شرح الموطأ - كتاب الحج (15)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، واحفظه بحفظك يا ذا الجلال والإكرام، واغفر للسامعين يا رب العالمين.

قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:

باب: ما يقتل المحرم من الدواب:

حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح: الغراب والحِدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور)).

وحدثني عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((خمس من الدواب من قتلهن وهو محرم فلا جناح عليه: العقرب والفأرة والغراب والحدأة والكلب العقور)).

وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((خمس فواسق يقتلن في الحرم: الفأرة والعقرب والغراب والحدأة والكلب العقور)).

وحدثني عن مالك عن ابن شهاب أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أمر بقتل الحيات في الحرم.

قال مالك -رحمه الله- في الكلب العقور الذي أمر بقتله في الحرم: "إن كل ما عقر الناس وعدا عليهم وأخافهم مثل الأسد والنمر والفهد والذئب فهو الكلب العقور، وأما ما كان من السباع لا يعدو مثل الضبع والثعلب والهر وما أشبههن من السباع فلا يقتلهن المحرم، فإن قتله فداه، وأما ما ضر من الطير فإن المحرم لا يقتله إلا ما سمى النبي -صلى الله عليه وسلم- الغراب والحدأة، وإن قتل المحرم شيئًا من الطير سواهما فداه".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

لما ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- فيما تقدم ما لا يجوز قتله من الصيد أردف ذلك بما يجوز قتله في الحرم والإحرام، فقال: "باب: ما يقتل المحرم من الدواب" مما لا يجب عليه فيه الجزاء؛ لأن النص جاء بالإذن في قتلها في الحل والحرم، والدواب جمع دابة اسم لكل حيوان يدب على وجه الأرض، خصه العرف بذوات الأربع، والحديث فيه شيء من العموم؛ لأن فيه من غير ذوات الأربع فهو على معناه الأصلي.

أخرج بعضهم من الدواب الطير، قال: لا يقال للطائر دابة، وليس من الدواب الطير، لقول الله تعالى: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} [(38) سورة الأنعام] فعطف الطائر على الدابة يدل على أنه غيرها؛ لأن العطف يقتضي المغايرة، لكن في هذا الحديث الغراب والحدأة وهما من الطيور، ففيه رد على هذا القول، وجاء من النصوص ما يشمل الطيور {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [(6) سورة هود] {وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا} [(60) سورة العنكبوت] يدخل في هذا كل ما يدب على وجه الأرض.

قال -رحمه الله تعالى-:

"حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((خمس من الدواب))" خمس مبتدأ نكرة وسوغ الابتداء بها الوصف، فمن الدواب جار ومجرور متعلق بوصف محذوف للخمس، والنكرة إذا وصفت أفادت "((ليس على المحرم))" هذا خبر المبتدأ، ليس على المحرم بأحد النسكين الحج أو العمرة "((في قتلهن جناح))" لا إثم ولا حرج ولا فدية ((الغراب)) وهذا هو الأول، الغراب كذا بالإطلاق، وجاء تقييده بالأبقع، ورجح الأكثر عدم التقييد، ورجح ابن خزيمة التقييد، واتفقوا على إخراج الغراب الصغير غراب الزرع الذي يأكل الحب، اتفقوا على إخراج الغراب الصغير، الغراب ووصفه بالأبقع هل نقول: إن هذا وصف فيكون من باب الإطلاق والتقييد، ومقتضى القاعدة في مثل هذا التقييد، إذا قلنا: إنه من باب تقييد المطلق؟ أو نقول: إن الأبقع فرد من أفراد العموم الذي هو الغراب المحلى بـ(أل) الجنسية، فإذا كان فردًا من أفراد الغراب قلنا: إن هذا تنصيص على بعض أفراد العام بحكم موافق فلا يقتضي التخصيص.

أولًا: الأكثر على عدم اعتبار الوصف الذي هو الأبقع، فإذا قلنا: إنه وصف وصفناه بأنه أبقع، قلنا: إنه من باب الإطلاق والتقييد، أو نقول: إن الأبقع فرد من أفراد العام، وليس وصفًا من أوصافه، الآن الغراب إذا أطلق يطلق على ماذا؟ على جميع الأنواع، يطلق على الأسود الخالص، ويطلق على الأبقع، ويطلق على غراب البين، ويطلق على غراب الزرع، هذه أفراده، وقد يكون له أفراد غير هذه الأفراد، الغراب يشمل جميع هذه الأفراد، فهو لفظ عام، و(أل) الجنسية من صيغ العموم، نعم، فإذا قلنا: الغراب الأبقع هل نقول: إن هذا وصف أو فرد من أفراد الغربان؟ نعم؟

طالب: فرد.

فرد؛ لأن فيه أبقع وفيه غير أبقع، فالغراب يشمل الأنواع كلها بما في ذلك ما ذكرنا من الأبقع وغيره، وهو فرد من أفراده، ولعل هذا هو السبب في عدم اعتبار هذا القيد عند جمهور أهل العلم، وإلا إذا قلنا: عام وخاص ما فيه تخصيص، يعني الاهتمام بشأنه والعناية به، لكونه أشرها، أشدها؛ ولذلك لما خص الصغير -غراب الزرع- نعم قلنا: يخص لماذا؟ لأن الحكم موافق وإلا مخالف؟ مخالف، بينما الأبقع موافق، وإذا كان الحكم موافقًا لا يحمل العام على الخاص، وإذا كان الحكم مخالفًا حمل العام على الخاص، ظاهر وإلا ليس بظاهر؟

طالب:........

نخشى أن نكرر مرة ثانية، أخونا الذي كتب ذاك الذي يفهم لأول مرة، يمكن يمل، نعم؟

طالب: كيف ترد على......

هو ما فيه شك أن البقعة وصف، لكن الغراب الأبقع فرد.

طالب: من قيده؟

ابن خزيمة قيده، ونص على ذلك في صحيحه، نعم، فأحيانًا لا يتحرر الفرق بين التخصيص والتقييد، أحيانًا لا يتحرر؛ ولذلك في ((وجعل تربتها)) نعم اضطراب كبير بين أهل العلم هل هو تخصيص أو تقييد؟ ولذا أحمد والشافعي لا يجوز التيمم بغير التراب؛ لأنه تقييد، وغيرهم يتيمم بكل ما على وجه الأرض باعتبار التراب فرد من أفراد الأرض، فلا يتحرر الفرق بين التقييد والتخصيص ثم بعد ذلك يقع ما يقع، نعم؟

المسألة مسألة وصف وإلا فرد؟ إذا كان الشيء واحدًا لا يتعدد، نعم ثم ذكر بعض أوصافه يقيد، وإذا كان الوصف الأكبر أو اللفظ الأكبر ذا أفراد، تحته أجناس وأفراد وأنواع يكون من باب العموم والخصوص كما هنا، فالذي يظهر أنه من باب العموم والخصوص وحينئذٍ لا يخص به، وعلى هذا جرى أكثر العلماء نعم؟

طالب:.........

لا، لا.

طالب:.........

نعم صحيح، ماذا تقول: أنت؟

طالب:........

لا، هو إذا نص على فرد من أفراد العام بحكم موافق صار للاهتمام بشأن الخاص والعناية به.

((الحِدأة)) طائر معروف تسرق الأمتعة، فهي مؤذية ((والعقرب)) التي تلدغ....

طالب:.......

ما..، هي تختطف المتاع، تختطف الأمتعة تسرق.

طالب: لو ركزت على....

هذا يُذكر في مثل حياة الحيوان ولا يدرى عن حقيقته.

العقرب فيها السمية التي تلدغ بها فيتأذى بها الملدوغ، ((والفأرة)) الفويسقة المفسدة، ((والكلب العقور)) بمعنى عاقر، وهو كل سبع يعقر ويفترس، جارح على ما سيأتي، خمس: التقييد بالخمس له مفهوم وإلا لا مفهوم له؟

طالب:........

لا مفهوم له، لماذا؟ يعني زيد على العدد في نصوص أخرى، يعني لو جاءنا هذا بصيغة الحصر وقيل: لا يقتل في الحرم إلا خمس، ثم جاءت الزيادة في النصوص الأخرى، يكون الحصر له مفهوم وإلا لا مفهوم له؟ يعني ((لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة)) ثم جاء في النصوص الأخرى على أن العدد بلغ سبعة، نعم، يزاد عليه، وإلا نقول: خلاص الحصر حقيقي ولا يمكن الزيادة عليها؟ يزاد عليها ما جاء في النصوص الأخرى؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يكون اطلع على هذا العدد ثم زيد عليه؛ لأنه لا يعلم الغيب، والأحكام الأصل فيها أنها من الله -جل وعلا-، ثم يزاد فيما يزاد من الأحكام مما ينزل عليه -عليه الصلاة والسلام-، نعم؟

طالب:.......

والأخبار أيضًا، والأخبار من ذلك {مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ} [(78) سورة غافر] المقصود أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يعلم إلا ما أعلم من قبل الله -جل وعلا-، فهو لا يعلم الغيب.

التقييد بالخمس وإن كان مفهومه اختصاص المذكورات بذلك، يقول العلماء: لكنه مفهوم عدد وليس بحجة، يقول ابن حجر: عند الأكثر، مفهوم العدد، وعلى تقدير اعتباره فيحتمل أن يكون قاله -عليه الصلاة والسلام- أولًا، ثم بين بعد ذلك أن غير الخمس تشترك معها في الحكم فقد ورد في بعض طرق حديث عائشة أربع، وفي بعضها ست، هذا ذكره ابن حجر، وقل مثل هذا ما جاء في خصال المنافق في النفاق العملي، إذا جمعنا الروايات وجدناها أكثر من أربع، لكن تقرر مثل هذه المسائل بكل أدب مع النصوص النبوية، لا تكون الجرأة تحمل طالب العلم مثل ما قال بعضهم في شرح حديث: ((لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة)) قال: في هذا الحصر نظر، تتكلم في كلام من؟ كلام من لا ينطق عن الهوى، والحديث في الصحيح، هذا سوء أدب بلا شك، فإذا أراد الإنسان أن يجمع طرق الحديث ويجمع زيادات بعضها على بعض بكل أدب واحترام؛ لأنه يتعامل مع كلام المعصوم -عليه الصلاة والسلام-.

قالوا: الغراب سمي بذلك؛ لأنه يغترب ويبعد وينأى، والعلة في قتل هذه الدواب جاء التنصيص عليها في الحديث الثالث حديث عائشة.

يقول: "وحدثني عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((خمس من الدواب))" كسابقه ((من قتلهن وهو محرم فلا جناح عليه)) يعني من باب أولى إذا كان حلالًا ((العقرب والفأرة والغراب والحدأة والكلب العقور)) وزيد على ذلك الحية والأفعى، وهو داخل في مسمى الحية، والسبع العادي وهو داخل في الكلب العقور، على ما سيأتي في كلام مالك.

زيد في حديث أبي هريرة عند ابن خزيمة الذئب والنمر فصارت تسعًا، وإن أمكن إدخال بعضها في بعض إلا أنها ورد التنصيص عليها.

الحديث الذي يليه يقول:

"وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((خمسٌ فواسق)) أو ((خمسُ فواسق)) يقول النووي: هو بإضافة خمس لا بتنوينه، يكون خمسُ فواسق وإلا على التنوين: خمسٌ فواسقُ، فهو بإضافة خمس لا بتنوينه.

وجوز ابن دقيق العيد الوجهين، وأشار إلى ترجيح الثاني الذي هو التنوين، فإنه قال: رواية الإضافة تشعر بالتخصيص، إذا قلنا: خمسٌ فواسق تكون فواسق وصف، وصف بالتنوين، وإذا قلنا بالإضافة: خمسُ فواسق، نعم نبغي نقرر كلام ابن دقيق العيد قبل، الآن إذا قلنا: خمسٌ فواسق وصفنا الخمس بأنهن فواسق، وإذا قلنا: خمسُ فواسق هل مثل هذه الإضافة تقتضي التخصيص؟ أو نقول: إن هذا من باب إضافة الموصوف إلى صفته فيتحد التنوين وعدمه؟ يعني هل كل إضافة تقتضي التخصيص؟ إذا قلنا: قلمُ زيد اختص به، يعني لا قلم عمرو، وإذا قلنا: قفل الباب يختص وإلا ما يختص؟ نعم؟ يختص بالباب؟

طالب: لا يختص.

إذا قلنا: متاع المسجد، فرش المسجد، إذا أضيف إلى ما لا يملك؛ لأن هذه الإضافة بمعنى اللام، إذا قلنا: قفل الباب قلنا: القفل للباب، والمتاع للمسجد، والقلم لزيد، فإذا كانت هذه الإضافة لمن يملك أصاب التخصيص أفاد التخصيص، لكن إذا كان لا يملك لا يفيد التخصيص، وإنما هو شبهه، مثلما نقول: اللام هذه التي بمعنى هذه الإضافة، اللام أحيانًا تأتي للمُلك أو للمِلك كما يقولون أو لشبهه إذا أضيفت لما لا يملك، وهنا سواءً قلنا بالتخصيص بالإضافة خمسُ فواسق، قلنا: إن هذا من باب إضافة الموصوف إلى صفته فلا يقتضي تخصيص، أو قلنا: إنه بالتنوين وقطع الإضافة كما يقول النووي فلا يختلف المعنى.

على كل حال كلام ابن دقيق العيد يقول: رواية الإضافة تشعر بالتخصيص، فتخالف هذه الأمور غيرها، أو الأمور المذكورة غيرها في الحكم من طريق المفهوم، ورواية التنوين تقتضي وصف الخمس بالفسق من جهة المعنى، فيشعر بأن الحكم المرتب على ذلك وهو القتل معلل بما جعل وصفًا وهو الفسق، فيدخل فيه كل فاسق من الدواب.

التنصيص على الوصف فواسق، له أثر في الحكم وإلا لا أثر له؟ يعني هل قتل هذه الخمس لأنها فواسق وصف مؤثر وإلا غير مؤثر؟ مؤثر، إذًا العلة في قتل هذه الخمس لأنها فواسق، ويقول النووي: تسمية هذه الفواسق تسمية صحيحة، جارية على وفق اللغة، فإن أصل الفسق في اللغة الخروج، ومنه فسقت الرطبة إذا خرجت عن قشرها، وفي قوله -جل وعلا-: {فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [(50) سورة الكهف] أي: خرج، سمي الرجل فاسقًا لخروجه عن طاعة ربه فهو خروج مخصوص.

وزعم ابن الأعرابي أنه لا يعرف في كلام الجاهلية ولا في شعرهم فاسق، لا يعرف فاسق في كلام الجاهلية ولا في شعرهم.

المادة: مادة الفسق موجودة في معاجم اللغة، ونطق بها الجاهليون، نطقوا بالمادة، وقال ابن الأعرابي وهو من أئمة اللغة: إنه لا يعرف في كلام الجاهلية ولا في شعرهم فاسق، نعم؟

طالب:........

كيف؟

طالب:........

المادة معروفة، نعم يمكن أن تقول العرب احتمال تقول: هذا غراب فاسق، وهذه فأرة فاسقة وفويسقة، كيف يقول ابن الأعرابي وهو يعترف بهذا الكلام؟ نعم، يعترف بأن الغراب فاسق، ويعترف بأن الفأرة فاسقة وفويسقة، لكن نستحضر ما ذكرناه عن اللغويين في الذات، نفي ابن الأعرابي الإطلاق الشرعي على من خالف أنه يقال له: فاسق، فنفي ابن الأعرابي أنه قال: لا يعرف في كلام العربية ولا في شعرهم فاسق يعني بالمعنى الشرعي، يعني مثل ما قلنا عن إطلاق الذات على الله -جل وعلا- أنه لا يعرف في لغة العرب، بل هو مولد، وجاء في الحديث الصحيح في ذات الله لكن المراد في الحديث غير مراد من يقول: الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، وهنا نقول: هم يعترفون بأنه فاسق، الغراب فاسق، لكن الشخص العاصي يوجد في كلام العرب ما يسمى به فاسق؟ لا، هذا مراد ابن الأعرابي، فننتبه للمراد من كلام المتكلم لا نهجم عليه مثل ما هجمنا على اللغويين في الذات، نعم، هذا وصف شرعي، دعونا مثلًا من الوصف الإسلامي بعد استقرار اللغة، يعني لو بحثنا في كلام العرب قبل الإسلام ما وجدنا أن من خالف أمر الله وأمر نبيه -عليه الصلاة والسلام- فاسق؛ لأنه متقدم على هذا الاصطلاح، لكن هل يمكن أن يقول العربي لمن خالف أمر عيسى أو أمر موسى بأنه فاسق؟ نعم؟ لم يعرف، لم يعرف في لغة العرب هذا الكلام، وإن كانت المادة بمعناها وهو الخروج موجودة في لغة العرب، فهذا مراد ابن الأعرابي، ما يقال ابن الأعرابي مسكين كيف ينفي والمادة موجودة؟ لكن مراده بالإطلاق الشرعي، وهناك اصطلاحات إسلامية، يعني وجدت بعد الإسلام.

طالب:........

كيف؟

طالب:........

لا بد من حمله على هذا، ابن الأعرابي إمام مطلع في العربية، من الكبار يعني، من الأساطين في هذا الباب، لكن يخفى عليهم هذه المادة، وهو خالط العرب وجالسهم، وتلقاها بنفسه، ما هو من الذين ينقلون، تقول: والله خفي عليه هذا النقل، لا، ولا بد من حمل كلامه على هذا، طيب ثعلب لما قيل له: هل الآحاد جمع أحد؟ قال: حاشا أن يكون للأحد جمع، يعني مقصوده هل ينكر ثعلب أن في الشهر أربعة آحاد؟ ينكر؟ ما يمكن ينكر، لكن نظر إلى أنه اسم من أسماء الله -جل وعلا-، وأسماء الله الحسنى لا تجمع، فلا بد من إصابة المراد، لا بد من نظر بدقة إلى مراد المتكلم.

وأما المعنى نقول: ففاسق يعني بالمعنى الشرعي، وأما المعنى في وصف الدواب المذكورة بالفسق فقيل: لخروجها عن حكم غيرها من الحيوان في تحريم القتل، يعني له يمكن أن يقال: هذا معناها في اللغة، في تحريم القتل والتحريم شرعي، وقيل: في حل أكله لقوله تعالى: {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ} [(145) سورة الأنعام] وهذا أيضًا شرعي، وقيل: لخروجها عن حكم غيرها بالإيذاء والإفساد، وهذا يدركه العرب قبل الإسلام، يدركون أن هذه خرجت عن مسار غيرها مما لا يؤذي بكونها مؤذية، فهذا يمكن ينطبق عليه الخروج الفسق اللغوي، وأما كونها مما يحرم أكله أو كونها مما يحل قتله فهذا لا يدرك إلا بالشرع.

طيب نأتي إلى العلة الحقيقية في جواز قتل هذه الفواسق، الوصف المؤثر فواسق، فهل نقول: إن العلة ما دامت العلة الفسق وهو الخروج، وهذه الدواب خرجت عن غيرها بأمر يجمعها وهو الأذى، وكلها مؤذية فيلحق بها كل مؤذٍ، يلحق بها كل مؤذٍ؛ لأن العلة منصوصة مؤثرة يدور معها الحكم، فإذا وجد الأذى جاز القتل، أو نقول: إن العلة كما استروح بعضهم يعني نظر إلى مجموع ما ورد، فإذا عدم الأكل يشملها فتكون العلة عنده عدم الأكل، فيجوز قتل كل ما لا يؤكل، ومنهم من قال: إن هذه خرجت عن حكم غيرها بجواز قتلها، وقتلها إنما هو مستمد من الشرع، وعلى هذا لا يجوز قتل غيرها.

طيب نأتي إلى الوزغ مثلًا محرم وإلا في الحرم ورأيت وزغًا تقتل وإلا ما تقتل؟ على العلل الثلاث، نعم؟

طالب:........

مؤذٍ وإلا ما هو مؤذٍ؟ نعم؟

طالب:........

كونه يقتل خارج الحرم لا يعني أنه يقتل داخل الحرم، إذا قلنا: هذه لا يقاس عليها؛ لأن العلة الأخيرة، وأن العلة في القتل إذن الشارع بالقتل، وعلى هذا لا يقاس عليها، وإذا قلنا: عدم الأكل فيقاس عليها كل ما لا يؤكل، وهذا قيل به، وإذا قلنا: العلة الأذى قلنا: يقتل كل مؤذٍ، نعم؟

طالب:........

أقول: العلل عند أهل العلم ثلاث: الأولى: كونها مؤذية، الثانية: عدم حل أكلها، والثالثة: الإذن بقتلها، على العلة الثالثة لا يقاس على ما ذكر شيء، يبقى النص وما عداه لا يجوز قتله، نعم؟

طالب:........

لا الصائل يدفع، ولو أدى إلى قتله، هذا مفروغ منه، وعندهم القاعدة: (ما آذى طبعًا قتل شرعًا) لكن لا يعني هذا أنه يقتل في الحل والحرم، هذه جاء التنصيص عليها، بأنها تقتل في الحرم، وكونها ينص على أعداد معينة لا شك أن هذا له وقع في الحكم، وإلا لو أراد الشرع أن كل ما لا يؤكل يجوز قتله أو كل مؤذٍ يجوز قتله، فلا يعجز عن مثل هذا، لأتى بلفظ يتناول الجميع، لكن لا شك أن الأحكام معللة، وأن الأحكام تدور مع عللها لا سيما المنصوصة، فإذا وجد وتحققت العلة وكل على مذهبه، الشافعي يقول: العلة عدم الأكل، فكل ما لا يؤكل يجوز قتله، والحنفي يقول: العلة التنصيص على جواز قتلها، فدل على أن غيرها لا يجوز قتله، ومنهم من يقول: العلة الأذى، كل مؤذٍ يجوز من الحيوان يجوز قتله، نعم؟

طالب:........

نعم؟ ماذا تقول أنت بالراجح؟

طالب:........

أن الوصف هو الفسق والخروج عن غيرها، لكن الفسق ما سبب تسميتها بالفسق؟ الشيء..، إن أردنا حقيقته اللغوية انصرفت إلى الأذى فقط، وإن أردنا الحقيقة الشرعية فيدخل فيها العلل الأخرى.

طالب:........

يعني مؤذٍ، على الخلاف في اعتبار معنى الفسق، طيب، القمل مؤذٍ، يقتل وإلا ما يقتل؟ نعم؟

طالب:........

لا، هين، الذي فيه فدية هذا ما يجوز قتله، معناه أنه ما يجوز قتله.

طالب: الفدية هل هي على قتل القمل وإلا لإزالة الشعر؟

لا، هو افترض واحد يفلي شعره، أو ملابسه، وكلما وجده قتله بدون حلق شعر.

طالب:........

لا، انتهينا من الشعر.

طالب:........

لا، قمل مجرد يعني، حك رأسه وطلع بيده قمل، وقتلها بالطريقة المعروفة، إذا وجد، وكان الناس يعانون من هذا، لكن -الحمد لله- تغيرت الحال، ولله الحمد، نعم؟

طالب:.........

كيف؟

طالب:.........

إذا قلنا: العلة الأذى قلنا: يقتل؛ لأنه مؤذٍ، نعم؟

طالب:........

فهل نفعل وإلا نفعل؟

طالب:........

لا، ما نقتل، الأصل أن ما سكت عنه في هذا الباب الأصل المنع في كل شيء.

طالب:........

ولا في معنى المنصوص؟

طالب:........

ما هو بمعنى أن هذا المكان آمن، ويبقى أن كل ما فيه آمن، هذه هو الأصل، نعم؟

يأتي في صنيع عمر -رضي الله تعالى عنه- يقرد بعيرًا له.. إلى آخره، نعم؟

طالب:........

والله الذي يظهر الأذى، يعني هذه أقوى العلل، أن كل مؤذٍ يقتل، والمقصود بالمؤذي في طبعه، ما هو بأذى عارض، نعم، إن تعرض إن كان من باب دفع الصائل له حكم آخر، نعم؟

طالب:........

الذئب ماذا فيه؟

طالب:...........

سيأتي في كلام الإمام مالك الذئب، الكلب الأسود المأذون بقتله وليس بعقور يقتل وإلا ما يقتل؛ لأنه شيطان؟ ما يقتل إلا إذا كان عقورًا.

يقول: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب أن عمر بن الخطاب أمر بقتل الحيات في الحرم" والحية جاء التنصيص عليها، وإذا قلنا: إن العلة الأذى فإذا أذن بقتل العقرب فالحية من باب أولى.

"قال مالك في الكلب العقور الذي أمر بقتله في الحرم: "إن كل ما عقر الناس وعدا عليهم وأخافهم" هو لحظ الوصف وهو كونه عقورًا "كل ما عقر الناس وعدا عليهم وأخافهم -فهو مثل الكلب العقور- مثل الأسد" يعني إذا جاز قتل الكلب العقور والأسد يعني من باب أولى، والنمر كذلك، والفهد والذئب، كلها في حكم الكلب العقور، لا سيما إذا قلنا: إن الحكم يتعدى مع الاشتراك في العلة.

وجاء تسمية الأسد كلبًا ((اللهم سلط عليه كلبًا من كلابك)) فقتله الأسد، فهو الكلب العقور، "وأما ما كان من السباع لا يعدو مثل الضبع والثعلب والهر -يعني والكلب العادي هذا الذي ما يعقر الناس- وما أشبههن من السباع فلا يقتلهن المحرم" طيب وجدنا أسدًا في الحرم الإمام مالك يقول: يقتل، لكن وجدنا أسدًا بدون أسنان وبدون مخالب ارتفعت العلة.

طالب:........

ما يمكن؟

طالب: لا ليس بالقوة يا شيخ.......

ما يلزم، دعونا بدون آلة قتل، خلوه مريضًا كالأسد.

طالب: القوة في فكه يا شيخ.

على كل حال في آلته التي يقتل فيها ما هي موجودة.

طالب:........

يا إخوان دعونا ندور مع العلة، وجدنا ذئبًا مريضًا هل نقتل وإلا ما نقتل؟

طالب:........

رحم الله الإمام مالك، نعم؟

طالب:........

ماذا هو؟

طالب: إذا كان......

ما استأنس، لا  كونه وجد بين الناس لا يعني أنه صار إنسيًّا، ما فيه آنس من الحمام، ومع ذلك صيد، نعم؟

طالب:........

نعم بين الناس الفأرة أيضًا.

يقول: "إن كل ما عقر الناس وعدا عليهم وأخافهم مثل الأسد والنمر والفهد والذئب فهو الكلب العقور، وأما ما كان من السباع لا يعدو مثل الضبع والثعلب والهر وما أشبههن من السباع فلا يقتلهن المحرم، فإن قتله فداه" فأنا قلت: حكم الإمام مالك على هذه الأمور هل هي لدخولها في مسمى الكلب كدخول الأسد؟ أو في الوصف المؤثر وهو العقر؟ فإذا قلنا: إنه في المسمى، إذا عرف مثلًا أسد مربى تربية بحيث لا يعدو على إنسان ولا يؤذيه فالعلة انتهت، وقل مثل هذا في النمر والفهد الذئب، ربي بحيث لا يضر أحدًا، نقول: ارتفعت العلة فلا نقتله؟ أو نقول: يبقى الأسد كلبًا ولو ارتفعت العلة، لكنه ليس بكلب عقور؟ يعني يصير حكمه حكم الكلب غير العقور؟ هذا هو الذي يظهر.

يقول الإمام -رحمه الله تعالى-: "وأما ما كان من السباع لا يعدو مثل الضبع والثعلب والهر وما أشبههن من السباع فلا يقتلهن المحرم، فإن قتله فداه" يعني على القول بأن العلة عدم الأكل، الضبع يؤكل، الخلاف معروف فيه، فالذي يقول: يؤكل يقتله للأكل أو لا يقتله؟ نعم؟

طالب:.........

دعونا مع العلة، العلة في هذه الأمور عدم الأكل عند من يقول بأن هذه هي العلة، وأنه يقتل كل ما يؤكل، ألا يرد عليه مثل الضبع؟ وقد جاء فداه عن الصحابة، وهو صيد، مثل الصيد، الأصل أنه صيد وهو ممنوع، فيمنع لأنه صيد، والخلاف في الثعلب أيضًا معروف، وأما الهر فهو لا يعدو إلا إذا ضيق عليه؛ ولذا جاء وصفه بأنه سبع، فإذا ضيق عليه عدا، وإلا فالأصل أنه لا يعدو "وما أشبههن من السباع فلا يقتلهن المحرم، فإن قتله فداه" قتل كلبًا غير عقور، أو قتل هرًّا مثلًا أو ثعلبًا يفدي وإلا ما يفدي؟ هو صيد؟

طالب:.........

نعم؟ صيد؟

طالب:........

هو الأصل أنه فيما يؤكل.

طالب:.........

ماذا فيه؟

طالب:........

يفدى وإلا ما يفدى؟

طالب:........

على أي العلل؟ يقول: "مثل الضبع والثعلب والهر وما أشبههن من السباع فلا يقتلهن المحرم، فإن قتله فداه" وقل مثل هذا في الكلب غير العقور، الكلب غير العقور يفدى وإلا ما يفدى؟ لا يفدى؟

طالب:.........

يفدى، يقول: "فإن قتله فداه" لأن العلة عنده هو ما كان من السباع لا يعدو، فإذا كان لا يعدو يفدى، وإذا كان يعدو دخل في الصنف الأول فلا يفدى، وتحققت فيه العلة علة الفسق، وإذا قلنا: إن العلة عدم الأكل فإنها تقتل ولا تفدى، وإذا قلنا: إن العلة التنصيص على ما ذكر، وعدم الإلحاق بها كما خرجت عن غيرها بالوصف الذي هو جواز قتلها، وعلى هذا يكون ما عداها لا يجوز قتله، وكل على مذهبه.

يقول: "وأما ما ضر من الطير فإن المحرم لا يقتله" يعني لا يقاس على الغراب والحدأة ولو ضر، ألم نقل: إن العلة الفسق فتقتل؛ لأنها ضارة؟ عدم الأكل كذلك متحقق، تبقى العلة الثالثة وهي التي يقول بها الحنفية التنصيص على جواز قتلها، خرجت عن غيرها بالتنصيص على جواز قتلها، فحينئذٍ يكون هذا منه، لكن الإمام مالك ألحق بالمنصوص عليه غيره، فهل اطرد مذهبه بالإلحاق أو لم يطرد؟ نعم أخرج الطير وإن كان ضارًّا.

يقول: "فإن المحرم لا يقتله إلا ما سمى النبي -صلى الله عليه وسلم- الغراب والحدأة، وإن قتل المحرم شيئًا من الطير سواهما فداه" لأنه صيد عنده وإن كان ضارًّا، نعم؟ لماذا؟ هل لأن ما يعدو من السباع لا يمكن الاتقاء منه بخلاف ما يعدو من الطيور؟ نعم ممكن ينقض الصقر أو النسر فيؤذي.

أقول: هل اطرد مذهب الإمام مالك -رحمه الله تعالى- فيما قرره هنا أو لم يطرد؟ إن كانت العلة الأذى وهي التي تفهم من كلامه الأول بالنسبة للسباع، فالأذى متحقق في الطيور التي استثناها، نعم؟ هذا إذا كانت العلة الأذى، فسقت خرجت عن خيرها بالأذى، إن كانت العلة حل الأكل وعدم حله فهذه الطيور الضارة ذوات المخالب تحل وإلا ما تحل؟ لا تحل، إذًا هي مثل السباع، لم يطرد مذهبه، وإذا كانت العلة التنصيص فقد ألحق بالمنصوص غيره ولم يلحق الطيور، فمذهبه على أي علة لم يطرد، نعم؟

هل يلحظ وجه للتفريق عند الإمام مالك بين السباع والطيور؟ نعم؟

طالب:.........

يعني علة الكلب منصوصة، وعلة ما ذكر من الطيور مستنبطة، فرق يعني بين العلة المنصوصة والعلة المستنبطة.

طالب: إذا كان الإمام مالك يرى أن العلة هي التنصيص فقط فمذهبه مطرد في هذا لأن التنصيص.....

لا ما يلزم التنصيص، هو يفرق بين العلة المنصوصة والعلة المستنبطة، نعم، يعني دعه مثلًا يقيس على الكلب العقور كل مؤذٍ من السباع، إلحاق، نعم من عموم العلة، يعني سواءً قلنا: من عموم العلة أو إلحاق للعلة الجامعة ما يختلف.

طالب: قد يرى أن الكلب العقور وصف عام ليس في شيء بذاته وليس هو كلبًا الكلب المتعارف عليه....

لا، أصل الكلب العقور هو الكلب المتعارف عليه إلا أنه اتصف بهذا الوصف فهو من عموم العلة.

طالب: هل يطلق على الأسد كلب؟

يطلق، لكن هل هذا الإطلاق لغوي وإلا شرعي؟ نعم؟

طالب: أكيد شرعي، لكن....

طيب دعنا من الأسد دخل في عموم الكلب، الذي بعده الفهد والذئب؟

طالب: قد يكون...... عن لغات العرب، قد يكون دخلت في أفراد هذا العام.

أنا أقول: كونها تدخل في لفظ الكلب ما يلزم، هي دخلت في العلة، العقر، دخلت في عموم العلة، فدخولها في عموم العلة يقتضي الإلحاق، بينما التنصيص على الأفراد من الطيور من غير نظر إلى علة، وإن كان فيها علة مستنبطة، لكن الحكم حينما يقولون: الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا يقصرونه على العلة المنصوصة دون المستنبطة، وعلة الكلب منصوصة وعلة الغراب والحدأة ليست منصوصة إنما هي مستنبطة، وهنا يكون كلامه اتجه، جزاك الله خيرًا.

نقرأ الباب الذي بعده.

أحسن الله إليك.

باب: ما يجوز للمحرم أن يفعله:

حدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن ربيعة بن أبي عبد الله بن الهدير أنه رأى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقرد بعيرًا له في طين بالسقيا وهو محرم، قال مالك: وأنا أكرهه.

وحدثني عن مالك عن علقمة بن أبي علقمة عن أمه أنها قالت: سمعت عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-، تسأل عن المحرم أيحك جسده؟ فقالت: "نعم فليحككه وليشدد ولو ربطت يداي ولم أجد إلا رجلي لحككت".

وحدثني عن مالك عن أيوب بن موسى أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- نظر في المرآة لشكوٍ كان بعينيه وهو محرم.

وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يكره أن ينزع المحرم حلمة أو قرادًا عن بعيره.

قال مالك: وذلك أحب ما سمعت إلي في ذلك.

وحدثني عن مالك عن محمد بن عبد الله بن أبي مريم أنه سأل سعيد بن المسيب -رحمه الله- عن ظفر له انكسر وهو محرم، فقال سعيد: "اقطعه".

وسئل مالك عن الرجل يشتكي أذنه أيقطر في أذنه من البان الذي لم يطيب وهو محرم؟ فقال: لا أرى بذلك بأسًا، ولو جعله في فيه لم أرَ بذلك بأسًا.

قال مالك -رحمه الله-: ولا بأس أن يبط المحرم خراجه، ويفقأ دمله، ويقطع عرقه إذا احتاج إلى ذلك.

نعم، يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما يجوز للمحرم أن يفعله" وذكر ما يمنع، ثم ذكر ما استثني من الممنوع، ثم ذكر ما يجوز له أن يفعله، وذكر بسنده عن ربيعة بن أبي عبد الله بن الهدير أنه رأى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقرد بعيرًا له في طين بالسقيا وهو محرم.

أولًا: القراد كالقمل بالنسبة للإنسان يعلق بالدواب من الإبل والبقر، والتقريد إزالة القراد عنه.

"رأى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقرد بعيرًا له في طين، قال مالك: وأنا أكرهه" أولًا: القراد لا شك أنه مؤذٍ، القراد والحلم كله مؤذٍ بالنسبة للدابة؛ لأنه يمتص من دمها ويؤذيها، فهل نقول: إن هذه مؤذية تزال؟ أو يقتصر على مجرد إزالة ضررها بتقريدها ولو لم تقتل؛ لأن عندنا مجرد الإزالة، وعندنا ما يترتب على الإزالة من قتل مباشر أو تعريض للقتل، عندنا في النص الذي معنا: "رأى عمر بن الخطاب يقرد بعيرًا له في طين" طيب وقع هذا القراد في الطين، يموت وإلا ما يموت؟

طالب:........

نعم يموت، عرضناه، لم يباشر، لم يباشر قتله، وإنما تسبب في قتله، فعمر -رضي الله عنه- نظر إلى أن هذا البعير متضرر بوجود هذا القراد، والقراد مؤذٍ وضار فيلحق بما يتأذى به الإنسان كالفأرة مثلًا، فأزاله قرد وأزاله، ووقع في الطين بالسقيا، والسقيا قرية بين مكة والمدينة وهو محرم، فعلى هذا لا شيء في نزع القراد أو القُراد من الدابة، وقل مثل هذا في إزالة القمل من الرأس بالنسبة للإنسان لأنه مؤذٍ، هو مؤذٍ، لكن هل مع هذه الإزالة تترك دون قتل أو تقتل؟ تترك، لا يباشر قتلها، قد يقول قائل: إن أخذ القمل من الرأس وإلقاؤه في الأرض بحيث ينتقل منه إلى غيره أذى، والأذى يزال، بل هو مما يماط عن المكان، بدلًا أن يتضرر به ويتأذى به سيكون سببًا في أذى غيره، فهل نقول: إنها مثل الفواسق تقتل؛ لأنها مؤذية؟

"قال مالك: وأنا أكرهه" لماذا؟ لأن إزالته وإلقاؤه في الطين يكون سببًا في قتله؛ ولذا يكرهون قتل القمل مع أنه مؤذٍ بالنسبة للإنسان.

وهنا يقول: "وحدثني عن مالك عن علقمة بن أبي علقمة -بلال- عن أمه -مرجانة- أنها قالت: سمعت عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- تسأل عن المحرم أيحك جسده؟ فقالت: "نعم فليحككه وليشدد -زيادة في بيان الإباحة- ولو ربطت يداي ولم أجد إلا رجلي لحككت" وهذه أيضًا مبالغة في بيان الحكم، وأن هذا جائز لا إشكال فيه، وهذا الحك لا يخلو إما أن يكون في موضع فيه شعر، بحيث لو حك بقوة وشدة كما قالت أم المؤمنين لترتب على ذلك إزالة شيء من الشعر، أو يكون المكان لا شعر فيه فلا يكون سببًا في إزالة شيء من الشعر، وهذا لا إشكال فيه، كون المكان لا شعر فيه ما فيه إشكال، قد يقول قائل: البشرة بعضها مع الحك ينزل منه شيء، لا أقول شيئًا من الوسخ، وإنما شيء من البشرة، وجاء في حديث: ((من أراد أن يضحي -يعني بعد دخول العشر- فلا يأخذ من شعره ولا من بشرته شيئًا)) فهل نقول مثل هذا؟ طيب الرجل فيها حكة مثلًا ثم حكها وشدد في حكها فنزل منها قطع من الشقوق التي فيها، هل يمنع منها من أجل هذا؟ أو نقول: إن الأخذ من البشرة خاص بالأضحية وأم المؤمنين تقول: يحك ويشدد ولو ربطت يداي ولم أجد إلا رجلي لحككت، كلامها يدل على أن ما يترتب على مثل هذا العمل لا شيء فيه، نعم؟

طالب:.........

إزالة، نعم؟

طالب:........

يعني يكرهه تورعًا تبعًا لابن عمر، ابن عمر سيأتي عنه النقل.

طالب:........

نعم، سيأتي عن ابن عمر.

يقول: "وحدثني عن مالك عن أيوب بن موسى بن عمرو بن سعيد بن العاص أن عبد الله بن عمر نظر في المرآة لشكوٍ كان بعينيه وهو محرم" النظر في المرآة من قبل المحرم فيه إشكال وإلا ما فيه إشكال؟ ما فيه إشكال، لماذا نقل الإمام مالك مثل هذا الأثر عن ابن عمر وهو الصحابي المؤتسي المقتدي الذي يميل إلى التحري في هذا الباب؟ لأنه يترتب على النظر في المرآة شيء من الترفه، والأصل في المحرم أنه لا يترفه.

يقول: "نظر في المرآة لشكوٍ كان بعينيه وهو محرم" لكن لو كان من دون سبب، أراد أن يسرح شعره، نعم، أو أراد أن ينظر هل في وجهه شيء أذى وإلا قذر ليزيله هل يقال: إن النظر في المرآة ممنوع من قبل المحرم؟ لا يوجد ما يدل على منعه.

قال: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يكره أن ينزع المحرم حلمة أو قرادًا عن بعيره" وقد ثبت فعله عن عمر فيما تقدم، وهذا عن عبد الله بن عمر، وهذا من زيادة تحريه؛ ولذلك كرهه الإمام مالك، وقال: "وذلك أحب ما سمعت إلي في ذلك".

قال: "وحدثني عن مالك عن محمد بن عبد الله بن أبي مريم أنه سأل سعيد بن المسيب عن ظفر له انكسر وهو محرم، فقال سعيد: اقطعه" لماذا؟ لأنه صار مؤذيًا، الظفر إذا انكسر أو الشعرة إذا دخلت جزء منها في العين تزال؛ لأنها مؤذية، ولا شيء عليه في ذلك.

"وسئل مالك عن الرجل يشتكي أذنه -يعني من وجع بها- أيقطر في أذنه من البان الذي لم يطيب" يعني وصف له الطبيب قطرة للأذن أو للعين هل يقطر في أذنه أو في عينه؟ قال: "وهو محرم؟ فقال: لا أرى بذلك بأسًا" يعني يجوز "ولو جعله في فيه لم أر بذلك بأسًا" إذ هذه الأدوية التي ليس فيها شيء من الطيب لا خلاف في مزاولتها.

 

"قال مالك: ولا بأس أن يبط المحرم خراجه" الدمل ونحوه لا بأس أن يفقأه، ويفقأ الدمل والخراج، ويزيل ما به من أذى ويعالج، ويقطع العرق إذا احتاج إلى ذلك؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- كما تقدم احتجم وهو محرم، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"
أرجو الإجابة على سؤالي للحاجة إليه في كل درس، إذا كانت السنة الراتبة مع الجلوس في المكان القريب من الشيخ، فأيهما يقدَّم؟ وإذا تعارضت الصلاة في الصف الأول والقرب من الشيخ كما إذا كان الدرس في المحراب فالقرب منه يسبب ترك الصف الأول، أو يسبب ترك الصف الأول؟

إذا كان الدرس في المحراب هذا ما يتعارض مع الصف، لكن لو كان الدرس مكاننا هذا في آخر المسجد.
طالب: ...............
لا، هو إذا قرب من الدرس قرب من الصف الأول، لكن إذا كان الدرس في مؤخرة المسجد، وأراد أن يقرب من الشيخ، وترتب عليه ترك الصفوف الأولى أيهما مقدم؟ لا شك أن في هذا تعارض لسنن، لكن قد يقول قائل في مثل الحياة الظروف التي نعيشها بالإمكان أن يكون في الصف وأكثر فائدة ممن هو بقرب الشيخ؛ لأن سماعات المكبر عنده في الصف الأول يكون يستفيد أكثر ممن قرب من الشيخ، الشيخ عنده أصول الأجهزة، لكن لاقطاتها وسماعاتها في الحيطان، فهي أقرب إلى الصف الأول، فهل نقول: إنه يجلس في الصف الأول ويستمع من خلال هذه اللواقط، ولو بعد عن الشيخ أو يقرب من الشيخ كما هو الشأن في القرب من الخطيب في الجمعة، وجاء الحث عليه الأصل أن الأصل القرب من الشيخ، القرب من موضع الدرس، القرب من موضع النفع في الخطبة وغيرها، لكن إذا كانت العلة تتحقق بالبعد من الشيخ أقوى من تحققها بالقرب منه، ونظير ذلك في التفات المؤذن في الحيعلتين، الأصل في مشروعية الالتفات تبليغ أهل الجهات اليمنى واليسرى، لكن الآن ما الذي يترتب على الالتفات ضعف الصوت، والتبليغ إنما يتم بعدمه، لكن ما جاءت النصوص به لا يترك من أجل مثل هذه العلل، ما جاء النص به، فيلتفت المؤذن يمينا وشمالا إن أمكن أن يحرك الآلة معه ليجمع بين الحسنيين فهو أفضل، وإلا فالأصل اعتماد السنة، وقل مثل هذا في القرب من الشيخ والقرب من الخطيب، ولو ترتب على ذلك ترك سُنن أخرى في وقته، أما إذا انتهى الدرس فليبادر إلى الصف الأول، أما تعارض السنة الراتبة مع الجلوس في المكان القريب فأيهما يقدَّم فالسنة الراتبة جاء الحث عليها والنهي عن الجلوس قبل أن يصلي ركعتين، وهذا عند عامة أهل العلم محمول على الاستحباب؛ لأن الثلاثة الذين دخلوا على النبي -عليه الصلاة والسلام- منهم من أوى وجلس، ومنهم من استحيا، ومنهم من انصرف من الثلاثة ما ذكر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال لهم: هل صليتم ركعتين؟ لكن لا يعني هذا أن دلالته صريحة على ترك تحية المسجد بدليل أنه قال وهو يخطب -عليه الصلاة والسلام- لمن جلس: «هل صليت ركعتين»؟ وهو يخطب، فالأصل أن يصلي طالب العلم الركعتين ويتجوز فيهما ويدرك ما يدركه إن شاء الله من الدرس، وإن حضر قبل ذلك وتأهب وتجهز فهو أكمل وأفضل.