ينبغي تكراره؛ لأنا أفضنا في هذه المسألة.

 "وعن معقل بن يسار، وعن معقل بن يسار أن عمر -رضي الله عنه- استعمل النُّعْمَان بن مُقَرِّن، أن عمر -رضي الله عنه- استعمل النعمان بن مقرِّن، فذكر الحديث، قال- يعني النعمان-: شهدت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكان إذا لم يقاتل أول النهار"، أول النهار في وقت البركة والجو المعتدل قبل أن تزداد حرارة الشمس، إذا لم يقاتِل في هذا الوقت فإنه يؤخِّر القتال، لا يقاتل حينما تشتد حرارة الشمس حتى تزول تميل إلى جهة المغرب، وتهبّ الرياح، فإذا هبّت الرياح لا شك أن الجو يعتدل، وجاء في الخبر «نُصِرتُ بالصبا، وأهلكت عاد بالدَّبُوْر»، فالريح الرياح لا شك أنها معينة للمجاهدين على الجهاد، وللمقاتلين على القتال؛ لأنها تلطِّف الجو وينزل النصر من الله -جل وعلا- إذا بُذِلَت أسبابه كما كان الشأن في عهده -عليه الصلاة والسلام-.

 "رواه أحمد وأبو داود، وعنده عن معقل بن يسار، عن مَعْقِل بن يسار أن النعمان بن مقرِّن قال: شهدتُ فذكره" أي ذكر الحديث فذكره.

 "شهدتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فكان إذا لم يقاتِل أول النهار أخَّر القتال حتى تزول الشمس، وتهب الرياح، وينزل النصر".

 وهنا عن معقل بن يسار أن النعمان بن مقرِّن هذه رواية أخرى للحديث، وكلاهما عن معقل بن يسار عن النعمان بن مقرِّن وقال: شهدتُ، وهناك قال: شهدتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم، فكان إذا لم يقاتل، ما الداعي أو ما الفائدة من الإتيان بالرواية الأخرى؟ الأولى عن معقل بن يسار أن عمر -رضي الله عنه- استعمل النعمان بن مقرن فذكر الحديث، قال- يعني النعمان-: شهدت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى آخره، وفي الثاني قال: وعنده عن معقل بن يسار أن النعمان بن مقرن في الطريق الأول قال: عن معقل بن يسار أن عمر استعمل النعمان، أن عمر استعمل النعمان، وفي الطريق الثاني عن معقل بن يسار أن النعمان بن مقرّن قال: الفرق بينهما أن معقل بن يسار في الطريق الأول يحكي قصة حصلت للنعمان مع عمر فهل أدرك هذه القصة؟

فهل أدرك معقل بن يسار هذه القصة فتكون موصولة؛ لأنه يحكي قصة أدركها، أما في الطريق الثاني، وعنده عن معقل بن يسار أن النعمان بن مقرن قال: فهو يحكي القصة عن صاحبها، وقد أدركه، إذا لم يكن أدرك القصة في عهد عمر فتكون منقطعة، أما بالنسبة للطريق الثاني فهو يحكي القصة عن صاحبها، وهي حينئذ متصلة، وهي نظير ما جاء عن محمد بن الحنفية، عن عمار، أن النبي -عليه الصلاة والسلام- مَرَّ به.

 محمد بن الحنفية تابعي لم يدرك النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولم يدرك هذه القصة، لكنه يرويها عن صاحبها، محمد بن الحنفية عن عمار بن يسار، أن النبي -عليه الصلاة والسلام- مَرَّ به. في الطريق الأخرى قال: عن محمد بن الحنفية، أن عمارًا مر به النبي -عليه الصلاة والسلام-، هو في هذا الطريق يحكي قصة لم يشهدها، فالطريق الأول متصل، والثاني منقطع، وحكم الإمام أحمد ويعقوب بن شيبة على الطريق الأول بالاتصال؛ لأنه قال: عن محمد بن الحنفية عن عمار، وحكم على الطريق الثاني بالانقطاع؛ لأنه قال: عن محمد بن الحنفية أن عمارًا مر به النبي -عليه الصلاة والسلام-، وابن الصلاح أخذ من الحكم على الطريقين من قبل الإمام أحمد ويعقوب بن شيبة أن هذين الإمامين يفرقان بين السند المعنعن والسند المؤنن أو المؤنأن فالسند المعنعن متصل؛ لأنهم قالوا في عن محمد بن الحنفية عن عمار قالوا: إنه متصل؛ لأنه معنعن، والثاني عن محمد بن الحنفية أن عمارًا قالوا: هذا مؤنن، فهو منقطع، والحافظ العراقي لما ذكر هذا عن ابن الصلاح قال:

..........................

 

كذا له ولم يصوِّب صوبه

كيف ما صوب صوبه؟

 يعني ما أدرك السبب في اختلاف الحكمين على الطريقين ليس سببه ومرده إلى اختلاف الصيغة، سببه إلى الواقع حينما حكى محمد بن الحنفية عن عمار قصته مع النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو يحكي القصة عن صاحبها، لكن لما حكى القصة من تلقاء نفسه أن عمارًا مر به النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو لم يدركها حكم على الخبر بأنه منقطع، وليس مرد ذلك إلى اختلاف الصيغة.

 "ورواه النسائي والترمذي وصححه والحاكم وقال: على شرط مسلم."

نكتفي بهذا.

والله أعلم.

 وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

"